تصدير لكتاب : " دراسات في معرّب القرآن"

ومن أولئك الأزهار المفتحة ، أخونا في الله سجاد بن الحجابي .ولد يتيم ،لكنه درّة يتيمة، وربّما يكون اليتيم درّة يتيمة فيما رأينا ، ورد علينا كنَورة فتفتح وتوسع وعطر وفاح أمثال زملائه الدراسين في المعهد

تصدير لكتاب : " دراسات في معرّب القرآن"

الحمدلله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد :

فالعربية أوسع اللغات مدىً على ساحة العالم ، وأغزرهن مادّة ، وأوفاهن بالحاجة الحقيقية من معنى اللغة ، لكثرة أبنيتها ، وتعدد صِيَغها ، ومرونتها على الإشتقاق ، وانفساحها من ذلك المنطلَق إلى ما تستغرق اللغات بجملتها .

فإذا نظرت إلى أقسامها وشعبها من الأضداد والمترادفات والمشتركات تجد كتباً مفردةً تتحدّث بكل تفصيل عن هذه النواحي ، وقدأعطت العربية ذخيرةً وافرةً من التآليف والأسفار في مجالها إلى مكتبة الإسلام ، وأوتوا في ذلك من الحظ مالم تؤته أمة من أمم الحضارات القديمة والحديثة ، وفي اتساعها فضل كبير للقرآن والحديث وانتشار الإسلام في أمم ذات ثقافات عريقة .

فقد فتح القرآن العظيم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم  للغة العربية أبواباً كثيرة ًواسعةً من فنون القول ، فعولجت بها أمور لم تكن العربية لتعتني بعلاجها من قبلُ، وذلك كمسائل القوانين والتشريع ، والقصص والتاريخ ، والعقائد الدينية ، والإصلاح الاجتماعي ، والنُظُم السياسية ، وشئون الأسرة وما إلى ذلك ،يطول المقال بتسجيلهاهنا في هذا التصدير .

ومعلوم ، أن القرآ ن قد احتوى على علوم شتى ، نافت إلى المئات ،أخرجها أعلام الجهابذة من هذا الكتاب المعجز ، ومن تلك العلوم البارعة :’’ المعرّب في القرآ ن الكريم ‘‘، الذي نحن بصدد ذكره هنا، والجديربالذكرأن أُسوِّف هذا الأمر قليلاً، وأذكر نبذة من تاريخ بدء المدارس الإسلامية ، ونماء اللغة العربية وحركة التآليف والبحوث لدينا في شبه القارة الهندية .

بدأ إنشاء المدارس الإسلامية والكتاتيب في الهند منذ ما سطع فيها فجر الإسلام ونوره ، وأخذ مأخذها في الاتساع والإنتشار طوال القرون، رغم اختلاف الأزمان في ضعفها وقوتها ، وقدكثرت دراسة العلوم الإسلامية في الغابر القريب على بعض مراكز الهند من دهلي ، ولكناؤ ، وخيرآباد ، وبعض المناطق الأخرى ، وعندما قامت الثورة سنة 1857 م ،انقلبت تلك الينابيع التربوية والمناهل العلمية قفاراً ، ولم يكد يبقى فيها هؤلآء العلماء الأفذاذ مبارزين في ميدان العلم والعرفان .

وفي تلك الظروف القاسية الصعبة التي تمر على المسلمين – آنذاك – قام آية من آيات الله وحجة الإسلام قاسم العلوم والخيرات ، الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله تعالى وأنشأ مدرسة صغيرة في قرية ديوبند،وسمّاها ب "المدرسة العربية.

كما يقول العلامةالإمام أبوالحسن علي الندوي في كتابه ’’ المسلمون في الهند ‘‘ (114) : "إن أكبر معهد ديني في الهند يستحق أن يسمّى أزهر الهند ، هو معهد ديوبند الكبير ، بدأ هذا المعهد كمدرسة صغيرة لاتسترعي الاهتمام ، ثم لم تزل تتوسع وتتضخم بفضل جهود أساتذتها والقائمين عليها ، وإخلاصهم وزهدهم في حطام الدنيا حتى أصبحت جامعة دينية كبيرة ، بل كبرى المدارس الدينية في قارة آسيا .

ثم انتشر تلاميذ هذه الجامعة في أرجاء المعمورة ، وفي الهند وباكستان وبنغلاديش خاصة فأنشؤا المدارس على غرار جامعة ديوبند ، وقامت هذه الفروع بجلائل الأعمال حيث أنجبت رجالات عبقرية ، ولكن بقي جانب مهم طيلة هذه السنين خامداً خفياً، ألا وهو إحياء اللغة العربية الفصحى في هذه المناطق ، فلم تُحظ مقامها اللائق الجدير، ولم تحتل حظها اللائق المرموق ".

فقد أخذت الجامعة الفاروقية ـ وهي إحدى فروع جامعة ديوبند ـ هذه الفكرة مأخذاً عظيماً في باكستان ، فأنشأت القسم العربي الذي ذاع صيته باسم "معهد اللغة العربية والدراسات الإسلامية" مقتبسة منهجا عن كبرى الجامعات في العالمين الإسلامي والعربي ، وبعد زمن قليل طفق يأتي المعهد بثماره على مختلف المستويات ، ويشتمل المعهد على ستة فصولٍ من الثانوية الأولى إلى الثانوية العالية (بكالوريوس) وذلك في ست سنوات كاملة .

وقد فرض المعهد على الطالب في السنة الأخيرة تقديم بحثٍ علمي يشتمل ـ على الأقل ـ على خمسين صفحة ولاحدَّ للزائد ، وقدتقاطر الطلبة جماعات ووحداناً على المعهد ونهلوا منه حتى وصلت فرقات منهم إلى الصف السادس فكتبوا حسب النظام بحوثاً نيّرة على موضوعات مبعثرةٍ أكثرها تنسجم مع عصرنا الراهن .

ومن أولئك الأزهار المفتحة ، أخونا في الله سجاد بن الحجابي الذي نتكلم على بحثه .وهو ولد يتيم ،لكنه درّة يتيمة، وربّما يكون اليتيم درّة يتيمة فيما رأينا ، ورد علينا كنَورة فتفتح وتوسع وعطر وفاح أمثال زملائه الدراسين في المعهد الذين يقول المعهد عنهم بلسان الحال :

فأغزوا من غزا وبه اقتداري ÷ وأرمي من رمى وبه أصيب
وللحسّاد عذرا أن يشحّوا ÷ على نظري إليه وأن يذوبوا
فإني قد وصلت إلى مكان ÷ عليه تحسد الحدقَ القلوبُ

الذين هم معجزة المعهد والقائمين به زمن تحصيلهم العلوم الإسلامية واللغة العربية ، وبعد تخرجهم في المعهد وفي الجامعة زمن قيامهم بنشاطات علمية وأدبية ، وثقافية ، وتربوية داخل البلاد وفي ربوع العالم، إن شاء الله سبحانه وتعالى  .

فسجّاد كان جادّا جدّا في طلب العلم، نسأل الله تعالى أن يرزقه جادةً مستقيمة في مجال الخدمات الإسلامية في المستقبل وكأن الشاعر يقول فيه :

غلام رماه الله بالخير يافعاً ÷ ذليل بلاذلّ ولوشاء لانتصر
فقلت له خيراً وأثنيت فعله ÷ يذمّه الأعداء وأحبّاءه شكر
كأن الثريا عُلّقت في جبينه ÷ وفي خدّه الشِعرى وفي وجهه القمر

وبعد ، فقد شرفت بتسريح النظر في مباحث الكتاب فاجتذبني ، وقرأته مع هدوء، ونصاعة أسلوبه ومن جملة ما أحببته هو بحث’’ هل في القرآن من معرب ؟؟ ‘‘ فقد أطال المؤلف ـ حفظه الله تعالى ـ فبلغ  حوالي عشرين صفحة وقد كتبت في استهلال هذا البحث حينما نشر قبل سنين على ساحة مجلتنا ’’ الفاروق ‘‘ الغراء ، فكتبت على جبين المقال : ’’ الأخ سجاد من الطلبة المثاليين في الجامعة ـ خُلقاً ودراسة ـ عطشان المعرفة والتحقيق العلمي الجاد ،دائما تراه يسأل ـ وبكل أدب وتواضع ـ عن مسألة علمية أو كلمة لغوية ، ذاالموهبة واللياقة، وأنت ـ أيها القاري الكريم ـ سترى عبقريته في ضوء البحث الآتي ، بمشيئة الله تعالى ‘‘. ولايزال سيزداد ثقتي بالأخ الفاضل مهما يتقدم بنا الزمن .

وأمّا سائر مباحث الكتاب فأتركه للقاري الكريم ، يعيش في ظلّه برغدِ ورفاهية . وكنت مشتغلاً جدًّا في هذه الأيام في بعض الأمور المهمة لوفاق المدارس العربية والجامعات الإسلامية بباكستان ، والأخرى الكثيرة ولم أجد فرصة سانحة أن أسجل فيها انطباعاتي وخواطري بانفتاح قريحتي ، ورغم ذلك كلّه رأيت ـ ذلك ـ من الواجب ، فاطلقت للقلم العنان فجاد ببعض ماترى .

وفي الختام أقول : إن البحث باقة من الأزهار البهية والأثمار الشهية ، جناها الأخ المؤلف من عشرات كتب التراث ـ على أنواعها ـ ثم صنّفها باقات ملونة وأطباقاً لذيذة ، فهو بُغية الأدباء واللغويين ، والمفسرين ، والمعتنين بأبحاث القرآ ن الكريم ، ونافع للمعلمين ومفيد للمتعلمين .

والله عزّ وجلّ أسأل أن يجعل هذا الكتاب ذخراً للمؤلف ولنا ولجميع أهل العلم في ميزان الحسنات ويتقبل منه قبولاً حسناً .

وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبولبيد ولي خان المظفّر
(12 من شهر رمضان 1425 هـ)

الشيخ ولي خان المظفر حفظه الله

الأمين العام للمجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي
الشيخ ولي خان المظفر بن الحاج مظفر خان

الأمين العام للمجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي



لقد وقف الشيخ حفظه الله حياته في مختلف المحطات لترقية الأدب العربي والأردي.

لقراءة السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ.. يرجى الانتقال إلى مقالة تلميذه الرشيد عنه بالنقر هنا:



مقالة عن الشيخ ولي خان المظفر


مجموع المواد : 92
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن

اكتب معنا


يمكننا نشر مقالك على شبكة المدارس الإسلامية، دعنا نجرب!

أرسل من هنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024