المجموع : 96
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ / كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّاءِ
أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً / بالسُّحْبِ والأَمطارِ والأَنواءِ
لا أرْمقُ الظِّلَّ الكئيبَ ولا أرَى / مَا في قَرارِ الهُوَّةِ السَّوداءِ
وأَسيرُ في دُنيا المَشَاعرِ حالِماً / غَرِداً وتلكَ سَعادةُ الشعَراءِ
أُصْغي لمُوسيقى الحَياةِ وَوَحْيِها / وأذيبُ روحَ الكَوْنِ في إنْشَائي
وأُصيخُ للصَّوتِ الإِلهيِّ الَّذي / يُحْيي بقلبي مَيِّتَ الأَصْداءِ
وأقولُ للقَدَرِ الَّذي لا ينثني / عَنْ حَرْبِ آمالي بكلِّ بَلاءِ
لا يُطْفِئُ اللَّهبَ المؤجَّجَ في دمي / موجُ الأسى وعواصفُ الأَزراءِ
فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ فانَّهُ / سيكون مثلَ الصَّخرة الصَّمَّاءِ
لا يعرفُ الشَّكوى الذليلَة والبكا / وضراعَة الأَطفالِ والضّعفاءِ
ويعيشُ جبَّاراً يحدِّق دائماً / بالفجر بالفجرِ الجميلِ النَّائي
إِملأْ طريقي بالمخاوفِ والدُّجى / وزوابعِ الأَشواكِ والحصباءِ
وانْشر عليه الرُّعب واثر فوقه / رُجُمَ الرَّدى وصواعقَ البأساءِ
سَأَظلُّ أمشي رغمَ ذلك عازفاً / قيثارتي مترنِّماً بغنائي
أَمشي بروحٍ حالمٍ متَوَهِّجٍ / في ظُلمةِ الآلامِ والأَدواءِ
النُّور في قلبي وبينَ جوانحي / فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ
إنِّي أنا النَّايُ الَّذي لا تنتهي / أنغامُهُ ما دام في الأَحياءِ
وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ ليس تزيدُهُ / إلاَّ حياةً سَطْوةُ الأَنواءِ
أمَّا إِذا خمدت حياتي وانقضى / عُمُري وأخرسَتِ المنيَّةُ نائي
وخبا لهيبُ الكون في قلبي الَّذي / قد عاش مِثْلَ الشُّعْلَةِ الحمراءِ
فأنا السَّعيد بأنَّني مُتحوِّلٌ / عن عالمِ الآثامِ والبغضاءِ
لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ / وأرتوي من مَنْهَلِ الأَضواءِ
وأَقولُ للجَمْعِ الَّذين تجشَّموا / هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
ورأوْا على الأَشواكِ ظلِّيَ هامِداً / فتخيَّلوا أَنِّي قضيْتُ ذَمائي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما / وجدوا ليشوُوا فوقَهُ أشلائي
ومضَوْا يَمُدُّونَ الخُوَانَ ليأكلوا / لحمي ويرتشفوا عليه دِمائي
إنِّي أقولُ لهمْ ووجهي مُشرقٌ / وعلى شفاهي بَسْمَةُ استهزاءِ
إنَّ المعاوِلَ لا تَهُدُّ مناكبي / والنَّارَ لا تأتي على أعضائي
فارموا إلى النَّار الحشائشَ والعبوا / يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي
وإذا تمرَّدتِ العَواصفُ وانتشى / بالهولِ قلْبُ القبَّةِ الزَّرقاءِ
ورأيتموني طائراً مترنِّماً / فوقَ الزَّوابعِ في الفَضاءِ النَّائي
فارموا على ظلِّي الحجارةَ واختفوا / خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ
وهناكَ في أمنِ البيوتِ تطارحوا / غَثَّ الحديثِ وميِّتَ الآراءِ
وترنَّموا ما شئتمُ بِشَتَائمي / وتجاهَروا ما شئتمُ بعِدائي
أمَّا أنا فأُجيبكمْ مِنْ فوقكمْ / والشَّمسُ والشَّفقُ الجميل إزائي
مَنْ جَاشَ بالوحي المقدَّسِ قلبُه / لم يحتفل بحِجَارةِ الفلتاءِ
أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي
أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي / وهُمُومي وَرَوْعَتي وعَنَائي
ونُحُولي وأَدْمُعي وعَذَابي / وسُقَامي وَلَوْعَتي وشَقَائي
أَيُّها الحُبُّ أَنتَ سِرُّ وُجُودي / وحَيَاتي وعِزَّتي وإبَائي
وشُعاعِي ما بينَ دَيْجُورِ دَهْري / وأَليفي وقُرَّتي وَرَجَائي
يا سُلافَ الفُؤادِ يا سُمَّ نَفْسي / في حَيَاتي يا شِدَّتي يا رَخَائي
أَلَهيبٌ يثورُ في روضَةِ النَّفْسِ / فَيَطْغى أَمْ أَنتَ نُورُ السَّماءِ
أَيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ / نَ كُؤُوساً وما اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فبِحَقِّ الجَمَال يا أَيُّها الحُ / بُّ حَنَانَيْكَ بي وَهَوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْرِي يا أَيُّها الحُبُّ قُلْ لي / مِنْ ظَلامٍ خُلِقَت أَمْ من ضِياءِ
يَا شِعْرُ أَنْتَ فَمُ الشُّعُورِ / وصَرْخَةُ الرُّوحِ الكَئيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ صَدَى نحيبِ / القَلْبِ والصَّبِّ الغَرِيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ مَدَامعٌ / عَلِقَتْ بأَهْدَابِ الحَيَاةْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ دَمٌ / تَفَجَّرَ مِنْ كُلُومِ الكائِناتِ
يَا شِعْرُ قَلْبي مِثْلما / تدري شَقِيٌّ مُظْلَمُ
فِيهِ الجِراحُ النُّجْلُ يَقْطُرُ / مِنْ مَغَاوِرِها الدَّمُ
جَمَدَتْ على شَفَتَيهِ / أَرْزاءُ الحَياةِ العَابِسهْ
فهوَ التَّعيسُ يُذيبُهُ / نَوْحُ القُلُوبِ البَائِسَهْ
أبداً يَنوحُ بحُرْقَةٍ / بَيْنَ الأَماني الهَاوِيهْ
كالبُلْبُلِ الغِرِّيدِ ما / بَيْنَ الزُّهورِ الذَّاوِيهْ
كمْ قَدْ نَضَحْتُ لهُ بأنْ / يَسْلو وكَمْ عَزَّيْتُهُ
فأَبى وما أصغَى إلى / قَوْلي فما أجْديتُهُ
كَمْ قلتُ صبراً يا فُؤادُ / أَلا تَكُفُّ عنِ النَّحِيبْ
فإذا تَجَلَّدَتِ الحِياةُ / تبدَّدَتْ شُعَلُ اللَّهيبْ
يَا قَلْبُ لا تجزعْ أمامَ / تَصَلُّبِ الدَّهرِ الهَصُورْ
فإذا صَرَخْتَ توجُّعاً / هَزَأَتْ بصَرْخَتِكَ الدُّهُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْخُطْ على / الأيَّامِ فالزَّهْرُ البَديعْ
يُصْغي لضَجَّاتِ العَوَاصِفِ / قَبْلَ أَنغامِ الرَّبيعْ
يَا قَلْبُ لا تَقْنَعْ بشَوْكِ / اليَأْسِ مِنْ بينِ الزُّهُورْ
فَوَراءَ أَوْجاعِ الحَياةِ / عُذُوبَةُ الأَملِ الجَسُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْكُبْ دُمُوعكَ / بالفَضَاءِ فَتَنْدَمِ
فعَلَى ابتساماتِ الفَضَاءِ / قَسَاوَةُ المُتَهَكِّمِ
لكِنَّ قَلْبي وهوَ / مُخْضَلُّ الجوانبِ بالدُّمُوعْ
جَاشَتْ بهِ الأَحْزانُ إذْ / طَفَحَتْ بِها تِلْكَ الصُّدوعْ
يَبْكي على الحُلْمِ البَعيدِ / بلَوْعَةٍ لا تَنْجَلي
غَرِداً كَصَدَّاحِ الهَوَاتِفِ / في الفَلا ويَقُول لي
طَهِّرْ كُلُومَكَ بالدُّمُوع / وخَلِّها وسَبِيلَهَا
إنَّ المَدامِعَ لا تَضِيعُ / حَقيرَهَا وجَليلَهَا
فَمِنَ المَدَامِعِ ما تَدَفَّعَ / جارِفاً حَسَكَ الحَياهْ
يرْمِي لِهاوِيَةِ الوُجُودِ / بكلِّ ما يبني الطُّغاهْ
ومنَ المَدَامِعِ ما تأَلَّقَ / في الغَيَاهِبِ كالنُّجُومْ
ومنَ المَدَامِعِ ما أَراحَ / النَّفْسَ مِنْ عبءِ الهُمُومْ
فارْحَمْ تَعَاسَتَهُ ونُحْ / مَعَهُ على أَحْلامِهِ
فلَقَدْ قَضَى الحُلْمُ البَديعُ / عَلى لَظَى آلامِهِ
يَا شِعْرُ يا وحْيَ الوُجود / الحيِّ يا لُغَةَ المَلايِكْ
غَرِّدْ فأَيَّامي أنا تبْكِي / عَلى إيقَاعِ نايكْ
رَدِّدْ على سَمْعِ الدُّجَى / أَنَّاتِ قَلْبي الواهِيَهْ
واسْكُبْ بأَجْفانِ الزُّهورِ / دُمُوعَ قلبي الدَّاميهْ
فلَعَلَّ قَلْبَ اللَّيل / أَرْحَمُ بالقُلُوبِ البَاكيهْ
ولَعَلَّ جَفْنَ الزهرِ / أَحْفَظُ للدُّمُوعِ الجَاريهْ
كمْ حَرَّكَتْ كفُّ الأَسى / أَوْتارَ ذَيَّاكَ الحَنينْ
فَتَهَامَلَتْ أَحْزانُ قلبي / في أَغاريدِ الأَنِينْ
فَلَكَمْ أَرَقْتُ مَدَامِعِي / حتَّى تَقَرَّحَتِ الجُفُونْ
ثمَّ التَفَتُّ فَلَمْ أجدْ / قلباً يُقاسِمُني الشُّجُونْ
فَعَسَى يَكونُ اللَّيلُ أَرْحَمُ / فهوَ مِثْلِي يندُبُ
وعَسَى يَصونُ الزَّهْرُ دَمْعِي / فهوَ مِثْلِي يَسكُبُ
قدْ قَنَّعَتْ كَفُّ المَساءِ / الموتَ بالصَّمْتِ الرَّهيبْ
فَغَدا كأَعْماقِ الكُهُوفِ / بِلا ضَجيجٍ أَو وَجِيبْ
يَأتي بأَجْنِحَةِ السُّكُونِ / كأنَّهُ اللَّيلُ البَهيمْ
لكنَّ طَيْفُ الموتِ قاسٍ / والدُّجى طَيفٌ رَحيمْ
ما للمَنِيَّةِ لا تَرِقُّ / على الحَياةِ النَّائِحَهْ
سِيَّانِ أَفئدةٌ تَئِنُّ / أَوِ القُلُوبُ الصَّادِحَهْ
يَا شِعْرُ هلْ خُلِقَ المَنونُ / بلا شعورٍ كالجَمَادْ
لا رَعْشَةٌ تَعْرُو يديْهِ / إِذا تملَّقَهُ الفُؤَادْ
أَرأَيْتَ أَزْهارَ الرَّبيعِ / وقدْ ذَوَتْ أَوراقُها
فَهَرَتْ إلى صَدْرِ التُّرابِ / وقدْ قَضَتْ أَشْواقُهَا
أَرأَيْتَ شُحْرورَ الفَلا / مُتَرَنِّماً بَيْنَ الغُصُونْ
جَمَدَ النَّشيدُ بصَدْرِهِ / لمَّا رأَى طَيْفَ المَنُونْ
فَقَضَى وقدْ غَاضَتْ / أَغاريدُ الحَياةِ الطَّاهِرَهْ
وهَوَى منَ الأَغْصانِ / ما بَيْنَ الزُّهورِ البَاسِرَهْ
أَرأَيْتَ أُمّ الطِّفْلِ تَبْكي / ذلكَ الطِّفْلَ الوَحيدْ
لمَّا تَنَاوَلَهُ بعُنْفٍ / ساعِدُ المَوتِ الشَّديدْ
أَسَمِعْتَ نَوْحَ العاشِقِ الوَلْهانِ / مَا بَيْنَ القُبُورْ
يَبْكي حَبيبَتَهُ فيا / لِمَصَارعِ الموتِ الجَسُورْ
طَفَحَتْ بأَعْماقِ الوُجُودِ / سَكِينَةُ الصَّبْرِ الجَلِيدْ
لمَّا رأَى عَدْلَ الحَياةِ / يَضُمُّهُ اللَّحْدُ الكَنُودْ
فَتَدَفَّقَتْ لَحْناً يُرَدِّدُهُ / على سَمْعِ الدُّهُورْ
صَوتُ الحياةِ بضَجَّةٍ / تَسْعَى على شَفَةِ البُحُورْ
يا شِعْرُ أَنْتَ نَشيدُ / أَمْواجِ الخِضَمِّ السَّاحِرَهْ
النَّاصِعاتِ الباسِماتِ / الرَّاقِصاتِ الطَّاهِرَهْ
السَّافِراتِ الصَّادِحاتِ / معَ الحياةِ إلى الأبدْ
كَعَرائسِ الأَمَلِ الضَّحُوكِ / يَمِسْنَ ما طالَ الأَمَدْ
ها إنَّ أَزْهارَ الرَّبيعِ / تَبَسَّمَتْ أَكمامُها
تَرنُو إلى الشَّفقِ البَعيدِ / تغُرُّها أَحْلامُها
في صَدْرِها أملٌ / يحدِّقُ نحوَ هاتيك النُّجومْ
لكنَّه أملٌ سَتُلْحِدُه / جَبَابرةُ الوُجُومْ
فَلَسَوْفَ تُغْمِضُ جَفْنَهَا / عنْ كلِّ أَضواءِ الحياةْ
حيثُ الظَّلامُ مخَيِّمٌ / في جوِّ ذَيَّاكَ السُّبَاتْ
ها إنَّها هَمَسَتْ / بِآذانِ الحياةِ غَرِيدَهَا
قَتَلَتْ عَصافيرُ الصَّبَاحِ / صُداحَهَا ونَشِيدَهَا
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَشِيدُ / هاتيكَ الزُّهُورِ الباسِمَهْ
يا لَيْتَني مِثْلُ الزُّهُورِ / بلا حَياةٍ واجِمهْ
إنَّ الحَياةَ كئيبةٌ / مَغْمورةٌ بِدُمُوعِها
والشَّمسُ أضْجَرَها الأَسى / في صَحْوِها وهُجُوعِهَا
فَتَجَرَّعَتْ كَأساً دِهاقاً / مِنْ مُشَعْشَعَةِ الشَّفَقْ
فَتَمَايَلَتْ سَكْرَى إلى / كَهْفِ الحَياةِ ولَمْ تُفِقْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَحيبُها / لمَّا هَوَتْ لسُباتِها
يَا شِعْرُ أَنْتَ صُدَاحُها / في مَوْتِها وحَيَاتِها
انْظُرْ إلى شَفَقِ السَّماءِ / يَفيضُ عَنْ تِلْكَ الجِبَالْ
بشُعَاعِهِ الخَلاّبِ يَغْمُرُها / بِبَسْماتِ الجَمَالْ
فَيُثِيرُ في النَّفْسِ الكَئيبةِ / عَاصِفاً لا يَرْكُدُ
ويُؤَجِّجُ القلبَ المُعَذَّبَ / شُعْلَةً لا تَخْمُدُ
يَا شِعْرُ أنتَ جمالُ / أَضْواءِ الغُرُوبِ السَّاحِرَهْ
يا هَمْسَ أَمْواجِ المَسَاءِ / البَاسِماتِ الحَائرَهْ
يا نَايَ أَحْلامِي الحَبيبةِ / يا رَفيقَ صَبَابَتِي
لولاكَ مُتُّ بلَوْعَتِي / وبِشَقْوَتي وكَآبَتِي
فيكَ انْطَوَتْ نَفْسي وفيكَ / نَفَخْتُ كلَّ مَشَاعِرِي
فاصْدَحْ على قِمَمِ الحَياةِ / بِلَوْعَتي يا طَائِرِي
يا لَيْتَ شِعْري هلْ لِلَيْلِ الن
يا لَيْتَ شِعْري هلْ لِلَيْلِ الن / نَفْسِ مِنْ صُبحٍ قَريبْ
فَتَقُرَّ عاصِفَةُ الظَّلامِ / ويَهْجَعَ الرَّعْدُ الغَضُوبْ
ويُرَتِّلَ الإنْسانُ أُغْنِيَةً / مع الدُّنيا طُرُوبْ
ما للرِّياحِ تَهُبُّ في / الدُّنيا ويدرِكُها اللُّغوبْ
إلاَّ رياحي فهيَ جامِحَةٌ / تَمَرُّدُهَا عَصيبْ
ما لي تُعَذِّبني الحياةُ / كأنَّني خلْقٌ غَريبْ
وتَهُدُّ من قلبي الجميلِ / فهلْ لقلبي مِنْ ذُنوبْ
وإذا سَأَلْتُ لِمَ الوجودُ / وكُلُّهُ همٌّ مُذيبْ
قالتْ نواميسُ السَّماءِ قَضَتْ / وما لكَ مِنْ هُرُوبْ
آهٍ على قلبي وإنْ / شَقيتُ كَشَقْوَتِهِ قُلُوبْ
أَنقى مِنَ الموج الوضيءِ / ومِنْ نَشيد العَندليبْ
لم تَقْتَرفْ إِثمَ الحياةِ / وكان مأواها اللَّهيبْ
يا مُهْجَةَ الغابِ الجميلِ / ألمْ يُصَدِّعْكِ النَّحيبْ
يا وجْنَةَ الوردِ الأنيق / ألمْ تشوِّهْكِ النُّدوبْ
يا جدوَلَ الوادي الطَّروبَ / أَلمْ يُرَنِّقْكَ القُطُوبْ
يا غيمَةَ الأُفقِ الخضيبِ / أَلمْ تُمَزِّقْكِ الخُطوبْ
يا كوكبَ الشَّفَقِ الضَّحوكَ / أَمَا ألمَّ بكَ الشُّحُوبْ
ها أَنْتَ ذا في الأُفقِ / تَضْحَكُ لا تُهَمُّ ولا تَخِيبْ
تُلقي على قُنَنِ الجبالِ / رِداءَ لأْلاءٍ قَشيبْ
لِتَنامَ أورادُ الجبالِ الشُمِّ / في مهدٍ عَجيبْ
ولكي تغنّيكَ الجَداولُ / لَحْنَها العَذْبَ الحَبيبْ
وتَرَى جَمَالكَ مِنْ بناتِ / الغابِ مِعطارٌ لَعُوبْ
معشوقةٌ في فَرْعِها / تاجٌ مِنَ الوَرْدِ الخَضيبْ
تَتْلُو أناشيدَ الرَّبيعِ / كأنَّها نَجْوَى القُلُوبْ
يا كوكبَ الشَّفَقِ الضَّحُوكِ / وأنتَ مبْتَهَلُ الكَئِيبْ
لُحْ في السَّماءِ وغنِّ / أبناء الشَّقاوَةِ والخُطوب
أنشودةً تَهَبُ العَزاءَ / لِكلِّ مُبتئسٍ غَريبْ
فالطَّير قدْ أغفتْ وأَسْكَتَ / صوتَها اللَّيلُ الهَيُوبْ
وابسطْ جَناحَكَ في الوُجودِ / فإنَّهُ عَذْبٌ خَلُوبْ
مُتَأَلِّقٌ بَيْنَ النُّجومِ / كأنَّهُ حُلْمٌ طَرُوبْ
وانْشُرْ ضِياءَكَ ساطعاً / ليُنِيرَ أعماقَ القُلُوبْ
فعَلى جَوانِبِها من الأحزانِ / دَيْجُورٌ رَهِيبْ
مَا للمِياهِ نقيَّةٌ حوْلي / ويُنْبُوعي مَشُوبْ
مَا للصَّباحِ يَعودُ للدُّنيا / وصُبْحِي لا يَؤُوبْ
مَا لي يَضِيقُ بي الوجودُ / وكلُّ مَا حَولي رَحيبْ
مَا لي وَجَمْتُ وكلُّ مَا / في الغابِ مُغْتَرِدٌ طَروبْ
مَا لي شَقِيتُ وكلُّ مَا / في الكونِ أَخَّاذٌ عَجيبْ
في الأَرضِ أقدامُ الرَّبيع / تُلامِسُ السَّهْلَ الجَديبْ
فإذا به يحيا ويُنْبِتُ / رائقَ الزَّهرِ الرَّطيبْ
وهُناكَ أَنْوارُ النَّهارِ تُطِلُّ / مِنْ خَلْفِ الغُروب
فَتُخَضِّبَ الأمواجَ والآفاقَ / والجَبَل الخَصيبْ
إنَّ الوُجودَ الرَّحْبَ / والغَاباتِ والأُفقَ الخَضيبْ
لمْ يَخْبو أشواقُ الحياةْ بها / فَغَادَرَها القُطُوبْ
أمَّا أنا فَفَقَدْتُها / واللَّيلُ مُرْبَدٌّ رَهيبْ
والرِّيحُ تَعْصِفُ بالورود / فعِشْتُ سُخْرِيَةَ الخُطوب
مهما تَضَاحَكَتِ الحياةُ / فإنَّني أبداً كَئيبْ
أُصْغي لأَوجاعِ الكآبَةِ / والكآبَةُ لا تُجيبْ
في مهْجَتي تَتَأوَّهُ البَلْوى / ويَعْتَلِجُ النَّحيبْ
ويَضُجُّ جبَّارُ الأسى / وتَجيشُ أمواجُ الكُرُوبْ
إنِّي أنا الرُّوحُ الَّذي / سيظَلُّ في الدُّنيا غَريبْ
ويَعيشُ مُضْطَلِعاً بأحزانِ / الشَّبيبَةِ والمَشِيبْ
أَنَا كَئِيبْ
أَنَا كَئِيبْ /
أَنَا غَريبْ /
كَآبتي خالَفَتْ نَظَائِرَهَا /
غَرِيبَةٌ في عَوَالِمِ الحَزَن /
كَآبتي فِكْرَةٌ مُغَرِّدَةٌ /
مَجْهُولةٌ مِنْ مَسَامِعِ الزَّمَنِ /
لكنَّني قَدْ سَمِعْتُ رَنَّتَها /
بمُهْجَتي في شَبابِيَ الثَّمِلِ /
سَمِعْتُها فانْصَرَفْتُ مُكْتَئِبَا /
أَشْدو بحُزْنِي كطائِرِ الجَبَلِ /
سَمِعْتُها أَنَّةً يرجِّعُها /
صَوْتُ اللَّيالي ومُهْجَةُ الأزل /
سَمِعْتُها صَرْخَةً مُضَعْضَعَةً /
كَجَدْوَلٍ في مَضايِقِ السُّبُلِ /
سَمِعْتُها رَنَّةً يعَانِقُها /
شوقٌ إلى عالمٍ يُضَعْضِعُها /
ضَعيفةً مثلَ أنَّةٍ صَعَدَتْ /
مِنْ مُهْجَةٍ هدَّها تَوَجُّعُها /
كآبَةُ النَّاسِ شُعلةٌ وَمَتى /
مرَّتْ ليالٍ خَبَتْ مع الأَمَدِ /
أَمَّا اكتِئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْ /
رُوحي وتَبْقَى بها إلى الأَبدِ /
أَنا كئيبٌ أَنا غَريبٌ /
وليسَ في عالمِ الكَآبَةِ مَنْ /
يحمِلُ مِعْشارَ بَعْضِ مَا أَجِدُ /
كآبتي مرَّةٌ وإنْ صَرَخَتْ /
روحي فلا يسمعنَّها الجَسَدُ /
كآبَتي ذاتُ قَسْوَةٍ صَهَرَتْ /
مَشَاعِري في جَهَنَّمَ الأَلَمِ /
لمْ يسمَعِ الدَّهْرُ مِثْلَ قَسْوَتِها /
في يَقْظَةٍ قطُّ لا ولا حُلُمِ /
كآبتي شُعْلةٌ مؤجَّجَةٌ /
تحتَ رَمَادِ الكَوْنِ تستعرُ /
سَيَعْلَمُ الكَوْنُ مَا حَقِيقَتُهَا /
ويَطْلَعُ الفَجْرُ يومَ تَنْفَجِرَ /
كآبةُ النَّاسِ شُعْلَةٌ ومتى /
مرَّت ليالٍ خَبَتْ مِنَ الأَمَدِ /
أَمَّا اكتئابي فَلَوْعَةٌ سَكَنَتْ /
رُوحي وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ /
سَئِمْتُ اللَّيالي وأَوجَاعَها
سَئِمْتُ اللَّيالي وأَوجَاعَها / وما شعْشَعَتْ من رحيقٍ بِصَابْ
فَحَطَّمتُ كَأْسي وأَلقَيتُها / بوَادي الأَسَى وجَحيمِ العَذابْ
فأَنَّتْ وقدْ غَمَرَتْها الدُّمُوعُ / وقَرَّتْ وقدْ فاضَ مِنْها الحَبَابْ
وأَلقى عليها الأَسَى ثَوْبَهُ / وأَقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئابْ
فأَيْنَ الأَماني وأَلْحانُها / وأَينَ الكؤوسُ وأَينَ الشَّرابْ
لقدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلامِ / وقدْ رَشَفَتْها شِفاهُ السَّرابْ
فمَا العَيْشُ في حَوْمَةٍ بَأْسُها / شَديدٌ وصَدَّاحُها لا يُجابْ
كَئيبٌ وَحِيدٌ بآلامِهِ / وأَحْلامِهِ شَدْوُهُ الانْتِحابْ
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزاهِيرُهَا / فَنِمْنَ وقدْ مَصَّهُنَّ التُّرابْ
لوَيِنَ النُّحورَ على ذِلَّةٍ / ومُتْنَ وأَحْلامَهُنَّ العِذابْ
فَحَالَ الجَمَالُ وغَاضَ العبيرُ / وأَذْوى الرَّدَى سِحْرَهنَّ العُجَابْ
مَهْمَا تأمَّلْتُ الحياةَ
مَهْمَا تأمَّلْتُ الحياةَ / وَجُبْتُ مَجْهَلَها الرَّهِيبْ
ونَظَرْتُ حولي لَمْ أَجِدْ / إلاَّ شُكُوكَ المُسْتَريبْ
حتَّى دَهِشْتُ وما أُفِدْتُ / بدهشتي رأياً مُصيبْ
لكنَّني أَجْهَدْتُ نَفْسي / وهيَ باديَةُ اللُّغوبْ
وَدَفَعْتُها وهيَ الهزيلَةُ / في مُغالَبَةِ الكُروبْ
في مَهْمَهٍ مَتَقَلِّبٍ / تُخْشَى غَوَائِلُهُ جَديبْ
فإذا أصابَتْ من / مَنَاهِلِهِ شراباً تَسْتَطيبْ
أَروتْ جوانِحَهَا وذلك / حَسْبُها كيما تَؤُوبْ
ومَنِ ارتوى في هذه / الدُّنيا تَسَنَّمَهَا خَطِيبْ
أَوْ لا فقد رَكِبَتْ من / الأَيَّامِ مَرْكَبَها العَصِيبْ
وَقَضَتْ كما شاءَ الخُلودُ / وفي جوانِحِهَا اللَّهيبْ
ألا إنَّ أحْلامَ الشَّبابِ ضَئيلَةٌ
ألا إنَّ أحْلامَ الشَّبابِ ضَئيلَةٌ / تُحَطِّمُها مثلَ الغُصونِ المَصائبُ
سألتُ الدَّياجي عنْ أماني شَبيبَتي / فقالتْ تَرامَتْها الرِّياحُ الجَوائِبُ
ولمَّا سألْتُ الرِّيحَ عنها أجابَني / تَلَقَّفَها سَيْلُ القَضا والنَّوائبُ
فَصارتْ عَفاءً واضْمَحَلَّتْ كَذَرَّةٍ / على الشَّاطئ المَحْمومِ والموجُ صاخِبُ
أَيُّها الليلُ يا أبا البؤسِ والهَوْ
أَيُّها الليلُ يا أبا البؤسِ والهَوْ / لِ يا هيكلَ الحَياةِ الرهيبِ
فيكَ تَجْثو عرائسُ الأمَلِ العذْ / بِ تُصَلِّي بِصَوتهِ المحبوبِ
فَيُثيرُ النَّشيدُ ذكرى حياةٍ / حَجَبَتْها غُيومُ دَهْرٍ كئيبِ
وتَرُفُّ الشُّجونُ من حول قلبي / بسُكونٍ وَهَيْبَةٍ وقُطوبُ
أَنْتَ يا ليلُ أَنْتَ ذرّةٌ صَعَدَتْ لل / كون من مَوْطِئ الجحيمِ الغَضوبِ
أَيُّها الليلُ أَنْتَ نَغْمٌ شَجيٌّ / في شفاهِ الدُّهورِ بَيْنَ النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكونِ التي ترتجّ / في صَدْرِكَ الرَّكودِ الرَّحيبِ
تُسْمِعُ النَّفْسَ في هدوء الأماني / رَنّةَ الحَقِّ والجمال الخَلوبِ
فَتَصوغُ القلوبُ منها أغاريداً / تَهُزُّ الحياةَ هزَّ الخُطوبِ
تتلوّى الحياةُ من ألَم البؤْ / س فتبكي بِلَوْعَةٍ ونَحيبِ
وعلى مَسْمَعيكَ تَنْهلُّ نوحاً / وعويلاً مُرًّا شجونُ القُلوبِ
فأرى بُرْقُعاً شفيفاً من الأو / جاعِ يُلقي عليكَ شجوَ الكَئيبِ
وأرى في السُّكونِ أجنحة الجبَّ / ار مُخْضَلّةً بِدَمعٍ حبيبِ
فَلَكَ الله من فؤادٍ رَحيمٍ / ولكَ الله من فؤادٍ كئيبِ
يَهْجَعُ الكَونُ في طمأنينةِ العُصْ / فورِ طِفْلاً بِصَدرِكَ الغِرِّيبِ
وبأحْضانكَ الرَّحيمةِ يستيقظُ في / نضرة الضَّحوكِ الطَّروبِ
شادياً كالطُّيوبِ بالأملِ العَذْ / بِ جميلاً كَبَهْجَةِ الشُّؤْبوبِ
يا ظلامَ الحياةِ يا رَوْعة الحُزْ / نِ ويا مِعْزَفَ التَّعيسِ الغَريبِ
وبقيثارةِ السَّكينةِ في ك / فَّيْكَ تَنْهَلُّ رَنَّةُ المَكْروبِ
فيكَ تنمو زَنابقُ الحُلُمِ العذْ / بِ وتَذوي لَدى لَهيبِ الخُطوبِ
خَلْفَ أعماقكَ الكئيبةِ تَنْسا / بُ ظِلالُ الدُّهورِ ذاتَ قُطوبِ
وبِفَوْديكَ في ضَفائِرِكَ / السُّودِ تَدُبُّ الأيَّامُ أيَّ دَبيبِ
صاحِ إنَّ الحياةَ أنشودةُ الحُزْ / نِ فَرَتِّلْ على الحياةِ نَحيبي
إنّ كأسَ الحياةِ مُتْرَعةٌ بالدَّ / مْعِ فاسكُبْ على الصَّباحِ حَبيبي
إنّ وادي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ / لِ فما أبْعَدَ ابتسامَ القُلوبِ
لا يَغُرَّنَّكَ ابتسامُ بَني الأرْ / ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهيبِ
أَنْتَ تدري أنَّ الحياةَ قُطو / بٌ وخُطوبٌ فما حياةُ القُطوبِ
إنَّ في غيبةِ الدُّهورِ تِباعاً / لِخَطيبٍ يَمُرُّ إثرَ خَطيبِ
سَدَّدَتْ في سكينة الكون للأعما / قِ نفسي لَحْظاً بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرةٌ مَزَّقَتْ شِعافَ اللَّيالي / فَرأتْ مُهْجَةَ الظَّلامِ الهَيوبِ
ورأتْ في صميمَها لَوْعَةَ الحُز / نِ وأصْغَتْ إلى صُراخِ القُلوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ إنّي / قَدْ خَبِرتُ الحياةَ خُبْرَ لَبيبِ
فتبرّمتُ بالسَّكينةِ والضَّجَّةِ / بل قَدْ كَرِهْتُ فيها نصيبي
كُنْ كَما شاءتِ السَّماءُ كَئيباً / أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأريبِ
أنُفوسُ تموتُ شاخِصةً بالهو / لِ في ظُلمةِ القُنوط العَصيبِ
أمْ قُلوبٌ مُحِطَّاتٌ على سا / حلِ لُجِّ الأسى بِمَوجِ الخُطوبِ
إنَّما النّاسُ في الحياةِ طيورُ / قَدْ رَماها القَضا بِوادٍ رَهيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جوانبه السو / دِ فَيَقْضي على صَدى العَنْدَليبِ
قَدْ سألتُ الحياةَ عن نغمةِ الفَجْ / رِ وعن وَجْمة المساء القَطوبِ
فَسمِعْتُ الحياة في هيكل الأحزا / نِ تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ
ما سُكوتُ السَّماءِ إلاَّ وُجومٌ / ما نشيدُ الصَّباحِ غيرُ نحيبِ
ليسَ في الدَّهرِ طائرٌ يتغنّى / في ضِفافِ الحياةِ غَيرَ كَئيبِ
خَضَّبَ الاكتئابُ أجنحَة الأيّا / مِ بالدَّمْعِ والدَّم المَسْكوبِ
وعَجيبٌ أن يفرحَ النْاسُ في كَهْ / فِ اللَّيالي بِحُزْنِها المَشْبوبِ
كنتُ أرنو إلى الحياةِ بِلَحْظٍ / باسِمٍ والرَّجاءُ دون لُغوبِ
ذاكَ عَهْدٌ حَسِبْتُهُ بَسْمَةَ ال / فَجْرِ ولكنّهُ شُعاعُ الغُروبِ
ذاكَ عَهْدٌ كأنَّهُ رَنَّةُ الأفرا / حِ تَنْسابُ من فَمِ العَنْدَليبِ
خُفِّفَتْ رَيْثَما أصَخْتُ لها بالقَلْ / بِ حيناً وبُدِّلَتْ بِنَحيبِ
إنَّ خَمْرَ الحياةِ وَرْدِيَّةُ اللَّو / نِ ولكنَّها سِمامُ القُلوبِ
جَرَفتْ من قَرارةِ القَلْبِ أحلا / مي إلى اللَّحْدِ جائِراتُ الخُطوبِ
فَتلاشَتْ على تُخومِ الليالي / وتَهاوتْ إلى الجَحيمِ الغَضوبِ
وثَوى في دُجُنَّةِ النَّفْس وَمْضٌ / لم يَزَل بَيْنَ جيئَةٍ وذُهوبِ
ذُكْرياتٌ تَميسُ في ظُلْمَةِ النَّفْ / سِ ضِئالاً كَرائعاتِ المَشيبِ
يا لِقَلْبٍ تَجَرّعَ اللَّوعةَ المُرَّ / ةَ من جدولِ الزَّمانِ الرَّهيبِ
ومَضَتْ في صَميمِهِ شُعْلَةُ الحُزْ / نِ فَعَشَّتْهُ من شُعاعِ اللَّهيبِ
كان الربيعُ الحيُّ روحاً حالماً
كان الربيعُ الحيُّ روحاً حالماً / غضَّ الشَّبابِ مُعَطَّرَ الجلبابِ
يَمْشي على الدّنيا بفكرةِ شاعرٍ / ويطوفُها في موكبٍ خَلاَّبِ
والأفْقُ يملأهُ الحَنانُ كأنَّهُ / قَلْبُ الوجودِ المنتجِ الوهَّابِ
والكونُ من طُهْرِ الحياةِ كأنّما / هو معبدٌ والغابُ كالمحرابِ
والشّاعرُ الشَّحرورُ يَرْقُصُ مُنشداً / للشَّمسِ فوقَ الوردِ والأعشابِ
شعْرَ السَّعادةِ والسَّلامِ ونفسهُ / سَكْرى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبانُ الجبال فغمَّه / ما فيه من مَرَحٍ وفيْضِ شبابِ
وانقضَّ مضْطَغِناً عليه كأنَّه / سَوْطُ القضاءِ ولعنةُ الأربابِ
بُغِتَ الشَّقيُّ فَصاح في هول القضا / متلفِّتاً للصَّائل المنْتابِ
وتَدَفَّق المسكينُ يصرخُ ثائراً / ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي
لا شيءَ إلاَّ أنَّني متغزّلٌ / بالكائناتِ مغرِّدٌ في غابي
ألْقى من الدّنيا حناناً طاهراً / وأبُثُّها نَجْوى المحبِّ الصَّابي
أيُعَدُّ هذا في الوجود جريمةً / أينَ العدالةُ يا رفاقَ شبابي
لا أين فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا / رأيُ القويِّ وفكرةُ الغَلاّبِ
وسَعادةُ الضَّعفاءِ جُرْمُ ما لهُ / عند القويِّ سوى أشدِّ عِقابِ
ولْتَشْهَدِ الدُّنيا التي غنَّيْتُها / حُلْمَ الشَّبابِ وروعةَ الإعجابِ
أنَّ السَّلامَ حَقيقةٌ مَكْذوبةٌ / والعَدْلَ فَلْسَفةُ اللّهيبِ الخابي
لا عَدْلَ إلاَّ إنْ تَعادَلتِ القوى / وتَصادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ
فَتَبَسَّمَ الثُّعبانُ بَسْمةَ هازئٍ / وأجابَ في سَمْتٍ وفَرْطِ كِذابِ
يا أَيُّها الغِرُّ المثرثرُ إنَّني / أرثي لثورةِ جَهْلكَ التلاّبِ
والغرُّ يعذره الحكيمُ إِذا طغى / جهلُ الصِّبا في قلبه الوثّابِ
فاكبحْ عواطفكَ الجوامحَ إنّها / شَرَدَتْ بلُبِّكَ واستمعْ لخطابي
إنِّي إلهٌ طالما عَبَدَ الوَرَى / ظلِّي وخافوا لعنَتي وعقابي
وتقدّموا لي بالضَّحايا منهُمُ / فَرحينَ شأنَ العابدِ الأوّابِ
وسَعادةُ النَّفسِ التَّقيَّةِ أنّها / يوماً تكونُ ضحيَّةَ الأربابِ
فتصيرُ في روحِ الألوهةِ بضعةً / قُدُسِيَّةً خَلُصَتْ من الأوشابِ
أفَلا يَسُرُّكَ أن تكونَ ضحيَّتي / فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي
وتكونَ عزماً في دمي وتوهُّجاً / في ناظِريَّ وحدّةً في نابي
وتذوبَ في روحي التي لا تنتهي / وتصيرَ بعضَ ألوهتي وشَبابي
إنِّي أرَدْتُ لكَ الخلودَ مؤلّهاً / في روحيَ الباقي على الأحقابِ
فكِّرْ لِتُدْرِكَ ما أريدُ وإنَّه / أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي
فأجابه الشُّحرورُ في عُصَصِ الرَّدَى / والموتُ يخنقه إليكَ جوابي
لا أرى للحقِّ الضَّعيفِ ولا صدًى / والرّأيُ رأيُ القاهرِ الغلاّبِ
فافعلْ مشيئَتكَ التي قَدْ شئتَها / وارحمُ جلالكَ من سماعِ خطابي
وكذاك تُتَّخَذُ المظالمُ منطقاً / عذباً لتخفِيّ سَوْءةَ الآرابِ
إنِّي أرى فأرى جموعاً جمَّةً
إنِّي أرى فأرى جموعاً جمَّةً / لكنَّها تحيا بِلا ألْبابِ
يَدْوي حوالَيْها الزَّمنُ كأنَّما / يدوي حوالَي جندلٍ وترابِ
وإذا استجابوا للزَّمانِ تَناكروا / وتَراشَقوا بالشَّوكِ والأحْصابِ
وقضوا على روحِ الأخُوَّةِ بينهمْ / جَهْلاً وعاشوا عيشةَ الأغرابِ
فرِحتْ بهم غولُ التّعاسةِ والفَنا / ومَطامِعُ السّلاَّبِ والغَلاَّبِ
لُعَبٌ تُحرِّكُها المَطامعُ واللّهى / وصَغائرُ الأحقادِ والآرابِ
وأرى نفوساً من دُخانٍ جامدٍ / مَيْتٍ كأشباح وراءَ ضَبابِ
مَوْتى نَسُوا شَوْقَ الحياةِ وعزمها / وتحرّكوا كَتَحرُّكِ الأنْصابِ
وخبا بهمْ لَهَبُ الوجودِ فما بقوا / إلاَّ كمحترقٍ من الأخْشابِ
لا قلبَ يقتحمُ الحياةَ ولا حِجًى / يَسْمو سُمُوَّ الطَّائرِ الجوّابِ
بل في التُّرابِ المَيْتِ في حَزْن الثَّرى / تنمو مَشاعِرُهُمْ مع الأعشابِ
وتموت خامِلَةً كزهرٍ بائسٍ / ينمو ويذبُل في ظلامِ الغابِ
أبداً تُحدِّقُ في التُّرابِ ولا ترى / نورَ السَّماءِ فروحُها كتُرابِ
الشَّاعرُ الموهوبُ يَهْرِقُ فنَّه / هدراً على الأقدامِ والأعْتابِ
ويعيشُ في كونٍ عقيمٍ ميِّتٍ / قَدْ شيَّدتْهُ غباوةُ الأحقابِ
والعالِمُ النَّحريرُ يُنْفِقُ عُمْرَه / في فَهْمِ ألفاظٍ ودَرسِ كِتابِ
يحيا على رِمَمِ القَديمِ المجتَوى / كالدُّود في حِمَمِ الرَّمادِ الخابي
والشَّعبُ بينهما قطيعٌ ضائعٌ / دنياهُ دنيا مأكلٍ وشَرابِ
الويلُ للحسَّاس في دنياهُمُ / ماذا يلاقي من أسًى وعَذابِ
في اللَّيل نادَيتُ الكَواكِبَ ساخطاً
في اللَّيل نادَيتُ الكَواكِبَ ساخطاً / متأجِّجَ الآلامِ والآرابِ
الحقلُ يَمْلِكُهُ جَبابِرَةُ الدُّجى / والرَّوضُ يسكُنُهُ بنو الأربابِ
والنَّهرُ للغول المقدّسة التي / لا ترتوي والغابُ للحَطّابِ
وعرائسُ الغابِ الجميلِ هزيلةٌ / ظمأى لِكُلِّ جَنًى وكُلِّ شَرابِ
ما هذه الدُّنيا الكريهةُ ويلَها / حَقّتْ عليها لَعْنَةُ الأحقابِ
الكونُ مُصْغٍ يا كواكبُ خاشعُ / طال انتظاري فانطقي بِجَوابِ
فسمعتُ صوتاً ساحراً متموِّجاً / فوق المروج الفيحِ والأعشابِ
وحَفيفَ أجنحةٍ ترفرف في الفضا / وصدًى يَرنُّ على سُكونِ الغاب
الفجرُ يولدُ باسماً متهَلِّلا / في الكونِ بَيْنََ دُجُنَّةٍ وضبابِ
البؤسُ لابنِ الشَّعبِ يأكلُ قلبَه
البؤسُ لابنِ الشَّعبِ يأكلُ قلبَه / والمجدُ والإثراءُ للأغرابِ
والشَّعب مَعصوبُ الجفونِ مُقَسَّمٌ / كالشّاة بَيْنَ الذّئب والقَصَّابِ
والحقُّ مَقطوعُ اللّسان مُكَبَّلٌ / والظَّلمُ يمرح مُذْهَبَ الجِلبابِ
هذا قليلٌ من حياةٍ مُرّة / في دولة الأنْصابِ والألقابِ
ما لآفاقِكَ يا قلبيَ سوداً حالكاتْ
ما لآفاقِكَ يا قلبيَ سوداً حالكاتْ /
ولأوْرادِكَ بَيْنََ الشَّوْكِ صُفراً ذاوياتْ /
ولأطْياركَ لا تلغو فأينَ النَّغَماتْ /
ما لمِزْمارِكَ لا يشدو بغير الشَهَقاتْ /
ولأوتارِكَ لا تَخْفُقُ إلاَّ شاكِياتْ /
ولأنغامِكَ لا تَنْطُقُ إلاَّ باكِياتْ /
ولقد كانتْ صَباحَ الأمْس بَيْنَ النَّسَماتْ /
كعذارى الغابِ لا تعرِفُ غيرَ البَسَماتْ /
هو ذا يا قلبيَ البَحْرُ وأمواجُ الحياةْ /
هو ذا القارِبُ مشدوداً إلى تِلْكَ الصَّفاةْ /
هو ذا الشاطئُ لكنْ أينَ رُبَّانُكَ ماتْ /
أين أحلامُك يا قلبي لقد فاتَ الفَواتْ /
تِلْكََ أطيارٌ أنيقاتٌ طِرابٌ فرِحاتْ /
غرَّدتْ ثمَّ توارتْ في غياباتِ الحَياةْ /
أَنْتَ يا قلبيَ قلبٌ أنضجَتْهُ الزَّفَراتْ /
أَنْتَ يا قلبيَ عُشُّ نَفَرَتْ عنهُ القَطَاةْ /
فأطارَتْهُ إلى النَّهْرِ الرِّياحُ العاتِياتْ /
فَهو في التيَّار أوراقٌ وأعوادٌ عُراةْ /
أَنْتَ حقلٌ مُجْدبٌ قَدْ هَزَأتْ منه الرُّعاةْ /
أَنْتَ ليلٌ مُعْتِمٌ تَنْدُبُ فيه الباكياتْ /
أَنْتَ كهفٌ مظلِمٌ تأوي إليه البائِساتْ /
أَنْتَ صرْحٌ شادَهُ الحُبُّ على نهرِ الحياةْ /
لِبَناتِ الشِّعْرِ لكنْ قوَّضَتْهُ الحادِثاتْ /
أَنْتَ قبرٌ فيه من أيامِيَ الأولى رُفاتْ /
أَنْتَ عودٌ مزّقت أوتارَه كفُّ الحياةْ /
فهو في وحشته الخَرساءِ بَيْنَ الكائِناتْ /
صامتٌ كالقبرِ إلاَّ من أنينِ الذِّكريات /
أَنْتَ لحنٌ ساحرٌ يَخْبُطُ في التِّيهِ المَواتْ /
أَنْتَ أنشودةُ فَجْرٍ رتَّلَتها الظُّلُماتْ /
أَيُّها السَّاري مع الظُّلْمةِ في غير أناةْ /
مُطرِقاً يَخْبُطُ في الصحراءِ مَكْبوحَ الشَّكاةْ /
تُهْتَ في الدُّنيا وما أُبْتَ بغيرِ الحَسَراتْ /
صلِّ يا قلبي إلى الله فإنَّ الموتَ آتْ /
صَلِّ فالنّازعُ لا تبقى له غيرُ الصَّلاةْ /
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ
للهِ مَا أَحْلى الطُّفولَةَ / إنَّها حلمُ الحياةْ
عهدٌ كَمَعْسولِ الرُّؤَى / مَا بينَ أجنحَةِ السُّبَاتْ
ترنو إلى الدُّنيا / ومَا فيها بعينٍ باسِمَهْ
وتَسيرُ في عَدَواتِ وَادِيها / بنَفْسٍ حَالمهْ
إنَّ الطّفولةَ تهتَزُّ / في قَلْبِ الرَّبيعْ
ريَّانةٌ مِنْ رَيِّقِ الأَنْداءِ / في الفَجْرِ الوَديعْ
غنَّت لها الدُّنيا / أَغاني حبِّها وحُبُورِهَا
فَتَأَوَّدَتْ نَشوى بأَحلامِ / الحَياةِ وَنُورِهَا
إنَّ الطُّفولَةَ حِقْبَةً / شعريَّةٌ بشُعُورِها
وَدُمُوعِها وسُرُورِها / وَطُمُوحِهَا وغُرُورِها
لمْ تمشِ في دنيا الكآبَةِ / والتَّعاسَةِ والعَذابْ
فترى على أضوائِها مَا في / الحَقيقَةِ مِنْ كِذَابْ
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ وفي غدٍ
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ وفي غدٍ / ستجعَلُنا الأَيَّامُ أُضْحُوكَةَ الآتي
وتلكَ هيَ الدُّنيا رِوايةُ ساحرٍ / عَظيمٍ غَريبِ الفَنِّ مُبْدِعِ آياتِ
يمثِّلها الأَحياءُ في مَسْرَحِ الأَسَى / ووسْط ضَبَابِ الهمِّ تَمْثيلَ أَمواتِ
ليشهدَ مَنْ خَلْفَ الضَّبابِ فصولَها / ويَضْحَكُ منها مَنْ يمثِّلُ مَا ياتي
وكلٌّ يُؤَدِّي دَوْرَهُ وهو ضَاحكٌ / على الغيرِ مضْحُوكٌ على دوره العاتي
سِرْ مَعَ الدَّهْرِ لا تَصُدَّنَّكَ
سِرْ مَعَ الدَّهْرِ لا تَصُدَّنَّكَ / الأَهوالُ أَو تُفْزِعَنَّكَ الأَحداثُ
سِرْ مَعَ الدَّهْرِ كيفما شاءتِ / الدُّنيا ولا يخدعنَّكَ النَّفَّاثُ
فالذي يُرْهِبُ الحياةَ شقيٌّ / سَخِرَتْ من مصيرهِ الأَجْداثُ
غَنِّني أُنْشودَةَ الفَجْرِ الضَّحُوكْ
غَنِّني أُنْشودَةَ الفَجْرِ الضَّحُوكْ / أَيُّها الصَّدَّاحْ
فَلَقَدْ جَرَّعَني صَوْتُ الظَّلامْ /
أَلَماً علَّمَنِي كُرْهَ الحَياةْ /
إنَّ قَلْبِي مَلَّ أَصْداءَ النُّوَاحْ / غَنِّنِي يَا صَاحْ
حَطَّمَتْ كَفُّ الأَسَى قِيثارَتي / فِي يَدِ الأَحْلامْ
فَقَضَتْ صمْتاً أَناشيدُ الغَرامْ /
بَيْنَ أَزْهارِ الخَريفِ الذَّاوِيَهْ /
وتَلاشَتْ في سُكُونِ الإكْتِئَابْ / كَصَدَى الغِرِّيدْ
كُفَّ عَنْ تِلْكَ الأَغاني البَاسِمَهْ / أَيُّها العُصْفُورْ
فَحَيَاتي أَلِفَتْ لَحْنَ الأَسَى /
مِنْ زَمَانٍ قدْ تَقَضَّى وعَسَى /
أَنْ يُثِيرَ الشَّدْوُ في صَمْتِ الفُؤَادْ / أَنَّةَ الأَوْتَارْ
لا تُغَنِّينِي أَغَاريدَ الصَّبَاحْ / بُلْبُلَ الأَفْراحْ
فَفُؤادِي وهوَ مَغْمُورُ الجِرَاحْ /
بتَبَارِيحِ الحَيَاةِ البَاكِيَهْ /
لَيْسَ تَسْتَهْويهِ أَلْحَانُ السُّرُورْ / وأَغَاني النُّورْ
إنَّ مَنْ أَصْغَى إلى صَوْتِ المَنُونْ / وصَدَى الأَجْداثْ
لَيْسَ تَسْتَهْويهِ أَلْحانُ الطُّيُورْ /
بَيْنَ أَزْهارِ الرَّبيعِ السَّاحِرَهْ /
وِابْتِسامَاتِ الحَيَاةِ السَّافِرَهْ / عَنْ جَلاَلِ اللهْ
غَنِّنِي يا صاحِ أَنَّاتِ الجَحِيمْ / واسْقِنِي الآلامْ
أَتْرِعِ الكَأْسَ بأَوْجَاعِ الهُمُومْ /
واسْقِنِي إنِّي كَرِهْتُ الابْتِسَامْ /
غَنِّنِي نَدْبَ الأَمَانِي الخَائِبَهْ / واللَّيالِي السُّودْ
غَنِّنِي صَوْتَ الظَّلامِ المُكْتَئِبْ / إنَّنِي أَهْواهْ
هَاكَ كَأْسَ القَلْبِ فَامْلأْهَا نُوَاحْ /
واسْكُبِ الحُزْنَ بِها حتَّى الصَّبَاحْ /
إنَّها من طِينَةِ الحُزْنِ المَرِيرْ / صَاغَهَا الخَلاّقْ
بِئْسَتِ الأَفْراحُ أَفْراحُ الحَيَاهْ / إنَّها أَحْلاَمْ
تَخْلُبُ اللُّبَّ بأَلْحانٍ عِذابْ /
وأَغَارِيدَ كأَمْلاكِ السَّمَا /
ثُمَّ لا تَلْبَثُ أَنْ تَذْوي كَمَا / تَذْبُلُ الأَزْهارْ
خبِّريني مَا الَّذي خَلْفَ الغُيُومْ / رَبَّةَ الأَحْلامْ
أَفَتَى الهَوْلِ وجَبَّارُ الهُمُومْ /
أَمْ عَرُوسُ الأَمَلِ العَذْبِ الشَّرُودْ /
تَتَهادَى بَيْنَ لأْلاءِ الصَّبَاحْ / كَمَلاَك النُّورْ
أَنَا في دَرْبِ الحَياةِ الغَامِضَهْ / تَائِهٌ حَيْرَانْ
بَيْنَما أُبْصِرُ في وَجْهِ الحَيَاةْ /
ظُلْمَةَ الأَحْزانِ في ظِلِّ الأَلَمْ /
إذْ أَرَى في جَفْنِها نُوراً بَديعْ / بَاسِماً فَتَّانْ
هَا أَنا أَسمَعُ في قَلْبِ الحِيِاةْ / صَيْحَةَ الآلامْ
مُرَّةً تَنْسابُ مِنْ قَلْبٍ حَطيمْ /
مَلأَ الحُزْنُ أَقَاصِيهِ دُمُوعْ /
هَا أَنا أسْمَعُ أَصْواتَ السُّرُورْ / كَضَّتِ الأَيَّامْ
سِرْتُ في الرَّوضِ
سِرْتُ في الرَّوضِ / وقد لاحَتْ تَباشيرُ الصَّباحِ
وجَناحُ الفَجْرِ يومي / نَحْوَ رَبَّاتِ الجَناحِ
والدُّجى يَسْعى رُوَيْداً / سَعْيَ غَيْداءَ رَدَاحِ
ونَسيمُ الصُّبْحِ يَسْري / سَجْسَجاً فَوقَ البِطاحِ
وخَريرُ النَّهْرِ سَكْرا / نٌ وزَهْرُ الرَّوضِ صاحِ
فَرَنَتْ نَحْوَ جَلالِ الكَوْ / نِ جَوْناءُ اللِّياحِ
ثمَّ بانَتْ في سُفو / رٍ فاضِحٍ أيَّ افْتِضاحِ
فاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدى الدَّا / مِسِ من كاسِ الأقاحِ
واعْتَلَتْ بَلْقيسُ عَرْشَ / اللَّيلِ في تِلْكََ النَّواحي
ثمَّ مالَتْ لِغُروبٍ / بَعْدَ إضْرامِ الكِفاحِ
واستوى اللَّيلُ بِرَغْمِ الشَّمْ / سِ في العَرْشِ الفُساحِ
هكذا الدَّهرُ بأزياءٍ / غُدُوٍ ورُواحِ
وضياءٍ وظلامٍ / وسُكونٍ وصِياحِ
ونَشيدٍ وفَواحٍ / وانقِباضٍ وانْشِراحِ
إنَّما الدَّهرُ وَميثا / قُ اللَّيالي كَشُجاحِ
أتفنى ابتِساماتُ تِلْكََ الجفونِ
أتفنى ابتِساماتُ تِلْكََ الجفونِ / ويَخبو توهُّجُ تِلْكََ الخدودْ
وتذوي وُرَيْداتُ تِلْكَ الشِّفاهِ / وتهوي إلى التُّرْبِ تِلْكَ النَّهودْ
وينهدُّ ذاك القوامُ الرَّشيقُ / وينحلُّ صَدْرٌ بديعٌ وَجيدْ
وتربَدُّ تِلْكََ الوُجوهُ الصِّباحُ / وفتنةُ ذاكَ الجمال الفَريدْ
ويغبرُّ فرعٌ كجنْحِ الظَّلامِ / أنيقُ الغدائرِ جَعْدٌ مَديدْ
ويُصبحُ في ظُلُماتِ القبورِ / هباءً حقيراً وتُرْباً زهيدْ
وينجابُ سِحْرُ الغرامِ القويِّ / وسُكرُ الشَّبابِ الغريرِ السَّعيدْ
أتُطوَى سَمواتُ هذا الوجود / ويذهبُ هذا الفضاءُ البعيدْ
وتَهلِكُ تِلْكََ النُّجومُ القُدامى / ويهرمُ هذا الزَّمانُ العَهيدْ
ويقضي صَباحُ الحياةِ البديعُ / وليلُ الوجودِ الرهيبُ العتيدْ
وشمسٌ توشِّي رداءَ الغمامِ / وبدرٌ يضيءُ وغيمٌ يجودْ
وضوءٌ يُرَصِّع موجَ الغديرِ / وسِحْرٌ يطرِّزُ تِلْكَ البُرودْ
وبحرٌ فسيحٌ بعيدُ القرارِ / يَضُجُّ ويَدْوي دويَّ الوليدْ
وريحٌ تمرُّ مُرورَ الملاكِ / وتخطو إلى الغابِ خَطْوَ الرُّعودْ
وعاصفةٌ من نباتِ الجحيم / كأنَّ صَداها زَئيرُ الأسودْ
تَعجُّ فَتَدْوي حنايا الجبال / وتمشي فتهوي صُخورُ النُّجودْ
وطيرٌ تغنِّي خِلالَ الغُصونِ / وتَهْتِفُ للفجرِ بَيْنَ الورودْ
وزهرٌ ينمِّقُ تِلْكََ التِّلالَ / ويَنْهَلُ من كلِّ ضَوءٍ جَديدْ
ويعبَقُ منه أريجُ الغَرامِ / ونَفْحُ الشَّبابِ الحَيِيِّ السَّعيدْ
أيسطو على الكُلِّ ليلُ الفناء / ليلهو بها الموتُ خَلْفَ الوجود
ويَنْثُرَها في الفراغِ المُخيفِ / كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شَرودْ
فينضُبُ يمُّ الحياةِ الخضمُّ / ويخمدُ روحُ الرَّبيعِ الوَلودْ
فلا يلثمُ النُّورُ سِحْرَ الخُدودِ / ولا تُنْبِتُ الأرضُ غضَّ الورودْ
كبيرٌ على النَّفسِ هذا العفاءُ / وصَعْبٌ على القلبِ هذا الهمودْ
وماذا على القَدَر المستَمرِّ / لوِ اسْتمرَأ النَّاسُ طعمَ الخلودْ
ولم يُخْفَروا بالخرابِ المحيط / ولم يُفْجَعوا في الحبيب الودودْ
ولم يسلكوا للخُلود المرجَّى / سبيلَ الرّدى وظَلامَ اللّحودْ
فَدامَ الشَّبابُ وسِحْرُ الغرامِ / وفنُّ الرَّبيعِ ولُطفُ الورودْ
وعاش الوَرَى في سلامٍ أمينٍ / وعيشٍ غضيرٍ رخيٍّ رغيدْ
ولكنْ هو القَدَرُ المستبدُّ / يَلذُّ له نوْحُنا كالنَّشيدْ
تَبَرَّمْتَ بالعيشِ خوفَ الفناءِ / ولو دُمْتُ حيًّا سَئمتَ الخلودْ
وعِشْتَ على الأَرضِ مثل الجبال / جليلاً رهيباً غريباً وَحيدْ
فَلَمْ تَرتشفْ من رُضابِ الحياة / ولم تصطَبحْ من رَحيق الوجودْ
وما نشوةُ الحبِّ عندَ المحبِّ / وما سِحْرُ ذاك الرَّبيعِ الوليدْ
ولم تدرِ مَا فتنةُ الكائناتِ / وما صرخَةُ القلبِ عندَ الصّدودْ
ولم تفتكر بالغَدِ المسترابِ / ولم تحتفل بالمرامِ البعيدْ
وماذا يُرجِّي ربيبُ الخلودِ / من الكونِ وهو المقيمُ العهيدْ
وماذا يودُّ وماذا يخافُ / من الكونِ وهو المقيمُ الأَبيدْ
تأمَّلْ فإنَّ نِظامَ الحياةِ / نِظامٌ دقيقٌ بديعٌ فريدْ
فما حبَّبَ العيشَ إلاَّ الفناءُ / ولا زانَه غيرُ خوفِ اللُّحودْ
ولولا شقاءُ الحياةِ الأليمِ / لما أَدركَ النَّاسُ معنى السُّعودْ
ومن لم يرُعْهُ قطوبُ الدّياجيرِ / لَمْ يغتبط بالصَّباحِ الجديدْ
إِذا لم يكن مِنْ لقاءِ المنايا / مَناصٌ لمَنْ حلَّ هذا الوجودْ
فأيّ غِنَاءٍ لهذي الحياة / وهذا الصِّراعِ العنيفِ الشَّديدْ
وذاك الجمالِ الَّذي لا يُملُّ / وتلكَ الأَغاني وذاك النَّشيدْ
وهذا الظَّلامِ وذاك الضِّياءِ / وتلكَ النُّجومِ وهذا الصَّعيدْ
لماذا نمرُّ بوادي الزَّمانِ / سِراعاً ولكنَّنا لا نَعودْ
فَنَشْرَبَ مِنْ كلِّ نبعٍ شراباً / ومنهُ الرَّفيعُ ومنه الزَّهيدْ
ومِنْهُ اللَّذيذُ ومِنْهُ الكَريهُ / ومِنْهُ المشِيدُ ومِنْهُ المبيدْ
ونَحْمِلُ عبْئاً من الذّكرياتِ / وتلكَ العهودِ الَّتي لا تعودْ
ونشهدُ أشكالَ هذي الوجوهِ / وفيها الشَّقيُّ وفيها السَّعيدْ
وفيها البَديعُ وفيها الشَّنيعُ / وفيها الوديعُ وفيها العنيدْ
فيُصبحُ منها الوليُّ الحميمُ / ويصبحُ منها العدوُّ الحقُودْ
وكلٌّ إِذا مَا سألنا الحَيَاةَ / غريبٌ لعَمْري بهذا الوجودْ
أتيناه من عالمٍ لا نراه / فُرادى فما شأْنُ هذي الحقُودْ
وما شأْنُ هذا العَدَاءِ العنيفِ / وما شأْنُ هذا الإِخاءِ الوَدودْ
خُلِقنا لنبلُغَ شأْوَ الكمالِ / وَنُصبح أهلاً لمجدِ الخُلُودْ
وتطهر أرواحنا في الحياة / بنار الأسى
ونَكْسَبَ مِنْ عَثَراتِ الطَّريقِ / قُوًى لا تُهدُّ بدأْبِ الصُّعودْ
ومجداً يكون لنا في الخلود / أَكاليلَ من رائعاتِ الوُرودْ
خُلِقنا لنبلُغَ شأْوَ الكمالِ / وَنُصبح أهلاً لمجدِ الخُلُودْ
ولكنْ إِذا مَا لبسنا الخلودَ / ونِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ
فهلْ لا نَمَلُّ دَوَامَ البقاءِ / وهلْ لا نَوَدُّ كمالاً جديدْ
وكيف يكوننَّ هذا الكمالُ / وماذا تُراهُ وكيفَ الحُدودْ
وإنَّ جمالَ الكمالِ الطُّموحُ / وما دامَ فكراً يُرَى من بعيدْ
فما سِحْرُهُ إنْ غدا واقعاً / يُحَسُّ وأَصبحَ شيئاً شهيدْ
وهلْ ينطفي في النُّفوسِ الحنينُ / وتُصبحُ أَشواقُنا في خُمودْ
فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ / وفوقَ الخلودِ لبعضِ المزيدْ
إِذا لم يَزُل شوقُها في الخلودِ / فذلك لعَمْري شقاءُ الجُدودْ
وحربٌ ضروسٌ كما قَدْ عهدنُ / ونَصْرٌ وكسرٌ وهمٌّ مديدْ
وإنْ زالَ عنها فذاكَ الفناءُ / وإنْ كان في عَرَصَاتِ الخُلودْ
صَبِيَّ الحَيَاةِ الشَّقِيَّ العنيدْ
صَبِيَّ الحَيَاةِ الشَّقِيَّ العنيدْ / أَلا قدْ ضَلَلْتَ الضَّلالَ البعيدْ
أَتُنشدُ صوتَ الحَيَاةِ الرخيمَ / وأَنتَ سجينٌ بهذا الوجودْ
وتَطْلُبُ وَرْدَ الصَّبَاحِ المخ / ضَّبَ مِنْ كفِّ حَقْلٍ حَصِيدْ
إلى المَوْتِ إنْ شِئْتَ هَوْنَ الحي / اة فَخَلْفَ ظلامِ الرَّدى مَا تُرِيدْ
إلى المَوْتِ يا ابنَ الحَيَاةِ التعيسَ / ففي الموتِ صَوْتُ الحَيَاةِ الرخيمْ
إلى المَوْتِ إن عَذَّبَتْكَ الدُّهورُ / ففي الموتِ قَلْبُ الدُّهورِ الرَّحيمْ
إلى المَوْتِ فالموتُ رُوحٌ جميلٌ / يُرَفْرِفُ مِنْ فوقِ تِلْكَ الغُيومْ
فَرُوحاً بفَجْرِ الخُلُودِ البهيجِ / وما حَوْلَهُ مِنْ بَنَاتِ النُّجومْ
إلى المَوْتِ فالموتُ جامٌ رَوِيٌّ / لمنْ أَظْمَأَتْهُ سُمُومُ الفَلاةْ
ولَسْتَ براوٍ إِذا مَا ظَمِئْتَ / من المنبعِ العذْبِ قبلَ المَمَاتْ
فما الدَّمعُ إلاَّ شرابُ الدُّهورِ / وما الحزنُ إلاَّ غِذَاءُ الحَيَاةْ
إلى المَوْتِ فالموتُ مهدٌ وَثيرٌ / تَنَامُ بأَحضانهِ الكَائناتْ
إلى المَوْتِ إن حاصَرَتْكَ الخُطوبُ / وسَدَّتْ عليكَ سَبيلَ السَّلامْ
ففي عالمِ الموتِ تَنْضُو الحَيَاةُ / رِداءَ الأَسى وقِنَاعَ الظَّلامْ
وتبدو كما خُلِقَتْ غَضَّةً / يَفيضُ على وَجْهِها الإِبْتِسامْ
تُعيدُ عليها ظِلالَ الخُلودِ / وتهفو عليها قُلُوبُ الأَنامْ
إلى المَوْتِ لا تَخْشَ أعماقه / ففيها ضياءُ السَّماءِ الوَديعْ
وفيها تَمِيسُ عذارى السَّماءِ / عواريَ يُنْشِدْنَ لحناً بَديعْ
وفي رَاحِهنَّ غُصُونُ النَّخيلِ / يُحَرِّكْنَها في فَضَاءٍ يَضُوعْ
تضيءُ بهِ بَسَمَاتُ القُلُوبِ / وتخبو بهِ حَسَراتُ الدُّموعْ
هو الموتُ طيفُ الخلودِ الجميلُ / ونِصْفُ الحَيَاةِ الَّذي لا يَنُوحْ
هنالكَ خلفَ الفضاءِ البعيدِ / يَعيشُ المنونُ القَوِيُّ الصَّبُوحْ
يَضُمُّ القُلُوبَ إلى صَدْرِهِ / ليأسوَ مَا مَضَّها مِنْ جُروحْ
ويبعثَ فيها رَبيعَ الحَيَاةِ / ويُبْهِجُها بالصَّباحِ الفَرُوحْ