قصيدة: دع دار عبلة بالجواء وذكرها
يَا عَيْنُ جُوْدِيْ بِالدُّمُوْعِ لَعَلَّهَا --- تُرْخِيْ زِمَامَ جَفَائِهَا وَلِتَرْمُقَا
دع دار عبلة بالجواء وذكرها
سِرْ يَا نَسِيْمًا بِالسَّلَامِ مُشَرِّقًا --- وَمُغَرِّبًا يُلْفِي الْحَبِيْبَ مُزَقْزِقًا [1]
هَامَ الْفُؤَادُ بِلَوْعَةٍ وَتَشَوُّقٍ --- لِغَزَالَةٍ فَتَّتْ فُؤَادِيَ مُحْرَقًا [2]
يَا نَفْسُ مَالَكِ تَسْكُبِيْنَ نُفَاثَةً --- بَلْهَ الدُّمُوْعَ فَإِنَّهَا لَنْ تُشْفِقَا [3]
أَبُكَاءُ قَلْبِكَ نَافِعٌ فِيْ شَوْقِهَا --- أَمْ هَلْ يَزِيْدُكَ حُرْقَةً وَتَشَوُّقًا
يَا عَيْنُ جُوْدِيْ بِالدُّمُوْعِ لَعَلَّهَا --- تُرْخِيْ زِمَامَ جَفَائِهَا وَلِتَرْمُقَا [4]
حَوْرَاءُ مَا رَضِيَتْ سِوَى أَعْمَاقِ قَلْـ --- ـبٍ مَنْزِلًا حَتَّى وَلَوْ إِسْتَبْرَقَا [5]
فَشِفَاءُ قَلْبِيَ عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ --- حَيْثُ الصَّحَارَى نَاحِبًا وَمُشَقْشِقًا [6]
وَفَضَاءُ رَبِّيَ وَاسِعٌ يَا لَيْتَنِيْ --- أَقْضِيْ هُنَالِكَ نَحْبَتِيْ كَيْ أَصْدُقَا [7]
دَعْ دَارَ عَبْلةَ بِالْجِوَاءِ وَذِكْرَهَا --- ذَرْ طَيْرَ حُبٍّ فِي الْفَضَاءِ مُحَلِّقًا [8]
وَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ حَظَّهَا مِنْ رَاحَةٍ --- فَالْحُبُّ صَارِعُ ذِي الْحِجَاءِ مُحَرِّقًا [9]
شَابَتْ قُروْنُ الْعَاشِقِيْنَ تَرَاهُمُ --- ثَلْجًا عَلَى نَارِ التَّعَاسَةِ وَالشَّقَا [10]
لَمَّا رَأَيْتُ مَآلَ عِشْقٍ غُصَّةً --- تُفْضِيْ إِلَى تَيْهِ الضَّلَالِ وَمَأْزِقًا[11]
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ رَغْبَةً عَنْ "حُبِّهَا" --- دَوْمًا إِلَى ذَاتِ الْإِلَهِ مُشَوِّقًا[12]
________________
[1]- نسيما: نسيم الصبا، وهو ريح خفيفة تهب من قبل المشرق لطيفة لا تُحرِّك شجرًا ولا تعفّي أثرًا. مشرقا ومغربا: شرقا وغربا. يلفي: حتي يجد الحبيب. مزقزقا: مغردا بالسلام.
[2]- هام: في الأمر: تحيَّر فيه واضطرب وذهب كلَّ مذهب، تخبَّط على غير هدى. لوعة: حُرْقة الحُزْن والحُبّ الشَّديد والوجد. فت: الشيءَ دقه وكسره، فت قلبه: أحزنه حزنا شديدًا وقطَّعه وأضعفه وأوهن قوته.
[3]- نفاثة: ما يلقيه المحتضر بسبب مرضه من دم وغيره. والمعنى أنه لا يسكب دمعًأ ولا دمًا بل نفاثة، وهذا يدل على سوء حالته ومرضه بسبب العشق. بله: يستعمل بمعنى دع، وبمعنى كيف، وبمعنى مصدر. والمراد هنا فكيف تسكبين نفاثة فضلا عن الدموع، أو اترك الدموع وغيرها فإنها لا تنفعك في إرضاء حبيبك.
[4]- أرخى زمام الجفاء: قل جفاؤه أو انتهى. والزمام: ما يُشَدّ به الحيوان من حبل ونحوه لقيادته أو لإمساكه بإحكام.
[5]- حوراء: جمعها حور، هي امرأة مليحة بيضاء زهراء اللون، عينها: واسعة المقلة، مستديرة الحدقة، شديد بياض عينها، وشديد سواد الحدقة مع رقة في الجفون. والإستبرق: ديباج غليظ، أو حرير سميك منسوج بخيوط الذهب. وهذا أغلى القماش.
[6]- مهراقة: مسكوبة مصبوبة. هراق الماء: صبه. حيث الصحارى: في الصحراء. ناحبا: بكى برفع الصوت بكاء شديدا من شدة الحزن. مشقشقا: مصوتًا بصوت الطيور مغردا.
[7]- قضى نحبه: مات، أي حتى أموت هناك، كي أصدق: أصل الصدق هو التحقيق والوفاء. أي: كي أصدق في وفائها.
[8]- دع دار عبلة بالجواء وذكرها: إشارة إلى قول عنترة بن شداد: يا دارَ عَبلَةَ بالجِواءِ تَكَلّمي، ... وَعِمي صَباحاً دارَ عبلةَ واسلَمي. محلقا: حلق الطائر: ارتفع في طيرانه واستدار.
[9]- صارع ذي الحجاء محرقا: يقتل الرجل حتى ولو كان ذا عقل. ولا يقتله فحسب، بل يحرقه.
[10]- شاب القرن: اشتعل الرأس شيبا من شدة الحزن، واتصل جلد الخد بالفك. ثلجا على نار: لأن الثلج سرعان ما ينصهر على النار، فجسم العاشق مشبه بالثلج وحبه مشبه بالنار، التعاسة: سوء حظ وحال. الشقا: شقي في حياته: تعب واشتدّ عَناؤُه، تعس وساءت حالُه، ضد السعادة والهناء.
[11]- غصة: ما اعترض في الحلق من طعام أو شراب لا يستطيع بلعها ولا لفظها. والغصة: حزنٌ وهمٌّ وغمّ شديد متواصل "تجرَّع غُصَصَ الحزن والأسى". تفضي: تنتهي أ و توصل إلى. تيه الضلال: التيه هو الضلال، والتيه: فقدان الشخص صلته مع مَنْ حوله. مأزق: موقف صعب حرج، ورْطَة، شِدَّة وضيق.
[12]- رغبة عن حبها: زهدا فيها، أي تركت العشق المجازي وتوجهت إلى العشق الحقيقي بالله سبحانه وتعالى.