المجموع : 155
طَرَقَتْ على عِلل الكرى أَسماءُ
طَرَقَتْ على عِلل الكرى أَسماءُ / وَهْنَاً وما شَعَرَتْ بها الرُّقَباءُ
سَكْرَى ترنَّح عِطفُها فتعلمتْ / مِنْ معطفيها البانةُ الغنَّاءُ
يَثْنِي الصِّبا والرّاحُ قامَتها كما / تثني الأراكةَ زعْزعٌ نكباءُ
زارَتْ على شَحْطِ المزارِ متيَّماً / بالرّقْمَتيْنِ وَدارُها تَيماءُ
في ليلةٍ كَشَفَتْ ذوائبَها بها / فتَضاعفتْ بعَقاصِها الظَّلْماءُ
والطيفُ يخفي في الظلامِ كما اختفى / في وجنة الزَّنجيِّ منه حَياءُ
ما زال يُمتِعُني الخيالُ بوَصْلِها / حتى انزوى عن مُقْلتي الإغفاءُ
بَرَدَ الحُليّ فنافرتْ عَضُدي وقد / هبَّ الصباحُ ونامَتِ الجَوْزاءُ
وَدَعَتْ برحلتها النَّوى فتحمَّلتْ / في الرّكبِ منها ظبية أدماءُ
ماتت بدفتها الشمائل والصبا / ومدامعي والمزنة الوطفاء
فلَتؤخذَنَّ بمُهجتي لحَظَاتُها / وَبِعَرْصَتَيْها الريحُ والأنواءُ
طَلَعَت بحيثُ الباتراتُ بوارقٌ / والرزق شهب والقتام سماء
في كلمة حمراء يخفق دونها / بينَ الفوارس رايةٌ حمراءُ
والجوُّ لابسُ قسطلٍ مُتراكِمٍ / فلهُ من النَّقْعِ الأحمِّ رداءُ
سَطَعَتْ من الغبراءِ فيه عَجاجةٌ / مركومةٌ فاغبرَّتِ الخضراءُ
دَعْ ظبيةَ الوعساءِ واعنِ لهذه / فلكلِّ أَرضٍ يَمَّمَتْ وَعْساءُ
قطعتْ بها أيدي الركاب تنوفة / قد أُلهبت في جوِّها الرَّمضاءُ
هل تُبلغنَّ الظاعنينَ تحيةً / ريحٌ تهبُّ مع الأصيلِ رُخاءُ
كَسْلَى تجرُّ على الحديقةِ ذَيْلَها / فالعَرْفُ منها مَنْدَلٌ وَكبَاءُ
تُعْزى أبا عبدِ المليكِ إليكَ أو / يُعزَى إليها من عُلاكَ ثناءُ
يا كوكبا بهرَ الكواكبَ نورُهُ / ومحا دُجى الجرمان منه ضياءُ
لكَ همةٌ علويةٌ كرميَّةٌ / وسجيةٌ معسولةٌ لَمْيَاءُ
ومكانةٌ في المجدِ أنتَ عَمَرْتَها / بعُلاكَ وهيَ من الأنامِ خَلاءُ
فَتَّقْتَ أكمامَ البلاغةِ والنُّهى / عن حكمةٍ لم تُؤْتَها الحُكَماءُ
ولربَّما جاشَ اعتزامُكَ أو طمى / عن أَبْحُرٍ شَرِقَتْ بها الأعداءُ
ما زالَ يَفْرِي الخطبَ منه مهنَّدٌ / للعزمِ منه صولةٌ ومضاءُ
شُبَّتْ قريحتُهُ وهُذِّب خَلْقُه / فلم أَدْرِ هل هو جَذْوَةٌ أم ماءُ
تجري اليراعةُ في بنانِ يمينهِ / وكأنها يَزَنِيَّةٌ سمراءُ
ويفوقُ محتدُهُ الكواكبَ مرتقىً / فكأنَّهُ فوقَ السماءِ سماءُ
ذَرِبُ اللسانِ إذا تدفَّقَ نُطْقُهُ / خَرِسَتْ بسحرِ خِطابهِ الخُطَباءُ
لو نابَ عنه سواهُ في يَقَظاتِهِ / نابَتْ منابَ الجَوْهَرِ الحصباءُ
ركنَ الأنامُ به إلى ذي عزَّةٍ / قعساءَ ليس كمثلِها قعساءُ
لم يَخْصُصوه بشكرهم إلا وقد / عمَّت جميعَهُمُ به النَّعماءُ
لو أنَّ ألسُنَهُم جَحَدْنَ صنيعهُ / نَطَقَتْ بذاك عليهمُ الأعضاءُ
كثُرتْ أياديه الجسامُ فآخذٌ / من قبلها أنفاسَهُ الإحصاءُ
طاب الزمانُ بها كطيبِ ثنائِهِ / وتضوَّعَ الإصباحُ والإمساءُ
بأغرَّ ذي كرمٍ نَمَتْه من بني / عبدِ العزيزِ عصابةٌ كُرَماءُ
الموقدون على الثَّنيَّةِ نارَهُمْ / للطارقين إذا وَنَىَ السُّفَراءُ
والمالئون من السَّديفِ جفانَهُمْ / لهُمُ إذا شملتهُمُ اللأْواءُ
قومٌ ثناؤهمُ خلودُ نفوسِهُمْ / ومنَ الهَوامدِ في الثرى أَحياءُ
إن أخلفَتْ غرُّ السحابِ تهللوا / أو جَنَّ ليلُ الحادثاتِ أضاءوا
يا ابْنَ الذي علمَتْ مَعَدٌّ فضلَهُ / وسِوى مَعَدٍّ فيهِ وهي سَواءُ
وابْنَ الذي قد أُلحِقَتْ في حُكمه / من عدله بأُولي القُوى الضُّعَفاءُ
هذي القصائدُ قد أَتتكَ برُودُها / موشيةً وقريحتي صنعاءُ
فإليكَ منها شُرَّداً تصطادُها / بالعزِّ لا بالنائلِ الكرماءُ
ترجو نصيباً من عُلاكَ وما لها / فيما تُرَجِّيهِ العُفاةُ رجاءُ
فانْعَمْ أَبا عبدِ المليكِ بوصلها / أنتَ الكِفاءُ وهذه الحسناءُ
ومديحُ مثلِكَ مادحي ولربما / مُدحَتْ بمن تَتَمَدَّحُ الشعراءُ
تعلَّقْتُهُ من بني الأكرمينَ
تعلَّقْتُهُ من بني الأكرمينَ / رفيع الذُّرى ذا سناً وسناءِ
يُذكِّرُني طبعَهُ رقةً / نسيبُ الهوى ونسيمُ الهواءِ
وقد جَمَعَ الحسنُ فيه مع النب / لِ نوراً وطيبَ ذكاءِ
له كرمٌ وبه عفَّةٌ / فيجمعُ بينَ الحيا والحياءِ
فدَّيْتُها من نبعةٍ زَوْرَاءِ
فدَّيْتُها من نبعةٍ زَوْرَاءِ / مشغوفةٍ بمَقاتلِ الأعداءِ
أَلِفَتْ حَمامَ الأيكِ وهي نضيرةٌ / واليومَ تألفُها بكسر الحاءِ
وربما خالهُ ذو الجهلِ ذا أدبٍ
وربما خالهُ ذو الجهلِ ذا أدبٍ / لا يحسب الآلَ ماءً غيرُ ذي ظمإ
لو أنَّ في عرشِ بلقيس لهُ قدماً / أعيا على الجِنِّ أن تزجيه من سبإ
قفا نقتبس من نور تلك الركائب
قفا نقتبس من نور تلك الركائب / فما ظعنتْ إلا بزُهر الكواكب
وإلا بأقمارٍ من الحيِّ لُحْنَ في / مشارقَ من أحداجِها ومغاربِ
سَرَت وعُباب الليل يزخرُ موجُه / ولا منشآتٍ غيرَ هُوجٍ لواغبِ
فما زلتُ أُذري أبحراً من مدامعي / على خائضاتٍ أبحراً من غياهبِ
و ما بيَ إلا عارضٌ سلبَ الكرى / بخفّةِ برقٍ آخرَ الليلِ واصبِ
أضاء بذات الأثْلِ والأثلُ دونه / وجيفُ المطايا والعتاق الشوازبِ
فيا دَيْنَ قلبي من تألُّقِ بارقٍ / سرى فاتَّقَتْه مُقلتي بسحائبِ
ويا لحماماتٍ بكينَ و إنَّما / غدوتُ قتيلَ الشوقِ وهي نوادبي
كِلُوْنا لأطراف الرماحِ فإننا / نكلنا جميعاً عن لحاظِ الحبائبِ
وإنَّا لمنْ قومٍ تهابُ نُفوسُهُمْ / عيونَ المها دونَ القَنا والقواضبِ
تمرُّ بنا الأنواءُ وهي هواطلٌ / فنرغبُ عنها بالدموع السَّواكبِ
وفاءً لدهرٍ كان مستشفعاً لنا / بسودِ الليالي عند بيضِ الكواعبِ
فكم ليلةٍ ليلاءَ خلَّيْتُ مثلَها / من الهَمِّ في غربيبها المتراكبِ
بكلِّ فتاةٍ إن رمتكَ بسهمها / فعنْ حاجبٍ تشبيهُهُ قوسُ حاجبِ
تنسمتُ من أنفاسها أَرَجَ الصَّبا / وجَنَّبْتُ عُلْويَّ الصَّبا والجنائبِ
وما جَنَّت الظّلماءُ إلا لبستُها / دثاراً على ضافي شعور الذوائبِ
وقد أذهلتني عن نجوم سمائها / نجومُ حُلِيٍّ في سماء ترائبِ
أوانَ هصرتُ الوصلَ تندى فروعُهُ / جنىً ووردتْ الأنسَ عذبَ المشاربِ
فقد أَفلتت تلك المها من حبائلي / ونكَّبَ إسعافُ المنى عَنْ مطالبي
تغيَّرتِ الأيامُ حتى تغيَّرتْ / بها أقربائي غدرةً وأجانبي
وعلَّمني صَرفُ الزمان ورَيْبُهُ / بن أقتناء الناس شر المكاسب
وكنت إذا فارقت إلفاً بكيته / بكاءَ عديٍّ صنوَهُ بالذَّنائبِ
فها أنا إن أُشْعِرتُ رحلةَ ظاعنٍ / تلقيتُه منها بفرحةِ آيبِ
فلم تحملِ الغبراءُ أنجبَ من فتىً / رمى غُبْرَ أعلامِ العلا بالنجائبِ
ولا صحبتْ كفّي على دلجِ السُرى / أبرَّ وأوفى منْ رقيق المضاربِ
ولا انتُدبتْ فوقَ البَنان يراعةٌ / لأوجبَ من تحسين ذكر ابن واجبِ
شهابٌ لو أنَّ الليل أُلبسَ نُورَهُ / نَضا مِعطفيهِ من ثياب الغياهبِ
وروضةُ علمٍ أغدَقَتْ جنَباتُها / بشؤبوبِ وَبْلٍ للبلاغة صائبِ
نَماهُ إلى العلياءِ كلُّ مُرجَّبٍ / عظيمُ رمادِ النار سبْطُ الرواجبِ
من القوم شادوا مجدهمْ بمواهبٍ / تُريك الغمامَ الوُطف أدنى المواهبِ
غطارفة شمُّ الأُنوفِ تسنَّموا / من الدولةِ الغَرّاءِ أعلى المراتبِ
وَهَينُونَ إلا أَنهم لِعَدوِّهِمْ / أَبيُّونَ أمثالَ القرومِ المصاعبِ
هُمُ أَدَّبوا الأيامَ حتى تحصَنتْ / ذنوبُ عواديها بحُسن العواقبِ
وهمْ أكملوا العلياءَ من بعد كونِها / خَداجاً وحلَّوْها بغُرِّ المناقبِ
لها من نجوم السَّعدِ أَيمَنُ طالبٍ / ومن صاحبِ الأحكامِ أفضل صاحبِ
إليكَ أبا حفصٍ رفعتُ من النُّهى / عرائسَ تُجلى في حليِّ غرائبِ
مِنَ المُحْكَماتِ الواضحاتِ لو ارْتدت / بهنَّ الدُّجى أَغنينَها عن كواكبِ
إذا غبتُ عن أرضٍ قَضَتْ لي على النَّوى / شواردُ منها أنني غيرُ غائبِ
وإن رحتُ أُمليهِنَّ ودَّ عُطاردٌ / لحسن معانيهنَّ لو كان كاتبي
مكرَّمةٌ عن أن يُذالَ مَصونُها / بغلظةِ محجوبٍ وعَبْسَة حاجبِ
ولي مهجةٌ لا تُسْتَمالُ بنائلٍ / ولا تَرتجي بالشِّعر خِلعةَ واهبِ
بعيدةُ شأوِ الهَمِّ ترغب في العلا / وكسبِ المساعي الغرِّ لا في الرغائبِ
تساوى لديها القُلُّ والكُثرُ عِدَّةً / تخالُ البحارَ الخضرَ زُرْقَ المذانبِ
وألبستها عزَّ القناعةِ إنَّهُ / رداءٌ حَمَتْهُ همّتي كلَّ سالب
إذا رُفِعَتْ نارُ القِرى ليلة الطَّوى / لها عدَلَتْ عنها لنار الحُباحِبِ
طردتُ إليكم شُرَّداً لم تزدكمُ / علوّاً على أعراقِكم والمناسبِ
ولكنَّني حلَّيْتُ أبكارَ منطقي / بما لكمُ من سؤدَدٍ ومناقبِ
يا شمسَ خِدْرٍ مالها مَغرِبُ
يا شمسَ خِدْرٍ مالها مَغرِبُ / أَرامةٌ دارُكِ أمْ غُرَّبُ
ذهبتِ فاستعبرَ طرفي دماً / مفضَّضُ الدمعِ به مُذْهَبُ
اللهَ في مهجةِ ذي لوعةٍ / تَيَّمَهُ يومَ النَّقا الرَّبرب
شامَ بريقاً باللِّوى فامترى / أضوءُهُ أم ثغرُكِ الأشنب
أشبه غَمّاً يومُهُ ليلَهُ / حتى استوى الأدهمُ والأشهب
سُرورُهُ بعدَكُمُ تَرْحَةٌ / وصُبْحُهُ بعدكمُ غَيْهَبُ
ناشدتكَ اللهَ نسيمَ الصَّبا / أين استقرَّتْ بعدَنا زينبُ
لم تسْر إلا بشذا عَرْفِها / أو لا فماذا النَّفَسُ الطيبُ
و يا سحابَ المُزنِ ما بالُنا / يشوقُنا ذيلُكَ إذ يُسْحَبُ
هاتِ حديثاً عن مغاني اللِّوى / فعهدُكَ اليومَ بها أقرَبُ
إيهٍ وإن عذَّبني ذِكرُها / فمِن عذابِ النَّفسِ ما يَعْذُبُ
هل لعِبَتْ بالعَرَصاتِ الصَّبا / فمحَّ منها للصِّبا مَلعَبُ
أمرضَها سُقياك إذ جُدْتَّها / كم غصَّ ظمآنٌ بما يشرَبُ
يا مَن شكى من زمنٍ قسوةً / أين السُّرى والعيسُ والسَّبْسَبُ
أفلحَ من خاضَ بحارَ الدُّجى / وصهوةُ العزِّ له مركبُ
أليسَ في البيداءِ مندوحةٌ / إن ضاقَ يوماً بالفتى مذهبُ
لأخبطُ الليلَ ولو أنّهُ / ذو لبَدٍ أو حيةٌ تَلْسُبُ
من همَّتي حادٍ ومن عَزمتي / هادٍ ولو ضلَّ بيَ الكوكبُ
تحملُ كوري فيه عَيْرانَةٌ / إلى سوى مَهْرَةَ لا تُنْسَبُ
أَسري إلى العَليا بها في الدُّجى / وفَوْدُهُ من شُهْبِهِ أَشْهَبُ
وإنما تُعْرَفُ سُبْلُ العُلى / يسلُكها الأنجبُ فالأنجبُ
إن كان للفضل أبٌ إنَّهُ / نجلُ بني عبد العزيزِ الأبُ
المُنْتَضَى من جَمَراتِ الأُلى / على السِّماكينِ لهمْ مَنْصِبُ
من أُسرةٍ إنْ شهدوا نادياً / زانَ بهم أو وَلَدوا أَنجبوا
تنحطُّ قحطانٌ وساداتُها / عنهمْ وتمشي خلفهمْ تغلِبُ
بيضٌ مصاليتُ قضى سَرْوُهُم / أنَّ جَداهُمْ مَطَرٌ صَيِّبُ
لم تخلُ من نارٍ لهمْ في الدجى / ثنيَّةٌ علياءُ أو مَرقَبُ
جنابُهُمْ أحوى وأبياتُهُمْ / تُوسَعُ بالإكرامِ أو تَرْحُبُ
حيثُ قبابُ المجدِ مضروبةٌ / تُعْمَدُ بالعلياء أو تُطْنَبُ
والأسَلُ السُّمرُ وبيضُ الظُّبا / دونَ العِدا والضُمَّرُ الشُزَّبُ
والعزُّ معقودُ الحُبا أقْعَسٌ / والبأسُ مطرورُ الشَّبا مُغْضَبُ
هل شيَّدَ العلياءَ إلا فتىً / راقَ به المَحْفَلُ والمركبُ
لا يرغبُ الدهرُ وأيامُهُ / والسَّعدُ إلا في الذي يرغبُ
يرى العلا من خيرِ ما يُقْتَنَى / والحمدَ من أفضلِ ما يُكْسَبُ
فاليُمْنُ عن يُمناهُ لا ينثني / واليُسْرُ عن يسراهُ لا يَعْزبُ
نجمٌ نجيبٌ بدرُها شمسُها / عمّارُها حُوَّلُها القُلَّبُ
في الدَّسْتِ منه علمٌ أصيدٌ / وفي الوغى خر غامة أغلب
كم خطبَ المجدَ له صارمٌ / في منبرٍ من كفِّه يَخطَبُ
ذو ظمأ يشربُ ماءَ الطُّلا / وليس يُرويهِ الذي يشربُ
تخالُهُ مُنصلتاً بارقاً / أو كوكباً و قبساً يلهبُ
أَرسل في الحرب شُواظاً له / يَصلى لظاهُ البطلُ المُحربُ
تساجلُ الماءَ له صفحةٌ / ويعدلُ النارَ له مَضربُ
كُلِّلَ من إفرندِهِ جوهراً / ينهبُ أرواحاً ولا يُنْهَبُ
كلُّ شهابٍ عنده خامدٌ / وكلُّ برقٍ عنده خُلَّبُ
يفترُّ عن صفحته غمدُهُ / كما انجلى عن مائه الطُّحلُبُ
ويضربُ الهامَ به أروعٌ / سُرادق الفخرِ به يُضربُ
يخترقُ النَّقعَ على أشقرٍ / ينقضُّ منه في الوغى كوكبُ
يطيرُ في الخُضْرِ به أربعٌ / يُطْوى لها المشرقُ والمغربُ
صَهيلُهُ عن عِتقِهِ مُفْصِحٌ / وخَلْقُهُ عن سَبْقِهِ مُعربُ
لو طلب العنقا على متنهِ / راكبُهُ ما فاتَهُ مَطلبُ
الريحُ تكبو خلفَهُ من وَنىً / والبرقُ من سرعته يَعجَبُ
يُزْهَى به كلُّ زُها جحفلٍ / مَجْرٍ ويزدانُ به المِقْنَبُ
له تليلٌ مثلُ ما ينثني / غصنٌ به ريحُ الصَّبا تلعبُ
وحافرٌ إن يكُ ذا خُضرةٍ / فالجوُّ من عِثْيَرِهِ أكْهَبُ
يحملُ في صهوتهِ ضيغَماً / ليس سوى السيفِ له مِخلبُ
قرَّبَهُ من كلِّ أُكرومةٍ / مُهنَّدٌ أو سابحٌ مُقْربُ
أو صَعدةٌ سمراءُ أو مثلها / يراعةٌ تَطعنُ إذ تَكتُبُ
تمجُّ سماً وجَنَى نحلةٍ / فريقُها يُرجى كما يُرْهَبُ
تريكَ من صِبغَتها جوهراً / يُنْظَمُ في الطِّرْسِ ولا يُثْقَبُ
خرساءُ لكنَّ لها منطقاً / أقرَّ بالسَّبْقِ لها يَعربُ
تلك بنانٌ خُلِقَتْ للنَّدى / فما تني أنوارُها تُسْكَبُ
من واهبٍ لم أدرِ من قَبلِه / أَنَّ المعالي جَمَّةً تُوهَبُ
ذي همَّةٍ علياءَ لا تُرْتَقَى / وعزمةٍ صمّاءَ لا تُغْلَبُ
وفطنةٍ قصَّرَ عن نَعْتِها / أو بعضِها المُطْنِبُ والمسهب
حظّي من الأيام نَدبٌ به / يُرْأَبُ ما يُصْدَعُ أو يُشْعَبُ
ومعقلي طودُ عُلاهُ الذي / يزاحمُ النجمَ له مَنْكِبُ
أوفتْ على الأُفْقِ له ذروةٌ / لاذتْ به الجوزاءُ والعَقرَبُ
سنَّيْتُ أبرادَ ثنائي على / عِطْفَيْهِ من حَوكيَ ما تُسلَبُ
سال به الطبعُ مَعيناً كما / شقَّ بساطَ الروضةِ المِذنَبُ
فالطرسُ مذ أُلبسَ منها حُلىً / تحسُدُهُ العذراءُ والشُّيبُ
راغبةٌ فيهِ على أنها / عن كلِّ بيتٍ في العُلا تَرغَبُ
والغادةُ الحسناءُ مخطوبةٌ / وكفؤُها أوَّلُ مَنْ يَخطُبُ
أَقبلتْ تمشي لنا مَشْيَ الحُبابِ
أَقبلتْ تمشي لنا مَشْيَ الحُبابِ / ظبيةٌ تفترُّ عن مثل الحَبابِ
كلما مالَ بها سُكرُ الصِّبا / مال بي سكرُ هواها والتصابي
أشعرتْ في عبراتي بَخَلاً / إذ تَجَلَّتْ فتغطَّتْ بنقابِ
كذُكاءِ الدَّجنِ مهما هَطَلَتْ / عَبْرَةُ المُزْنِ توارتْ بالحِجابِ
ألوت بأهلِ اللوى المهريةُ النجبُ
ألوت بأهلِ اللوى المهريةُ النجبُ / فالحيُّ لا أَمَمٌ منَّا ولا كَثَبُ
لا عُذْرَ للعينِ إنْ هَبَّتْ يمانيةٌ / ولم يبلَّ نجادي ماؤُها السَّرِب
نوىً شطونٌ وجيرانٌ نَشدْتُهُم / عهدَ الجوار على بُعْدٍ فما قربوا
رأوا دماءً هُريقتْ يومَ بينهمُ / فأنكروها وهم يدرون ما السبب
أستودعُ الله أقماراً على إضَمٍ / تُنازِعُ الحليَ في لبَّاتِها الشُّهُبُ
ناديتُها بمغاني الجِزْعِ منْ كثَبٍ / حُيّيتِ أيتها الأغصانُ والكُثُب
يا لائميَّ غداةَ البينِ لومُكما / لنارِ قلبي على شَحْطِ النوى حَصَب
إنَّ اللياليَ والأيامَ أجدر بال / تأنيبِ ممَّن أطالت ظُلمَةُ النُّوَب
أشكو من الدهرِ أنياباً مُذَرَّبْةً / وبين فكيَّ هذا المِقْوَلُ الذَّرِب
تَغُضُّ منِّيَ فوا عجباً / لروضةٍ غَضَّ منها النَّوْرُ والعُشُب
ليعلمنَّ زماني أيَّ مُنْقَلَبٍ / إذا لقيت بني داودَ يَنْقَلِبُ
قومٌ لها شُفَراتٌ من عزائمهم / حدُّ السيوفِ المواضي عندها لُعَبُ
إذا احتَبَوا فالجبالُ الشمُّ راسخةٌ / وإن حَبَوا فالغمامُ الجَوْدُ مُنْسَكِبُ
كم صرَّفَ الجيشَ منهم قادةٌ فُهُمٌ / وأحرزَ المجدَ منهم سادةٌ نُجُبُ
سائلْ بهمْ كلَ عَرَّاصٍ ومنصلتٍ / تُخْبِرْكَ بالمأثُراتِ السُّمْرُ والقُضُبُ
أبناءَ حميرَ إنْ أمسى عليّكمُ / بدراً لكم فلأنتم حوله شُهُبُ
المرسلُ السمرَ أشطاناً أسنتها / دِلاؤُنا وقلوبُ الفيلقِ القُلُب
والطاعنُ الخيلَ حتى الخيلُ قائلةٌ / يا ليْتَ أعوجَ لم يُخْلَق له عقِب
نَدْبٌ خلعتُ عليه كلَّ مُعْلَمَةٍ / من المدائح وَشَّى بُرْدَها الأدب
لو أُنْشِدَتْ بعكاظٍ والقبائل قد / نَصَّتْ مآثرَها الأشعارُ والخطب
أَقرَّ يعربُ بالسَّبْقِ المبينِ لها / وأَجْمَعَ الرأيَ في تفضيلها العرب
قُمْ فاسْقِني ذَهَبِيَّةً
قُمْ فاسْقِني ذَهَبِيَّةً / إنَّ الأصيلَ مُذَهَّبُ
صفراءَ من زُهْرِ الكوا / كبِ للزجاجةِ كوكب
أوَمَا تَرى ذيل السَّحا / بِ على الحائقِ يُسْحَبُ
والروضُ يأرجُ والغدي / رُ مع الحمامِ يُصَخَّبُ
فإذا ترنَّمَ أوْرَقٌ / فيه تدفَّقَ مِذْنَب
والدمع طَلَّ سافحٌ / أو دُرُّ سِلْكٍ يُنْهَبُ
والبرقُ صفحةُ صارمٍ / أو مارجٌ يتَلَهَّبُ
ومهفهفٍ يصبو إلي / هِ الشادنُ المتربِّبُ
طابتْ حُمَيَّاهُ ور / يَّاهُ أَتَمُّ وأطيبُ
شربَ المدامَ وعلَّني / منْ ثَغره ما يَشْرَب
حتى إذا انبرتِ الشمو / لُ بمعطفيه تلعب
عانقتُ منه الصبحَ ح / تى لاح صُبْحٌ أشهب
فغدا اصطباحيَ منْ ثنا / ياهُ الرُّضابُ الأشنب
ألا جزعتْ بيضُ السيوف على فتىً
ألا جزعتْ بيضُ السيوف على فتىً / أَغَرَّ إذا ما جارَ بالسَّفْرِ غَيْهَبُ
رمتْه المنايا عندما غَشِيَ الوغى / وقد جعَلَتْ نيرانُها تتلهب
وقالوا لسانُ السَّمهريِّ أصابهُ / بنجلاءَ لا حدُّ الحسامِ المذرَّب
فواعجبا للبحرِ أَردته نقطةٌ / وللقمر الوضَّاحِ أرداه كوكب
غداةَ النَّوى زُمَّتْ لبينٍ ركائبُ
غداةَ النَّوى زُمَّتْ لبينٍ ركائبُ / عليها قِبابٌ حَشْوُهَنَّ كواعبُ
طلعنَ شموساً والديارُ مشارقٌ / لهنَّ وأحداجُ القلاص مغارب
تطاول ليلي بعد إمعان سيرهم / وآلى الدُّجى أن لا تغورَ الكواكب
فلا صبحَ إلا من محيَّا خريدةٍ / ولا ليلَ إلا فوقَ صُبحٍ ذوائب
تأوَّبني منهنَّ سُهْدٌ وعَبْرَةٌ / فلا أدمعي تَرْقا ولا النومُ آيب
عذاب الثنايا عذبت قلب مغرم / براه عذاب من جوى الحب واصب
وافتْ به غفلةُ الرقيبِ
وافتْ به غفلةُ الرقيبِ / والنجمُ قد مالَ للغروبِ
سكرانَ قد هزّتِ الحميَّا / منه قضيباً على كثيب
يعثرُ في ذيله فيحكي / عَثْرَةَ عينيه بالقلوب
تالله لو حازتِ الحميَّا / ما حاز من بهجةٍ وطيب
دنا إليها الهلالُ حتى / قبَّل في كفِّها الخضيبِ
عذيري من هضيمِ الكشحِ أحْوى
عذيري من هضيمِ الكشحِ أحْوى / رخيمِ الدلِّ قد لبسَ الشَّبابا
أعدَّ الهجرَ هاجرةً لقلبي / وصَيَّرَ وعْدَهُ فيها سَرابا
همٌّ سرى في أضلعي وسرى بي
همٌّ سرى في أضلعي وسرى بي / فالبرقُ سَوْطي والظلامُ ركابي
لأكَلِّفنَّ الليلَ عَزْماً طالعاً / في كلِّ مظلمةٍ طلوع شهاب
ولأعنينَّ الدهر أن يصمَ المنى / ولو انَّني أَنضبتُ ماء شبابي
بالهولِ أركبُهُ بكلِّ دُجُنَّةٍ / والسيرِ أُعملُهُ بكلِّ يباب
من مبلغُ الزهراء أَنِّيَ راتعٌ / منها بروضِ أزاهرِ الآداب
ومخبِّر البلقاء أنَّ خطيبها / ظَفِرتْ يدي من سجعه بخطاب
مهلاً أبا بكر فكلُّ مُسوَّمٍ / نازَعْتَهُ طَلَقَ الأعنَّةِ كابي
قسماً لَهَاتيكَ المحاسنُ أفصحت / بمثالب الشعراء والكتاب
يبني لك المجد المؤثَّلَ أخرسٌ / بَهَرَتْ فصاحتُهُ ذوي الألباب
قلم تمشَّى في طروسِكَ فانبرتْ / مثلَ الرياضِ وأيمِها المُنْساب
جاءت حلاها واضحاتٍ كلُّها / فكأنهن مباسم الأحباب
من كل محكمة كأن شذورها / حلي الترائب من دمىً أتراب
تركت حلاوةُ لفظها إذ نوزعتْ / أكوابُها كالصَّابِ لفظَ الصابي
تردُ العيونُ عيونَها في مُهْرَقٍ / رُقمتْ به وِردَ القطا الأسراب
فكأنما أُلِّفنَ من حدَقِ المها / أو من ثنيات لهن عذاب
أو من صفاء مودةٍ أدبيّةٍ / أَغْنَتْ غَنَاءَ تلاحُمِ الأنسابِ
لبَّيْكَ داعيَها وإني ضامنٌ / ألاّ تَزالَ وثيقةَ الأسباب
ناديتَ أسرعَ من يجيب لدعوةٍ / محمودةٍ فأجبتَ خيرَ مُجابِ
إن نشترك في الودِّ إنَّا والعلا / جرض لمشتركانِ في الأوصاب
إيهٍ دموعَكَ للفضائلِ أقلعتْ / والمجدُ صار إلى حصىً وتراب
ولتبكِ من جزعٍ فإنَّ بكاءَنا / لمصارعِ الأحلام والأحساب
أَفَلَتْ نجومُ العلم لا لتعاقبٍ / ومضت وفودُ الحلم لا لإياب
قد خِلْتُ والأيامُ تنتهبُ العلا / بنوائبٍ ما حدُّهنَّ بناب
وارحمتا للمجد أقوى رَبْعُهُ / من ماجدٍ محضِ النجارِ لباب
من ذي يدٍ حَبَتِ الزمانَ أيادياً / مُلِئَتْ بهنَّ حقائبُ الأحقاب
فضفاضُ درعِ الحمد مُشتملٌ بها / عفُّ الضمائر طاهرُ الأثواب
ولاَّجُ أبوابِ الأمورِ برأيهِ / طلاَّعُ أنجادٍ لها وهضاب
عِلقٌ أطال من الليالي فَقْدُهُ / فلبستُ ليلاً سابغَ الجلباب
متململاً أصِلُ الدموعَ بمثلها / صلةَ العِهادِ رَبابَها برباب
أردى شبيبته الرَّدى ومن المنى / لو يفتديها شرخُ كلِّ شباب
سلبَتْه دنياهُ ثيابَ حياتِهِ / فَلَتَعْصِبَنَّ عليه ثوبَ سِلاب
ولينكصنَّ الصبرُ بعد وفاته / من كلِّ مصطبرٍ على الأعقاب
أَنَّى خَبَتْ تلك العزائمُ ريثما / لم يخلُ من ضرَمٍ ومن إلهاب
أمست كنانةُ بعدهنَّ كِنانةً / مهجورةً صَفِرَتْ من النُشَّاب
وتضعضعت أركانها لِحُلاحِلٍ / قد كان منها في ذُرى الأَهضاب
وتكوَّرت شمسُ العَلاءِ وأُطْفِئَتْ / سُرُج العلومِ وأنوُرُ الآداب
واربدَّ وجهُ الحكم لمّا أن رأى / ذاك السَّنا متوارياً بحجاب
ولربَّ طَبٍّ بالزمان أهاب بي / وبه من الرزءِ المبرِّح ما بي
أأُخَيَّ إنَّ الدهرَ يَعجَبُ صَرفُه / من طول دأبكَ في البكاء ودابي
لا تصلح العبراتُ إلا لامرئٍ / لم يدرِ أنَّ العيشَ لمعُ سَرَاب
إنْ تبْكِهِ فمن الوفاءِ بكاؤُهُ / لكنْ ثوابُ الصبر خير ثواب
وقُصارُ أعيننا دموعٌ وكّفٌ / وقُصارُه طُوبى وحسن مآب
بأيِّ نعيٍّ صَبَّحَتْنا الركائب
بأيِّ نعيٍّ صَبَّحَتْنا الركائب / وفي أيِّ عِلْقٍ حاربتنا النَّوائبُ
أَحقّاً فتى الفتيانِ سُلِّمَ للردى / وأَسْلَمَهُ جيرانُه والأقاربُ
بكتْه سيوف ُ الهندِ ملءَ جفونها / وسُمْرُ العوالي والعِتاقُ الشَّوازب
وأصبحت العلياءُ غُفْلاً كأنَّها / رُسومٌ محَتْهُنَّ الصَّبا والجنائب
وما راعنا إلا الوفودُ وقد جَلَتْ / ضمائرَهُمْ تلكَ الدموعُ السَّواكب
إذا سئلوا عن آلِ داودَ أعْوَلوا / كما أعْوَلَتْ وُرْقُ الحمامِ النوادب
فمِن نبأٍ تسودُّ منه قلوبنا / ومِنْ حَدَثٍ تبيضُّ منه الذوائب
أغارت على الشُمِّ المغاويرِ منهمُ / رعالُ جيوشٍ للردى ومَقانب
فلم يُغْنِ جُردٌ في الأعنَّةِ شُهِّرَت / ولم تُجْدِ بيضٌ في الأكفِّ قواضب
ويا لَمَضاءِ المشرفيةِ دونهمْ / لو انَّ المنايا إذ سَرَيْنَ كتائب
لئن كان يُذْرَى الدمعُ حزناً ولوعةً / لقد آن أن تُذْرى الدموع السّوارب
لمُسْفِرِ صُبْحٍ دونَهُ الموتُ سافرٌ / وحاجبِ شمسٍ دونها الثكلُ حاجب
وهَضبةِ حلمٍ منْ شمارخها النُّهى / وزهرةِ مجدٍ من رُباها المناقب
تضمَّن منه القبرُ حَلْيَ شبيبةٍ / يُخَيِّلُ لي أنَّ الترابَ ترائب
فواحزنا ألا أُشاهدَ مجلساً / تُشاهِدُهُ أَخلاقُهُ والضَّرائب
و يا أسفا ألاّ أُطيقَ ابتسامةً / إذا خَطَبَتْ للهمِّ حولي غَياهب
لئن أمستِ الولدانُ شِيباً لموتِهِ / فكم شَبَّ في أَحْوَى حماهُ الأشايب
وإن صَفِرَتْ منه يدُ المجدِ والعلا / فكم مُلِئَتْ من راحتيهِ الحقائب
يقولُ أُناسٌ لو تعَزَّيْتَ بعده / فكلُّ عزاءٍ في مصابك عازِبُ
ووالله ما طرفي عليكَ بجامدٍ / وهل تجمد العينانِ والقلبُ ذائب
ولا لغليلِ البرْحِ بعدكَ ناضحٌ / ولو نشأَتْ بين الضلوعِ سحائب
رُوَيْدَ الليالي كم تَهُمُّ بضيمنا / وتطرُقُنا منها همومٌ نواصِب
نُسالمُ هذا الدهرَ وهو محاربٌ / ونطمعُ في إعتابِه وهو عاتب
تُساقُ أَبيّاتُ النفوس ذليلة / إليه وتنقادُ القُرومُ المَصاعبُ
لئن غُلِبَ الليثُ الهصورُ وشِبْلُهُ / فما لهما يوماً سوى اللهِ غالب
هو القدرُ المحتومُ إن جاءَ مُقدِماً / فلا الغابُ محروسٌ ولا الليث واثب
وكائنْ طَلَبْنا العيشَ صفواً جِمامُهُ / فلمْ تخلُ منْ رَنْقِ الخطوبِ المشارب
ومَنْ يَبْلُ أَنْفاسَ الورى ونفوسَهُمْ / يَجِدْها ديوناً تَقْتَضيها النوائب
وما تفتُرُ الأيامُ تطلبُنا بها / فيُدْرَكُ مطلوبٌ ويَظْفَرُ طالب
وما الناسُ إلا خائضو غمرةِ الردى / فطافٍ على ظهرِ التُرابِ وراسب
أبا حسَنٍ طال الحجابُ ولم يكنْ / يعوقُ رجائي عن لقائكَ حاجب
أبا حسَنٍ قد آبَ كلُّ مودِّعٍ / فمَن ضامنٌ للمجد أَنك آيب
أنبكيكَ أم نبكي أباك لغارةٍ / تُشَنُّ لقد ضاقت علينا المذاهب
تَزَلْزَلَ من طَوْدِ الكهولةِ باذخٌ / وأُخمدَ من نورِ الشبيبةِ ثاقِبُ
وصوَّح أصلُ المَعْلُواتِ وفَرْعُها / وقد يتبعُ الأصلَ الفروعُ الأطايب
بأيِّ اتِّفاقٍ والحياةُ بمائها / وأيّ اتفاقٍ بعدُ والعيشُ ناضب
نوائبُ لم يَقْنَعْنَ منكمْ بواحدٍ / وواحدُكُمْ عن مَشْهَد الكلِّ نائب
فليتَ العلا إذ جفْ منهنَّ جانبٌ / تَبَقَّى على عَهْدِ الغَضارَةِ جانب
وليتَ بحارَ الجوادِ إذ غاضَ ماؤُها / تدومُ لنا تلكَ العِهاد الصَّوائب
فيا عجباً للسّيدين طوتهُما / معاً حادثاتٌ كلُّهُنَّ عجائب
أكانا على وعدٍ من الموتِ صادقٍ / فخانهما وعدٌ من العيش كاذب
عزاءً بني داودَ إنَّ قلوبكم / صوارمُ تفري الحزنَ منها مَضارب
فمَن يصدَعِ الخطبُ الملمُّ صفاتَهُ / فعزمكُمُ المشهورُ للصَّدْعِ شاعب
وكيف بهذا الموتِ إنْ كانَ صَبْرُكُمْ / وفيه لباناتٌ لكم ومآرب
وكم مَشْرَعٍ حامتْ عليه نفوسُكُمْ / ولا ماءَ إلاّ المُرْهَفاتُ القواضب
وما زلتمُ في الرَّوْعِ معتنقي القَنا / كما اعتنقتْ يومَ الوداع الحبائب
بقيتمْ ومحذورُ الرَّدى متنصِّلٌ / ومعتذرٌ مما جَنَاهُ وتائب
ولا زالَ رَوْحُ الله يَسْري لأعْظُمٍ / تَغَايَرُ في سَقْيِ ثراهُ السحائب
وحبَّبَ يومَ السَّبتِ عنديَ أنني
وحبَّبَ يومَ السَّبتِ عنديَ أنني / يُنادِمُني فيه الذي أنا أحببتُ
ومن أعجبِ الأشياءِ أنيَ مسلمٌ / تقيٌّ ولكن خيرُ أياميَ السبت
سَرَى وَهْناً وليلتُنا
سَرَى وَهْناً وليلتُنا / كلمَّتِهِ أو السَّبَجِ
يُديرُ عليَّ صافيةً / تَضوعُ لِعَرْفِهِ الأرِجِ
وبينهما معَتَّقةٌ / من اللَّحظَاتِ والفَلَجِ
فنلتُ السكرَ من خمرٍ / ومن ثَغْرٍ ومن غَنَجِ
أرضٌ منَمْنَمَةٌ وظِلٌّ سَجْسَجُ
أرضٌ منَمْنَمَةٌ وظِلٌّ سَجْسَجُ / وصَباً بأنفاسِ الرُّبى تتأرَّجُ
ومذانبٌ زُرْقُ النطافِ تَرفُّ في / وَجناتهنَّ شقائقٌ وبنفسج
فالماءُ مصقولُ الأديمِ مُفَضَّضٌ / والروضُ مطلولُ النسيمِ مُدَبَّجُ
صيغَتْ أزاهِرُهُ دنانيراً بها / فترى دنانيرَ النُّضار تُبَهْرَج
قُمْ نَصْطَبِحْها والنجومُ جوانحٌ / والصبحُ في أعقابها مُتَبَلَّج
حمراءَ صافيةً كأنَّ شعاعَها / ضَرَمٌ بأيدي القابسين يُؤَجَّج
تحكي رُضابَ مُديرِها فكأنَّها / قد مجَّها في الكاسِ منه مفلَّج
قد راضَ مُصعَبَها المِزاجُ كأنما / بخلائقِ الملكِ الحُلاحِلِ تُمزَج
مَلِكٌ نمتْه من الملوك أكابرٌ / هُمْ أوضحوا سُبُلَ العَلاءِ وأَنهجوا
شَخْتُ الحواشي باسلٌ يومَ الوغى / ضَخم الجَدا طَلْقُ المحيَّا أَبلَج
غادٍ إلى كسب المعالي رائحٌ / ومهجّرٌ في مُرتضاها مُدلج
أمّا يدُ ابن عليٍّ العَليا فما / ينفكُّ بحرُ نَوالها يتموَّج
فَتَحَت ضروباً للمكارمِ أُبهِمَت / غَلْقاً فما للجودِ بابٌ مُرْتَج
فكأنما هو بالسَّماح مُخَتَّمٌ / وكأنما هو بالعلاء مُتَوَّج
أسدٌ خضيبُ السيفِ من ماء الطلا / والليثُ دامي الظُّفرِ حينَ يهيَّج
شَيْحانُ يقتحمُ العجاجَ وثوبُهُ / ممّا تُمَزِّقُهُ الصَّوارمُ مُنْهَج
بأقبَّ ما طارتْ قوائمُهُ به / إلا اشتهى طَيَرانهنَّ التُّدْرج
من آلِ أعوجَ ما عَهدْنا قبْلَهُ / وقد انتمى بَرْقاً نماهُ أعوج
كم فتكةٍ بسيوفِهِ وَصِعادِهِ / يُمْضي بها العَزَماتِ منه مدجج
ووقائعٍ تُنسيكَ يومَ بُعاثَ إذ / نكصتْ أمامَ الأوْسِ فيه الخزرج
والحربُ قد نشَرَتْ مُلاءَ عَجاجةٍ / بسنابكِ الجُرْدِ الصَّلادم تُنْسَجُ
في حيثُ تلمعُ للسيوفِ بوارقٌ / تَهْفو وينشَأ للقَساطِلِ زِبْرِجُ
وتنير من أَسَلِ الرماحِ كواكبٌ / ما إن لها إلاّ العواملَ أَبْرُجُ
والسيفُ ذو ضدَّينِ فوقَ يمينه / طوراً يسيلُ وتارةً يتأجج
ماءٌ له جثَثُ الفوارسِ جَذْوَةٌ / نارٌ لها قممُ الأعادي عرفج
يَحْنيهِ طولُ ضِرابِهِ هامَ العِدا / حتى يُرَى بيديه منه صَوْلَجُ
لله منه حسامُ مُلكٍ مُرْتَدٍ / بحسامِ هندٍ والوغى تَتَوَهَّج
يَسْبيهِ طَرْفٌ للسِّنانِ وأجردٌ / طِرْفٌ ولا يسبيه طَرْفٌ أدعَج
والبيضُ تُذْهِلُهُ عن البيضِ الدُّمى / حتى لقد حَسَدَ القرابَ الدُّمْلَج
يَشْجوهُ مُعْتَرَكُ الأسودِ صَبابةً / مهما شَجا الركبَ الكثيبُ وَمَنْعِجُ
فَيَعوجُ من شَغَفٍ عليه كلَّما / عاجُوا على مَغنَى الخليطِ وَعَرَّجوا
يا من تَفرَّعَ من ذؤابةِ حميرٍ / وبحميرٍ نَشْرُ العُلا المتأرِّج
للهِ أنت إذا الفوارسُ أحجمت / واندقَّ في الثَّغرِ الوشيجُ الأعوج
والسابغاتُ على الكماةِ كأنها / غُدران ماءٍ بالنسيمِ تُدَرَّج
والبيضُ تَبْسِمُ والجيادُ عوابسٌ / والسُّمْرُ بالعَلَقِ المُمارِ تَضَرَّج
من كلِّ وقَّادِ السِّباقِ كأنما / في كلِّ ذابلةٍ ذُبالٌ مسرج
وإليكَها من واضحات قلائدي / مِدَحاً يرنُّ بها الحمامُ ويهْزج
كقطائعِ البُستانِ أينعَ زهرُها / أو كالعذارى البيضِ إذ تتبرَّج
وَافَتْكَ رائعةَ المحاسنِ طلقةً / غرَّاءَ تَعبَقُ بالثَّنا وتأرَّج
ومسَدِّدين إلى الطعانِ ذوابلاً
ومسَدِّدين إلى الطعانِ ذوابلاً / فازوا بها يومَ الهياجِ قِداحا
مُتسربلي قُمُصِ الحديدِ كأنها / غُدرانُ ماءٍ قد ملأنَ بطاحا
شبّوا ذبال الزرق في ليل الوغى / ناراً وكلَّ مُذرَّبٍ مصباحا
سُرُجٌ تَرى الأرواحَ تُطفي غيرها / عبثاً وهذي تطفئُ الأرواحا
لا فَرقَ بين النيراتِ وبينها / إلاّ بتسمية الوشيج رماحا
هبها تبدَّتْ في الظلام كواكباً / لمَ لا تغورُ معَ النجومِ صباحا
هُزَّتْ مُتونُ صِعادِها فاستيقظت / بأساً وضرَّجتِ الجسومَ جراحا
وجنى الكُماةُ النصرَ من أطرافها / لمّا انثنت بأكفِّها أدواحا
لا غَرْوَ أنْ راحتْ نَشاوى واغتدت / فلقد شَرِبْنَ دمَ الفوارسِ راحا
وأغيَدٍ طافَ بالكؤوسِ ضحىً
وأغيَدٍ طافَ بالكؤوسِ ضحىً / فحثَّها والصباحُ قد وَضَحا
والروضُ يُبدي لنا شقائقهُ / وآسُهُ العنبريُّ قد نفحا
قلنا وأين الأقاحُ قال لنا / أودعتُهُ ثَغْرَ مَنْ سَقَى القدحا
فظلَّ ساقي المُدام يجحدُ ما / قالَ فلمّا تبسَّمَ افْتُضِحا