لا تَحزُنك البداياتُ المتواضعة
كثيرا ما يحلم الإنسان نجاحا باهرا ومستقبلا زاهرا لنفسه، ويود ويتمني أن يكون له نهاية مشرقة وغد متألق، يشتاق أن يكون مخلد الذكر في صفحات التاريخ وطيات الذكريات، يجعل هدفه المنشود أن يفوق أقرانه وزملائه قاطبة، بل ويفوق العلماء الذين سبقوا، والعباقرة الذين خلوا قبله، قد يعزم ويحزم أن يكون مثل شيخ الإسلام المفتي تقي العثماني حفظه الله في الفقه والحديث، أو يكون مثل الشيخ الإمام أبي الحسن علي الندوي -رحمه الله- في الأدب والفكر والدعوة، لكنه ربما يتخيل أنه سيصل إلى هذه المرتبة العالية والمكانة المرموقة بطريق يسير بدون تكبد العناء ومقاساة المحن ومعاناة الشدائد في سبيله، وربما يغيب عن ذهنه أن هؤلاء العباقرة الأفذاذ الذي يأمل أن يكون مثلهم في التألق والنجومية لقد قاسوا أمرّ أنواع المحن والمكاره في بداية أمرهم وفاتحةحياتهم ، كيف واصلوا نهارهم بالليل، وقضوا أعمارهم في جد وكد، وعناء ومشقة، بل يريد أن يطوي هذا الطريق الوعر، ويتخطى هذه المرحلة بأقصى سرعة، ويتجاهل أن لكل نهاية مشرقة بدايتها المحرقة، وأنه لا بد دون العسل من إبرة النحل، وفي مثل ذلك قال الشاعر المجيد المتنبي:
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فعلى الواحد منا أن لا ييأس ويقنط، بل ويتفكر دائما في سنة الله في التدرج بالتعب والمشقة إلى النبوغ والكمال، مهما تخالفه الظروف والأوضاع، فالإمام البخاري- رحمه الله - مؤلف أصح الكتب بعد كتاب الله كان أكمه في فاتحة حياته،الإمام الندوي - رحمه الله - الذي سجد لعربيته وعقليته العالم، كان خفيف الذاكرة... فهكذا لو تصفحنا صفحات التاريخ والذكريات لوجدنا الكثرة الكاثرة من الأمثلة على هذه السنة الإلهية، وليست هي سنته في الحيوانات فحسب، بل وهي تجري حتى في النباتات، فإن شجرة البامبو التي نستفيد من قصبها الطويل في بناء المباني الشامخة، هي من أعجب اشجار العالم وأشدها غرابة، وحيدة عصرها، فريدة زمانها، يتعهدها المزارع بالعناية والرعاية والجهود العظيمة على مدى أربع ساعات كاملة!
ومع هذا، فلا يظهر من هذه النبتة العجيبة طيلة السنوات الأربعة إلا ١٠ سنتيمترات فقط، وفي السنة الخامسة تتغير الأمور، وتتحسن الأحوال، تُجنى ثمرة صبر المزارع، وتذاق حلاوة المثابرة والاجتهاد! حيث يصل طول هذه البنتة في السنة الخامسة إلى ١٨ مترا في خلال سنة.
فأي صبر ومثابرة، وأية همة عالية قدم ذلك المزارع بدون رؤية أيّ تقدم لجهوده في السنوات الأربعة، سوى بضم سنتميترات محبطة، ورغم ذلك واصل في العمل الدائب حتى تؤتي الشجرة اأكلها وأثمرت جهود المزارع۔
وكذلك نحن، علينا أن لا نستعجل النتائج في بداية الأمر بل نركز على أهدافنا جيدا، ثم نثابر من أجل تحقيقها ولا نستبطئ النجاح... فهو بإذن الله آت لا محالة، فإننا ما دمنا نعمل بجد، فلن يخيب الله عملنا بإذن الله.