الحالة الدينية للأمة الإسلامية
يا أيها الإخوة والأخوات في الدين استمعوا لما أقول. وأرجوا أن تمنوا عليَّ فتصغوا إليَّ قلبا وقالبا لا آذانا فقط يا سيدي العامل أرجو أن تؤجل عملك لحظة والمتحدث بحديثك. و يا سيدتي أخِّريْ عملك لحظة فتشاركوني في حل الغمرة أجمعين. و لنحاسب أنفسنا كما يحاسب التاجر مساء ما له وما عليه.
إذاً وقفت شاخصا ونظرت حولي حائرا ففاضت النفس حسرة، وامتلأ الصدر ألما، والعيون دموعا، سألت نفسي لكنها سكتت لم تحر لي الجواب وخرج من فمي بلا قصد. في أي حال من الأحوال نحن أيبشرنا بالخير ويدعونا إلى السرور ويسوقنا إلى المرح سواء في بيتنا أم في مدرستنا أم في سوقنا أم في بلدنا. و مهما كان نوع طبقتنا من بين الطبقات التي تتبع هدي نبينا ﷺ وتسلك على إثره ﷺ وطريقه ﷺ.
لاشك، أننا كالمسافر الحائر طال عليه الأمد في صحراء منذ زمن، وامتد عليه المسير وطغت عليه الغاية. ويحط الرحال عشية، ويرتحل صباحا، وضل عنه الطريق، وعجز عن المسير. وليس له معين أن يعين ولا دليل أن يدل ولا مرشد أن يرشده إلى الغاية ونفت المزودة سريعا. فصوحت أماله الحياة وهجعت ذكرياته.
إذا أجلنا الأبصار في البيوت نجد أنها للإنسان حصن من البلايا ودرع في روعة الصدمة ويعيش فيها بحفاوة وكأن الرجل سيد البيت وتتبعه الزوجة والأولاد. ويبذل لهم الجهد دون أن يضيق بهم ذرعا وينفق عليهم راضيا مرضيا. والزوجة همها سعادة البيت ومطمحها مرضاة الزوج فقط. والأولاد تقر عيون الآباء بالبر والإطاعة. لكن اليوم تقلب الأمر من الأمس بسرعة فائقة، انصرم حبل الود، وانعدمت أخلاق النبيل. وتعصي الزوجة بعلها وهو يخالل غيرها وهي تعاشر غريبا. والولد يعصي أباه دون أن يخشى ربه. ووضعت المعركة في البيت ذراعيها بمسامير من حديد ليل نهار.
إذا التفتنا إلى المدارس لحظة وجدنا أنها مشارق الأنوار ومنابع الخير ينهل الإنسان من العلوم فيها لا يعطش بعد. تعتز بها الأوطان والبلاد. والمعلمون المخلصون يبذلون غاية الوسع في تهذيب الطلاب والتربية. والطلاب الأوفياء يخدمونهم كالعبيد كأن المعلمين أئمتهم، يتمثلون بأوامرهم امتثالا عظيما. لكنها اليوم على أسوء حال حيث صارت المدارس مأوى السياسة من أراد الشهرة فتح المدرسة ويأبه إليها. إن المعلمين والطلاب يقصدون الشهادة لا العلم والعمل. ويحبون الدنيا من شغاف قلوبهم وتجري الدنيا كمجرى الدم في عروقهم وأرمت جفونهم بغشاوتها ويدوم ذكرها القبيح على شفتيهم.
إذا رأينا الأسواق التي تجلب أرزاقنا وتنفعنا بالراحة والسرور، كالعمود الفقري للبلد في الارتقاء. فإنها صارت اليوم مجمع الاحتكار والخداع. ويتمنى صاحبها أن يجلب نقود الزبائن كلها ويحتكرها تماما. وشحذ السكين كالقصاب الجائر وليحقق به أمنيته كما شاء.
وأما البلد الذي يمنح العيش الجميل لكل موطن ويوفر له معادن الخزائن بلا شكر وجزاء. ويتيح الدين الإسلامي لسكان الأرض ليعبدوا ربهم ويستعينوا به في حل معضلات الحياة ويحوز منه الرضى ويكون لديه من المقربين. لكن البلد اليوم صار كالسجن وأغلق مفتاح الخير عليهم وقد أفلست جباياته تماما. يبدو من جسده الهزل ويرى من عمره ما بقي إلا ظمء حمار يوشك أن يقضى نحبه لا مفر منه ولا فرار.
وأما طبقات الدين والمذهب التي تنجي المتبعين في كل زمان وحال. وينضوي كل أحد تحت لوائها ويسترشد بها إلى الهداية فينة بعد فينة وتهدي المتبعين إلى الصراط المستقيم دائما. لكنها اليوم توغلت في الإفراط والتفريط وتكفر بعضها بعضا وتلعن بعضها ببعض تتحدث بالألقاب للإيذاء، وبلغت الفتن غايتها وظن كل أحد نفسه على الحق ألم يقل الله في دعاة المضلين قبل سنين : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة: 113]
في مثل هذا الحال لما تصدع أثار الدمار من كل مكان علن وعلى كل لسان طويل وغش اليأس على وجه حي وكلم كل قلب إنسان . نحتاج إلى الحل السرمدي يستنجد به الإنسان ويحتذى به إلى الخير.
ليست للشمعة أن تكافئ الشمس ولا للقطرة أن توازي البحر