قصيدة (بان الرفاق فيا بيداء ما فعلوا؟)
بان الرفاق فيا بيداء ما فعلوا ** بعد الفراق فأمري بعدهم جلل
بانوا فلم يبقَ لي خِلٌّ ولا شُغُل ** سوى تذكُّرِهم في القلب يشتعل
لاموا على جزعي وقال قائلهم ** عزّ الإيابُ فلا يذهبْ بك الخبلُ
هيهات يعزب عن قلبي مودّتهم ** سيّان عندي ما قلتم ومُقتتل
كانوا رجالا، فما أُلفي كمثلهمُ ** بين الأناس رجالا بعدما رحلوا
لستُ الوحيدَ على الماضين أندبهم ** تلك الرسوم تناديهم وذا الطللُ
أفقتُ؛ لا عن سلوى بل على أمل ** وقد يقرّبُ نحو الغاية الأملُ
يا صاح، إن فرادى الناس قد كثروا ** وإنما المرء بالإخوان يكتمل
ليس الغني بمال لا دوامَ له ** بل الغني بصحبٍ فيهم الشُّغُل
فابغ الإخاء ودع عنك التفكّر في ** كسب الدراهم إن المال مرتحل
واعدل بنفسك عن عيب الرفاق فقد ** يبقي اللسانُ جروحا ليس تندمل
إن اللسان حصان فيه منفعةٌ ** إن كان سائسَه الإخلاصُ والمهَلُ
وقد يفوقُ سيوفَ الحرب مفسدة ** بين الرجال إذا ما استفحل الزللُ
للكذب مبتكر، بالمكر مستتر ** بالخدع متزر، بالشر منتعل
لا زال يُسرِع بالدنيا ويُقعِدها ** ما زال يعلو بها دهرا ويستفل
فاستر خطيئتهم، وانشر محاسنهم ** واحمل متاعبهم إن ضامَهم ثِقَلُ
هذا هو العيش يا صحبي فلا خدع ** ولا عناد، ولا بغض، ولا جدل!
فإن أشلّ قرينٌ كان كلُّهمُ ** فزعا عليه كأنْ أودى بهم شلَلُ
وإن أصابَ هُدًى طاروا له فرحا ** كأنهم دونه إليه قد وصلوا
وإن يرى أحد عيبا بصاحبه ** يظلُّ هامسَه نُصحا فيمتثلُ
معنى الأخوّة لم يفهمه غيرُهمُ ** حازوا المحاسنَ فليُضربْ بهم مَثَلُ!