الدول الإسلامية .. أتحتاج حتماً إلى نظام سياسي مماثل ؟
انتهت اجتماعات الدورة لوزراء خارجية الدول الإسلامية التي بدأت من 7 ستمبر الجاري 1994م بإسلام آباد باكستان بخيروعافية والحمد لله تعالى، وكانت تتجلى ومضات مشاكل العالم الإسلامي من القرارات التي وافقت عليها الدورة، والبحث كان يجري خاصة حول موقف أمريكا والدولة الأروبية العدواني تجاه العالم الإسلامي والأوضاع التعسفية الإضطهادية للأقليات المسلمة في بعض الدول ولاسيما في كشمير وبورما... ورعاية مصالح الدول الإسلامية والصنيع الإمتيازي من أمريكا مع الدول الإسلامية بإتهامها على ممارسة الإرهاب والإستفزاز.
ولا شك أن منظمة المؤتمر الإسلامي(منظمة التعاون الإسلامي) سلسلة من جهود جبارة للرواد المسلمين تسعى لتمكين العالم الإسلامي مكانة مرموقة، وتوفير القوة البشرية في ما بينها وإستخدام كافة وسائلها وتوجيه التعاون والمساعدة لتنمية الدول الإسلامية والحفاظ على الأقليات الإسلامية بكل صورة .
وإلى أيّ حد نجحنا في هذه الجهود ؟
هذا سوال جوابه مرّ جداً، فإننا ما نجحنا على هذا الرصيف نجاحاً ترجوه الأمة الإسلامية ،رغم ذلك منظمة المؤتمر الإسلامي هي العروة الأخيرة التي تتعلق طموحات المسلمين بها.
وعلى صعيد آخر الدول ذات القوة العليا التي تريد أن تستقر دكتاتوريتها على كرة الأرض لاتزال تتفقد وتتفحص نشاطات العالم الإسلامي وممارساتها. بل وتعرف تماماً كل حركة إزاء هذا الموضوع. وإن أراد القواد المسلمون فرادى أو جميعاً تخطيط مشروع جاد أو بدؤا بخطوات عملية لإستخدام وسائل الدول الإسلامية أو تفكروا لإزدهارالعالم الإسلامي فتصير عاقبته الموت، أو تكون حكومته مسقطة، ونظامه فاشل، ولم هذا ؟
لأن القوى الطاغوتية والقوى المضادة للإسلام أثَّرت في دول المسلمين تأثيراً لا يمكن إبعاده إلا بجهود جبارة. فكل دولة من الدول الإسلامية تخضع إلى قوة طاغية. هذه تخضع لأمريكا تلك تخضع لفرنسا، وهذه لروسيا وهذه لصين أو يابان و...و فوا ويلاه ووأسفاه على المسلمين لضعفهم وإستضعافهم ولضيق الأرض بهم بمارحبت بسبب تداعي الأمم عليهم ،كما قال قائد المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كماتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم،وليقدفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت (سنن أبي داؤد كتاب الملاحم ) .
فالدول الإسلامية الحرة يقرب عددها إلى 56 دولة ،والمسلمون أكثر من بليون نسمة في العالم أجمع،والمكانة السياسية للعالم الإسلامي في تطوير عالم جديد بعد انفراد روسيا عن ساحة السياسة الكبرى مهم جداً ، ولكن الدول الإسلامية كلها (سوى إثنتين أوثلاث منها )تمرّ بأصعب الأدوار أعني اقتصاداً وصناعةً وحكومةً ،رغم ذلك باكستان ومصر وليبيا وعراق وسودان وإندونيسيا وماليزيا وتركيا ودول الخليج تستطيع أن تقوم بدورفعال جداً في تاريخ البشرية في هذا العصر، لأن الدول المتقدمة أيةً كانت وأينما كانت لاتخفى تناقضاتها وتضاداتها عن أحد، أوربا التي تكون متكاتفة مع أميركا في السياسة العالمية تسعى الآن أن تبرز كقوة عالمية كبيرة وتتخلص عن دكتاتورية أميركا وبدأت على هذا المنهج. بإسم الولايات المتحدة الأروبية (U.S.E) ،الآن بعد الإتحاد تتبدل أحوالها إلى التحسن والتنمية وهي في النواحي الصناعية والعسكرية أيضاً.
واليابان التي كانت واجهت الدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية دخلت بسرعة فائقة في ميدان التنمية الإقتصادية حتى ذهلت الدول النامية أمامها وأمريكا لاتبدو إلاكسوق صغيرة أمام اليابان.
والصين مع أنها إشتبكت في تعقيدات إقتصادية وإيديولوجية بعد انسحاب روسيا قائمة كالهملايا السياسية في قارة آسيا بسبب قوتها الأفرادية وبرغبة الإرتقاء الوطني.
والهند متحرجة من إنشقاقها الداخلي وتناقض سياستها وتدهور علاقاتها بجيرانها ولكنها تقوم بجذورها الصناعية الجادة التي تضمن لها الرقي والازدهار في القرن الحادي والعشرين.
والكوريا لاتزال منقسمة في قطاعين، ولكن الإمكانات الارتقائية التي تلاحَظ هناك هي علامة مستقبلهم المشرق فيما أظن ، فهذه الدول كلها متراقية وتحاول الإرتقاء.
فالدول الإسلامية لو إنتهزت هذه الفرص وتوحَّدت فيما بينها سياسياً ونظرياً ،فلاريب أن المستقبل لها وهي للمستقبل إن شاء الله تعالى، وإلا فالعالم الإسلامي إذانمعن النظر فيه وفي أوضاعه الراهنة والماضية والآتية فلانجد شيئاً إلا تورط في هتافات ودعايات وشعارات و فقدان التنمية الإقتصادية والصناعية والسياسية والإيديولوجية و عبادة الغرب في النواحي العسكرية و الإرتزاق لأمركا في الحياة السياسية و تأخر الجهات الإجتماعية والوصول إلى ناحية ما لا ترى له آثار التقدم والنمو في العصر الحاضر.
وهتافات إتحاد العالم الإسلامي ليست بهتافات جديدة والمناقشات تجري حول هذا الموضوع من زمن طويل، وإن هذه لحقيقة باهرة أن بليون مسلمي العالم الذين مصيدة المجاعة والجهالة والغربة والفقر والمرض والعطالة والبطالة والعبودية والتدهور الذهني هم يريدون التغيير طبعاً ،لأنهم سئموا من هذه المشاكل ويرجون حقاً أن يستعمل العالم الإسلامي إمكاناته وأجهزته لفلاح المسلمين إجتماعياً ، والأبحاث تجري على الساحات الدولية حول هذا ،و لو نظر أحد إلى العالم الإسلامي أجمع فأول ما يرى من السيئات سيئة النظام السياسي لأنه لا توجد إدارات ومؤسسات إسلامية في هذه الدول سوى عدة دول منها مع أنها دول إسلامية. فما بقي في العالم الإسلامي من الإسلام إلا إسمه وما بقي من القرآن إلارسمه ،والحقيقة أن المسلمين تائهون في ميدان الفكر والنظرية والعقيدة والنظام والسياسة.
هذا يقول :أنا مسلم إشتراكى، وهذا مسلم عربي وهذا مسلم بعثي وهذا ينتمي مع الإسلام إلى الجمهورية وهذا إلى الملوكية وهذا إلى الرأسمالية، وهكذا إلى مالا نهاية له.
والحق أن الإسلام بنفسه دين متكامل وهولايحتاج إلى الإنتعاش ولا إلى الانكماش ،ولا يحتاج إلى ذيل أوذنَب معه ليسير مع درب الحياة ،وهذا النظام أنزله الله تعالى لعباده جارياً مع ركب الحياة إلى يوم القيامة وهو أعلم بمصالح عباده ،وأكثر علماً منهم وهو ينظر إلى المعمورة من فوقها وتحتها وجوانبها ويرى صلاحها وفسادها فيها من الناس والأشياء الأخرى وهو خالقها وبارئها ومصورها وهو الذي يدمرها ويهدمها، فالنظام الذي وضعه ذلك الموجد البديع الفاطر يكون حسناً وطبقاً لها أم الذي وضعها المخلوق الفانيون الناقصون الجاهلون عن المعمورة وصلاحها وفسادها ؟ الذين لم يُؤتوا من العلم إلا قليلاً ،أإنهم لا يتفكرون في القوانين الموضوعة في عهد ذي القرنين ونمروذ وفراعنة مصر وقياصرة روم وكياسرة إيران وزعماء روسيا والإفرنج، أين هؤلاء وأين قوانينهم ودساتيرهم فهل يبقى النظام العالمي الجديد لأمريكا إلى الأبد؟ –لا وألف لا- هذه الدساتير والقوانين كلها خرافات وخزعيلات وتفوهات هذه كلها موضوعة تتواجد اليوم وتنعدم غداً والتاريخ خير شاهد عليه.
أمالإسلام فأُسسه متينة جداً وأصوله راسخة ماتبدلت منها شيئ مضياً مع (14)أربعة عشر قرن، لأن هذه الأصول والأسس منزلة من الخالق الذي يعلم حقيقة هذا المخلوق وما سخر من الأشياء لهم نظاماً ودستوراً وقانوناً الذي يجري مع ركب حياتهم إلى نهاية هذه المعمورة. فأين هؤلاء من الله الخالق البديع المصور الذي يخلق ما لا يعلمون فيجب على المسلمين عامة وخاصة وعلى أهل الحكومات الإسلامية أن يقوموا بتطبيق هذه القوانين الإلىهية المنزلة من عنده والتي أختبرت في عهد نبي الإسلام ومعلّمه عليه أفضل الصلاة والتحية.
وأن يطبقوا القوانين والدساتير التي دأب عليها الخلفاء الراشدون ووليأخذوا من تلك الدساتير نبراساً لهم في أخذ سياساتهم الحكومية. وكانت سياساتهم شورائية ماكانت ملوكية ولا إشتراكية ولا غيرها بل كانت شورائية إسلامية وأحسن القدوة في هذا حكومة الشيخين رضى الله عنهما وعن جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينبغي للمسلمين أيضاً أن بجعلوا اللغة العربية اللسان العربي المبين لغة رسمية في العالم الإسلامي كله دون اللغات الأخرى من الإنكليزية وغيرها. وعلى المسلمين مد يدّ التعاون والمساعدة في جميع أعمالهم من أمور السياسة والتعليم والنظام والإقتصاد والتجارة و....و...وفي ما بينهم لأن الإرتباط باعث الفلاح وأن يقوموا بتنظيم (ولايات إسلامية متحدة )كأمريكا وأروبا وأن يكون لهم مقر واحد في أقدس بقاع الأرض وأفضلها أعني مكة أو المدينة وأن يكون لهم قائد واحد على ساحة العالم الإسلامي الذي يقوم بإصلاح المسلمين في ذات بينهم وتجميع كلمتهم وتوحيد شملهم، الذي يكون مراقباً على الأمور الخارجية للعالم الإسلامي ويكون مرجعاً وحيداً للمسلمين في قضايا هم الدولية ،إن شاء الله سبحانه وتعالى إذاً تكون الأمة الإسلامية في هذه الصورة معتصمة بحبل الله غير متفرقة، فتكون قوة عليا فى العالم بأجمعه وتنقضي مشاكلها وآلامها.
اللهم وفّقنا للخير كله عاجله وأجله
وما ذلك على الله بعزيز
وصلى اللهم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن حذا حذوه إلى يوم الدين.