الأسلوب بين الخلاف والاختلاف
الأسلوب بين الخلاف والاختلاف: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛ فإن إشكالية الأسلوب عند كثير من الأخوة الأفاضل المتدينين، أصبحت ظاهرة واضحة، فأحدهم يكون حريصا على الاتباع، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعلى اتباع الهدي النبوي، ويحب دينه، وملتزم بشعائر الإسلام، ودارس وصاحب علم، لكن ينقصه شيء لا يقل أهمية عن كل ما سبق وهو الأسلوب، أسلوب الدعوة، وأسلوب الاختلاف، وأسلوب النصيحة، فما أن يرى خطأً حتى يسارع بالزجر، وما أن يختلف مع أخ له مسلم حتى يسارع بالسب والشتم، والتنابز بالألفاظ، وما أن يحاول أحد نصيحته أو الحوار معه حتى يسارع إلى الشدة والعنف.
وإني لأعجب كيف غفل هؤلاء أن العلم وحده لا يكفي والتدين وحده لا يكفي، ولن يكون أحدهم أكثر تدينا وعلما من الأنبياء، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم). وقال لاثنين من أنبيائه موسى وهارون عليهما السلام، عند إرسالهما لفرعون الطاغية الكافر المشرك المستبد المفسد: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى). وهؤلاء الأخوة الأفاضل الذين نحسبهم على خير، ليسوا أعلم من الأنبياء ولا أحرص على الدين منهم، وليس المسلمون كفرعون في كفره وفساده، ورغم ذلك نجدهم أشد على المسلمين، من شدتهم على الكافرين، ويقسوا أحدهم على اخوانه بفظاظة وغلظة ولا يلين جانبا ولا يخفض جناحا، فهلا حرصتم على أسلوب الدعوة كما حرصتم على الدعوة، وهلا حرصتم على كسب القلوب كحرصكم على حفظ الدين. ومثل هؤلاء الأفاضل كرجل دخل على خليفة فقال له إني مكلمك ومشدد عليك، فاقبل مني، فقال له الخليفة: لا أقبل منك، فإن الله تعالى أرسل من هو خير منك لمن هو شر مني، فقال لهما: فقولا له قولا لينا. فأقام الخليفة الحجة على هذا المتدين الملتزم الناصح الذي ظن أنه بهذا الأسلوب الفظ الغليظ سيخلع القلوب ويبكي العيون، وتنقاد له العقول. ومما يثير دهشتي حرص هؤلاء على الأدب في الحوار مع غير المسلمين، وتركهم الحكمة واللين مع المسلمين، فأين قياس الأولى، وأين الأقربون أولى بالمعروف، وأين قول الله تعالى: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) أي جادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، والجدال هنا في الأصول، فكيف إذا كان الجدال مع المسلم وفي الفروع لا في الأصول، أليس ذلك أولى بالحكمة والهدوء واللين، فلماذا تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فتسبون وتشتمون وتكفرون في الفرعيات: أنت جاهل أنت فارغ أنت حاطب ليل أنت كافر كلامك سخيف أنت تجمع الأفاعي لا أظنه كلامك أنت ملحد كل ذلك وغيره يقال على خلاف في الفرعيات الفقهية التي اختلف عليها وفيها الأئمة العظام قبل مئات السنين. لقد قال أبو حنيفة بجواز إخراج زكاة الفطر نقدا، وجاء بعده أئمة ثلاثة قالوا بعدم جواز إخراجها نقدا، فما رأيناهم اتهموا أبا حنيفة بالسخف ولا الجهل ولا الكفر ولا كونه حاطب ليل ولا جامع أفاعي...الخ. فلماذا لا نتأسى بهم في الأسلوب والأخلاق والأدب كما نتأسى بهم في العلم والفقه. يختلف الإمام الشافعي مع صديق له في مسألة فيغضب صديقه منه فيذهب إليه الشافعي في بيته ويقول له: ألا يمكننا أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟!!ويصطلحان. ويذهب الشافعي إلى العراق فيترك مذهبه الذي هو عليه في مسألة فقهية فرعية ويعمل بمذهب أبي حنيفة، فيسأل عن ذلك، فيقول: هذه بلد أبي حنيفة. دون تزمت ولا تشدد ولا غلو ولا غلظة ولا فظاظة ولا هوج، لأنهم كانوا علماء وفقهاء بحق، تعلموا أدب العلم قبل العلم، وفرقوا بين الخلاف في الأصول والخلاف في الفرعيات، وأن الخلاف الفرعي قد يستوعب الجميع. يؤسفني أن أقول أن بعضا من مظاهر التشدد التي تروجها المسلسلات والأفلام عن المتدينين لا تخلو من صحة وواقعية، وللأسف! الأخوة الأفاضل ساهموا بسوء أسلوبهم وتسرعهم واندفاعهم في منح هذه المشاهد مصداقية على أرض الواقع، فهم لا يكتفون بالهجوم على المتحررين من الدين، بل يهاجمون حتى المتدين المخالف لهم، ولو في فرعية فقهية هي موضع اختلاف من قبل وللآن وللمستقبل، وربما إلى يوم الدين.
ثم أقول...
حبي لهؤلاء الأخوة الملتزمين عميق وحزني على سوء أسلوبهم أعمق.
ودمتم بخير.