جنازة "ميثاق جنيف"
جنازة "ميثاق جنيف"
حول سجناء الحرب في غوانتانامو
نحمده، ونصلي على رسوله الكريم، وبعد :
فلقد أسلفنا مراراً في هذه المقالات أن الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، ومواثيق جنيف، واتفاقيات حظر الأسلحة النووية..... ما هي إلا فنون حرب من قبل النصارى واليهود ضد المسلمين، ما هي إلا شبكات حِيَل نُسجت ثم فُرشت لاصطياد الأمة المحمدية، وليست جداول أعمالها، ثم مقرراتها، واتفاقياتها، كلها إلا كلمات ما أُريدَ بها إلا باطلا.
ويؤيد ما نقول عمل الدول الكبرى الاستكبارية المناقض لتلك الاتفاقيات، والجداول، والمقررات الدولية، كما صرّح به القرآن الكريم: (لا أيمان لهم).
فهذه كشمير، وتلك شيشان، وتلك فلسطين، وهناك البوسنة والهرسك، وأمامك أوضاع أفغانستان، كم يجري فيهن سيلانات من الدماء وفيضانات من الظلم والعدوان ؟ ومذ متى ؟ وكم انتُهكت فيها حرمات من النساء وكم ضُيّعت فيها حقوق الإنسان،من الأطفال المعصومين إلي العجاجيز المتربصين للموت ؟ ومن النساء المتخدرات إلى الرجال الذين ما كانت لهم أية صلة بالجريمة ؟ وللأسف الشديد أنها مع هذا كله لم تُحرَّر من براثن الأعداء ومخالبهم، وبضدهن هاكم تيمور الشرقية نادت نداءً للتخلص من إندونيسيا المسلمة بغضاً وعناداً، فالدول المستكبرة كانت مشمرة عن ساق الجد، وتيمور من غد ذلك اليوم كانت دولة نصرانية مستقلة حرة على خريطة العالم، وإسرائيل ما كانت لها أية صلة بأرض فلسطين، أرض القدس، وأرض الأنبياء الأطهار ، أرض الإسراء والمعراج، لكن تلك الدول التماسيح لما أرادت أن تُجلس وتُسكن اليهود إخوان الشياطين في فلسطين، ففعلوا ما فعلوا على مرأى ومسمع من الناس،وإسرائيل تواجدت، فاليهود المفسدون الذين كانوا متفرقين في دول مختلفة في العالم، جاءت بهم الدول الكبرى إلى هنا، تخلصاً من شرهم وإفسادهم، فاليهود كلما يفعلونه في فلسطين يأتي تحت زمرة الحفاظ للدولة، و كلما يفعله الفلسطينيون، فهو إرهاب ،فأهل فلسطين يُقتلون ويُشرّدون ويُصغّرون رجالاً ونساءً، أطفالاً وشيوخاً في وطنهم الأم، وما حولهم من الدول المجاورة المسلمة فإنها أمسكت أهداب الصبر وأذيال الحِلم ولا تزال تُمسك، حسب قول رؤساءها المتشبثين بالمواثيق والعهود والاتفاقيات الأممية، أما الشاعر فهو يقول فى أولاءك الرؤساء ومؤيديهم وعلى رأسهم حسني مبارك:
لكن قومي وإن كانواذوي عدد ** ليسوا من الشرّ في شيئ وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ** ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كـأن ربـك لـم يخلـق لخشيـته ** سواهـم من جميع النـاس إنسـانـا
فـليت لي بهمِ قـومـاً، إذا ركبـوا **شدوا الإغارة فرسانـاً وركبـانـاً
والذي فعله جنود الأمن للحِلف الأطلسي والأمم المتحدة النصرانيون، تطرفاً إلى الصرب المسيحيين، وكراهيةً للبوسنيين المسلمين، فتحتفظ به عين التاريخ، فضلاً عما فعله الجنود الصُرب من أبشع أنواع الظلم والهمجية، ومن أسوإ انتهاك الحرمات.
ففي كل ما أسلفنا ذكره لم تنفع شيأً المواثيق العالمية ولا الاتفاقيات الأممية، فكيف نرجو في المستقبل؟
وخير شاهد اليوم على عدم اعتبار أيمانهم ومواثيقهم شأن السجناء في ’’ غوانتانامو‘‘ الذين وُطئت في حقهم القوانين والدساتير العالمية الإنسانية وقوانين الدول المتسميات بالمهذبة والمتحضرة تحت الأقدام، كما داست الجنود الأمريكيون وجنود التحالف العالمي حقوق الإنسان وخاصة الأبرياء في أفغانستان وكما نبذت أخيراً أمريكا مواثيق جنيف في سلّة المهملات من حيث العمل.
وهنا نقدم بعض بنود لميثاق جنيف حول سجناء الحرب ليتضح تناقضهم قولياً وعملياً:
1: البند الرابع: أثناء الحرب أو بعد ها يُعدّ كل معتقَل في أيدي القوات المقاتلة سجيناً، وبالتحديد يعني منه رجلاً له صلة بعسكر منسَّق، وبالتوسيع تأتي تحت زمرته كل مواطن أو مقاتل عصابي يحارب العدو مسلحاً.
2: البند الثاني عشر: يجب على القوة المعتقِلة الاعتناء بالمعتقَل تماماً.
3: البند الثالث عشر: ينبغي أن يُواجَه المعتقَل عن طريق اللين والاحترام.
4: البند الخامس عشر: يجب على القوة المعتقِلة مداواة المعتقَلين بمصاريفها،إن مرضوا، أو جُرحوا أثناء الحرب.
5: البند السادس عشر: يجب الاحتراز عن سلوك غير مناسب، بل لابد من توفير المرافق للمعتقَل كما توفِّرها القوة المعتقلة لجنودها.
6: البند الثاني والعشرون: لابد من توفير السكن المناسب سعةً ونظافةً، وأن لن تُسكنهم في مقصورات صغيرة.
7: البند الخامس والعشرون: بل أن يوفِّر للمعتقَل غرفة مجهزة إن أمكن.
8: البند السادس والعشرون: يجب توفير الغذاء المناسب لهم مع إذن التدخين للمدخنين منهم.
9: البند السابع والعشرون: لابد من توفير الحوائج الأساسية كاللباس، والنعال، والفسطان.
10: البند الثامن والعشرون: يجب من افتتاح المطعم (الكانتين) في كل مخيَّم من مخيمات المعتقَلين.
11: البند الرابع والثلاثون: هذا البند يوفِّر للمعتقلين الحرية في الشعائر الدينية كاملةً بدون تفريق أو تمييز في المذهب والديانة.
12: البند الواحد والأربعون: يجب أن تتواجد في كل مخيم مخيمات السجناء كُتيبات مواثيق جنيف وملحقاتها بلغة يفهمها السجناء ليستفيدوا منها أثناء اعتقالهم.
13: البند السابع والسبعون: ينص بأن السجناء يستحقون الكلام بمحاميهم مشافهةً، ويجب على القوة المعتقلة توفير المرافق في هذا المجال.
فهذه بنود مواثيق جنيف التي هي حصة من دستور منظمة الأمم المتحدة، وهي المنظمة التي طالما ترى أمريكا وحليفاتها تصرخ وتصيح بتطبيق دستورها وتحكيم وتنفيذ اتفاقياتها في الدول الأعضاء.
ففي منظور الأوضاع الراهنة حينما نُلقي نظرةً على الأحداث التي وقعت بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن، فإن أمريكا تخبط خبط عشواء في زعم تكبرها وغرورها، فإنها بدأت بضرب أفغانستان أفقر الدول في العالم وأجرحها وأنكبها، بدون أي دليل، بكل ما تملكها من أسلحة كيماوية كانت أو غيرها، وبدون أي تمييز بين بني البشر، وبدون أي تفريق بين مراكز القوات العسكرية والمساجد، والمستشفيات، ثم قامت بتسمية المسلمين أنفسهم ملقين للأسلحة من أيديهم بسجناء الحرب، ونقلت منهم زهاء ثلاث مأة إلى جزيرة غوانتانامو (المغصوبة من دولة كوبا) في حالة سيئة جداً، بأن الأمريكيين ألقوا السلاسل في أرجلهم، وحلقوا لحاهم، وربطوا أيديهم وراءهم، وشدوا أعينهم بالخِرق السوداء وبالتالي فوقها نظارات سوداء، وحشوا آذانهم بالقطن، ووضعوهم في أقفاص أصغر من أجسامهم طولاً وعرضاً.
أليس هذا كله مخالفة صريحة للمواثيق الدولية، ولا سيما لبنود ميثاق جنيف التي أسلفنا ذكرها آنفاً، لكن المشكلة أن الغضب تحوَّل إلى جنون، فعندما ما بقيت للعقل قيمة، إذا تكسرت على باب هذا الجنون كل القيم والمبادئ والقوانين والمواثيق والدساتير الدولية، وصارت الكلمات والبنود والدفعات كلها جوفاء متخلخلة دون معنى أو مغزى أو دلالة حقيقية على ماهيتها، وصار المنادي ليل ونهار لضرورة المحافظة على حقوق الإنسان منتهكا أكبر، لايعرف الرحم والعطف ولا حقوق البشر، وصارت الدنيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمرالماضي بدأ يجري فيها قانون الغابات، وأن السلطة فيها للقوي، والقوي يفترس فيها الضعيف،......... فإلى الله المشتكى.
الشيخ ولي خان المظفر
الأمين العام للمجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي