القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 139
أرِقتُ مِن بارقٍ بالجِزْعِ لمّاعِ
أرِقتُ مِن بارقٍ بالجِزْعِ لمّاعِ / بدا فهيَّجَ أشواقي وأوجاعي
أهدَى الحنينَ وقد لاحتْ لوامِعُهُ / لمغرمٍ مِن بعادِ الحيَّ مُرْتاعِ
مصاحبُ البينِ ما تنفكُّ أينُقُهُ / مغذّةً بينَ أجراعٍ وأجزاعِ
تَعافُ أن تردَ الماءَ الجِمامَ وأنْ / ترعَى الجميمَ على خِصْبٍ واِمراعِ
في كلَّ هَجْلٍ بعيدِ القفرِ تقطعُهُ / سواهماً بينَ اِيجافٍ واِيضاعِ
تهوى بكلَّ ربيطِ الجأْشِ مُدَّرعٍ / ماضي العزيمةِ حامي العِرْضِ شرّاعِ
يحمي السوامَ إذا الأذوادُ أهملَها / رعاتُها وأناخوها بِجَعْجاعِ
مُهَمّلاتٍ غَدَتْ في كلَّ ناحيةٍ / مضاعةً لم تَصُنْها سطوةُ الراعي
يذودُ عنها العِدى يقظانَ ما اكتحلتْ / عيناهُ عمّا يراعيهِ بِتَهْجاعِ
بكلَّ أسمرَ دامي الحدَّ لَهْذَمُهُ / وكلَّ أبيضَ ماضي الغَرْبِ قَطّاعِ
مِن حولهِ غِلْمَةٌ يحمونَ جارَهُمُ / يومَ الصريخِ إذا ما ثوَّبَ الداعي
يمشونَ والموتُ قد أبدَى نواجِذَهُ / اليهِ ما بينَ سبّاقٍ وسرّاعِ
لا يعرفونَ بروداً غيرَ ما لبسوا / مِنَ الشجاعةِ أو مِنْ زَغْفِ أدراعِ
في الحربِ والسلمِ مِنْ كَرًّ ومِنْ كَرَمٍ / لم يَبْرَحوا بينَ ضرّارٍ ونفّاعِ
يا صاحِبَيَّ أعيدا ذكرَ كاظمةٍ / على فؤادٍ إلى الأحبابِ نَزّاعِ
واستنشقا نفحاتِ البانِ أن نسمتْ / بنافحٍ مِنْ عبيرِ العِقْدِ ضَوّاعِ
فثمَّ موضعُ أطرابي ومألَفُها / بلْ ثمَّ شهوةُ أبصاري وأسماعي
فلا عدا أرضَها تَسكابُ دمعيَ اِنْ / ضنَّ السحابُ بِتَهْمالٍ وتَهْماعِ
دمعٌ إذا أقلعَ الغيثُ المُلِثُ هَمَى / على المنازلِ لم يُؤْذِنْ باِقلاعِ
أرضٌ تباعدَ أهلُوها وما نَقَصَتْ / عمّا عَهِدْتُ صباباتي وأطماعي
ما هبَّتِ الريحُ إلا هِمْتُ مِنْ طَرَبٍ / إليكِ يا ظبيةَ الوَعْساءِ والقاعِ
بيني وبينكِ بيدٌ لا يُقَرَّبُها / اِلاّ عزيمةُ اِمضائي واِزماعي
فما الأناةُ ونُجْبي في معاطِنِها / سئمنَ عطلة أقتادٍ وأنساعِ
شُدَّ الرحالُ عليها فَهْيَ كافلةٌ / بالوخدِ تقريبَ ما أعيا على الساعي
عيسٌ إذا غمراتُ الآلِ طُفْنَ بها / حسبتَها منه في لُجًّ ودُفّاعِ
يطولُ باعي إذا الباغي أرادَ بها / سوءاً ويَقْصُرُ عن نيلِ الخَنا باعي
تُحْمَى بأشوسَ ضرّابٍ بصارمِهِ / مفارقَ الصَّيدِ شرّابٍ بأنقاعِ
لا يعرِفُ الأمنَ إلا أن تراهُ على / أَقَبَّ نحوَ قِراعِ البيضِ مُنْصاعِ
تسري بذمَّتِهِ في مَهْمَهٍ قَذَفٍ / خُوصٌ تَدافَعُ في كُثْبٍ وأجراعِ
خِرْقٍ هُمامٍ كحدَّ السيفِ مُنْصَلِتٍ / مُشَيَّعٍ لِثنايا المَجْدِ طَلاّعِ
أَعرفْتَ مِنْ داءِ الصبابةِ شافيا
أَعرفْتَ مِنْ داءِ الصبابةِ شافيا / هيهاتَ لستَ ترى لدائكَ راقيا
لا ترجُ مِنْ بعدِ انقيادكَ للهوى / بُرءاً وقد لبَّيتَ منه الداعيا
عزَّ الدواءُ فليس تلقى بعدَها / طَبّاً لدائكَ في الغرامِ مُداويا
ما هذه في الحبَّ أوَّلَ وقفةٍ / تركتكَ مستعرَ الأضالِعِ باكيا
قَلِقَ الوِسادِ وقد تعرَّضتِ النوى / حيرانَ تسأَلُ أرسُماً ومغانيا
تتبادُر العبراتُ في عرصاتِها / بدداً لقد أقرحتَ طرفاً داميا
دِمَنٌ طُوينَ على البِلَى وأحالَها / مَرُّ الرياحِ مُراوِحاً ومُغادِيا
جرَّتْ عليها السافياتُ ذيولَها / فَطَمْسَ ما قد كانَ منها باديا
ذهبتْ بشاشَتُها وأوحشَ ربعُها / وتبدَّلَتْ عُفْر الظِباءِ جوازيا
ظعنَ الأحبَّةُ راحلينَ وخلَّفوا / قلباً بنيرانِ التفرُّقِ صاليا
كانتْ بهنَّ حوالياً فأعادَها / ريبُ الزمانِ عواطلاً وخواليا
مِنْ كلَّ مائةِ القَوامِ رشيقةٍ / جَيْداءَ خجَّلتِ الغزالَ العاطيا
ترنو اليَّ بمقلةٍ مُرتاعةٍ / حَذَرَ الرقيبِ فلا عَدِمْتُ الرانيا
يا منزلاً بينَ العُذَيْبِ وحاجرٍ / حُوشيتَ أن ألْفَى لعهدِكَ ناسيا
فسقَى رياضَكَ مِلْعِهادِ سحائبٌ / تَتْرَى عليهِ بَواكراً وسَواريا
وسقَى زمانَكَ مِنْ دموعي صيَّبٌ / أمسى على ما فاتَ منه هاميا
زمناً عَهِدْتُ بهِ الزمانَ قشيبةً / أبرادُهُ والدهرُ غِرّاً لاهيا
جَذِلاً ركضتُ بهِ جوادَ شبيبتي / وسحبتُ مِنْ مَرَحٍ عليهِ رِدائيا
أقسمتُ ما لمعتْ بوارقُ مزنةٍ / اِلاّ عَقَدْتُ بهنَّ طرفاً كاليا
سهرانَ قد رفضَ الرقادَ وباتَ مِنْ / حُرَقِ الصبابةِ للبوارقِ راعيا
أذكَرْنَهُ ومضَ المباسمِ في الدجى / بوميضِها فأَسالَ دمعاً جاريا
ما للفراقِ بينهنَّ يروعُني / فأبيتُ مسجورُ الجوانحِ عانيا
أَأُراعُ منه وما شَحَذْتُ عزيمَتي / اِلاّ وفلَّلتُ السيوفَ مواضيا
مِنْ مرهفاتِ الهندِ غيرِ كليلةٍ / طُبِعَتْ قواضبَ فانثنينَ قواضيا
والعيسُ في أعطانِهنَّ بواركاً / تُدني مناسِمُها المحلَّ النائيا
تجتابُ خرقاً بالرياحِ مُخَرَّقاً / ويبيدُ بيداً سيرُها وفيافيا
تنصاعُ مِنْ خوفِ السياطِ كأنَّما / خالتْ على أعجازهنَّ أفاعيا
تنحو بيَ البلدَ البعيدَ مزارُهُ / وخداً فًتُرْجِعُهُ قريباً دانيا
يا ظبيةَ الوادي نداءَ مولَّهٍ / ناداكِ مِنْ ألمِ التفرُّقِ شاكيا
قد كانَ يكفيني هواكِ فما الذي / جلبَ البعادَ ومَنْ أباحَ جفائيا
أصبحتُ أسألُ عنكِ برقاً لامعاً / يبدو كحاشيةِ الرداءِ يمانيا
لا شيءَ أقتلُ مِنْ تباريحِ الهوى / للمستهامِ إذا رَجَعْنَ أمانيا
خُدَعٌ وعوُدكِ بالوصالِ وقاتلٌ / لبّانُها لو كانَ قلبي واعيا
أَأَرومُ وصلكِ بعدَما زجرَ النُّهَى / عنه طماعِيَتي وكفَّ غراميا
مالي ووصلِ الغانياتِ وقد بدا / منهنَّ ما قد كانَ قِدْماً خافيا
كلاّ رجعتُ عنِ الغَوايةِ والهَوَى / أَنِفاً لقد جذبَ العفافُ زمانيا
ورفضتُ أياماً بهنَّ تصرَّمَتْ / ومآربا قَضَّيتُها ولياليا
دمعٌ جَرَى فأخجلَ الغماما
دمعٌ جَرَى فأخجلَ الغماما / سَقَّى الديارَ قطرُهُ انسجاما
مدامعٌ تُخبركُمْ عن لوعةٍ / قد قعدَ القلبُ لها وقاما
أذلتُها من بعدِ صوني برهةً / لها فأثبتُّ بها الغراما
وكنتُ مِن قبلِ ولُوعي بالهَوَى / أرى انبجاسَ مائها حراما
يا جيرةً أصبحَ صبحُ عيشتي / مِن بعدِ ما ترحَّلوا ظلاما
عهدي بأوطانِكُمُ آهلةً / تكْنُفُ مِن سكانِها أراما
مِن كلَّ هيفاءَ يُعيرُ قدُّها ال / غصنَ إذا ما خطرتْ قواما
بهنانةٌ ممكورةٌ خَمصانَةٌ / قد جرَّدتْ مِن لحظِها حُساما
كأنَّني كنتُ أرى وِصالَها / زمانَ جادَتْ لي بهِ مناما
والعيشُ لا تصحَبُهُ لذاذةٌ / اِلاّ إذا ما أشبَهَ الأحلاما
ما مزنةٌ أرخَتْ غزيرَ وبلِها / فروَّتِ الوهادَ والآكاما
جرَّتْ على وجهِ الثرى ذيولَها / كأنَّها تُشافِهُ الرَّغاما
عادتْ بهِ الأوشالُ في لصوبِها / مترعةً مِن دمعِها جِماما
مثلَ دموعي يومَ قيلَ ثَوَّروا / عيسَهُمُ وقوَّضوا الخِياما
باللهِ يا ريحَ الجَنُوبِ بلَّغي / عنّي إلى أحبابيَ السلاما
وعَرَّفيهمْ أنَّني في دارِهمْ / أَعلَّمُ النوحَ بها الحماما
منازلٌ أرعى ذِمامَ أهِلها / اِنَّ الكريمَ يحفظُ الذماما
أصبحَ صبري ناقصاً ولوعتي / يزدادُ وَقْدُ حرَّها ضِراما
قد حالَ عمّا تَعْهَدُهْ
قد حالَ عمّا تَعْهَدُهْ / ربعُ اللَّوى ومعهَدُهْ
كم شاقني غزالُهُ / وراقَ طرفي جَيَدُه
معهدُ لهوٍ شفَّني / بعدَ المها تأبُّدُهْ
فلا أرى في ربعِهِ / اِلاّ الحَمامَ يُنْشِدُه
وقفتُ فيهِ باكياً / وقد شجاني غُرَّدُه
أُسعِدُهُ بالدمعِ لو / أنَّ الدموعَ تُسعِدُه
دمعٌ على كثرةِ ما / يُنْزَح جَمٌّ مَدَدُه
فَوَيْحَ صَبًّ دمعُهُ / بعدَ الفراقِ مَوْرِدُه
أحبابَهُ طالَ الى / ربعكُمُ تردُّدُه
يَنْشُدُ فيهِ قلبَهُ / وكم عساهُ يَنْشُدُه
وليس إلا نُؤْيُهُ / تجيبُهُ أو وتِدُه
يستنجدُ الطلولَ / والطلولُ كيفَ تُنْجِدُه
تسربلَ السَّقامَ مذْ / بانَ الخليطُ جسدُه
أمسى خفيّاً لا تراهُ / من نحول عُوَّدُه
ملقًى على فُرْشِ الضنى / لِقًى تداعى جَلَدُه
بالِله سلْ عنِ الخليطِ / أينَ حلَّ أغيدُه
فليتَهُ بقربِهِ / بعدَ نواهُ يَعِدُه
أحورُ قد هامَ هوًى / بما حَوَى مقلَّدُه
تقطَّعتْ لبعدِهِ / لمّا تنامَى كَبِدُه
هل عائدٌ بهِ زمانٌ / لم يَشُبْهُ نكدُهْ
زمانُ قربٍ ساعفَتْهُ / بالوصالِ خُرَّدُه
يهوى رجوعَ مثلِهِ / بنفسِهِ لو يَجِدُه
لم يحمِ عنه ربعَهُ / عديدُهُ وعُدَدُه
مهفهفُ القامةِ غُصْنيُّ / القَوامِ أملَدُه
نحيلُ خَصْرٍ لينُهُ / يَحُلَّهُ ويعقِدُه
ذو شَنَبٍ معطَّرٍ / مُنْيَتُهُ لو يَرِدُه
آليتُ ما الغيثُ بدًا / مُبرِقُهُ ومُرعِدُه
وحلَّ خيطَ مزنِهِ / فساحَ منه بَدَدُه
على ثرًى أُخْلِفَ مِن / رىَّ الغمامِ موعدُه
وغُصَّ مِن أتيَّهِ / سَبْسَبُهُ وفَدْفَدُه
أغزرَ مِن دمعي اِذا / البينُ تمادَى أمدُه
وقوّضَ الحيُّ وقدْ / حثَّ المطايا أعبُدُه
في مهمهٍ هجيرُهُ / أذكاهُ جمراً مُوِقدُه
يحدو بها في خَرْقِهِ / جُنْدُبُهُ وجُدْجُدُهْ
مَنْ مُنجِدٌ لي يومَ / سارَ مستقلاً مُنجِدُه
وقعقعتْ بعدَ سكونٍ / طالَ منها عُمُدُه
يا راكباً تسري بهِ / نحوَ الخيامِ أُجُدُه
تفلي الفلا مُعنِقةً / شِبْهَ الظَّليمِ جَلْعَدُه
حيَّ العقيقَ منزلاً / اِنْ كنتَ مِمَّنْ يَقْصِدُه
فثمَّ كلُّ وَطَرٍ / أضحى الزمانُ يُبعِدُه
أبالبِعادِ دهرُهُ / وجَوْرِهِ يُهَدَّدُه
يخشاهُ مَنْ قد قَصُرَتْ / عمّا يرجَّيهِ يدُه
وهكذا عاداتُهُ / مِن حيث كرَّتْ مُدَدُه
ملعبُ حورٍ منذُ / بانوابانَ عنه رَصَدُه
يستوقفُ العينَ إذا / اجتزتَ عليهِ مَشْهَدُه
فحبَّذا ثُمامُه / وأثلُهُ وغَرْقَدُه
وحبَّذا حمامُهُ / هيَّمني تغرُّدُهْ
أطربني غناؤه / فقلتُ عاشَ مَعْبَدُه
بانُ العقيقِ لم يزلْ / يَشْغَفُني تأَوُّدُه
سقاه دمعي أن مَزا / دُ المُزْنِ شدَّتْ عُقَدُه
مغاني الهوى لم يبقَ إلا رسومُها
مغاني الهوى لم يبقَ إلا رسومُها / سقاها مِنَ السُّحْبِ الغوادي هزيمُها
منازلُ أستسقى الدموعَ لتربِها / سِجاماً إذا الأنواءُ ضَنَّتْ غيومُها
طربتُ وقد لاحتْ بوارِقُ مزنةٍ / حِجازيةٍ عنها فبتُّ أَشيمُها
تُذَكَّرُني وجداً تقادمَ عهدُهُ / وأطْرَُب ذكرى العاشقينَ قديمُها
وعيشاً تولَّى في ذُراها زمانُهُ / وما هذه الدنيا بباقٍ نعيمُها
ليَ اللهُ مِن قلبٍ يهيمُ صبابةً / اِذا هبَّ عن بالي الطلولِ نسيمُها
يَحِنُّ إلى أوطانِها ويَزيدُه / بها شغفاً أوطارُ نفسٍ يرومُها
لياليَ أهدتْ لي عيونُ ظِبائها / سقاماً أعادَ الصبَّ وهو سقيمُها
فلو سُقِيَتْ تلكَ البلادُ مدامعي / لأَمْرَعَ مِن تَساكبهنَّ هشيمُها
وما عَنَّ ذكرُ الحبَّ إلا حسبتَني / نزيفاً سقاهُ الراحَ صِرْفا نديمُها
ولم يُبْقِ منّي الوجدُ إلا حُشاشةً / بنارِ الهوى والشوقِ يصلَى صميمُها
فيا ليلَ مالي قد سهِرُت ليالياً / لبعدكِ حتّى قد رَثَى لي بهيمُها
أمِنْ طربٍ ما نالني أم صبابةٍ / مِنَ الشوقِ يسري في حشايَ أليمُها
فهل تُبْلِغَنّي الدارَ وجناءُ حُرَّةٌ / يُبيدُ الفيافي وخدُها ورسيمُها
ينازِعُني فضلَ الزَّمامِ نشاطُها / الى أربُعٍ قد كنتُ فيها أَسيمُها
تزيدُ ولوعاً بالذميلِ إذا رأتْ / غراميَ في المَوماةِ وهو غريمُها
تؤمُّ بي المرمى البعيدَ كأنَّما / يَخُبُّ برحلي في الفلاةِ ظليمُها
لئن وَصَلَتْ نجداً ولاحتْ لعينِها / ذُرَى الهَضَباتِ البيضِ زالتْ غمومُها
واِنْ نفحتْ ريحُ الصَّبا مِن بلادِها / على الكَبِدِ الحَرَّى تَجَلَّتْ همومُها
يَقَرُّ بعيني أن أشيمَ بروقَها / ويسرحَ في تلكَ الخمائلِ ريمُها
خمائلُ يُصيبني ذكيُّ عَرارِها / اِذا فاحَ ما بينَ الرياضِ شَميمُها
ويَشْغَفُ قلبي أن يفيضَ جِمامُها / ويُصبِحَ رَيّانَ النباتِ جميمُها
هنالكَ تَخْدي بي وبالركبِ أينُقٌ / تُقَصَّرُ عما تنتحيهِ قرومُها
تواصلُ اِغذاذَ الرسيمِ على الوجَا / مطيٌّ تراهُ خَلَّةً لا تريمُها
تَضِلُّ فأهديها وهيهاتَ أن تَرَى / مُضَلَّلَةً تهوي ومثلي زعيمُها
وقفنا عى نُؤْيِ الربوعِ وعيسُنا / تَشكَّى صَداها في الخزائمِ هيمُها
فكم ليلةٍ فوقَ الرحالِ قطعتُها / تُساهِمُني طولَ السُّهادِ نجومُها
اِذا نامَ عن ليلِ المطالبِ عاجزٌ / وخالَ كراهُ نعمةً يستديمُها
فما نامَ يقظانٌ أثارَ مطيَّهُ / الى المجدِ تسري بالجَحاجِحِ كومُها
لعمريَ لم يبلغْ أخو العَجْزِ خُطَّةً / يؤمَّلُها ما دامَ حياً عظيمُها
اِذا ما جليلاتُ الأمورِ أرادَها / سِوى كُفْئها عَزَّتْ وخابَ لئيمُها
وكيف ينالُ النَكْسُ غايةَ سؤْلِهِ / ويَعْجِزُ عن نيلِ المعالي حميمُها
أبى الله إلا أن يعودَ مخيَّباً / اِذا رامَها دونَ البرايا ذميمُها
وما الفخرُ إلا رتبةٌ ما ينالُها / على خبثهِ الطبعُ الدنيُّ رنيمُها
اِذا طاولتني بالقريضِ عِصابةٌ / أقرَّتْ على كرهٍ بأنَّي عليمُها
أحوكُ بروداً مابدا لي نظيمُها / لدى معشرٍ إلا وخرَّ نظيمُها
قصائدَ كالمخدومِ تبدو واِنْ بدا / لغيريَ شِعرٌ قيلَ هذا خديمُها
سأبعثُها تحكي الرياضَ أنيقةً / يوشَّعُها لفظي فَتُصبي رقومُها
واِنْ غبطَتْني الفضلَ والعقلَ أُمَّةٌ / فمَنْ ذا على ما كانَ منها يلومُها
وما قصَّرَتْ بي عن مَدَى الشَّعرِ هِمَّةٌ / فَتُحوِجَني أرعى دَعّياً يضيمُها
دعِ العيسَ تَرْفُلُ في الفَدْفَدِ
دعِ العيسَ تَرْفُلُ في الفَدْفَدِ / عِجالاً إلى بُرْقَتَي تَهْمَدِ
أيانِقُ تقطعُ عَرْضَ الفلا / صَوادٍ إلى الأمدِ الأبعدِ
سِواهمِ تهدي إلى حاجرٍ / اِذا ضلَّتِ الاِبْلُ عن مَقْصَدِ
فكم بازلٍ حينَ لاحَ السرابُ / وحنَّ إلى بحرِه المُزْبِدِ
وأعمَلَ يأتمُّهُ كالظليمِ / حثيثاً فعادَ بِلا مَوْرِدِ
اِذا لمعَ البرقُ مِن أرضِها / وأومضَ كالقَبَسِ المُوقَدِ
طربتُ كأنّي نزيفٌ سَقَوْهُ / سُلافَةَ غُمدانَ أو صَرْخَدِ
فللّهِ قلبيَ قبلَ الهوى / لقد كانَ كالصخرةِ الجَلْمَدِ
ولكنَّه الوجدُ ما للقلوبِ / بهِ مِن قَبيلٍ ولا مِن يَدِ
سلامٌ على بانةِ المازِمَيْنِ / سَلامُ شَجٍ بالجوَى مُفْرَدِ
فهاتيكَ أوَّلُ أرضٍ بها / عَرَفْتُ هوى العُرُبِ النُّهَّدِ
منازلُ غيدٍ حِسانِ الوجوهِ / عَقائلَ شِبْه الدُّمى خُرَّدِ
فلا زالَ يسقي ثراها العِهادُ / دِراكاً على ذلكَ المعهدِ
واِنْ أنفدَ القطرُ تَسكابَهُ / فدِيمةُ جفنيَّ لم تَنْفَدِ
سأسفحُها أربَعاً لا تغيضُ / على سُفْعِ أحجارِها الركَّدِ
كأنَّ دموعيَ في تُربِها / تَحَدَّرُ مِن ناظرٍ أَرْمَدِ
أما وهوًى بِتُّ مِن حَرَّه / أُراعي غراماً سنا الفَرْقَدِ
وزفرةِ صدرٍ غداةَ النوى / وقد قوَّضَ الحيُّ لم تَبْرُدِ
لقد حلَّ بي مِن نواهنَّ ما / يَهُدُّ الشوامخَ مِن ضَرْغَدِ
ومذْ بانَ عن حاجرٍ حُورُه / خَفِيتُ سقاماً عنِ العوَّدِ
فيا عينُ كم تألفينَ السُّهادَ / أحتماً على الوجدِ أن تسهدي
ويا طَيْفَهُنًّ إذا ما هَجَعْتُ / بحقَّكَ زُرني بِلا موعدِ
فليتَ الحبائبَ لما ظَعَنَّ / ودّعتني بالبنانِ النَّدي
خليليَّ لولا الهوى والنوى / لما قلتُ هل ليَ مِن مُنْجِدِ
ولا كنتُ لولاهما ضَلَّةًً / أديمُ سَنا البارقِ المنجدِ
ولولا ولوعي بِسكّانها / وهبتُ التغزُّلَ للمجتدي
فما أنا مِمَّنْ يرى صوغَهُ / عطاءً مِنَ الزمنِ الأنكَدِ
ولا أشتهيِهِ إذا حكتُهُ / يمرُّ على شفةِ المنشدِ
واِنْ كانَ يَعْبَقُ مِن حسنِه / دلالاً بجيدِ الطَّلا الأجْيَدِ
اِذا ما القريضُ مشى في / الحضيضِ تطلَّعَ مِن شاهقٍ أقوَدِ
خَلَّ المطيَّ تَخْدي
خَلَّ المطيَّ تَخْدي / لاحتْ ربوعُ هندِ
هيّمَها نفحُ الصَّبا / عن عَذَباتِ الرَّندِ
فأرقلتْ مُسرِعَةً / تطلُبُ أرضَ نجدِ
حتّى كأنَّ عندَها / مِنَ الجَوى ما عندي
أعدَى غرامي حُبَّها / اِنْ الغرامَ يُعدي
نجائبٌ تسخَرُ مِنْ / وخدِ النعامِ الرُّبْدِ
تقنعُ مِن مشربِها / بكلَّ نَزْرٍ ثَمْدِ
أحبابَنا نقضتُمُ / تلكَ العهودَ بعدي
وما حسبتُ أنكمْ / تَنْسَوْنَ حَقَّ وُدي
أضعتموهُ عَبَثاً / بَعْدَ النَّوى كعهدي
حُمَّلْتُ عِبْءَ الحبَّ مِن / دونِ الرفاقِ وحدي
ولم أحُلْ عمّا عهدْتُمْ / مِن قديمِ وجدي
بنتمْ فأضحى الدمعُ مِن / بعدِ الفراقِ وِرْدي
منتثراً يهمي كما / يُقْطَعُ سِلْكُ العِقْدِ
حتّى لقد خدَّدَ / تَسكابُ الدموعِ خدّي
عذَّبتُمُ مَن لا يرى / عذابكُمْ بالبُعْدِ
أرضى بما ترضَوْنَهُ / غيرَ النوى والصدِ
وعاذلٍ كشَّفَ لي / عنِ اِحَنٍ وحِقْدِ
تراهُ أمسى في هَوَى / الأحبابِ وهو ضدّي
حوشيتُ أن يُصبحَ / كفئي أو يعودَ نِدَّي
مالي وللبينِ يُثَنَّي / بالمآلِ قصدي
أعادَ فيضَ أدمعي / لِبُعْدِهمْ كالعَهْدِ
ما مزنةٌ تُحْدَى الى / روضِ الحِمَى برعدِ
يلوحُ فيها البرقُ وهناً / كالحسامِ الهندي
تسوقُها ريحُ الصَّبا / في عارضٍ مسوَدَّ
تُرخي عزاليها على / هُضْبِ الحِمى والوهدِ
أغزرَ مِن دمعي وقد / قُوضَ حيُّ دَعْدِ
يا بانةَ الأجْرَعِ مِن / ذاكَ الكثيبِ الفَرْدِ
ويا أُثيلاتِ اللَّوى / هل النداءُ مجدي
أتعلَمِنَّ ما أُجِنّ / مِن غرامٍ مُرْدي
عَدِمْتُ مذ بانَ / الخليطُ واستقلَّ رشدي
قَنِعْتُ أن يعَّللوا / مهجورَهُمْ بالوعدِ
يا جيرةً ساروا / يُحَفّ سربُهُمْ بالأُسدِ
آسادِ غيلٍ لِبسُها / نسجُ الحديدِ السَّرْدِ
حمتهُمُ بالأَسَلِ / المثقفاتِ المُلْدِ
وكلَّ ليثٍ باسلٍ / على أقبَّ نَهْدِ
يتبعُهُ أشباهُهُ / على الجيادِ الجُرْدِ
ما بينَ أشياخٍ على / متونِها ومُرْدِ
لولاكمُ لَقِيتُهمْ / بعزمَتي وجدّي
مُجَرَّداً كالسَّيْفِ / شِيمَ لامعاً مِن غِمْدِ
ماضي الشَّبا والحَدَّ / والمَضْرِبِ والفِرِنْدِ
هي الدارُ قد أقوتْ ورثَّ جديدُها
هي الدارُ قد أقوتْ ورثَّ جديدُها / غداةَ نأتْ ليلى وحالتْ عهودُها
أبادَ وأبلى الدهرُ بهجةَ أنسِها / فهل لليالي أُنسِها مَنْ يُعيدُها
وقد ذهبتْ عنها البشاشةُ بعدَما / تأنَّقَ مرآها وطابَ صعيدُها
لياليَ تُصبيني بخُوْطِ قَوامِها / ويَشْغَفُ قلبي ناظراها وجيدُها
رنتْ فرمتْ نبلاً حشاىَ رديةً / له دونَ أحشائي هواها يؤودُها
فلا زالَ يَسْقي ربعَها كلُّ مزنةٍ / تُزَمجرُ في أعلى الغمامِ رعودُها
يلوحُ وميضُ البرقِ في حُجُراتِها / فتهمي على أطلالِها ونَجُودُها
حمَى بعدُها عن مقلتي لذَّةَ الكرى / فقد بانَ عنها منذُ بانتْ هجودُها
فكيفَ لها بالنومِ والبينُ بعدَما / تناءَتْ عنِ الاِغْفاءِ أمسى يذودُها
تكلَّفُني رعيَ النجومِ واِنَّها / لَخُطَّةُ خَسْفٍ ضلَّ فيها رشيدُها
تعرَّضَ ما بيني وبينَ مزارِها / موامٍ فسيحاتُ المفاوزِ بيدُها
اِذا هبَّتِ النكباءُ عن قُلَلِ الحِمى / ومازَحَ نيرانَ الغرامِ بَرُودُها
وجاذَبَ أغصانَ الأراكِ نسيمُها / يُمَيَّلُها في مَرَّةٍ ويُميدُها
وجدتُ لها برداً على حَرَّ مهجةٍ / يضرَمُها ليّانُها وصدودُها
فليس يسُّر القلبَ إلا هبوبُها / كما لا يسوءُ النفسَ إلا ركودُها
وما أنسَ لا أنسَ الليالي التي بها / أنارَ محيّاها وأورقَ عودُها
أمِنْ بَعْدِ ما شطَّتْ بها غُربةُ النوى / وأصبحَ مسلوبَ العزاءِ جليدُها
يسمَّعُه العُذّالُ فيها ملامةً / لفرطِ هواه منهمُ يستعيدُها
يَلَذُّ بها حتّى كأنَّ لطائماً / معَ الريِحِ أدَّتْها اليه عقودُها
أخالوا سَماعَ العَذْلِ يُنْقِصُ لوعتي / وما اللَّومُ في الأهواءِ إلا يزيدُها
تؤرَّقُني تلكَ البروقُ كأنَّها / قواضبُ شيمتْ والسحابُ غمودُها
فحتَّى مَ قلبي لا يَقَرُّ خفوقُه / ونارُ غرامي لا يُرَجَّى خمودُها
سُهادي إذا ما الليلُ جَنَّ وأدمُعي / وزفرةُ صدري والحنينُ شهودُها
مدامعُ تَهْمي في الطلولِ كأنَّها / أتيٌّ إذا مابانَ عنهنَّ رَوْدُها
وكم صنتُها خوفَ الرقيبِ وسعيهِ / وكفكفتُها مِن قبلُ تَتْرَى مدودُها
الى أن تناءَى الحيُّ عن رملِ عالجٍ / وأصبحَ داني الدارِ وهو بعيدُها
وقفتُ بها أبكي وقد صرَّحَ الهوى / لها ولواشيها بأنّي أُريدُها
ولولا الهوى ما كنتُ سرَّحتُ ناظري / الى أرضِها في كلَّ وقتٍ يَرُودُها
فلا عيشَ إلا حينَ تبدو حسانُها / وتهتزُّ في الكُثْبانِ منها قُدُودُها
ولا ماءَ إلا ما جفوني سحابُه / ولا نارَ إلا ما ضلوعي وقودُها
ولا وَجْدَ إلا دونَ وجدي وقد سرى / مع الصبحِ مِن تلكَ المرابعِ غيدُها
حلفتُ بِشُعْثٍ فوقَ كلَّ نجيبةٍ / مزَّممةٍ تفلي الفلا وتُبيدُها
يُريحونَ مِن حملِ البرودِ مناكباً / مِن السُّقْمِ تُوهي الناحلينَ بُرُودُها
تخوضُ بهم في غمرةِ الآلِ كلَّما / تكنَّفها كَومُ المطايا وَقُودُها
على كلَّ فتلاءِ الذراعينِ جَسْرَةٍ / تهائمُها تُرمَى بها ونُجُودُها
تُتابعُ بالأرقالِ في البيدِ وخَدها / حليفةُ سيرٍ ما تُحَلُّ قُتُودُها
بأنَّكِ أشهى في النفوسِ مِنَ المنى / اِذا بشَّرتْها بالنَّجازِ وعودُها
فلو كنتِ في أرضٍ بعيدٍ مزارُها / تُحِيطُ بها أبطالُها وأُسودُها
اذا آنسوا في حِندسِ الليلِ نبأةً / سَمِعْتِ سيوفَ الهندِ صَلَّ حديدُها
طرقتُ حماكِ الرحبَ ليس يصدُّني / اِذا ما نهاني عن لقاكِ وعيدُها
بكلَّ رقيقِ الشفرتينِ مُصَمَّمٍ / اِذا قرعَ الأذمارَ ماتتْ حقودُها
فدونكِ مِن حُرَّ الكلامِ قصيدةٍ / يروقُكِ منها نظمُها ونضيدُها
فريدةَ عقدٍ كلَّما فاهَ مُنشِدٌ / بأبياتِها أذكى الغرامَ نشيدُها
فما قالةُ الأشعارِ لو كنتِ حاكماً / لها وأردتِ النصفَ إلا عبيدُها
هو الدمعُ أضحى بالغرامِ يُترجِمُ
هو الدمعُ أضحى بالغرامِ يُترجِمُ / وقد كانَ فيكَ الظنُّ قبلُ يُرَجَّمُ
فلا ماءَ إلا ما جفونُكَ سحبُه / ولا نارَ إلا في ضلوعِكَ تُضْرَمُ
توهَّمتَ أن البعدَ يَشْفي مِنَ الجوَى / وأدْوائهِ يا بئسَ ما تتوهَّمُ
ستقلَقُ أن جدَّ الفراقُ وأصبحتْ / أيانِقُ ليلى للرحيلِ تُقَدَّمُ
حرامٌ على عينيكَ نومُهما اِذا / أقمتَ بنجدٍ والركائبُ تُتهمُ
فلا جفَّ غَرْبُ العينِ أن بانَ حيُّها / وسارتْ بها اِبْلٌ نواحلُ سُهَّمُ
تجوبُ بها الهَجْلَ البعيدَ كأنَّها / اِذا ما سجا الليلُ الدجوجيُّ أَنْجُمُ
فيا صاحِبَيْ شكوايَ أن تنأَ عَلْوَةٌ / فلا تحسبا أنّي مِنَ الوجدِ أسلمُ
وما كنتُ أدري قبلَ فتكِ لحاظِها / بأنَّ الجفونَ البابليَّةَ أَسْهُمُ
جَزِعتُ وما بانَ الخليطُ ولا غدتْ / نجائبُه تشكو الكلالَ وتُرْزِمُ
ولا ناحَ مشتاقٌ تذكَّرَ اِلْفَهُ / ولا أن مهجور ولا حَنَّ مُغْرَمُ
فكيف إذا شطَّتْ وشطَّ مزارُها / وأصبحَ مِرْطُ الوصلِ وهو مُرَدَّمُ
وصدَّتْ إلى أن عادَ طيفُ خيالِها / على قربِ مسراه يَصُدُّ ويَسْأَمُ
ورفَّعَ حادُوها القِبابَ وأرقلتْ / نِياقٌ نماهنَّ الجَدِيلُ وشَدْقَمُ
وكُدَّ رَوِرْدُ القربِ بعدَ صفائهِ / وعهدي بهِ عذبُ المواردِ مُفعَمُ
وحالتْ عهودٌ كانَ عِقدُ وفائها / على قِدَمِ الأيامِ والدهرِ يُبْرَمُ
فلمّا تمادَى الشوقُ وانشقَّتِ العَصا / وأعرقتُ كرهاً والأكلَّةُ تُشئمُ
تنسَّمتُ أخبارُ العُذَيْبِ وأهلِهِ / شِفاهاً فما أجدَى عليَّ التنسُّمُ
فمِنْ دمعةٍ فوقَ الخدودِ مُذالةٍ / وأخرى على تُرْبِ المنازلِ تُسْجَمُ
فيا ليَ من ليلٍ طويلٍ سَهِرتُه / يُسامِرُني همٌّ كليليَ مُظلمُ
ومِن كَبِدٍ حرَّى وقد طوَّحتْ بها / مرامي النوى من جورِها تتظلَّمُ
أكابدُ منها هجرَها وبعادَها / وأيُّ قوًى مِن ذينِ لا تتهدَّمُ
وأشكو اليها ما أُعانيهِ منهما / فلم تُشكِني أن الصبابةَ مَغْرَمُ
فلو كانَ ما أشكوه مِن لاعجِ الهوى / الى صخرةٍ كانتْ تَرِقُّ وتَرْحَمُ
فيا ذِلَّةَ الشاكي إذا كانَ لا يرى / سِوى ظالمٍ مِن مثلِهِ يتعلَّمُ
أفي كلَّ يومٍ للوداعِ روائع / تروعُ فؤاداً بالتفرُّقِ يُكْلَمُ
فلم يلقَ قبلي مِن أذى البينِ مثلُ ما / لقيتُ على حسنِ الوفاءِ متيَّمُ
وما أحدٌ في الوجدِ مِنْ وِقْفَةِ الهوى / وشكوى تباريحِ الغرامِ مُسَلَّمُ
فمَنْ لي بأنْ تدنو الديارُ وأنْ أرى / زمانَ التداني بالأحبَّةِ يَبْسِمُ
زماناً يعيرُ الروضَ بهجةَ حسنِهِ / فأُسعَدَ فيه بالوصالِ وأنعَمَ
وأمنحهُ حُسْنَ الثناءِ بمقولٍ / يحوكُ بديعَ الشعرِ جزلاً وينظِمُ
أرقَّشُه بالنَّقْسِ حتى كأنَّه / على صفحاتِ الطَّرسِ وشيٌ مُنَمْنَمُ
قصائدُ ما فاهَ الرواةُ بشبهها / قديماً ولم يُفتحْ بمثلٍ لها فَمُ
اِذا أنشدُوها في النديَّ كأنَّما / تضوَّعَ مسكٌ في المحافلِ منهمُ
تأرَّجَ ما بينَ الأنامِ فنشرُه / كنشرِ ثرى الأحبابِ بالطيبِ مُفْغَمُ
خليليَّ مالي كلّما لاحَ بارقٌ / طرِبتُ اليه والخليّونَ نُوَّمُ
يُنَفَّرُ عن عيني كراها كأنَّهُ / وقَدْ عَنَّ عُلْوِيّاً عليها مُحَرَّمُ
سلا البانَ مِن نَعْمانَ هل لَعِبَتْ به / رياحُ صَباً يُحيا بها ويقوَّمُ
وهل رجَّعَتْ فوقَ الفروعِ حمائمٌ / لهنَّ على أعلى الغصونِ ترنُّمُ
تُهيَّجُ أشجانَ الفؤادِ كأنَّها / بما في ضميري مِن هوى الغيدِ تعلمُ
فللّهِ كم تُبدي الحمامةُ شجوَها / لديَّ على غصنِ الغرامِ وأكتمُ
تراها لِما عندي مِنَ الوجدِ والهوى / اِذا ذرفتْ منّي المدامعُ تفهمُ
وما ذاكَ عن علمٍ بما أنا منطوٍ / عليهِ ولكنَّ الحنينَ يُهَيَّمُ
يُذَكّرني الأُلافَ سجعُ هديلِها / وذِكرُ قديمِ الحبَّ للقلبِ مُؤْلِمُ
فأبكيهمُ دمعاً إذا فاضَ ماؤه / تحدَّرَ عن جفني وأكثرُه دمُ
وأستنشقُ الأرواحَ شوقاً اليهمُ / وأسألُ آثارَ المعاهدِ عنهمُ
فهل بعدَما بانوا وأقوتْ ربوعُهُمْ / تبلَّغُني الأحبابَ وجناءُ عَيْهَمُ
تواصلُ اِدمانَ الذميلِ فلا شكا / أليمَ الوَجا منها ولا الوخدَ مَنْسِمُ
تخوضُ الدجى والقفرَ حتى كأنّما / يناهِبُها البيدَ النعامُ المصلَّمُ
أزورُ بها الخرقَ الذي لا يزورُه / لخوفِ الصدى فيه المطيُّ المزمَّمُ
ومَنْ كانَ في أسرِ الصبابةِ قلبُه / سيبكيهِ نُؤْىٌ للدَّيارِ ومَعْلَمُ
ويلتذُّ طعمَ الحبَّ جهلاً واِنَّه / اِذا راجعَ العقلَ الصحيحَ لعلقمُ
على أَنَّني جلدٌ على كلَّ حادثٍ / يُزَعْزَعُ منه لو ألمَّ يَلَمْلَمُ
صبورٌ إذا ما الحربُ أبدتْ نيوبَها / بحيثُ الرَّماحُ السَّمهريَّةُ تُحْطَمُ
وعندَ لقاءِ الخيلِ في الرَّوعِ كلَّما / تَقَصَّدَ في القِرْنِ الوشيجُ المقوَّمُ
وحيث الكماةُ الحمسُ في غَمَراتِها / كأنَّهمُ في مُحكمِ السَّردِ عُوَّمُ
يشوقُهمُ في موقفِ الموتِ نَثْرَةٌ / وأسمرُ عسَالٌ وأبيضُ مِخْذَمُ
وجرداءُ مِثلُ الريح تَسبِقُ ظِلَّها / الى الغايةِ القصوى وأجردُ شيظَمُ
وفي كلَّ وجهٍ للمهندِ مَضْرِبٌ / وفي كلَّ نحرٍ للمثقَّفِ لهْذَمُ
وفي كلَّ أرضٍ مِن سنابِكِ خيلهمْ / عجاجٌ مثارٌ في العُنانِ مُخَيَّمُ
وللأرضِ ثوبٌ بالنجيعِ مُخَضَّبٌ / وللشمسِ وجهٌ بالقَتامُ مُلَثَّمُ
اِذا قلتُ أخرستُ الفصيحَ واِنْ أصُلْ / لحربٍ تحاماني الخميسُ العرمرمُ
ولكنَّ أهواءَ النفوسِ بدائها / مضتْ قبلَنا عادٌ عليها وجُرْهُمُ
اِذا رامَ ينهاني العذولُ عنِ الهوى / يمارسُ منّي مُصْعَباً ليسَ يُحْطَمُ
أأسمعُ فيه العذلَ منه ولو غدا / عليَّ وقد عاصيتُه القولَ يَنْقُمُ
وهيهاتَ لا أُصغي اليهِ واِنَّه / ليعلمُ رأيي في الوفاءِ فيَحجِمُ
فأقسمُ ما حوراءُ مِن سربِ حاجرٍ / تَحِنُّ وقد ضلَّ الطَّلا فَتُبَغَّمُ
تغيَّبَ ما بينَ الأرجاعِ فانثنتْ / أسيرةَ شوقٍ للنوى تتألَّمُ
تَمَلْمَلُ مِن حَرَّ الفراقِ كأنَّها / سليمٌ سقاه السمَّ أربدُ أرقمُ
بأوجعَ مِن قلبٍ يُوَزَّعُ حسرةً / على جيرةٍ بانوا وفكرٍ يُقَسَّمُ
با أدمُعي في رسمِها الجاري
با أدمُعي في رسمِها الجاري / أوضحتِ للّوامِ أخباري
بعدكِ مَنْ يكتمُ سِرّي وقد / أعلنتِ بالأحبابِ أسراري
سترتُه عنكِ إلى أن بدا / مخالِفاً وجدي وإيثاري
والدمعُ نمّامٌ ولا سيَّما / عندَ وقوفِ الصبَّ في الدارِ
تُذْكِرُني أوطانُها كلَّما / رأيتُها سالِفَ أوطاري
موكَّلٌ طرفي وقلبي وقد / بانوا بِتَذارفٍ وتَذكارِ
سقى ديارَ الحَيَّ مِن رامةٍ / غمامُ ذاكَ العارضِ الساري
مرابعٌ مذْ بَعُدَتْ غيدُها / عاوَدْتُ أحزاني وأفكاري
جنيتُ منهنَّ ثِمارَ المُنى / والدَّهْرُ غِرٌّ غيرُ غدّارِ
واليومَ أن خاطبتُ أطلالَها / لم أُلفِ فيها غيرَ أحجارِ
يحمِلُني الدهرُ وأيامُه / على عُلالاتي وأعذاري
أسهرُ أن لاحَ على لَعْلَعٍ / برقٌ بدا كالقَبَسِ الواري
في دِيمةٍ وطفاءَ هطّالةٍ / على رُبى الخَلْصاءِ مِدرارِ
عادتْ بما تَسْمَحُ مِن قَطْرِها / ذاتَ أزاهيرٍ وأنوارِ
كأنَّها دمعي على أرسُمٍ / للقومِ فيها طيبُ آثارِ
ينفحُ بالنَّدَّ ثراها كما / تضوَّعتْ فأْرَةُ عطّارِ
منازلٌ كنتُ بسكّانها / بينَ قَماريًّ وأقمارِ
أيامَ ظِلُّ البانِ ضافٍ وبَدْ / رُ الخِدرِ في تَمًّ واِبدارِ
والدوحُ مُخْضَلٌّ بقَطْرِ النَّدى / في روضةٍ غَنّاءَ مِعطارِ
يخترقُ الجدولُ أرجاءَها / كالأيمِ بينَ النبعِ والغارِ
والوُرْقُ تُبدي فوقَها نوحَها / ما بينَ أشجارٍ وأنهارِ
يُغنيكَ ترجيعُ أساجيعِها / في البانِ عن عُودٍ ومِزمارِ
يُسكِرُني تغريدُها سُحْرَةً / كأنَّه قهوةُ خمّارِ
في زمنٍ سائر أوقاتِهِ / في الطيبِ والحُسنِ كأيّارِ
عصرٌ إذا رمتُ سِواه فقد / طلبتُ عصراً غيرَ مختارِ
حتى إذا عيسُهُمُ للنوى / شُدَّتْ بأَنْساعٍ وأكْوارِ
وثوَّروها بهمُ ترتمي / ما بينَ أنجادٍ وأغوارِ
ورجَّعَ الحادي أراجيزَه / في مهمهٍ بالآلِ موّارِ
راحتْ تَهادى في البُرى بُزْلُها / كموجِ طامي الغَمْرِ زَخّارِ
مِن فوقِها أشباحُ وجدٍ غَدَوا / في الحبَّ أشياعي وأنصاري
كلُّ فتىً فوقَ مَطا عَنْسِهِ / لم يُلْفَ منهمْ غيرَ أطمارِ
باتتْ لذاذاتُ الهوى والصَّبا / والغيَّ لم تُؤذِنْ باِقصارِ
وبانَ طيبُ العيشِ لمّا نأوا / بفاتنِ المقلةِ سَحّارِ
أصبحتُ في حبّي واِعراضِهِ / ما بينَ نَهّاء وأمّارِ
فكيفَ يا قلبُ بُعَيْدَ النوى / لم تَسْلُ عن وجدٍ واِصرار
أهكذا كلُّ محبًّ اِذا / فارقَ أمسى غيرَ صبّارِ
أم هذه شيمةُ قلبٍ بهِ / للشوقِ ريحٌ ذاتُ اِعصارِ
هبَّتْ على أعشارِه فانثنى / مِن لذعِها المؤلمِ في نارِ
وأىُّ قلبٍ يُرتجَى بُرْؤه / مُصَدَّعٍ بالوجدِ أعشارِ
أهدتْ اليَّ شذا العَرارِ الفائحِ
أهدتْ اليَّ شذا العَرارِ الفائحِ / نكباءُ هبَّتْ عن رُبًى وأباطحِ
نسمتْ عليَّ فأجَّجَتْ أرواحُها / نارَ الهوى في أضلعٍ وجوانحِ
جلبَ الحنينُ اليَّ ما أهدتْهُ مِن / أنفاسِ ذيّاكَ العبيرِ النافحِ
ولطالما أذكى النسيمُ خمودَها / كالنارِ شَبَّتْ مِن زِنادِ القادحِ
قسماً بليلٍ بتُّ أرقُبُ نجمَهُ / طمعاً بميعادِ الغزالِ السانحِ
لم أُصغِ فيهِ إلى مقالةِ عاذلٍ / يَلْحى عليهِ ولا نميمةِ كاشحِ
لَعِبَ الصَّبا بِقَوامِهِ فأمادَه / طرباً كأنْ عَلُّوه كأسَ الصابحِ
يقتادُني الشوقُ المبَّرحُ نحوَه / فأبيتُ ذا شَرَقٍ بدمعٍ سافحِ
ولَكَمْ نضحتُ بمائهِ نيرانَه / جهلاً فأجَّجَهُ رَشاشُ الناضحِ
هيهاتَ أن يَثني العذولُ بعذلِهِ / عن وجدِه رأيَ الأبيَّ الجامحِ
لا شيءَ أصعبُ مِن معاناةِ الهوى / تَعِسَ العواذِلُ مِن رياضةِ قارحِ
مالي وللبرقِ اليمانِ وقُوُدُه / يبتزُّ قلبي بالوميضِ اللامحِ
يهتزُّ كالعَضْبِ الصنيعِ مُجَرَّداً / مِن فوقِ أسنمةِ الغمامِ الرائحِ
أو كالمباسمِ في الظلامِ يُضيءُ / لي منهنَّ برّاقُ الشتيتِ الواضحِ
فأبيتُ حِلْفَ مدامعٍ مُهراقةٍ / أسفاً وخِدْنَ زفيرِ شوقٍ لافحِ
أَتُرى تُبَلَّغُني الأحبةَ عِرْمِسٌ / وجناءُ تهزأُ بالنعامِ السارحِ
كالهَيْقِ بينَ نجائبٍ مزمومةٍ / قلُصٍ تَرامَى في الفلاةِ روازحِ
مِن فوقِهنَّ عِصابةٌ قد هَوَّنوا / في الحبَّ روعةَ كلَّ خَطْبٍ فادحِ
بَعُدَ الحبائبُ عنهمُ فتوَّقلُوا / أكوارَ عيسٍ كالقِسيَّ طلائحِ
تُدني مناسِمُها الديارَ وقد نأتْ / عنها فتُصبحُ وهي غيرُ نوازحِ
مِن دونِها بيداءُ طامسةُ الصُّوَى / بَهْماءُ ذاتُ أماعِزٍ وصَحاصِحِ
جاوزتُها بأيانِقٍ أدمى الوَجا / أخفافهنَّ إلى بُريقةِ سافحِ
فسقى عِراصَ الدارِ مزنٌ هامِعٌ / يبكي على ضَحِكِ البُرَيقِ اللائحِ
مُزْنٌ إذا ضَنَّ الغمامُ بمائهِ / أهدَى الِقطارَ لبانِهِ المتناوحِ
ما مرَّ ذو شَجَنٍ رمتْهُ يدُ النوى / بمفاوزٍ مِن بعدِها ومطارحِ
وأصاخَ مِن وَلَهِ الفراقِ وقد نأَى / عنه الخليطُ لباغمٍ ولصادحِ
اِلاّ تذكَّرْتُ العقيقَ وبانَه / وحنينَ تغريدِ الحمامِ النائحِ
يشدو على أغصانِ باناتِ اللَّوى / فيَهيجُ أشجانَ الغرامِ الفاضحِ
ويفيضُ دمعٌ ما تحدَّرَ غَربُهُ / اِلاّ أنافَ على الغديرِ الطافحِ
أرضٌ تبسَّمَ ثغرُها زمنَ الصَّبا / في وجهِ أيامِ الزمانِ الكالحِ
فلأوسِعَنَّ زمانَه وأوانَه / مدحاً يكِلُّ له لسانُ المادحِ
وأزفُّ مِن عُرُبِ الكلامِ عرائساً / تُجلى عليه مِن بناتِ قرائحي
يجري بهنَّ على مرادي خاطرٌ / متبدَّهٌ جريَ الجوادِ الطامحِ
يمشي اِذا ما الشَّعرُ زلَّتْ رِجلُه / فوقَ الحضيضِ على السَّماكِ الرامحِ
فيزيدُ وجداً كلَّ قلبٍ ذاهلٍ / اِنشادُهنَّ وكلَّ لبًّ طائحِ
يميناً لقد بالغتَ يا خِلَّ في العذلِ
يميناً لقد بالغتَ يا خِلَّ في العذلِ / وما هكذا فِعْلَ الأخلاءِ بالخِلَّ
اِذا أنتَ لم تُسعِدْ خليلكَ في الهوى / فَذَرْهُ لقد أمسى عنِ العَذْلِ في شُغْلِ
فلا تحسبنَّ العذلَ يُذهِبُ وجدَه / فلومُكَ بالمحبوبِ يُغري ولا يُسلي
وما كنتُ مِمَّنْ يُذهِبُ الوجدُ حزمَه / لعمرُكَ لولا أسهُم الأعينِ النُّجلِ
ولا كنتُ مِمَّنْ يشتكي جُمْلَةَ الهوى / وتفصيلَهُ لولا أليمُ هوى جُمْلِ
فمَنْ لمشوقٍ دمعُهُ بعدَما نأتْ / مُذالٌ على الأطلالِ يسفحُ كالوَبْلِ
يُسَقّي دياراً طالما عرصاتُها / تشكَّتْ اليه ما تُعانيهِ مِن مَحْلِ
تناءَى بهِ عن أربُعِ الجِزعِ أهوجٌ / يُباري الرياحَ الهوجَ في الحَزْنِ والسهلِ
يخوضُ الدجى والقفرَ لا يعرفُ الوَجا / اِذا ما اشتكاه العيسُ في لاحبِ السُّبلِ
وينصاعُ في ثِني الزمامِ كأنَّه / يحاذِرُ صلاً منه أو نهشةَ الصَّلِ
واِنْ أسدلَ الليلُ البهيمُ ستورَه / سَرَى عَنَقاً في البيدِ يَعْسِلُ كالطَّملِ
اِذا رامتِ البزلُ الصَّعابُ لحاقَه / وقد ذرعَ الموماةَ أعيا على البزلِ
فترجِعُ دونَ القصدِ وهي طلائحٌ / سواهمَ مثلَ الجِذْلِ تنفخُ في الجُدْلِ
فهل يُبْلِغَنَّي دار هندٍ واِنْ نأتْ / وأصبحَ منها الوصلُ منصرِمَ الحبلِ
لئن جئتُها مِن بَعْدِ بُعْدٍ فظهرُه / حرامٌ على الكُورِ المبرَّحِ والرَّحْلِ
فما ذكرتْها النفسُ إلا تحدَّرتْ / مدامعُ تُغني الأرضَ عن ساجمِ الهَطْلِ
تجودُ عليها بالعشيَّ وبالضحى / فتزهو بمخضرًّ مِنَ النبتِ مُخضلَّ
أبارقاً شِمتَه بالغَورِ لمّاحا
أبارقاً شِمتَه بالغَورِ لمّاحا / أهدَى لقلبِكَ أشجاناً وأتراحا
بُدَّلْتَهُ بعدَما قد كنتَ مغتبطاً / بالقربِ تصحبُ راحاتٍ وأفراحا
ما أنتَ أوَّلَ مَنْ أودَى بمهجتِهِ / جِدُّ الغرامِ وخَالَ الوجدَ مزّاحا
ذقِ النميرَ الذي استعذبتَ مشربَه / جهلاً فأصبحتَ لّما غاضَ مُلتاحا
هذا دواؤكَ كم لبَّيتَ داعيَه / لمّا دعاكَ وما استرشدتَ نُصّاحا
ركِبتَ مِن وَلَهٍ بحرَ المنى غَرَراً / وطالما جمحَ المغرورُ أو طاحا
حتى أعادكَ ما تنفكُّ مِن وَلَهٍ / تسبُّ طرفاً إلى الأحبابِ طَمّاحا
تهيمُ عندَ طلوع الصبحِ مِن أَرَحٍ / يَهديهِ بَرْدُ نسيمِ الروضِ نَفّاحا
تُبدي ارتياحاً إذا استنشقتَ نفحتَه / حتى كأنَّكَ قد عاطيتَه الراحا
ما مزنةٌ بتُّ أستجدي مدامِعُها / وباتَ منها هزيمُ الغيثِ سَحّاحا
مُثْعَنْجِراً ملأَ الغيطانَ زاخِرُه / فساخَ في الأرضِ ريّاً بعدَما ساحا
أحيا نباتاً قلتْهُ السحبُ آونَةً / كأنّما ردَّ فيهِ القَطْرُ أرواحا
يوماً بأغزرَ مِن دمعي على دِمَنٍ / عَفَّى الغمامُ مغانيِهنَّ دَلاَّحا
تَهمي إذا ما ظلامُ الليلِ مدَّ على / عِطفيهِ مِن حِندسِ الظلماءِ أمساحا
واِنْ تألَّقَ برقُ المزنِ هيَّجَني / اِذا تبدَّى كنصلِ السيفِ أو لاحا
يهتزُّ بينَ سَواري السحبِ منتصباً / أغرَّ أبلجَ للسارينَ وضّاحا
أشيمُه فَيَنِدُّ الدمعُ مِن حَرَقٍ / والدمعُ ما زالَ للمشتاقِ فضّاحا
يُذكي الهديلُ غرامي عندَ وقفتِهِ / مِنَ الحنينِ على الأغصانِ صدّاحا
فأنثَني للهيبِ الشوقِ في كَبِدي / نضّاخُ دمعٍ لنارِ الشوقِ نَضّاحا
أبكي ولم أدرِ مِن حُزْنٍ ومِن وَلَهٍ / غنَّى الحمامُ على الباناتِ أو ناحا
وأسترُ الوجدَ والتَّذكارُ يَفْضَحُهُ / اِذا تنسَّمَ عَرْفُ الرَّندِ أو فاحا
يَحكي قلائدَ سلمى طيبُ هبَّتِهَ / أيامَ كنتُ لعَرْفِ الوصلِ مُمتاحا
أسري اليها قريرَ العينِ مبتسماً / وأنثني مِن رُضابِ الثغرِ مُرتاحا
اِذا ضللتُ هداني برقُ مبسمِها / حتى كأني قد استنورتُ مِصباحا
كأنَّني مِن سرورٍ نالني ثَمِلٌ / قد عُلَّ مِنْ عنبرىَّ الراحِ أقداحا
فاعتضتُ مِن بعدِه بُعداً على مَضَضٍ / والدهرُ ما زالَ منّاعاً ومنّاحا
يا منزلاً نحوَه للنجبِ مُنْعَرَجٌ / في البيدِ يذعرنَ رضراضاً وصُفّاحا
يقطعنَ أعراضَها غُلْبَ الرقابِ الى / مرمًى يُعيدُ عِتاقَ العيسِ أشباحا
خوصُ العيونِ بَراها الخَرْقُ لاغبةً / في الخُطْمِ تسري قصارَ الخطوِ أطلاحا
حياكَ منّي حَيا دمعي بمندَفِقٍ / أمسى عليكَ مُلِثُّ القَطْرِ سفّاحا
فما ترى بعدَ أن يسقيكَ وابِلُه / مِن صَّيبِ الجَوْدِ مُلتاحا ومُجتاحا
عهدي بمغناكَ تُصبيني نضارتُه / ضحيانَ منفسحَ الأرجاءِ فيّاحا
فكيفَ أبلتْ صروفُ الدهرِ جدَّتَه / وكيفَ أصبحَ روضُ اللهوِ مُنصاحا
وكيفَ أبلسَ حتى جئتُ أسألُه / فما أجابَ واِنْ اسهبتُ اِلحاحا
لا ذنبَ لِلجَلْدِ يُبدي ما يكابِدُه / من الفراقِ إذا ما ناحَ أو باحا
يا ناقِدَ الدرِ أصبتْهُ قلائدُه / وموضحَ الكلماتِ الغرَّ ايضاحا
خُذها إليكَ مِنَ الاِقواءِ سالمةً / تعيدُ بحرَ بُناةِ الشَّعرِ ضَحْضاحا
قصائدٌ تُفْحِمُ المِنطيقَ شرَّدُها / عِيّاً واِنْ كانَ جزلَ القولِ مَدّاحا
يُخَجَّلُ الأفوهَ الأودىَّ ناظِمُها / وجَرْوَلاً وجريراً والطَّرِمّاحا
اِذا تغزَّلَ ردَّ الوُرْقَ ساجعةً / واِنْ تنكَّرَ سَدَّ الأّفقَ أرماحا
أمِنْ مرمًى بعيدِ القفرِ شاسعْ
أمِنْ مرمًى بعيدِ القفرِ شاسعْ / رَجَعْتَ وأنتَ دامي الجفنِ دامعْ
علامَ وأنتَ ذو وجدٍ وحزمٍ / يراكَ الخرقُ منه وأنت زامعْ
أَثِرْها كالهِضابِ هِضابِ رضَوى / تؤمُّ بكَ المنازلَ والمرابعْ
تَحِنُّ إذا رأتْ بالغورِ برقاً / بدا في حِندسِ الظلماءِ لامعْ
نجائبُ ترتمي في البيدِ بُدْناً / يَطِسْنَ إلى معالِمها اليرامِعْ
فَتُسْئدُ كالنَقانِقِ في مَوامٍ / ترى فيها ضليعَ النُّجبِ ظالعْ
نجائبُ دأْبُها في كلَّ مَرْتٍ / تشقُّ طلائحاً بحرَ اليلامعْ
اِذا ما رجَّعَ الحادي تهاوتْ / على ترجيعِهِ خُوصاً خواضعْ
تُهَيَّمُها الحداةُ على وَجاها / فتنتهِبُ الأباطحَ والأجارِعْ
تجاذبُ أو تجانبُ في مداها / الى المرمى الأزمَّةَ والمشارِعْ
تؤمُّ منازلاً قد كانَ فيها الشبابُ / الى الحِسانِ البيضِ شافعْ
لياليَ كانَ برقُ الثغرِ يُبدى / لشائمهِ مِنَ القُبَلِ المواقعْ
فيا ربعَ الأحبَّةِ طالَ عهدي / بظبيٍ كانَ في مغناكَ راتعْ
تناءى بعدَ ذاكَ القربِ عنّي / وأصبحَ بعدَ ذاكَ الوصلِ قاطعْ
سَقَى أيامَه الغرَّ المواضي / هزيمٌ مِن جفونِ الصبَّ هامعْ
فهل مِن بعدِما قد بانَ عنّي / أرى زمنَ التداني وهو راجعْ
يؤرَّقُ ناظري كَلَفاً ووَجْداً / هديلٌ باتَ في الباناتِ ساجعْ
تَوَقَّلَ فوقهنَّ فناحَ شجواً / وباحَ فخِلْتُهنَّ له صوامِعْ
وغرَّدَ شاكياً حتى كأنّي / شكوتُ اليهِ ما التفريقُ صانعْ
وفيتُ لِمَنْ أُحبُّهُمُ فخانوا
وفيتُ لِمَنْ أُحبُّهُمُ فخانوا / وبانتْ راحتي اِبّانَ بانوا
وأجريتُ الدموعَ يَحارُ منها / عقيقاً في الخدودِ الاُرّجُوانُ
فليتهمُ وقد نزحوا دموعي / رثوا لأليمِ ما ألقى ولانوا
وما مِنْ حقَّ دمعي وهو عِدٌّ / يُضاعُ على التباعدِ أو يُهانُ
فأيُّ مدامعٍ مِنْ بعدِ دمعي / تُكَرَّمُ في المحبَّةِ أو تُصانُ
وأوجعُ مِن بكاني كلَّ وقتٍ / وقوفي في المنازلِ حيث كانوا
لقد غدروا بذي عهدٍ متينٍ / تَنَزَّهَ أن يُغَيرَهُ الزمانُ
تعَّودَ أن يُراعوه قديماً / وقد زانَ الشبابَ العُنْفُوانُ
وحالوُا عن ودادِهمُ ومالوا / وكلُّ محبَّةٍ فلها أوانُ
تكدَّرَ صفوُ ذاكَ العيشِ لمّا / تناءَتْ عنّي العُرُبُ الحِسانُ
لقد وكَّلْنَ بالعبراتِ طرفاً / اِذا سكَّنتُه خَفَقَ الجَنان
حمتُهنَّ الُكماةُ الشُّوسُ حفت / بأظعنهِنَّ والسُّمْرُ اللِّدانُ
حبائبُ مذ هجرنَ فد معُ عيني / نشيرَُمثلما انتشرَ الُجمانُ
يَغارُ إذا مشينَ ومِلنَ تبهاَ / على سَرَقِ الحريرِ الخَيْزُرانُ
يذكِّرُني ثناياهنَّ لماّ
يذكِّرُني ثناياهنَّ لماّ / تبسَّمَ في الرياضِ الاقْحُوانُ
اياللهِ مِن برقٍ لموعٍ / تبلَّجَ عن شرارتِهِ العَنانُ
اضاءَ لناظري والليلُ داجٍ / عليهِ من الغياهبِ طيانُ
فبتُّ كأننَّي منه لديغٌ / سقاه مُجاجَ فيه الافُعُوانُ
سَقَى زمنُ الشبيبِة كلُّ مُزْنٍ / غَدَتْ حُلَلُ الربيعِ به تُزانُ
هو الزمنُ الذي لم يُلْفَ فيه / مع الاحبابِ ضيرُ وامتهانُ
لقد افنى التغرُّقُ لاصطباري / دروعاً لايُنَفِّدُها الطعانُ
واعيسَ يذرعُ الفلواتِ وخداً / يطيرُ على خُطاهُ الَهيِّبانُ
يجاذِبُنى الزمامَ وليس يَثنى / عزيمتَهُ خِشاشُ او عِرانُ
ولا الهَجْلُ الذى تمَشي المطايا / بعرصِتهِ تُذالُ ولا الِمتانُ
جَزَعتُ به الغاوزَ في ليالٍ / تهيَّبَ قطعَهنَّ الشَّيذُ مانُ
الى حيَّ كتمتُ هواىَ فيه / اِذا الاهْواءُ دنسَّهَا العِلانُ
نديمىوالنديمُ الحرُّ ممِّا / يُزانُ به اللبيبُ ولا يشانُ
ادِرْها مثلَ ذوبِ التَّبرِ صرفاً / تطيرُ بها مِنَ الفحرحِ الدِّنانُ
اِذا ما الليلُ مُدَّ له رواقُ / واُلِقيَ مِنْ دجنتِهِ الجِرانُ
ولم يصدحْوقد طاحَ النَّدامى / بهاقبلَ الصباحِ العُْترُفانُ
فبادِرْهاولا يمنعكَ عنها / فلانُ بالنصيحةِأو فلانُ
فخيرُ الوقتِ ما واتاكَ فيِهِ / زمانُأوشبابُ أومكانُ
فيوُمَ فيهِ للكاساتِ حظُّ / لها قي رأسِ شارِبها عِنانُ
يُقادُ بهِ فيصحَبُ مستقيداً / رخيْ البالِ ليسَ بهِ حِرانُ
ويومَُ فيهِ للأعدا ءِ كأسَُ / يَغَصُّ بفضلِ سورتِها الِهدانُ
يُذيقهُمُ بها حُرَعَ المنايا / وللاْقرانِ بالموتِ ارتهانُ
ترى دُفَعَ النجيعِ على المذاكي / كما خَضَبَ الخَد لََّجَةَ الرَّقانُ
أحِنُّ وللهوارقِ في الدياجي / وميضُ سناً تُنارُ به الرِّعانُ
اذا لمعتْ حسبتَ الأرضَ يكسو / رُباها الريشَ منها الحَيْقطانُ
فلي شأنَُاذا طفقتْ تراءَ ى / على حَضَنٍ وللأشواقِ شانُ
خليليَّ انظرا هل لاَح مغنىً / لعلوةَ يطَّبيني أو مَعانُ
فما بانُ الحِمى والأثلُ لمّا / تناءَتْ دارُها أثْلٌ وبانُ
ولا وجدي ولو أسهبتُ مِمّا / يقومُ بوصفِ أيسرِه اللسانُ
فليس مِنَ الغرائبِ أن تُعينا / عريبَ هوىً تكنَّفِهُ الهوانُ
فاِنَّ أخا الغرامِ إذا تمادىَ / بهِ داءُ الهوى أمسى يُعانُ
واِنْ تمنعكُما مثلي دموعٌ / دفاقٌ لا يَجِفُّ لهنَّ شانُ
وأعلامٌ لنجدٍ شاهقاتٌ / تقاصرُ دونَ شامِخِها القِنانُ
فلي قلبٌ يراها كلُّ وقتٍ / بناظرِه إذا عُدِمَ العِيانُ
ولي دمعٌ يخبَّرُ عن ضميري / كما شرَح الكلامَ التُّرجُمانُ
فدونَ الناظمينَ واِنْ تمالوَا / عليَّ وزوَّروا اِفكاً ومانوا
قصائدُ مِن بناتِ الفكر تَترى / اِذا سَمِعوا غرائبَهُنَّ دانوا
مودَّتُهمْ على مَضَضٍ وقسرٍ / وقد كَرِهوا مقاومتي دِهانُ
أخَصُّهمُ كَهامٌ حيث شامُوا / سيوفَهمُ الكَليلَةَ أو دَدانُ
وكيف تُضيءُ للأضدادِ نارٌ / وقد نصعتْ مناقبيَ الهِجانُ
وأين مِنَ الربيطِ الجأشِ تبدو / عزيمتُه أخو الفشلِ الجَبانُ
فلو أن النجومَ الزُّهْرَ تبغي / مطاولَتي زواهنَّ الكِيانُ
على أنّي منحتُهمُ ودادي / وبعض الودَّ يَجْلِبُه الحَنانُ
ولكنيّ حُسِدْتُ على قوافٍ / سَبَقْتُ بها وقد جَدَّ الرَّهانُ
اِذا سَمِعوا قريضي في نَديًّ / علا تلكَ الوجوهَ الرَّيهَقانُ
ولا عجبٌ إذا أخفَى سناهُ السُّها / لمّا تجلَّى الزَّبرِقانُ
وقد علِموا بأنَّيَ لا أُبارَى / ولو ملأَ الصدورَ الاِضطِغانُ
فحسبُهمُ واِنْ غَبَطُوا بياني / بأنَّهمُ لأَشعاري استكانوا
حَيَّ عنّي مُنحني الوادي وأثلَه
حَيَّ عنّي مُنحني الوادي وأثلَه / ورُبَى سَلْعٍ على النأي ورَمْلَهْ
فبه ملعبُ أنسٍ صرتُ مذْ / بانَ أهلوه مِنَ التبريح مُثْلَه
لا عدا بانَ اللَّوى مِن أدمعي / صيَّبٌ يسقيهِ مِن جفني ونَخْلَه
فلكمْ لي في ظلالِ البانِ مِن / موقفٍ بكَّيتُهُ وجداً وأهلَه
ولكمْ لي نحوَ سكانِ الحِمى / مِن حنينٍ كلَّما استغشيتُ ظِلَّه
حنَّةٌ أُعقِبُها مِن أَلَمٍ / أنَّةً لو أنّها تنقعُ غُلَّه
كيف أرجو راحةً مِن بعدِما / سدَّدَ التفريقُ نحوَ القلبِ نَصلَه
أو أُرى بعدَهمُ مبتسماَ / جَذِلاً والبينُ قد ازمعَ رحلَه
فوَّقَ البينُ اليهمْ سهمَهُ / ليتَه كفَّ عنِ الأحبابِ نَبْلَه
فكأنَّي بأُهيلِ المُنحنى / للنوى والبينِ قد شَدُّوا الأكِلَّهْ
لم يُبَقَّ الهجرُ لي مِن أدمُعي / لِودَاعِ القومِ والتفريقُ فَضْلَه
أيُّ صبرٍ يومَ تنأَى بهمُ / عيسُهمْ ينأَى عنِ الصبَّ المولَّه
أينُقٌ كم ذرعتْ مَرْتاً وكم / قطعتْ حَزْنَ الفلا وخداً وسَهْلَه
تَتهادى في البُرى مُرقِلَةً / كالحنايا تنهبُ الخرقَ وهَجْلَه
عُقِرَتْ كم مِن فلاةٍ جبتُها / بعدَها فوقَ شِمِلًّ أو شِمِله
ليس يثنيها زمامٌ كلَّما / جاذبتينهِ ولا ترهبُ صَلَّه
ترتمي كالهيَْقِ بي معنِقَةً / فوقَها حِدْنُ سِفارٍ لنْ يَملَّه
كلَّما أومضَ برقٌ خالَه / ثغرَ سلمَى حينَ حيَّتْه بِقُبْلَه
بارقٌ كالسيفِ أمضى مُصْلَتاً / يتراءَى أسهرَ المضنَى المُدَلَّه
ذكرَ العهُدَ بهِ لمّا انتضَى / سيفَهُ في حِندسِ الليلِ وسَلَّه
ورضَابٍ شَبِمٍ مُنَّيتُه / منه بعدَ البينِ في أيسرِ نَهْلَه
خَصِرٍ بُغْيَتُه في وِرْدِه / حبَّذاهُ منعَ التَّرحالُ عَلَّه
فعسى يُنقِذُه البعدُ وقد / ذاقَ منه ما كفاه ولعلَّه
اِنْ يمتْ مِن فرطِ وجدٍ وهوىً / هذه سنَّةُ أهلِ الحبَّ قبلَه
مغرمٌ يسأَلُ ربعاً دائراً / قد محاهُ دمعُهُ إلا أقلَّه
لا تلُمْهُ في غرامٍ نالَهُ / فخليلُ المرِء مَنْ أنجدَ خِلَّه
أَتُرَجَّي طمعاً أن يهتدي / في دجى الحبَّ مَنِ الشوقُ أضلَّه
ما سرتْ ريحُ الصَّبا مِن نشرِها / نحوَه إلا وقد راجعَ خبلَه
تنتجيهِ بحديثٍ حَس / أحسنتْ عن ظبيةِ الوعساءِ نقلَه
يا نسيماً هبَّ مِن روضِ الِحمى / حَيَّ مَنْ بانَ عنِ الجِزعِ وحلَّه
عثرَ الدهرُ بهِ بعدَهمُ / ليته قالَ وقد زلَّ لعاً لَه
غدروا مِن بعدِ عهدٍ أحكموا / عقدَهُ كيف تولَّى البعدُ حلَّه
شيمةٌ للدهرِ لا أُنكِرُها / عُرِفَتْ منه فما أجهَلُ فِعْلَه
كم دمٍ راحَ جُباراً في الهوى / عندَهُ أجراهُ في الوجدِ وطلَّه
هوَّنَ الحبَّ على أربابِهِ / فلكم يصحَبُ للعشّاقِ ابلَه
اِبِلاً ذَلَّلَها قهراً فكمْ / فوقَها للمتطَيها مِن مَذَلَّه
فسقَى الله على علاتِهِ / زمنَ الوصلِ حَيا الدمعِ ووَبْلَه
لاترضَ وجدَكَ في أهلِ الهوى وَسَطا
لاترضَ وجدَكَ في أهلِ الهوى وَسَطا / فأعْذَبُ الحبِّ ما غالبتَهُ وسَطا
وجدٌ تركتُ عِتاقَ النُّجبِ لاغبهً / لأجلهِ تقطع الِغيطانَ والغُوَطا
نأَى الخليطُولولا البينُ لم يَزُرِ / المشيبُ رأسيولوا الهجرُ ما وَخَطَا
أشتاقُ دارَهمُ والدارُ جامعةٌ / أيامَ كنتُ بطيبِ الوصلِ مُغتَبِطا
سقَى الديارَ حَيا عينيَّ مُبجِساً / يَروي المنازلَ والالأفَ والخُلَطا
كانوا فبانواكأنَّ الدهرَ عاندَني / عليهمُأو بجمعِ الشملِ قد غَلِطا
هاتيكَ دارُهمُ يا ناقتي فَخِدي / كالهَيْقِ لا قَصُرَتْ في البيدِ منكِ خُطا
شَكَتْ وَجاها فلولا صحبةٌ سبقتْ / تركتُها فوقَ أعناقِ الحُداةِ تَطا
مازلتُ بعدَهمُ بالصبرِ معتصماً / اِنَّ اللبيبَ غدا بالصبرِ مُرتبِطا
عَدِمْتُ مذ نزحوا نومي فلا عَجَبٌ / اِنْ شَطَّ نوميَ أو أن سامني شَطَطا
هنَّ الغواني يُهيِّجنَ الشجونَ اِذا / سحبنَ مِن فوقِ وجهِ الروضةِ الرِّبطا
هَيَّمنني فاذلتُ الدمعَ مِنَ وَلَهٍ / وكم نَضا الدمعُ سِتراً للهوى وغِطا
ما كنتُ أوَّلَ مَنْ لم يُعْطَ مأرُبَةً / في وجدِهِ أن أهواءَ النفوسِ عَطا
حَظٌّ تنوَّلَه واِنْ قَرُبَ المزار ما / بين من يهوون أو شحِطا
فلستُ مِمَّنْ بِعادُ الدهرِ يُسخِطُه / اِنَّ الأكارمَ لم يَستَحسِنوا السَّخَطا
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ / ومِن أصَمَّ صليبِ الكعبِ خطّارِ
في كفَّ أروعَ دامي الظُّفْرِ مُنْصَلِتٍ / رَحْبِ الذَّراعِ على الأهوالِ صبّارِ
مُشَيَّعٍ هبواتُ النقعِ تستُره / أضحتْ له كعرينِ الضيغمِ الضاري
حُرًّ يسيرُ إلى الحربِ العوانِ وقد / أبدتْ نواجذَها ما بينَ أحرارِ
حُمْسٍ برودُهمُ الزغَّفُ الَّلاصُ اِذا / أمستْ برودُ أُناسٍ سُحْقَ أطمارِ
يلقى الأسودَ بآسادٍ غَطارِفَةٍ / في جَحْفَلٍ لَجِبٍ كالسَّيلِ جَرّارِ
ما فيهمُ في مجالِ الكرَّ غيرُ أخي / بأسٍ على صَهَواتِ الخيلِ كرّارِ
يا خافقَ القلبِ لمّا شامَ بارقةً / في حِندسِ الليلِ تبدو ذاتَ أنوارِ
لم يدرِ عن أيَّ أرضٍ لاحَ مومِضُها / تحتَ الدُّجُنَّةِ لمّا لاحَ يا حارِ
شِمْ ثغرَ سُعدى فقد حيّاكَ بارِقُهُ / ليلاً ودعْ عنكَ شَيْمَ البارقِ الساري
وعاذلٍ قلتُ لمّا لامني سَفَهاً / له أتؤثرُ بالتعنيفِ أِقصاري
لا تلْحَني أن همتْ عينايَ مَن أَسَفٍ / على مرابعِ أوطاني وأوطاري
أضحى الأقاحيُّ مفتّراً بعرْصَتِها / لمّا تحدَّرَ فيها دمعيَ الجاري
تلك الديارُ سقىَ الوسميُّ ساحتَها / مِن جفنِ كلَّ مُلِثَّ القطرِ مِدرارِ
منازلٌ كنتُ أحيانَ الشبابِ بها / أختالُ بينَ قَماريًّ وأقمارِ
أجرُّ فضلَ ذيولِ اللهوِ مِن مرحٍ / في روضةٍ أُنُفٍ غَنّاَء مِعْطارِ
تأرجتْ برياحِ الوصلِ ساحتُها / كأنَّما فُتَّ فيها فأْرُ عطّارِ
فمَنْ يعيدُ لياليَّ التي سَلَفَتْ / لذيذةً بأُصيحابي وسُماري
أعدْ حديثَ الهوى يا مَنْ يحدَّثُني / عنه ألذَّ أحاديثٍ وأسمارِ
ما كنتُ لولا نوى الأحبابِ / ذا شَرَقٍ بالدمعِ جوّابَ آفاقٍ وأمصارِ
أحثُّ كلَّ عَفَرناةٍ هَمَلَّعَةٍ / مَوّارةٍ وأمونِ السيرِ مَوّارِ
في مهمهٍ قَذَفٍ أُمسي وأُصبحُ في / أرجائِه حِلْفَ أقتادٍ وأكوارِ
اِذا قطعتُ بها يَهْماءَ مُقْفِرَةٍ / بدتْ لديَّ موامٍ ذاتُ أقفارِ
تثني الجرانَ إلى المشتاقِ شاكيةً / مُرَدَّداً بينَ اِخفاء واِظهارِ
تختبُّ فيهنَّ بي كالهَيْقِ معنِقةً / مِن فوقِها نضوُ أزماعٍ وأسفارِ
مرَّتْ به في عُبابِ الآلِ سابحةً / كأنَّها منه في لُجًّ وتيّارِ
تنحو الأحبَّةَ لمّا أن نأتْ بهمُ / نُجْبٌ تسابقُ منها كلَّ طيّارِ
نأوا فلولا المنى ما عشتُ بعدَهمُ / وكم أعيشُ على وعدٍ وانظارِ
وما تدرَّعتُ أدراعاً مضاعفةً / للصبرِ إلا وعفّاهنَّ تَذكاري
تذكُّراً لزمانٍ فاتَ فارطُه / وطيبِ أوقاتِ آصالي وأسحاري
قد كانَ فيهنَّ لو دامتْ بشاشتُها / للصبَّ لذَّةُ أسماعٍ وأبصارِ
وقفتُ في الدارِ مِن بعدِ الخليطِ وقد / أقوتْ معاهِدُها مِن ساكني الدارِ
أكفكِفُ الدمعَ خوفَ الكاشحينَ على / مواطنٍ أقفرتْ منهمْ وآثارِ
دعني من اللومِ يا مَنْ لامني سفهاً / فما يفيدُكَ تعنيفي وانذاري
الدارُ دارُ أحبائي الذين مَضَوا / والوجدُ وجديَ والأفكارُ أفكاري
فما الوقوفُ إذا استثبتُّ معلمها / عليَّ في رسمِها العاري مِنَ العارِ
فكم سكبتُ على الأطلالِ مِن كَمَدٍ / دمعاً ألثَّ على تربٍ وأحجارِ
وبتُّ أرتاحُ أن هبَّتْ يمانيةٌ / تسري مِنَ الليلِ في بحرٍ مِنَ القارِ
لعلَّها عنهمُ بالقربِ تُخبِرُني / وأنْ تُسِرَّ بذكرِ الوصلِ أسراري
آثرتُ عودَهمُ مِن بعدِ ما ذهبوا / يا بُعدَ مَطْرَحِ أهوائي واِيثاري
لم يبقَ بعدَ رحيلِ الحيَّ مِن اِضَمٍ / اِلا تذكُّرُ أنباءٍ وأخبارِ
مذْ بانَ بانتْ لذاذاتي وهذَّبَني / دهري وقدَّمتُ دونَ اللهوِ أعذاري
فليس لي موئلٌ أن شفَّني وَلَهٌ / اِلاّ ترنُّمُ أغزالي وأشعاري
اذا تناشدَها الركبانُ أثملَهمْ / لفظٌ لأبرعِ نظّامٍ ونثّارِ
فمَنْ يساجِلُني فيها وأينَ له / منها عذوبةُ اِبرادي واِصداري
فكم خناذيذِ أشعارٍ سبقتُهمُ / سبقَ الجوادِ بها في كلَّ مضمارِ
بارَوا قريضي فبارُوا بالذي نظمتْ / قرائحي مِن كلامٍ غيرِ خوّارِ
ذابوا لديهِ كما ذاب الرَّصاصُ اِذا / رفَّعتَه حينَ تبلوه على النارِ
مِن أينَ للغابطِيْ فضلي واِنْ كَثُروا / كمثلِ عُوني إذا تُجلى وأبكاري
تُجلى فتشغِفُهْم منها بدائعُها / حسناً واِنْ جَهِلوا علمي ومقداري
فُيذعِنونَ إذا ما هزَّهم غزلي / هزَّ النسيمِ فروعَ البانِ والغارِ
دعني مِنَ العذلِ يا مَنْ باتَ يلحاني
دعني مِنَ العذلِ يا مَنْ باتَ يلحاني / فليس عذلُكَ مِن دأْبي ولا شاني
هيهاتَ يسمعُ منكَ العذلَ مكتئبٌ / مقسمٌ بينَ أفكارٍ وأشجانِ
القلبُ قلبي إذا ما شفَّني وَلَهٌ / والدمعُ دمعيَ والأحزانُ أحزاني
ما كنتُ لولا بِعادُ الحيَّ ذا جَزَعٍ / أَذري الدموعَ على نُؤْي وأوطانِ
بانَ الأحبَّةُ عن تلكَ الديارِ فقد / وزَّعتُه بينَ أطلالٍ وخُلانِ
مَرادُ لهوِ الصَّبا أقوتْ معالِمُه / بعدَ النضارةِ مِن أهلٍ وجيرانِ
ما كنتُ لولا النوى والبينُ أسأل / أطلالاً عفتْ من أحبّاءٍ وسكّانِ
لولاكِ يا ظبيةَ الوعساءِ لم أجُبِ / الظلامَ بينَ أهاضيبٍ وكثبانِ
ولا تركتُ المطايا في أزِمَّتِها / تحكي الأزمَّةَ في بيدٍ وغيظانِ
تَخُبُّ في الهَجْلِ كالارسانِ معنِقةً / مِن فوقِهنَّ مهازيلٌ كأرسانِ
أضناهمُ الوجدُ والاِرقالُ فوق مَطا / المطيَّ يا بؤسَ أجمالٍ وركبانِ
جفوا لذيذَ الحشايا في غوارِبها / فبدَّلوها بأحلاسٍ وكيرانِ
مالي وللريحِ بعدَ البعدِ ما نفحتْ / عليَّ بالطيبِ من نُعمٍ ونُعمانِ
مرَّتْ عليه وقد جرَّتْ ذلاذِلَها / فطابَ ما فيه مِن شيحٍ وحَوْذانِ
قد كنتُ أعهدُها عنها تُخَبَّرُني / بما أُحِبُّ وبالأسرارِ تلقاني
عَرْفٌ عَرَفْتُ به الأرواحَ تُتحَفُني / عن مُنحنى الجِزعِ أو عن ظبيةِ البانِ
طالَ الزمانُ فهبَّت بعدَ آونةٍ / نحوي فأنكرتُها مِن بعدِ عِرفاني
حالَ التفرُّقُ ما بيني وبينَهمُ / والموتُ والبعدُ بعدَ القربِ سِيّانِ
سقَى زمانَ التداني كلُّ مُنبعِقٍ / مُتْعَنْجرِ الودَقِ هامي المزنِ هتّانِ
أوقاتُ لهوٍ حميداتٌ سَعِدْتُ بها / بفاترِ الجفنِ ساجي اللحظِ فتّانِ
نأى فأدناهُ منّي الذكرُ حينَ نأى / نفسي الفداُ لذاكَ النازحِ الداني
صفا بهِ العيشُ حيناً ثمَّ كدَّره / بِعادُه عن محبًّ صبرُه فاني
فعادَ لمّا تمادَى البعدُ وانفصمتْ / عُرى الوصالِ بقلبٍ منه حرّانِ
قد كانَ يَسكَرُ مِن ريقٍ له عَطِرٍ / وقهوةٍ بينَ ناياتٍ وعيدانِ
فهل يُفيقُ فتىً يُمسي ويُصبحُ بينَ / العاشقينَ له في الوجدِ سُكرانِ
مشرَّدُ النومِ أجرى البينُ أدمعه / كأنّما فاضَ مِن عينيهِ عينانِ
يبكي إذا غرَّدتْ ورقاءُ مِن طربٍ / قبلَ الصباحِ على أعطافِ أغصانِ
تَهِيجُ بالنوحِ أشجاناً محرَّقةً / لقلبِ صبًّ إلى الحنّانِ حنّانِ
باتتْ تؤجَّجُ بالتغريدِ نارَ هوىً / تضرَّمتْ في فؤاد المغرمِ العاني
للهِ ماذا على الباناتِ يُذْكِرُني / الأهواءَ مِن طيبِ أسجاعٍ وألحانِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025