أملي في العام الجديد
انقضى عام ميلادي وآخر أتى، ومع مجيء العام الجديد يطمح كل إنسان إلى تحقيق آمال يحملها أو أمنيات يريد أن يراها على أرض الواقع. كذلك لي أمل وحلم، أو أقول بعبارة أدق إن لي آمالا وأحلاما، فمن هذه الآمال والأحلام أنني أريد أن يكون هذا العام الجديد فرصةً للنهوض باللغة العربية في بنغلاديش، وأن يكون عاما حافلا بالأنشطة والأعمال اللغوية التي تحقق الهدف، ألا وهو النهضة باللغة العربية. عاما يلقي المدرس دروسه باللغة العربية، والطالب يتكلم مع زملائه بالعربية، والمحاضرات تكون بالعربية حول العربية، الندوات والمؤتمرات تنعقد بالعربية للعربية، وبهذا يتحقق النهوض باللغة العربية إن شاء الله.
ولكن لماذا أحلم وآمل هذه النهضة؟ ولماذا هذا الاعتناء والاهتمام باللغة العربية؟
لأن اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وبها نطق سيد المرسلين؛ ولأنها همة لطالب العلم وعزة للعالم وقوة للفقيه وطاقة للمحدث وقدرة للمفسر، وفي تعلمها مروءة وكرامة، حيث يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: "تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة". ولأن صاحب اللغة العربية صاحب عمق فكريٍ وبُعدٍ إدراكي، حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إعلم أن اعتياد اللغة العربية يؤثر في العقل والخُلق والدين، تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخُلق."
ولأن السلف رحمهم الله كانوا يهتمون باللغة العربية أشد اهتمام، وكبار الأئمة يعنون بعلوم العربية عناية فائقة، وأقوالهم في أهمية تعلم اللغة العربية والعناية بها خير دليل على هذا. ولكن أين نحن من هذا الاهتمام والاعتناء بهذه اللغة العظيمة. ولاشك أن هذا خلل كبير وضعف شديد ولسد هذا الخلل وتقوية هذا الضعف آمل النهضة اللغوية.
وهذه النهضة لن تتحق إلا بإرادة قوية ونية صادقة من قبل المؤسسات الإسلامية أعني بها المدارس والجامعات الإسلامية. فإذا كانت المدارس والجامعات الإسلامية جادة في النهوض باللغة العربية والارتقاء بها، فما عليها إلا أن تكون حريصة على تنفيذ المقترحات التالية التي قد تساعد في هذا المجال وتحقق النهضة اللغوية:
- وضع خطة لغوية مناسبة على مستوى المدارس والجامعات. التي تساعد الطلاب على تعلم اللغة العربية كلغة حية إتصالية.
- وضع المنهج الذي يقوم على أسس إعداد مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، حتي يتمكن الطلاب من الحصول على الكفاءة اللغوية والكفاءة الإتصالية.
- تشجيع الطلاب في المدارس والجامعات باستعمال المصطلحات والألفاظ العربية في محادثتهم اليومية. وكذا استخدام المصطلحات العربية للأماكن والوظائف المدرسية والجامعية، مثل الحمام، ودورات مياه، والغرفة، وكذلك أمين التعليم، والموجه،والمعلم، والمدير وما إلى ذلك من المصطلحات.
-الكتب والمجلات المتعلقة باللغة العربية غير متوفرة في أكثر المكتبات المدرسية والجامعية في المؤسسات التعليمية في بلدنا، فلهذا يجب على المسؤولين تفعيل المكتبات بالكتب الملائمة والمتنوعة باللغة العربية.
- إقامة الحفلات أو المسابقات باللغة العربية في داخل المدارس والجامعات، وكذلك التنسيق بين هذه المؤسسات التعليمية لإقامة المسابقات بالعربية.
- إقامة دورات تدريبية للمتعلم على تعلم القراءة والكتابة بشكل سليم، والتعبير عن آرائه وحاجاته بلغة سليمة.
- إقامة دورات تدريبية وتأهيلية المعلمي اللغة العربية في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
- اتخاذ السبل المناسبة لإصدار حائطية شهرية على الأقل في كل مدرسة وجامعة.
ويمكن لكل متخصص في مجال تعليم اللغة العربية أن يأتي بإقتراح أو إقتراحات تخدم النهضة اللغوية، وما على المسؤولين من المدارس والجامعات إلا تنفيذ ما يناسب مؤسساتهم. وهكذا تتحقق النهضة اللغوية، النهضة التي تأتي بفوز كبير وفلاح عظيم في خدمة القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وفي نهاية المطاف أتمنى التوفيق والنجاح لكل من يعمل في حقل تعليم وتعلم اللغة العربية، وأتمنى كذلك أن يتحقق أملي وهو أن يكون هذا العام الجديد فرصة للنهوض باللغة العربية في وطني الحبيب بنغلاديش.
محي الدين عبد القادر الفاروقي
باحث في اللغة العربية وآدابها ومدير مركز خدمة اللغة العربية بنغلاديش