الشيخ يحيى المدني.. نموذج في الاعتدال
بسم الله الرحمن الرحيم
حامداً ومصلّياً ومسلّماً،وبعد.
فإنّ خالق الكون أبدع في تكوين هذه الكائنات العظيمة الهائلة المتعددة الجوانب والمختلفة الأنواع ،لكن الكائن الإنساني صنعه بيديه المقدستين الطاهرتين تشريفاً وتكريماً لشأن هذا العنصر البديع،فجعل فيه مسلماً وكافراً،ذكراً و أنثى، طفلاً وشاباًّ وشيخاً، سعيداً وشقيّاً، بارّاً وعاصياً ،معروفاً كالمعرفة ومجهولاً كالنكرة،مقتدىً ومقتدِياً، وأكبرهم وأسعدهم وأعرفهم وأشهرهم وأكرمهم الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم، ثم الصديقون والشهداء، والصالحون، وجعل منهم علماء يرثون الأنبياء عليهم السلام في الفكر والنظر، والقول والعمل، والعلم والعرفان، والسلوك والإحسان ، فكان سعادة الشيخ يحيى المدني -رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته- من أكرم ورثة الأنبياء عليهم السلام وأحسنهم خُلُقاً ،وأوصلهم ،وأرحمهم ،وأجودهم، وأبرّهم، وأوسعم صدراً ،وأرحبهم قبولاً للصغار والكبار، والأصدقاء والأجانب، والمواطنين والوافدين ، ويشهد بذلك جميع من كان يعرفه أو كانت له أدنى صلة بشخصيته إدارةً وقيادةً وإرشاداً وإشرافاً وعلاقةً، لكن الذي يُميِّزه من بين الآخرين من أمثاله هو وصف الوسطية والإعتدال ، فكان نموذجاً وأسوةً وقدوةً في زمانه ومكانه في عدم التعصب وعدم التطرف الحزبي واللساني والطائفي واللوني والدموي والوطني والمسلكي ، كان يحب الكل ويحبه الكل، فما أحسنه محباًّ وحبيباً ،وما أحسنهما إذا اجتمعا في فرد أوشخص أوقائد أوعالم أومرشد .
كان يحب اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم ، ولغة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولغة الحرمين الشريفين والقبلتين المطهّرتين المقدستين اللتان تقع كلاهما في بلاد العرب ،شعب الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه الأَولى به صلى الله عليه وسلم، كان يَرغَب ويُرغِّب ويحثّ ويحضّ على تعلّمها وتعليمها ، ونشرها وإشاعتها ، وكان يكرّم حاملي اللغة العربية والماهرين فيها تشجيعاً لهم وترحيباً بهم ، مرّات قال لى : أريد أن أجعل اللغة الرسمية لجامعة الخليل الإسلامي اللسان العربي بنينَ وبناتٍ ، وقد قام بأعمال في هذا المجال ونجح فيها نجاحا مَّا . فما أحوجنا إلى مثله اليوم في هذا المضمار .
كان مزاجه وفطرته وشعاره "لا ضررَ ولاضِرارَ" ، وكان مصداقاً لقول أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه : ’’ المؤمن لا يَلدغ ولا يُلدغ ‘‘ .
كان رجلاً سمحاً لايُخشى بوادره ، مستقيماً ، والإستقامة فوق ألف كرامة . كانت لي به صلة قديمة حينما كنت في الوفاق وصلة جديدة حينما صرت مشرفاً لمؤسسة المظفرالخيرية العالمية، ثم مؤسساً ومشرفاً لجامعة اللغة العربية المفتوحة ، فكان من أكثر العلماء الذين أغدقواعلينا أموالاً هائلة متبرعين في الأمور الخيرية والشؤون التعليمية والأدبية ، فجزاه الله خيرا عناَّ وعن الأمة الإسلامية جمعاء .
بَيدَ أن وسطيته واعتداله كانتا من مميزاتٍ لشخصيته السمحة ، وأنا كنت دائماً ألاحظ من كريم خصاله وجميل سجاياه هذه الصفات العليا المحمودة المطلوبة في الإسلام والمجتمع الإنساني ككل .
فنسأل الله عزوجل أن يبدلنا خيراً منه ، وأن يرحمه ويغفرله ، وأن يتجاوزعنه ، وأن يتغمده في عفوه، ومغفرته وكرمه ، وأن يُلهمنا وذويه والأسرة العلمية والعائلة الدعوية التبليغية الصبر والسلوان .
اللهم لا تفتنّا بعده ولاتحرمنا أجره .
وصلى الله وسلّمَ على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ولي خان المظفّر
رئيس المجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي