المجموع : 4
لا تَعذُلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
لا تَعذُلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ / قَد قُلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهِ حَداً أَضَرَّ بِهِ / مِن حَيثَ قَدَّرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً / مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجَعُهُ
قَد كانَ مُضطَلِعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ / فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدَّهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ / مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروِّعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ / رَأيٌ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ / مُوَكَّلٌ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً / وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه / للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ / رزقَاً وَلا دَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ / لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى / مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِّزقِ وَالأَرزاقُ قَد قُسِمَت / بَغِيٌ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالمَهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُهُ / إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
أَستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً / بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارِ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي / صَفوُ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً / وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكذبُ اللهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ / عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جِنايَتِهِ / بِالبينِ عَنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أُحسِنْ سِياسَتَهُ / وَكُلُّ مَن لا يَسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا / شُكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ / كَأساً أُجَرَّعُ مِنها ما أُجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِيَ ذُقتَ البَينَ قُلتُ لَهُ / الذَنبُ وَاللهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلاّ أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ / لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ أَتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِدُها / بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ / بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلي لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعٌ وَكَذا / لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذْ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَفجَعُنِي / بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ / عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دَهرِي جازِعاً فَرِقاً / فَلَم أُوَقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست / آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مُعِيدٌ فِيكَ لَذَّتَنا / أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ / وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدٌ لا يَضيعُ كَما / عندي لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا / جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ لِدَهرٍ لا يُمَتِّعُنِي / بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبٌ فَرَجاً / فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا / جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تَغُلْ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتُهُ / فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
وإنْ يَدُمْ أَبَداً هذا الفِراقُ لَنا ... فَما الذي بِقَضاءِ اللهِ نَصنَعُهُ
وما سَرَّ قلبي مُنذ شَطَّت بك النوى
وما سَرَّ قلبي مُنذ شَطَّت بك النوى / أنيسٌ ولا كأسٌ ولا مُتَصَرَّفُ
وما ذقت طعم الماء إِلاَّ وَجَدتهُ / كأن ليس بالماء الذي كنتُ أعرفُ
ولم أشهد اللذات إلاَّ تكلُّفاً / وأيّ سرورٍ يقتضيهِ التكلّفُ
تَسَمَّع للمنازل ما تقولُ
تَسَمَّع للمنازل ما تقولُ / لأمرٍ ما تكلمتِ الطلولُ
وكيف يجيب سائله مَحَلٌ / بسلمانين من سلمى محيلُ
ومثل المستهام أخي التصابي / شجت أطلالُها الدُّرْس المثولُ
خَطبٌ طُرقتُ به أمرّ طُروقِ
خَطبٌ طُرقتُ به أمرّ طُروقِ / فَظُّ الحلول عليَّ غير شفيقِ
فكأنَّمَأ نُوبُ الزمان محيطة / بي راصدات لي بكلّ طريقِ
هل مُستجار من فضاضة جورها / أم هل أسير صروفها بطليقِ
حتى متى تُنحي عليَّ خطوبها / وَتُغِصّني فجعاتها بالريقِ
ذَهَبت بكل موافقٍ ومرافقٍ / ومناسبٍ ومصاحبٍ وصديقِ
وطريفةٍ وتليدةٍ وحبيرةٍ / صِينَت وركن للزمان وثيقِ
حتى بديكٍ كنتُ آلف قربهُ / حلو الشمائل في الديوك رشيقِ
ألقى عليه الدهر منه كَلكلاً / يفني الورى ويشتّ كل فريقِ
ورماه منه بحدّ سهم صائبٍ / لذخائر المستظهرين علوقِ
حزني عليه دائماً ما غرَّدَت / ورق الحمام ضُحَىً بذروة نيقِ
أَربيب منزلنا وَنَشوَ حجورنا / وغَذِيَّ أيدينا نداء مشوقِ
لهفي عليك أبا النذير لو انَّهُ / دَفَعَ المنايا عنك لهف متوقِ
وعلى شمائلك اللواتي ما نمت / حتى ذَوَت من بعد حسن سموقِ
لما نفعت وصرتَ عِلق مَضِنَّةٍ / ونشأتَ نَشْءَ المقبل الموموقِ
وتكاملت جُمل الكلام بأسرها / لك من جليل خالص ودقيقِ
وحباك مَن حيَّاك كلّ مودّةٍ / لك من خليلٍ صادقٍ وصديقِ
وغدوتَ ملتحفاً بمرط حبرت / فيه بديع الوشي كفّ أنيقِ
كالجلنارة أو صفاء عقيقةٍ / أو لمعِ نارٍ أو وميض بروقِ
أو قهوةٍ تختال في بلورةٍ / بتأنق الترذيق والتصفيقِ
وكأنما الجاديُّ جاد بصِبْغةٍ / لك أو طلعت مضمخاً بخلوقِ
ولبستَ كالطاووس ريشاً لامعاً / متلألئاً ذا رونقٍ وبريقِ
من حمرة مع صفرة في زرقةٍ / تخفى بحليتها على التحقيقِ
عرض يجلّ عن القياس وجوهر / لطفت معانيهِ على التدقيقِ
وكأَنَّ سالِفَتَيْك تبر سائل / وعلى المفارق منك تاج عقيق
وكأنّ مجرى الصوت منك إذا جَفَت / وَنَبَت عن الأسماع بحّ حُلوقِ
نايٌ رقيقٌ ناعم قرّت به / نغم تؤلفه من الموسيقي
تزقو وتصفق بالجناح كمُنتشٍ / وصلت يداه النقر بالتصفيقِ
وتميسُ مُمتَطياً لسبع دجائجٍ / مثل المهارى أحدقَت بفَنيقِ
فَتُمُيرنا منهُنَّ بيضاً دائماً / رزقاً هنيئًا ليس بالممحوقِ
فيها بدائع صَنعَةٍ ولطائفٍ / أُلِّفنَ بالتهذيب والتوفيقِ
فبياضُها ورق وتِبرٌ مُحّها / في جوف عاج بُطّنَت بدبيقِ
خلطان مائيّان ما اختلطا على / سَيلٍ ومختلط المزاج رقيقِ
يغدو عليه من طهاه بِعُجَّةٍ / ويروحُ بالمشويّ والمصلوقِ
نعم لعمرك لو تدوم هنيئة / هل دام رزق لامرىءٍ مرزوق
ابكي إذا عايَنتُ ربعك مقفراً / بتحنُّنٍ وَتَفَجّع وشهيقِ
ويزيدني جزعاً لفقدك صادحٌ / في منزلٍ دانٍ إليَّ لصيقِ
فتأسّفي أبداً عليك مواصل / بسواد ليلٍ والتماع بروقِ
وإذا أفاق ذوو المصائب سلوةً / وتأسياً أمسيتُ غير مفيق
صبراً لفقدك لا قلىً لكن كما / صبر الأسير لشدّةٍ ولضيقِ
لا تَبعُدَن وان نَأت بك نيَّةٌ / في منزل نائي المزار سحيقِ
وَسَقى عظامك صَوب مُزن هاطلٍ / غَدِقٍ رعود في ثراك بروقِ