انهيار العلاقات العربية الأمريكية وصحوة الشعوب العربية
عبد الرحمن محمد جمال
في ظل تصاعد العنف الطائفي الذي اكتسح العالم العربي والإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وأكل الأخضر واليابس، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتوجس خوفا من الغضب الشعبي العارم الذي اشتمل على جزء كبير من البلاد العربية.
فقد أغلقت السفارات الأمريكية في كثير من البلاد العربية وفي بلاد كالسعودية ومصر والعراق وتونس واليمن وليبيا وغيرها من البلاد العربية والإسلامية تعرضت السفارات لهجوم شعبي مما يشير من طرف خفي إلى مدى الغضب العارم الذي استولى على الشعوب الإسلامية من الهيمنة الغربية.
إن الصفقة التي تمت بين حكام العرب المرتزقة وبين الدول الغربية الضارية لبسط النفوذ الأخطبوط الأمريكي والأجنبي على الدول الإسلامية والعربية بغية استدامة حكومة العملاء قد كادت تنهار تحت الضغط والغضب الشعبي الذي انتفض في الآونة الأخيرة بصورة الربيع العربي لولا تصرفات الدول الأجنية المتهورة و نجاح القوى الغربية في تحويل هذا الربيع إلى حروب أهلية ومذهبية.
لقد أصبحت أمريكا في عيون الشعب كالغاصب المتهور الذي لا يهمه إلا كبت الشعب وركوعه للمصالح الأمريكية وانتماءه إلى حضارتها الماجنة الآسنة، فبغضوا أمريكا وكل من يحبها أو يجلها أو يدعو إلى حضارتها وثقافتها، وأصحبت المصالح الأمريكية والسفارات الغربية في خطر داهم من قبل الشعب الغاضب خاصة بعد مواقفها المتعثرة تجاه الربيع العربي والصحوة الإسلامية العربية .
قال الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان: إن الولايات المتحدة ترنحت بشدة مع ثورات الصحوة العربية التي اجتاحت عدداً من الدول بداية من تونس ومروراً بمصر وليبيا وسوريا.
وأضاف فريدمان بقوله في مقاله اليوم بصحيفة "النيويورك تايمز" إن السياسة الأمريكية تجاه دول الربيع العربي كانت فاشلة. وتابع بقوله "لجأنا إلى سياسة قطع الرأس في ليبيا وفشلنا، ولجأنا إلى سياسة التنازل في سوريا وفشلنا، ودعمنا الديمقراطية التي جاءت بالإخوان المسلمين في مصر وفشلنا أيضاً، وجرّبنا الغزو والاحتلال والتنازل في العراق، ثم عدنا إليه مرة أخرى ولكن الغبي فقط هو الذي يمكن أن يشعر بالتفاؤل إزاء تلك العودة الأمريكية للعراق". لقد اعتبر الغالبية العظمى ممن استطلعت الجزيرة آرائهم من العرب أن التصور السائد في البلاد العربية هو أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع العالم العربي بل والإسلام نفسه، وأن الإدارة الأمريكية لم تستطع أن تواجه هذا الزعم وتفنده وأن الولايات المتحدة قد تقلصت مصداقيتها كوسيط نزيه في المنطقة، وهي ليست لديها الرغبة للاستماع للآخرين، بل هي في حال إصدار أوامر وعلى بقية العالم أن يستمع. ومن اللافت للنظر أن الولايات المتحدة لم تقدم على إنشاء التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة إلا بعد أن توجست تهديدا لمصالحها، وهي ليست في هذه الحرب مخلصة، ولن تميل إلى فئة بس يهمها مصالحها، فلعل صديقها الحميم يصبح عدوها الألد إذا شعرت أن مصالحها في خطر، ومن العجب العجاب غباوة بعض قادة العرب الذين لا يأخذون التهديدات الأمريكية والغربية بعين الاعتبار بل ولم يزالوا يراهنون على الولايات المتحدة ولا يزالون ينفذون أوامرها رغم أن الولايات قد ولى عن كثير منهم وأحدث فوضى وضجيجا فيما بينهم، ورغم أنهم يدركون مدى مصداقية الغرب في تهدئة الأوضاع وتوفير الأمن في الشرق الأوسط.
كم لجأت الدول العربية لحل قضاياها المعقدة إلى مجلس الأمن وإلى الولايات المتحدة وخضعوا لهم ولكنهم عادوا صفر اليد، عادوا وهم يجرون أذيال الخيبة والفشل الذريع، إن العرب لا يغيرهم إلا العرب أنفسهم، والعرب لن يكونوا ذات شأن وشوكة إلا إذا تآخوا وتعاضدوا ونبذوا الفرقة والاختلاف وراء ظهورهم، ودانوا للشعب ولبّوا مطالبات شعوبهم، وتركوا التبعية للغرب، ولا يعني أن يقاطعوا الغرب في كل شيء، ويقفوا أمامه موقف العداء الصارخ، بل ليكن موقفهم صريحا أمام الغرب حيال بلادهم وشعوبهم، ويتركوا التبعية لهم. لقد أصبحت الشعوب العربية تمقت الغرب مقتا شديدا، وتبغض تصرفاته التي من شأنها سيطرة كوادره وفلسفاته علي البلاد الإسلامية بغضا شديدا، فقد ظهر لها عدوان الغرب ونفاقه وبغضه للشعوب العربية الإسلامية، ولن ترضى به الشعوب بعد يقظتها وبعد أن بدت لها سوآته، فهل للقادةالعربية أن يخضعوا لإرادة الشعوب ويلبوا نداءهم، أم هم لم يزالوا في سكرة الكرسي ولم يزالوا يغرهم قول الغرب إنه معهم؟؟!
إن الشعوب العربية استيقظت لتستعيد مكانتها المفقودة على خارطة العالم ولن يقف في وجهها ظلم الطواغيت، وخداع الغرب ولن يوقف تيارها أي تيار مهما بلغ من العنف والقوة، فليدرك ذلك القادة ويفسحوا لشعوبهم، ولا يكدروا صفو حياتهم.