ما أحلى جدي!
إني أنقر أصابعي على الأزرار محاولا لكتابة شيء نافع، لكن دون أي موضوع، فمنذ عدة أيام وأنا أركز على أفكاري، لكنها سرعان ما تنفلت، ولا أستقر عليها، والسبب في ذلك هو أنني منذ أن سمعت أن جدي قد أصيب بمرض السرطان لا أتمالك نفسي على التركيز، بل أقول: إنني في كثير من الأحيان أقضي وقتا بمفردي باكيا على ذكرياته.
والله أنا لن أنسى أحلى الأيام التي قضيتها معه، فإنه يناديني للسمر معه، ويتحدث معي عدة ساعات، ويقول في البيت للنسوة جاء ضيفنا الكريم! أعدوا له أطيب طعام، تقديرا له واحتراما له، والله يشهد أني أكتب هذه الكلمات وأنا أبكي!
وهذا الأمر طبعي، بأن الإنسان إذا عرف مسبقا أن أقرب شخص في حياته سوف يفارقه قريبا فهو لا يتوقف عن البكاء على فراقه، فهذا هو حالي اليوم.
فمنذ أن عرفت أن جدي المسكين أصبح ضيفنا لعدة أيام، وهو طريح الفراش يحيطه الأمراض من جميع النواحي، وعلى الرغم من جميع الأمراض كلما أتصل به لأتفقد أحواله يقول لي مباشرة: يا حفيدي، أنا على أحسن حال، وأنا راض على ما قدر الله لي، وأنا أحتاج إلى دعواتك الصالحة.
فلما سمعت كلماته حافلة من الحزن والغم والألم بكيت.. ثم بكيت.. ثم بكيت... يا إلهي ، لماذا لم أقدر هذه النعمة العظيمة وهو كان معافا.
لكن أنا أيضا إنسان، فلكل إنسان حد للتمالك، فعند ما كلمته أمس (15-1-2018م) وهو طريح الفراش في المستشفى، بين المغذي والحقن، وما إلى غير ذلك... فقال لي أنا على أحسن حال يا بني، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يطيل عمرك جميعا، وأن تكون سعيدا في حياتك، وأرجو الله تبارك وتعالى أن ترى دوما سعادة في الدنيا والآخرة، ولا يرينَّك أيام الحزن والألم...
جدي يبكي ويدعو لي، وهذه أول مرة في حياتي أسمعه وهو يبكي.! وهو بنفسه طريح الفراش، لكن أقول: ما رأيت مثله في حياتي، كم يحبني... لست أنا وحدي في البيت بل يحب الجميع، ولا يترك أحدا في حزنه بل هو يشارك في أحزان كل أحد..
كتبت هذه الكلمات لأخفف حزني، وأقول للإخوة الذين أجدادهم أحياء أو جداتهم أو أباؤهم وأمهاتهم، أرجوهم كل رجاء ، قدروا هذه النعمة قبل أن تفقدوهم، واكسبوا قلوبهم بطريقة وأخرى، وأشعروهم أنكم مهتمون بهم في كل حال، ولا تتركوهم فرادى في غرفهم، بل أحيوا مجالسكم بهم... فإن الحياة فانية والأجل مسمى...
فكم من إخوة رأيتهم باكين على تصرفاتهم مع الآباء والأمهات والأجداد والجدات والإخوة بعد فقدانهم ورحيلهم من دنيانا.. اجلسوا مع الآباء والأمهات والأجداد والجدات بعيدين عن الجوالات والانترنيت، فإن هذا الدور سيأتي علينا جميعا يوما ما..
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل لجدي ولكل مريض من المرضى شفاءه، وأن يعيده علي موفور الصحة والعافية...