صلاة في مسجد فيصل
بينما كنت في رحلة ترفيهية إلى المناطق الشمالية بباكستان، وكنا في العاصمة إذ حان وقت صلاة الظهر، فعمدنا إلى مسجد فيصل هناك، وهو مسجد واسع الفناء جميل المشهد والبناء، أهدى به خادم الحرمين الشريفين الملك فيصل إلى حكومة باكستان، ليكتسب أجور المصلين الباكستانيين هناك، وهكذا كنت أتخيل المسجد مليئا بالمصلين القانتين الخاضعين الخاشعين، ولكن سرعان ما تلاشى أملي هذا نظير السراب إذ دخلت المسجد، فإذا بي رأيت جمعا حاشدا من الرجال المتفرجين والنساء السافرات المتبرجات في شرفة المسجد، معظمهم كانوا يلتقطون الصور الشخصية مع كل عمود من أعمدته، وفي كل موقف من مواقفه الجميلة، وفي كل مشهد من مشاهده الرائعة، وكأنه مكان التنزه والتفرج بدل أن يكون موضع العبادة والتبتل إلى الله عز وجل، وعندما توجهنا إلى المسجد علمنا بأن صلوة الظهر على وشك الإقامة، فأسرعنا إلى محلات الوضوء، فإذا بالمكان تنبعث منه رائحة كريهة، وكأن محلات الوضوء لم يتم تنظيفها منذ أمد بعيد، فتوضأنا وتوجهنا نحو القاعة الداخلية للمسجد حيث تقام فيها الصلوات الخمسة، فوجدنا على الباب بوابين، يفتشان كل من أراد الدخول في القاعة بالماكينة المحمولة، وهذه القاعة لا تفتح عادة إلا حين الصلوات الخمسة، فدخلناها فإذا هي قاعة واسعة كدت أسحر من جمالها الخلاب وزينتها الجذابة، فعندما اقتحمناها علمنا بأن الصلوة قد قامت، والإمام ينتقل من تكبير إلى آخر، وعدد المتفرجين أكثر بثلاث مرات من عدد المصلين بالجماعة، حيث لم يكن إلا صفين للمصلين، بينما بعض الناس يلتقطون الصور الشخصية مع كل نقش من نقوش المسجد، حتى إني رأيت شابا جالسا في وسط القاعة يلتقط صورته مع نجفة كبيرة وجميلة ذهبية في وسط المسجد، وكأن الناس جعلوا التقاط الصور أكبر همهم وغاية رغبتهم، ثم أدينا صلوة الظهر مع الجماعة، وبعد الفراغ بدأت أتجول في تلك القاعة، فإذا بي رأيت طاولات كثيرة مفصولة كل واحدة من الأخرى، فوقفت عند كل منها واحدة تلو الأخرى، فإذا بنظري تبادر إلى صفحات كبيرة الحجم، وأوراق متينة صقيلة من أفضل أنواعها، وقد حبرها الخطاط تحبيرا وخطها بيمينه في أناقة وجودة ، فعندما أمعنت النظر فيها فإذا هي آيات قرآنية من سور شتى، من سورة المعراج والحجرات إلى غير ذلك من الآيات المختارة بخط رائع جذاب خلاب، بينما أنا كذلك إذ شاهدت الناس بعد الصلوة يقوم أحدهم على المنبر أو على منصة الخطيب، وصاحبه يخيل بها إلى الآخرين أنه يخطب في مسجد فيصل، ويبتهج به ويفتخر، ويفرح به ويتهلل بشرا، كأنه نال به شرفا كبيرة أو مكرمة عظيمة.... وعندما سرحت نظري إلى المنبر فإذا به كانت في خلفيته سورة الرحمن.... وكذلك آيات من سور أخرى بالخط الكوفي الرائع.... وهكذا تجولنا في المسجد قليلا، وشاهدنا مناظر متنوعة من نقوش و تزيين ... حتى أرهقنا المشي في ساحة المسجد الطويلة، فخرجنا من المسجد، ولكن مازال الناس مشتغلين بالتقاط الصور الشخصية في عدة مواقف من المسجد.
وأعتقد أنها مأساة عملية كبرى في البلاد الإسلامية، حيث إنها تسربت إلى المساجد حتى في أفضل البقاع على وجه الأرض الحرمين الشريفين عند بيت الله العتيق، وعند الروضة النبوية الشريفة، إن التقاط الصور الشخصية في المساجد والمواضع المقدسة انتهاك لحرمات الله، فيا من تعود على التقاط الصور المحرمة، إحذر الوعيد الشديد بأشد العذاب يوم القيامة للمصورين كما ورد بذلك حديث سيد المرسلين، والله الموفق والمعين.