العربية مع الليالي والأيام
العربية مع الليالي والأيام
دخلت في إحدى الصفوف العربية اليوم، وقد كلفتهم بإعداد نشاط للحفلة العربية الشهرية التي تنعقد على مدار الشهر الإسلامي عادة، ونظرا إلى ضيق الوقت وكثرة الطلاب و عدم البراعة وزّعت عليهم هذا النشاط بأجزاء ،ليحظى كل طالب بالمساهمة في هذه الحفلة، ويتوفر لنا الوقت للنشاطات الأخرى في تلك الحفلة، فما إن جلست في الصف إلا وصادفني مسئوول الصف قائلا: استاذي المبجل! إن الطلاب يستصغرون هذه المساهمة، وهم يحسبونها هينة، ويقولون : إن الطلاب الآخرين ربما يتخذوننا هزوا حيث نقدم ما يحتوي على دقيقة أو دقيقتين فقط.... فقلت لهم : إن هذا خير لكم بالنسبة إلى مستواكم، وأخبرتهم أنه بإمكاني أن أكثر من تكليف عمل المساهمة ولكن لولا ما أحاذره من سآمة طباعكم وانضجار نفوسكم من تراكم الأشغال والواجبات لفعلت، وأضفت قائلا: لأن تقدموا القليل بإتقان وروعة أفضل من أن تقدموا الكثير بضعف و خطأ.... وقد استأنس كلامي هذا بالحديث النبوي حيث يقول صلى الله عليه وسلم : "إن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل"، وكذلك تذكرت في نفس الوقت مثلا عربيا رائعا حفظته قبل عدة أيام: "قطرة المطر تحفر الصخرة ، لكن ليس بالعنف بل بالتكرار".فقلت لهم: إن الطفل الصغير لا يبدأ الأكل في مرة واحدة بل أولا تعطيها أمه لقيمات صغيرة لا تحوى إلا على الذرات الصغيرة حتى تمضي الأيام والشهور وهو يتدرج في تعلم الآكل شيئا فشيئا ، فيتعلمه مع الليالي والأيام، كذلك شأن العربية، إنها ليست مما نتناولها مباشرة ونكون من عباقرتها وجهابذتها، كما أني أكدت لهم أن أصل الشيئ هو حسن الإلقاء على مسامع الطلاب، فكلما ازددت حسنا في الإلقاء ازددت مكانة في أعين الطلاب، حتى يستأنس الناس من كلامك ولاتمجه أسماع الطلاب، والعمل الذي يبدأه الإنسان بمرة بدون المرور بمراحل تدريجية لايستطيع أن يتقنه، وأكبر شاهد على اهمية التدرج في الأمور هو خلق الله - وأمره بين الكاف والنون - السموات والأرض في ستة أيام، ولم يكن ذلك منه إلا تبيانا لأهمية التدرج في الأمور لعباده،
والعمل الذي يبدأه الإنسان بالكثرة يتعب ويمل دون أن ينجزه، وبإمكاننا أن نستشهد بالحديث الذي أخرجه صاحب المشكوة من قوله عليه الصلاة والسلام: إن لكل شيئ شِرة(حدة ونشاط) ولكل شرة فترة(انحطاط وضعف)، فعلينا أن نسلك على طريق التدرج في مطالعة الكنب العربية الأدبية، فسوف نتناول درجات سلم الرقي في العربية مع الليالي والأيام إن شاء ربنا سبحانه وتعالى....