كن ذا همة عالية

هذه المقالة تتحدث عن الهمة العالية.

الهمة العالية هي من صفات الأعلام، اتصفوا بها و ارتقوا بها، الهمة العالية لعبت دورا بارزا في تكوين الحكومات و الإمبراطوريات و بناء الشخصيات العمالقة المرموقة، الذين تحلوا بها طيلة حياتهم سبقوا في كافة الأصعدة، استغلوا كل لحظة لتطوير ذاتهم، استصغروا كل عويصة و مشقة، خاطروا و  غامروا و تحملوا المشقات و العويصات، لم ينحوا رؤوسهم للمشاكل و لم يستسلموا لها، الإنسان الطامح يطوّر نفسه و ينميها و لا يكل و لا يمل و لايتزعزع.

 كما قال الشاعر:
إذا كانت النفوس كبارا/
تعبت في مرادها الأجسام

يسهرون الليالي و يهجرون مضاجعهم، لايتخلفون عن مسيرة حياتهم قط، الأئمة المتبوعون و الأعلام و السلف كلهم كانوا طماحين طلية حياتهم، لم يضيعوا أوقاتهم في الأمور التافهة الضئيلة، الإمام إبن حجر العسقلاني (م 852ھ ق) حفظ القرآن و هو الإبن التاسع، ثم التفت إلی دراسة الحديث النبوي، زار المدن العلمية مثل: المدينة المنورة، الزبيد، عدن، اليمن، الشام،  غزة، الرملة، القدس و دمشق، استغرقت دراسته عشر سنوات، بقي مئة يوما في دمشق درسَ ألفا حديثا، ثم عاد إلی مصر؛ و اشتغل بالتدريس و التأليف، تجاوزت تأليفه أكثر من 150، أما الشيء الذي يدهشنا و ينبهنا علی تواضعه و إخلاصه مقولته الذهبية التي كتبها علی تصانيفه: و أكثر ذلك مما لا تَساوَی نسخةً لغيره، لكن القلم جری بذلك.
 الإمام إبن حجر كان طماحا و ذا همة عالية مرموقة، ينتهز فرصه المتاحة له، و يستصغر المشاكل، يطير إلی العلی، الطماح يطمح للوصول إلی آماله و طموحاته و غايته المنشودة، لانه لايحصل العلی بالمُنی،

بقدر الكد تكتسب المعالي/ فمَن طلب العلی سهر الليالي

علی قدر أهل العزم تأتي العزائم/ و تأتي علی قدر أهل الكرام الكرائم

و تصغر في عين الكبير كبارها/ و تكبر في عين الصغير صغارها.

 الذي يريد الرقي و النمو و الإزدهار، يقدم نفسه و يغامرها و يخاطرها و لايكل و لايمل و يعزم و يطمح و ينوي و ينجز ما نوی و لا يعرف الكسل و لا التهيب و الخزي و الإستكانة، فإذا يعزم فيتوكل علی الحي الذي لايموت، أحذِّركم من ضعف الهمة، إياكم و سقوط الهمة، ضعيف الهمة العالية يتردد و يخاف و يتخلف و لايتقدم، يقلد الآخرين يكون ذنباً لهم يقلدهم تقليداً أعمی،  يزدري بنفسه و يستصغرها و يسخر منها، يطمس هممه و يضيع قدراته المتجسدة فيه، يستثقل الأمور و يفر منها يفر منها فرار الفأر من الهرّة، 

يقول الشاعر:

إذا كانت النفوس كبارا/ تعبت في مرادها الأجسام

إذا ما طمحتَ إلی غاية/ لبست المنی و نسيت الحذر

/ و من لايحب صعود الجبال/ يعش أبد الدهر بين الحفر/

قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه:

"لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته".
وقال ابن القيم:

"لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه.

وقال ابن نباتة رحمه الله:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل * إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا * عن غاية في الطلاب سباق.

فاشل الهمة العالية يتعب من العمل و يستثقله و يترياح و يريح نفسه، يرضی بالمنی و الراحة و الذل، فهذا إنسان فاشل سافل ساقط في مستنقع الانهيار و الخزي، لاينجز أي عمل إيجابي لمجتمعه، لايوزن له وزناً و لا قيمة، يتسكع في دياجير الجهل و الغباء، فكن يا أخي ذا همة عالية و طموح عالي، لاتكل و لاتمل من شدائد الدهر، لاتشتكي من الدهر، واصل جهودك، سِر إلی الأمام، طر إلی العلی، اصبر علی ما ينالك من المصائب و الشدائد، النفوس الطيبة تدور حول الطيبات و الأشياء العالية، أما النفوس الدنيئة تحوم و تدور حول الدناءات و الأقذار و الأنجاس، لن ترضی النفوس الطماحة  بالذل و الهوان و الخزي و الكسل.

 الصحابة رضي الله عنهم فتحوا البلاد بهمتهم العالية و طموحاتهم الراسخة الشامخة، استئصلوا جذور الطواغيت من العالم، قصموا شوكة الدولتين الكبيرتين الفرس و الروم، أخضعوا هاتين الدولتين لدساتير الإسلام و قوانينه، لم يستكينوا و لم يهنوا و لم يتزعزعوا؛ بل كانت هممهم عالية راسخة، فكن ذا همة عالية راسخة اتصف بها الأنبياء و الصحابة و الأعلام و القادة عبر الدهور.

 

عبدالسلام العمري البلوشي

المدرس و باحث الفكر الإسلامي و السياسي
أنا متخرج جامعة عين العلوم جشت و تخصصت في الحديث النبوي و الأدب العربي
مجموع المواد : 28
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
وسوم متعلقة
  • #الهمة
  • #معالي الأمور
  • اكتب معنا


    يمكننا نشر مقالك على شبكة المدارس الإسلامية، دعنا نجرب!

    أرسل من هنا

    المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
    الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
    شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024