القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو الصوفيّ العُماني الكل
المجموع : 163
رَوِّحِ النفسَ لا تَرِدْها المتاعبْ
رَوِّحِ النفسَ لا تَرِدْها المتاعبْ / مَا كذا يا أخيَّ تُحَدَّى الرَّكائِبْ
لا تَرِدها العِراكَ فالماء صَفْو / بازدحام النِّياقِ تَعْفُو المَشارب
أَو فَذَرْها سَوائماً لا تَرُعْها / غُفُلاً أَوْ خِطامُها فِي الغَوارب
أَوْ تَسَنَّم مَطِيَّ السَّراحِين منها / إنْ تكنْ تبتغي بلوغَ المَطالب
لَيْسَ مَن يَقطع المَهامِهَ سَعْياً / مثلَ مَن يمتطي ظهورَ النَّجائب
ذَاكَ فِي السير يقطع البِيد عَسْفاً / لَمْ يَكد يسلك الطريق المصاحِبْ
هَمُّه البيدُ لا سواها وهذا / هَيَّج الوجدُ قلبَه لا السَّباسِب
هاجَه الشوقُ منذ مَا شام برقاً / يَمَّم الأرضَ شرقَها والمَغارب
كلما سار فُسحةً طار شوقاً / حَثْحث العِيس كي يغالَ الرغائب
إن تَراءى علائمُ الرَّبْعِ حَنَّت / عِيسُه ترتجي ديارَ الحبائب
تَجذب النِّسْعَ لَمْ يَؤُدْها كَلال / جَذْبَةَ الشوقِ للحبيبِ المقارب
أَوْ تدانَى نحو المواقيتِ هاجتْ / لوعةُ الحبِّ من خلال المَضارب
هكذا الشوقُ يجذب الصَّبَّ حَتَّى / لَمْ يُطِق دفع عاملاتِ الجَواذِب
صاحِ دعْنِي أُفتِّت الصخرَ مما / هاج بالقلبِ من بديع الغرائب
لم أقل ذا الفتوحُ لما تَسَنَّى / سيدي ذا الفتوح إحدى العجائب
قد أدارتْ يدُ التهاني علينا / خَمرةً تَغْبَقُ السَّما والكواكب
من فتوحٍ بخمره قَدْ سكرْنا / لَمْ تجد فِي الحِمى فتى غيرَ شارب
ساجعاتُ الهَنا تغرِّد شَجْواً / فيْصَلٌ يمتطِي النجومَ الثَّواقب
هَمُّه كسبُ عالياتِ المَساعي / يَا لَسَعْي ويا لَنِعْمَ المَكاسب
سيدٌ فاضلٌ إما هُمام / عادِل مُحسِن رفيع المراتب
قد أُهنِّي بالفتح لكنْ / حقُّ أهلِ البلاد شكرُ المَواهب
أُخرِجوا من عذابهم فِي نعيم / كخروجِ العُصاة عند المذاهب
سَمدُ اليومِ أنت فِي مَلَك السع / دِ فتِيهي عَلَى ذوات المَناصب
انْعَمى بعد مَا أُهنتِ قديماً / وأَمْسِكي الطَّوْدَ بعد نسجِ العناكب
إن أعلى البيوتِ مَا قَدْ يُبنَّى / بانسكاب الدِّما وسَحْب القَواضب
عادَةُ اللهِ للأميرِ المفدَّى / قَمْعُ باغٍ وقهرُ كلِّ محارب
لا ألوم العُداة لما تولَّوا / يسألوا العفوَ كلما سار راكب
أيقَنوا أن مُلْكَهم يبلَى / هل يُرَدُّ القضاءُ والله ضارب
يَا لَطود الوفاءِ والحلم صَفْحاً / لَيْسَ عَفْوُ الملوك عنك بعازِب
إنما النصر فِي يديك فَخَفَّفْ / وَطْأَةَ القتلِ أنك اليوم غالب
وادخِرْ هؤلاء جُنداً فما هم / غير سعفٍ بساعديك ضَوارِب
لا تَقِسْ جُرْمَهم بإحسانِ من قَدْ / أَكْمَنَ الحقدَ مُظْهِراً زِيَّ صاحب
كامِنُ الحقدِ فِي النفوس وأَنَّى / يذهبُ الضِّغْنُ من فؤادِ المُناصِب
إِن تَشِم بارقَ الصداقةِ منه / لَمْ تجدْ غير بارقاتٍ كواذِب
كم مُشيحٍ بسَيْرِه بات يَطْوِي / مَهْمهاً طولَ سيرِه الدهرَ ساغب
شام بالبعد نار ضيفٍ فلما / صار بالقُربِ شام نار الحُباحِب
أسكرتْني شَمولُ فضلِك حَتَّى / لستُ أخشَى من العدو المُراقب
إن تكن لي من الزمان وحيداً / أيُّ شيءٍ من الزمان أُراقب
لستُ أَلوِي عَلَى سواك عِناني / أنت للمجد والعُلى خير خاطِب
أَأَسْلُو وحادِي البين جَدَّتْ رَكائِبُهْ
أَأَسْلُو وحادِي البين جَدَّتْ رَكائِبُهْ / وناحتْ عَلَى دَوْحِ المنايا نَوادِبُهْ
لَعمرُك من يَسْلُو وذا الدهرُ فِي الوَرى / عَلَى عجلٍ بالموتِ تسعى كتائبُهْ
هَيا كلُنا للموتِ حانوتُ خمرةٍ / يطوف بِهِ عِزْرِيلُ والخلقُ شارِبه
نُجانِب أسبابَ المنايا وإننا / لَنَهلك بالأسباب فيما نُجانبه
يَلَذُّ الفتى بالعيش والعيشُ خُدعة / ومن يختدع والدهرُ جَلَّتْ مصائبه
أَيُصبِح مسروراً هَنيئاً بعيشةٍ / أخو شَرَهٍ والموتُ لا شكَّ طالبه
ويرتاح فِي الدنيا لنَيْلِ حُطامها / وَقَدْ هلكَتْ قبل المَنال أقاربه
فَنَغدو ونُمسي والليالي تسوقنا / إِلَى مَنْهلٍ كأسُ المنايا مَشاربه
حثيثاً تجري الليالي ومن تكن / مَطيَّتُه الأيامُ قُصَّتْ حَقائبه
ومن كانت الأيام للسير نُجْبَه / بلغْنَ إِلَيْهِ مسرعاتٍ نجائبُه
فيا نفسُ إن الموتَ أعظمُ واعظاً / وَقَدْ نَشِبت يَا نفس فيك مَخالبه
إذَا مَا دَجا ليلٌ رجَوْنا صباحَه / وَلَمْ نعلمِ الإصباحَ مَاذَا عواقبه
ونحرِص فِي الدنيا عَلَى الرزق جهدَنا / وَلَيْسَ يفوت المرءَ مَا الله كاتبه
تُخادِعنا الآمالُ وهْي كواذبٌ / وَقَدْ يخدعُ الإنسانَ من هو كاذبه
نُراقب من وَقْع الأَسِنَّة والظُّبا / ويقتلنا بالرغم من لا تراقبُه
ويَفْجَوُّنا رَيْبُ المَنون بِغِرَّةٍ / كما فَجأتْ مَلْكَ الزمانِ نوائبه
فبالأمسِ قَدْ كَانَ المُمَلكُ فيصلٌ / بعرشِ سماءِ المجدِ تَزْهو كواكبه
فأمسى وناعِي البين يندب صارخا / أَلا إن عرشَ المجدِ هُدَّت مَواكبه
رويدكَ يَا ناعي المنون فجعْتَنا / بمن فِي مِهادِ المجدِ قَدْ طَرَّ شاربه
بمن كانت الأقدارُ صَحْباً لعَزْمِه / فإنا نراه اليومَ والعجزُ صاحبه
بمن كَانَ قَهّاراً عَلَى الخلقِ غالباً / فها هو مقهورٌ وذا الموتُ غالبُهْ
بمن قَلَّب الدنيا بتصريفِ رأيه / فصارت أيادينا أسيراً تقالبه
فلم أرَ قبلَ اليوم أنّ غَضَنْفَراً / تقلِّبه أيدٍ وأيدٍ تَناوَبُه
مُسَجَّى عَلَى ظهرِ الأَريكةِ هادئاً / وتنسج أكفانَ الحتوفِ عناكبه
فهُبّوا بني الإملاقِ طُرّاً فقد نَعَتْ / أبا الفضلِ رحبَ الساعدين نَواعبه
قِفوا ساعةً وابكُوا زمانَ حياتِكم / فهذا أبو الأيتام فُلَّت ضَواربه
لقد كَانَ فِي عين الخلافة حاجِباً / فأضحى بعين الأرض والقبرُ حاجبه
فيا لَكَ من بدرٍ بأُفْق سمائِه / تَغَشَّتْه بعد التِّمِّ ليلاً سَحائبه
ضياءٌ ضياءُ الشمسِ دون سَنائِه / كَستْه من الليلِ البَهيم غَياهبه
تَبدَّى وأفْقُ الفضلِ غارتْ نجومُه / فأَضحى عَلَى العافِين ترمي ثواقبُه
مَليكٌ تحلى الدهرُ فخراً بجوده / وَقلَّدنَ أعناقَ الرجال مَواهبُه
تَبدَّتْ بِهِ الأَيَّامُ غراً سَوافراً / وولّت بِهِ والدهرُ سودٌ جَلابِبُه
بِهِ عمِرت أرضُ المكارم وارتوتْ / بأَنوائه وارتدَّ للجود ذاهبه
أفيصلُ مَن للفضلِ بعدَك يُرتَجى / إذَا المرءُ قَدْ ضاقت عَلَيْهِ مَذاهبه
أفيصلُ مَن للحلمِ بعدك والسَّخا / ومن يَجْبُر الملهوفَ إن عُضّ غاربه
أفيصل إن الجود أصبح ثاوياً / بجنبيك فِي قبر تَضيق جوانبه
فمن لذوي الحاجاتِ فيصلُ إن أتى / لبابك محتاجٌ لتُقضَى مآربه
فيا عينُ قَدْ آن البكاءُ فأَذرِفِي / بفَيْضان دمعٍ يفضحُ السحبَ ساكبه
ورَوِّي ثَرَى قبرٍ بِهِ الفضلُ ثاوياً / رَواءً يُعيد القفرَ خُضراً سَباسبه
حرامٌ عَلَى نفسٍ وأنت فَقيدُها / سُلُوٌّ ومن يسلو وفَقْدُك سالبُه
فلولا تَأَسِّينا لَفاضَتْ نفوسُنا / بتَيْمورَ مَنْ للمُلكِ شَبَّتْ ترائبُه
تَجلَّى عَلَى أُفْق الخلافةِ مُشرِقاً / فضاءَ بِهِ شرقُ الفَضا ومغاربه
أتانا وثغرُ الدهرِ أَبْرَز نابَه / فلما بدا بالدهرِ زالت شَوائبُه
بَشوشٌ غَضيضُ الطرفِ عن كل مُذنبٍ / مُحِب لأهل الفضل بِيضٌ مناقبه
تَحلَّت بِهِ الدنيا وَلَمْ تكُ عاطِلاً / ولكنما خيرُ الحُليِّ أطائبه
فإن كَانَ طودُ المجد هُدَّ بفيصلٍ / فإن بتيمورٍ تطول شَناخِبه
تَكَهَّل إِكليلَ الخلافةِ يافعاً / وقُلِّدْنَ سيفَ المجد طفلاً مَناكبه
ومن كَانَ تيمور الخليفةَ بعَده / تُخَلَّد ذِكراه وتعلو مراتبه
مليكٌ بعرشِ العدل أصبح راقباً / يَحُفُّ بِهِ نَفْل الصلاح وواجِبه
كَسَتْهُ يدُ الإيمانِ ثوبَ جلالِه / وَحلاّه فرضُ الدين تَمْر رَغائبه
تَربَّع فِي دَسْتِ العدالةِ واسْتَوى / بكرسيِّ دينِ الله فاعتزَّ جانبه
تُسيل يمين الجودِ منه مَواهباً / فتَجري بسُبْروت العُفاة مَذانبه
هو الطود فاشدُد ساعِديْك بحبلِه / فقد خاب من كَانَ المليك يُجانبه
ويا دهرُ هَذَا المَلْكُ فانزِل ببُوحِه / ولا زال قَهْراً فيك تَجري مَطالبه
فلا زلتَ محفوظاً بظل أمانةٍ / ولا زال قهراً فيك تَجري مَطالبه
قلبٌ لتَذْكار الأحِبَّةِ قَدْ صَبا
قلبٌ لتَذْكار الأحِبَّةِ قَدْ صَبا / فكأنه سَعَفٌ تهاداه الصَّبا
تُدْنيه من أرَج التواصلِ نفحةٌ / وتَصدُّه ريح الصدود تَنكُّبا
فيظل بين هدىً وبين نوى / وبين جوى وبين تلهفٍ متقلبا
طوراً يَشيبُ بِهِ الغرام وتارةً / يَهْمِي عَلَيْهِ الدمعُ مُزْناً صَيِّبا
فكأنه والشوقٌ تذكُو ناره / لَهبٌ تَطايرَ بالحَشا أُبدِي سَبا
عَجَباً لجَرْيان الدموع ومُهْجَتِي / تَصْلَى بنيرانِ الفراق تَلهُّبا
كلتاهما نار تَوقَّدُ بالحَشا / هَذِي لتنضَحَ والدموعُ لتَنضُبا
فاعجبْ لنارِ الشوقِ يُذكِيها البكا / والدمعُ من نار الفراق ِتصبَّبا
مَا لي وَمَا للدهرِ أطلب وَصْلَهم / فيَصدُّني ويَرى التفرُّقَ مذهبا
ما أظلمَ الدهرَ المُشِتَّ بأهلِه / لَمْ يرضَ إِلاَّ الأسنةَ مَرْكبا
بالله عَرِّج يَا أخَيَّ إذَا بَدَتْ / لَكَ بالنَّقا تِلْكَ المَرابعُ وانْدُبا
فهناك روضُ الحُسْنِ أَزْهَر عُودُه / فانزِل فَديتُك سائلاً مترقِّبا
فَلعلَّ أن يَرْنُو إليّ أَحِبَّتي / ولعل أن يدنوا إليَّ فأقرُبا
وارفُقْ فديتُك صاحبي أوَ مَا ترى / بَيْنَ المَرابِع مهجتي طَارتْ هَبَا
واحْدُو بنا خُوصَ الرِّكاب مشرِّفاً / فهواى قَصْدُ الرَّكبِ لَيْسَ مغرِّبا
وإِذَا تَباينتِ الخيامُ فعُجْ بِهَا / واقْرأ السلامَ أُهَيْلَ ذَيّاكَ الخِبَا
واستوقفَنَّ الركبَ وَيْحَكَ وَاتّئِد / فعَساي أَقضِي للأحبةِ مَطْلبا
ما كنتُ قبلَ اليومِ أدري مَا الهوى / فلِذاك كنتُ مُصدِّقاً ومكذِّبا
فسُقيتُ من كأسِ الفراق أَمَرَّه / فعرفتُ علمَ المرءِ أن يَتغرَّبا
كم ذا أَبيتُ بنار شوقي أصْطَلي / عَزَّ اللقا والسيلُ قَدْ بلغ الزُّبَى
يا لائماً كم ذا تلوم مُعَنِّفاً / أَقْصِرْ فليس اللومُ فَرْضاً موجَبا
لو كنتَ تعلم مَا بقلبي من جَوىً / لَعلمتَ نفسَك من سَحاجٍ أكْذَبا
أو مَا ترى جسمي لبُعدِ أحبَّتي / دَنِفاً ورأسي من غرامي أَشْهَبا
والعمرُ فِي شَرْخِ الشباب ولِمَّتي / صبحٌ بِهِ ليلُ الشبابِ تَغيَّبا
مَا لي وللأيام تَعكسُ مَطْلبي / وأَنا بِهَا شوقاً أَبيتُ معذَّبا
أهديتُها غصنَ الشَّبيبةِ مُورِقاً / فأتت تُعوِّضُني بفَوْدٍ أَشيَبا
نشرتْ عَلَى رأسي لواءً أبيضاً / فطَوتْ بِهِ من عارِضيَّ الغَيْهبا
فكأن إكليلَ المَشيبِ بمَفْرِقي / دَسْتُ الخليفة بالجلالِ تَجلْبَبا
ظِلُّ الأمانِ وبهجةُ الدهرِ الَّذِي / بجَلاله وجهُ الزمانِ تَنقَّبا
سيفُ الإله بأرضِه ولخَلْقه / أذِن الإله بمَجْدِه أن يُخْطَبا
جادتْ بِهِ الأيامُ وهْي عَوابِسٌ / حَتَّى بدا سَمْتٌ بثَغْرٍ أَشْنَبا
وله الممالكُ صَفَّقت طرَباً وَقَدْ / حلفتْ لغير جلالهِ لن تَرْغَبا
موت بِهَا حِقبُ الزمانِ مَصونةً / فافْتضَّها بِكراً فعادتْ ثَيِّبا
واليومَ أضحتْ خُطةً مَا كلُّ من / رام المَعالي مثلَها أنْ يطلُبا
يا أَيُّهَا الملكُ الَّذِي بَهَر المَلا / بكمالك الدنيا تعالتْ مَنْصِبا
وبك المعالي أشرقتْ وتَرنَّمت / ورْقُ المكارِم بهجةً وتَطرُّبا
فضحتْ خِلالُكَ كلَّ ماضٍ فِي العُلَى / أَوَ من سعى لمثالِها أن يخطِبا
لَوْ كَانَ خُلْقُكَ فِي البحارِ اعْذَوْذَبتْ / أَوْ كَانَ فِي قفرٍ لَسال وأَعْشَبا
أغنتْ يداك بني الزمانِ ومثلَهم / فنَداك يُمطر مُخصِباً أَوْ مُجْدِبا
قتلتْ مَهابتُك العِدى وتَكفّلت / رَهَبُوتُ بأسِك للعَوالي والظُّبَا
فصِلات فَضلِكَ للعدو قَواتلٌ / أتكون ذي الرَّحَموتِ سمّاً مُعْطِبا
قَدْ جَرَّدتْك يدُ الزمان مُهنَّداً / لَوْ جَردتْه عَلَى الزمانِ لما نَبا
يا من عذَبْتِ بِهِ مَواردنا ومن / أضحتْ بِهِ الدنيا رَبِيعاً مُخْصِبا
سَمّاك ربك فَيْصلاً أَوَ مَا ترى / للسكونِ أصبحتَ المليكَ الأَغْلَبا
وأبوك تُركيّ الَّذِي تَرك الوَرى / خَدَماَ لَهُ بالسيفِ قَهْراً والحِبا
وسعيدُ نادرةُ الزمانِ بجِدِّه / وبجَدِّه عدنانِ ساد ويَعْرُبا
أَشْبالُ سلطانِ الهُمام بأحمدٍ / ذلتْ لديه الكائناتُ تَأَدُّبا
هَذَا الَّذِي تقف المكارم عنده / وباسمه يدعو المنيب تقربا
وُلِدوا عَلَى عرشِ السيادة وانْتَشَوا / بأربكة الملكوتِ ابناً أَوْ أبا
يَتناوبون عَلَى الخلافة سيداً / عن سيد حَتَّى اصطفَتْك الأَبْحَبا
ألقتْ إِلَيْكَ زِمامَها واستسلمتْ / لما رَأَتْكَ لَهَا الكَفيلَ الأَوْجَبا
الطيِّبُ ابنُ الطيبين وَلَمْ تجد / من طيبٍ إِلاَّ كريماً طيبا
فإليك يَا ابن الأَكْرمين ركائبي / تَخْدو وتقطع فِي سُراها السَّبسبا
جاءتْك تُرزِم بالحَنين تَشوُّقاً / لما استطابتْ فِي حِماكَ المَسْرَبا
أَوْ ليْتَني نِعَماً تكاد لوُسْعِها / فِيهَا تَبين الشمسُ حَتَّى تغْرُبا
لو كَانَ مَا فِي الأرض من قلمٍ جَرى / مِعْشارَ مَا أوليتَني لن يَكْتُبا
جودٌ تَدفّق بالبَسيطَةِ فارتوتْ / فَضَح السحائبَ موجُه أن تَسْكُبا
فلأنت روحٌ والعوالم هيكلٌ / أُودعتَ سِراً فِي الوجود مُحجَّبا
كَلّت يداي وضاق وُسْعُ قَريحتي / ولسانُ حالي عن لساني أَعْرَبا
لم أَذمُمِ الشعراءِ فِي فَلتاتِهم / بَهرت محاسُنك الفَصيح المُعْرِبا
فالعجز أعذَر للفتى وأَبَرُّ من / طلبِ المديحِ إذَا تَلعثَم أَوْ كَبا
لولا عظيمُ العَفْوِ يَسْتُر ذِلَّتِي / مَا كنتُ مِنْ بيْن العبيدِ مُقرَّبا
فكمالُ مجدِكَ كَلَّ عن إدراكه / وَصْفِي فَأَضْحى عن مديحي أَغْرَبا
الصبرُ أَجملُ والتَّجمُّل أَنْسَبُ
الصبرُ أَجملُ والتَّجمُّل أَنْسَبُ / والصمتُ عن كُنْزِ اللّجاجةِ أَصْوَبُ
وبحدِّ عزمِك فاحتملْ مَضَض الجَفا / إن كَانَ خِلُّكَ عن وِصالك يَرْغب
واسلِمْ لحكمٍ يرتضيه فإنما / حكمُ الأحبةِ للنفوسِ محبَّب
واصبِر عَلَى مَا حمَّلتْك يدُ النَّوى / واطلب من الأيام مَا هي تطلب
واقنَعْ بما يأتي الزمانُ فإنه / زمنٌ كقلبِ المرءِ قَدْ يتقلَّب
وإذا الحبيبُ سَقاك كأس صدودِه / فامزُجْه صبراً علَّ كأسَك يَعْذُبُ
وعلى سبيلِ رِضى الأَحبّة فاسْتَقِم / لَوْ عن وصالك أَعْرَضوا وتَجنَّبُوا
فَلَرُبَّ سانحةٍ تمر عَشيَّةً / ولعل رَبْعَك بعد جَدْبِك يُخصِبُ
إن المحبَّ وإنْ تباعدَ ساعةً / فَلَرُبَّما بعد التباعدِ يقرُب
إنْ لَمْ يكن بالصبر أَغْتَبِقُ الجَفا / فبِأَيِّ كاسٍ من هواكم أشرب
فالشوقُ يجذب زَفْرتي فأردُّها / خوفَ الرقيبِ لزفرتي يَترقَّب
ولَرُبَّ يومٍ قادني شوقي إِلَى / عَتْب الحبيبِ فلا أراني أعتِبُ
فأرى المُحالَ تَغَيُّري فِي الودِّ إذ / طبعُ المَحبةِ للمودة يجذِب
لولا التجاذبُ فِي الطبيعةِ لَمْ يقم / كَوْنٌ وأحكامُ الطبيعةِ تعلبُ
ما للهوى يَسْطُو بعَضْبٍ لَهْذمٍ / ولمهجتي بدمِ الصَّبابةِ تُخضَب
يا عاذلي والعذلُ مَجْلَبة الضَّنَى / إن الجفا بعد التواصُلِ يَصْعُب
لو كنت تَدرِي مَا حملتُ من الهوى / لَعلمتَ أن الحب أَمرٌ مُتعِبُ
لو نارُ وَجْدِي بالبحارِ لأَصبحتْ / غَوْراً وماءُ صبابتي لا يَنْضَب
يا مُتْلِفِي بالهجرِ حَسْبُك ذا الجَفا / فالحبُّ يقتل والتَّجافِي يَسلُب
عَجَباً لقلبٍ لا يرِقُّ وإنه / أَقْسَى من الصخرِ الأصَمِّ وأَصْلَبُ
إن الغرامَ إذَا تَحَكَّم فِي الفتى / فهو البَلا إنْ لَمْ يجد كل يطلبُ
أَتكلَّف السُّلوانَ وهو يَعُزُّنِي / إن السلوَّ عن الأحبة يَعْزُب
للهِ من زمنٍ حكمتَ ببَيْنِنا / مَا أنت إِلاَّ للفراق مُسبِّب
لا زلتَ مُغْرىً بالتَّشتُّتِ والقِلى / فِي كل يومٍ للعجائبِ تَجْلِب
إنَّ الزمانَ أبٌ لكل عجيبةٍ / تأتي وَمَا تَلِد الليالي أعجَب
أَيْنَ الفرارُ من الزمانِ وأهلِه / فجميعُهم شَرَك المَكائِدِ يَنْصِب
لا تأمَنَنَّ من الزمانِ فإنه / لا يأمنُ الدهرَ الخئونَ مجرِّب
ما هَذِهِ الأيامُ إِلاَّ عِبْرَةٌ / حارَ اللبيبُ لها وضاق المَذْهَب
لم يبقَ لي وَزَرُ أَلوذُ بِهِ سوى / كَنَفِ الخليفةِ مَنْ إِلَيْهِ المَهْرَب
ملكٌ يجير من الزمانِ وأهلِه / من كل مَا يَخْشَى ويَرْهَب
فإليه يُلجَأُ فِي المَخاوِف كلِّها / وإِليه فِي كل المَكارِم يُرْغَب
سِرٌّ بَدَتْه ضمائرٌ قدسيّة / وَنَمَتْهُ شُوسٌ للخلافة تُنْدَب
فهمُ نجومٌ للهُداةِ وللعُلى / وهمُ رُجومٌ للطُّغاةِ وأَشْهُب
من آلِ أحمدَ سادةٌ عربيةٌ / بزغتْ شموسُهُمُ فزال الغَيْهَبُ
لازالتِ العَلياءُ فيهم دُولةً / مَا دار فِي أُفْقِ المَجرَّةِ كوكب
يَتَابعون أئمةً قَدْ يَهتدِي / بهُداهمُ شرقُ العُلى والمَغْرِب
فَلَك يدور عَلَى البَرِيَّةِ قُطْبُه / مَلِك تُدار بِهِ الأمور وتُنْسَب
لَمْ أخشَ نائبةَ الزمانِ وفيصلٌ / بيد الزمانِ عَلَى النوائب يَضْرِب
فبفيصلٍ رسختْ عَلَى أعتابِها / قدمُ للمَالكِ إِذ بِهِ تَتَرَتَّب
فهو الَّذِي سَفَرت كواكبُ مجدِه / وبفضلِه فَوْقَ المنابرِ يُخْطَب
وهو الَّذِي قَدْ عشتُ فِي أكنافِه / ونشأْت فِي نَعْمَائِه أَتقلَّبُ
مُدَّت عَلَى الدنيا سُراْدقُ حلمِه / وبصَفْحَةِ العَليا نَداه يُكتَب
مَا ضامني زمنٌ ولا تَرِبت يدي / مذ صرتُ تَحْتَ وَلائِهِ أَتحسَّب
كم نعمةٍ طَفَحت عليَّ وكم يدٍ / ولكم فضائل لا تُعَدُّ وتُحْسَب
فعليه شُكري مَا حييتُ وإِنْ أَمُتْ / فلسانُ شكرِي بالمدائح يُعرِب
خِيامٌ مَا يُطاوِلها السحابُ
خِيامٌ مَا يُطاوِلها السحابُ / وشُهْبٌ فِي البَسيطة أَم قِباب
وأطنابٌ بأوتادٍ أُنِيطتْ / أم الجَوزا بأيديها شِهاب
وأعمدةٌ تجلِّلها سماءٌ / من الياقوتِ يكسوها ضَباب
وتلك مصانعٌ نشأت بأَيْدٍ / أم الأفلاك لَيْسَ لها حِجاب
أسود أم جنود فِي ذُراها / ومُرْد تَحْتها جُرْد عِراب
وصِيد أَم حديد فِي حِماها / وبيضٌ أم مُثقَّفة حِراب
مُلوك أم مَلاك فِي خِباها / بُحور أم بُدور لا يُصابوا
قُصور أم طيور حائِمات / لَهَا من كل داميةٍ شَراب
فيا خيمات إنسٍ تَحتَميها / ليوثٌ سادةٌ لا يُستَعابوا
كَساكِ الأُفْقُ ثوباً عَبْقَرياً / فكان عَلَيْكَ من شفق نِقاب
ووَشَّم خدَّك الورديَّ خالٌ / فكان عَلَيْكَ من حَلَكٍ خِضاب
تُطنِّب حولَك الحاجاتُ لما / رأَتْ كفّيْك مُدَّ لَهَا طِناب
ورحبتِ الوفودُ بَعَقْوَتَيها / متى راقتْ بأرجاها الرِّحاب
تطوف بِهَا الجَوارحُ والمَهارِي / وفرسانٌ بأيديهم حِراب
كلابٌ مثلُ وردِ الرَّوْضِ لوناً / يُصاد بِهَا وحوشٌ أَو ذِئابُ
فوَرْدان و بَرْدان يقولا / لخشْفِ الظَّبْي خذه يا عُقاب
و تَأْذِيةٌ تردُّ لهن قولاً / ألاَ خِلاّيَ مَا هَذَا العُقاب
أَعِيجوا الظبيَ نحوي أَفترِسْه / أَهَلْ غيري يردّ لَهُ الجواب
فقال الظبيُ مَهْلاً يا ضوارٍ / فَهَيْهات المَحيصُ ولا الذَّهاب
أَلا اصْغُوا أُناجِيكم بقولٍ / فليس اليومَ عنكم مَآب
فما رَدُّوا وَمَا سمعوا جواباً / وقال الظُّفْر رِفْقاً يا نِياب
وقالت مُدْية الصَّياد سَهْمِي / من الأَوداجِ قَدْكُم يا كلاب
وظل الظبي يَخبِط فِي دِماه / بأيدي القوم وانقطع الجواب
ومَلْكُ الأرض بِنظرها عِجاباً / تطوف بِهِ أُسود لا يهابوا
يقول لهم عِجُوا الأفراسَ نحوِي / وأَبْدوا أمركم طُرّاً تُحابُوا
فَهَذِي الأرضُ قَدْ طُوِيت لدينا / فحَسْبُكم المَهامهُ والهِضاب
فما أنتم تَهابون المنايا / ولا خَيْلي تُعاجُ لَهَا رِقاب
وَقَدْ مُلِئت رياضُ الأُنْسِ زَهْراً / وكاساتُ السرورِ انتهاب
تعَالَوا ننتهبْ مرحاً وصَيْداً / فقَبلِي تُبَّعٌ مرِحوا وطابوا
فرَدَاً ساردَ الأَفراحِ رَدّاً / فنادِي الأُنس شُقَّ لَهُ وِطاب
بأَملاكٍ غَطارِفةٍ كِرامٍ / سحائبُ نَيْلِهم شَهْد وصاب
سلاطينٌ مَيامينٌ غُيوثٌ / عَلَى أَديانهم نَزَلَ الكتاب
مَقاوِلة أَكاسِرَة شُموس / فهم عَلَم إِذَا خَفِيَ الصَّواب
مَباذِيلٌ أَساطينٌ طُهوف / إِذَا الأَنْواء عَزَّ بِهَا انْسِكاب
لهم شَرَف تَخِرُّ لَهُ الرَّواسِي / وفضلٌ لا يُعَدُّ لَهُ حساب
بنو سلطانَ أشبالُ المَعالي / دُعوا للمجد طُرّاً فاستجابوا
وَقَدْ شَرُفوا بعينِ الدهرِ جَمْعاً / وإنسانِ الزمانِ فلا ارتياب
بفاءٍ ثُمَّ ياءٍ ثُمَّ صادٍ / ولامٍ بعدَها شيء عُجاب
قَطوبٌ للمَكارِهِ يومَ يُدْعَى / بَشوشُ الوجهِ لَيْسَ لَهُ صِخاب
لَهُ خُلقٌ يَحار لديه فكرِي / وعَفْو فِيهِ للجاني عِقاب
فحَسْبي من أبي تيمورُ فضلٌ / غزيرٌ مَا لَهُ قطُّ اقْتِضاب
بِهِ أَنسى الزمانَ وساكنيه / وأوطاني وإنْ طال اغترابُ
تقول ليَ الوَساوِسُ وهي غر / لقد مضتِ الفُتوة والشباب
وَقَدْ وَلَّى الصِّبا فِي غيرِ شيءٍ / وآنَ بك التّراجعُ والإياب
فقلت لَهَا دَعيني منكِ يا ذِي / فما لِي غيرُ باب الفضلِ باب
ذَريني أَنْتَجِعْ برقَ المعالي / فذا مولاي فيْصَلنا المُهاب
فها أنا فِي ذَرَى نُعماه أسعى / بفَضلِ لا تُشَق لَهُ ثياب
وأَرفُلُ فِي نعيم العيشِ منه / بحودٍ لا يُطاق لَهُ ثَواب
فعِشْ وانْعَم أبا تيمورَ وابسُط / أَيادِي الجودِ مَا اسودَّ الغُراب
خَلِّ التَّجَهُّمَ والثَّلَبْ
خَلِّ التَّجَهُّمَ والثَّلَبْ / واخشَ المهالكَ والعَطَبْ
أَوَ مَا ترى الأيامَ تَلْ / وِي بالأَعِنَّةِ لَمْ تَهَبْ
لا تركبِ العَشْوَاءَ جه / لاً فالوَبالُ لمن ركب
وتَوَقَّ داهيةَ الليا / لي فالدُّنَا تُبْدِي العَجَب
واعصِ الهوى فالنفسُ تأ / مر بالفواحشِ والرِّيَب
واحذر مُطاولة الملو / ك ولا تُغالب من غَلَبْ
وارفُقْ فديتك لا تسا / وي بالأُنوفِ مع الذّنَب
فالمرءُ يدَّخر الجمي / لَ وخيرُ مَا كُنِزَ الأدب
شُغْلُ الفتى بعيوبه / يَكْفيه عن عيبٍ كَثَب
من بات يحفظ نفسَه / عن سبِّ قومٍ لَمْ يُسَبّْ
جُرح اللسانِ ووَقْعُه / أَمْضَى من السيف العَضَي
لا غَرْوَ أن حَسَدَ الأَسافِ / لُ من تَعالَى فِي الرُّيَب
إن الفتى بالفضل يُح / سَد لا بإنشاءِ الكذب
لما تخيّل للعِدى / نيلُ العُلى قالوا نَثِب
لم يحسَبوا أن الظنو / ن خيالُ وهمٍ لَمْ يُصِب
شاموا بروقَ المجدِ فِي / أَفلاكِها تَحْتَ السُّحُب
قالوا السماءُ مَنالُها / منا نراه قَدْ قرُب
يَتخبَّطون بجهلهم / مثلَ الفَراشِ عَلَى الشُّهب
فاعجَبْ لمن لا يرعوي / عن جهله أَفلاَ يَتُب
قَدْ شاهد الأمرَ المَهُو / ل بمسْكَدٍ لما وَثَب
فتجمعوا يتسللو / ن من السَّباسِب والحَدَب
فَغَدَوا فَرائسَ للذئا / بِ وللكلاب وللَّهَب
فكذاك عاقبةُ المغرْ / رِرِ نفسَه مهما طلَب
قل للذي شَمِت الكرا / مَ فما عَلَى أعمى عَتَب
قَدْ يَشْرَق الظمآن بال / ماءِ الزُّلالِ إِذَا شرِب
يهفو الكريمُ وتارةً / يَكْبو الجوادُ عَلَى الرُّكَب
وإِذا اختفى ضوءُ الصبا / حِ عَلَى الضَّريرِ هو السبب
طلب السِّياحة جارُنا / فله الحِمى حَتَّى يَؤُب
لا زالت الأشرافُ تك / رم ضيفَها أَنَّى ذهَب
لما تَذمَّر قاصداً / منا الخفيرُ لَهُ وَجَب
فمضى يُقطِّعُ آمناً / صَحراً الفَدافِد والهِضَب
قامت عَلَيْهِ عصابةٌ / لا يعرِفون سوى العُشُب
لا يَألفون سوى الكهو / ف إِذَا الغزالةُ تلتهب
لا يفقَهون من الكلا / مِ سوى الغُراب إِذَا نَعَب
لا يأكلون سوى الضُّبوب / من السُّروب أَوْ الحَلَب
أعرابُ باديةٍ جُفا / ةٌ صُنْعُهم حملُ الحَطَب
قَدْ عرقلوهُ عن المسا / عي والسُّرَى وعن الخَبَب
فأتى الصَّريخُ بمَسْكَدٍ / يا للحِفاظِ وللعَرَب
أبفيصلٍ تَهْدى الرّعا / ع شماتةً يا للحَرَب
أبفيصلٍ تُغرى الخدا / ئع والمكائد بالنَّشبِ
أبفيصلٍ يُبدى اللس / ان بَذاءَةً يَا للعَجب
يَا للكرام أتتْكمُ / شُمُّ المَعاطِس والحَسَب
لو نودِبوا بالعالم ال / عُلْوِيِّ منهم لاحْتَجَب
من ذَبَّ عن أعراضِهم / فهو الحَرِيُّ بيا النَّسب
سَلمانُ منا يَا أولِي / بيتِ النبوةِ يُحْتَسَبْ
قَدْ طُهِّرت أَبدانُهم / من كل رِجْسٍ أَوْ وَصَب
يَتعاقَبون عَلَى الخلا / فة سادةً بَيْنَ العرَبْ
فهمُ همُ أبناء سُل / طانَ الغَطارِفةِ النُّجُب
لا يرجِعون إِذَا دُعُوا / عند النِّزَال عَلَى العَقِب
أَوْ يورَدون حياضَ موتٍ / بالمَنايا يُنْتَهَب
قام الخليفةُ بَيْنَنا / لَمَّ الكتائِبَ وانْتَدَب
فأنى يُشمِّر ساعِداً / حامي الحَقيقة بالقُضب
فكأنه ملِك الصَّواعقِ / قَدْ تَقَنَّع بالغَضَب
فتَيمَّم البحرَ الخضَمْ / مَ وَلَمْ يُنَهْنِههْ الرَّهَب
فغدتْ عيونُ القوم شا / خصةً إِلَيْهِ مُذ وَثَب
ركب السفينةَ فاستطا / رَ لهيبُها لما استنب
فتَزعزعتْ وتمايلتْ / وغدت تَميسُ من الطَّرَب
بَحرِي رُخاءً كالريا / حِ كَأَنَّها بَرقٌ خَلَب
فجرى النُّضار بِهَا ومَدْ / دَ البحرُ كَفّاً قَدْ تَرِب
لما رأى كفَّ الإما / م تَمُدُّ بحراً من ذهب
ألقَى المتاعَ تكرُّماً / منه عَلَيْهِ إذ طَلب
ليثُ العرينِ بكفِّه / غيثُ السَّماحةِ يَنْسكِب
لم يُبقِ منهُ الجودُ إل / لاَ ماءَ وجه لَمْ يَشِب
وَهَب الإلَهُ لَهُ الخلا / فةَ مُنعِماً لما وَهَب
اللهُ أعلَمُ حَيْثُ يج / عل أمرَه لَمْ يضطرِب
قَدْ أفلح المأمون حَقْ / قاً إِذ بفيصلَ يَحْتَسِب
من ذا يُخاصم فيصلاً / إن المخاصِمَ مقتَضَب
من ذا يُعاند فيصلاً / إن المعانِد فِي نَصَب
فأتى إِلَى صورٍ لكي / يحمي النزيلَ المُغْتَرِب
فتقلقلت فكأنها / قلبُ العدو إِذَا وَجَب
فأتى الرعيةُ مذعني / نَ بكل وادٍ أَوْ سَهَب
والخيلُ تُعلن بالصَّهي / ل إِذ المَدافع تَنْتَحِب
والقنصل المخفورُ يم / شي بَيْنَنا لَمْ يحتجِب
فكأنه عَلَم عَلَى / روس الرجالِ قَدْ انْتَصب
قَرَّ المَليكُ بحِصْنِها / وإِذَا القبائل تجتلِب
فكأنها شُهْب تَقاذَف / أَوْ سحاب قَدْ سرب
إِلاَّ أميرَ الشرقِ قَدْ / رام الصوابَ فلم يُصِب
عيسى وأصحابٌ لَهُ / من قابل والمنترب
ركب الخِلافَ جميعُهم / قَدْ فاز من لَمْ يرتكِب
ضَلُّوا كقابض أَسودٍ / بالليل لما يحتطِب
أو من أَراق شرابه / طمع السَّرابِ إِذَا الْتَهب
طُوبَى لعامرَ وابنه / ذَاكَ الكَمِيُّ المُحتَسب
ومشايخ منهم أَتَوا / من آل شمس تنتسب
فهمُ إِذَا مَا لستُصرِخوا / جَرَس الحديد لهم جَلب
يتواثَبون عَلَى المَنونِ / إِذَا المنيةُ تَنْتَشِب
والحمدُ للهِ الَّذِي / كلُّ الثناءِ لَهُ وَجَب
رَدَّ العُداة كَأَنَّهم / حُمُر تفر من الرُّعُب
ساءوا وساء صَنيعُهم باءوا / بسوءِ المُنْقَلَب
مَا كلُّ من مَلَك الثَّراءَ يَجودُ
مَا كلُّ من مَلَك الثَّراءَ يَجودُ / كلاً وكلُّ الرجال تَسودُ
مَا كلُّ من طلب السباقَ بمُدرِكٍ / شَأواً ولا كل البُروق تجود
مَا كلُّ من رام المعاليَ راقياً / فِيهَا ولا كل الصُّعودِ صعود
مَا كلُّ مُوفٍ للدِّمام سَمَوْءلاً / كلاً ولا حاكِي القَريضِ لبيد
مَا كلُّ خانقةِ الجَناحِ جَوارِحاً / كلاً ولا خَفْقُ الرياحِ بُنود
مَا كلُّ وَقّاهِ القَريحةِ مُنشِداً / كلاً ولا كلُّ القصيدِ قصيد
مَا كلُّ عقلٍ للهدايةِ قائداً / كلاً ولا كلُّ المِراس شديد
مَا كلُّ سهمٍ فِي الرماية صائباً / كلاً ولا كلُّ المَقال سَديد
مَا كلُّ من قاد الكتائب فَيْصلاً / كلاً ولا كلُّ الوقائع سود
ملكٌ تخرُّ لَهُ الجَبابر سُجَّداً / وبَرِقٌ من جَزعٍ لَهُ الجُلْمود
حكمٌ عَلَيْهِ من الجَلالِ مَهابةٌ / وله من النصر العزيز جنود
عَلم يُريك من العلوم عَجائباً / لولا النبوةُ قلت ذا داود
قمر يريك من الجمال أشعَّةً / وعليه من نسج البهاء بُرود
سيفٌ تُسَلُّ لَهُ السيوفُ وتنقضي / ولها بهامِ المُلحدين غُمود
فَرْدٌ تَفَرَّدَ بالفتوح فنصرُه / م العالَمِ الأعلى لَهُ ممدودُ
أسد لَهُ كلُّ الأُسودِ ثعالبٌ / مَولىً لَهُ كلُّ الأنامِ عَبيد
بَطَل لَهُ فِي المُذنبين وَقائِع / ولدى النَّدى فِي المُدْقِعِين رُعود
شهدتْ لَهُ يوم النِّزال مَشاهِدٌ / إِذ مَلَّ جيشَ البَغْيِ وهْو حَصيد
غَدروا بِهِ والغدرُ مَهْلَكةُ الوَرى / فَثَنى عِنانَ الجيشِ وهْو وَحيد
ضحكتْ صَوارِمُه وهن عَواتِقٌ / وبكتْ رِماحُ الخَطِّ وهْي جُمود
للهِ وِقفةُ باسلٍ خُذِلت لَهَا / كلُّ العِدى والعالَمون شُهود
فَصَّلتَ مُجْمَلهم بعزمٍ لَمْ يَزَلْ / يُردِي النفوسَ مخافةً ويُبيد
تجري مقاديرُ الإلهِ عنايةً / منه لَهُ فيما بَشا ويُريد
عَذْبُ المَناهلِ للوفودِ بمالِه / ولدَى الوغى مُرُّ المَداقِ شديد
لم يَحلُلِ العافونَ غيرَ رِحابِه / لولاه مَا حَدَتِ المَطيَّ وُفودُ
فالويلُ يَا صُورُ ارجِعي وتَعذَّري / فالعُذرُ للجانِي بِهِ ممدود
واستسلِمي فِي راحَتَيْه فإنما / حبلُ الأمانِ بكَفِّه مَعْقود
وذَرِي مغالبةَ الملوكِ فإنّ مَن / نَاواهمُ فِي قبرِه مَلْحود
أَظننتَ أهلَك مانِعينَ ذِمارَهم / هل يمنعُ الموتَ الزُّؤَامَ جَليد
لَمْ تُغنِهم عندَ اللقاءِ نقودُهم / لا يَدْفَعنْ سهمَ القضاءِ نُقود
فبدتْ لهم فَوْقَ الكثيبِ مَصانِعٌ / لكنّها فَوْقَ الكُعوب قيود
شُهْبٌ تلوح لناظريها أَنْجُباً / قِلَعٌ ولكنْ فِي القلوبِ حَديدُ
عُجِنت بماءِ المُزْنِ تربتُها إذن / لكنَّ من دَمِّ العِدى مولود
وإذا تَراءَتْها العيونُ تَظُنُّها / فَوْقَ السحاب أساسُها مَعْقُود
وتخالُها لَبِناً يُشاد بناؤُها / لكتها لحمُ العدى وكُبود
قِلَعٌ لَهَا بالمَشْرِقين مَشارقٌ / لَهَا بأقصى المَغْرِبين عُفود
ولهنَّ من شَفَق الغُروب أَجِلَّةٌ / ولهن من فَلَق الصباح عَمود
سجدتْ لطَلْعَتِها الشَّواهقُ وانثنَتْ / أعطافُ أوديةِ القِفار تَميد
هَذَا هو النَّبَأ العظيم لمنكِرٍ / قَدْرَ الملوكِ فإِنَّ ذا لَكَمود
رِفْقاً أَميرَ المؤمنين فإنما / خضعتُ لطعتِك العُتاة الصِّيدُ
وأَتَوْكَ طَوعاً مُهْطِعين كَأَنَّهم / تَحْتَ الإطاعة مُذعِنون هُجود
يا نِعمةَ المَوْلَى وأيَّ فضيلةٍ / فَلأَنْتَ صالحُ والأَنام ثَمود
يَا أَيُّها الزمن المَجيد بفيصلٍ / رُحماك هل ملكٌ سواه مَجيد
ما فِي الوجود أَرَى تركتَ بقيةً / تأتي بِهَا حَتَّى المَعادِ تعود
فكأنني بالملحدين تَشَدَّفوا / قَدْ وَرَّثَتْهُ المُلكَ قبلُ جُدود
فالمالُ يُورَثُ لَيْسَ أخلاقٌ الفتى / والمُلكُ كَيْفَ النصرُ والتأييد
فَلأَنْتَ شمسٌ والزمانُ سماؤُها / وأخوك بدرٌ والجُدود سُعود
وبَنوك تيمورُ الهِزْمَرُ ونادِرٌ / قَمران والبدرُ المُنير محمُودُ
ومحمدٌ وأخوه أحمدُ وابن عَمْ / مَتِهم ذِياب الفارِس الصِّنْدِيد
كَرُمَتْ أَرومتُهم وعَزَّ نِحارُهم / لا ضيرَ قَدْ بالأصلِ يَزْكُو العود
فَلأَنْتُمُ واللهِ سادةُ معشرٍ / نَعِمَ الزمانُ بكم وطاب الْجُود
أنت الكفيلُ لذا الزمانِ وأهلِهِ / وزعيمُه ولواءه المَعْقُود
وإِلَيْكَها غَرَّاءَ تَنْفُثُ سِحْرَها / مَا صَدَّها عن قِبْلَتَيْكَ صدود
خَطَرَت تَهزَّعُ فِي بُرود جَمالِها / مَرَحاً ومنظرها إِلَيْكَ جديد
مَا للحمائمِ بالغصون تُغرِّدُ
مَا للحمائمِ بالغصون تُغرِّدُ / أَشجاكِ نوحِي أم شجاكِ المَعْهَدُ
قَدْ كنتُ فِي وَلَعِ الصبابة والجَوى / واليومَ بالتفريق وَيْك أُهَدَّد
لم يكفِ أني بالصدودِ معذَّب / حَتَّى غدوتُ بكل بابٍ أُطرَد
فالهجرُ أَفْتَلُ مَا يكون عَلَى الفتى / إنْ كَانَ طبعاً فِي الهوى يَتودَّد
من كَانَ ذا نفسٍ عَلَيْهِ عزيزة / صَعْبٌ عَلَيْهِ قَطْعُ مَا يتعوَّد
إن كَانَ داعِي الهجرِ يَا وُرْقُ الَّذِي / أبكاكِ إن مَدامِعِي لا تَجمُد
نُوحِي عَلَى فَنَن الغصونِ تَرَنُّماً / وتَردَّدي فلعلَّ نوحَك يُسْعِد
لو أن نار الوجدِ من جَمْرِ الغَضَى / خَمَدت ولكنْ نارُه لا تَخْمَد
كم ذا أَهيم هَوىً ونارُ صبابتي / فِي كل آنٍ بالحَشى تَتوقَّد
وأُعانق الباناتِ شوقاً إنها / كقُدودِهم أغصانُها تَتَأَوَّدُ
وأُغازل الظَّبَياتِ فِي كُنُساتِها / فأقول مَا للظبيِ غُصْنٌ أَمْلَد
فأَتيهُ بالبيداءِ أَنْتَشِق الصَّبا / فلملَّ عَرْفاً من شَداهم يوجَد
مُتَبَدِّدَ الأفكارِ طوراً أَرْتَدِي / ثوبَ السُّهادِ وتارة أَتَوَسَّد
يا جِيرةً بانُوا فبانَ تَصَبُّري / هل نظرةٌ منكم بِهَا أَتَزَوَّد
غادرتُموني فِي الهوى كَلِفاً وَقَدْ / خَلَق التجلدُ والهوى يتجدَّد
يا سادةً هل بالحِمَى لي عودةٌ / فيعود مَا قَدْ كنتُ منكم أَعْهَد
رَعْياً لذاك العيشِ كَانَ بقربِكم / رَغْداً وعيشي من رِضاكم أَرْغَد
حمَّلتموني بالجَفا مَا لَمْ أُطِق / صبراً عَلَيْهِ جَهْدَ مَا أتجلَّد
ونَقَضتُم عهدَ المودةِ بيننا / وتركتُموني هائماً أَترَدَّد
يا حادِيَ الرُّكبانِ مَهْلاً إنني / بَيْنَ الهَوادج مُطْلَق ومُقيدُ
قد كنتُ فِي مهدِ الجَفا متقلِّباً / والآن فِي أَسْر الفراقِ مُصفَّد
فكِلاهما نارانِ نارٌ بالجفا / تُورَى ونار بالفراقِ تَوَقَّد
إن الزمان ببَيْنِنا ذو حالةٍ / كم حالة للدهرِ لا تتعدَّد
يَقْضِي بتفريقِ الأَحبة شَرْعُه / ولجمعِ شَمْل الأَكْرَمين يُبدِّد
في حالتين من الزمان مَعاشُنا / وكلاهما فِي حالةٍ لا تُحْمَد
إنْ أقبلتْ أيامُه أَوْ أدبرتْ / هِمَمٌ فذا لهوُ المعاشِ الأَنْكَد
إني لَمِن نكدِ الزمان عَلَى شَفىً / لولا المليكُ بن المليكِ الأَوْحَد
إنْ تشكُ نفسي ضِيقَ دهرٍ أسرعتْ / ليمينِه فأَنالَها مَا يُوجَد
ملكٌ لَهُ ثوبُ الجلالةِ مَلْبَسٌ / وله عَلَى ظهر المَجَرَّةِ مَسْنَدُ
هو رحمةٌ للمسلمين ونعمة / للمجتدين وآيةٌ لا تُجْحَد
مُتكفِّل لبني الزمان برزقِهم / فيداه فِي كرمِ تَغُور وتُنجِد
هَذَا هو الملك الَّذِي عَقِمت بِهِ / أُمُّ الممالك إنهما لا تُولِد
شمسُ العَوالم أنت سِرُّ الله فِي / هَذَا الزمانِ ونُوره المُتجسِّد
فالاسمُ يُعرِب عن صفاتِك إنه / هو فَيْصَلٌ عَضْب الغِرار مُهنَّد
مولايَ إنك فِي القضاءِ مُحكَّم / وبسَيفِ نصرِ الله أنت مُؤيَّد
مُدَّت إِلَيْكَ يدُ المَمالك رغبةً / وأَتتْكَ فِي حُلَل المهابةِ تَسْجُد
إن الخلافةَ فِي بني سلطانَ قَدْ / أَضحتْ تُراثاً فيهمُ تتردَّدُ
قد شَيَّدوها بالقَواضبِ والقَفا / وبِها مِنا نَصَبوا الخيامَ ومَهَّدوا
إن غاب عنها سيدٌ منهم أتى / من بعِده منهم إليها سيد
يَتناوبون بعرشِها حَتَّى انتهَتْ / فِي واحدٍ فهْو الجميعُ المُفْرَد
لولا أبو تيمورَ مَا كَانَ الأُولَى / من قبلِه مَلَكوا وَلَمْ يكُ أَحْمَد
فلتهْنَ يَا ملكَ الزمانِ فإنها / سِيقتْ إِلَيْكَ فأنت فِيهَا الفَرْقَد
أَوْفَى الزمانُ بوعدِه المعهودِ
أَوْفَى الزمانُ بوعدِه المعهودِ / كَرَماً كما قَدْ سرَّنا بحُمودِ
واستبشرتْ أوقاتُنا فكأنها / بظهوره قَدْ بُشِّرَتْ بخُلُودِ
وبه استنارتْ بهجةً أيامُنا / لكنها لَمْ تَخْلُ من تَنْكِيدِ
سَرَّت بإنجاز الوعودِ قلوبَنا / لكنها قَدْ كَدَّرت بسُعود
هجمتْ بنو عبسٍ عَلَيْهِ مُذْ غدا / مستقبِلَ المِحْراب للتَّهْجِيد
فغَدا مُعَفَّر بالتراب مُضَرَّجاً / بدمائِه يكسوه ثوبُ صَعيد
لبسوا ثيابَ العارِ ثُمَّ تَجلبَبُوا / بمطارِفِ التَّعنيف والتفنيدِ
لَهْفِي عَلَيْهِ لو رأيتُ مُصابَهُ / كنتُ الفداءَ بطارِفي وتَليدي
عيني تجود بدمعِها لكنّه / قلبي لَهُ أقسى من الجُلمودِ
إذ خان بالسلطان سيدِنا أبي ال / فضلِ المليك الأَرْيَحيِّ سعيدُ
أَضحى سَليباً من ممالكه وَقَدْ / ركب الجوادَ مشرَّداً فِي البِيد
حَتَّى أتى بالحزمِ فانفتحتْ لَهُ / أبوابُها بالعِزِّ والتمجيد
فاستصرخ الملكَ الأَغرَّ أبا النَّدى / قُطْبَ المعالي مُظْهِر التوحيد
فأتتْه غاراتُ الإِله منوطةً / من فيصلٍ بالنصر والتأييد
تَطوِي السَّباسِبَ والوِهادَ يَحفُّها / طيرُ المنيةِ فِي أَكُفِّ الصِّيدِ
وبها السَّوابِقُ كالبوارِقِ سُرَّباً / يحملنَ كل غَضَنْفَرٍ صِنْديد
فانحلَّ مَا بالحزمِ من عزم العِدى / واستنكفتْ أطماعُ كل مَرِيد
ودَنَتْ قُطوفُ الأمنِ يانعةً وَقَدْ / لبس الزمانُ جلاببَ التَّوطيد
فهناك أُلقيَتِ العَصا وأَناخ بي / حادِي الهوى ووضعت ثَمَّ قُيودي
وبسطتُ مدحِي للمُملَّك فيصلٍ / مولى الأَنام خَليفة المعبودِ
ومددتُ كفي فِي جواهرِ فضلِه / فنظمتُها بقلائدٍ وعُقودِ
فابتزَّها مني الزمانُ فأصبحتْ / فِي جيدهِ مقرونةً بسُعود
وَطفِقتُ أَكْرَع فِي مَواردِ جُودِه / فتلاطمتْ أمواجُها بخدودي
فغَرفتُ من بحر المواهبِ والسخا / يَا حبَّذا من مَنْهَلٍ مورود
ولئن سَطا دهري عَلَيَّ بمِخْلَبٍ / حسبي حِمىً بلوائه المعقود
وإِذا أناختْ بي ركائبُ فاقةٍ / نُخْتُ المطيَّ بظلِّه الممدود
وإِذا السحائبُ عَزَّ يوماً قَطْرُها / هَطلتْ غَوادِي راحتيْه بجود
مِنَنا حَملتُ بعاتقي من وفرةٍ / فَتنظَّمتْ بِسُموطِها فِي جِيدي
يَا ابن الملوكِ أبا الملوكِ ومن همُ / فِي وَجْنَة الأيام كالتَّوريد
قد شيَّدُوا ركن المعالي وابْتَنَوا / للمجدِ بيتاً مُحكَم التشييد
قامت دعائمُه بسَعْيِك واستوتْ / أركانُه بمقامك المحمود
لا بِدْعَ أَنْ كلُّ الورى قَدْ جُمِّعوا / فِي واحدٍ بالحَصْر والتجديد
لا زلتَ فِي وجهِ الليالي غُرّةً / وبك الزمانُ ومَنْ بِهِ فِي عيدِ
أَطلب الوصلَ وأيامي تشحُّ
أَطلب الوصلَ وأيامي تشحُّ / والهوى يزدادُ والدمعُ يَسُحُّ
كم ليالٍ لو أَذُقْ فِيهَا الكَرَى / أَسهرتْني لوعةٌ فِيهَا وبَرْحُ
أَلمَحُ النجمَ متى مَا شِمْتُه / يَا ليالي الوصل هل لي منك لَمْحُ
ظُلماتٌ بالدُّجى كَم لي بِهَا / زَفَراتٌ تقطعُ الأحشا وتَلْحُو
كأسُ شوقي بالحَشى قَدْ طَفَحتْ / ليت شِعري هل لكأْسِ الوصل طَفْح
ما لنارِ الشوقِ تَذْكُو كلما / سال دمعي مَا خَباها قَطُّ نَضْح
أَغرقتْني سُحْبُ عيني بالبكا / وبقلبي من سَعير الوجدِ لَفح
ضِدانِ فِي قلبي وعيني جُمعا / كَيْفَ فِي حكم الهوى هَذَا يَصِحّ
يا لَهَا من مُزْعِجاتٍ بالحَشى / تُمرِض الجسمَ وللأسرى تَصِح
كدتُ لولا أملي أفضِي هَوىً / يَا أُهيلَ الحبِّ هل للوعد نُجْح
شاب رأسي كم أُقاسِي هل تُرَى / يَسْمحوا لي بوصالٍ أَوْ يَشحٌّوا
طال ليلي فِي سُهادٍ وبُكا / أَمسحُ الدمعَ وَمَا للسهدِ مَسْحُ
غُلِق الشرقُ عن الصبح فما / لليالي الصبِّ يَا ذا قط صبح
كم أُقاسي من هموم الدهرِ كم / لَيْسَ بَيْنَ الدهرِ والأحرار صلح
إنما الدهرُ همومٌ وهَنا / وحياةُ المرءِ فِي دنياه كَدْح
لا يطيب العيشُ إِلاَّ لفتى / قَدْ تَساوَى عنده خُسْر ورِبح
ترك الدهرَ وولّى هارباً / من بنيه مَا لهذا الدهر نُصْح
أَسكرتْني همومُ الدهرِ فيا / لَكَ دهرٌ من بَلاهُ لستُ أصحو
كم أراني زمنُ الفكرِ بِهَا / مُزعجاتٍ كلُّها للقلبِ قَرْحُ
كم أُداوي القلبَ قَلَّت حيلتي / كلما داويتُ جرحاً سال جرح
نَعتِب الدهرَ وَمَا الدهرُ أسا / أهلَ ودي مَا لهذا الدهر جُنْحُ
إنما الدهرُ صباحٌ ومساءٌ / وكلا هذين إغلاقٌ وفتحُ
ذَلِكَ السكونُ صُروفٌ وفَناً / وزوالٌ ثُمَّ ضِيقَ ثُمَّ مَسْح
نحن سَفْرٌ والليالي سُفُن / كم لَهَا فِي أَبْحُر الأَعمارِ سَبْح
عشت دهراً لَمْ أجد خِلاًّ سِوَى / مظهرِ الفحشا وبالحُسنى يَبَحّ
إنْ تَبَدَّى فسُلاف سَلْسَل / أَوْ تَناءى فَأُجاج الطعم مِلْح
إِن تَسَلْني عن بني الدهر فسَلْ / إن قلبي لعلوم القوم صَرْحُ
كم بشوشٍ وهْو صِلٌّ أَرْقَم / فِي حَشاه من زِنادِ للغِلِّ قَدْح
ضاق ذَرْعي من أُناسٍ / دَأْبهمَ دائم الدهرِ مُعاداة وقَدْح
أتعبوني كم أُدارِي إنهم / فِي فؤادي نَصَبٌ مُعْيٍ وقَدْح
أهلَ ردى إنْ تُسيئوا عِشْرَتي / إن قلبي بخلوصِ الود قُح
لستُ أَشكو ضيقَ دهرِي أبداً / إنْ يكن لي من مليك العصر فَسْح
رَحْبُ خَلْقٍ رحب خُلقٍ أروعٌ / طَودُ حلمٍ فَيْصَلُ الأحكامِ سَمْح
مَلكيٌّ ذو صفات قُدِّست / دونَ مَرْقاها لرأسِ النجمِ نَطْح
كتب الجودُ عَلَى أعتابه / ابن تُركي لسطورِ البخلِ يمحو
إن قِداحٌ للمعالي ضُرِبت / فالمُعَلَّى لأبي تيمورَ قِدْح
أو رياحُ الحربِ يوماً عَصَفت / فعِداهُ بسَموم السيفِ سَدْح
مَا استطالتْ للأَعادي شوكةٌ / مذ ثَناها من يد الأقوام كَفْح
فيَداه للمُوَالي مَرْهَمٌ / ويداه للمُعادِي الخصمِ جُرح
يسبِقُ البرقَ ذكاهُ حِدَّةً / فيُريه الفكرُ مَا يُخفيه جُنْحُ
قَيَّد المجدَ حفيظاً حارساً / وبيوتَ المالِ للعافين سَرْح
مَا أتاه وافدٌ إِلاَّ انثنى / وعليه من سحاب الجودِ سَحّ
يَا لَنفسٍ لَمْ تَجِدها طَمَحت / إن نفسَ الحرِّ لفحشاءِ كَبْح
في رِياض المجدِ نفسٌ غُرِست / فشَذاها من عَبيرِ الفضلِ نَفْح
قد زَهَت أغصانُها من كرمٍ / فجَناها كرم مَحْضٌ وصَفْح
هاجمتْني نِعَمُ القُرْبِ كما / صاهمتْني نِقَمٌ بالبين تلحو
فربُكم أهْنَى حياةً لفتى / وكذاك البعدُ للأحبابِ ذَبْحُ
عِيسُ رَجْوَى أَقلقتْنِي نجوكم / إذ حَداها كَرم منكم ومَنْح
حُثْحِثت تَسرِي برَكْبٍ ولكم / لِحِماكم ساقَها الدهرُ المُلِحّ
طالما أَوْقرتُموني كرماً / فهْي غَرْثَى مَا لذاك الحال شَرْح
ما لحصرِ المدحِ فيكم أَمَدٌ / فقُصوري عن دِراكِ المدح مدح
لِذِكرَى ليالي الوصل يُستعذَبُ الذِّكْرُ
لِذِكرَى ليالي الوصل يُستعذَبُ الذِّكْرُ / ويَحْلو وإنْ طال التَّباعدُ والهجْرُ
فيا ذِكرَ ليلى شَنِّفِ السمعَ مُوقَراً / أحاديثَ من ليلى يَذوب لَهَا الصَّخر
ويا سعدُ عَلِّلني بذكرى أحِبَّتِي / فعندكَ يَا سعد الأحاديثُ والذِّكر
ورَتِّل حديثَ الحب يَا سعد إنني / لقد عَزَّني سعدُ التجلدُ والصبر
مَنيتُ هَوىً لولا التأملُ بالِّلقا / ولولا أَمانِي النفسِ مَا عُمِّر الدهر
سُهادٌ إذَا جَنَّ الظلامُ رأيتُني / أُراقبُ حينَ النجمِ أَوْ يَشْفَع الفجر
أُكفِكف بالمنديل دمعاً كَأَنَّما / بعينيَ والمنديلِ يَلْتَطم البحر
ومن لي بأن ألقَى حبيباً إذَا بَدا / لطَلْعَتِه تَخْبُو الكواكبُ والبدر
تَسلَّط فِي قلبي بسلطان حبِّه / فبُحتُ بما تُخفي الجَوانحُ والصدر
كذلك سلطانُ الغرامِ وحكمِه / برغم جنودِ العشقِ يُقضَى لَهُ الأمر
فيا ظبيةَ المَسْعَى ريا ساعةَ اللِّقا / بحقِّكما عُوداً فقد نَفِد العمر
ويا أَيُّهَا العُذّال كُفوا فإنما / بقلبي لَظى الأشواقِ يُطفَى لَهُ الجمر
إذَا ذُكرت ليلى أَميل لذكرِها / كَأَنّي بحان الخمرِ أَسْكرني الخمر
نشرتُ عَلَى الآفاق راياتِ صَبْوَتِي / وسِرتُ وطُرْقٌ الحب أيسرُها وعر
وطفتُ بأسواقِ المحبّين برهةً / فما فيهمُ مثلي جميلٌ ولا عمرو
فكم مُدَّعٍ بالحبِّ يقضَى لغيره / إذَا احتكم الخَصْمَان يتضح السرُّ
فبالله يَا رَكْبَ الحجاز إذَا بدتْ / طلائعُ من ليلى ولاحَ لَكَ السَّفْر
وبانت لَكَ البانات عند طُوَيْلِعٍ / ونامتْ عيونُ الرَّكبِ وانتعشَ الفكرُ
وهبّ نسيمُ القُربِ ثُمَّ تأرّجت / روائحُ من ليلى وفاحَ لَكَ النَّشْرُ
فنادى بأعلى الصوتِ أهلُ مودتي / كثيبٌ لبُعدِ الدار أَجْهَده الصُّر
يُعاني من الأشواق مَا لَوْ تحمَّلت / بأعبائِه رَضْوَى لأَثْقلها الوِقْر
وكم قمتُ فِي ليلٍ كَأَنَّ نجومَه / عيونٌ من الحُسّاد تَرْمُقني خُزر
أكابِد حَرَّ الوجدِ والليلُ مُطرِق / تُسامرني الظَّلماءُ والأَنْجُم الزُّهْر
أَبُثُّ رَعيلَ الفكرِ شرقاً ومغرباً / وأَعتَنِق الأهوالَ مَا صدَّني الذُّعر
وأُرْحل خيلَ العزم أَغتنم السُّرى / ومن يطلبِ العلياءَ يَحْفِزه الصَّبر
فجُبْنَ بيَ الآفاقَ حَتَّى وردنَ بي / رِحابَ أبِي تيمورَ نِعْمَ الفتى البَرّ
سليلُ الملوكِ الصِّيدِ من جَلَّ قَدْرُه / وعُنَّ بأنْ يأتي بأمثالِه الدهر
لَهُ الشَّرف الأَسْنَى لَهُ المجد والعُلى / لَهُ النِّعمة العُظمى لَهُ البَسْط والقمر
هو البدرُ فِي الظَّلماء هو الشمس فِي الضُّحى / هو المُخْضِب الدَّفْعاءَ إِنْ عَزَّها العَطْر
تَدين لَهُ الأيامُ ذلاً وهيبةً / وَتَعْضُله الأقدارُ والبَرّ والبحر
يُحاكي نسيمَ الروضِ خُلْقاً إذَا بدا / تُحيِّيك بالترحاب أخلاقُه الغُر
تقابلك البُشْرى إذَا مَا رأيته / سَباك مُحَيّاه ولاح لَكَ البِشر
ويبديكَ قبلَ النطق مَهْمَا تخيلَتْ / بقلبِك حاجاتٌ وَقَدْ كَنَّها الصدرُ
فلولا نزولُ الوحيِ سُدَّت سبيلُه / لَقلتُ أتاه الوحيُ أَوْ جاءه النُّذْر
إذَا مَا سعى البر يوماً تَفَجَّرتْ / يَنابيعُ ذَاكَ البر واعْشَوْشَبَ القَفْر
وإن سار فِي بحرٍ ترى الفُلْكَ تَحْتَه / تَميد كنشوانٍ يُرَنِّحه الشكر
يَشُقُّ عبابَ البحرِ زَهْواً كمِثلما / تَشقّ رقابَ الخصمِ أسيافُه البُتْر
دَعتْه فلَبَّاها ظفَارِ وإنما / دعتْه لكشفِ الصُّرِّ أَنْ مَسَّها الضر
بشهر يفوق الدهرَ فضلاً وحُرْمة / فأُنْعِم بشهر الصوم يَا نِعْمَ ذا الشهر
لسبعٍ خلتْ منه وعشرون قبلَها / فبارِكْ بِهَا يوماً سيُمْحَى بِهَا الوِزْر
مَضْيناً ونورُ البحرِ يجرِي كَأَنَّه / سحابٌ تُزَجِّيه ملائكةٌ غُفْر
نَدوسُ أَديم البحرِ والبحرُ زاخرٌ / وانجينه يَغْلِي بموجٍ لَهُ جَمْر
ترى الطير والحيتان تجري بجنبِه / سِراعاً كما تجري المُطَّهمة الضُّمر
فلما تَنسَّمنا شَذا البر أَقبلتْ / شَواهقُ من ياى تحُف بِهَا جُزْر
رَسَينا ببحر الدُّرِّ بحر مَصيرةٍ / فلِّلهِ من بحرٍ بِهِ يُجتَنَى الدر
فَهلَّ علينا الفِطْرُ فِيهَا فأصبحتْ / تَحفُّ بنا النُّعْمَى وأنفاسُنا عِطْر
فلله يوم أجمع الأنسَ كلَّه / مليكٌ وذا بحر وعيد وذا فطر
فلما تَهانَيْنا جَرى الفُلك ماخراً / وَلَمْ يَثْنِه مَدُّ البحارِ ولا الجَزْر
ومُدَّت سِماطات المآكل والسما / تُظلِّلنا والبحرُ كلتاهما خُضر
ظَللنا ونورُ البحرِ يهوِي كَأَنَّه / رياحُ بقاعِ الأرضِ أصواتُها زَجرُ
أَوْ الرعدُ فِي الظَّلماءِ يرمي بأَشْهُبٍ / من البرقِ والصوتُ المُهبل هو المَخْر
فما أَقْصرَ الأوقاتَ والشهرَ عندنا / إذَا أَسْفر الفَجرانِ باغتَنا العصر
كذلك أوقاتُ السرور كَأَنَّها / طَوارِقُ أوهامٍ يمر بِهَا العصر
وثالثُ يومِ الفطرِ لاح لنا البُنا / مصانعُ مرباطٍ تَسامَى بِهَا قَصْر
فأشرلقَ نور البِشْر فِيهَا فأُلقِيتْ / مَدافعُها والعُسْر يَعْقُبه اليُسْر
وأقبل أَهْلُوها عَلَى السُّفْن شُرَّعاً / عديداً بِهِم من خوف سلطانهم وَقْر
فحَيَّوه إجلالاً وسَكَّن رَوْعَهم / بنطقٍ يفوق الدرَّ إنْ نُثِر الدر
فقامتْ عَلَى ساقٍ تودع فيصلاً / قبائلُ مرباطٍ وأدمُعُها نَثْر
وفي أَبْركِ الساعاتِ واليومُ رابعٌ / من الشهر وافَيْنا وَقَدْ قَرُب الظهر
ظَفاراً وَقَدْ غَنَّت بلابلُ حَلْيِها / وزَمجرتِ الأصوابُ وابتسم الثَّغْر
قرأتْ لنا الأعلامُ تخفِق والهنا / يرفرف والأطيار تهتف والنفر
فحل بِهَا سعدُ السُّعودِ فأقبلتْ / عروساً متى زُفَّت يجَلِّلها الفخر
ترى الأرضَ من رؤوس الرجالِ كَأَنَّها / أكاليلُ من ليل التمامِ لَهَا سِتر
وغلمانَ كالليلِ البهيم نَظنُّهم / جنوداً من الخُزّانِ عن مالكٍ مَرّوا
وأرضٌ من البارودِ تُشْعَل والظُّبا / بأيديهمُ بالدمِّ مخضوبةٌ حمر
ظفارٌ لأَنتِ اليومَ أَرْفَعُ منزلاً / وأعلى مقاماً أنتِ إِنْ طاولَتْ مِصر
بلاد إذا طال المقام بأرضها / مأعوامها من حسن أوقاتها قصر
فأرضٌ بِهَا حل المليكُ فإنها / لأَرْضٌ بِهَا الخيراتُ أَجْمَعُ والبِرُّ
تَحلَّتْ بكَ الدنيا لأنك عِقْدُها / وإنسانُ عينِ الدهرِ أنت فلا نُكْر
إذَا مَا دَجَتْ ظلماءُ للشر أَسْفرتْ / شموسُك للظلماءِ فاسْتَدْبَر الشر
تَحاسدتِ الأيامُ فيك فإن يكن / جَنابُك فِي قُطرٍ تَخسَّده قُطر
وإن كنت فِي أرضٍ تُخال عِراصُها / ذَنائبَ من كَفَّيك يجري بِهَا التِّبر
فطُفنا بأنحاءِ البلاد كَأَنَّنا / نجومُ سماءٍ والمَليك هو البدر
تحفُّ بنا خُضر الرِّياض وكلما / عَبَرنا إِلَى نهر يُعارِضنا نهر
إِلَى أن عبرْنا نهر أرزات واستوتْ / نَجائبُنا تَحْتَ العَجاج لَهَا زَفْر
حَططْنا رِحال الأُنسِ فَوْقَ رِحابِها / وبستانُها غَنَّت بأغصانه القُمْرُ
وهبَّ نسيمُ الروضِ من جانب الحِمى / فأسكَرنا من طيبِ أَرياحه الزَّهْرُ
كَأَنَّ علة بستانِ أرزاتَ أُنزِلتْ / رياضٌ من الفِرْدوس يَخْفِرها الخِضر
غَدوْنا وضوءُ الصبحِ مَدَّ ذِراعَه / وجِنحُ الدُّجى يُطوَى كما طُوِي السَّفْر
وأَظلالُها بالغربِ يمتد باعُها / تُعانِقها الكُثبانُ والطَّلْحُ والسِّدْرُ
نُدالِس أسرابَ الظِّباءِ وتحتفِي / مخافةَ أن يبدو لآذانِها الجَهْر
فلما فَشا ضوءُ الصباحِ وَقَدْ بَدتْ / نجومُ السما تَخْبو وألوانُها غُبر
تَبدَّى لنا سِرْبُ الظِّباءِ كَأَنَّه / سَرابٌ بظهرِ البَيْدا وَقَّدَه الحر
فتارتْ عليها الصُّمع تُمطر فَوْقَها / كَأَنَّ عَلَى الكثبانِ قَدْ نُثر البَذر
فما أبهجَ الساعاتِ إذ هبتِ الصَّبا / وفاح علينا البانُ والرَّنْد والعِطر
تَدانَعُ أقداحُ المَسرَّةِ بَيْنَنا / وَقَدْ هُزِج الفصلانِ حَرّ ولا صرُّ
ويوماً عَلَى ظهر الكثيب وَقَدْ بدتْ / قُبيلَ الضحى حُمران أرجاؤها خُضْر
ونهرٌ كماءِ المُزْنِ يجري حلالَها / إذَا مَا سَقَى شَطْراً يُعارِضه شطر
وفيها من الإعجاب مَا قَدْ رأيته / أُناسٌ بأعلى الشُّمِّ كالطيرِ قَدْ فَرُّوا
ونيامٌ كما نام العروسُ وتارةً / قِيام كما قام البُزاة أَوْ النَّسْر
فأَعْجِبْ بحُمران الأنيق ومائه / وأعجِبْ بأقوامٍ شُراماتُهم سمر
وثالث والعشرون لاح كَأَنَّه / بأُسطولِه البالوزُ معترِضاً جِسْر
يَفُدّ أديمَ البحرِ مُنصِلتاً كما / من الجو نَنقضُّ الأَجادِلُ والصَّقْر
فساح بأطرافِ البلاد وَفِي غدٍ / قُبيلَ غروب الشمس عَنَّ لَهُ السفر
فشَيَّعه السلطانُ والقوم خلفَهم / كثاني ليالي الرَّمْيِ حَلَّ بِهِ النَّفْر
فلما تَكاملْنا عَلَى السُّفْنِ واستوى / عَلَى بطنها السودانُ والبِيض والصُّفْرُ
سَمرْنا وجنحُ الليل مُرخٍ جِلالَه / وخمرتُنا بُنٌّ وناقوسُنا شِعر
فيا لَكَ من وقتٍ حكمتَ بجمعِنا / تمر كلمحِ الطَّرفِ أيامُك العشر
فسافر نور البحر لما تَنفَّستْ / بَليلُ الصَّبا وارتاح من بردِها السَّحْر
فمر بمرباطٍ يودِّع أهلَها / كما ودع الأهْلِين أبناهُمُ الصِّغر
وبالجمعة الزَّهْراء أرستْ سَفينُنا / بسدحٍ فنِعْمَ الدارُ خيراتُها كُثْر
فشَرَّفها السلطانُ بالوَطْءِ فانثنتْ / تتيه بع فخراً وأرامُها العُفر
فسِرْنا ونور البحر يكتب فِي الهوا / بدُخّانه خطا كما يُكتب السَّطْرُ
إِلَى أن حَذَوْنا بالأشاخر إذ بدا / عموداً بناه الريح أَوْ شاده العَفر
بحادي هواع هَبَّت الريحُ ضَحْوَةً / وهاج عُباب الماءِ إِذ زَمْجَرَ البحر
كَأَنَّ عباب البحر رَضْوَى إذَا بدتْ / عَلَى صدره الأمواجُ وارتفع الصدر
كَأَنَّ السما سقفٌ عَلَى البحر نازلٌ / أَو البحر شالتْه السموات والزُّهر
كَأَنَّ زَفير البحر زَجْراتُ مالكٍ / إذَا سَمَّر النيرانَ أَوْ سِيقتِ الكُفْر
كَأَنَّ عَلَى بطن السفينة مُنكَراً / يناقش طاغوتاً متى ضَمَّه القبر
كَأَنَّ جبل الطُّور دُكّت وزُلزلت / إذَا اقترع الأفياف واصطدم الصفر
كَأَنَّ سُوَيعاتٍ من الليل أقبلتْ / بثاني هواعٍ دونها الحَشْر والنَّشْر
ترى القومَ صَرْعَى يَنْزِعون كَأَنَّهم / قَرابينُ يومِ العَشْر أَرداهُم النَّحْر
ومنهم قيامٌ ينظرون كَأَنَّهم / يُنادَون بالوَيْلات ألوانُهم صُفْر
ومنهم قعودٌ رافعون أكفَّهم / يَضِجّون بالتهليل رُحْماك يَا بَر
فيومٌ ولا يومُ الأَشاخِر إنها / يهون لذِكراها القيامة والحَشرُ
فأَسْفَر ضوءُ الفجرِ والبحرُ مُزْبِدٌ / وَقَدْ غاب عنا الجاه والنَّعسُ والغفر
فجُسْنا خلالَ البحرِ نَنتشِق الصَّبا / فبعد ارتفاعِ الشمس بان لنا البَر
نَشَقنا نسيمَ الروح لما تَبينتْ / لمنظرِنا صورٌ ولاح لنا البِشر
طَفِقنا تُجارى البر كَيما تَلمًّنا / عن البحرِ أكنافٌ يهون بِهَا الأمر
إِلَى أن دخلنا الخَورَ خور جرامة / فقَرَّت بع العينان وارتفع الضُّرُّ
فبُورِكْتَ من حورٍ وبورك ساعةٌ / دخلْناك فِيهَا واستُرِد بِهَا العمر
بأيِّ سبيلٍ أم بأبةِ حالةٍ / تَجَوَّزْتَ فِي نكثِ العُهودِ أيا بحر
أتُظهِر ليناً ثُمَّ تُخفى مداوةً / فما العذرُ يَا مُخفِي العداوةِ مَا العذر
خفضتَ جناحَ الذلِّ لِيناً وهيبةً / وأنت عَلَى العدوان باطنْك الغدر
دَعتْك أيا ساجِي الجفونِ عداوةٌ / أن ارتحت مختالاً متى عَمَّك الفخر
ألا شُلَّتا كفاك يَا بحر أن تكن / دعتْك حَزاراتُ الفؤادِ أَو الأسر
ألستَ ترى الأَملاك فَوْقَك إنهم / ملوك بني سلطانَ والسادةُ الغُر
أبو نادرٍ فخرُ الوجودِ وتاجُه / وغرَّة وجهِ الدهر أبناؤه الطُّهْر
وفي سابعٍ عُدْنا لمسقطَ بالهَنا / فللهِ من يومٍ يحقُّ بِهِ الشكر
فأُنشِرت الأعلامُ بِشْراً وأُطلِقت / مدافعُها والعُسرُ يَعقبُه اليُسْر
فلم أر قبلَ اليوم يوماً تبسَّمتْ / وَلَمْ أر بعدَ الموت يُسترجَع العمر
فتِيهي فَخاراً يَا عمانُ ومسقط / فمثلُ نوالِ اليوم لَمْ يسمحِ الدهر
فهذا أميرُ المؤمنينَ ورَهْطُه / وتيمورُ عزُّ الدين والسيدُ الحَبْر
سموتِ بأعلى الخَلْق مجداً وسؤدداً / فأنت عروسُ الكونِ والغادةُ البِكرُ
لِتَهْنِكِ يَا دارَ السعادةِ عودةٌ / يعود بِهَا صدرُ المَمالك والظَّهرُ
ويرتدُّ عودُ المجدِ بالمجد مُورِقاً / وتُستطَر الأنوا ويَعْذَوْذِبُ البُسْر
بنفسي ومالي الخليقةِ كلِّها / نُفدِّي مَليكاً باسمة يُطرَد الفقر
لساني وقلبي كَلَّتا ثُمَّ ساعدي / لذي مدحِه ثُمَّ اليَراعة والحِبر
فمن أَيْنَ تُستقصَى مقاماتُ مجدِه / ودون انتِها عَلياه يُسْتَبهَمُ الخُبرُ
مزاياه جَلَّتْ أنْ تُعدَّ وإنما / يُقصَّر عن إحصائها النَّظْمُ والنثر
أمولاي إن العيد جاء مهنِّئاً / يهز قوامَ البِشْرِ يحدو بِهِ الفخر
أتاك وثغرُ الأنسِ يَبْسِم بالهَنا / ودُرّ الشفا بالحمدِ يَنْثُره الثَّغر
فشَرَّفْه بالقُربانِ منك فإنما / لتشريفه جَزْرُ القرابينِ والنَّحر
تعود بِهِ الأيامُ مَا ذَرَّ شارِقٌ / وَمَا صَدحتْ ورقاءُ قَدْ شاقَها الوَكْر
فلا زلتَ فِي دستِ الممالك راتعاً / تُعانقك العَليا ويخدمك النصر
منه غَنيتُ وكيف لَمْ يُغْنِ البَشَرْ
منه غَنيتُ وكيف لَمْ يُغْنِ البَشَرْ / ملكٌ حَوَى كلَّ المَفاخرِ والخَطَرْ
عَبَّت لنا من راحَتَيْه أَبْحُرٌ / كادت رِحابُ الأرضِ منها تَنْفطِر
قُل للسحابِ الجَوْنِ مَا هَذَا الحَيا / هَلاّ رأَتْ عيناك ذا صَوْب المطر
إن شئتِ يَا سُحْبَ السما فاسْتَمْطِري / من بحرِه الزَّخّارِ دُرّاً مُنتثِر
رِزقُ الوَرى من راحتيه نافذٌ / والموتُ يَسْطو للنفوسِ إذَا سَر
إن كنتَ يَا ذا جاهلاً مل قلتُه / قِفْ وَهْلَةً عندي تَجِدْ كُنْهَ الخَبر
ذا فيصلٌ كم فُصِّلت من حردِه / أعناقُ مالٍ مَا لَهَا عنه مَفَرّْ
أَحْيَى النَّدى منذ انْتَشا لا غَرْوَ إِنْ / أَفْنَى العِدى رَبُّ المَلا مولىً أَغَرّ
شمسُ الهُدى مُرْوِي الصَّدَى نابُ الرَّدى / بدرُ الدُّجَى مِنْ نورِه قَدْ اكْفَهَرّْ
قُطْب العُلى مِقباسُ نارٍ للوَغَى / مُنْشِي رُقاتِ الفقرِ من سُحْبِ البِدَر
إن قلت يَا صَرْفُ القَضا من عَزْمه / لا ضيرَ ذا نفسُ القضاءِ والقَدَر
قَدْ حارَتِ الأَفطارُ مهما شاهدتْ / آياتِه الكبرى عُجاباً تُسْتطر
تكبو لَهُ الفرسانُ لا بالثَّرى / فِي حَلْبَةِ المَيْدانِ يَعْرُوها الغِيَر
تَهوَى ملوكُ الأرضِ نحوِي بعضَ مَا / أبدتْ بِهِ أعداهُ من حسن السِّيَر
ما أَحْنَفٌ فِي الحِلْم بل مَا حاتمٌ / فِي الجودِ بل مَا حَيْدَر يوم الذُّعُر
إن قام للأَقْيالِ شادٍ بالثّنا / أَضحتْ لَهُ الآياتُ تُتلى كالسُّوَر
من أَيْنَ نورُ الطُّورِ قلْ لي مُخبِراً / هل آيةٌ قَدْ شُقَّ منها ذا القَمَر
لا تَعْجبوا إن أَبْهَرتكم طَلْعَةٌ / فالحسنُ ذا لَمْ يَحْوِه وجهُ البشر
هَذَا مَليكُ الحُسْنِ هَذَا يوسفٌ / لو حُورُ عَدْنٍ راودتْه مَا غَدَرْ
لو أبصرتْه نِسوةُ المكرِ الَّتِي / قَدْ أُفْتِنتْ لَمْ يَكْفِها قَلْعُ البصر
خَرَّتْ لَهُ الأقمارُ طَوْعاً سُجَّداً / لما رأتْ وجهاً لَهَا منه سَفَر
لو قابلتْ شمسُ الضحى وجهاً لَهُ / رُدَّ السَّنا منها كَليلاً مُكْفَهِر
ما أَجْهَلَ المُدَّاحَ فِي وصفِ الَّذِي / لولاه مَا كَانَ المديح المُسْتَطِر
باللهِ أَوْعوا سَمْعَكم مَا شُنِّفت / أُذنايَ من مدحِ المليك المُبْتهِرْ
ما قولُكم مَا شعركم فِي مدح من / ظلّت لَهُ شُهْبُ السما حَذْوَ الأَثر
هذِي عصا موسى الكَليم استلْقَفتْ / مَا زَخرفتْه كفُّ غاوٍ قَدْ سَحَرْ
بل هَذِهِ شهبُ السما قَدْ أُعدِدتْ / فِيهَا رُجوم تقذف الشِّعرَ الهَذَر
قل مَا تَشا فِي مدحه يَا ذا تجِدْ / مثل الَّذِي أهدى إِلَى البحر الدُّرر
إن قالت العُذّال قَدْ أَطنبتَ فِي / مدحِ المُفَدَّى فيصلِ فاخفِض وذَر
قلتُ اقصُصوا رؤياكمُ فِي وصفهِ / تكفيكم الذكرى فهل من مُدَّكِر
أم فيكمٌ وَقْرٌ عَلَى آذانكم / أم أنتمُ عميٌ فما من مُعتبِر
هَذَا مليكُ الأرضِ سلطانُ المَلا / ذا فيصلُ الأحكامِ كلا لا وَزر
لو رامتِ الأفلاكُ يوماً ضَرَّه / أَضحتْ ببطن الأرض يكسوها العَفَر
كم من خُطوبٍ حَيَّرت ألبابَنا / طارت شَعاعاً مذ رماها بالشّرر
ملكٌ يُجبر الخَلْقَ من هولِ الرَّدى / حَتَّى الدَّرارِي لو أرادتْ والقمر
هَلاّ أتاك اللهُ تصريفَ القضا / أم جئتَ بالأنباءِ فِيهَا مُزْدَجَر
فالدهرُ لا يَعْروه نقصٌ لا ولا / يَغْشاه مَا أُبقِيتَ ضَيمٌ أَوْ ضَرر
باللهِ يَا فرسانَ عصري هل لَهُ / مثلٌ بهذا الدهرِ أَوْ مَا قَدْ غَبَر
فاسحبْ ذيولَ التِّيه يَا دهري فقد / أَصبحتَ فِي كفّي مليكٍ مقتدِرْ
مولاي لا تخشى أَراجِيفاً أتتْ / فالدهرُ فِي كفيك يسطو بالعِبَر
فاضربْ بسيفِ الدهر هاماتِ العِدى / قَدْ مَدَّك المولى بعزٍّ فانتصرْ
بُشْراك هَذَا الدهرُ أَوْفَى بالمُنَى / والسعدُ لاحتْ شمسُه تَعْشُو النظر
هذِي الأماني أشرقتْ أنوارُها / جاءتْ إِلَى عَلياك يُزْجِيها الظّفَر
إن رامتِ الأيامُ ولّى أَصبحتْ / بالعز تسمو بِي أياديه الغُرَر
وَيْلاه من حَوْرِ الليالِي قَدْ عَدَتْ / فاصدعْ بعدلٍ منك يمحو ذا الكَدر
أنت الرَّجا مَا من شفيعٍ يُرْتَجى / مَن ذا شفيعٌ للكريمِ إِذَا غفر
لا زلتَ بالتأييد مَكْلُوّاً عَلَى / رغمِ الأعادي مَا شَدا طيرُ السَّحَر
فانعمْ بعزٍّ دائمٍ طولَ المَدى / مَا عاشَتِ الحُسّادُ تَصْليها سَقَر
دُم بالهنا فِي العِزَّةِ القَعْساءِ مَا / قَدْ غَرَّدتْ وَرْفاً عَلَى غُصن الشَّجر
أَتتْكَ ودمعُ العينِ بالدمِ يَقْطُر
أَتتْكَ ودمعُ العينِ بالدمِ يَقْطُر / وجمرةُ نارِ الوجد بالقلب تُسَعَّرُ
تَهزّع فِي زَهْوِ الشبابِ تَخيُّلاً / وتَمْرح فِي ثوب الفَخارِ وتَخْطِر
وتَعْثر فِي ذيل الدَّلالِ وتنثني / وَلَمْ تدرِ فِي أَيِّ المَهاوِي ستعثرُ
ومن كَانَ مَسْراه بدَهْماء دامسٍ / يُرَدُّ عَلَى العُقْبى ولا هو يَشْعر
تَبصَّر فما ظلتْ مساعِي ذوي الهدى / ومقدام أهلِ العزم فِيهَا التَّبصُّر
أخا العزمِ قَدِّم إن سموتَ إِلَى العُلا / من الرأيِ حَزْماً لَمْ يَغُلَّه التأخُّر
وفَكِّر زماناً فِي النتيجة إنه / مَا ضل فِيهَا ساعياً يتفكَّرُ
أخا العزمِ قَدِّر للسوابقِ إنها / عَلَيْها حَواتيمُ الأمورِ تُقدّر
أخا العزم إن تنهضْ إِلَى الحق إنني / إِلَى الحق نَهّاضٌ وللحق أَنصُر
وإني لعَشّاق لما قَدْ تَرومُه / ولكنني أخشى أموراً وأحدَر
وما أنا ذو جزمٍ عَلَى الدِّينِ مُشْفِق / إِذَا لَمْ أُقدِّر للأمور وأنظر
أُدبِّر أمراً فِيهِ إصلاحُ أمةٍ / تكون بِهِ هَلكي فماذا أُدبِّر
فأيُّ ظهورٍ للديانة يُرْتَجَى / وطلاّلُ دينِ اللهِ فِي الأرض أَظْهَر
أمَا فِي ظروفِ الدهر للمرءِ عِبرةٌ / وأيُّ اعتبارٍ للفتى حين يُبصر
تمر علينا بالليالي عجائبٌ / وهذِي الليالي بالعجائبِ أَجدَر
زَواجِرَ عن شقِّ العصا بَيْنَ أمةٍ / وذو العقلِ بالأيام لا شك يُزْجَر
أيحفِر ذو العقل السَّديد بظِلْفِهِ / شِفارُ المنايا تَحْتَ مَا هو يَحفر
ويَنبِذ دينَ الله بَيْنَ أُساودٍ / تُمَزِّقُ أَشْلاهُ جِهاراً وتَنشُر
فلِلَّهِ من أمرٍ يُحاميه دونَنا / بَصيرٌ عَلَى دفعِ الرَّزايا مُشَمِّر
عَليمٌ بأَدْواءِ القلوبِ مُجرِّب / لَهُ خاطر من سنا الصبح أنور
خبيرٌ بعِلاّتِ الأعادِي وكيدِهم / فإن دبروا أمراً فبالردِّ أَجْدَرُ
غَيورٌ تحوم الأُسْد حول حِمائه / ومهما رَعاياه سامَ فأَغْيَر
يقسِّم ساعاتِ الحياةِ تفكُّراً / ليَصْدَعَ كيد الملحدين ويَقْصُر
يَكيدونه خَدْعاً ومكراً وإنه / لأَدْهَى دَواهِي الكائناتِ وأمكَر
عَلَى مُعضلاتِ الدهرِ حِرْصاً عَلَى العُلَى / يُكابِد دَهْياء الخطوبِ ويَصْبر
فمن كَانَ فِي أمر الرعيةِ شأنُه / حَفيظاً عَلَيْهِم كَيْفَ يُجْفَى ويُغْدَر
حريص عَلَيْهِم أنْ يُكادُوا بخَدْعَةٍ / عطوفٌ رؤوفٌ فِي الخُطوبِ غَضَنْفَر
حليم غَضيض الطرفِ عنهم إِذَا جَنَوا / وأعظمُ قَهْراً فِي القَصاص وأَقْدَر
فأموالُه سُحْبٌ عَلَيْهِم مَواطِر / من الفضَّةِ البيضاءِ والتِّبْرِ تُمطر
إِذَا قَلَّ وَفْرُ المالِ دونَ وُقورِه / تَكلَّفه ديناً لكيما يوفِّروا
حَنانَيْكَ من دهرٍ تَروم عِنادَه / تَذكّرْ عظيمَ الفضلِ إن كنت تَذْكُرُ
فمن أكبرِ الأشيا خِصامُكَ فيصلاً / وكُفْرانُك النَّعماءَ لا شكَّ أكبر
عزيزٌ عَلَى الأيامِ فيصلُ أن يُرى / مثيلٌ لَهُ والمِثلُ عن ذَاكَ يَقْصُر
غريبٌ يُراه اللهُ للخلقِ رحمةً / فمن قابل الرَّحْموتَ بالسُّخط يَخسر
فيا أمةً قامتْ إِلَى الحق فاقعُدي / فإن اقتحامَ الصخرِ للعظم يَكْسِرُ
ومهما تُهاجُ الأُسْد فِي الغِيل تَفْترِس / وإن شُمَّتِ الأنفاسُ فِي الأُجْمِ تَزْأَر
فإياكِ أن تَلْقَيْ أُميمةُ دينَنا / وأرواحَنا وسطَ الحَبائلِ تُقهَر
ويا أمةً تسعَى لتُحيي رسومَها / فإحياؤكِ الساعاتِ بالعلم أَعْذَر
فرِفقاً أُباةَ الضَّيمِ رفقاً بأمةٍ / عَلَى مَنْهَجِ التوحيد تَنْهَى وتأمُر
تُقِر بتوحيد الإله وإنما / محمدٌ خيرُ الرُّسْلِ ديناً وأَفْخَر
وإن الَّذِي أَنْبأ بِهِ الخلقَ كلَّه / من اللهِ تنزيلٌ وحكمٌ مقدَّرُ
فدَعْها أخا الهيجاءِ واحفظْ حياتَها / ولا تكُ هَدْفاً للدَّمار فتُدْمَر
فلو أن قتلاً للسعادةِ ينتهي / ولا دونَه فَوْقَ الممات مكدِّر
شَنَنّاً لَهُ الغارات والليلُ دامسٌ / وخُضْنا حياضَ الموتِ والصبحُ مُسفِر
ويِعْنا إِلَى المولى حياةً ثمينة / لِنَبتاعَ جناتٍ وفيها نُعمَّر
ولكنّما دونَ الممات مَذَلّةٌ / نُورِّثها الأبناءَ والموتُ أَيْسَر
أنعرِض للإلحادِ ديناً ونبتغِي / شعائرَ دينِ الله تُحْيَى وتُنشر
أمورٌ يَحارُ الفكرُ فِيهَا وإنها / نَتائجُ دهرٍ للبَرايا تُحيِّر
فيا مُنشِداً هَوِّنْ عَلَيْكَ فإنها / نُفَيثات صدرٍ من لساني تَخطَّرُ
فخذْها هِجاناً لا ترى للسَّبَّ قيمة / فإن غراسَ السبِّ بالقلبِ يُثمِر
فما هي إِلاَّ طعنةٌ من مثقفٍ / بقَلبِ ذوي الإتقانِ بالدمِّ تنفِر
فلا يحسِب القراءُ رَوْعي تفجَّرت / يَنابيعُه والثغرُ منهم مُفْغَرُ
فلستُ أخا قلبٍ يُروَّع بالظُّبا / ولا من لَظى الهَيْجا إِذَا الحربُ تُسْعَر
ولكن ظروفُ الدهرِ تُعرِب للفتى / بما بَيْنَ جنبيها جَهاراً وتُنْذِر
وإني عَلَى مَا قلتُ إن كنتُ مخطئاً / أتوب لربِّ العرشِ والله يَغْفِر
وأُملي ظروفَ الكونِ بَدْءاً ومُنتهىً / عَلَى سببِ التَّكوينِ مَا الكون يَعمر
صلاةً وتسليماً يَعُمان أهلَه / وأصحابَه راح العَشيرُ وهَجَّروا
أخِلاّيَ هل عيدُ التواصل راجعُ
أخِلاّيَ هل عيدُ التواصل راجعُ / وهل عهدُ ذَاكَ الحيِّ بالحيِّ جامعُ
أُرجِّي وِصالاً والليالي تُقاطِع / وأدعو وَمَا لي فِي البَرية سامع
خَليليَّ من لي للأحبةِ شافعُ /
فلِي مَدْمَعٌ مَهْمَا جَفَوْنِي مَا رَفَا / وقلبٌ بأرجاءِ الغرام تَفرَّقَا
وجسم عَلَى مهدِ النُّحول تمزَّقا / أقول لأحبابٍ جَفَوْني متى اللِّقا
بِعيشكمَ عودوا عليَّ وسارِعوا /
أُطالب أيامي رُجوعاً فَتَنْزَوِي / وأسألُها عطفاً عليَّ فتَلتوِي
ومَن طبعُه التَّعْوِيج أَيَّان يستوِي / فقلتُ لَهَا والخدُّ بالدمع يرتوِي
قتيلُ هَواكم غَسَّلته المَدامع /
لقد كَانَ من قابَيْنِ أَدْنَى إِلَيْكمُ / أَسير بيُسراكم عزيزٌ عليكمُ
تُجُوفِي بلا ذنبٍ فبانَ لديكمُ / فإن شئتمُ قتلِي فطوعُ يديكم
فما أنفُسُ العشاقِ إِلاَّ وَدائع /
حلفتُ يميناً لا أَحول عن الصَّفا / فسيانِ عندي كَدَّر الدهرُ أَوْ صَفا
لأني محبٌّ أحمِل الصدَّ والجَفا / فإن تُحسنوا فالحرُّ شِيمَتُه الوفا
وإن تمنعوا فاللهُ لا شك مانِع /
سأُجمِل صبراً والتَّجَمُّلُ شِيمَتي / وأكتم سِرَّ الحبِّ طوقَ عَزيمتي
فشكوَى الهوَى لا شكَّ إِحدى فَضيحتي / فإن كَانَ لا يُجدِي بكائي ولوعتي
لعل احتمالَ الصبرِ فِي الحب نافع /
غرستُم هواكم فِي حُشاشةِ مُهْجتي / فوجهتُ كُلِّي فيكمُ وحقيقتي
فذلك حُكمي فِي الهوى وشَريعتي / فأقسمتُ إِنْ لَمْ تنظروني برَحمةِ
رأيتم جَهاراً مَا بِيَ الشوقُ صانع /
شربتُ الهوى صِرْفاً بحانوتِ حبكم / وأصبحتُ نَشْواناً بكاساتِ قربكم
أَرَشْتُم سهامَ البينِ جَوْراً ببُعدكم / فإنْ أكُ مقتولاً صَريعاً بصدكم
فكم جُمِّعت للحتفِ فيكم مَصارِع /
أَبِيتُ صريعَ الحبِّ صَبّاً مُوَلَّعاً / وأُضحِي طَلِيحَ الشوقِ نِضْواً مُدَلَّها
أُقلِّب طرفِي خاليَ القلبِ أَبْلَهاً / فمَنْ مُبلِغُ الأيامِ عني لعلَّها
تُقرِّب أَحبابِي وعني تُدافع /
أَخلايَ ذَلتْ عِزَّتي بجفاكمُ / وَقَدْ كنتُ مرموقاً بعينِ رِضاكمُ
فيا عهدَ عيشٍ قَدْ صفا بصفاكمُ / تذكرتُ عهداً طاب فِيهِ جَناكم
وعصراً بِهِ زَهْرُ التواصل يانع /
إلا أَيُّهَا الدهرُ المُلِحُّ تَرَفُّقاً / بصبٍّ بِهِ ثوبُ الشباب تمزَّقا
عقد كَانَ فِي الأحبابِ خِلاًّ مُصدَّقاً / فلما بدا صبحُ المَشيب وأَشْرَقا
تراءَتْ ليَ الإخوانُ طُرّاً تُخادِعُ /
سَقى اللهُ ذَاكَ العهدَ والعودُ ناضِرُ / وحَيَّا ليالٍ والحبيبُ مُسامِرُ
نَعِمتُ بِهِ والحظُّ ناهٍ وأمِر / أَلاَ من محبٍّ لي شفيعٌ وناضر
عَلَى مَضِ الأيامِ يوماً يُصانِعُ /
فيا لَزمانٍ قَدْ سكرْنا بحانِهِ / وأوتارِ أُنسٍ حُرِّكتْ ببَنانِه
ونَغْمةِ أفراحٍ شَدتْ بلسانه / وهذا زمانٌ قَدْ سَطا بسِنانه
يُقَرِّعني ولِلدهرُ جمع قَوارِع /
نُطارِد دهراً والنفوسُ طريدة / ونَسْتَهوِن الأيامَ وهْي شديدة
ونقبِض كفاً والحُتوفُ مديدة / نؤمِّل آمالاً وهنَّ بعيدة
وأيدي الليالي بالمَنون شوارِع /
نَروم من الدنيا وفاءٌ فما وَفَتْ / ونرقُب منها صفوَ عيشٍ فما صَفَتْ
إذَا لَمْ تُنِلنا فَضْلَها ليتها عَفَتْ / أَمْستنهِضُ الأيامِ وَيْكَ وَقَدْ غَفَتْ
رُوَيْدَك دَعْها فهْي عنك هَواجِع /
تُجشَّم أهوالاً لتحصِيلنا المُنى / ونتعبُ فِي عيشٍ سيُعقَب بالفنا
ونقطع كلًَّ العمرِ بالكَلِّ والعَنا / طَماعاً لحبِّ المالِ حِرْصاً عَلَى الغَنى
فما آفةُ الإنسانِ إِلاَّ المَطامع /
رُويدَك عني يَا زمانُ فإنني / جَلود إذَا نابُ العداوةِ عَضَّني
بذلتُ نفيسَ العمرِ فيك وليتَني / قطعتُ أمانِي النفسِ لما وعدْتَني
فما موعدُ الأيامِ إِلاَّ بَلاقِع /
أقوم بحفظِ الواجباتِ مُتمِّماً / وتقعد عن حفظ الإخاءِ تألما
لذاك رأيتُ العذر أَوْلَى وأَسْلَما / إذَا مَا رأيت الخِلَّ بالصَّدِّ أَعْلما
فدَعْه فرحب الأرض للمرء أوسع /
منعت عن التَّرحالِ دهراً رَكائبي / وأصبحتُ خصمَ الدهرِ لَوْ عَضَّ غارِبي
وآليتُ لا أشكو لخَلْقٍ مَطالبي / سوى فيصل السلطانِ بحرِ المَواهِب
فذلك من تُرجَى لديه المَنافع /
مليكٌ بحُكمِ الكائناتِ موكَّل / نبيٌّ بدستورِ الخلافة مُرسَل
هُمام بأَهباءِ العُلى متزمِّل / لَهُ الملك بيتٌ والخِلافة منزل
لسلطانه كلُّ البريةِ طائع /
رفيعٌ بني فَوْقَ المَجَرَّةِ مَسْكَناً / سَخيٌّ لقد حازَ المكارِمَ دَيْدَنا
قويٌّ يرى صعبَ المطالب هَيِّناً / مواهبُه سُحْبٌ مَواطِر بالغنى
فذاً صادرٌ مِلءَ اليدين وشارع /
تبسَّمتِ الأيامُ بِشْراً وأَسْفَرتُ / بطَلْعتِه والكُتْبُ جاءَتْ وبَشَّرت
مُديرُ رَحَى الهَيْجا إذَا الحَربُ شَمَّرت / مكارمُ عن إحصائها الخَلْقُ قَصَّرت
فليس لَهُ فِيهَا شريكٌ مُنازِع /
يشقُّ كَثيفَ الحُجْبِ ثاقِبُ فكرِه / فيُنْبِيك بالمَخْفِيِّ من قَبْلِ ذِكره
كَأَنَّ علومَ الغيبِ شُدَّت بأَزْرِه / ترى السر منظوماً بِهِ قبلَ نشره
طوتْه من الفكرِ الجَليِّ طَلائع /
إِلَيْكَ أمينَ اللهِ قَصْداً تَوَجَّهتْ / ركائبُ شوقٍ بأرجاءِ تَسَرْبلت
لقد ساقَها حادِي الجميلِ فأَرْفَلَت / ولو أن كل الخَلْق نحوَك أقبلت
وَسِعْتَهم فضلاً فلم يبقَ جائعُ /
أناختْ بيَ الآمالُ وهي مَطِيَّتي / فلا يَكُنِ الهجرانُ منك عَطيّتي
فإن يَكُ ذنبٌ فالذنوبُ سَجِيَّتِي / فعَفْوُك يَا مولايَ مَحْوُ خَطيئتي
فليس سوى الإقرارِ عندي ذَرائع /
ليَ الويلُ إن كنتُ الرَّبيبَ لفضلِكم / فأُصبح مهجوراً بأحكامِ عدلكم
بعهدِي قديماً بالتزامي بشَمْلِكم / بأخلاقك العظمى بأَطوادِ حلمكم
عهودٌ توالتْ والعهود مَوانِع /
فلِي قلم طَوْعُ البَنانِ ولي فم / يَخُطُّ ويُملي والمديح مُترجِم
فأنت سماء والمكارم أنجُم / فأيُّ مديحٍ فِي ثَناك متيّم
وكلُّ لسانٍ عن جميلك ذائِعُ /
هاكِ يَا أرضُ سعدُ الكون فِي شَرَفِهْ
هاكِ يَا أرضُ سعدُ الكون فِي شَرَفِهْ / قَدْ حلَّ بطنك لما حُلَّ من شُرُفِهْ
فِي كَنْفِكَ اليومَ مأسوراً وَقَدْ سَلَفت / أيامُ أَسرِك لما كنتِ فِي كَنَفه
رِفْقاً بهيكلِ روحٍ لا حراكَ بِهِ / قَدْ طال مَا حَرّكَ الأَكْوان فِي سَلَفِهْ
منازلُ بالفَيْحا سَقَى عهدَك الخالُ
منازلُ بالفَيْحا سَقَى عهدَك الخالُ / مُلِثٌّ مُديمُ الوَقْعِ لا المُخلِفُ الخَالُ
ومَرْبَعَ أشجاني سقتْك مَدامعي / ورَوَّتْك من عيني مَخيلتُها الخال
ومسرحَ آرام بروضٍ عهدتُه / بِهِ ينبت النِّسْرِين والورد والخال
تحييك أنفاسي إذَا مَا تصاعدتْ / يَشُبُّ لَظاها الشوقُ مَا أومض الخال
وأكؤسَ آدابٍ فَضَضْنا خِتامها / بكل بشوشٍ لا يُدنِّسه الخال
بأنديةٍ مثلِ النسيمِ تُديرها / شَناخيبُ علمٍ لا يطاولها الخال
قُعودٌ عَلَى التقوى قيام عَلَى الوفا / يَهشُّون للهيجا إذَا عُقّد الخال
وأوقاتِ أُنسٍ كالربيعِ قَطعتُها / بوجنةِ أيامِ السرور هي الخال
وروضٍ بأزهارِ الورود تَناسَجتْ / أَفانينُه لُطفاً كما يُنسَج الخال
فمن لنضيدِ الطَّلحِ آن قِطافه / بعُرجونه يَزْهو فيَدْنو بِهِ الخال
رعَى الله هاتيك المَعاهدَ إنها / بمنظرِها يَصْبو المُتيَّم والخال
أَخِلاّيَ بالفيحا وإن شَطّ بي النَّوى / فإني عَلَى حفظِ العُهود أنا الخال
فهل مَرتَعي بالروضِ هَبَّ نسيمُه / عليلاً فقد يَقْوَي بعلته الخالُ
وهل أنِستْ بعدِي معاهدُ جِيرَتي / أم المَرْبَعُ المَعْهُود من أُنْسهِ خال
تذكِّرني السَّماءُ عهداً فأرتجِي / دُنوّاً فكيف الوصلُ والمَوْبِقُ الخال
فما ليَ والأوطانُ والهجر والنوى / وَقَدْ ناخ دون القصدِ عن سيرِنا الخال
فيا راكباً كبا سَلِّم إذَا جئتَ بالصَّفا / وبانتْ لَكَ الأعلامُ واعترضَ الخال
وعارضتَ من بعدِ الجميلاتِ رادياً / فأنْزِلْ يمينَ السَّفْحِ إني لَهُ الخالُ
وقَبِّل ثَرَى تِلْكَ الرُّبوعِ وسُوحِها / فكم حَلَّ فِي أرجاءِ ساحاتها الخال
هنالك أوطاني ومَرْبَى شَبيبتي / ومنزليَ المأنوسُ والعَمّ والخال
أفيحاءُ والأيامُ تَرْبو شُئونها / فإنيَ بالهجرانِ لَلأَعْزبُ الخال
فأَيّانَ والرُّجْعَى ودهرِي بِهِ الوَنَى / وَقَدْ كَلَّ دون أعبائه الخال
مُتيِّمتي لا تقطعي الوصلَ بَيْنَنا / فإني وربِّ البيتِ من تُهمةٍ خال
فلي كَلَفٌ من طورِ سَيْناء ناره / لرَشْفٍ لماءِ الوصل أَوْ يُصحبُ الخال
فلا ربحَ الواشي إذَا ظن سَلْوَتِي / فلا يصدقُ الواشي ولا الوهم والخال
فلي صحبة شَما وإن عَزَّ صاحبي / تلبَّسْتُها بُرْداً كما يلبس الخال
ولكنما الأيامُ بالحُرِّ تنثني / فلا العزمُ يُدنيها ولا الظن والخال
ولي من جِماح النفسِ للقصدِ مَعْرَك / وَمَا لجماح النفس إِلاَّ التقى خالُ
تخيلتُ من دهري محاسنَ فانبرتْ / عَلَى عكسها قُبحاً فقد أخطأ الخال
وكنت بميدان الفِراسة ماهراً / فعاكَسني دهرِي وأخلَفَني الخال
ومهما توسمتُ الجميلَ بأهلِه / نبَتْ فكرتي فيهم وَلَمْ يَنْجح الخال
فيا لَكَ من دهرٍ تَلاعَب بالنُّهى / تساوَى لديك العِزُّ والماهر الخال
تحكمتَ فِي أمر الخَليفةِ قاهراً / ففيك المليكانِ السيادة والخال
صَبِّر العقلَ للنفوسِ زِماماً
صَبِّر العقلَ للنفوسِ زِماماً / واعقِلِ النفس لا تَذَرْها سَواما
إن سَوْمَ النفوسِ للمرءِ داءٌ / فاعتقِِلْها عن المَراعي نِظاما
لا تذَرْها بمَعْرَكِ الجهل تزهُو / إن جهلَ النفوسِ أدهى سَقاما
فهْي شيطانُك الغَوِيُّ فصُنها / إن صونَ النفوسِ أعلى مقاما
إِنْ تذَرْها لدى الجهالةِ هامتْ / أَوْ تَرِدْها التُّقَى تَحِنُّ هُياما
تخبِط الأرضَ بالمَناسمِ جهلاً / لَيْسَ تدرِي مَاذَا يكون أَماما
شامتِ البرقَ مَوْهِناً فاستطارتْ / لَيْسَ كلُّ العروق تهمِي رِهاما
عَرَّها زِبْرِج الغرورِ فَهشَّتْ / إن كيد النفوسِ كَانَ غَراما
تأنفُ الوِرْدَ والفُرات بِفيها / وتَحُزُّ المقالَ تبغِي جَهاما
هَوِّني السعيَ لا تُراعِي بدَهشٍ / ليس لمعُ السرابِ يَشْفِي أُواما
واذْرِفي الدمعَ بالتَّعقل واهْمِي / ماءَ حزنٍ بوجنتَيكِ انسِجاما
وأَميطِي قَذاءَ عينيك من بَيْ / نِ زواياهُ تُدرِكيه رُكاما
دُونَكِ الجِدُّ فافرِغي الجهدَ فِيهِ / لَيْسَ ذا الهَزْل للنفوس قَواما
أنت بالغورِ ترزمين اشْتِياقاً / واشتِياقي بشِعْب وادي تِهاما
تَنْدُبِين اللِّوَى وأَندبُ نَجْداً / كلُّ عينٍ تبكي لشَجْوٍ غَراما
مَا شَجاني ذِكْرُ المَرابعِ لكنْ / رَشقتني يدُ الزمانِ سِهاما
كلما قوَّم الإلهُ قَناةً / جَرَّد الدهر للقناة حُساما
وَيْكَ يَا دهرُ أَقْصِر الخَطْوَ عني / إنّ من قَوّمَ الإلهُ اسْتقاما
واتقِ الله إن لله خَلْقاً / إِنْ يمرّوا باللَّغْوِ مَرّوا كِراما
هكذا الدهرُ بعكسِ الأمر شَرْعاً / كيْفَ نرجو من الزمان إماما
مَنْ لِغِرٍّ يَسُومه الدهرُ خَسْفاً / يَقْدَح الماءَ كي يَشُبّ الضِّراما
يَفْتِلنَّ مَنْسَج العَناكِب حَبْلاً / يَتَّخذْ منه للزمان خِطاما
أَيُّهَا المُنْكِحُ الثُّريّا سُهَيلاً / تَجمعُ الشرقَ بالمغيبِ ازدحاما
عَمْرَك اللهَ لَوْ رَقيتَ الثريا / لَمْ تجدْ غيرَ فيصلٍ عنك حامى
يبذُل النفسَ والنَّفيس إذَا مَا / نَسْرُ بَغْيٍ عَلَى الرعية حاما
مَلكٌ شَبَّ فِي السياسةِ طفلاً / وامتطى غاربَ العُلى والسَّناما
حِلية الدهرِ حَمْية الدين هَذَا / واهبُ الجَزْل بل ثِمال اليتامى
يَألف السُّهْدَ يُكرم الوَفْد يحمى / بيضةَ الدِّين خيفةً أن تُساما
قَرَّه الله للخلافة رِدْءاً / سَدُّ يأجوجَ دونَه إِنْ تَسامَى
جامعُ الفكرِ شاسع الذِّكْر يَقْظا / ن إذَا الفَسل بالجهالةِ ناما
قَدْ تسامتْ براحتيهِ المَعالي / واطمأنتْ لَهُ الليالي احتراما
واختمته قناصل الرومِ لما / أنْ رأت معجزاتِه لم تُراما
يسبق النطقَ حَدْسُه إن تراءى / أَلْسَنُ القومِ فِي المَلا قَدْ ترامى
يحسب الجاهلون لما رأوه / أَسْفَر الوجهَ للنزيل احتِشاما
إِنما البشرُ للنصارى حَرام / لَيْسَ بشرُ الوجوهِ يُدْعَى حراما
فالأَفاعي أشدُّ لِيناً وأَدْهَى / صاحبُ الغدرِ من يُريك ابتساما
إن ليلَ الشبابِ أَهْنا صَباحاً / وبياضُ المَشيب أدهَى ظلاما
لو ترقتْ عقولُهم فَهْمَ مَا قَدْ / أَنكر الجاهلون قالوا سلاما
لَوْ علمنا بعالَم الغيب مَاذَا / مَا ركبْنا مَدى الحياةِ أثاما
يُنكر العقلُ فِعْلَ مَا عَزَّ عنه / فهمُه أَوْ يكون غِرٌّ تَعامَى
لَيْسَ من حَقَّق التجاربَ طفلاً / مثلَ من يحسب الدَّبور نُعامَى
إن رأى مَا يَسرُّه كَانَ لَيْثاً / أَوْ دَهتْه الخطوبُ صار نعاما
يَرفع الفعلَ بالنواصبِ عَسْفاً / عنده نصدرُ القُعودِ قِياما
يحسب العارِضَ الهَتون إذَا مَا / ثارتِ الريحُ بالفَلاة قتاما
سَلِّم الأمرَ إِنْ خَفِي عنك واصْمت / تجدِ الصمتَ للنفوسِ زِماما
كلُّ من لَمْ ير الهلالَ عِياناً / سَلَّم الأمر للبَصيرِ اعْتِصاما
أَيْنَ أهلُ العقولِ من أهل نعما / ن ومن لَمْ يخشَ فِي الإله مَلاما
راقِبوا الله وأحْسِنوا الأمرَ فيما / بَيْنكم والمليكِ تبقُوا كِراما
واعلموا أنه الوحيد المُرَجَّى / آخرَ الدهرِ للملوك خِتاما
كم دهَتْه من النصارى خطوبٌ / صرتُ أخشَى تكونُ منهم لِزاما
فتجلَّى لكَشْفِها فاضْمحلَّتْ / تَقْرَع السِّنَّ إذ تولت عَلَى مَا
كلُّ من رام كيدَه أَوْ أَذاه / أَوْبقتْه يدُ الزمان اخْتِراما
لَيْسَ فِي الدهرِ من يُدانيه عقلاً / أَوْ فَعالاً ونائِلاً أَوْ كلاما
لَيْسَ فِي الدهرِ من يُشار إِلَيْهِ / إن دَجَا الخَطْبُ يكشفنَّ اللِّثاما
فاحمَدوا اللهَ أهلَ نعمان طُرّاً / واشكروه كما كَفاكم ضِماما
لا تكونوا كخابطِ الشوكِ يَجْنِي / ثَمراً يانِعاً فيُلفي حُطاما
رَبِّ أَيِّدْ مليكَنا الفَرْمَ وأظْهِر / شِرْعَة الدينِ واحمِها أن تُضاما
واسبلِ السِّتْر يَا إلهي عَلَى من / قام فِي الدين ناصحاً واستقاما
ربِّ واشدد عُرا المحقِّين واقطع / شَأْفَة البُطْل هَلْكة وانتقاما
واحمِ سلطانَنا إلهي وصُنْه / مَا عَلَى الدين بالحماية قاما
ثُمَّ صَلِّ عَلَى رسولِك مَا قَدْ / حَنَّتِ النوقُ بالحُمول رِزاما
أَوْ تَغنَّى وُرْق الحمائمِ وَهْناً / يندب الإِلْفَ والِهاً مستَهاما
وعلى الآلِ والصحابةِ جَمْعاً / كلما حَرّك النسيمُ الخُزامى
أتتْ تَسحبُ الأَذيالَ والليلُ أَقْنَمُ
أتتْ تَسحبُ الأَذيالَ والليلُ أَقْنَمُ / تدوسُ رداءَ الغُنجِ عُجْباً وتَبْسِمُ
تشقُّ عُبابَ الليلِ والليلُ زاخرٌ / وتحذَر ضوءَ الصبحِ والصبح أَرْثَم
فحيَّت بطرفِ الجفنِ ثُمَّ تبسَّمت / فلم أَفهم التسليمَ لولا التبسم
تُسارِقني باللَّحْظِ مرتاعة الحَشا / كما رِيع بالبيداءِ رِيمٌ وأَعْصَم
فقلتُ لَهَا والليلُ مُرْخٍ رِداءه / رُوَيدَك إن الليل للسر أَكْتَم
أتيتُ ولا واشٍ يُبدِّد شملَنا / ولا طارقات الليلِ بالوصلِ تعلم
بَعُدْنا عن الأحياءِ فلا عَلَمٌ يُرَى / ولا نحن فِي نادٍ فيُخْشَى التكلمُ
فقالت وطرفُ الجفنِ يَطْرف بالبكا / ودُرُّ سقيطِ الدمعِ بالخد يُنْظَم
فما لي أرى جُنْحَ الشبيبةِ أَبْيضاً / وعهدِي بِهِ فَرْعٌ من الليلِ أَفْحَمُ
أتتْكَ صروفُ الدهرِ سُوداً فبَيَّضَتْ / عِذارَك فالأيامُ للحُرِّ تَهْضِم
لقد علم الأيامُ أن ذوي النُّهَى / تُضام وأن الدهرَ للنذلِ يُكرِم
تُسائِلُني والدمعُ يملأ بَحْرَها / وأسنانُها حزناً عَلَى الكفِّ تَكْدُم
أم القومُ إِذ حَلُّوا بمَسْقَطَ واعْتَدَوا / عَلَى الملك عِصياناً وللحرب أَلحمُوا
يقولون للهيجاءِ إِنَّا شَرارُها / إِذَا شَبَّت الهيجاءُ للحربِ نُضْرِم
ونحن أُباة الضيمِ من آل حارِثٍ / نَعافُ قَذاء الوِرْدِ إِنْ مَجَّهُ الفم
نرى المُلْك بَيْنَ الناس فِي الدهرِ دُولةً / وأن بناءَ المجدِ بالجِدِّ يُخْدَم
أما علم الأقوامُ أن أمامَهم / سَماسِرة العَلْياءِ للحربِ تُرْزِم
وأن بني سلطانَ للحربِ نارُها / شُموسُ سماءِ المجدِ بل هُم وأَنْجُم
يَهشُّون للهيجاءِ إِنْ جَنَّ خَطْبها / بنفسٍ لَهَا طولُ البقاءِ مُذمَّم
ملوكٌ لهم فِي الملك ساسُ عَراقةٍ / لدى أحمدٍ ذَاكَ الإمام المقدَّم
فبات رجالُ الحَرْثِ يَسْرُون بالدُّجَى / يَجوسون قصرَ الملكِ والليلُ مظلِم
فهَبَّت رياحُ النصرِ وَهْناً فنَبَّهت / مَليكاً لَهُ فِي الحرب رسمٌ مقدَّم
مليك بنَثْرِ الهامِ يخطُب سيفُه / وصدرَ عُصاة القومِ بالرُّمح يَنْظِم
ففَلَّ جيوشَ الخصمِ قَسْراً وأَدْبَرَتْ / كما تُدبِر الأغنامُ إنْ قام ضَيْغَم
وأضحتْ تُخومُ الأرضِ تَحْسو دماءهم / فما منهمُ إِلاَّ قتيلٌ ومُكْلَمُ
وأمسَوا وَقَدْ عَدّوا جيوشاً تجمَّعتْ / عَوابسَ فِي الهيجا ليوثٌ تحكَّموا
فلا زالت الصَّمْعاءُ تلثِم هامَهم / وسيفُ جنودِ الله فيهم محكَّم
ترى الأرض بالقتلى تَئِطُّ وتَنْزَوِي / ونَرزم من ثِقْلِ الدماءِ وتَبْغَم
وَقَدْ علم الطيرُ الجَوارح أنها / لَهَا من جسومِ القومِ كأسٌ وَمَطْعَمُ
كَأَنَّ بُزاةَ الطيرِ فَوْقَ رؤوسِهم / عَصائبُ رهبانٍ عَلَى الدَّيرِ حُوَّم
بهذِي الليالي السود يَا خِلُّ إِذ دَجَتْ / طَفِقتَ بأكمامِ المَشيب تَلثَّم
فويلِي عَلَى تِلْكَ الليالي وبُؤسِها / تُبيِّض هامَ الطفلِ كَرْهاُ وتُهرِم
أعارتْك يَا خِلِّي نُحولاً وشَيْبة / وكنتَ برَيْعانِ الشّبيبة تَنْعَم
أم الثأر من عبسٍ منى جئتَ زائراً / بكنْف إمام العدلِ للحرب تُقدِم
بجيشٍ تَجيش الأرضُ منه وتنطوِي / سباسبُ حَصْباها سِباعٌ وأَرْقَم
إِذَا سار فِي ليلٍ تَخَفَّت نجومُه / وللأرضِ من قَدْح السَّنابكِ أَنْجُم
فلا تسمع الآذانُ إِلاَّ زَمازِماً / صَهيلاً لجَوَّالٍ وأُخرى تُحمحِم
وأَصْهبَ معكومٍ عَلَى الجَرْي يرتمي / يَجُذَّ بمِصْراعِ الشّكيم ويَقْضَم
ونوقٍ كسُفْن البحرِ فَوْقَ رِحالها / رجالٌ بجِلباب المَنونِ تَلثَّمُوا
تُجاذبُ أَنساعَ الرِّجال كَأَنَّها / سَفينٌ بموجِ البحرِ تجري وتَلْطِمُ
وبِتْنا كَأَنَّ النصر تَحْتَ رِحالنا / ولكنما الأقدارُ فِي المرءِ تَحكمُ
عَلَى أن نفسَ المرءِ تَعْجَب إِن رأت / لكثرتها بأساً إِذَا الرب تُحدِم
وجِيءَ بأشياخِ العُبوس وكُبِّلت / وَقَدْ أُدرِجوا فِي السجن والأنفُ أَرْغَم
فلم تر إِلاَّ أن نزورَ ديارَهم / عَلَى أننا جيشٌ عَديدٌ عَرَمْرَم
فكُنا كما كَانَتْ عصابةُ أحمدٍ / بيوم حُنينٍ حينَ لن تَغْنَ عنهمُ
فلا ضيرَ أن السيفَ ينْبُو وإنما / ترى الليثَ عن أكلِ الفَريسة يُحجم
فلا يحسِب الأعداءُ أنّ مليكَنا / وهيَ ناكِلاً عن عزمِه حين يُبرِم
ولكنما شأنُ القديرِ إِذَا رأى / ذليلاً فيعفو أَوْ قوياً فيَنْقم
فجَذَّت صروفُ الدهرِ حيناً بمِقْوَدي / عَلَى أنني فِي الحرب شهمٌ غَشَمْشم
سقتْني يد الأيام صاباً وعَلْقَماً / فلا ضيرَ إن الدهر للحُرِّ علقم
فإن تُصب الأعداء يوماً مَقاتِلي / فإن الفتى للموتِ حتما مُسلّم
فلم تُوهن الأعداءُ بالقتل صَعْبَنا / فموتُ الفتى بالمهدِ فينا محرَّم
فلا تجزعي يَا هندُ إنّ شَبيبتي / تولتْ فإن المرءَ بالشيبِ يحلُم
فإن تقطعي وَصْلي فإنك مُخلِف / وإن أَك وصّالاً فإني متمِّم
وإن كنت بالسلوان عنيَ ناكلاً / فإني لحبل الوصل يَا هند مُصرِم
ألم تعلمي يَا هند أني عن الصبا / كبرتُ وأن الأمر إن طال يُسأَم
فليتَ مَشيب الرأسِ كَانَ مقدَّماً / لتُعلِمَني الأيامُ أَنْ لستُ أندم
وإني شديدُ العزم إِنْ عَضَّ غارِبي / زمانٌ لرَيْعان الشبيبةِ يَخرِم
سوى سُخْط مولاي المعظم إنه / شديدٌ عَلَى وُسْعي عظيم معظَّمُ
فواشِقوةَ الأيامِ إن كنتَ غالياً / فمن كَانَ فِي سخطٍ فأَيانَ يَسْلَمُ
وأنَّى ينال الصفحَ من كَانَ مجرِماً / كما عَظُمتْ ذنباً رِيامٌ وأَجْرَمُوا
يَبوءون بالعصيانِ والدهرُ مُطرِق / ألا فِي طروقِ الدهر دَهْياءٌ صَيْلم
إِذَا مَا أراد الله أمراً بخَلْقه / فلا تسمع الآذانُ مَا ينطِق الفم
ومن يركبِ العَشْوَاءَ والليلُ مظلمٌ / فإن لَهُ سُودَ المَهالكِ مَقْحَم
كما قَدْ سعتْ بالجهلِ والبغيِ حِمْير / وطال لها فِي القتل كَفٌّ ومِعْصَم
ومَدَّت عَلَى وجهِ البَسيطَةِ باعَها / كَأَنَّ لهم مالَ الخليفة مَغْنَم
فكم من ضعيفٍ بات يشكو من الأذى / ودمعتُه فِي الخد والنَّحر تَسْجُم
ينادي غِياثَ الخلقِ بنُصْرةٍ / فإنك يَا مولاي بالخَلْقِ أرحم
وإنك للمظلومِ غوثٌ ومَلْجَأ / تُجيب المنادِي إن دعاك وتَرْحَمُ
فإن بني نَبْهانَ قوم تَجبَّرُوا / تَضِجُّ بقاعُ الأرض غَوْثاء منهمُ
لقد حَلَّلوا مالَ اليتامى ونافَسوا / ملوكَ بني سلطانَ فِي الملكِ واحتَمُوا
ألم يعلموا أن الملوك إِذَا سَطَوا / يُجَذُّ بهم أنفُ العزيزِ ويُهْشَم
وأنهمُ إِنْ دخلوا الدار عنوةً / يَهدّوا أعالي الراسياتِ ويَهْدِموا
فلم تُغنِهم يومَ اللقاءِ حصونُهم / ولا الشّنْشِنة الشمّاء عنهم ستعصِم
أَتتْهم جنودُ الله غَوْثاً لخلقِه / بأيديهمُ كأسٌ من الموتِ مُفْعَم
فهَيْهَاتَ لا يُغني مَنيعاً سلاحُه / إِذَا سُلَّ من كفِّ الخليفةِ مِخْذَمُ
ولا يمنع المقدورَ درعٌ ومِغْفَر / فإن قضاءَ اللهِ أمرٌ محتَّم
تؤيده الأقدارُ أَنّى توجهتْ / كتائبُه والنصرُ بالسيفِ يُقْسَم
يظن بنو نبهانَ أنّ عديدَهم / سيُجديهمُ نفعاً وأنْ لَيْسَ يُهْزَمُوا
وأن البروجَ الشُّمَّ تحمِي ذِمارَهم / إِذَا مُوِّقت فِيهَا رماحٌ وأَسْهُم
فما راعَهم إِلاَّ صُموع ومِدْفَعٌ / تُخرِّق هاماتِ الرجالِ وتَقْصِم
وأَروعُ يُزْجِي الجيشَ شهمٌ بكفِّه / مُهنَّدُ مشحوذُ الغِرَارينِ لَهْذَم
تَجرَّد من عزمِ الخليفة مُصلَتاً / يقطِّع أعناقَ الكُماةِ ويَحْطِم
فلا يمتطي العلياءَ إِلاَّ غَشَمْشم / ولا يركب الأهوالَ إِلاَّ مصمِّم
فكم لُجّةٍ بالسيف خاض عُبابَها / سليمانُ والموتُ الزُّؤامُ مُخيِّم
فحام عَلَى أهل النزار حِمامُهم / كما حام بازٍّ بالفَلاة وقَشْعَم
فظلوا حَصيداً والرَّصاصُ يَنوشُهم / وفرشانُ عبسٍ بالحديد تَعمَّموا
يودون أن يُقضَى عَلَى القوم نَحْبُهم / حَزازاتُ مهضومٍ عَلَى القلب تُضْرَم
وحَمدان ذَاكَ السَّهم ضاق ذِراعه / متى قام مِقدام الكتِيبة مُعْلَم
تَعرَّى عن البيت المَنيع تخوُّفاً / وأَسْلَمه رغماً لكي هو يَسْلَمُ
فظلَّ سَليب المُلكِ فِي الأرض تائهاً / يُخمِّن أيَّ الأرض فِيهَا يُيمِّم
لقد راعهُ بالسيف سيفٌ وإنما / إِذَا شِيمَ سيفُ الحق هَيْهات يُكْهِمُ
أخو الحربِ خَوَّاض المَكارِه أَرْوع / لَهُ سِمةُ العلياءِ سيف ومِخْذَم
يقوم بأعباءِ الأمور مُناصِحاً / ويَهشِم أنف المعتدين ويُرغِم
فكم سُورةٍ أضحتْ بكل غريبةٍ / عَلَى الخَلْق تُتلى والزمانُ يُترجِم
مَدى الدهرِ فِي أعلى المنابر أَنْشِدتْ / بإقدامِ سيفٍ حين تُشْدَى وتُرْسَم
فلا زال فِي أمر الخليفة مُعلِناً / بسيفٍ يَقُدُّ الجسمَ ثمت يَصْرِم
تولى قتالَ المعتدين بسيفه / فأضحتْ بروجُ المعتدين تُهدَّم
أصيبت بنو نبهانَ بالقتل وانثنت / قُذال كما ذِيل الجبانُ وتُهْضَم
فمن نازعَ السلطانَ فِي الملك لَمْ يجد / عن القتل مَا يَحميه عنه ويَعْصِم
فمن كأَميري فِي الملوكِ مُبرهِناً / يرى ظاهِراً مَا فِي النفوس ويفهم
تُواتيه بالإذعان كلُّ خَفيةٍ / تَدِقُّ عَلَى فهم العَليم وتَعظُم
هو الفَيْصل المِقدام والشيد الَّذِي / تُعانقه العَلْياء شوقاً وتَلْثم
هو الفيصل المعروف فِي البأْس والندى / تَذِلُّ لَهُ الأبطال رُعباً وتُحجِم
كَأَنَّ قضاءَ الله قال لفيصل / بما شئتَ فِي الأيام أنت محكَّم
ضمينٌ لكفَّيْك المنيةُ والمُنَى / فإن شئتَ أن تُفْنِي وإن شئت تُنعِم
قطعتَ يد الإقتارِ بالجود واللُّهى / فإنك للإقتار سيف ومَرْهم
إِذَا مَا رأيت الوفد عَجَّلت نَيْلهم / فلم يبقَ فِي كفيك فَلْس ودرهمُ
كَأَنَّ ذوي الحاجاتِ حولَك عُكَّفاً / ركودٌ عَلَى البيتِ الحرام وحُوَّم
ضمنتَ لأهل الأرض نيلَ عطائِهِم / فصرتَ لأرزاق العباد تُقسِّمُ
سبقتَ ملوك الأرض عفواً وقُدرةً / فأنت عَلَى كل الخَلائق أَكرَم
تَقيك بدُ الأقدار كلَّ مُلِمة / وتَفديك بالأرواح عُرْب وأعْجُم
عزيزٌ عَلَى قلبي فراقُك ساعةً / فإن شفا المهمومِ منك التَّبسُّم
كفى المرءَ قتلاً أن يكون مبعَّداً / فبُعدك داءٌ للقلوب مُبَرْسِم
جفاؤُكَ فهْو الداءُ لا شكَّ والقَنا / فحَسْبُ الفتى بالسخط لو كَانَ يَعْلم
فكيفَ يَلَذُّ العيشَ من بات فِي قِلّي / وكيف يذوق النومَ من فيك مُجرِم
فلا ربحتْ نفسٌ دَهتْك بِغيلةٍ / ولا سعدتْ نفس لنُعْماك تكتُم
ولا عاش بالحُسنى كَفورٌ لفضله / فغن كَفور الفضل أَطْغَى وأَظْلَم
وهيَ جَلَدِي عن وُسْع فضلِك شاكِراً / فإن لساني عن ثَنائك يُفْحَم
فليس سوى عجزِي إِلَيْكَ وسيلتي / عن الشكرِ فالإقرارُ بالعجز أَسْلَم
متى يخلُص العبدُ الأسير من الولا / إِذَا كَانَ من نَعْمائك اللّحمُ والدم
أُلِمُّ والشوقُ أَشفَى داءه اللَّمَم
أُلِمُّ والشوقُ أَشفَى داءه اللَّمَم / لعل جرحَ النَّوى بالوصل يَلْتَئمُ
أُهاجَه وَلَعٌ يومَ النَّوى فغدَتْ / أَحشاؤُه بسَعيرِ الوَجْدِ تَضْطَرِم
فلَجَّ من شَغَفٍ بالرَّكْبِ يُزْعجه / والبينُ يَصْرعه والشوقُ يَحْتدم
يَبيت من فُرقة الأحبابِ وَلَهٍ / يُقَطِّع الليل سُهْداً والدموعُ دم
تذكَّر العهدَ دهراً كَانَ فِي دَعةٍ / وزَهْرة العمر والأيامُ تبتسم
مُتيَّم كلما جَدَّ النِّياق بِهِ / تجددتْ بالهوى أيامه القُدُم
رَعَى الإله ليالٍ كنتُ أَعْهَدها / تقادَمتْ مسرعاتٍ كلُّها حلُم
أيامَ غصنُ التصابي مُورِق نَضِر / وكأسُنا بالتَّصافي سائغٌ شَبِم
أُطارِحُ الحِبَّ صَفْوَ الودِّ مُمتزِجاً / بخالصٍ من رحيقِ الوصلِ يَنْسجم
إخال برقَ الهوى فِي غيره كذباً / وحبُّه فِي صميمِ القلب مرتسِم
أَأَكذِب اللهَ فِي غيره كَلَفي / هيهاتَ واللهِ لَيْسَ الحبُّ ينقسِم
أُشرِّف الرأسَ سَعْياً فِي مَحبَّته / إِذَا سعتْ فِي رِضى معشوقِها القَدَمُ
أيامَ ذَاكَ الحِمَى عُودِي عَلَى دَنِفٍ / تبيضُّ من حبه الهاماتُ واللِّمم
إن بَدَّل الهجرُ أحوال المُحِبِّ فلا / يَصُدُّني مَلَلٌ عنه ولا سَأم
أَوَّه من زمني أَوَّاه من سَكني / بَيْنَ الهوى والنوى أضنانيَ السَّقم
أَرانيَ الحبُّ أني فِي الهوى قبَسٌ / برأسِ أَرْعَن للعشّاقِ أَوْ عَلَم
نشرتُ شَرْعَ الهوى بَيْنَ الورى عَلَماً / فكلُّ أهلِ الهوى فِي قَبْضَتي خَدمُ
تراهمُ حولَ ناري يهتدون بِهَا / يَغْشوهُم من لَظى أشواقيَ الضَّرَمُ
بخمرتي سَكِروا من نَهْلتي شَربوا / أنا مليك الهوى والمُدَّعون همُ
سقيتُهم من غرام الحب صافيةً / فحين مَا شربوا من قهوتي هُدِموا
يَقودني صَبْوَتي والهجرُ يُزعجني / فباعِثي للهوى الأشواقُ والهمم
شددتُ رَحْل الصِّبي والشوقُ راحِلتي / فظلْتُ فِي مَهْمَه العُشّاق أقتحِم
وجَدَّ بي الهوى وَجْدي وبَرَّح بي / فإن بَرْحَ الهوى للصبِّ يَخْترم
فخطتي فِي الهوى بَيْنَ الورى مثلاً / من دونها هِممُ العشاقِ تزدحِم
أحبابَنا لو علمتم فيكمُ كَلَفي / داويتُم تَلفي فيكم بقُربكم
صبرتُ محتسِباً فيكم ومرتقِباً / وِصالَكم فمتى ذا الهجرُ ينحسِم
فراقِبوا الله فِي قتلي بكم كَلَفاً / إِن الهوى والنوى بَيْنَ الحَشا أَلَم
أَساءني الدهرُ فِي هِجْرانكم وكذا / شِعاره للأديب الحرِّ يهتضِم
يَشُنّ غارته من كل مُعضِلة / فلم تكد بمرور الدهر تنفصِم
لكنما ثقتي بالله محتسِباً / توكُّلاً وبحبلِ الله أَعتصم
وهل يضيق زمانٌ بأمري عَلَى / كرسيِّه فيصلٌ غوثُ الوَرى الحَكم
مملَّكٌ دولةُ الأقدارِ تخدمه / موفَّقٌ من رقابِ الخَلْق ينتقم
باسمه مُدِّدت الأحكامُ وانفصلت / لذاك فيصلٌ فِي الأَكوانِ يحتكمُ
قَدْ مَهَّدن دولةَ الإسلامِ دولتُه / لولاء قَدْ كادتِ الأحكامُ تنهدم
تسيل من كرمٍ مثل النسيم عَلَى / زُهْر الرياض بِهِ الأخلاق والشِّيم
فتى بِهِ جادتِ الأيامُ مكرِمة / من بعده رَحِم الأيامِ يَنْعقِم
نشأتُ فِي ظله والدهرُ مقتَبِلٌ / وَلَمْ أزل فِي غنى والدهرُ منهزِمُ
بوَبْلهِ نبتتْ أجسامُنا ونَمَتْ / أرزاقُنا فكذاك النَّبْتُ والدِّيَم
سقتْه غادِيةٌ بالجود قَدْ سُقِيتْ / أَعراقها ونَمَتْها السادةُ البُهَم
سُلالةٌ نُتِجت فِي المجد وانتشأتْ / أكارِمٌ لَمْ تزل فِي الملك تَنْتَظِم
ليوثُ مَلحَمة أقطابُ مملكةٍ / بحور أنديةٍ بالعُرف تَلْتَطِم
سماءٌ مجدهُمُ أقمارُ مطلعِها / وغُرّة فِي جبين المَكرُمات همُ
من دَوحةٍ نبتتْ بالفضل واتَّسقتْ / أَغصانُها بذُرَى العَلْيَاء ترتسِم
همُ الأئمة أعلامُ الهدى وهمُ / قَساوِرٌ أسودُ الحرب تلتحِم
لا زال ملكهمُ فِي الأرض متسعاً / وحودُهم والعُلى والمجد والكرم
نجومُ مملكةٍ تزهو السماء بهم / والأرضُ والبحر والأكوان والأمم
فكلُّهم فِي عقودِ المجد واسِطةٌ / بِمُلْكهِم تبدأ العَلْيا وتَختتِم
عُوفيتَ يَا بهجةَ الأيامِ من ألمِ
عُوفيتَ يَا بهجةَ الأيامِ من ألمِ / مَا كنت بالدهر كَانَ الدهرُ فِي سَلَمِ
إنّا من العيش فِي خَفْضٍ وَفِي دَعَةٍ / مَا دمتَ بالدهر محفوظاً من السَّقَم
لا كَدَّر اللهُ ملكاً أنت جوهرُه / مَا زلت تَكْلَؤُهُ من حادث النَّقَمِ
عِشْنا بعيشِك مغبوطين فِي سَعةٍ / أبقاك ربُّك فِي ملك وَفِي نِعم
نَفديك بالنفس والأموال قاطبةً / والخَلقِ أجمعَ من عُرْب ومن عَجَمِ
فاحفظ لنا يَا إله العرش نعمتنا / وادفعْ عظيم البَلا يَا دافع النقم
وابسط لنا نعمة نجنِي بغبطتها / من فيصلٍ باسطِ النعماءِ والكرم
وارفعْ عن الملك الميمون مل أسى / واصرِفه للخصم أَيَّاً كَانَ من أُمم
إِنّا بصحته تَحيى ورؤيته / نسلو وصحبته نعلو عن الوَصَم
وامدُد لَهُ صحةً يسعى بقوتها / فِي نفع معتصِمٍ وقَمْعِ مختصِم
واجعله يَا ربنا قيدَ الحياة لنا / بدراً بِهِ نهتدي فِي حِنْدِس الظُّلَمِ
ما عَسْعس الليلُ أَوْ شَقَّ الصباحُ لنا / باقٍ عَلَى الدهر مثل النار فِي عَلَمِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025