قصيدة.. إني رأيت لسان الضاد مطرحا
جزع الخليُّ إذا دوّى حُدَى الرّاعي [1] ** خليطَ هَمٍّ وإخبارٍ وإيقاعِ
بِمَهْمَهِ القلبِ لا تدنُو جوانبُه ** يحدُو الشواردَ قد حادت بلا داعِ
فأنصتَ الخِلوُ إذ ألفَى لصاحِبِه ** عهدا بقلبٍ، ونغمًا أيَّ وَقّاعِ
حتى إذا بلغت حَوْبَاؤُهُ قَدَرًا ** من المَشاعِرِ أشجانا بأنواعِ
تجمَّعَ الِخلوُ يستوحي دفائنَها ** مِن بَيْنِ حُزنٍ وندم وأوجاعِ
فأقبل النغْمُ مُنقادًا له خَشِعًا ** شأنَ الكلامِ لِقَوَّالٍ، وَأسْجَاعِ
فبات ينقل أشجاها على ورَقٍ ** لمَّا رأى الفمَ نَهْدًا غَيْرَ مِطْوَاعِ
ثُمَّ استوى، فأتى الأصحابَ مفتعِلًا ** نغمًا يهزّ ذَوِي لُبٍّ وَأسْماعِ
يا صحبُ، إنَّ فؤادي اليوم مُلْتَعِجٌ ** وأصْطَلي الهمَّ جَمْرًا بين أضلاعي!
فقد رأيتُ لُغاتِ الجهل عاليةً ** كم من عصائبَ ترعاها وأشياعِ
ذَاتِ الرَّكَاكةِ ضَمَّتْ كلَّ نَابِيَة ** مِن الصفات وعمّت كل أقذاع
قبحٌ، وجهل، وإفساد، وغمغمة ** يلقى الأناسُ لها لحنا كَوَعْوَاع
إني رأيت لسان الضاد مُطَّرَحا ** مثلَ القذاة فلا راعٍ ولا واعِ
نَعوا إليّ ضياعَ الضاد في بلدي ** وَوَاصَلَ النعيَ ناعٍ بعده ناعِ
قُلْ للمقلِّدِ للأعداء مجتهدا ** في النطق جهلا: بئس السعيُ والساعي!
ماذا يفيدكُمُ مجدٌ لأوَّلِكُم ** إن صار آخركم يوما كَهِلواعِ
هذا الكتاب كتابُ الله بينكم ** وذاك هَدْيُ هُدَى الهادي وأتْباعِ
حُسنٌ، وعلم، وإصلاح، وجلجلة ** يَشفِي القلوبَ بإنقاعٍ وإقناع
هذي لغاتُهمُ جَاءت مُطاوِلةً ** شمسَ اللغاتِ فكِيلُوا الصاعَ بالصاعِ!
إن أقدموا شِبراً نحو العُلا طمَعًا ** فسابِقوهم إلى العَليا بأبواعِ
نشرت في مجلة الفاروق الغراء، كراتشي، العدد 106
ـــــــــ
[1] إشارة إلى قصيدة شاعر النيل (حافظ إبراهيم) الشهيرة التي مطلعها:
رجعتُ لنفسي فاتهمت حصاتي ** وناديت قومي فاحتسبت حياتي