متى تنتهي مأساة سوريا ؟!
دخلت سوريا عامها السابع من الحرب المدمرة المبيدة وأما معاناتها فبدأت منذ أربعين عاما من عهد الأسد الأب، وكأنها كانت على فوهة بركان انفجرت بالأسد الابن -خذله الله وكفى البلاد شره- ولكن خلال هذه السنوات لم تشهد سوريا إلا العدوان السافر و القصف العشوائي والدمار الشامل والقتل والتشريد، والهدم، فلا أمان لأي كائن حي ولا أمان للعمران أن يظل ثابتا في مكانه.
جربت القوتان الكبريان إمكاناتهما العسكرية على الشعب الأعزل من القنابل والغازات السامة والصواريخ الفتاكة والأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا، في الأرض المباركة، ولا تزالان تجرّبانها،كلّ ذلك بمرأى العالم الإسلامي والمسلمين بل والناس أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها. ولاشك أن ما جرى في تلك البقاع المظلومة لا يطيق رؤيته بل حكايته من يحمل بين جنبيه قلبا فيه أدنى رحمة وعاطفة فضلا عن إيمان وغيرة.
انتظر المسلمون والأمة الإسلامية انتهاء المأساة طويلا ولكنها لم تنته بعد بل ازدادت شدتها وتفاقمها، ولا ندري إلى متى تستمر وإلى أي شيء تنتهي.
إن التاريخ يقصّ علينا مآسي كثيرة منها ما قصر ومنها ما طال واشتد، ولكن المسلمين لم يكونوا مكتوفي الأيدي يتفرجون الأوضاع بل كانوا يبذلون محاولات ويبحثون عن طرق تنقذهم من العذاب. أما ما يثير العجب ويزيد الأسف ويؤذي الضمير أن الدول الإسلامية التي بلغ عددها إلى خمس وأربعين دولة لا تزال تطلع إلى أعدائها سيما القوتين الكبيرتين الظالمتين أو القوة الكبرى التي تزعم أنها الزعيمة الوحيدة للعالم المعاصر، بينما هاتين الدولتين متلطخة أيديهما بدماء الأبرياء من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون وليا ولا نصيرا.
أما روسيا صارت نفسها طرف الحرب بل متوليتها مع بعض حلفائها من الدول التي تدعي الإسلام! فهل السارق يمكن أن يكون قاضيا عادلا؟ وكذلك أمريكا التي أجلبت خيلها ورجلها في قلب الشرق الأوسط وتسعى لبسط سيطرتها على العالم كله وإخضاع المسلمين لسياستها الجائرة والانتقام من الأمة المسلمة "وما يوم حليمة بسرّ".
ألا ترون ما فعلت بأفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب أو تحرير الشعب؟ وما صنعت بالعراق بحجة خلع البلاد من الأسلحة النووية المحرم استخدامها دوليا، ولم يكن شيء منهما غير الكذب والمؤامرة والتبرير للتدخل في شؤون الدول الإسلامية ونهب ثرواتها وخيراتها وإرهاب أهلها. فهل من المعقول أن تثق الدول الإسلامية والدول العربية بهؤلاء الأعداء الحاقدين الماكرين، ويتطلعوا إلى حلول يمليها خبراؤهم السياسيون. أين الوعي الإسلامي؟ أين الكياسة وأين البصيرة؟ ألم تأخذ الدول الإسلامية دروسا من الماضي؟
إذن لا حلّ ولا سبيل إلا العودة إلى ديننا وإلى طاقاتنا والثقة بشعوبنا وعواطفها الإيمانية، ولا سبيل ولا حلّ إلا بالرجوع إلى الله الذي بيده ملكوت كل شيء وهو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد؛ ولا سبيل ولا حلّ إلا بتوحيد صفوف الأمة وجمع شملها وإعدادها، كما أمر الله سبحانه وتعالى: «وَاعْتَصُِموْا بِحَبْلِ الله جَميعًا وَلا تَفَرّقُوا». «وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّين فَعَليْكُم النَّصْر». «وَلا تَنَازَعُوْا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ وَاصْبِرُوا».
ههنا يجب على كل دولة إسلامية أن يجدد النظر في مواقفها تجاه الأوضاع المأساوية الراهنة.
علما أن المسلمين كجسد واحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فكيف يقر للمسلمين قرار والعضو السورى يتملل تملل السليم بل أشد من ذلك تحت وطآت الظلم والنيران المكثفة وترتفع صرخاته وتدوّي في سماء العالم الإسلامي.
أين الخبراء والسياسيون؟ وأين الزعماء المفكرون؟ وأين العلماء الربانيون؟ وأين القادة المؤمنون؟ وأين الشعوب المسلمة؟ وأين أهل الضمائر الحية من بني آدم؟
ولا ريب أن الجميع وقعوا في محنة عظيمة وليعلم الكل أن المشكلة ليست لدولة واحدة ولشعب واحد مشرّد، بل المسلمون جميعا قادة وشعوبا، خاصة وعامة يختبر إيمانهم وتختبر غيرتهم وحميتهم الدينية. ولا ينسى التاريخ ما هم فيه من تخاذل لإخوانهم وتقاعس وتناس لآلامهم.
وليعلم القادة المسلمون والشعوب المسلمة أن اختيار أي موقف إيجابي أو سلبي له نتائج وتبعات، ولا يسعني في هذا المجال أن أشير إلى مواقف بعض البلاد الإسلامية السلبية بشأن الثورة وانحيازها إلى النظام الحالي الجائر، أو صمت بعض الدول الأخرى تجاه ما يجري في سوريا المضطهدة. وماذا تكون الإجابة يوم الحسرة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.
إن الروس والولايات المتحدة سوف تنسحب قواتها من سوريا مخذولة مهزومة مدحورة إن شاء الله. ولكن يبقى العار واللعن والخزي والشنار لكل من خذل المسلمين بصمته أو ناصر عدوهم عليهم.