طعم الإيمان
وضع الإمام مسلم بن الحجاج (۲۰۹-۲۶۱ه) في «الجامع الصحيح» ضمن أبواب «كتاب الإيمان» بابا يقول: الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبائر ، ثم أتبعه بالحديث التالي: عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا».
إن من أقوى العواطف الكامنة في الإنسان، بل أقواها على الإطلاق، هي عاطفة حب الذات أو الأنانية (EGOISM). والإنسان ربما يستعد للتضحية بكل شيء، ولكنه قلما يستعد للتضحية بأنانيته.. وفي العصر الحديث بلغ طغيان الأنانية أقصى مداها حين تقمصت ثوبة فلسفية براقة يطلق عليه الإنسانية أو المذهب الإنساني.. وهو يعني نقل المقعد من الله إلى الإنسان .Transfer of seat from God to man
والإيمان في حقيقته عَلم على التضحية بهذه الأنانية ذاتها.. فالمؤمن يئد أنانيته ليعترف بالحقيقة الخارجية.. وهو يرضى بأن يكون لنفسه «مقعد العبد»، ويكون له «مقعد المعبود». كما يرضي بإعطاء رسول الله مكانة الرسول، ووضع ذاته بالمقابل في محل التابع للرسول.. وهو يرفع دين الله وحده إلى درجة الدين، بينما يتخلى عن حقه مطلقا في أن يحاول اختراع دین ما وفقا لهواه وآرائه الشخصية.
وإن قرار كهذا لا يمكن اتخاذه إلا بعد حدوث ثورة فكرية عارمة.. حيث يتذوق المرء بعدها الطعم الخاص للمعرفة.. ولولا ذلك لما رضيت نفسه بتقديم هذه التضحية العظيمة أبدا.
نشرت في "منار الإسلام" العدد (11) ذو القعدة 1416هـ= مارس 1996م