بطون جائعة وأموال ضائعة!
أخي الكريم، صاحبني في الأفكار لحظة، ساعدني في التناجي بالهموم المتراكمة والغموم الكئيبة التي عصرتني.
إن المساعدة تنجز الأمور الشاقة ببساطة، و التعاون أنس في وحشة الحياة، ورأفة في مشاق الزمان، وصلة أبناء الجنس في الحياة.
إن الناس قد فقدوا قلوبهم الرفيقة اللينة، وشدّوا أيديهم السخية، وكبلوا أرجلهم عن المشي إلى الخير، وأغلقوا الأبواب بخلا وحرصا في المال، أقفلوا الأموال خيفة من القلة والإنفاق، واحتكروها في المستودعات همًّا على المستقبل. وإن الأموال بسطت عليهم ستارها وأوغلوا في التبذير والإسراف إيغالا عنيفا . ونسوا حكم الله تعالى في القرآن المبين، ألَمْ يقل الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
لاغرو أن المال يأتي بالجهد بطيئا، ويذهب بالتبذير سريعا، ولا يدوم في اليد أبدا انتقاله صفة لازمة لا تفارق البتة.
إذا أَجَلْنا الأبصار اليوم في الناس فأنهم في بلدنا فئتان. الفئة الأولى: ترفل في أسمن أكل، وفراش وثير، ولباس فاخر، ومنظر رائع. والفئة الثانية: تتضور جوعا، وتتجرع مرارة الحزن والأسى.
وهنا أسرد صورة تمثيلية في كلامي حتى لا يبقى في حيز الخفاء. نرى الأطفال العاملين في ورشة السيارات، ونرى الحداد والنجار في مخلَّفات المصانع. اسود لونهم كالفحم، وزيتوا أبدانهم حتى لكأن أحدُهم جني أسود. وأما البعض يفتشون الزبالات والقمامات حتى لا يمدوا أيديهم أمام الناس ويقضون الحياة عليها. لكن البعض يسوقهم الفقر والجوع إلى التكفف فيأوون إلى حافة الطرق ويمدون أيديهم إلحافا وتضرعا.
ذات يوم كنت رائحا إلى منزلي شهدت منظرا لايزال منقوشا في ذاكرتي لا يمكن حصره بالألفاظ ونقله بالكلام. أن الولد الذي لا يبلغ العشرة من عمره سنا، مغمى عليه في الطريق. وذاق من العذاب ما يزلزل الصم الصلاب، واطلعنا على الحقيقة القاسية بعد أن فتح عينيه وعاد إلى رشده، أن الجوع كان قد عرّضه للخطر.
إن لهؤلاء الناس المساكين أطفالا وأرواحا وقلوبا ولهم شرف كشرف كل إنسان، ، ولهم قلوب كقلوبنا وحسرات مثلنا، ربما أطفالهم أكثر من أولادنا عقلا وصلاحية، وأذكى قلبا، وأحسن جمالا لكن الفقر عطل قرائحهم ، و الجوع بقر بطونهم ، وقيّد أيديهم بالطوق ، وغلّ أرجلهم بالسلاسل، وأضعف أجسادهم بالمشاق، تغير لونهم بالعمل الدائم إلى حالة منكَرة بائسة.
إن هؤلاء الناس يسهرون لنا في زمهرة الليل تحت النجوم، ترتجف أياديهم من البرد القارس ونحن ننام في سبات عميق آمنين. ويشتغلون في وقدة الضحى تحت الشمس بالحنطة ، يقدمونها إلينا ويعيشون على الذرة والشعير. ويربّون الحيوان عمرا ويطعموننا الحم الشهي في الفنادق والمطاعم والبيوت، ويصبرون على الخضار والعدس. وينسجون الملابس الخلابة ويكسوننا، ويلبسون الرديئة. ويدافعون عن البلد بالتضحيات ثم لا يطلبون منا مقابل أرواحهم شكرا ولا جزاء.
إن الأغنياء يترفون بالمال ليل نهار، فإذا ابتاعوا شيئا أخذوه من أحسن الأنواع في كمية كبيرة ورموا المتبقي في الزبالة بلا قلق. اشتروا الثوب فاستزادوا في الخياطة سعرا ثم لبسوا مرة ثم رموا في القمامة. وإذا تزوجوا أنفقوا فيه آلافا تكفي آلاف الفقراء للزواج .إذا مات أحدهم أنفقوا في البدعات والسمعة آلافا تكفي آلاف الجائعين للطعام، ولم يُعرف عن الميت: أ هو في النعيم أم الأليم.
لا تغتر بالأموال والحياة أبدا. إن هذه الحياة تبلى مثل الثوب ويودع الجسد إلى القبر والأموال الذاخرة تبقى بلا صاحب. ثم يؤخذ حسابا عسيرا ( أعاذنا الله منه).
يا للأغنياء للمصلحين، اغتنموا هذه الفرصة الذهبية وأنفقوا الأموال على المفلسين وفي سبيل الإصلاح. واقتنعوا بربقة الحياة مادامت فينا وشاركوا البؤساء في كل فرح وترح لانهم خلقوا معنا من الطين.
أنا أدعو الله للمخلصين المقدرة، وللقادرين التوفيق. أن التوفيق خير مقدم ونعم صاحب ولا التوفيق إلا من الله.
بارك الله فيكم إذا فعلتم وأيدكم الله.