المجموع : 61
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ / يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ
لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حا / لَ سناً مِنك دونَهم وسَناءُ
إنّما مَثَّلُوا صِفاتِك للنا / س كما مثَّلَ النجومَ الماءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَص / دُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ
لكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَي / بِ ومنها لآدمَ الأَسماءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَا / رُ لك الأُمهاتُ الأَباءُ
ما مضتْ فَترةٌ من الرُّسْلِ إِلّا / بَشَّرَتْ قومَها بِكَ الأَنبياءُ
تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو / بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ
وَبَدا للوُجُودِ منك كريمٌ / من كريمٍ آبَاؤُه كُرماءُ
نَسَبٌ تَحسِبُ العُلا بِحُلاهُ / قَلَّدَتْهَا نجومهَا الْجَوزاءُ
حبذا عِقْدُ سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ / أنتَ فيه اليتيمةُ العصماءُ
وُمُحَيّاً كالشَّمس منكَ مُضِيءٌ / أسْفَرَت عنه ليلةٌ غَرّاءُ
ليلةُ المولدِ الذي كَان للدِّي / نِ سرورٌ بيومِهِ وازْدِهاءُ
وتوالَتْ بُشْرَى الهواتفِ أن قدْ / وُلِدَ المصطفى وحُقّ الهَناءُ
وتَدَاعَى إيوانُ كِسْرَى ولَوْلا / آيةٌ مِنكَ ما تَدَاعَى البناءُ
وغَدَا كلُّ بيتِ نارٍ وفيهِ / كُرْبَةٌ مِنْ خُمودِها وَبلاءُ
وعيونٌ لِلْفُرسِ غارَتْ فهل كا / نَ لنِيرانِهِم بها إطفاءُ
مَوْلِدٌ كان منهُ في طالعِ الكُفْ / رِ وبالٌ عليهِمُ ووباءُ
فَهنيئاً به لآمِنَةَ الفَض / لُ الذي شُرِّفَتْ به حوَّاءُ
مَنْ لِحَوَّاءَ أنها حملَتْ أحْ / مدَ أو أنها به نُفَسَاءُ
يوْمَ نَالت بِوَضْعِهِ ابنَةُ وَهْبٍ / مِنْ فَخَارٍ ما لم تَنَلْهُ النِّساءُ
وَأَتَتْ قومَها بأفضلَ مما / حَمَلَتْ قبلُ مريمُ العذراءُ
شمَّتته الأَملاكُ إذ وضَعَتْهُ / وشَفَتْنَا بِقَوْلِهَا الشَّفّاءُ
رافعاً رأسَه وفي ذلك الرف / ع إلى كل سُؤْدُدٍ إيماءُ
رامقاً طَرْفه السَّماءَ ومَرْمَى / عينِ مَنْ شَأْنُهُ العُلُوُّ العَلاءُ
وتَدَلَّتْ زُهْرُ النُّجومِ إليهِ / فأضاءت بِضوئها الأَرجاءُ
وتراءت قصورُ قَيصَر بالرُّو / مِ يَرَاهَا مَنْ دَارُهُ البطحاءُ
وبَدَتْ فِي رَضَاعِهِ مُعْجِزَاتٌ / لَيْس فيها عنِ العيون خَفَاءُ
إذْ أَبَتْهُ لِيُتْمِهِ مُرْضِعاتٌ / قُلْنَ ما في اليتيمِ عنا غَنَاءُ
فأتتهُ من آلِ سعدٍ فتاةٌ / قد أبَتْهَا لِفَقْرِهَا الرُّضَعاءُ
أرْضَعتْهُ لِبَانَهَا فَسَقَتْهَا / وَبنِيها أَلْبَانَهُنَّ الشَّاءُ
أَصْبَحَتْ شُوَّلاً عِجافا وأمْسَتْ / ما بِها شائلٌ ولا عَجْفاءُ
أخْصَبَ العَيْشُ عِنْدَهَا بعدَ مَحْلٍ / إذ غَدا للنبيِّ منها غِذاءُ
يا لَها مِنَّةً لقدْ ضُوعِفَ الأَجْ / رُ عليها من جِنْسِها والجزَاءُ
وإذا سخَّرَ الإِلهُ أُناساً / لسعيدٍ فإِنهم سُعَداءُ
حَبَّة أَنْبَتَتْ سَنَابِلَ والعَص / فُ لَدَيْهِ يَسْتَشْرِفُ الضُّعَفَاءُ
وَأَتَتْ جَدَّهُ وقد فَصَلَتْهُ / وبِهَا مِنْ فِصَالِهِ البُرَحَاءُ
إذ أحاطتْ به ملائكةُ الل / هِ فظنَّتْ بأنهم قُرَنَاءُ
ورأى وَجْدَها به ومِنَ الوَج / دِ لهيبٌ تَصْلَى بهِ الأَحْشاءُ
فَارَقَتْهُ كُرْهَاً وكان لَدَيْهَا / ثاوِياً لا يُمَلُّ مِنْهُ الثّواءُ
شُقَّ عَنْ قَلْبِهِ وأُخْرِجَ مِنْهُ / مُضْغَةٌ عِنْدَ غَسْلِهِ سوداءُ
خَتَمَتْهُ يُمْنَى الأَمينِ وقد أُو / دِعَ ما لم تُذَع له أَنْبَاءُ
صانَ أَسْرَارَه الخِتَامُ فلا الفَضْ / ضُ مُلِمٌّ بِهِ وَلا الإِفضاءُ
أَلِفَ النُّسْكَ والعبادةَ والخَل / وةَ طِفلاً وهكذا النُّجَبَاءُ
وإذا حَلَّتِ الْهِدَايَةُ قَلْبَاً / نَشِطَتْ في العبادة الأَعضاءُ
بَعَثَ اللَّهُ عندَ مبعثهِ الشُّه / بَ حِراساً وضاقَ عنها الفضاءُ
تَطْرُدُ الجِنَّ عن مقاعدَ للسَّمْ / عِ كما تَطْرُدُ الذِّئابَ الرِّعاءُ
فَمَحَتْ آيةُ الكَهَانَةِ آيا / تٌ مِنَ الوحْيِ ما لَهنَّ امِّحاءُ
ورأَتْهُ خديجةٌ والتُّقَى وال / زُّهْدُ فيه سجيَّةٌ والحياءُ
وأتاها أن الغمامةَ والسر / حَ أَظَلَّتْهُ منهما أفياءُ
وأحاديث أنَّ وَعْدَ رسولِ ال / له بالبعثِ حانَ منه الوفاءُ
فدَعَتْهُ إلى الزواجِ وما أَحْ / سَنَ ما يبلغُ المُنَى الأَذكياءُ
وأتاهُ في بيتها جَبْرَئيلٌ / ولِذي اللُّبِّ في الأُمورِ ارْتياءُ
فأماطت عنها الخِمَارَ لتَدْري / أهُوَ الوحْيُ أم هو الإِغماءُ
فاختفى عند كشفِها الرأْسَ جِبْري / لُ فما عادَ أو أُعيدَ الغِطاءُ
فاستبانت خديجةٌ أنه الكنْ / زُ الذي حَاوَلَتْهُ والكِيميَاءُ
ثم قام النبيُّ يدعو إلى الل / هِ وفي الكُفرِ نَجْدَةٌ وإباءُ
أُمَمَاً أُشرِبَتُ قلوبُهُم الكُف / رَ فَدَاءُ الضَّلالِ فيهم عَيَاءُ
ورأينا آياتِه فاهتدَيْنَا / وإذا الحقُّ جاء زالَ المِراءُ
رَبِّ إِنَّ الهُدى هُداك وَآيا / تُكَ نورٌ تَهْدِي بها من تشاءُ
كم رأَيْنَا ما ليس يَعْقِلُ قد أُلْ / هم ما ليْس يُلْهَمُ العُقلاءُ
إذ أبى الفيلُ ما أتى صاحبُ الفي / لِ ولم ينفعِ الحِجا والذكاءُ
والجماداتُ أفصحت بالذي أُخ / رِسَ عنه لأَحمدَ الفُصحاءُ
ويْحَ قومٍ جَفَوا نَبِيَّاً بأرضٍ / أَلِفَتْهُ ضِبَابُها والظِّبَاءُ
وَسَلَوْهُ وَحَنَّ جِذعٌ إِليه / وَقَلَوْهُ وَوَدَّهٌ الغُرَباءُ
أخرَجوه منها وآوَاهُ غارٌ / وَحَمَتْهُ حَمامَةٌ وَرقاءُ
وَكَفَتْهُ بِنَسْجِها عنكبوتٌ / ما كَفَتْهُ الحمامةُ الحَصْداءُ
وَاختفى منهمُ على قُرْبٍ مَرْآ / هُ ومن شِدَّةِ الظهورِ الخَفَاءُ
وَنَحا المصطفى المدينةَ وَاشتا / قتْ إليه من مكةَ الأَنحاءُ
وَتغنّتْ بِمَدْحِهِ الْجِنُّ حتَّى / أطرَبَ الإِنسَ منه ذاك الغِناءُ
وَاقتفى إثْرَهُ سُراقَةُ فاستَهْ / وَتهُ في الأَرْضِ صافنٌ جَرْداءُ
ثم ناداهُ بعدَما سِيمَتِ الخَس / فَ العُلا وَقَد يُنْجِدُ الغريقَ النِّداءُ
فطوى الأَرضَ سائرا وَالسموا / تِ العُلا فوقَها له إِسراءُ
فصِفِ الليلةَ التي كان للمُخ / تارِ فيها على البُراقِ استواءُ
وترقى به إلى قابِ قَوْسَيْ / نِ وَتِلكَ السيادةُ القَعْساءُ
رُتَبٌ تَسْقُط الأَمانيُّ حَسْرَى / دونَها ما وراءهن وَرَاءُ
ثم وافَى يحدِّثُ الناسَ شُكْرَاً / إذ أتته من ربِّه النَّعْماءُ
وتَحَدَّى فارتابَ كلُّ مُريبٍ / أَوَ يَبْقَى مع السُّيُولِ الغُثاءُ
وَهْوَ يدعو إلى الإِلهِ وَإن شق / قَ عليه كفرٌ به وَازدِراءُ
وَيَدُلُّ الورَى على اللَّهِ بالتَّوْ / حيدِ وَهْوَ المَحَجَّةُ البَيْضاءُ
فَبِمَا رحمةٍ مِنَ اللَّهِ لانَتْ / صَخْرةٌ مِنْ إبائِهم صَمَّاءُ
وَاستجابَتْ له بنصرٍ وَفَتْحٍ / بعد ذاكَ الخضراء والغبراءُ
وَأَطاعَتْ لأَمْرِهِ العَرَبُ العَرْ / باء وَالْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ
وَتَوالَتْ للمصطفى الآيةُ الكبْ / رَى عليهمْ وَالغارةُ الشَّعْواءُ
فإذا ما تلا كتابا من الل / هِ تَلَتْهُ كَتِيبَةٌ خضراءُ
وَكفاهُ المستهزئينَ وَكم سا / ءَ نبِيَّاً من قومِه استهزاءُ
وَرَماهم بِدَعْوَةٍ من فِناءِ ال / بَيتِ فيهَا للظالمين فَنَاءُ
خمسةٌ كُلُّهم أُصيبوا بداءٍ / والرَّدَى من جنودِهِ الأَدوَاءُ
فدَهَى الأَسودَ بنَ مُطَّلِبٍ أَي / يُ عمىً مَيِّتٌ به الأَحياءُ
وَدَهَى الأَسودَ بنَ عبدِ يغوثٍ / أن سَقَاهُ كأسَ الرَّدَى اسْتِسْقَاءُ
وأَصابَ الوليدَ خَدْشَةُ سَهْمٍ / قَصَّرَتْ عنها الْحَيَّةُ الرَّقْطاءُ
وَقَضَتْ شَوْكَةٌ على مَهْجَةِ العا / صِي فللّهِ النَّقْمَة الشَّوْكاءُ
وَعَلا الحارثَ القُيُوحُ وَقد سا / لَ بِها رأسُه وَساء الوِعاءُ
خمسةٌ طُهِّرَتْ بِقَطْعِهِم الأَر / ضُ فَكَفُّ الأَذى بهم شَلَّاءُ
فُدِيَتْ خمسةُ الصَّحيفةِ بالخَم / سةِ إن كان بالكرام فِدَاءُ
فِتْيَةٌ بَيَّتُوا على فِعلِ خَيْرٍ / حَمِد الصبحُ أمرَهم وَالمَساءُ
يَا لأَمر أَتاهُ بعدَ هِشامٍ / زَمْعَةٌ إنه الفتَى الأَتَّاءُ
وَزُهَيْرٌ وَالْمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ / وَأبو البَخْتَرِيِّ مِنْ حيث شاؤوا
نَقَضُوا مُبْرَمَ الصَّحيفةِ إذ شد / دَت عليهم من العِدا الأَنداءُ
أذْكَرَتْنَا بِأَكْلِهَا أكلَ مِنْسَا / ةِ سُلَيْمانَ الأَرْضَةُ الخَرساءُ
وَبهَا أخبَر النبيُّ وكم أخ / رَجَ خَبْئاً له الغُيُوبُ خِبَاءُ
لا تَخَلْ جانِبَ النبيِّ مُضَاماً / حينَ مَسَّتْهُ منهمُ الأَسْواءُ
كلُّ أمرٍ نَابَ النبيِّينَ فالشد / دَةُ فيه محمودةٌ وَالرّخاءُ
لو يَمسُّ النُّضَارَ هُونٌ مِنَ النا / رِ لما اختيرَ للنُّضَارِ الصِّلاءُ
كم يَدٍ عن نَبِيِّهِ كَفَّهَا الل / هُ وَفي الخَلْقِ كَثْرَةٌ وَاجتراءُ
إذ دعا وَحْدَهُ العبادَ وَأَمْسَتْ / مِنه في كلِّ مُقلَةٍ أَقْذاءُ
هَمَّ قومٌ بِقَتْلِهِ فأَبى السَّيْ / فُ وَفاءً وَفاءتِ الصَّفْواءُ
وَأبو جهلٍ إذ رأى عُنُقَ الفح / لِ إليه كأنه العنقَاءُ
وَاقتضَاهُ النبيُّ دَيْنُ الإِراشي / يِ وَقد سَاء بيعُهُ وَالشِّرَاءُ
وَرأى المصطفى أَتَاهُ بما لَمْ / يُنْجِ منه دونَ الوفاء النَّجَاءُ
هوَ ما قد رآهُ مِن قبلُ لكنْ / ما عَلَى مِثْلِهِ يُعَدُّ الخَطَاءُ
وَأَعَدَّتْ حَمَّالَةُ الحَطَبِ الفِه / رَ وَجَاءَتْ كأَنها الوَرْقاءُ
يومَ جاءَت غَضْبَى تقولُ أفي مِث / لِيَ مِنْ أحمدٍ يُقالُ الهِجَاءُ
وَتَولَّتْ وَمَا رأته وَمِنْ أَيْ / نَ تَرَى الشمسَ مُقْلَةٌ عمياءُ
ثم سَمّتْ له اليهوديَّةُ الشَا / ةَ وَكم سَامَ الشِّقْوَةَ الأَشقِيَاءُ
فأَذاعَ الذِّراعُ مَا فيه مَن شر / رٍ بِنُطْقٍ إخفاؤُهُ إبداءُ
وَبِخُلقٍ مِنَ النبيِّ كريمٍ / لَمْ تُقَاصَصْ بِجرحهَا العَجْماءُ
مَنَّ فَضْلاً عَلَى هَوَازِنَ إذْ كا / نَ له قبلَ ذَاكَ فيهِمِ رِبَاءُ
وَأتى السَّبيُ فيه أُختُ رَضَاعٍ / وَضَعَ الكُفْرُ قَدْرَهَا وَالسِّبَاءُ
فَحَبَاهَا بِرّاً تَوَهَّمَتِ النَّا / سُ به أنَّما السِّبَاء هِداءُ
بَسَطَ المصطفى لها مِن رِداءٍ / أيُّ فضل حَوَاهُ ذاكَ الرِّداءُ
فَغَدَتْ فيه وَهْيَ سيِّدةُ النِّسْ / وَةِ وَالسيِّدَاتُ فيه إمَاءُ
فتَنَزَّهْ في ذاتِه وَمَعَانيهِ / استماعاً إنْ عَزَّ مِنهَا اجتِلاءُ
وَاملأ السّمْعَ مِن محَاسِنَ يُمْلِي / هَا عليك الإنشَادُ وَالإِنْشَاءُ
كلُّ وَصْفٍ له ابْتَدَأتَ به استَوْ / عَبَ أخبَارَ الفضلِ مِنه ابتداءُ
سَيِّدٌ ضِحْكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَش / يُ الهَوَيْنَا وَنَومُهُ الإِغفاءُ
مَا سِوَى خُلْقِهِ النسيمُ وَلا غَيْ / رَ مُحَيَّاهُ الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ
رحمةٌ كلُّهُ وَحَزْمٌ وَعَزْمٌ / وَوَقَارٌ وَعِصْمَةٌ وَحَيَاءُ
لا تَحُلُّ البأْسَاء مِنه عُرَا الصَّبْ / رِ وَلا تَسْتَخِفُّهُ السَّرَّاءُ
كَرُمَتْ نَفْسُهُ فما يخْطُرُ السُّو / ء عَلَى قَلْبِهِ وَلا الفحشَاءُ
عَظُمَتْ نِعْمَةُ الإِله عليه / فاستَقَلَّتْ لِذِكْرِهِ العُظَمَاءُ
جَهِلَتْ قومُهُ عليه فأَغْضَى / وَأخو الحِلْم دَأبُهُ الإِغْضَاءُ
وَسِعَ العَالَمِين عِلْمَاً وَحِلْمَاً / فهْوَ بحرٌ لم تُعْيِهِ الأَعبَاءُ
مُسْتَقِلٌّ دُنْيَاكَ أن يُنْسَبَ الإِم / ساكُ منها إليه والإِعطاءُ
شمسُ فضلٍ تَحَقَّقَ الظنُّ فيه / أنه الشمسُ رِفْعَةً والضِّياءُ
فإذا ما ضحا محا نورُه الظِّل / لَ وقد أثْبَتَ الظِّلالَ الضَّحَاءُ
فكأنَّ الغمامةَ استَوْدَعَتْهُ / مَنْ أظَلَّتْ مَنْ ظِلِّهِ الدُّفَفَاءُ
خَفِيَتْ عِنْدَهُ الفضائلُ وانجا / بَتْ به عن عقولِنَا الأهواءُ
أمَعَ الصُّبحِ للنجومِ تَجَلٍّ / أمْ مع الشمسِ للظلامِ بَقاءُ
مُعجزُ القَوْلِ والفِعَالِ كريمُ ال / خلقِ وَالخُلْقِ مُقْسِطٌ مِعْطاءُ
لا تَقِسْ بالنبيِّ في الفضل خَلْقَاً / فهو البحر والأنامُ إضاءُ
كلُّ فضل في العالَمين فمن فَض / لِ النبيِّ استعارَهُ الفُضَلاءُ
شُقَّ عَنْ صَدْرِهِ وشُقَّ لَهُ البَدْ / رُ وَمِنْ شَرْطِ كلِّ شَرْطٍ جَزاءُ
ورَمَى بالحَصَى فأَقْصَدَ جَيشاً / ما العَصَا عِنْدَه وَمَا الإِلقاءُ
ودعا للأنامِ إذ دَهَمَتْهُم / سَنَةٌ مِنْ مُحولِها شَهْباءُ
فاسْتَهَلّتْ بالغَيْثِ سَبْعَةَ أَيَّا / مٍ عليهم سحابةٌ وَطْفاءُ
تَتَحَرّى مَواضِعَ الرَّعْيِ وَالسَّقْ / يِ وحيث العِطاشُ تُوهَى السِّقاءُ
وأتى الناسُ يَشْتَكُونَ أذاها / وَرَخَاءٌ يُؤْذِي الأنام غلاءُ
فدعا فانجلى الغمام فقلت في / وصف غيث إِقْلاعَه استسقاءُ
ثم أَثْرى الثَّرَى فقرَّتْ عُيونٌ / بقُراهَا وَأُحْيِيَتْ أَحْيَاءُ
فترى الأرضَ غِبَّهُ كسماءٍ / أشْرَقَتْ مِنْ نُجومِهَا الظَّلْمَاءُ
تُخْجِلُ الدُّرَّ واليواقيتَ من نَوْ / رِ رُباها البَيْضَاءُ والحَمراءُ
لَيْتَهُ خَصَّنِي بِرُؤْيَةِ وَجْهٍ / زَالَ عن كلِّ من رآه الشّقاءُ
مُسْفِرٌ يَلْتَقِي الكَتِيبَةَ بَسَّا / ماً إذا أسْهَمَ الوُجُوهَ اللِّقاءُ
جُعِلَتْ مَسْجِدَاً له الأرضُ فاهْتز / زَ به للصلاةِ فيها حِرَاءُ
مُظْهِرٍ شَجّةَ الْجَبِينِ عَلَى البُرْ / ءِ كما أَظهرَ الهلالَ البَرَاءُ
سُتِرَ الحُسْنُ منه بالحسنِ فاعجَبْ / لِجَمِالٍ له الْجَمالُ وِقاءُ
فهْوَ كالزّهْرِ لاحَ من سَجَفِ الأك / مام والعودِ شُقَّ عنه اللّحاءُ
كَادَ أَنْ يُغشِيَ العُيونَ سناً مِنْ / هُ لِسِرٍّ فيه حَكَتْهُ ذُكاءُ
صانَهُ الحُسْنُ وَالسّكِينَةُ أَنْ تُظ / هِرَ فيه آثارها البأساءُ
وتَخَالُ الوجوهَ إنْ قابَلَتْه / أَلْبَسَتْهَا ألوانَهَا الحِرْبَاءُ
فإذا شِمْتَ بِشْرَهُ وَنَدَاهُ / أذْهَلَتْكَ الأنوارُ والأنواءُ
أَوْ بتقبيلِ راحةٍ كانَ لل / هِ وباللَّه أخذها والعطاءُ
تَتَّقِي بأْسَها الملوكُ وَتحْظَى / بالغِنَى من نَوَالِهَا الفُقَراءُ
لا تَسَلْ سَيْلَ جُودِها إنما يَك / فِيك مِنْ وكْفِ سُحْبها الأنداءُ
دَرَّتِ الشاةُ حينَ مرَّتْ عَلَيها / فلها ثَرْوَةٌ بها وَنَماءُ
نَبَعَ الماءُ أَثْمَرَ النخلُ في عا / مٍ بها سَبَّحَتْ بها الحصباءُ
أحْيَتِ المُرْمِلِينَ مِنْ مِوْتِ جَهْدٍ / أَعْوَزَ القَوْمَ فيه زادٌ وماءُ
فتغَدَّى بالصَّاعِ أَلْفٌ جِياعٌ / وتَرَوَّى بالصَّاعِ ألفٌ ظِمَاءُ
وَوَفَى قدرُ بَيْضَةٍ مِنْ نُضَارٍ / دَيْنَ سَلْمَانَ حِينَ حانَ الوفاءُ
كانَ يُدْعَى قِنّاً فأُعْتِقَ لَمَّا / أيْنَعَتْ مِنْ نَخيلِه الأَقْنَاءُ
أفلا تَعْذُرُونَ سَلْمَانَ لَمَّا / أَنْ عَرَتْهُ مِنْ ذِكْرِهِ العُروَاءُ
وَأَزالَت بِلَمْسِهَا كلَّ دَاءٍ / أكْبَرَتْهُ أطِبَّةٌ وَإِسَاءُ
وعُيُونٌ مَرَّتْ بها وَهْي رُمْدٌ / فأَرَتْهَا مَا لَمْ تَرَ الزَّرْقَاءُ
وأَعادَتْ عَلَى قَتَادَةَ عَيْنَاً / فَهْيَ حتى مماتِه النَّجْلاءُ
أَوْ بِلَثْمِ التُّرَابِ مِنْ قَدَمٍ لا / نَتْ حَياءً من مَشْيِهَا الصَّفْواءُ
مَوْطِئُ الأخمَصِ الَّذِي منه للقل / لبِ إذا مَضْجَعي أَقَضَّ وِطاءُ
حَظيَ المسجدُ الحرامُ بمَمْشا / ها ولم يَنْس حَظه إِيلِيَاءُ
وَرَمَتْ إذْ رَمَى بها ظُلَمَ اللي / لِ إلى اللَّه خوفُه والرَّجاءُ
دَمِيَتْ في الوَغَى لِتَكْسِبَ طِيباً / ما أراقتْ من الدَّمِ الشُّهداءُ
فَهْيَ قُطْبُ المحرابِ وَالْحَرْبِ كم دا / رت عليها في طاعة أَرحاءُ
وَأُرَاهُ لو لم يُسَكِّنْ بها قب / لُ حِراءً ماجَتْ بِهِ الدَّأْمَاءُ
عَجَباً للكُفّارِ زادوا ضلالاً / بالذي فيه للعقول اهتداءُ
والذي يسألون منه كتابٌ / مُنْزَلٌ قد أتاهم وارتقاءُ
أَوَ لم يَكْفِهِمْ من اللَّهِ ذِكْرٌ / فيه للناس رحمةٌ وشفاءُ
أَعجزَ الإِنسَ آية منه والجن / نَ فَهَلَّا يأتي بها البُلَغاءُ
كلّ يومٍ تُهدَى إلى سامِعِيه / مُعجِزاتٍ من لفظِه القُرَّاءُ
تَتَحَلَّى به المسامِعُ والأف / واه فَهْو الحُلِيُّ وَالحَلْوَاءُ
رَقَّ لَفْظاً وراق معنىً فجاءَتْ / في حُلاها وحَلْيِها الخَنْسَاءُ
وأرَتْنَا فيه غوامضَ فضلٍ / رِقَّةٌ مِنْ زُلالِهَا وَصَفاءُ
إنما تُجْتَلَى الوُجُوهُ إذَا ما / جُلِيَتْ عِنْ مِرْآتِهَا الأصْداءُ
سُوَرٌ منه أشْبَهَتْ صُوَراً مِن / نَا ومِثْلُ النَّظَائِر النُّظَراءُ
والأقاويل عندَهمْ كالتماثي / لِ فلا يُوهِمَنَّكَ الخطباءُ
كم أبانَتْ آياتُهُ من علومٍ / عن حُروفٍ أبانَ عنها الهجاءُ
فهْي كالحَبِّ والنَّوَى أعجبَ الزُّر / راعَ منهُ سنابلٌ وَزَكاءُ
فأطالوا فيه التردُّدَ وَالرَّي / بَ فقالوا سِحْرٌ وقالوا افتراءُ
وإذا البيِّنَاتُ لَمْ تُغْنِ شيئاً / فَالتماسُ الهُدَى بِهِنَّ عَناءُ
وإذا ضلَّتِ العُقول على عِلْ / مٍ فماذا تقوله الفُّصَحاءُ
قومَ عيسى عاملْتم قومَ موسى / بالذي عامَلَتْكُم الحُنفاءُ
صَدَّقوا كُتْبَكُمُ وكذَبْتُمْ / كُتبَهُمُ إنّ ذا لَبِئْسَ البَواءُ
لو جحدنا جُحُودَكم لاستويْنَا / أوَ للحقِّ بالضَّلالِ استواءُ
مَا لَكُم إِخْوَةَ الكِتابِ أُناساً / ليس يُرْعَى للحقِّ منكم إخاءُ
يَحْسُدُ الأولُ الأخيرَ وما زا / لَ كذا المُحْدَثُونَ وَالقُدَمَاءُ
قد عَلِمْتُم بِظلمِ قابيل هابي / لَ ومظلومُ الإِخْوَةِ الأَتْقِيَاءُ
وسمِعْتم بكَيْدِ أَبناءِ يعقو / بَ أَخَاهم وكلُّهم صُلَحَاءُ
حِينَ أَلْقَوْهُ في غَيابَةِ جُبٍّ / وَرَمَوْهُ بالإفْكِ وَهْوَ بَراءُ
فتأَسَّوْا بِمَن مَضَى إذْ ظَلَمتمْ / فالتَّأَسِّي لِلنَّفْسِ فيه عَزَاءُ
أتُرَاكُم وَفَّيْتُم حينَ خَانُوا / أم تُرَاكُمْ أَحْسَنْتُمُ إذْ أساؤُوا
بَلْ تَمَادَتْ عَلَى التَّجَاهُلِ آبَا / ءٌ تَقَفَّتْ آثَارِهَا الأَبناءُ
بَيَّنَتْهُ تَوْراتُهُمْ وَالأَناجِي / لُ وَهم في جُحُودِهِ شُرَكاءُ
إنْ تقولوا ما بَيَّنَتْهُ فما زَا / لَتْ بها عن عيونهم غشوَاءُ
أو تقولوا قد بَيَّنَتْهُ فما لِلْ / أُذْنِ عما تقوله صَمَّاءُ
عَرَفُوهُ وَأنْكَرَوهُ وَظُلمَاً / كَتَمَتْهُ الشَّهَادَةَ الشُّهَدَاءُ
أوَ نُورُ الإِلهِ تُطْفِئُهُ الأَفْ / واهُ وَهْوَ الذي به يُسْتَضاءُ
أوَلا يُنْكِرُونَ مَن طَحَنَتْهُم / بِرَحاها عِنْ أمْرِهِ الْهَيجاءُ
وَكَساهم ثَوْبَ الصَّغارِ وقد / طُلَّت دِماً منهم وصِينَتْ دِمَاءُ
كيف يَهدِي الإِله منهم قلوباً / حَشْوُها من حَبِيبِهِ الْبَغْضاءُ
خَبِّرونَا أهلَ الكِتَابَيْنِ من أَيْ / نَ أَتَاكُم تَثْليثكم والبَداءُ
مَا أتى بالعقِيدَتَيْنِ كتابٌ / واعتقادٌ لا نَصَّ فيه ادِّعاءُ
والدَّعاوَى ما لم تُقيموا عليها / بَيِّنَاتٍ أبناؤُها أَدْعِياءُ
ليت شعري ذِكرُ الثلاثةِ وَالوا / حِدِ نَقْصٌ في عَدِّكم أمْ نَماءُ
كيف وَحَّدْتُم إِلهاً نَفَى التَّو / حِيدَ عنه الآباءُ والأَبناءُ
أإِلهٌ مُرَكَّبٌ ما سَمِعْنَا / بإِلهٍ لذاتِهِ أَجْزَاءُ
أَلِكُلٍّ منهم نَصِيبٌ مِنَ المُل / كِ فَهَلَّا تَمَيَّزُ الأَنْصِبَاءُ
أم هُمُ حَلّلوُا بها شِرْكَةَ الأب / دَانِ أمْ هُمْ لبعضِهم كُفَلاءُ
أتراهم لحاجةٍ واضطرارٍ / خَلَطُوهَا ومَا بَغَى الخُلَطَاءُ
أهُوَ الرَّاكِبُ الحمارَ فيا عَجْ / زَ إِلهٍ يَمَسُّهُ الإِعْيَاءُ
أمْ جميعٌ عَلَى الحمار لقد جَل / لَ حِمَارٌ بِجَمْعِهِم مَشَّاءُ
أم سِواهم هُو الإِلهُ فما نِسْ / بَةُ عيسى إليه والإِنْتِمَاءُ
أم أردتُم بها الصفاتِ فلمْ خُص / صَتْ ثُلاثٌ بِوصفِه وَثُناءُ
أم هُو ابنٌ للَّه ما شاركته / في معاني النُّبُوَّةِ الأَنبياءُ
قتلَتْهُ اليهودُ فيما زَعَمْتُم / وَلأَمْواتِكم به إحياءُ
إنَّ قَوْلاً أَطْلَقْتُمُوهُ عَلَى الل / هِ تعالى ذِكْرا لقَوْلٌ هُراءُ
مِثْلَ مَا قَالَت اليهودُ وكلٌّ / لَزِمَتْهُ مقالَةٌ شَنعاءُ
إذْ همُ اسْتَقْرَؤُوا البَداءَ وكم سا / قَ وَبَالاً إِليهم اسْتِقْرَاءُ
وَأَرَاهم لم يجعلُوا الواحِدَ القَه / هارَ في الخَلْقِ فاعلاً ما يشاءُ
جَوَّزُوا النَّسْخَ مِثْلَما جوَّزُوا المس / خَ عَلَيْهِم لو أنهم فُقهاءُ
هُوَ إِلَّا أَن يُرْفَعَ الحكمُ بالحك / مِ وخَلْقٌ فيه وأمرٌ سَواءُ
ولحُكمٍ من الزمانِ انتهاءٌ / ولحُكم من الزمانِ ابتداءُ
فَسَلُوهم أكان في مسخِهِم نَسْ / خٌ لآيات اللَّه أم إنشاءُ
وَبَدَاءٌ في قَوْلِهمْ نَدِمَ الل / هُ عَلَى خَلْقِ آدمٍ أمْ خَطاءُ
أم مَحَا اللَّهُ آية الليل ذكراً / بعدَ سَهْوٍ ليوجَدَ الإِمْساءُ
أم بدا للإِلهِ في ذَبْحِ إِسْحَا / قَ وقد كان الأمر فيه مَضاءُ
أوَ ما حَرَّمَ الإِلهُ نِكَاحَ ال / أُختِ بعدَ التحليلِ فَهْوَ الزِّناءُ
لا تُكَذِّبْ إنَّ اليَهُودَ وقد زا / غُوا عن الحقِّ مَعْشَرٌ لُؤَماءُ
جَحَدُوا المصطفى وآمن بالطا / غُوتِ قومٌ همْ عندهمْ شُرَفاءُ
قتَلوا الأَنبياءَ وَاتَّخَذُوا العِج / لَ أَلا إنهم هم السُّفَهاءُ
وسَفيهٌ من ساءَه المنُّ والسَّلْ / وَى وأَرضاهُ الفُومُ وَالقِثَّاءُ
مُلِئَتْ بالخبيثِ منهم بُطُونٌ / فَهْيَ نَارٌ طِباقُها الأمعاءُ
لو أُرِيدُوا في حال سَبْتٍ بخيرٍ / كان سَبْتَاً لديهمُ الأَربِعاءُ
هُوَ يومٌ مُبارَكٌ قيلَ للتص / ريفِ فيه من اليهود اعتداءُ
فَبِظُلْمٍ منهمُ وكفْرٍ عَدَتْهُم / طَيِّبَاتٌ في تَرْكِهنَّ ابْتِلاءُ
خُدِعوا بالمنافقين وهل يَنْ / فُقُ إلَّا على السفيهِ الشَّقاءُ
واطمأنوا بقَوْلِ الَاحزاب إِخوا / نِهِمُ إِننا لكم أولياءُ
حالَفوهم وخالفوهم ولمْ أَدْ / رِ لماذا تخالَفَ الحُلفاءُ
أسلَمُوهم لأَوَّلِ الحَشْرِ لا مِي / عادُهم صادقٌ ولا الإِيلاءُ
سكَنَ الرُّعْبُ والخَرابُ قلوباً / وبُيُوتاً منهمُ نعاها الجَلاءُ
وَبِيَوْمِ الأحزابِ إِذْ زاغتِ الأَب / صَارُ فيهم وضلتِ الآراءُ
وتَعَدَّوْا إلى النبيّ حدوداً / كان فيها عليهم العُدَوَاءُ
وَنَهَتْهُم وما انتهت عنه قوم / فأُبيدَ الأَمَّارُ والنَّهاءُ
وتعاطَوْا في أحمدٍ مُنْكَرَ القَوْ / لِ وَنُطقُ الأَراذِلِ العَوْراءُ
كلُّ رِجْسٍ يَزِيدُه الخُلُقُ السُّو / ءُ سِفاهاً والمِلَّةُ العَوْجاءُ
فانظروا كيف كان عاقبة القوْ / مِ وَما ساق لِلْبَذِيِّ البَذَاءُ
وجَد السَّبَّ فيه سُمَّاً وَلم يَدْ / رِ إِذْ المِيمُ في مواضِعَ بَاءُ
كانَ مِن فيه قتلُه بِيَدَيْهِ / فهو في سوء فِعله الزَّبَّاءُ
أوْ هُوَ النحلُ قَرْصُهَا يَجْلُبُ الحَت / فَ إليها وما له إنْكَاءُ
صَرَعَتْ قومَهُ حبائِلُ بَغْيٍ / مَدَّها المكرُ منهم والدَّهاءُ
فأتتهم خيلٌ إلى الحرب تختا / لُ وللخيْلِ في الوغَى خُيَلاءُ
قَصَدَتْ فيهم القنا فقَوافِي ال / طعْنِ منها ما شأنها الإيطاءُ
وأثَارَتْ بأرضِ مكةَ نَقْعَاً / ظُنَّ أن الغُدُوَّ منها عِشاءُ
أحْجَمَتْ عندهُ الحجُون وأكْدى / عِنْد إعطائه القليلَ كَدَاءُ
وَدَهَتْ أَوْجُهاً بها وبيوتاً / مُلّ منها الإكفاءُ والإقواءُ
فَدَعَوْا أحْلَمَ البريَّةِ والعفْ / وُ جوابُ الحليمِ والإغْضاءُ
ناشدوه القُرْبَى التي من قُرَيْش / قطعَتْهَا التِّراتُ والشَّحْناءُ
فعَفا عَفْوَ قَادرٍ لم يُنَغِّصْ / هُ عليهم بما مضى إغراءُ
وإذا كان القطْع وَالوصلُ لل / هِ تَسَاوَى التَّقْرِيبُ وَالإِقْصاءُ
وسواءٌ عليه فيما أتاهُ / مِنْ سِواهُ المَلامُ وَالإطْراءُ
وَلَو انَّ انتقامَهُ لِهَوَى النَّف / سِ لَدَامَتْ قطيعةٌ وَجَفَاءُ
قام للَّه في الأُمورِ فأَرْضَى ال / لهَ منه تَبايُنٌ وَوَفاءُ
فِعْلُهُ كلُّهُ جَمِيلٌ وَهل يَنْ / صَحُ إلّا بمَا حَوَاهُ الإناءُ
أطْربَ السامعينَ ذِكْرُ عُلاهُ / يا لَرَاحٍ مَالَتْ بهَا النُّدَماءُ
النبيُّ الأميُّ أعلمُ مَنْ أس / نَدَ عنه الرُّوَاةُ وَالحكَماءُ
وَعَدَتْنِي ازْدِيَارَهُ العامَ وَجْنا / ءٌ وَمَنَّتْ بِوَعْدِها الوجْناءُ
أفلا أنْطَوِي لها في اقْتضائِي / ه لِتُطْوَى ما بَيْنَنا الأَفْلاءُ
بألُوفِ البَطْحاءِ يُجْفِلُهَا النِّي / لُ وقد شَفَّ جَوْفَهَا الإِظْماءُ
أنْكَرَتْ مِصْرَ فَهيَ تَنْفِرُ ما لا / حَ بِنَاءٌ لِعَيْنِهَا أوْ خَلاءُ
فأَقَضّتْ عَلَى مبَارِكها بِرْ / كَتهَا فالبُّوَيْبُ فالخَضْراءُ
فالقِبَابُ التي تَلِيها فبِئْرُ ال / نخْلِ وَالرَّكْبُ قائِلُونَ رِوَاءُ
وَغَدَتْ أَيْلَةُ وَحِقْلٌ وَقُرٌّ / خَلْفَها فَالمَغَارَةُ الفَيْحَاءُ
فعيونُ الأَقْصَابِ يَتبعُها النَّب / كُ وَيتْلو كُفَافَةَ العَوْجاءُ
حاوَرَتْهَا الحوراءُ شَوْقاً فينبو / عٌ فَرَقَّ اليَنْبُوعُ وَالْحَوْراءُ
لاحَ بالدَّهْنَوَيْنِ بَدْرٌ لها بَع / دَ حُنَيْنٍ وَحَنَّتِ الصَّفْرَاءُ
ونَضَتْ بَزْوَةٌ فرابغُ فالجُحْ / فَةُ عنها ما حاكه الإِنضاءُ
وأرَتْهَا الخَلاصَ بئْرُ عَليٍّ / فَعِقَابُ السَّوِيقِ فالخَلصاءُ
فهْيَ من ماء بئْرِ عُسفَانَ أو مِنْ / بَطْنِ مَرٍّ ظمآنةٌ خَمْصَاءُ
قَرَّبَ الزَّاهِرَ المساجِدُ منها / بخُطاها فالبُطءُ منها وَحاءُ
هذه عِدَّةُ المنازلِ لا ما / عدَّ فيه السّماكُ وَالعَوَّاءُ
فكأَني بها أُرَحِّلُ منْ مَك / كَةَ شمساً سماؤُها البَيْداءُ
مَوْضِعُ البَيْتِ مَهْبِطُ الوَحْي مأْوى ال / رسلِ حيثُ الأنوارُ حيثُ البَهاءُ
حيثُ فرضُ الطَّوَافِ والسَّعْيُ وَالحل / قُ وَرَمْيُ الجِمار وَالإِهداءُ
حَبَّذا حَبَّذَا معاهِدُ منها / لم يُغَيِّرْ آياتِهِنَّ البِلاءُ
حَرَمٌ آمِن وَبَيْتٌ حَرامٌ / وَمَقَامٌ فيه المُقامُ تَلاءُ
فَقَضَيْنَا بها مَناسِكَ لا يُح / مَدُ إلّا في فِعْلِهِنَّ القضاءُ
وَرَمَيْنَا بها الفِجَاجَ إلَى طَيْ / بَةَ والسَّيْرُ بالمطايا رِماءُ
فأصَبْنا عَنْ قَوْسِها غَرضَ القُر / بِ وَنِعْمَ الخَبِيئَةُ الكَوْمَاءُ
فرأينا أرضَ الحَبيبِ يَغُضُّ ال / طرفَ منها الضياءُ وَالْلأْلاءُ
فكأنَّ البَيْدَاءَ مِنْ حيثُما قا / بَلَتِ العَينَ رَوْضَة غَنَّاءُ
وكأَنَّ البِقاعَ زَرَّتْ عليها / طَرَفَيْها مُلاءَةٌ حَمْرَاءُ
وكأَنَّ الأَرجاء تَنشُر نَشْر ال / مِسْكِ فيها الجَنُوبُ وَالجِرْبِياءُ
فإذا شِمتَ أو شَمِمْتَ رُبَاها / لاحَ منها برقٌ وفاحَ كِباءُ
أيَّ نُورٍ وَأيَّ نَوْرٍ شَهِدْنا / يَوْمَ أَبْدَت لَنا القِبَابَ قُباءُ
قَرَّ منها دَمْعِي وفَرَّ اصْطبَارِي / فدُمُوعي سَيْلٌ وصَبْرِي جُفاءُ
فترى الرَّكْبَ طائرِينَ من الشَّوْ / قِ إِلى طَيْبَةٍ لَهُمْ ضَوْضاءُ
وكأَنَّ الزُّوَّارَ مَا مَسَّتِ البَأْ / ساءُ منهم خَلْقاً ولا الضَّرَّاءُ
كلُّ نفسٍ منها ابتهال وسؤْلٌ / ودُعاءٌ وَرَغْبَة وَابْتِغَاءُ
وَزَفيرٌ تَظُنُّ منه صُدوراً / صادحاتٍ يَعْتادُهُنَّ زُقاءُ
وَبُكَاءٌ يُغْرِيِهِ بالعين مَدّ / وَنجيبٌ يَحُثُّه اسْتِعلاءُ
وجُسومٌ كَأَنَّمَا رَحَضَتْهَا / منْ عظيم المَهَابَةِ الرُّحَضاءُ
وَوجُوهٌ كأَنَّما ألْبَسَتْها / منْ حياءٍ ألوانَها الحرْباءُ
ودموعٌ كأنّما أرسلتها / من جفونٍ سحابةٌ وطفاءُ
فَحَطَطْنا الرِّحالَ حيثُ يحَطُّ ال / وِزْرُ عنّا وترفع الحوجاءُ
وَقَرَأْنا السلامَ أكْرَمَ خلق ال / لَه مِنْ حيثُ يُسمَعُ الإقْراءُ
وذهلنا عند اللقاء وكم أَذْ / هَلَ صَبَّاً من الحَبيبِ لِقاءُ
وَوَجمنَا مِنَ المَهَابَةِ حتَّى / لا كلامٌ منا ولا إيماءُ
وَرَجَعْنا وَللقلُوبِ التفاتا / تٌ إليه وللجُسوم انْثِناءُ
وَسَمحْنا بما نُحِبُّ وقد يَس / مَحُ عند الضرورةِ البُخلاءُ
يا أبا القاسمِ الذي ضِمنَ إِقسا / مِي عليه مَدْحٌ لهُ وَثَنَاءُ
بالعلومِ التي عَليكَ مِن الل / هِ بلا كاتِبٍ لها إِمْلاءُ
ومسير الصَّبا بنصْرِك شَهْرا / فكأَنَّ الصَّبا لَدَيكَ رُخاءُ
وَعَلِيٍّ لمَّا تَفَلْتَ بِعَيْنَيْ / هِ وكلتاهما مَعاً رمْداءُ
فَغَدا ناظراً بِعَيْنَيْ عُقَابٍ / في غَزاةٍ لها العُقَابُ لِواءُ
وَبِرَيْحانَتَيْنِ طيبُهُما مِن / كَ الذي أودعتهُما الزَّهْراءُ
كُنْتَ تُؤْوِيهِمَا إليك كما آ / وَتْ من الخَطِّ نُقْطَتَيْهَا اليَاءُ
مِنْ شهيدَيْنِ ليس يُنْسِيَني الطَّف / فُ مُصابَيْهِما وَلا كَرْبَلاءُ
مَا رَعَى فيهما ذِمامَك مرؤو / سٌ وَقد خانَ عَهْدَكَ الرُّؤساءُ
أبْدَلوا الودَّ وَالحَفيظَةَ في القُرْ / بَى وَأَبدَتْ ضِبَابها النَّافِقاءُ
وَقَسَتْ منهم قلوبٌ عَلَى مَنْ / بَكَتِ الأرضُ فقدَهم والسماءُ
فابْكِهِمْ ما اسْتَطَعْتَ إنَّ قليلاً / في عَظيمٍ مِن المُصابِ البُكاءُ
كلَّ يوْمٍ وَكلُّ أَرْضٍ لِكَرْبي / منهمُ كَرْبَلا وَعاشورَاءُ
آلَ بَيْتِ النبيِّ إِنَّ فُؤادِي / ليسَ يُسْلِيهِ عَنْكم التَّأْسَاءُ
غيرَ أَنِّي فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَى الل / هِ وَتَفْوِيضِيَ الأُمورَ بَراءُ
رُبَّ يومٍ بِكَربَلاءَ مُسيئٍ / خَفَّفَتْ بعض وِزْرِهِ الزَّوْراءُ
وَالأَعادِي كَأَنَّ كلَّ طَرِيحٍ / منهمُ الزَّقُّ حُلَّ عَنْه الوِكاءُ
آلَ بيتِ النبيِّ طبتُم فطابَ الْ / مَدْحُ لِي فيكُمُ وَطابَ الرّثاءُ
أنا حَسَّانُ مَدْحِكم فإذَا نُحْ / تُ عليكمْ فإنَّنِي الخنساءُ
سُدْتُمُ النّاسَ بالتُّقَى وَسِواكم / سَوَّدَتْهُ البَيْضاءُ والصَّفْراءُ
وَبِأصحابك الذين همُ بَعْ / دَكَ فينا الهُداةُ وَالأوْصِياءُ
أَحْسَنُوا بعدكَ الخِلافَةَ فِي الدي / نِ وَكلٌّ لِما تَوَلَّى إزَاءُ
أَغْنياءٌ نزاهَةً فُقَرَاء / عُلَمَاءٌ أَئمَّةٌ أُمَرَاءُ
زَهِدُوا في الدُّنَا فما عُرِفَ المَي / لُ إلَيْهَا منهم وَلا الرَّغْبَاءُ
أَرْخَصُوا في الوغَى نُفُوسَ مُلُوكٍ / حارَبُوها أسلابُها إغْلاءُ
كلُّهُمْ في أحكامه ذو اجتهادٍ / وَصَوابٍ وَكُلُّهمْ أَكفاءُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ وَرَضُوا عَنْ / هُ فأنَّى يَخطو إليهم خَطَاءُ
جاء قَوْمٌ مِنْ بَعْدِ قَوْمٍ بحَقٍّ / وَعَلَى المَنْهَجِ الحَنِيفِيِّ جاؤوا
ما لموسى وَلا لعِيسى حَوارِي / يُونَ في فَضْلِهم وَلا نُقَبَاءُ
بأَبي بَكْرٍ اِلذي صَحَّ لِلنَّا / سِ به في حياتك الإِقتِداءُ
والمُهَدِّي يَوْمَ السَّقِيفَةِ لَما / أرْجَفَ الناسُ أنه الدَّأْدَاءُ
أَنقذَ الدينَ بعدَ ما كان للد / دينِ عَلَى كلِّ كُرْبَةٍ إشْفَاءُ
أَنْفَقَ المالَ في رِضَاكَ وَلا مَن / نٌ وَأَعْطَى جَمَّاً وَلا إكْداءُ
وأبي حَفْصٍ الذي أظهر الل / هُ به الدينَ فارعَوى الرُّقباءُ
والذي تَقْرُبُ الأباعِدُ في الل / هِ إليه وَتَبْعُدُ القُرَباءُ
عُمَر بن الخطابِ مَنْ قَوْلُهُ الفَص / لُ ومَنْ حُكْمُهُ السَّوِيُّ السّواءُ
فَرَّ منه الشيطانُ إذْ كانَ فارو / قاً فلِلنَّارِ مِنْ سَنَاهُ انْبِراءُ
وَابْن عفَّانَ ذِي الأيادي التي طا / لَ إلى المصطفى بها الإِسْدَاءُ
حَفَر البِئْرَ جَهَّزَ الجَيْشَ أهْدَى الْ / هَدْيَ لما أنْ صَدَّهُ الأعْداءُ
وَأبَى أنْ يَطُوفَ بالبيتِ إذْ لمْ / يَدْنُ منه إلى النبيِّ فِناءُ
فَجَزَتْهُ عنها بِبِيعَةِ رِضْوا / نٍ يَدٌ مِنْ نَبِيِّهِ بَيْضَاءُ
أدَبٌ عنده تَضَاعَفَتِ الأع / مالُ بالترْكِ حَبَّذَا الأُدَباءُ
وَعَلِيٍّ صِنْوِ النبيّ وَمَنْ دِي / نُ فُؤادِي وِدادُهُ وَالوَلاءُ
وَوَزيرِ ابن عَمِّه في المعالي / ومِنَ الأهلِ تُسْعَدُ الوُزَراءُ
لم يَزِدْهُ كَشْفُ الغِطاءِ يَقِيناً / بَل هُوَ الشمْسُ ما عليه غِطاءُ
وبباقِي أصحابِكَ المُظْهِرِ التَّرْ / تيبِ فينا تَفْضِيلُهم والولاءُ
طَلْحَةِ الخَيْرِ المُرْتَضِيهِ رَفيقاً / وَاحداً يومَ فَرَّت الرُّفَقَاءُ
وَحَوارِيِّكَ الزُّبَيْرِ أبي القَرْ / مِ الذي أَنْجَبَتْ بِهِ أسماءُ
وَالصَّفِيَّيْنِ تَوْأَمِ الفضل سَعْدٍ / وسَعِيدٍ إنْ عُدَّتِ الأصْفياءُ
وابْنِ عَوْفٍ مَنْ هَوَّنَتْ نفسُه الدُّن / يَا بِبَذْلٍ يُمِدُّهُ إثْراءُ
والمُكَنَّى أبا عُبيْدَةَ إذْ يَعْ / زِي إليه الأمانةَ الأُمَناءُ
وَبِعَمَّيْكَ نَيِّرَي فَلَكِ المَج / دِ وكلٌّ أتَاهُ منك إتاءُ
وبأمِّ السِّبْطَيْنِ زَوْجِ عَلِيٍّ / وَبَنِيها وَمَنْ حَوَتْهُ العَبَاءُ
وَبِأَزواجكَ اللَّواتي تَشَرَّفْ / ن بأنْ صانَهُنَّ منك بِناءُ
الأمانَ الأمانَ إنَّ فُؤادِي / من ذُنوبٍ أَتَيْتُهُنَّ هَواءُ
قد تَمَسَّكْتُ مِنْ وِدَادِكَ بالحَب / لِ الذي اسْتَمْسَكَتْ به الشفَعاءُ
وَأبى اللَّهُ أنْ يَمَسَّنِيَ السُّو / ءُ بحالٍ وَلِي إليك الْتِجاءُ
قد رَجَوْناكَ للأُمورِ الّتي أب / رَدُها فِي فُؤَادِنا رَمْضاءُ
وَأَتَيْنا إليكَ أَنْضاءَ فَقْرٍ / حَمَلَتْنا إلى الغِنَى أَنْضاءُ
وانْطَوَتْ في الصُّدُورِ حاجاتُ نفسٍ / ما لها عَنْ نَدَى يَدَيْكَ انْطِوَاءُ
فأَغِثْنَا يَا مَنْ هُوَ الغَوثُ والغَيْ / ثُ إذا أَجْهَدَ الورَى اللّأْوَاءُ
وَالجَوَادُ الذِي به تُفْرَجُ الغُم / مَةُ عَنا وتُكْشَفُ الحَوْباءُ
يا رحيماً بالمؤمنين إذا ما / ذَهِلَت عن أبنائها الرُّحَماءُ
يا شفيعاً في المُذنبين إذا أش / فقَ مِنْ خَوفِ ذَنْبِهِ البُرَآءُ
جُدْ لعاصٍ ومَا سِوايَ هُوَ العا / صِي وَلكنْ تَنَكُّرِي اسْتِحْياءُ
وتَدَارَكْهُ بالعناية ما دا / مَ له بالذِّمامِ منك ذماءُ
أخَّرَتْهُ الأعمالُ والمالُ عَمَّا / قدَّمَ الصَّالحُونَ والأغنياءُ
كل يومٍ ذُنُوبُهُ صاعداتٌ / وعليها أنفاسُهُ صُعَدَاءُ
أَلِفَ البِطْنَةَ المُبَطِّئَة السَّيْ / رِ بدار بها البِطانُ بِطَاءُ
فَبَكَى ذَنْبَهُ بِقَسْوَةِ قَلْبٍ / نَهَتِ الدَّمْعَ فالبُكاءُ مُكاءُ
وغَدَا يَعْتِبُ القَضَاءُ ولا عذ / ر لعاص فيما يسوق القضاءُ
أوثقته من الذنوب دُيُونٌ / شَدَّدَتْ فِي اقْتِضائِها الغُرَماءُ
ما لَهُ حِيلَةٌ سِوَى حِيلَةِ المُو / ثَقِ إِمَّا تَوَسُّلٌ أَوْ دُعَاءُ
رَاجِياً أَنْ تعودَ أعمالُه السُّو / ءُ بِغُفْرَانِ اللَّهِ وَهْيَ هَباءُ
أَوْ تُرَى سَيِّئاتُهُ حَسَناتٍ / فيقَالُ اسْتحالتِ الصَّهْباءُ
كلُّ أمْرٍ تُعنَى به تُقْلَبُ الأعْ / يانُ فيه وتَعْجَبُ البُصَراءُ
رُبَّ عَيْنٍ تَفَلْتَ في مائها المِلْ / حِ فأضْحَى وَهْوَ الفُراتُ الرَّوَاءُ
آهِ مِما جَنَيْتُ إنْ كانَ يُغْنِي / ألِفٌ مِنْ عَظيمِ ذنْبٍ وهاءُ
أرْتَجِي التَّوْبَةَ النَّصُوحَ وفِي القَلْ / بِ نفَاقٌ وفي اللسانِ رِياءُ
ومتى يَسْتَقيمُ قَلْبِي ولِلْجِسْ / مِ اعْوِجَاجٌ مِنْ كَبْرتي وانْحِناءُ
كُنْتُ في نَوْمَةِ الشَّبابِ فما اسْتَيْ / قَظْتُ إِلَّا ولِمَّتي شَمْطاءُ
وتمادَيْتُ أَقْتَفي أَثَرَ القَوْ / مِ فطالَتْ مَسَافَةٌ واقْتِفَاءُ
فوَرا السائرينَ وهْوَ أمامِي / سُبُلٌ وَعْرَةٌ وأرضٌ عَراءُ
حَمِدَ المُدلِجونَ غِبَّ سُرَاهُم / وكَفَى مَنْ تَخَلَّف الإِبْطاءُ
رِحلةٌ لَمْ يَزَلْ يُفنِّدني الصَّي / فُ إِذَا مَا نَوَيْتُها والشِّتاءُ
يَتَّقِي حُرُّ وجْهِي الحَرَّ والبَرْ / دَ وَقَدْ عَزَّ مِنْ لَظى الاتِّقاءُ
ضِقْتُ ذَرْعاً مِمَّا جَنَيْتُ فَيوْمِي / قَمْطَرِيرٌ وليلَتي دَرْعاءُ
وَتَذَكَّرْتُ رَحْمَةَ اللَّهِ فالبِش / رُ لِوَجْهِي أنّى انْتَحَى تِلْقاءُ
فألحَّ الرَّجاء والخوفُ بالقَلْ / بِ ولِلْخَوفِ والرَّجا إِخْفاءُ
صَاحِ لا تأسَ إنْ ضَعُفْتَ عَنِ الطَّا / عةِ واسْتَأْثَرَتْ بها الأقوياءُ
إنَّ للَّهِ رَحمةً وأحَقُّ ال / ناسِ منه بالرَّحمةِ الضُّعَفَاءُ
فابقَ في العُرْجِ عندَ مُنْقَلَبِ الذَّوْ / دِ ففِي العَوْدِ تَسْبِقُ العَرْجاءُ
لا تَقُلْ حاسداً لِغَيْرِك هذَا / أثْمَرَتْ نَخْلَهُ ونَخْلِي عَفاءُ
وائْتِ بالمَسْتَطاع مِنْ عَمَل البر / ر فقدْ يُسْقِطُ الثِّمارَ الإِتاءُ
وبِحُبِّ النبيِّ فابْغِ رِضَى الل / هِ فَفِي حُبِّهِ الرِّضا والحِبَاءُ
يا نبيَّ الهُدَى اسْتِغَاثَةَ مَلْهو / فٍ أَضَرَّتْ بحالِه الحوْبَاءُ
يَدَّعِي الحُبَّ وهْوَ يأْمُرُ بالسُّو / ءِ ومَنْ لِي أنْ تَصْدُقَ الرَّغْبَاءُ
أَيُّ حُبٍّ يَصِحُّ منه وطَرْفِي / لِلْكَرَى واصِلٌ وطَيْفُكَ رَاءُ
ليت شِعرِي أَذَاكَ مِنْ عُظمِ ذَنْبٍ / أمْ حُظُوظُ المُتَيَّمِينَ حُظَاءُ
إنْ يكُنْ عُظْمُ زَلَّتي حَجْبَ رُؤْيَا / كَ فقدْ عَزَّ داءَ قلبي الدَّواءُ
كيف يَصدا بالذَّنْبِ قلبُ مُحِبٍّ / وله ذِكْرُكَ الجميلُ جِلاءُ
هذه عِلَّتي وأنت طبيبي / ليسَ يَخفَى عليك في القلبِ داءُ
ومِنَ الفَوْزِ أنْ أبُثَّكَ شكوَى / هِيَ شكوَى إليكَ وهْيَ اقْتضاءُ
ضُمِّنتها مَدَائح مُستطابٌ / فيك منها المَديحُ والإصغاءُ
قلما حاوَلتْ مَدِيحكَ إِلّا / سَاعَدَتْهَا مِيمٌ ودالٌ وحَاءُ
حقَّ لِي فيكَ أنْ أُسَاحِلَ قوْماً / سَلَّمَتْ منهم لَدَلْوِي الدِّلاءُ
إنَّ لِي غيرةً وقد زَاحَمَتْني / في معاني مَديحِكَ الشُّعراءُ
ولقلبي فيك الغُلوُّ وأنَّى / لِلِساني في مَدْحِكَ الغُلواءُ
فأَثِبْ خاطِراً يَلَذُّ له مَدْ / حُك عِلْماً بأَنه اللَّأْلاءُ
حاكَ مِنْ صَنْعَةِ القَرِيض بُرُوداً / لَكَ لم تحْكِ وشْيَها صَنْعَاءُ
أعجزَ الدُّرَّ نَظمُهُ فاستوتْ في / هِ اليَدَانِ الصَّناعُ والخَرْقَاءُ
فَارْضَهُ أفْصَحَ امرئٍ نطقَ الضَّا / دَ فقامتْ تَغَارُ منها الظاءُ
أبِذِكْرِ الآياتِ أُوفِيكَ مَدْحَاً / أيْنَ مِنى وأَيْنَ منها الوفَاءُ
أمْ أُمَارِي بهِنَّ قَوْمَ نَبِيٍّ / ساءَ ما ظَنَّهُ بِيَ الأغبياءُ
ولَكَ الأُمَّةُ التي غَبَطَتْهَا / بكَ لَمَّا أتيْتَها الأنبياءُ
لَمْ نَخَفْ بَعْدَكَ الضَّلالَ وفينا / وَارِثُوا نُورِ هَدْيِكَ العُلَماءُ
فانْقَضَتْ آيُ الَانبياءُ وَآيا / تُكَ في الناس ما لَهُنَّ انْقضاءُ
والكراماتَ منهمُ مُعجزاتٌ / حازَهَا مِنْ نَوَالِكَ الأولياءُ
إنَّ مِنْ مُعجزاتِكَ العَجزَ عَنْ وص / فِكَ إذْ لا يَحُدُّهُ الإحصاءُ
كيفَ يَسْتَوعِبُ الكلامُ سَجَايا / كَ وَهَلْ تَنْزِحُ البحار الرِّكَاءُ
ليسَ مِنْ غايَةٍ لِوَصْفِكَ أَبغي / ها وللْقَوْلِ غايَةٌ وانتهاءُ
إنما فضلُكَ الزَّمَانُ وآيا / تُكَ فيما نَعُدُّهُ الآناءُ
لَمْ أُطِلْ في تَعْدادِ مَدْحِكَ نُطْقي / ومُرادِي بذلك استقصاءُ
غير إنيَ ظمآنُ وَجْدٍ ومَا لي / بِقَليلٍ مِنَ الورودِ ارْتِواءُ
فسلامٌ عليك تَتْرَى مِنَ الل / هِ وَتَبْقَى به لَكَ البَأواءُ
وسلامٌ عليك منكَ فما غَي / رُك منه لكَ السلام كِفاءُ
وَسَلامٌ مِنْ كلِّ ما خَلَقَ الل / هُ لِتحْيا بِذِكْرِكَ الأملاءُ
وَصلاةٌ كالمِسْكِ تَحْمِله مِن / ني شمَالٌ إليكَ أَو نكْباءُ
وَسَلامٌ عَلَى ضَرِيحِكَ تخْضَل / لُ به منه تُرْبَةٌ وَعْساءُ
وَثَنَاءٌ قَدَّمْتَ بينَ يَدَيْ نَجْ / وَايَ إذْ لم يكن لَديَّ ثَراءُ
ما أَقَامَ الصلاةَ مَنْ عَبَدَ الل / هِ وقامتْ بِربِّهَا الأشياءُ
أزمَعوا البَيْنَ وَشَدُّوا الرِّكابا
أزمَعوا البَيْنَ وَشَدُّوا الرِّكابا / فاطلب الصبرَ وخَلِّ العِتابا
ودنا التَّوديع مَمَّنْ وَدِدْنا / أَنَّهم داموا لدينا غِضابا
فاقْرِ ضَيْفَ البَيْنِ دمعاً مُذالاً / يا أخا الوَجْدِ وقلْباً مُذابا
فمَنِ اللائِمُ صَبَّاً مَشُوقاً / أنْ بَكى أَحْبَابَهُ والشَّبابا
إنما أَغْرَى بِنا الوَجْدَ أَنَّا / ما حَسبْنَا لِفِرَاقٍ حسابَا
وَعُرَيْبٌ جَعَلُوا بالمصَلَّى / كلَّ قلبٍ يومَ ساروا نِهايا
عَجَبَاً كيف رضُوا أنْ يَحلُّوا / مِنْ قلوبٍ أحرقوها قِبابا
أضْحَتِ الأرض التي جاوَرُوها / يَحْسُدُ العَنْبَرُ منها الترابا
لا تكَذِّبْ خَبَراً أنَّ سَلْمَى / سَحَبَتْ بالتُّرْبِ ذَيْلا فَطابا
وَكَسَتْهُ حُلَلَ الرَّوْضِ حتى / تَوَّجَتْ منها الرُّبَا والهِضابا
ابْتَسَمَتْ عَنْ مِثْلِ كَأْسِ الحُمَيَّا / نَظَمَ الماءُ عليها حُبابا
سُمْتُها لَثْمَ الثنايا فقالتْ / إنَّ مِنْ دُونِكَ سُبْلاً صِعابا
حَرَسَتْ عَقْرَبُ صُدْغَيَّ خَدِّي / وَحَمَتْ حَيَّةُ شَعْرِي الرُّضابا
وَيْحَ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ وَجْنَتَيَّ ال / وردَ أوْ مِنْ شَفَتَيَّ الشَّرابا
حَقُّ مَنْ كانَ لهُ حُبُّ سَلْمَى / شُغلا أنْ يَسْتَلِذَّ العذابا
وَلِمَنْ يمدَحُ خَيْرَ البرايا / أنْ يَرَى الفقرَ عَطاءً حِسابا
وَكَفَاني باتِّباعي طَريقَاً / رَغِبَ المُخْتارُ فيها رِغابا
كلما أُوتِيتُ منها نَصيباً / قُلْتُ إني قدْ مَلَكْتُ النِّصابا
يا حَبيباً وَشَفِيعاً مُطاعاً / حَسْبُنا أنَّ إليك الإِيابا
لَمْ نَقُلْ فيكَ مقالَ النَّصارَى / إذْ أضَلُّوا في المَسيحِ الصَّوابا
إنما أنتَ نَذِيرٌ مُبينٌ / أنْزَلَ اللَّهُ عليك الكِتابا
بِلِسان عربيٍّ بَليغٍ / أفْحَمَ العُرْبَ فعَيَّتْ جوابا
يُطْمِعُ الأسماعَ فيه بياناً / وَسَنا طِبِّهِ عَلَى العَقْلِ يابا
حَوَتِ الكُتْبُ لُبَاباً وَقِشْرَاً / وَهْوَ حاوٍ مِنَ اللُّبابِ لُبابا
يَجْلِبُ الدُّرَّ إلى سامِعِيه / كَلِمٌ لم يُرَ فيه اجْتِلابا
أشْرَقَتْ أنوارُهُ فرأيْنا ال / رأسَ رَأْساً وَالذُّنابى ذُنابا
وَرَأَى الكُفَّارُ ظِلّاً فَضَلُّوا / وَيْحَهُم ظَنُّوا السَّرابَ الشَّرابا
وإذا لَمْ يَصِحَّ بالْعِلْمِ ذَوْقُ / وُجِدَ الشَّهْدُ مِنَ الجَهْلِ صابا
كيف يهدي اللَّهُ منهم عنيداً / كلما أبْصَرَ حقّاً تَغَابى
وَإِذَا جِئْتَ بآياتِ صِدْقٍ / لم تَزِدْهُم بِكَ إلَّا ارْتِيابا
أنتَ سِرُّ اللَّهِ في الخَلْقِ وَالسِّر / رُ عَلَى العُمْيِ أشَدُّ احْتِجَابا
عاقِبٌ ماحٍ مَحَا اللَّهُ عنَّا / بِكَ ما نَحْذَرُ منه العقابا
خَصَّهُ اللَّهُ بِخُلْقٍ كريمٍ / وَدَعا الفَضلَ له فاسْتجابا
وَله مِنْ قَابِ قَوْسَينِ ما شَر / رَفَ قَوْسَيْنِ بذكْرٍ وَقابا
مِنْ دُنُوٍّ وَشُهُودٍ وَسِرٍّ / بانَ عنه كلُّ وَاشٍ وَغابا
وَعلومٍ كَشَفَتْ كلَّ لبْسٍ / وَجَلَتْ عَنْ كلِّ شمسٍ ضَبابا
لَمْ يَنَلْهَا باكْتِسَابٍ وفضلُ ال / له ما لَيسَ يُنَالُ اكْتِسَابا
وَإذَا زَارَ حبيبٌ مُحِبَّاً / لا تَسَلْ عن زائرٍ كَيفَ آبا
كلُّ مَنْ تابَعه نالَ منه / نَسَبَاً مِنْ كلِّ فضْلٍ قِرابا
شَرَّفَ الأنسابَ طُوبى لأَصْلٍ / وَلِفَرْعٍ حازَ منه انتسابا
دينُه الحَقُّ فدَعْ ما سِواه / وَخُذِ المَاءَ وَخَلِّ السَّرابا
جَعَلَ الزُّهْدَ له والعطايا / والتُّقَى والبَأْسَ والبِرَّ دَابا
أَنْقَذَ الهَلْكَى ورَبَّى اليَتَامى / وفَدَى الأسْرَى وفَكَّ الرِّقابا
بَصَّر العُمْيَ فيا لَيْتَ عَيْني / مُلِئَتْ مِنْ أخْمَصَيْه تُرابا
أَسْمَعَ الصُّمَّ فَمَنْ لِي بِسَمْعِي / لو تَلَقَّى لفْظَهُ المُستطابا
ودَعا الهَيجاءَ فارْتَاحَت السُّمْ / رُ اهْتِزَازاً والسُّيُوفُ انْتِدَابا
تَطْرَبُ الخَيْلُ بِوَقْعٍ فَتَخْتَا / لُ إلى الحَربِ وتَعْدوا طِرابا
منْ عِتَاقٍ رَكِبَتْها كُماةٌ / لم يخافوا لِلْمَنُونِ ارْتِكَابا
كلُّ نَدْبٍ لوْ حَكَى غَرْبَهُ السَّيْ / فُ لَمَا اسْتصحبَ سَيْفٌ قِرَابا
قاطعَ الأهلِينَ في اللَّهِ جَهْرَا / لَمْ يَخَفْ لَوْمَاً ولم يَخْشَ عابا
لَمْ يُبالِ حينَ يَغْدُو مُصيباً / فِي الوغَى أو حين يَغْدُو مُصابا
مِنْ حُمَاةٍ نَصَروا الدِّينَ حتى / أَصْبَحَ الإِسلامُ أَحْمَى جَنابا
رَفَعُوا الإِسلامَ مِنْ فوقِ خَيْلٍ / أَرْكَبَتْ كلَّ عُقابٍ عُقابا
خَضَبُوا البيضَ مِنَ الهام حُمْراً / ما تزالُ البِيضُ تَهْوَى الخِضابا
لَمْ يُرِيدُوا بِذُكُورٍ جَلَوْهَا / لِلْحُرُوبِ العُونِ إِلَّا الضِّرَابا
أرْغَمَ الهادي أُنُوفَ الأَعادي / بِرِضاهم وأَذَلَّ الرِّقابا
فأَطاعته الملوكُ اضطِراراً / وأَجابَتْهُ الحُصونُ اضطرابا
وصناديدُ قُرَيْش سَقاها / حَتْفَها سَقْيَ اللِّقاحِ السِّقايا
حَلَبُوا شَطْرَيْهِ فِي الجودِ والبَأْ / سِ فأَحْلَى وأَمَرَّ الحِلابا
وجَدُوا أَخلافَ أخْلاقِهِ فِي ال / خصبِ والجَدْبِ تَعَافُ الخِصابا
دَرُّهَا أطيبُ دَرٍّ فإنْ أمْ / كَنَكَ الحَلْبُ فَرَاعِ العِطابا
جَيَّشَ الجَيْشَ وسَرَّى السَّرايَا / ودَعا الخَيْلَ عِتَاقاً عِرابا
وهوَ المَنْصُورُ بالرُّعْبِ لو شا / ءَ لأَغْنَى الرُّعبُ عنها ونَابا
لو تَرَى الأَحزَابَ طاروا فِراراً / خِلْتَهُمْ بينَ يديهِ ذبابا
أوَ لَمْ تَعْجَب له وهْوَ بَحْرٌ / كيف يَسْتَسْقِي نَدَاهُ السَّحابا
كانتِ الأرضُ مَواتاً فأحْيا / بالْحَيا منها المواتَ انسكابا
نَزَعَتْ عنها مِنَ المَحْلِ ثَوْباً / وكَسَتْها مِنْ رِياضٍ ثِيابا
سَيِّدٌ كيفَ تأَمَّلْتَ معنا / هُ رَأتْ عَيْنَاكَ أمراً عُجابا
مَنْ يَزُرْهُ مُثقَلاً بالخَطايا / عادَ مَغْفُورَ الخطايا مُثابا
ذِكْرُه في الناسِ ذِكْرٌ جَميلٌ / قالَ لِلْكَوْنَيْنِ طيبا فطابا
وسِعَ العَالَم عِلمَاً وجُودا / فدعا كُلّا وأَرْضَى خِطابا
فَتَحَلَّتْ منه قَوْمٌ عُقُوداً / وتَحَلَّتْ منه قومٌ سِخابا
ليتَني كنتُ فيمن رآهُ / أَتَّقِي عنه الأذى والسِّبابا
يومَ نالَتْهُ بإفْكٍ يَهودٌ / مِثْلَمَا اسْتَنْبَحَ بَدْرٌ كِلابا
فادْعُني حَسَّانَ مَدْحٍ وزِدْني / إنّني أَحْسَنْتُ منه المنابا
يا رسولَ اللَّهِ عُذْرَاً إذَا هِبْ / تُ مَقَامَاً حَقُّه أنْ يُهابا
إنني قُمْتُ خطيباً بِمَدْحِي / كَ ومَنْ يَمْلِكُ منه الخطابا
وتَرَامَيْتُ به في بِحَارٍ / مُكْثرا أمواجَها والعُبابا
بِقَوافٍ شُرِعَتْ للأعادِي / وجَدُوها في نفوسٍ حِرَابا
هِيَ أَمْضَى مِنْ ظُبَى البِيضِ حَدَّاً / فِي أعادِيكَ وأنْكَى ذُبابا
فارْضَهُ جُهْدَ مُحِبٍّ مُقلٍّ / صَانَه حُبُّكَ مِنْ أَنْ يُعابا
شابَ في الإسلامِ لكن له في / كَ فؤادٌ حُبُّه لنْ يُشابا
يَتَهَنّى بالأمانيّ إِن / نَهُ قبلَ مماتٍ أَنابا
كلما أَوْسَعَهُ الشَّيْبُ وَعْظا / ضَيَّقَ الخوفُ عليه الرِّحابا
ضَيَّعَ الحَزْمَ وفيه شباب / وأتى مُعْتَذِراً حِينَ شابا
وغدا مِنْ سُوءِ ما قد جَنَاه / نادِماً يَقْرَعُ سِنَّاً وَنابا
أفلا أرجو لذَنْبِي شَفِيعاً / ما رَجَاهُ قَطُّ راجٍ فخابا
أحمدُ الهادي الّذي كلّما جِئ / تُ إليه مُسْتَثيباً أثابا
فاعذِروا في حُبِّ خيرِ البرايا / إنْ غَبطْنا أَو حَسَدْنا الصِّحابا
إنْ بدا شمساً وصاروا نجوما / وطَمَى بحراً وفرُّوا ثِغابا
أَقْلَعَتْ سُحْبُ سُفنِهِمْ سِجالا / مِن علومٍ وَوَرَدنا انصِبابا
وغَدَونا بينَ وَجدٍ وفقدٍ / يَعْظُمُ البُشْرَى به وَالمُصابا
وَتَبَارَأْنَا من النَّصْبِ وَالرَّفْ / ضِ وَأَوْجَبْنَا لكلٍّ جَنابا
إنَّ قوماً رَضِيَ اللَّهُ عنهم / ما لنا نُلقَى عليهم غِضَابا
إننِي في حُبِّهم لا أُحابي / أَحداً قطُّ وَمنْ ذَا يُحابَى
صلوات اللَّهِ تَتْرَى عليه / وَعليهم طيِّباتٌ عِذابا
يفتَحُ اللَّهُ علينا بها مِنْ / جُودِهِ وَالفَضْلِ باباً فبابا
ما انْتَضَى الشَّرْقُ من الصُّبْحِ سَيْفاً / وَفَرَى مِنْ جُنْحِ لَيْلٍ إهابا
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ / وَتُغْتَفَرُ الخطايا وَالذُّنوبُ
وَأَرْجُو أن أعِيشَ به سعيداً / وَأَلقاهُ وَليس عَلَيَّ حُوبُ
نبيٌّ كامل الأوصافِ تَمَّتْ / محاسِنُه فقيل له الحبيبُ
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا / إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ
مدائحُه تَزيدُ القَلْبَ شَوْقاً / إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ
وَأَذْكُرُهُ وَلَيْلُ الخَطْبِ داجٍ / عَلَيَّ فَتَنْجَلِي عني الخُطوبُ
وَصَفْتُ شمائلاً منه حِسَاناً / فما أدري أمدحٌ أمْ نَسيبُ
وَمَنْ لي أنْ أرى منه مُحَيّاً / يُسَرُّ بحسنِهِ القلْبُ الكئِيبُ
كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ / وَحاملَ زَهْرِهِ غُصْنٌ رَطيبُ
ولِي طَرْفٌ لِمَرْآهُ مَشوقٌ / وَلِي قلبٌ لِذِكْراهُ طَرُوبُ
تَبَوَّأَ قابَ قوْسَيْنِ اخْتصاصاً / وَلا وَاشٍ هناكَ وَلا رقيبُ
مَناصِبُه السَّنِيَّةُ ليسَ فيها / لإِنسانٍ وَلا مَلَكٍ نَصِيبُ
رَحِيبُ الصَّدْرِ ضاقَ الكَوْنُ عما / تَضَمَّنَ ذلك الصدْرُ الرحيبُ
يُجَدِّدُ في قُعودٍ أوْ قِيامٍ / له شَوْقِي المُدَرِّسُ وَالخَطيبُ
عَلَى قَدَرٍ يُمِدُّ الناسَ عِلْماً / كما يُعطِيك أَدْوِيَةً طبيبُ
وَتَسْتَهْدِي القلوبُ النُّورَ منه / كما اسْتَهْدَى مِنَ البَحْرِ القَلِيبُ
بَدَتْ للناسِ منه شُموسُ عِلْمٍ / طَوالِعَ ما تَزُولُ وَلا تَغِيبُ
وَأَلْهَمَنا به التَّقْوَى فَشَقَّتْ / لنا عمَّا أَكَنَّتْهُ الغُيُوبُ
خلائِقُهُ مَوَاهِبُ دُونَ كِسْبٍ / وشَتَّانَ المَوَاهِبُ وَالكُسُوبُ
مُهَذَّبَةٌ بنورِ اللَّهِ ليستْ / كأخلاقٍ يُهَذِّبُهَا اللَّبِيبُ
وَآدابُ النُّبُوَّةِ مُعجزاتٌ / فكيف يَنالُها الرجُلُ الأديبُ
أبيْنَ مِنَ الطِّباعِ دَماً وَفَرْثاً / وَجاءت مثلَ ما جَاءَ الحليبُ
سَمِعْنَا الوَحْيَ مِنْ فِيه صريحاً / كغادِيَةٍ عَزَالِيهَا تَصُوبُ
فلا قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ لَدَيْهَا / بفاحِشَةٍ وَلا بِهَوىً مَشُوبُ
وَبالأهواءِ تَخْتَلِفُ المساعي / وَتَفْتَرِقُ المذاهِب وَالشُّعوبُ
ولَما صار ذاك الغَيْثُ سَيْلاً / علاهُ مِنَ الثَّرَى الزَّبَدُ الغَرِيبُ
فلا تَنْسُبْ لِقَوْلِ اللَّهِ رَيْباً / فما فِي قولِ رَبِّكَ ما يُرِيبُ
فإنْ تَخْلُقْ لهُ الأعداءُ عَيباً / فَقَوْلُ العَائِبِينَ هو المَعيبُ
فَخالِفْ أُمَّتَيْ موسى وَعيسى / فما فيهمْ لخالِقِهِ مُنِيبُ
فَقَوْمٌ منهم فُتِنُوا بِعِجْلٍ / وَقَوْماً منهم فَتَنَ الصَّليبُ
وَأَحْبارٌ تَقُولُ لَهُ شَبِيهٌ / وَرُهْبَانٌ تَقُولُ لَهُ ضَرِيبُ
وَإِنَّ محمداً لرَسولُ حَقٍّ / حَسيبٌ في نُبُوَّتِهِ نَسِيبُ
أمينٌ صادِقٌ بَرٌّ تَقِيٌّ / عليمٌ ماجِدٌ هادٌ وَهُوبُ
يُرِيكَ عَلَى الرِّضَا وَالسُّخْطِ وَجْهاً / تَرُوقُ به البَشَاشَةُ وَالقُطوبُ
يُضِيءُ بِوَجْهِهِ المِحْرَابُ لَيْلاً / وَتُظْلِمُ في النهارِ به الحُروبُ
تَقَدَّمَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ نَبِيٍّ / نماهُ وهكذا البَطَلُ النَّجِيبُ
وصَدَّقَهُ وحَكَّمَهُ صَبيّاً / مِنَ الكُفَّارِ شُبَّانٌ وشِيبُ
فلما جاءهم بالحقِّ صَدُّوا / وصَدُّ أُولئك العَجَبُ العَجيبُ
شريعتُهُ صراطٌ مُستقيمٌ / فليسَ يَمَسُّنَا فيها لُغوبُ
عليكَ بها فإنَّ لها كِتاباً / عليه تَحْسُدُ الحَدقَ القلوبُ
يَنُوبُ لها عَنِ الكُتبِ المَوَاضي / ولَيْسَتْ عنه في حالٍ تَنُوبُ
ألَمْ تَرَهُ يُنَادِي بالتَّحَدِّي / ولا أحدٌ بِبَيِّنَةٍ يُجِيبُ
وَقد كَشَفَ الغِطَاءَ لنا وشُقَّتْ / عَنِ الحُسْنِ البَدِيعِ به جُيوبُ
وَدَانَ البَدْرُ مُنْشَقّاً إليه / وأَفْصَحَ ناطِقاً عَيْرٌ وَذيبُ
وَجِذْعُ النَّخْلِ حَنَّ حَنِينَ ثَكْلَى / لهُ فأَجابهُ نِعْمَ المُجِيبُ
وَقد سَجَدَتْ لهُ أَغصانُ سَرْحٍ / فلِمْ لا يؤْمِنُ الظَّبْيُ الرَّبِيبُ
وَكمْ مِنْ دَعْوَةٍ في المَحْلِ منها / رَبَتْ وَاهْتَزَّتِ الأرضُ الجَدِيبُ
وَروَّى عَسْكَراً بِحليبِ شاةٍ / فعاوَدَهُم بهِ العَيْشُ الخصيبُ
وَمَخْبولٌ أتاهُ فثابَ عَقْلٌ / إليه وَلمْ نَخلْهُ له يثُوبُ
وما ماءٌ تَلَقَّى وهْوَ مِلْحٌ / أُجاجٌ طَعْمُهُ إِلَّا يَطِيبُ
وعينٌ فارقَتْ نظراً فعادت / كما كانتْ ورُدَّ لها السَّليبُ
ومَيْتٌ مُؤْذِنٌ بِفِرَاقِ رُوحٍ / أَقامَ وسُرِّيَتْ عنه شعُوبُ
وثَغْرُ مُعَمِّرٍ عُمراً طويلاً / تُوُفّي وهوَ مَنْضُودٌ شَنيبُ
وَنَخْلٌ أَثْمَرَتُ في دُونِ عامٍ / فَغَارَ بها عَلَى القِنْوِ العَسيبُ
وَوفّى منهُ سَلْمانٌ دُيُوناً / عليه ما يُوفِّيها جَرِيبُ
وَجَرَّدَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ سَيْفاً / فقِيلَ بِذَاكَ لِلسَّيْفِ القَضِيبُ
وهَزَّ ثَبِير عِطْفَيْهِ سُروراً / به كالغُصْنِ هَبَّتْهُ الجَنُوبُ
ورَدَّ الفيلَ والأحزابَ طَيْرٌ / وريحٌ ما يُطاقُ لها هُبُوبُ
وَفارِس خانها ماءٌ ونارٌ / فغِيضَ الماءُ وانطَفأَ اللَّهيبُ
وَقد هَزَّ الحسامَ عليه عادٍ / بِيَوْمٍ نَوْمُه فيه هُبوبُ
فقامَ المصطفى بالسيفِ يَسْطو / عَلَى السَّاطي به وَلهُ وثُوبُ
وَرِيعَ لهُ أبو جهلٍ بِفَحْلٍ / يَنُوبُ عَنِ الهِزَبْرِ لهُ نُيُوبُ
وَشُهْبٌ أُرْسِلَتْ حَرَساً فخُطَّتْ / عَلَى طِرسِ الظَّلامِ بها شُطوبُ
وَلَمْ أَرَ مُعجزاتٍ مِثْلَ ذِكْرٍ / إليه كلُّ ذِي لُبٍّ يُنيبُ
وما آياتُه تُحْصَى بِعَدٍّ / فَيُدْرِكَ شَأْوَها مني طَلوبُ
طَفِقْتُ أعُدُّ منها مَوْجَ بَحْرٍ / وَقَطْراً غَيْثُهُ أَبَداً يَصُوبُ
يَجُودُ سَحابُهُنَّ وَلا انْقِشَاعٌ / وَيَزْخَرُ بَحْرُهُنَّ وَلا نُضُوبُ
فَراقَكَ مِنْ بَوَارِقِها وَمِيضٌ / وَشاقَكَ مِنْ جَوَاهِرِها رُسوبُ
هدانا للإِلهِ بها نَبيٌّ / فضائِله إذا تُحْكَى ضُروبُ
وأَخبَرَ تابِعِيهِ بِغائِباتٍ / وَلَيسَ بِكائِن عنهُ معيبُ
ولا كَتَبَ الكتابَ وَلا تَلاه / فيُلْحِدَ في رسالته المُريبُ
وَقد نالوا عَلَى الأُمم المَوَاضي / به شَرَفاً فكلُّهُمُ حَسيبُ
وما كأميرِنا فيهم أميرٌ / ولا كنقِيبِنا لهمُ نقيبُ
كأَنَّ عليمَنا لهمُ نبيٌّ / لدعوتِهِ الخلائقُ تستجيبُ
وَقد كتِبَتْ علينا واجباتٌ / أَشَدُّ عليهمُ منها النُّدوبُ
وما تَتَضاعفُ الأغلالُ إِلَّا / إذا قَسَتِ الرِّقابُ أوِ القلوبُ
ولما قيلَ للكفارِ خُشْبٌ / تَحَكَّمَ فيهمُ السيفُ الخشِيبُ
حَكَوْا في ضَرْبِ أَمثلةٍ حَمِيرا / فواحِدُنا لأَلفِهِمُ ضَرُوبُ
وما عُلَماؤُنا إلا سُيوفٌ / مَواضٍ لا تُفَلُّ لها غُروبُ
سَراةٌ لم يَقُلْ منهم سَرِيٌّ / لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ يومٌ عَصيبُ
وَلَمْ يَفْتِنْهُمُ ماءٌ نَمِيرٌ / مِنَ الدنيا ولا مَرْعىً خصيبُ
ولم تُغْمَضْ لهمْ ليلاً جُفونٌ / ولا أَلِفَتْ مَضاجِعَها جُنُوبُ
يَشُوقُكَ منهمُ كلُّ ابنِ هَيْجَا / عَلَى اللَّأواء مَحْبُوبٌ مَهيبُ
له مِنْ نَقْعِهَا طَرْفٌ كَحِيل / ومِنْ دَمِ أُسْدِها كَفٌّ خَضِيبُ
وتنهالُ الكتائبُ حينَ يَهْوِي / إليها مثلَ ما انهال الكثيبُ
على طُرُقِ القَنا للموْتِ منه / إلى مُهجِ العِدا أبدا دَبيبُ
يُقَصِّدُ في العِدا سُمْرَ العَوالي / فيَرْجِعُ وهْوَ مسلوبٌ سَلوبُ
ذَوابِلُ كالعُقُودِ لها اطّرادٌ / فليسَ يَشُوقُها إلَّا التَّرِيبُ
يَخِرُّ لِرُمْحِهِ الرُّومِيُّ أنَّى / تَيَقَّنَ أنه العُودُ الصَّليبُ
ويَخْضِبُ سَيْفَهُ بِدَمِ النَّواصي / مَخَافَةَ أنْ يُقالَ به مَشِيبُ
له في الليلِ دَمْعٌ ليسَ يَرْقا / وقلبٌ ما يَغِبُّ له وجِيبُ
رسولَ اللَّهِ دعوةَ مُستقيلٍ / مِنَ التقصيرِ خاطِرُهُ هَيُوبُ
تَعَذَّرَ في المَشِيبِ وكانَ عَيَّاً / وَبُرْدُ شبابِهِ ضافٍ قشيبُ
ولا عَتْبٌ على مَن قامَ يَجْلو / محاسِنَ لا تُرَى معها عيوبُ
دَعاك لكلِّ مُعْضِلةٍ أَلَمَّتْ / به ولكلِّ نائبةٍ تَنُوبُ
وللذَّنبِ الذي ضاقَتْ عليه / به الدنيا وجانبُها رَحِيبُ
يُراقِبُ منه ما كَسَبَتْ يَداه / فيَبْكيه كما يَبْكي الرَّقوبُ
وأَنى يهتدي للرُّشدِ عاصٍ / لِغارِبِ كلِّ مَعصِيَةٍ ركوبُ
يَتوبُ لِسانُهُ عَنْ كلِّ ذَنْبٍ / وَلم يَرَ قلبهُ منه يَتُوبُ
تَقَاضَتْهُ مواهِبُكَ امْتِدَاحاً / وَأَوْلَى الناسِ بالمَدْحِ الوَهُوبُ
وَأغْراني به داعِي اقْتِراحٍ / عَلَيَّ لأَمْرِهِ أبَدَاً وُجُوبُ
فقلتُ لِمَنْ يَحُضُّ عَلَيَّ فيه / لعلَّك في هواه لِي نَسيبُ
دَلَلْتَ عَلَى الهَوَى قلبي فَسَهْمِي / وَسَهْمُكَ في الهَوَى كلٌّ مُصيبُ
لجودٍ المصطفى مُدَّتْ يَدانا / وَما مُدَّتْ لهُ أَيْدٍ تَخِيبُ
شفاعَتُهُ لنا ولكلِّ عاصٍ / بِقَدْرِ ذُنوبِهِ منها ذَنوبُ
هُوَ الغَيْثُ السَّكُوبَ نَدىً وعِلْماً / جَهِلْتُ وما هُوَ الغَيْثُ السَّكوبُ
صلاةُ اللّهِ ما سارت سحابٌ / عليه وما رَسا وَثَوَى عَسِيبُ
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ / خَجِلاً يُعَنِّفُ نفسَهُ ويُؤَنِّبُ
لم لا يشُوبُ دُمُوعَهُ بِدِمائِه / ذو شيبَةٍ عَوْرَاتُها مَا تُخْضَبُ
لَعِبَتْ به الدّنيا ولولا جَهْلُه / ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعبُ
لَزمَ التَّقَلُّبَ في مَعاصِي رَبِّهِ / إذْ باتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلَّبُ
يستغفِرُ اللَّهَ الذُّنوبَ وقلبُه / شرِهاً على أمْثالها يَتَوثَّبُ
يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ / فكأنَّهُ فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ
أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً / فكأنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ
ضاقَتْ مذاهِبُه عليه فما لَه / إلَّا إلى حَرَمٍ بِطَيْبَةَ مَهْرَبُ
مُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ / لكنه بِرَجَائِه مُتَسَبِّبُ
وقَفَتْ بِجاهِ المصطفى آمالُه / فكأَنه بذنوبه يَتَقَرَّبُ
وَبَدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ / بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ مَطامِعي / في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ
لِم لا يغارُ وقد رآني دونَه / أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أطلُبُ
ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ / وصَحائِفي سُودٌ ورأْسِيَ أشْيَبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي / يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ
بَشَرٌ سَعِيدٌ في النُّفُوسِ مُعَظَّمٌ / مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحَبَّبُ
بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ / وبيَانِ مَنْطِقِه تَشَرّفَ يَعْرُبُ
مِصْباحُ كلِّ فضيلةٍ وإمامُها / وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنْسَبُ
رِدْ واقْتَبِسْ مِنْ فَضْلِهِ فبِحارُه / ما تَنْتَهِي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ
فلكلِّ سارِ مِنْ هُداهُ هِدايَةٌ / ولكلِّ عافٍ مِنْ نَداه مَشْرَبُ
وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالع / ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ
مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاؤُهُ / فيه الوُجُودُ مُنَوَّرٌ ومُطَيَّبُ
وَهَبَ الإِلهُ لهُ الكمالَ وإنَّهُ / في غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ ما لا يُوهَبُ
كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسْرِي به / فعُلُومُهُ لا شيءَ عنها يَعزُبُ
وَلِقَابِ قَوْسَيْنِ انْتَهَى فمَحَلُّهُ / مِنْ قابِ قَوْسَيْنِ المَحَلُّ الأقْرَبُ
ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً / فيه كما زَعَمَ المُكَيِّفُ مَنْكِبُ
فاتَ العبارَةَ والإِشارَةَ فضلُهُ / فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ
صَدِّقْ بما حُدِّثْتُ عنه فَفي الوَرَى / بالغيْبِ عنه مُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبُ
واسمَعْ مناقِبَ للحبيبِ فإنّها / فِي الحُسْنِ مِنْ عَنْقَاءَ مُغْرِبَ أغْرَبَ
مُتَمَكِّنُ الأخلاق إلّا أنّه / في الحُكمِ يَرْضَى للإلهِ وَيَغْضبُ
يَشْفِي الصُّدُورَ كلامُه فدواؤُه / طَوراً يَمُرُّ لها وطَوْراً يَعْذُبُ
فاطْرَبْ لتَسْبِيحِ الحَصَى في كَفِّهِ / فَمِنَ السَّماعِ لِذِكْرِهِ ما يُطرِبُ
والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمغْرَمٍ / قَلِقٍ بفَقْدِ حَبيبِه يَتَكَرَّبُ
وَسَعَتْ له الأحجارُ فهْيَ لأَمرِه / تأْتي إليه كما يشاءُ وتَذْهَبُ
واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ / وَمِنَ الجِبَالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ
والنَّخْلُ أثْمَرَ غَرْسُه في عامِه / وَبَدَا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهَبُ
وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكَرا / فكأنّه من دِيمَةٍ يَتَصَبَّبُ
والشَّاةُ إذْ عَطشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ / وهمُ ثلاثُ مَئِينَ مما يَحْلُبُ
وشفَى جميعَ المُؤْلِمَاتِ بِريقِه / يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ
وَمَشَى تُظلِّلُهُ الغَمامُ لِظلِّها / ذَيْلٌ عليه في الهواجر يُسْحَبُ
وَتَكَلَّمَ الأطفالُ والمَوْتَى لَهُ / بِعجائِبٍ فليَعجَب المُتعجِّبُ
والجَذْلُ مِنْ حَطَبٍ غَدا لِعُكاشَةٍ / سَيْفاً وليس السَّيفُ مما يُحْطَبُ
وعَسِيبُ نَخْلٍ صارَ عَضْباً صارِماً / يَوْمَ الوَغَى إذْ كلُّ عَيْنٍ تُقْلَبُ
وأضاءَ عُرْجُونٌ وَسَوْطٌ في الدُّجى / عَنْ أمرِهِ فكأنَّ كُلّاً كَوْكَبُ
وكأنَّ دعْوَتَهُ طليعَةُ قَوْلِ كُنْ / ما بَعْدَها إلا الإجابةَ مَوْكِبُ
تَحظَى بها أبناءُ مَنْ يدعو لَهُ / فكأنها وقْفٌ عَلَى مَنْ يُعْقِبُ
للناسِ فيها وابلٌ وصواعقٌ / نَفْسٌ بها تَحْيا ونَفسٌ تَعْطَبُ
والمَحْلُ إذْ عَمَّ البِلادَ بَلاؤُهُ / والريحُ يُشْمِلُ بالسَّمُومِ ويجنِبُ
واسْتَسْلَمَ الوَحْشُ المَرُوعُ لِصَيْدِهِ / جُوعاً وصرَّ مِنَ الحَرورِ الجُنْدُبُ
والذِّئْبُ مِنْ طولِ الطَّوَى يَبْكي عَلَى / رِمَمِ المَواشي وابنُ دايَة ينعَبُ
والناس قد ظنُّوا الظُّنُونَ كأنَّما / سَلَبَتْ قلوبَهم الرياحُ القُلَّبُ
لم تَبْكِ للأَرْضِ السماءُ به ولا / رَقَّتْ لِشائِمِها البروقُ الخلَّبُ
فَدَعَوْكَ مَخْبُوءاً لكلِّ كَرِيهةٍ / جَلَّتْ كما يُخْبا الحُسامُ ويُنْدبُ
فَرَفَعتَ عَشْرَاً مِنْ أنامِلَ داعياً / فانْهَلَّ أُسبوعاً سَحابٌ صَيبُ
فطَغَى عَلَى بُنْيانِ مكّةَ ماؤُهُ / أو كادَ يَنْبُتُ في البُيوتِ الطُّحْلُبُ
لَولا سألتَ اللَّهَ سُقيا رَحْمةٍ / ماتَتْ به الأحياءُ مما يَشربوا
فإذا البلادُ وكلُّ دارٍ رَوْضَةٌ / فيما يَرُوقُ وكلُّ وادٍ مُعْشِبُ
قد جئتُ أَسْتَسْقِي مكارِمَكَ التي / يَحْيا بها القَلْبُ المواتُ ويُخصِبُ
يا مَنْ يُرَجَّى فِي القيامةِ حيث لا / أُمٌّ تُرَجَّى للنّجَاةِ ولا أبُ
يا فارِجَ الكُرَبِ العِظامِ وَوَاهِبَ الْ / مِنَنِ الجِسامِ إليكَ منك المهرَبُ
هَبْ لِي مِنَ الغُفْرانِ رَبِّ سعادةً / ما تُسْتَعادُ ونِعمةً ما تُسْلَبُ
أيَضيقُ بِي أمرٌ وبابُ المصطفى / في الأرضِ أوسَعُ للعُفاةِ وَأرْحَبُ
لا تَقْنَطِي يا نفْسُ إِنَّ تَوَسُّلِي / بالمصطفى المختارِ ليسَ يُخَيَّبُ
أنَّى يَخِيبُ وقد تَعَطَّرَ مَشْرِقٌ / بمَدَائحي خيرَ الأنامِ ومَغْرِبُ
آلَ النبيِّ وَمن لهم بالمصطفى / مَجْدٌ على السَّبْعِ الطِّباقِ مُطَنِّبُ
حُزْتُمْ عظيماً مِنْ تُراثِ نُبُوَّةٍ / ما كان دونكُم لها مَنْ يَحجُبُ
اللَّهُ حَسْبُكُمُ وَحَسْبِي إنني / في كلِّ مُعْضِلَةٍ بِكُمْ أتَحَسَّبُ
يا سادتي حُبِّي لكم ما تَنْقَضِي / أعمارُهُ وَحِبالُه ما تُقْضَبُ
مِنْ مَعْشَرٍ نَزَلوا الفَلا فحصونُهُمْ / بِيدٌ بأطرافِ الرِّماحِ تُؤَشّبُ
ما فيهمُ لسنانِ عَيْبٍ مَطْعَنٌ / كَلَّا وَلا لحُسامِ رَيْبٍ مَضْرِبُ
وَعَلَى الخَصاصَةِ يُؤْثِرُونَ بزادِهِم / وَيَلَذُّ مِنْ كَرَمٍ لهم أنْ يَسْغَبوا
لا تَنْزِعُ اللُّوَّامُ أثْوَابَ النَّدَى / عنهم ويُخْصِبُ جُودُهم أنْ يُجْدِبوا
جُبِلُوا على سِحْرِ البَيان فجاءهم / حَقُّ البيانِ عَنِ الرِّسالةِ يُعْرِبُ
فاستسلَموا للعَجْزِ عنه وذو النُّهَى / تَأْبَى نُهاهُ قِتالَ مَنْ لا يُغْلَبُ
جاءتْ عجائبُهُم أمامَ عجائِبٍ / أُمُّ الزَّمانِ بِهِنَّ حُبْلَى مُقرِبُ
ما بالُ مَنْ غَضِبَ الإلهُ عليهم / حادوا عن الحقِّ المُبِينِ ونَكَّبُوا
كفَرَتْ عَلَى عِلمٍ بهم علماؤُهم / جَرِبَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَصِحَّ الأجربُ
هلَّا تَمَنَّى المَوْتَ منهمْ معشرٌ / جَحَدُوهُ فامْتَحَنوا الدَّواءَ وَجَرّبُوا
أفيُؤْمِنُون بِهِ وَمِمَّن جاءهم / بالبَيِّنَاتِ مُقَتَّلٌ وَمُصَلَّبُ
عَبَدُوا وموسى فيهمُ العجل الذي / ذُبِحوا بهِ ذَبحَ العجولِ وعُذِّبوا
وصبَوا إِلى الأَوثانِ بَعدَ وَفاتِهِ / وَالرُّسْلُ مِنْ أسَفٍ عليهم تَنْدُبُ
وَإذا القلوبُ قَسَتْ فليس يُلِينها / خِلُّ يَلُومُ ولا عَدُوٌّ يَعْتِبُ
وَأخو الضَّلالَةِ قالَ عيسى ربُّه / وَنَبِيُّهُ فأخو الضَّلالِ مُذَبْذَبُ
ويقول خالِقُه أبوهُ وإنَّه / رَبٌّ وإنسانٌ أَلا فَتَعجَّبوا
أبِهَذِهِ العَوراتِ جَاءَتْ كُتبُهُم / أمْ حَرَّفوا منها الصَّوابَ وَوَرَّبُوا
فاعوجَّ منها ما استقامَ طلوعُه / فكأنها بين النُّجُومِ العَقْرَبُ
عَجَباً لهمْ ما بَاهَلوه ولِم أبَتْ / أحْبارُ نَجرانَ الّذينَ تَرَهَّبُوا
ولقد تَحَدَّى بالبيانِ لقَومِهِ / وإليهمُ يُعزَى البيانُ ويُنسَبُ
فتَهَيَّبُوه وما أتَوْهُ بِسُورَةٍ / مِنْ مِثله وبيانُهُم يُتَهَيَّبُ
مَنْ لَمْ يُؤَهِّلْهُ الإلهُ لحَالةٍ / فاتَتْهُ وهْوَ لِنَيْلِها مُتَأَهِّبُ
عَجَباً لهم شَهِدُوا لهُ بأمانةٍ / حتى إذا أدَّى الأَمانة كَذَّبوا
وارتابَ فيه المشركون ولَمْ يَزَلْ / بالصِّدْقِ عند المشركينَ يُلَقَّبُ
جَحَدُوا النبيَّ وقد أتاهم بالهُدَى / لَولا القضاءُ سألتَهُمْ ما المُوجِبُ
للَّهِ يومُ خروجِه منْ مكةٍ / كخروجِ موسى خائفاً يَتَرَقَّبُ
والجِنُّ تُنْشِدُ وحْشَةً لِفِرَاقِهِ / شِعْراً تَفيضُ به الدُّموعُ وتُسْكَبُ
والغارُ قد شَنَّتْ عليه غارةً / أعْداؤُه حِرْصاً عليه وأجلبُوا
أرَأيتَ مَنْ يَجفو عليه قَوْمُه / تَحْنُو عليه العنكبوتُ وتحْدَبُ
إنْ يكفروا بكتابِهِ فكتابُهُ / فَلَكٌ يَدُورُ على الوُجُودِ مُكَوْكَبُ
قامت لنا وعليهمُ حُجَجٌ به / فَبَدا الصَّباحُ وجَنَّ منه الغَيْهَبُ
فتصادمَ الحَقُّ المُبينُ وإفكهُم / فإذا النُّفُوسُ عَلَى الرَّدَى تَتَشَعَّبُ
فدَعوْا نَزال فأَوْقَدَتْ نيرانَها / سُمْرُ القَنا وَالعادِيَاتُ الشُّزَّبُ
فإذَا بِدِينِ الكُفْرِ يَنْدُبُ فَقْدَهُ / ذرِّيَّةً تُسْبَى وَمالٌ يُنْهَبُ
غالَتْ بُغاثَهُمُ بُزَاةُ كَرِيهَةٍ / أظفارُها في كل صَيْدٍ تَنْشَبُ
حتى بكى عَمراً هِشامٌ في الثَّرَى / مِنْ ذِلَّةٍ وَنَعَى حُيَيّاً أَخْطَبُ
لا تُنْكِرُوا بُغْضِي عَدُوَّ المُصطفى / إني بِبُغْضِهِمُ لهُ أَتَحَبَّبُ
أقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ نارُ قَرِيحتي / أبداً عَلَى أعدائه تَتَلَهَّبُ
هذا وَنُطْقِي دائماً بِمَدِيحِهِ / أذكَى مِنَ الوَرْدِ الجَنِيِّ وَأطْيَبُ
أُهْدِي له طِيبَ الثَّنَاءِ وإنّه / لَيُحِبُّ أنْ يُهْدَى إليه الطَّيِّبُ
أُثْنِي عليه تَشَوُّقاً وتَعَبُّدَاً / لا أنّني لِصفاتِهِ أسْتَوْعِبُ
مُسْتَصْحِباً حُبِّي وإيماني لهُ / وكلاهُما مِنْ خَيْرِ ما يُستَصْحَبُ
أشْتَاقُ للحَرَمِ الشَّرِيفِ بِلَوْعَةٍ / في القلبِ تَحْدُو بي إلَيْهِ وَتَجْذِبُ
ما لي سِوَى ذِكْرَى لهُ في رِحْلَتِي / زَادٌ وَلا غَيرُ اشْتياقِي مَرْكَبُ
وَتَحِيَّة مني إليه يَرُدُّهَا / منه عليَّ مُسَلِّمٌ ومُرَحِّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ صلاتَهُ / فَرْضٌ عَلَى كلِّ الأنامِ مُرَتَّبُ
ما حنَّ مُشْتاقٌ إلى أوطانِهِ / مِثْلي ورَاحَ بِوَصْفِها يَتَشَبَّبُ
أرِيحُ الصَّبا هَبَّتْ عَلَى زَهرِ الرُّبَا
أرِيحُ الصَّبا هَبَّتْ عَلَى زَهرِ الرُّبَا / فأصْبَحَ منها كلُّ قُطْرٍ مُطَيَّبا
أمِ الرَّاحُ أهْدَتْ للرِّياحِ خمارَها / فأسْكَرَ مَسْرَاهَا الوُجُودَ وطَيَّبا
ألمْ تَرَني هَزَّ التَّصابي مَعاطِفي / وراجَعَني ما راقَ مِنْ رَوْنَقِ الصِّبا
فمنْ مُخْبِري ماذا السُّرُورُ الذي سَرَى / فلا بُدَّ حَتْماً أنْ يكونَ لهُ نَبَا
فقالوا أعادَ اللَّهُ للناسِ فَخْرَهُم / وَلِيَّاً إلى كلِّ القلوبِ مَحَبَّبا
فقلت أَفَخْرُ الدِّينِ عثمانُ قال لي / بَلَى قُلْ له أهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَبا
وقال الورَى للَّهِ دَرُّكَ قادِماً / سُقِينا به من رحمةِ اللَّهِ صَيِّبا
ونادَى مُنادٍ بينهم بِقدُومِهِ / فَرَهَّبَ منهُم سامِعينَ ورَغَّبا
فأَوْسَعَهُمْ فضلاً فآمَنَ خائِفاً / وَأنْصَفَ مظلوماً وَأخْصبَ مُجْدِبا
وقد أخَذَتْ منه البسيطةُ زِينةً / فَفَضَّضَ منها الزهرَ حَلْياً وذَهَّبا
فيا فرحَةَ الدُّنيا وَفَرحَةَ أهلها / بِيَوْمٍ له مِنْ وَجْهِ عثمانَ أعربا
وشاهد منهُ صُورةً يُوسُفِيَّةً / تباهَى بها في الحُسْنِ وَالبَأْسِ مَوْكِبا
مُفَوِّضُ أمْرِ العالمينَ لِرَأْيه / فكان بهمْ أوْلَى وأدرَى وأذْرَبَا
أعيدُوا على أسماعِنا طِيبَ ذِكْرِهِ / لِيُطْفِئَ وجْداً في القلوب تَلَهَّبَا
ولا تَحْجُبُوا الأبصارَ عَنْ حُسْنِ وجهِه / فقدْ كانَ عنها بالبِعادِ مُحَجَّبا
وَلِيٌّ إذا ضاقتْ يَدِي وَذكَرْتُهُ / مَلَكْتُ نِصَاباً أوْ تَوَلَّيْتُ مَنْصِبا
تَوَسَّلْ به في كلِّ ما أنتَ طالبٌ / فكم نلتُ منهُ بالتوسُّلِ مطلبا
وعِشْ آمِناً في جاهِهِ إِنَّ جاهَهُ / لِقُصَّادِهِ راضَ الزمانَ وهَذَّبا
تَغَرَّبْتُ يَوْماً عَنْ بِلادِي وزُرْتُهُ / فَنِلْتُ غِنَىً ما نَالَهُ مَنْ تَغَرَّبَا
على أنني ما زِلْتُ مِنْ بَرَكاتِهِ / غنِيّاً وفي نَعْمائِهِ مُتَقَلِّبَا
وكُنْتُ لِمَا يَرْضَاهُ بالغيبِ فاعِلاً / وَكُنْتُ لِمَا لَمْ يَرْضَهُ مُتَجَنِّبا
ولا كان دِيناري مِنَ النُّصحِ بَهرَجاً / لَدَيْهِ ولا بَرْقِي مِنَ الوُدِّ خُلَّبا
أمَوْلايَ أَنْسَيْتَ الوَرَى ذِكْرَ مَنْ مَضَى / وأغنى نَداك المادحينَ وأَتعَبا
ولِي أدبٌ حُرٌّ أُحَرِّمُ بَيْعَهُ / وما كانَ بَيْعُ الحُرِّ لِلحُرِّ مَذْهَبَا
وقد أَهْجُرُ العذْبَ الزُّلالَ عَلَى الصَّدَى / إذَا كَدَّرَتْ لِي السَّمْهَريَّةُ مَشْرَبا
وأَنْصِبُ أَحْياناً شِباكَ قَنَاعَةٍ / أَصِيدُ بها نُوناً وَضَبَّاً وجُنْدبا
ومَهْمَا رآني شَاعِرٌ مُتَأَسِّدٌ / تَذأَّبَ منها خِيفَةً وتَثَعْلَبَا
أُراقِبُ مَنْ عَاشَرْتُ منهم كأنَّني / أُراقِبُ كلباً أَوْ أُراقِبُ عَقْرَبا
كأني إذا أهْدِيهِمُ عَنْ ضَلالِهِمْ / أُبَصِّرُ أَعْمىً أَوْ أُقَوِّمُ أَحْدَبا
فلا بُورِكَ المُسْتَخْدمونَ عِصابةً / فكمْ ظالمٍ منهم عَلَيَّ تَعَصَّبا
إذَا ما بَرَى أَقْلامَهُ خلْتُ أَنَّه / يَسُنُّ لَهُ ظُفْرَاً وناباً ومِخْلَبَا
يغالِطُني بعضُ النَّصَارَى جَهالةً / إذا أَوْجَبَ المُلْغَى وَأَلْغَى المُوجَّبَا
ومَا كانَ مَنْ عَدَّ الثَّلاثَةَ وَاحداً / بِأَعْلَمَ مِنِّي بالحِسَابِ وأكْتَبَا
وَما الحَقُّ في أَفْوَاهِ قومٍ كأنّها / أَوَانٍ حوَتْ ماءً خَبِيثاً مُطَحْلَبَا
مُفَلَّجَةٍ أَسْنَانُها فكأنَّها / أَصَابَ بها الزِّنْجَارُ أَحْجَارَ كَهرَبا
كأنَّ ثَناياهُم من الخَبَثِ الذي / تَحَصْرَمَ في نِيَّاتِهِمْ وتَزَبَّبا
عجِبْتُ لِأمرٍ آلَ بالشَّيْخ مخْلصاً / إلى أَنْ يُعَرَّى كاللُّصوصِ وَيُضْرَبا
بَكَيْتُ لَهُ لَمَّا كَشَفْتُ ثيابَهُ / وأَبْصرتُ جسماً بالدِّماءِ مُخَضَّبا
وَحَلَّفْتُهُ باللَّهِ ما كانَ ذَنْبُهُ / فأَقْسَمَ لِي باللَّهِ ما كانَ مُذْنِبَا
وَلكنْ حبيبٌ راحَ فِيَّ مُصَدِّقاً / كلامَ عَدُوٍّ ما يزالُ مُكَذّبا
فقلت ومن كان الأَميرُ حبيبَه / فلا بد أَنْ يَرضَى عليه وَيَغْضَبا
فصَبْراً جميلاً فالمُقدَّرُ كائِنٌ / فقد كانَ أمراً لم تجِدْ منهُ مَهْرَبَا
فإبليسُ لَمَّا كانَ ضِدَّاً لِآدمٍ / تَخَتَّلَ في عِصْيانِهِ وَتَسَبَّبَا
وقد كانت العُقْبَى لآدمَ دونَه / فتابَ عليه اللَّهُ مِنْ بعْدُ وَاجْتَبَى
وَمِنْ قبْلِ ذَا قد كُنتُ إذ كُنتَ ذاكِراً / نَهَيْتُكَ أنْ تَلْقَى الأَميرَ مُقَطِّبَا
دَعَاكَ إلى أَمرٍ مُهِمٍّ فجِئْتَهُ / كَأَنَّكَ في عُرْسٍ أَتَيْتَ مُشَبّبا
فلا تنْسَ فينا للأَميرِ قضِيَّةً / فَتَفْتَحَ باباً لِلْعِتَابِ مُجَرَّبا
وَإياكَ أَنْ تُبْطِي عَلَيَّ بِرَاتبي / فيَبْقَى عليكَ اللَّومُ منه مُرَتَّبا
وَخَف صارِماً هَزَّ المَدِيحُ فِرِنْدَهُ / حَبِيبٌ إِليه أَنْ يُهَزَّ ويُنْدَبَا
فلا فارَقتْ منه السَّعَادَةُ قائماً / وَلا فَلَّتَتْ منه الحَوادِثُ مَضْرِبا
ولا زالَ دينُ اللَّهِ يَرْضَى الَّذي قَضَى / به في بَنِي الغالِي وَيأبى الذي أبَى
لا تَظلِموني وَتَظلِموا الحِسْبَه
لا تَظلِموني وَتَظلِموا الحِسْبَه / فليسَ بيني وَبينها نِسْبَه
غيْرِي في البيعِ وَالشِّرَا دَرِبٌ / وَليس في الحالتيْنِ لي دُرْبَه
فهو أبو حَبَّةٍ كما ذَكَرُوا / لا يَتَغَاضَى للناسِ في حَبهْ
وَقامَ في قومِهِ لِيُنْذِرَهُم / فهْوَ بإنْذَارِ قومِهِ أشْبَهْ
والناسُ كالزَّرْعِ في منابِتِهِ / هذا له تُرْبَةٌ وَذَا تُرْبَهْ
تاللَّهِ لا يَرْضَى فضلي وَلا أدَبي / وَلا طِباعِي في هذهِ السُّبَّهْ
أَجْلِسُ والناسُ يُهْرَعُونَ إِلَى / فِعْلِي في السُّوقِ عُصْبَةً عُصْبَهْ
أُوجِعُ زَيْداً ضَرْباً وَأُشْبِعُهُ / سَبّاً كَأني مُرَقِّصُ الدُّبَّهْ
ويُكسِبُ الغيْظُ مُقْلَتَيَّ وخَد / ديَّ احْمِراراً كنامر القِرْبَهْ
وآمُرُ الناسَ بالصَّلاحِ ولا / أُصْلِحُ نَفْسِي حُرِمْتُها حِسْبَهْ
لَمْ أَرَ في قُبْحِ فِعْلِهَا حَسَناً / كالكلبِ فِي السُّوقِ يُلْقِحُ الكلْبَهْ
وما كفَاها حتى يُخَيَّلَ لِي / أَن اتِّباعِي أَهْوَائِها قُرْبَهْ
أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَكُونَ كَمَنْ / تَغْلِبُهُ في الرَّقاعَةِ الرَّغْبَهْ
يمشي بها والصِّغارُ تُنْشِدُهُ / أميرُنا زارَنا بِلا ركْبَهْ
وَما يزالُ الغُلامُ يَتْبَعُهُ / بدرَّةٍ مِثْلَ رَأْسِهِ صُلْبَهْ
وَهْوَ يقولُ افْسَحوا لِمُحْتَسِبٍ / قد جاءكم مِنْ دِمَشْقَ في عُلْبَهْ
لا تَنْقَفِلْ يا فُلانُ في بَلَدٍ / لَمْ تَنْقَفِلْ منكَ بينهمْ ضَبَّهْ
فمنْ تَبَاهَى بأَنَّهُ وتدٌ / فلْيَحْتَمِلْ دَقَّ كلِّ مِرْزَبَّهْ
ما بالُه خايَلَ الزّمانَ بها / كَمْ كانَ لِلَّيْلِ فيك مِنْ صَبَّهْ
وقائلٍ لَمْ يَقُلْ أَتاهُ كَذَا / يَسْفَهُ في قولِهِ ولا يُجبَهْ
معناه مَنْ لَمْ يكنْ كَوالدِهِ / فَهْوَ لَقيطٌ رَمَتْ به قَحْبَهْ
قلتُ لهم عندَ صاحبي حُمقٌ / في كُلِّ حينٍ يُلْقِيهِ في نَكْبَهْ
حَصَّلَ مالاً جَمَّاً وعَدَّدَه / مِنْ أَصْلِ مَالِ الزَّكاةِ والوهْبَهْ
وَصارَ عَدْلاً وعاقِداً وَأَمِي / نَ الحُكْمِ دون العدولِ في حِقْبَهْ
مُنَبِّهٌ قومَهُ عَلَى شُغُلٍ / وساعدَ الوقْتُ سَعْدَ مَنْ نَبَّهْ
وَخِفْتُ مِنْ عَتْبِهِمْ عَلَيَّ كما / خافَ العَتاهِي العَتْبَ مِنْ عُتْبَهْ
فَطَارَ بُرْغُوثُهُ لِخِفَّتِهِ / وَرامَ يَحْكِي الأسودَ في الوثْبَهْ
فَلَمْ يَرم إذْ رَمَتْهُ بِفِطْنَتِهِ / إلى وُهودِ الْخمولِ مِنْ هَضْبَهْ
أَغْرَقَهُ جَهْلُهُ وَما سُتِرَتْ / قَطُّ لَهُ سُرَّةٌ وَلا رُكْبَهْ
وَعَادَ تَمْوِيهُهُ عليه وكَمْ / أَخْجَلَ شَيْبُ الذقونِ منْ خَضبهْ
وَرَاحَ مِثْلَ النَّواتِ في سُفُنٍ / خَيْرٌ لَهُ مِنْ سُلافَةٍ عَطْبَهْ
وَسَاءَنِي ما جَرَى عليه مِنَ النِّسْ / وَةِ يومَ الخميسِ في التُّرْبَهْ
فلا تَسَلْنِي فما حَضَرْتُ لها / لكِنْ سمِعْتُ الصِّيَاحَ والنُّدْبَهْ
وقالتِ الناسُ عندما وَرَدَتْ / لِعَزْلِهِ الكُتْبُ هانَتِ الوَجْبَهْ
فالحمدُ للَّهِ فاحْمدُوهُ مَعِي / على خَلاصِي مِنْ هذهِ النِّسْبَهْ
اليوْمَ حَقَّقْتُ أَنَّ أَمْرَكَ بالحس / بَةِ لِي ليسَ كان لِي لُعْبَهْ
يا ماجِداً ما يَزالُ يُنْقِذُ مَنْ / رَماهُ رَيْبُ الزَّمانِ فِي كُرْبَهْ
إِنِّي امْرُؤٌ حِرْفَتِي الحِسابُ فَلا / يَدْخُلُ رَيْبٌ عليَّ في حِسْبَهْ
ولا تَرُدُّ الكُتَّابُ جائزةً / على حِسابٍ منِّي ولا شَطْبَهْ
يَشْرَقُ مني بِرِيقِهِ رَجُلٌ / يَشْرَبُ مالَ العُمالِ فِي شَرْبَهْ
وَالشِّعْرُ مِيزَانُهُ أُقَوِّمُهُ / وليس تَنْقَامُ منه لي حَدْبَهْ
فإنني لا أرَى المدِيحَ به / لِلْمَالِ بلْ لِلْوِدَادِ والصُّحْبَهْ
وَالشِّعْرُ عندي أَخُو العَدالةِ لا / أحسِبُ أَقْوَالَهُ وَلا كَسْبَه
فَلَمْ أَكُنْ أَتْبَعُ العَذُولَ إلَى / عَقْدٍ إذا ما دُعَاؤُهُ خُطْبَهْ
مِنْ كلِّ مَنْ لا يخافُ عاقِبَةً / كأنّه في ذهابِهِ عُقْبَهْ
يَذْبَحُهُ ظُلْمُهُ وَيَنْحَرُهُ الْ / جَهْلُ بِلا شَفْرَةٍ ولا حَرْبَهْ
كَمْ غَيَّةٍ قدْ أتَاكَ بها ال / شاهدُ في سَلَمٍ وَفي كِذْبَهْ
يُنِيلُ نَيْلَ الفُسوقِ مِنْ فَمهِ / لا بارَكَ اللَّهُ فيهِ مِنْ جعْبَهْ
فليسَ لِي فِي الشُّهودِ مِنْ أرَبٍ / إذْ وُصِفُوا كاليهودِ بالأُرْبَهْ
فارْحَمْ لبيباً يَوْماً دَعَاكَ وَقد / بَلَّغَتِ الجوع رُوحَهُ اللَّبَّهْ
لوْ عُمِّرَ ابنُ المِعمار خَوَّلهُ / نِيَابَةَ الخِدْمَتَيْنِ والخُطْبَهْ
وَلَمْ يَدَعْهُ كَلًّا عَلَى أَحَدٍ / بغَيْرِ نَفْعٍ كأنهُ وَلْبَهْ
حاشاكَ يا مَنْ أَبوابُهُ وَطنِي / تَخْتَارُ لِي أَنْ أَموتَ فِي الغُرْبَهْ
وَأَنَّ حالِي وَحالَ عائلَتي / لا يَحْمِلُونَ النُّوَى ولا الغُرْبَهْ
إنْ كانَ أَرْضَى الزَّمانَ فُرْقَتنا / فاغْضَبْ على صَرْفِهِ لنا غَضْبَهْ
فأَنْتَ مِنْ مَعْشَرٍ تُطِيعُهُمُ ال / أَيَّامُ عنْ رَغْبَةٍ وَلا رَهْبَهْ
وَمِنْ مَلِيكٍ ما فَوْقَ رُتْبَتِهِ / على عظيم اتِّضاعِهِ رُتْبَهْ
ما مَلِكُ الرُّومِ في جَلالَتِهِ / أَحَقَّ منه بالطَّيْرِ والقُبَّهْ
أَنْتَ الأميرُ المُعيدُ أَلْسُنَنا / كالعُودِ منه بِذِكْرِهِ رَطْبَهْ
والسابِقُ الأَوَّلِينَ في كَرَمٍ / لَمَّا جَرَى والكِرامُ في حَلْبَهْ
والهازِمُ الجَيْشَ والكَتائِبَ بال / طَّعْنَة يَوْمَ الوَغَى وبالضَّرْبَهْ
والطاهرُ الذَّيْلِ والطَّوِيَّةِ أَوْ / يَكْفِي السَّعِيدَ الحَراكَ والنَّصْبَهْ
مَنْ خُلْقُهُ كالنَّسِيمِ يَنْشُرُ إنْ / هَبَّ عليه مِنْ نشرهِ هَبَّهْ
وَمَنْ إذا ذَكَرْتَ سُؤْدُدَهُ / يَهُزُّني عندَ ذِكْرِهِ طَرْبَهْ
صَلاحُهُ اسْتَخْدَمَ الزَّمانَ لَهُ / فصارَ يَمْشِي قُدَّامَهُ حَجْبَهْ
أمَدائِحٌ لِي فِيكَ أمْ تَسْبِيحُ
أمَدائِحٌ لِي فِيكَ أمْ تَسْبِيحُ / لوْلاكَ ما غَفَرَ الذنوبَ مَدِيحُ
حُدِّثْتُ أنَّ مَدَائِحي فِي المصطفى / كفَّارَةٌ لِيَ وَالحَدِيثُ صَحِيحُ
أرْبِحْ بِمَنْ أهْدَى إليه ثَنَاءَهُ / إنَّ الكريمَ لَرَابِحٌ مَرْبُوحُ
يا نَفْسُ دُونَكِ مَدْح أحْمَدَ إنَّهُ / مِسْكٌ تَمَسَّكَ ريحُهُ والرُّوحُ
وَنَصِيبُكِ الأوْفَى مِنَ الذِّكْرِ الذي / منه العَبيرُ لِسَامِعِيهِ يَفوحُ
إنَّ النبيَّ محمداً مِنْ رَبِّه / كَرَماً بكلِّ فضيلةٍ مَمْنُوحُ
اللَّهُ فَضَّلَهُ وَرَجَّحَ قَدْرَهُ / فَلْيَهْنِهِ التَّفْضيلُ وَالتَّرْجِيحُ
إنْ جاءَ بعْدَ المُرسلينَ فَفَضْلُهُ / مِنْ بعدِه جاءَ المَسيحُ وَنُوحُ
جاؤُوا بِوَحْيهِمُ وَجاءَ بِوَحْيِهِ / فكأنَّه بين الكواكبِ يُوحُ
أنّى يُكَيِّفُها امرؤٌ وَيَحُدُّها / بالقولِ وهْيَ لِذَا الوُجُودِ الرُّوحُ
رَدتْ شهادَتَهُ أناسٌ ما لهمْ / طَعْنٌ عليه بها ولا تَجْرِيحُ
ولقدْ أتى بالبيّناتِ صَحِيحَة / لو أنَّ ناظِرَ مَنْ عصاهُ صحيحُ
عَرَفُوهُ مَعْرِفَةَ اليَقِينِ وأنْكَرُوا / إنَّ الشَّقِيَّ إلى الشقاء جَموحُ
فأَبَادَ مَنْ أبْدَى مُخَالَفَة لهُ / فالسَّيْفُ مِنْ تَعَبِ الخِلافِ قَرِيحُ
وَجَلا ظلامَ الظُّلْمِ لَمَّا أوْمَضَتْ / وَمَضَتْ لديْه صحائفٌ وَصَفيحُ
شيئانِ لا يَنْفِي الضلالَ سِواهُما / نُورٌ مُفاضٌ أوْ دَمٌ مَسْفُوحُ
عَجَباً لَهُم لِم يُنْكِرُونَ نُبُوَّةً / ثَبَتَتْ وَلم يُنْفَخْ بآدَمَ رُوحُ
ما لي اشْتَغَلْتُ بِزَجْرِهِمْ فكأنني / بينَ الطَّوائفِ طارقٌ مَنْبُوحُ
لا تُتْعِبَنَّ بِذِكْرِهِمْ قَلْبَاً غَدا / ولهُ بِذِكْرِ مُحمَّدٍ تَرْوِيحُ
وَانْشُرْ أحاديثَ النَّبيِّ فكلُّ ما / تَرْوِيهِ مِنْ خَبَرِ الحَبيبِ مَليحُ
وَاذكُر مَناقِبَه الَّتي أَلفاظُها / ضَاقَ الفضاءُ بِذِكرِها وَاللوحُ
أَعَجبتَ أنْ غَدَتِ الغمامةُ آيَةً / لِمُحَمَّدٍ يَغْدُو بها وَيَرُوحُ
أو أن أتَتْ سَرْحٌ إليه مُطِيعَةً / فكأَنَّما أتَتِ الرِّياضَ سُرُوحُ
ولِمَنْبَعِ المَاءِ المَعِينِ براحَةٍ / رَاح الحَصَى وَلهُ بها تَسْبيحُ
أوْ أنْ يحِنَّ إليه جِذْعٌ يابِسٌ / شَوْقاً وَيَشْكُو بَثَّهُ وَيَنُوحُ
حتى دَنا منه النبيُّ وَمَنْ دَنا / منه نأَى عَنْ قَلْبِهِ التَّبْريحُ
وَبأنْ يُكَلِّمَهُ الذِّرَاعُ وكيفَ لا / يُفْضِي إليه بِسِرِّهِ وَيَبُوحُ
وَبِأنْ يَرَى الأعْمَى وَتَنْقَلِبَ العَصا / سَيْفاً وَيَحْيا المَيتُ وهْوَ طَرِيحُ
وَبأنْ يُغاثَ الناسَ فيه وقد شكَوْا / مَحْلاً لِوَجْهِ الأرضِ منه كُلُوحُ
وَبأنْ يَفِيضَ لهُ وَيَعْذُبَ مَنْهَلٌ / قَدْ كانَ مُرَّاً ماؤُه المَنْزُوحُ
يا بَرْدَ أَكْبادٍ أصابَ عِطاشَها / ماءٌ بِريق مُحَمَّدٍ مَجْدُوحُ
صَلّى عليه اللَّهُ إنَّ صَلاتَهُ / غَيْثٌ لِعِلَّاتِ الذُّنوبِ مُزِيحُ
أسْرَى الإله بِجِسْمِهِ فكأنهُ / بَطَلٌ عَلَى مَتنِ البُرَاق مُشِيحُ
وَدَنَا فلا يَدُ آمِلٍ مُمْتَدَّةٌ / طَمَعَاً وَلا طَرْفٌ إليهِ طَموحُ
حتى إذا أوْحَى إِلَيهِ اللَّه ما / أَوحى وحانَ إِلى الرُّجوع جُنوحُ
عادَ البُراقُ بهِ وَثَوْبُ أديمِهِ / لَيْلاً بماء حَيائِه مَنْضوحُ
فَذَرُوا شَياطِينَ الأُلى كَفَرُوا به / يُوحُوا إليهم ما عسَى أنْ يُوحوا
تاللَّهِ ما الشُّبُهاتُ مِنْ أَقوالِهِمْ / إِلَّا كما يَتَحَرَّكُ المَذْبُوحُ
كمْ بَيْنَ جِسْمٍ عَدَّلَتْ حَرَكَاته / رُوحٌ وَعُودٍ مَيَّلَتْهُ الرِّيحُ
وَلا النَبيُّ مُحَمَّدٌ وَعُلُومُه / لَمْ يُعْرَفِ التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ
عَقَدَ الإلهُ به الأُمورَ فَلَمْ يَكُنْ / لِسِواهُ إمْسَاكٌ وَلا تَسريحُ
ضَلَّ الَّذينَ تَأَلَّهوا أحبَارهم / ليُحَرِّمُوا وَيُحَلِّلُوا وَيُبِيحُوا
يا أمَّةَ المُختار قَدْ عُوفِيتُمُ / مما ابْتُلُوا وَالمُبْتَلَى مَفضوحُ
فاسْتَبْشِرُوا بِشِرا الإِله وَبَيْعِكمْ / منه فميزانُ الوفاءِ رَجِيحُ
وتَعَوَّضوا ثَمَنَ النُّفوس مِنَ الهدَى / فمِنَ الهُدَى ثَمَنُ النُّفَوسِ رَبِيحُ
يا منْ خَزَائِنُ جُودِهِ مملوءَةٌ / كَرَماً وبابُ عطائِه مَفْتُوحُ
نَدْعُوكَ عَنْ فَقْرٍ إليكَ وحاجَةٍ / وَمَجَالُ فضلِكَ لِلْعُفَاةِ فَسِيحُ
فاصْفَحْ عَنِ العَبْدِ المُسِيءِ تَكَرُّماً / إنَّ الكريمَ عَنِ المُسِيءِ صَفُوحُ
وَاقبلْ رسولَ اللَّهِ عُذرَ مُقَصِّرٍ / هُوَ إنْ قَبِلْتَ بِمَدْحِكَ المَمْدُوحُ
فِي كلِّ وَادٍ مِنْ صِفَاتِكَ هائمٌ / وَبِكلِّ بَحْرٍ مِنْ نَدَاكَ سَبُوحُ
يَرْتاحُ إنْ ذُكِرَ الحِمَى وعَقِيقه / وأراكُه وثُمامُه والشِّيحُ
شَوْقاً إلى حَرَمٍ بَطَيْبَةَ آمِنٍ / طَابَتْ بذلكَ رَوْضَةٌ وضرِيحُ
إني لأرْجُو أنْ تَقَرَّ بِقُرْبِهِ / عَيْني ويُؤْسَى قَلْبِيَ المَجْرُوحُ
فاكْحَلْ بِطيْفٍ منه طَرْفاً جَفْنُه / بِدُمُوعِهِ حتى يَرَاهُ قَرِيحُ
فلقدْ حَباني اللَّهُ فيكَ مَحَبَّةً / قَلبي بها إلا عليكَ شَحِيحُ
دَامَتْ عَلَيك صلاتُه وسلامُه / يَتْلُو غَبُوقَهُمَا لَدَيْكَ صبُوحُ
ما افْتَرَّ ثغْرٌ للأَزاهِرِ أَشْنَب / وانْهَلَّ دَمْعٌ للسَّحَابِ سَفُوحُ
جَنابكِ منه تُسْتَفَادُ الفَوائدُ
جَنابكِ منه تُسْتَفَادُ الفَوائدُ / ولِلناسِ بالإحسَانِ منكِ عوائدُ
فَطُوبَى لِمنَ يَسْعَى لِمَشْهَدِكِ الذي / تكَادُ إلى مَغْنَاهُ تَسْعَى المشَاهِدُ
إذَا يمَّمَتْهُ القاصِدُونَ تَيَسَّرَتْ / عليهمْ وإن لم يسألوكِ المقَاصدُ
تحَقَّقَتِ البُشْرَى لَمِنْ هُوَ رَاكِع / يُرَجّي به فضلاً وَمَنْ هُوَ ساجِدُ
فعَفَّرَتِ الشُّبانُ وَالشَّيبُ أوْجُهاً / بهِ والعَذارَى حُسَّرٌ والقَواعِدُ
هُوَ المَنْهَلُ العَذْبُ الكَثِيرُ زِحامُهُ / فَرِدْهُ فمَا مِنْ دُونِ وِرْدِكِ ذائدُ
أَتيْتُ إليه والرَّجاءُ مُحَلّأٌ / فما عُدْتُ إِلَّا والمُحَلَّا وَارِدُ
فيا لَكَ مِنْ يَأْسٍ بَلَغْتُ بِهِ المُنَى / وعُسْرٍ لأَقْفَالِ اليسَارِ مَقالِدُ
أَلَذُّ مِنَ الماءِ الزلالِ مَوَاقِعا / عَلَى كَبِدِ الظَّمْآنِ وَالماءُ بارِدُ
سَلِيلَةَ خَيْرِ العالَمِينَ نَفيسَة / سَمَتْ بِكِ أعراقٌ وطابَتْ محائِدُ
إذا جُحِدَتْ شمسُ النَّهارِ ضِياءها / فَفَضْلُكِ لم يَجْحَدهُ فِي الناسِ جاحِدُ
بآبائِكِ الأطهارِ زُيِّنَتِ العُلا / فحَبَّاتُ عِقْدِ المَجْدِ منهم فَرائِدُ
وَرِثْتِ صفاتِ المصطفى وَعلومَهُ / فَفضْلُكُمَا لولا النُّبُوَّةُ واحِدُ
فلم يَنْبَسِطْ إلَّا بِعِلْمِكِ عالم / وَلم يَنْقَبِضْ إلَّا بِزُهْدِكِ زاهِدُ
مَعارِفُ ما يَنْفَكُّ يفضي بِسِرِّها / إلى ماجِدٍ مِنْ آلِ أحْمَدَ ماجِدُ
يُضيءُ مُحيَّاهُ كأنَّ ثَنَاءَهُ / إلى الصُّبْحِ سارٍ أوْ إلى النَّجْمِ صاعدُ
إذا ما مَضى منهم إِمامُ هُدىً أتى / إِمامُ هُدىً يَدْعُو إِلى اللَّهِ رَاشِدُ
تَبَلَّجَ مِنْ نور النُّبُوَّة وَجْهُهُ / فمنه عليه للعُيُون شوَاهِدُ
وفاضَتْ بِحَارُ العِلْمِ مِنْ قَطْرِ سُحْبِها / عليه فطابَتْ لِلورادِ المَوارِدُ
رَأى زِينَةَ الدُّنيا غُروراً فعافَها / فليس له إلا عَلَى الفضلِ حاسدُ
كأنَّ المعالى الآهلات بِغَيْرِهِ / رُبوعٌ خَلَتْ مِنْ أهلِها وَمَعاهِدُ
إِذَا ذُكِرَتْ أَعمالُه وَعُلومُه / أقَرَّ لهَا زَيْدٌ وَبَكْرٌ وَخالدُ
وَما يَسْتَوِي في الفضلِ حالٍ وَعاطِلٌ / وَلا قاعِدٌ يومَ الوغَى وَمجاهِدُ
فَقُلْ لِبَنِي الزَّهْراء والقَوْلُ قُرْبَةٌ / يَكِلُّ لسانٌ فيهِمُ أوْ حصائدُ
أحَبَّكُمُ قلبي فأصبحَ مَنْطِقِي / يُجادِلُ عنكم حِسْبَةً وَيُجالدُ
وَهل حُبُّكُمْ لِلنَّاسِ إِلَّا عَقِيدةٌ / عَلَى أُسِّهَا في اللَّهِ تُبْنَى القَواعِدُ
وإنَّ اعتقاداً خالياً منْ مَحَبَّةٍ / وَوُدٍّ لكمْ آلَ النبيِّ لفاسِدُ
وإني لأَرْجُو أن سَيُلْحِقني بِكُمْ / وَلائي فَيَدْنُو المَطْلَبُ المُتَبَاعِدُ
فإِنَّ سَراةَ القَوْمِ منهم عَبِيدُهمْ / وإنَّ حُرُوفَ النُّطْقِ منها الزوائِدُ
فَدَتْكُمْ أُناسٌ نازَعُوكُمْ سِيَادةً / فلم أدْرِ ساداتٌ هُمُ أَمْ أسَاوِدُ
أرادوا بكم كَيْدَاً فكادوا نُفُوسَهُمْ / بكم وعَلَى الأَشْقَى تَعودُ المكايِدُ
فإنْ حِيزَتِ الدُّنيا إليهمْ فإنَّ مَنْ / نَفَى زَيْفَهَا سَلْماً إليهم لناقِدُ
ولو أنكم أبناؤُها ما أبَتْكُم / ما كانَ مَوْلودٌ لِيأْباهُ وَالِدُ
إذَا ما تَذَكَّرْتُ القضايا التي جرتْ / أُقِضَّتْ عَلَى جَنْبَيَّ منها المَراقِدُ
وجَدَّدَتِ الذِّكْرَى عَلَي بَلابِلاً / أُكابِدُ منها في الدُّجَى ما أُكابِدُ
أفِي مِثْلِ ذاكَ الخَطْبِ ما سُلَّ مُغْمَدٌ / ولا قامَ في نَصْرِ القَرَابَةِ قاعِدُ
تعاظمَ رُزْءاً فالعُيُونُ شواخِصٌ / لهُ دَهْشَةً وَالثَّاكِلاتُ سَوَامِدُ
وطُفِّفَ يومَ الطَّفِّ كَيْلُ دِمائكم / إذ الدَّمُ جارٍ فيه والدَّمْعُ جَامِدُ
فيا فِتْنَةً بعْدَ النبيِّ بها غَدا / يُهدمُ إيمانٌ وتُبْنَى مساجدُ
وما فتِنَتْ بعدَ ابنِ عِمْرَان قَوْمُهُ / بما عَبَدُوا إِلَّا لِيَهْلِكَ عَابِدُ
كذاكَ أَرادَ اللَّهُ منكُمْ ومِنْهمُ / وليس له فيما يُريدُ مُعانِدُ
وَلو لمْ يكنْ في ذَاكَ مَحْضُ سعادةٍ / لكم دونَهمْ لَمْ يُغْمِدِ السَّيْفَ غامدُ
وَأَنتُمْ أُناسٌ أُذْهِبَ الرِّجْسُ عنهمُ / فليسَ لهم خَطْبٌ وإنْ جَلَّ جاهِدُ
إذا ما رَضُوا للَّهِ أو غَضِبُوا لهُ / تَسَاوَى الأَدَانِي عندَهم والأباعِدُ
وسِيَّان مِنْ جَمْرِ العِدَا مُتَوَقِّدٌ / عَلَى بَهْرَمَانِ الصِّدْقِ منكم وخَامِدُ
وفَدْتُ عليكم بالمَدِيحِ وَكلُّكم / عليه كتابُ اللَّهِ بالمَدْحِ وَافِدُ
وَقد بيَّنتْ لِي هلْ أتَى كَمْ أتَى بهَا / مكارمُ أخْلاقٍ لكم وَمَحَامِدُ
فَلَوْلا تَغضيكم لنا في مديحِكم / لَرُدَّتْ علينا بالعيوبِ القصائدُ
وَلَمْ أَرْتَزِقْ مِنْ غَيْركُمْ بِتِجَارَةٍ / بَضَائِعُهَا عند الأَنامِ كواسِدُ
عَمَدْتُ لِقَوْمٍ منهم فكَأَنَّنِي / عَلَى عَمَدٍ لا يَرْجِعُ القَوْلَ عَامِدُ
أَأَطْلُبُ مِنْ قَوْمٍ سِواكُم مُسَاعِداً / وقد صَدَّهم حِرْمانُهُمْ أنْ يُسَاعِدُوا
وَمَنْ وَجَدَ الزَّنْدَ الذي هُوَ ثاقِبٌ / فلنْ يَقْدَحَ الزَّنْدَ الذي هوَ صالِدُ
وحَسْبِي إذَاً مَدْحُ ابْنَةَ الحَسَنِ التي / لها كَرَمٌ مَجْدٌ طَرِيفٌ وَتَالِدُ
وَإني لمُهْدٍ مِنْ ثَنائي قلائداً / إليها حلالٌ هَدْيُها والقلائدُ
هِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى هيَ الرُّتَبُ العُلا / هِيَ الغايَةُ القُصْوَى لِمَنْ هُوَ قاصِدُ
كأنّي إذا أنشَدْتُ في الناسِ مَدْحَها / لِمَا ضلَّ منْ ذِكْرِ المَكَارِمِ ناشِدُ
أَسَيِّدَتي ها قد رَجَوْتُكِ مُعْلِناً / بمَا أَنَا مِنْ دُرِّ المناقِبِ نَاضِدُ
وَأَعْيُنُ آمالي إليكِ نواظِرٌ / بِمَا أَنَا مِنْ عاداتِ فضلِكِ عائدُ
وَمَا أجْدَبَت قَوْمٌ أتى مِنْ لَدُنْهُمُ / لِمَرْعَى الأماني مِنْ جنابِكِ رائدُ
ولولا نَدَى كَفَّيْكِ ما اخضَرَّ يابِسٌ / وَلا اهتَزَّ مِنْ أَرْضِ المكارِمِ هامِدُ
إلَى اللَّهِ أَشْكُو يا ابنَةَ الحَسَنِ الذي / لَقِيتُ وَإني إنْ شكَوْتُ لحامدُ
وما لِيَ لا أَشْكُو لآلِ مُحَمَّدٍ / خُطُوباً بها ضاقتْ عليَّ المراصِدُ
ومَنْ لصُرُوفِ الدَّهْرِ عَنِّيَ صارفٌ / ومَنْ لهُمُومِ القَلْبِ عَنِّيَ طارِدُ
تَسَلَّطَ شَيْطَانٌ مِنَ النَّفْسِ غَالِبٌ / عَلَيَّ وَشَيْطَانٌ مِنَ البؤْسِ مارِدُ
فيا وَيْحَ قَلْبٍ ما تَزَالُ سماؤُهُ / بها لِشَياطِينِ الخُطُوبِ مقاعِدُ
فيا سامِعَ الشَّكْوَى وَيَا كاشفَ البَلا / إذَا نَزَلَتْ في العالَمِينَ الشَّدَائِدُ
وَيا مَنْ هَدَى الطِّفْلَ الرَّضِيعَ وَلَمْ تَؤُب / إليهِ قُوَى عَقْلٍ وَلا اشْتَدَّ ساعِدُ
وَيا مَنْ سَقَى الوَحْشَ الظِّماءَ وَقد حَمَتْ / مَوَارِدَهَا مِنْ أَنْ تُنالَ المَصَايدُ
وَيا مَنْ يُزَجِّي الفُلْكَ في البَحْرِ لُطْفُهُ / وهنَّ جوَارٍ بَلْ وَهُنَّ رَوَاكِدُ
وَيا مَنْ هُوَ السَّبْعَ الطَّوَابقَ رَافعُ / ومَنْ هُوَ لِلأَرْضِ البسيطةِ ماهِدُ
وَيا مَنْ تُنَادينا خَزَائِنُ فضلِهِ / إلى رِفْدِهِ إِنْ أَمْسَكَ الفضلَ رافِدُ
فلا البابُ من تِلْكَ الخزائن مُغْلَقٌ / وَلا خَيرَ مِنْ تِلْكَ الخزَائن نافِدُ
دَعَوتكَ مِنْ فَقْرٍ إليك وَحاجةٍ / وَكلٌّ بما يَلْقَاهُ لِلصَّبْرِ فاقِدُ
وَأَفضَتْ بما فيها إليكَ ضَمَائِرٌ / وأنتَ عَلَى ما في الضَّمائرِ شاهدُ
دَعَوْنَاكَ مُضْطَرين يا رَبِّ فاسْتَجِبْ / فإِنّكَ لم تُخْلَفْ لَدَيْكَ المواعِدُ
فَلَيْسَ لَنَا غوْثٌ سِوَاكَ وَمَلْجَأٌ / نُراجِعُهُ في كَرْبِنَا وَنُعاوِدُ
فَقَدِّرْ لنا الخيرَ الذي أنتَ أهلُهُ / فما أَحَدٌ عَمَّا تُقَدِّرُ حائدُ
وَصَفْحاً عنِ الذَّنبِ الذي هوَ سائقُ / لِناركَ إِلَّا إنْ عَفَوْتَ وَقائدُ
وَصلْ حَبْلَنَا بالمصطفى إِنَّ حَبْلَهُ / لنا صِلةٌ يَا رَبِّ منكَ وعَائدُ
عليه صلاةُ اللَّهِ ما أُحمِدَ السُّرَى / إليه وَذَلَّتْ لِلْمَطِيِّ فَدَافِدُ
إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحَمْدُ
إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحَمْدُ / فلَيْسَ لِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمٍ حَدُّ
لَكَ الأَمرُ مِنْ قَبْل الزَّمانِ وبَعْدَهُ / وَما لكَ قَبْلٌ كالزَّمانِ وَلا بَعْدُ
وحُكْمكَ ماضٍ في الخلائِقِ نَافِذٌ / إذا شئتَ أمراً ليس من كونِهِ بُدُّ
تُضلُّ وتهدي منْ تشَاءُ منَ الوَرَى / وما بِيد الإِنْسَان غَيٌّ ولا رُشْدُ
دَعُوا مَعْشَرَ الضُلَّالِ عَنَّا حديثكم / فلا خَطَأٌ مِنهُ يُجابُ وَلا عَمْدُ
فلو أنكم خَلْقٌ كَريمٌ مُسِخْتُم / بقَوْلِكُم لكن بمَنْ يُمْسَخُ القِرْدُ
أتانَا حديثٌ ما كَرهْنَا بِمِثلِهِ / لكُمْ فِتْنَةً فيها لِمِثلِكُمُ حَصْدُ
غَنِيتُمُ عَنِ التأْويلِ فيه بظاهرٍ / وَمَنْ تَرَكَ الصَّمْصامَ لم يُغْنِهِ الغِمْدُ
وَأَعْشَى ضياءُ الحقِّ ضَعْفَ عُقُولِكم / وشمسُ الضُّحَى تَعْشَى بها الأَعْيُنُ الرُّمْدُ
ولَنْ تُدْرِكُوا بالجَهْلِ رُشْداً وَإِنما / يُفَرِّقُ بَينَ الزَّيْفِ وَالجَيِّد النَّقْدُ
وُعِظْتُمْ فَزِدْتُمْ بالمواعِظِ قَسْوَةً / وَلَيسَ يُفيدُ القدحُ إِن أصلَدَ الزَّندُ
وما ليَّنَت نارُ الحجازِ قُلوبَكُم / وَقد ذابَ مِنْ حرٍّ بها الحَجَرُ الصَّلْدُ
وَما هِيَ إلا عينُ نَارِ جَهنَّمٍ / تَرَدَّدَ مِنْ أَنفاسِها الحرُّ وَالبَرْدُ
أتَتْ بِشُوَاظٍ مُكْفَهِرٍّ نُحَاسُه / فلُوِّحَ منها للضُّحَى والدُّجَى جِلْدُ
فما اسْوَدَّ مِنْ لَيْلٍ غَدَا وَهو أبيَضٌ / وَما ابيضَّ مِنْ صُبْحٍ غَدا وَهْوَ مُسْوَدُّ
تُدَمِّرُ ما تأتي عليه كعاصفٍ / من الرِّيحِ ما إنْ يُسْتَطَاعُ لهُ رَدُّ
تَمُرُّ عَلَى الأرض الشديد اختلافُها / فَتُنْجِدُ غَوْراً أوْ يغورُ بها نَجْدُ
وَتَرْمِي إلى الجوِّ الصُّخورَ كأنّما / بِبَاطِنِهَا غيظٌ على الجَوِّ أَوْ حِقْدُ
وَتَخْشَى بيوتُ النارِ حَرَّ دُخانِها / وَيَزْدَادُ طُغياناً بها الفُرسُ والهِندُ
فلو قَرُبَتْ مِنْ سَدِّ يأْجُوجَ بَعْدَمَا / بَنَى منه ذُو القَرْنَيْنِ دُكَّ بها السَّدُّ
وَلَمَّا أَساءَ الناسُ جِيرةَ رَبِّهمْ / وَلَمْ يَرْعَهَا منهم رئيسٌ وَلا وَغْدُ
أَراهم مَقاماً ليسَ يُرْعَى لِجَارِهِ / ذِمَامٌ وَلَمْ يُحْفَظْ لِساكِنِهِ عَهْدُ
مدينة نارٍ أُحْكِمَتْ شُرُفاتُهَا / وَأَبْراجُهَا والسُّورُ إذْ أُبْدِعَ الوَقْدُ
وَقَدْ أبصرَتْها أَهْلُ بُصْرَى كأنما / هِيَ البَصْرَةُ الجارِي بها الجَزْرُ والمَدُّ
أضاءتْ عَلَى بُعْدِ المَزَارِ لأهلِها / مِنَ الإِبِلِ الأعناقُ وَاللَّيْلُ مُرْبَدُّ
أشارتْ إلى أنَّ المدينةَ قَصْدُها / قرائنُ منها ليسَ يَخْفَى بها القَصْدُ
يَرُوحُ ويغْدُو كلُّ هَوْلٍ وَكُرْبَةٍ / على الناسِ منها إذْ تَرُوحُ وَإذ تَغْدُو
فلمَّا التَجَوْا للمصطفى وَتَحَرَّمُوا / بِسَاحَتِهِ والأمرُ بالناسِ مُشْتَدُّ
أَتَوْا بِشَفِيعٍ لا يُرَدُّ وَلَمْ يَكُنْ / بِخَلْقٍ سوَاهُ ذلك الهَوْلُ يَرْتَدُّ
فَأُطْفِئَتِ النارُ التي وَقَفَ الوَرَى / حَيَارَى لَدَيْهَا لم يُعيدوا ولم يُبْدُوا
فإنْ حَدَثَتْ مِنْ بَعْدِهَا نارُ فِرْيَةٍ / فما ذلك الشيءُ الفَرِيُّ وَلا الإِدُّ
فللَّهِ سِرُّ الكائناتِ وجَهْرُها / فكمْ حِكمٍ تَخْفَى وَكَمْ حِكَمٍ تَبْدُو
وَقِدماً حَمَى مِنْ صاحِبِ الفيلِ بَيْتَهُ / ولمَّا أَتى الحَجَّاجُ أَمْكَنَهُ الهَدُّ
وَللَّهِ سِرٌّ أنْ فَدَى ابنَ خَلِيلِهِ / بِذَبْحٍ وَلَوْ لَمْ يَفْدِهِ شُرِعَ الوَأْدُ
فلا تنْكِرُوا أن يحْرَمَ الحَرَمُ الغِنَى / وَساكِنهُ مِنْ فَخْرِهِ الفَقْرُ وَالزُّهْدُ
وقدْ فُدِيَتْ مِنْ مالِهِ خيرُ أُمَّةٍ / وَلَو خُيِّروا في ذلكَ الأمرِ لَمْ يَفْدُوا
فَوا عَجَباً حتى البِقاعُ كَرِيمَةٌ / لها مثلُ ما للساكِنِ الجاهُ وَالرِّفْدُ
فإنْ يَتَضَوَّع منه طِيبٌ بِطَيْبَةٍ / فما هو إِلَّا المَنْدلُ الرَّطْبُ وَالنَّدُّ
وَإنْ ذَهَبَتْ بالنارِ عنه زَخَارِفٌ / فما ضَرَّهُ منها ذَهابٌ وَلا فَقْدُ
أَلا رُبّما زادَ الحَبيبُ مَلاحَةً / إذَا شُقَّ عنه الدِّرْعُ وَانتَثَرَ العِقْدُ
وكم سُتِرَتْ لِلْحُسْنِ بالحَلْيِ مِنْ حُلىً / وكم جَسَدٍ غَطَّى مَحَاسِنَهُ البُرْدُ
وَأهْيَبُ ما يُلْقَى الحُسامُ مُجَرَّداً / وَرَوْنقُهُ أَنْ يظْهَرَ الصَّفْحُ وَالحدُّ
وَما تلكَ لِلإِسْلامِ إِلَّا بَواعِثٌ / على أنْ يجِلَّ الشَّوْقُ أوْ يَعْظُمَ الوَجْدُ
إلى تُرْبَةٍ ضَمَّ الأَمانَةَ وَالتُّقَى / بها وَالنَّدَى وَالفضْلَ مِنْ أَحْمَدٍ لَحْدُ
إلى سَيِّدٍ لم تأْتِ أُنْثَى بِمِثْلِهِ / وَلا ضَمَّ حِجْرٌ مِثْلُهُ لا وَلا مَهْدُ
وَلَمْ يمشِ في نَعْلٍ وَلا وَطِئَ الثَّرَى / شَبِيهٌ لَهُ في العالَمِينَ وَلا ندُّ
وَلَمْ تَخِدِ الكومُ العتاقُ بمثلِهِ / وَلا عَدَتِ الخَيْلُ المَسَوَّمَةُ الجُرْدُ
عَلِيمٌ كريمُ الخِيمِ ما فوقَ عِلْمِهِ / وَلا مَجْدِهِ عِلْمٌ يُرَامُ وَلا مَجْدُ
نبيُّ هُدىً أَهْدَى به اللَّهُ رَحْمَةً / لنا لَمْ يَنَلْهَا السَّعْيُ منَّا وَلا الْكَدُّ
وبَصَّرَهُ حتى رأى كلَّ غائبٍ / وصار سواءً عندهُ القُرْبُ وَالبُعْدُ
وحتى رأَى ما خَلْفَهُ وَهو مُقْبِلٌ / بِقَلْبٍ تساوَى عندهُ النَّومُ والسُّهْدُ
فيا لَيْلَة أَسْرَى الإِلهُ بِعَبْدِهِ / لقد نالَ فيه ما يُؤَمّلهُ العَبْدُ
وفاءٌ وَلا وعْدٌ وَوُدٌّ ولا قِلىً / وقُرْبٌ ولا بُعْدٌ ووصْلٌ وَلا صَدُّ
وجاءهُم بالبيِّنَاتِ التي بَدَتْ / براهنها كالشَّمسِ لَمْ يُخْفِها الجَحْدُ
وذِكْرٍ حَكَى معْناه في الحُسْنِ لَفْظُهُ / ويُشْبِهُ ماءَ الورْدِ في طِيبِهِ الورْدُ
وقد أُحْكِمَتْ آياتُهُ وتشابَهَتْ / فَلِلْمُبْتَدِي وِرْدٌ وَلِلْمُنْتَهِي وِرْدُ
وإنْ كانَ فيها كالنُّجومِ تَناسخٌ / فطالِعُهَا سَعْدٌ وغاربُها سعْدُ
وَإنْ قَصُرتْ عَنْ شَأْوِهَا كلُّ فِكْرَةٍ / فَلَيْسَتْ يَدٌ للأنْجُمِ الزُّهْرِ تَمْتَدُّ
فلمَّا عَمُوا عنها وصَمُّوا أَراهُم / سُيوفاً لها بَرْقٌ وَخَيْلاً لها رَعْدُ
وَمَنْ لَمْ يَلِنْ منهُ إلى الحَقِّ جانِبٌ / بِقَولٍ أَلانَتْ جَانِبَيهِ القَنا المُلْدُ
وقد يُعْجِزُ الدَّاءُ الدَّواءَ مِن امرِئٍ / وَيَشْفِيهِ مِنْ داءٍ به الكيُّ والفَصْدُ
فَغَالَبَهمْ قَوْمٌ كَأَنَّ سِلاحَهُمْ / نُيُوبٌ وَأظْفَارٌ لهُمْ فَهُمُ أُسْدُ
ثِقاتٌ مِنَ الإِسلامِ إنْ يَعِدُوا يَفُوا / وإنْ يُسْأَلُوا يُهْدُوا وإنْ يُقْصَدُوا يُجْدُوا
وَأَمَّا مَكانُ الصِّدقِ منهم فإنّه / مقالُهُم وَالطَّعْنُ والضَّرْبُ والوعدُ
إذا درَعُوا كانتْ عُيُونُ دُرُوعِهِم / قلوباً لها في الرَّوْعِ مِنْ بَأْسِهِمْ سَرْدُ
يَشُوقُكَ منهم كلُّ عِلْمٍ وَنَجْدَةٍ / تَحَلَّتْ بِكلٍّ مِنهُما الشِّيبُ وَالمُرْدُ
بهاليل أمَّا بَذْلُهُمْ فِي جِهادِهمْ / فأنْفُسُهُم وَالمالُ والنُّصْحُ وَالْحَمْدُ
فللَّهِ صِدِّيقُ النبيِّ الَّذي لهُ / فضائلُ لمْ يُدْرَكْ بِعَدٍّ لها حَدُّ
فإنْ يَتَخَلَّلْ بالعباءَةِ إنه / بذلك في خُلَّاتِهِ العَلَمُ الفَرْدُ
ومَنْ لَمْ يَخَفْ في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ / وَلَمْ يُعْيِهِ قِسْطٌ يُقامُ وَلا حَدُّ
وَلا راعَهُ في اللَّهِ قَتْلُ شَقِيقِهِ / ألا هكذا في اللَّهِ فلْيَكُن الجَلْدُ
ومنْ جَمَعَ القرآنَ فاجْتَمَعَتْ به / فضائلُ منهُ مِثْلَ مَا اجْتَمَعَ الزُّبْدُ
وجَهَّزَ جَيشاً سار في وقت عُسْرَةٍ / تَعَذَّرَ مِنْ قوتٍ به الصَّاعُ والمُدُّ
وَمَنْ لَمْ يُعَفَّر كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ / جَبينٌ لغيرِ اللَّهِ منه ولا خَدُّ
فَتَى الحَربِ شَيخُ العِلْمِ وَالحِلْمِ وَالحِجَى / عَلِيُّ الذي جَدُّ النبيِّ لهُ جَدُّ
ومَن كانَ مِنْ خيرِ الأَنَامِ بِفَضلِهِ / كهارونَ مِن موسَى وذلِكُمُ الجَدُّ
إذا غَمَزَتْ كَفُّ الخطوبِ قَناتَهُ / تَوَهَّمْتَ أَنَّ الخَطْبَ ليس لهَ زَنْدُ
وإنْ عَجَمَتْ أَفواهُها عُودَ بأْسِهِ / أَفادَتْكَ عِلْماً أنَّ أَفواهَها دُرْدُ
يُوَرِّدُ خَدَّيْهِ الجِلادُ وسَيْفَهُ / فذَاكَ إذَا شَبَّهْتَهُ الأَسَدُ الوَرْدُ
وعِنْدِي لكمْ آل النبيِّ مَوَدَّةٌ / سَلَبْتُمْ بها قلبي وصارَ له عِنْدُ
عَلَى أنَّ تَذْكَارِي لِمَا قدْ أَصابكم / يُجَدِّدُ أَشجاني وإنْ قَدُمَ العَهْدُ
فِدىً لكُم قَوْمٌ شَقُوا وَسَعِدْتُمُ / فدارُهُمُ الدُّنيا ودارُكم الخلدُ
أَتَرجونَ مِن أَبناءِ هِند مَوَدَّةً / وَقَد أَرضَعتهُم دَرَّ بِغضَتِها هِندُ
فَلا قَبِلَ الرَّحْمنُ عُذْرَ عُداتِكم / فإنهم لا يَنْتَهُون وإنْ رُدُّوا
إليكَ رسولَ اللَّهِ عُذْرِي فإنَّني / بِحُبِّكَ في قَوْلِي ألِينُ وَأَشْتَدُّ
فإنْ ضاعَ قَوْلِي في سِوَاكَ ضلالَةً / فما أنَا بالماضي مِنَ القَوْلِ مُعْتَدُّ
وَمَا امْتَدَّ لِي طَرْفٌ ولا لانَ جَانِبٌ / لِغَيْرِكَ إلا ساءني اللِّينُ والمَدُّ
أأشْغَلُ عَنْ رَيْحَانَتَيْكَ قَرِيحَتِي / بِشيحٍ ورَنْدٍ لا نَما الشِّيحُ وَالرَّنْدُ
وأَدْعُو سِفاهاً غيرَ آلِكَ سادتي / وهلْ أنا إنْ وُفِّقتُ إِلَّا لهُمْ عَبْدُ
فلا راحَ مَعنِيّاً بِمَدْحِيَ حاتِمٌ / ولا عُنِيَتْ هند بِحبِّي ولا دَعْدُ
ولا هَيَّجَتْ شَوْقِي ظِباءٌ بِوَجْرَةٍ / ولا بَعَثَتْ وصْفِي نَقَانِقُها الرُّبْدُ
ويا طِيبَ تَشْبِيبي بِطَيْبَةَ لا ثَنَى / عِنانَ لِساني عنكَ غَوْرٌ ولا نَجْدُ
فَهَبْ لِي رسولَ اللَّهِ قُرْبَ مَوَدَّةٍ / تَقَرُّ بِهِ عَيْنٌ وتَرْوَى بِهِ كبدُ
وإني لأَرْجو أنْ يُقَرِّبَني إِلَى / جَنَابِكَ إرُقالُ الرَّكائِبِ والوخْدُ
وَلَولا وُثُوقِي منكَ بالفوزِ في غَدٍ / لما لذَّ لِي يَوْماً شَرابٌ ولا بَرْدُ
عَلَيْكَ صلاةُ اللَّهِ يُضْحِي بطيبَةٍ / لَدَيْكَ بها وفْدٌ ويُمْسِي بها وفْدُ
ودامَتْ كأَنْفَاسِ الوَرَى في تَرَدُّدٍ / عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ التَّحِيَّةُ والرَّدُّ
كَتَبَ المَشِيبُ بأَبْيَضٍ في أَسْوَد
كَتَبَ المَشِيبُ بأَبْيَضٍ في أَسْوَد / بغْضاءَ ما بَيني وبينَ الخُرَّدِ
خَجِلَتْ عُيُونُ الحُورِ حِينَ وصَفْتُها / وصْفَ المَشيبِ وقُلْنَ لِي لا تَبْعَدِ
ولِذاكَ أَظْهَرَتِ انْكِسَارَ جُفُونها / دَعْدٌ وآذَنَ خَدُّها بِتَوَرُّدِ
يا جِدَّةَ الشَّيْبِ الَّتِي ما غادَرَت / لِنُفُوسِنا مِنْ لَذَّةٍ بمجدَّدِ
ذَهَب الشَّبابُ وسَوْفَ أذْهَبُ مِثْلَما / ذَهَبَ الشبابُ وما امرؤٌ بِمُخَلَّدِ
إنَّ الفَنَاءَ لكلِّ حَيٍّ غايَةٌ / مَحْتُومَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فكأَنْ قَدِ
وارَحْمَتا لِمُصَوِّرٍ مَتَطَوِّر / في كلِّ طَوْرٍ صورَةَ المُتَردِّدِ
قَذَفَتْ به أَيْدِي النَّوَى مِنْ حالِقٍ / سامِي المَحَلِّ إلى الحَضيضِ الأوهَدِ
مُسْتَوْحِشٍ فِي أُنْسِهِ مُتعاهِدٍ / بحنِينِهِ شَوْقَاً لأَوَّلِ مَعْهَدٍ
مَنَعَتْهُ أَسبابٌ لَدَيْهِ رجُوعَهُ / فاشتاقَ للأَوْطان شَوْقَ مُقَيَّدِ
يا لَيْتَهُ لَوْ دامَ نَسْياً ما لَهُ / مِنْ ذاكِرٍ أوْ أنهُ لم يُولَدِ
حَمَلَ الهَوَى جَهْلاً بأَثْقَالِ الهَوَى / مُسْتَنْجِداً بعزيمةٍ لم تُنْجِدِ
ما إنْ يَزالُ بما تَكَلَّفَ حَمْلَهُ / في خُطَّتَي خَسْفٍ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي
غَرضاً لأَمْرٍ لا تَطيشُ سِهامُهُ / ومُعَرَّضاً لِمُعَنِّفٍ ومُفَنِّدِ
وَخَلِيفَةٍ في الأرضِ إِلَّا أنَّه / مُتَوَعِّدٌ فيها وعيدَ الهُدْهُدِ
وَجَبَ السُّجُودُ لهُ فلما أنْ عصى / قالت خطيئَتُهُ لهُ اركعْ واسْجُدِ
وَنَبَتْ به الأوطان فهْوَ بِغُرْبَةٍ / ما بينَ أعداءٍ يَسيرُ وحُسَّدِ
أنفاسه تُحصَى عليه وعلم ما / يفضى إليه غدا له حُكمُ الغدِ
أبَداً تَرَاهُ واجِداً أَوْ عادِماً / في حَيْرَةٍ لَقْطَاتُها لم تُنْشَدِ
يُمسِي ويُصْبِحُ مُتْهِماً أَوْ مُنْجِداً / لِمعادِهِ معَ مُتْهِمٍ أَوْ مُنْجِدِ
يَرْمِي به سَهْلاً وَوَعْراً زاجِراً / بَطْنُ المِسَنِّ به كَظَهْرِ المِبْرَدِ
مُتَخَوِّفاً منه المصيرَ لِمَنْزِلٍ / مُسْتَوْبِل المَرْعَى وبيل المَوْرِدِ
ما إنْ رأى الجاني به أَعْمالَه / إِلَّا تَمَنَّى أنَّه لَم يولَدِ
حَسْبي لَهُ حُبُّ النبيِّ وآلِهِ / عِنْدَ الإِلهِ وسيلَةً لَمْ تُرْدَدِ
فإذا أجَبْتَ سؤالَهَ فِي آلِهِ / سَل تُعْطَ واسْتَمْدِد فَلاحاً تُمْدَدِ
وأْمَنْ إذا قامَ النبيُّ مَقَامَهُ ال / مَحْمُودَ في الأمرِ المُقيمِ المُقْعِدِ
وتَزَوَّدِ التَّقْوَى فإن لم تستطعْ / فمِنَ الصلاة على النبيِّ تَزَوَّدِ
صلّى عليه اللَّهُ إن صلاةَ مَنْ / صلّى عليه ذَخيرةٌ لم تَنْفَدِ
واسمَعْ مَدائحَ آلِ بيتِ المصطفى / مِنى ودونَكَ جَمْعُها في المُفرَدِ
صِنوُ النبيِّ أَخُو النبيِّ وزِيرُهُ / وَوَليُّهُ فِي كلِّ خَطْبٍ مُؤْيِدِ
جَدُّ الإِمامِ الشَّاذِليِّ المُنْتَمي / شَرَفاً إليهِ لِسَيِّدِ عَنْ سَيِّدِ
أسماؤُهم عِشْرُونَ دُونَ ثَلاثَةٍ / جاءتْ على نَسَقٍ كأحْرُفٍ أَبْجَدِ
لِعلِيّ الحَسَنُ انْتَمَى لِمُحمَّدٍ / عيسى وسِرُّ مُحَمَّدٍ في أَحْمَدِ
وَاخْتارَ بَطَّالٌ لِورْدٍ يُوشَعاً / وبِيُوسُفٍ وافَى قُصَيٌّ يَقْتَدِي
وبِحاتمٍ فُتِحَتْ سِيادَةُ هُرْمُزٍ / وغَدا تَمِيمٌ لِلْمَكَارِمِ يَهْتَدِي
وبِعَبْدِ جَبَّارِ السمواتِ انْتَضَى / لِلْفَضْلِ عبد اللَّهِ أيَّ مُهَنَّدِ
وأتَى عَليٌّ في العُلا يَتْلُوهم / فاختِمْ به سُوَرَ العُلا والسُّؤْدُدِ
أعْنِي أَبا الحَسَنِ الإِمامَ المُجْتَبَى / مِنْ هَاشِمٍ والشَّاذِليَّ المَوْلِدِ
إنَّ الإِمامَ الشَّاذِليَّ طَرِيقُهُ / فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي
فانْقُلْ ولوْ قَدَماً عَلَى آثارِهِ / فإذَا فَعَلْتَ فَذاكَ آخَذُ بالْيَدِ
واسْلُكْ طَرِيقَ مُحَمَّدِيِّ شَرِيعَةٍ / وَحَقِيقةٍ ومُحَمَّديِّ المَحْتِدِ
مِنْ كلِّ ناحِيَةٍ سَنَاهُ يَلوحُ مِن / مِصْبَاحِ نورِ نُبُوَّةٍ مُتَوَقِّدِ
فَتْحٌ أتى طُوفانُهُ بِمَعَارِفٍ / تَنُّورُها جُودِيُّ كلِّ مُوَحِّدِ
قد نالَ غَايَةَ ما يَرُومُ المُنْتَهِي / مِنْ رَبِّهِ وَلهُ اجتهادُ المُبْتَدِي
مُتَمَكِّنٌ في كلِّ مَشْهَدِ دَهْشَةٍ / أَوْ وَقْفَةٍ ما فَوْقَهَا مِنْ مَشْهَدِ
مَنْ لا مَقَامَ لَهُ فإنَّ كمالَهُ / لِلنَّاسِ يُرْجِعُهُ رُجُوعَ مُقَلِّدِ
قُلْ لِلْمُحَاوِلِ في الدُّنُوِّ مَقَامَهُ / ما العَبْدُ عندَ اللَّهِ كالمُتَعَبِّدِ
وَالفضلُ ليسَ يَنالُهُ مُتَوَسِّلٌ / بِتَوَرُّعٍ حَرِجٍ وَلا بِتَزَهُّدِ
إنْ قَالَ ذاكَ هُوَ الدَّوَاءُ فَقُلْ لهُ / كُحْلُ الصَّحِيحِ خِلافَ كُحْلِ الأرْمَدِ
يَمْشي المُصَرِّفُ حيثُ شَاءَ وغيْرُهُ / يمشِي بحُكْمِ الحَجْرِ حُكْمَ مُصَفَّدِ
مَنْ كانَ منكَ بمنْظَرٍ وَبِمَسْمَعٍ / أيُحَالُ منه عَلَى حدِيثٍ مُسْنَدِ
لِكِلَيْهِمَا الحُسْنَى وَإنْ لم يَسْتَوُوا / في رُتْبَةٍ فَقَد اسْتَوَوْا في الموْعِدِ
كلٌّ لِما شاء الإِلهُ مُيَسَّر / والنَّاسُ بَيْنَ مُقَرَّب وَمُشَرَّدِ
وإذَا تَحَقَّقَتِ العنايَةُ فاسْتَرِحْ / وإذَا تَخَلَّفَتِ العنايةُ فاجْهَدِ
أَفْدِي عَلِيّاً في الوجودِ وَكلُّنَا / بِوُجودِهِ مِنْ كلِّ سوءٍ نَفْتَدِي
قُطْبُ الزَّمانِ وغَوْثُهُ وإمامُهُ / عَيْنُ الوجُودِ لسانُ سِرِّ المُوجِدِ
سادَ الرِّجالَ فَقَصَّرَتْ عَنْ شَأْوِهِ / هِمَمُ المُؤَوِّبِ لِلْعُلا وَالمُسْئِدِ
فَتَلَقَّ ما يُلْقِي إليكَ فَنُطْقُهُ / نُطْقٌ بِرُوحِ القُدْسِ أَيُّ مُؤَيِّدِ
إمَّا مَرَرْتَ على مكانِ ضَرِيحِهِ / وَشَمِمْتَ رِيحَ النَّدِّ مِنْ تُرْبِ النَّدِ
وَرأيتَ أرْضاً فِي الفَلا مُخْضَرَّةً / مُخْضَلَّةً منها بِقاعُ الفَدفَدِ
والوحشُ آمِنَةٌ لَدَيهِ كَأَنَّها / حُشِرَتْ إلى حَرمٍ بأَوَّلِ مَسْجِدِ
وَوَجدْتَ تَعْظِيماً بِقَلْبِكَ لَوْ سَرَى / في جَلْمَدٍ سَجَدَ الوَرَى لِلجَلمَدِ
فَقُلِ السَّلامُ عليكَ يا بَحْرَ النَّدَى ال / طامِي ويا بَحْرَ العلومِ المُزْبِدِ
يا وارثاً بالفَرْضِ عِلْمَ نَبِيِّهِ / شَرَفاً وبالتَّعْصِيبِ غيرَ مُفَنَّدِ
الْيَوْمَ أَحْمَدُ مِنْ عَلِيٍّ وارِثٌ / حَظَّي عَلِيٍّ مِنْ وِراثَةِ أَحْمَدِ
يُعزَى الإِمامُ إلَى الإِمامِ وَيَقْتَدِي / للمُقْتَدى بِهُدَاهُ فضلُ المُقْتَدِي
وَالمَرءُ في مِيراثِهِ أتْبَاعُهُ / فاقْدِرْ إِذَنْ فضلَ النبيِّ مُحَمَّدِ
خيرِ الوَرَى صلَّى عليه اللَّه ما / صَدَعَ الأَسَى قَلْبَاً بِسَجْعِ مُغَرِّدِ
وسَرَى السُّرُورُ إلَى القلوبِ فَهَزَّها / مَسْرَى النَّسيمِ إلَى القَضيبِ الأمْلَدِ
شَوْقاً لِمُرْسِيَةٍ رَسَتْ آساسَها / بعَلِي أَبي العَبَّاسِ فَوْقَ الفَرْقَدِ
اليَوْمَ قَامَ فَتَى عَلِيٍّ بَعْدَهُ / كَيمَا يُبَلِّغَ مُرْشِداً عَنْ مُرْشِدِ
فكأَنَّ يُوشَعَ بعدَ موسى قائمٌ / بِطَرِيقِهِ المُثْلَى قِيامَ مُؤَكِّدِ
فليقصِدِ المُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلِهِ / دارَ البقاءِ مِنَ الطَّرِيقِ الأَقْصَدِ
فإذَا عزمْتَ على اتِّباعِ سَبِيلِهِ / فَاسْمَعْ كلامَ أَخِي النَّصيحَةِ ترْشُدِ
فنِظَامُ أعْمَالِ التُّقَى آدَابُها / فاصْحَب بها أهْلَ التُّقَى والسُّؤْدَدِ
وَتَجَنَّبِ التَّأْوِيلَ في أقْوالِ مَنْ / صاحَبْتَ مِنْ أهْلِ السعادَةِ تَسْعَدِ
قدْ فرَّقَ التأوِيلُ بَيْنَ مُقَرَّبٍ / يَوْمَ السُّجُودِ لآدَمٍ ومُبَعَّدِ
وَحَذارِ أنْ يَثِقَ المُرِيدُ بِنَفْسِهِ / وَاحْزِمْ فما الإِصْلاحُ شَأْنُ المُفْسِدِ
فالوَصْفُ يَبْقَى حُكْمُهُ مَع فَقْدِهِ / وَالمَرْءُ مَرْدُودٌ إذَا لَمْ يُفْقَدِ
إنَّ الضَّنِينَ بِنَفسِهِ فِي الأرضِ لا / يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ وليسَ بمُصعِدِ
ويظُنُّ إنْ رَكَدَتْ سفينَتُهُ عَلَى / أمْوَاجِها ورِياحِها لَمْ تَرْكُدِ
فاصْحَبْ أَبا العَبَّاسِ أحمدَ آخِذاً / يَدَ عارِفٍ بِهَوَى النُّفُوسِ مُنَجِّدِ
فإذَا سَقَطْتَ عَلَى الخَبير بِدَائها / فَاصْبِرْ لِمُرِّ دَوَائِهِ وَتَجَلَّدِ
وإذَا بَلَغْتَ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ مِنْ / عِلْمَيْهِ فانْقَعْ غُلَّةَ القَلْبِ الصَّدِي
فَمَتى رَأى مُوسى الإِرادَةَ عِندَهُ / خِضرُ الحقيقةِ نَالَ أَقصى المَقصدِ
وإذَا الفَتَى خُرِقَتْ سَفِينَةُ جِدِّهِ / لَنَجَاتِهَا وجَدَ الأَسَى غيرَ الدَّدِ
وتَبَدَّلَتْ أَبَوا الغُلامِ بِقَتْلِهِ / بأبرَّ مِنهُ لِوَالِدَيْهِ وأَرْشَدِ
وَأُقِيمَ مُنْتَقَضُ الجِدارِ وَتَحْتَهُ / كَنْزُ الوُصُولِ إِلى البقاءِ السَّرْمَدِي
فلْيَهنِ جَمْعاً في الفِراقِ ووُصْلةً / مِنْ قاطِعٍ وترَقِّياً مِنْ مُخْلِدِ
مُغْرىً بِقَتْلِ النَّفْسِ عَمْداً وهْوَ لا / يُعْطَى إلى القَوَدِ القِيادَ ولا الْيَدِ
للَّهِ مَقْتُولٌ بِغَيرِ جِنايَةٍ / كَلِفٌ بِحُبِّ القاتِلِ المُتَعَمِّدِ
ما زالَ يَعْطِفُها عَلَى مَكْرُوهِها / حتَّى زَكَتْ وَصَفَتْ صفَاءَ العَسْجَدِ
وأُجِيبَ داعِيها لِرَدِّ مُشَرَّدٍ / مِنْ أمْرِها طَوْعَاً وَجمْعِ مُبَدَّدِ
لَمْ تَتْرُكِ التَّقْوَى لها مِنْ عادَةٍ / أُلِفَتْ ولا لِمَريضها مِنْ عُوَّدِ
فَلْيَهْنِ أَحْمَدَ كيمياءُ سَعَادَةٍ / صَحَّتْ فلا نارٌ عليه تَغْتَدِي
جَعَلَتْهُ لَمْ يَرَ لِلْحَقيقةِ طالباً / إِلَّا يَمُدُّ إليهِ راحَةَ مُجْتَدِي
كلٌّ يَرُوحُ بِشُرْبِ راحِ عُلُومِهِ / طَرَباً كَغُصْنِ البانَةِ المُتأَوِّدِ
ضَمنَ الوقارَ لها اعْتدالُ مِزاجِها / فَشَرَابُها لا يَنْبَغِي لِمُعَرْبِدِ
فَضَحَتْ مَعارِفُها مَعارِفَ غَيرِها / والزَّيْفُ مَفْضُوحٌ بِنَقْدِ الجَيِّدِ
كَشَفَتْ لهُ الأَسْماعُ عَنْ أَسرارِها / فإذَا الوُجُودُ لِمقْلَتَيهِ بِمَرْصَدِ
وأَرَتْهُ أسبابَ القضاء مُبِينَةً / للمستَقيمِ بِعِلْمِها وَالمُلْحِدِ
تَأبَى علُومُكَ يا فَتَى غَيْرَ التي / هيَ فَتْحُ غَيْبٍ فَتْحُهُ لَمْ يُسدَدِ
قُل لِلَّذينَ تَكلَّفوا زِيَّ التُّقى / وَتَخيَّروا لِلدَّرسِ أَلفَ مُجَلَّدِ
لا تَحْسَبُوا كُحْلَ العُيُونِ بِحِيلةٍ / إنَّ المَهَا لَمْ تَكْتَحِلْ بالإِثْمِدِ
ما النَّحْلُ ذَلَّلَتِ الهِدَايَةِ سُبْلَها / مِثْلَ الحَمِيرِ تَقُودُها لِلْمَوْرِدِ
مَنْ أَمْلَتِ التَّقْوَى عليهِ وأَنْفَقَتْ / يَدُهُ مِنَ الأَكوانِ لا مِنْ مِزْوَدِ
وأَبِيكَ ما جَمَعَ المَعالِيَ وادِعاً / جَمْعَ الأُلوفِ مِنَ الحِسابِ عَلَى اليَدِ
إلَّا أبو العبَّاسِ أَوْحَدُ عَصْرِهِ / أكْرِمْ به فِي عَصرِهِ مِنْ أَوْحَدِ
أفْنَتْهُ فِي التَّوْحِيدِ هِمَّةُ ماجِدٍ / شَذَّتْ مَقَاصِدُها عَنِ المُتَشَدِّدِ
ساحَتْ رجالٌ في القِفَارِ وإنّه / لَيَسِحُ في مَلَكُوتِ طَرْفٍ مُسْهَدِ
ولهُ سرائرُ في العُلا خَطَّارَةٌ / خَطَّارُها ورِكابُها لم تُشْدَدِ
فالمستقيم أخو الكَرَامَةِ عندَهُ / لا كلُّ مَنْ رَكِبَ الأُسودَ بأسْوَدِ
وَأجَلُّ حالِ مُعاملٍ تَبَعِيَّة / أُخِذَتْ إلى أَدَبِ المُرِيدِ بِمِقْوَدِ
فأَتى مِنَ الطُّرقِ القَرِيبِ مَنَالُها / وأتى سِواهُ مِنَ الطَّرِيقِ الأَبْعَدِ
سَيْفٌ مِنَ الأَنْصَارِ ماضٍ حَدُّهُ / فاضرِبْ بهِ في النَّائِبَاتِ وهَدِّدِ
أُثْنِي عليه بِبَاطِنٍ وبِظاهِرٍ / لا سِرَّ منه بِمُغْمَدٍ ومُجَرَّدِ
مِنْ مَعْشَرٍ نَصَرُوا النبيَّ وسابَقوا / مَعَهُ الرِّيَاحَ بِكلِّ نَهْدٍ أَجْرَدِ
وَثَنَوْا أَعِنَّتَهُمْ وقد تَرَكُوا العِدا / بالطَّعْنِ بَيْنَ مُجَدَّلٍ ومُقَدَّدِ
مِنْ كلِّ ذِمْرٍ كالصَّبَاحِ جَبِينُه / ذَرِبٌ بِخَوْضِ المُعْضِلاتِ مُعَوَّدِ
وبِكَلِّ أَسْمَرَ أَزْرَقٍ فُولاذُهُ / وبِكُلِّ أَبيضَ كالنَّجِيعِ مُوَرَّدِ
شَهِدَ النَّهَارُ لِفَاضِلٍ بمُسَدَّدِ / مِنْ رأيِه ولِطاعِنٍ بمُسَدِّدِ
وتَمَخَّضَتْ ظُلَمَ اللَّيَالِي منهمُ / عَنْ رُكَّعٍ لا يَسْأَمُونَ وسُجَّدِ
خافَ العَدُوُّ مَغِيبَهُم لِشُهُودِهِم / والموتُ يَكْمُنُ فِي الحُسامِ المُغْمَدِ
السَّاتِروا العَوْرَاتِ مِنْ قَتْلَى العِدا / يَوْمَ الحَفيظَةِ بالقَنا المُتَقَصِّدِ
والطَّاعِنُوا النَّجلاءَ يُدْخِلُ كَفَّهُ / في إثْرِها الآسي مكانَ المِرْوَدِ
سَلْ مِنْ سَلِيلِهمُ سُلوكَ سَبيلِهِمْ / يُرْشِدْكَ أحمدُ للطَّرِيقِ الأحمدِ
مُسْتَمْطِراً بَرَكاتِهِ مِنْ رَاحَةٍ / أنْدَى مِنَ الغَيثِ السَّكُوبِ وأَجْوَدِ
فَمَوَاهِبُ الرَّحْمنِ بين مُصَوَّبٍ / منها لِراجِي رحمَةٍ ومُصَعَّدِ
يا مَنْ أَمُتُّ لهُ بِحِفظِ ذِمامِهِ / وبِحُسْنِ ظنِّي فيهِ لِي مُسْتَعْبِدِي
مَوْلايَ دُونَكَ ما شَرَحْتُ بِوَزْنِهِ / وَرَوِيِّهِ قَلْبَ الكئيبِ الأكْمَدِ
فاقبَل شِهابَ الدِّينِ عُذْرَ خَرِيدَةٍ / عَذْرَاءَ تُزْرِي بالعَذَارَى النُّهَّدِ
مَعْسُولَةٍ ألفاظُها مِنْ كامِلٍ / أَبرِد حَشىً مِنْ رِيقِها بِمُبَرَّدِ
طَلَعَتْ مَجَرَّةُ فضلها بِكَواكِبٍ / دُرِّيَّةٍ مَحْفُوفَةٍ بالأَسْعدِ
رَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ منها مارِدٌ / لَمَّا أتَتْكَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْ مَقْعَدِ
مِنْ مَنْهَلٍ عَذْبٍ صَفا سلْسَالُهُ / لا مِنْ صَرىً يَشْوِي الوُجُوهَ مُصَرَّدِ
بَعَثَتْ إليكَ بها بواعِثُ خاطِرٍ / مُتَحَبِّبٍ لِجَنابِكُمْ مُتَوَدِّدِ
صادَفْتُ دُرّاً مِنْ صِفاتِكَ مُثْمَناً / فأَعَرْتُهُ منِّي صفَاتِ مُنَضِّدِ
جاءتْ تُسَائِلُكَ الأمانَ لِخائفٍ / مِنْ رِبْقَةٍ بِذُنُوبِهِ مُتَوَعِّدِ
فاضْمَنْ لها دَرْكَ المعادِ ضمانَها / بالفَوْزِ عنكَ لِسَامِعٍ وَلِمُنْشِدِ
فإذا ضَمِنْتَ لهُ فليسَ بِخائِفٍ / مِنْ مُبْرِقٍ يَوْماً ولا مِنْ مُرْعِدِ
جاهُ النبيِّ لِكُلِّ عاصٍ واسِعٌ / والفضلُ أَجدرُ باقتراحِ المُجتَدِي
أهلُ التُّقَى والعِلمِ أهلُ السُّؤْدُدِ
أهلُ التُّقَى والعِلمِ أهلُ السُّؤْدُدِ / فأَخُو السِّيَادَةِ أحمدُ بنُ مُحَمَّدِ
الصاحبُ ابن الصاحب ابن الصاحب ال / حبْرُ الهُمَامُ السَّيِّدُ ابنُ السَّيِّدِ
لا تُشْرِكَنَّ به امرأ في وَصْفِهِ / فتكونَ قد خالفْتَ كلَّ مُوَحِّدِ
الشَّمسُ طالعةٌ فهل من مُبْصِرٍ / والحَقُّ مُتَّضِحٌ فهل من مُهْتَدِي
إنَّ الفَتَى مَنْ سَوَّدَتْهُ نفْسُهُ / بالفضلِ لا مَنْ سادَ غيرَ مُسوَّدِ
والناسُ مُخْتَلِفُوا المذاهِبِ في العُلا / والمَذْهَبُ المُخْتارُ مذْهَبُ أحمدِ
وفَّى عُلومَ الأوّلين حُقوقَها / والآخِرِينَ وَفاءَ مَنْ لم يَجْحَدِ
فكأنَّه فينا خليفةُ آدمٍ / أوْ آدَمٌ لو أنَّهُ لم يُولَدِ
أفضَى به علْمُ اليَقِينِ لعَيْنِهِ / وَرَآهُ حَاسِدُهُ بعَيْنَيْ أَرْمَدِ
كُشِفَ الغِطَاءُ لهُ فليسَ كحائرٍ / في دينِهِ مِنْ أَمْرِهِ مُتَرَدّدِ
قد كانَ يَحكمُ في الأُمورِ بِعِلْمِهِ / شَهِدَ المُحقُّ لديْهِ أَمْ لم يَشْهَدِ
لولا يُخاطِبُنَا بِقَدْرِ عُقُولِنَا / جَاءتْ معارفُهُ بما لم نَعْهَدِ
ورِثَ النُّبُوَّة فَلْيَقُم كَقِيامِهِ / مَنْ حَاوَلَ الميراثَ أَوْ فَلْيَقْعُدِ
فلِسَانُهُ العَضْبُ الحُسامُ المَنْتَضَى / وَبَيَانُهُ بَحْرٌ خِضَمُّ المُزْبِدِ
وَبَصِيرَةٌ باللَّهِ يُشْرِقُ نورُها / ويُضِيءُ مثلَ الكَوْكَبِ المُتَوَقِّدِ
وخَلائِق ما شابَها مَنْ شانَها / فأتَتْ كماءِ المُزْنِ في قَلْبِ الصَّدِي
فَلِبَابِ زَيْنِ الدِّينِ أحمدَ فلْيَسِر / مَنْ كانَ بالأَعْذَار غيرَ مُقَيَّدِ
هوَ كعْبَةُ الفضلِ الذي قُصَّادُهُ / قد حَقَّقُوا منه بُلوغَ المَقْصِدِ
لَمَّا وَرَدْتُ عَلَى كَرِيمِ جَنَابِهِ / فوَرَدْتُ بَحْرَ الْجُودِ عَذْبَ المَوْرِدِ
ورَأَيْتُ وَجْهَاً أَشْرَقَتْ أَنْوَارُهُ / فأَضَاءَ مثلَ الكوكَبِ المُتَوَقِّدِ
أعْرَضْتُ عَنْ لهْوِ الحَدِيثِ وقُلْتُ يا / مَدْحَ الوَرَى عنِّي فمَا أَنَا مِنْ دَدِ
وَعَزَمْتُ في يَوْمِي عَلَى العَمَلِ الّذي / ألقاهُ لي نعْمَ الذَّخيرةُ في غَدِ
مَدْحٌ إذَا أعْمَلْتُ فيه مِقْوَلِي / جَاهَدْتُ عن دينِ الهُدَى بِمُهَنَّدِ
أَبْقَى لهُ الذِّكْرَ المُخَلَّدَ عِلْمُهُ / أنْ ليس في الدُّنْيَا امرُؤٌ بِمُخَلَّدِ
فَاسْتُنْفِدَتْ بوجودِهِ آمالُهُ / وَاخْتَارَ عندَ اللَّهِ ما لم يَنْفَدِ
شُغِفَتْ بِهِ الدُّنْيَا وآثَرَ أُخْتَهَا / حُبَّاً فَأَوْهَمَ رَغْبَةً بِتَزَهُّدِ
وأتى عليها جُودُه فكأَنّها / لهَوانِهَا في نفسه لم تُوجَدِ
فإذَا نَظَرْتَ إلى مقاصِدِهِ بهَا / أَبْدَتْ إليكَ حَقيقةَ المُتَجَرِّدِ
كلِفٌ بمَا يَعْنِيهِ مِنْ إسعادِ ذِي ال / حَاجَاتِ في الزَّمَنِ القَليلِ المُسْعِدِ
يَطْوِي مِنَ التَّقْوَى حَشَاهُ عَلَى الطَّوَى / وَيَبِيتُ سَهْرَانَاً مُقَضَّ المَرْقَدِ
وَيَغُضُّ مِنْ مَغْسُولَتَيْنِ بِدَمْعِهِ / مَكْحُولَتَيْنِ مِنَ الظَّلامِ بإثْمِدِ
عَوِّلَ عليه في الأُمورِ فإنَّهُ / أهلُ الغَرِيبِ وبَيْتُ مالِ المُجْتَدِي
وَاسْتَمْطِرِ البركاتِ مِنْ دَعَوَاتِهِ / حيث استقَلَّ سحَابُ راحَتِهِ النَّدِي
واسمعْ لِمَا يُوحَى مِنَ الذِّكْرِ الَّذِي / يُشْجِي القلوبَ لَوَ انَّها مِنْ جَلْمَدِ
صَدَرَتْ جَواهِرُ لفظِهِ مِنْ باطِنِ / صافِي التُّقَى مِثْلِ الحُسامِ الْمُغْمَدِ
فأراكَهُ سِحر البيانِ مُنَضَّدَاً / بِيَدِ البَلاغَةِ وَهْوَ غيرُ مُنَضَّدِ
مُتَحَلِّياً بِجَوَامِعِ الكَلِمِ التي / يُعْنَى بها حَدِبٌ عناءَ تَجَلُّدِ
فالقَصُّ منه إذا أتَاكَ تَعَدَّدَتْ / منه المعاني وَهْوَ غيرُ مُعَدَّدِ
قُلْ لِلإِمَامِ المُقْتَدَى بِعُلُومِهِ / قد فَازَ مَنْ أَضْحَى بِرَأْيِكَ يَقْتَدِي
يَا مَنْ يُرَاعِي للفضيلةِ حَقَّهَا / لِتَلَذُّذٍ بِالفَضْلِ لا لِتَزَيُّدِ
لمْ تُصْغِ لِلْعُلَمَاءِ إِلَّا مِثْلَمَا / أَصْغَى سُلَيْمَانٌ لِقَوْلِ الهُدْهُدِ
عَجِبَتْ لِزُهْدِكَ في الوزارةِ مَعْشَرٌ / فأَجَبْتُهُمْ عَجَباً إذَا لم يَزْهَدِ
ما ضَرَّ حبرَاً قَلَّدَتْهُ أَئِمَّةٌ / أَن لم يكنْ لِمَنَاصِبٍ بمُبَلَّدِ
وإذا سما باسْمِ العلومِ فلا تَسَلْ / عَن حَطِّ نَفْس بالحَضِيضِ الأَوْهَدِ
ما المَجْدُ إِلَّا حِكْمَةٌ أُولِيتَهَا / يَنْحَطُّ عنها قدر كلِّ ممجَّدِ
يا رُتْبَةً لا تُرْتَقَى بِسَلالِمٍ / وسيادَةً ما تُشْتَرَى بالعَسْجَدِ
خيرُ المناصِبِ ما العُيُونُ كَلِيلَةٌ / عنه وما الأَيدِي له لمْ تُمْدَدِ
مَوْلايَ دونَكَ مِنْ ثنائِي حُلَّةٌ / تُبْلِي مِنَ الأَيّامِ كلَّ مُجَدَّدِ
جَاءَتْ مُسَارِعَةً إليكَ بِسَاعَةٍ / سَعِدَتْ مُطالِعَةً وإنْ لمْ تُرْصَدِ
يَوْمُ اتِّصَالٍ بالأَحِبَّةِ حَبَّذا / يَوْمٌ به انْقَطَعَتْ قلوبُ الحُسَّدِ
ما سُيِّرَتْ ما بَيْنَ يوسُفَ مِثْلَمَا / قد سُرَّ فيه أَحْمَدٌ بِمُحَمَّدِ
يا حَبَّذا مَدْحٌ لآِلِ مُحَمَّدٍ / دونَ التَّغَزُّلِ في غَزَالٍ أَغْيَدِ
إنَّ الجَلالَةَ مُنْذُ رُمْتُ مَدِيحَكم / لم تَرْضَ لي ذكرَ الحِسَانِ الخُرَّدِ
فاللَّهُ يَجْمَعُ شَمْلَكُمْ ساداتِنا / جَمْعَ السلامَةِ في نعيمٍ سَرْمَدِ
ما لِلنَّصَارَى إليَّ ذَنْبٌ
ما لِلنَّصَارَى إليَّ ذَنْبٌ / وإنَّما الذنبُ لِلْيَهودِ
وكيفَ تَفْضِيلُهُمْ وفيهمْ / سِرُّ الْخَنازِيرِ وَالقُرُودِ
حَيَّ بُلْبَيْسَ مَنْزِلاً في العِمَارَهْ
حَيَّ بُلْبَيْسَ مَنْزِلاً في العِمَارَهْ / وَتَوَجَّهْ تِلْقَاءَ بِئْرِ عُمَارَهْ
فالبَتيَّاتِ فالحِرازِ فَتُبتي / ت َفشُبْرا البَيُّومِ فالخَمَّارَهْ
وإذا جِئْتَ حَاجِزاً بَيْنَ بَلبَي / سَ وَقليوبَ مِنْ خَرابِ فَزارَه
فارجِعِ السَّيْرِ بَيْنَ بَنْهَا وَأَت / ريبَ وكلٌّ لِشَاطِئ الْبَحْرِ جَارَه
وَإذَا ما خَطَرْتَ مِنْ جَانِبِ الرم / لِ بِفاقُوسَ فاقْصِدِ الخَطَّارَهْ
وَشَمَنْدِيلَ وهْيَ مَنْزِلَةُ الجي / شِ وَسَعْدَانَةٍ مَحَلِّ غِرَارَهْ
خَلِّنِي مِنْ هَوَى البَداوةِ إني / لَسْتُ أَهْوَى إِلَّا جَمالَ الحَضارَهْ
واقْرِ تِلْكَ القُرَى السلامَ فَإِن أَع / يَتْكَ منها عبارَةٌ فإشارَهْ
إنَّ قَلْبِي أَضْحَى إلى ساكِنِيهَا / باشتِياقٍ وَمُهْجَتِي مُسْتَطارَهْ
أَذْكَرَتْنا عَيْشاً قديماً نَزَعْنَا / هُ لِبَاساً كَالحُلَّةِ المُسْتَعَارَهْ
وزماناً في الحُسنِ وجْهَ عَلِيٍّ / ذا بَهاءٍ وبَهْجَةٍ وَنَضَارَهْ
صاحبٌ لا يزالُ بالجُودِ والإف / ضالِ طَلْقَ الْيَدَيْنِ حُلْوَ العِبارَهْ
كمْ هَدانا مِنْ فضلِهِ بِكِتابٍ / مُعْجِزٍ مِنْ عُلُومِهِ بِأَثارَهْ
وجهُهُ مُسْفِرٌ لِعَاقِبِهِ ما نح / تَاجُ في الجُودِ عِنْدَهُ لِسفارَهْ
يَدُهُ رُقْعَةُ الصَّباحِ فما أَغ / رَبَهَا مِنْ سلامَةٍ وَطَهارَهْ
يَذْكُرُ الوعْدَ في أُمورٍ ولا يَذْ / كُرُ جَدْوَى وَلو بِكلِّ إمارَهْ
إنما يَذْكُرُ العَطِيَّةَ منْ كا / نتْ عَطاياهُ تارَةً بعدَ تارهْ
سَيِّدِي أَنْتَ نُصْرَتِي كلما شَن / نَ عَلَيَّ الزَّمانُ بالفَقْرِ غارَهْ
شابَ رَأْسِي وما رَأسْتُ كأنِّي / زامِرُ الحَيِّ أَوْ صغيرُ الحارَهْ
وَابن عِمْرَانَ وَهْوَ شَرُّ مَتاعٍ / لِلْوَرَى في بِطانَةٍ وَظِهَارَهْ
حَسَّنَ القُرْبُ منكُمْ قُبْحَ ذِكْرَا / هُ كَتَحْسِينِ المِسْكِ ذكْراً لفارَهْ
فَهْوَ في المَدْحِ قَطْرَةٌ مِنْ سَحَابِي / وَهْوَ في الهَجْوِ مِنْ زِنَادِي شَرَارَهْ
ما لهُ مِيزَةٌ عَلَيَّ سِوَى أن / نَ لهُ بَغْلَةً وما لِي حِمَارَهْ
وَعِياظٌ تدْوَى الدَّوَاوينُ منه / لا بمعنىً كأنُّهُ طِنْجِهارَهْ
يَتَجَنَّى بِسوءِ خُلْقٍ عَلَى النا / سِ وَنَفْسٍ ظَلومَةٍ كَفَّارَهْ
لَمْ تُهَذِّبْهُ كلُّ قاصِرَةِ الطَّر / فِ أَجَادَتْ بأَخْدَعَيْهِ القصارَهْ
وَابنُ يَغْمورَ إذْ كساهُ منَ الدر / رَةِ دِرْعاً كأنَّه غَفَّارَهْ
طَبَعَتْ رَأْسُهُ دَماً وَبِسَاطِي / جلْدَةً أَوْ حَسِبتُهُ جُلَّنَارَهْ
وسليمانُ كلما قَرَعَ القَرْ / عَةَ طَنَّتْ كَأنَّها نُقَّارَهْ
وَقعاتٌ تُنْسي المُؤرِّخَ ما كا / نَ مِنْ سُنْبسٍ وَمِنْ زُنَّارَهْ
إنْ جَهِلْتُمْ ما حَلَّ في ساحلِ الشي / خِ مِنَ الصّفحِ فاسْألُوا البَحَّارَهْ
قَالتِ البَغْلَةُ التي أَوْقَعَتْهُ / أَنا ما لي على الغُبونِ مَرَارَهْ
إِنَّ هذا شَيْخٌ له بِجَوَارِي / هِ معَ الناس كلَّ يَوْمٍ صِهَارَهْ
قَلْتُ لا تَفْتَرِي عَلَى الشاعرِ الفِق / قِيهِ قالتْ سَلِ الفَقِيهَ عُمارَهْ
لو أتاهُ في عرْسِهِ شَطْرُ فَلْسٍ / لرأَى البَيْعَ رَجْلَة وشطَارَهْ
قلتُ هذَا شادُّ الدَّوَاوِينِ قالتْ / ما أَوَلّي هذا عَلَى الخَرَّارَهْ
قلتُ ذِي غَيْرَةُ الأُبَيْرَةِ أَلَّا / تَشْتَهِي أَنْ تُفَارِقَ الأَبَّارَهْ
قالتَ اَقْوَى وكيفَ أُغيرُ مِنِّي / عِنْدَ شيخٍ كَلٍّ بِغَيْرِ زِبَارَهْ
قلتُ ما تَكْرَهِينَ منه فقالت / أَيُّ بُخْلٍ فيه وأَيّ قَتَارَهْ
أنا في البيْتِ أَشْتَهِي كَفَّ تِبْنٍ / وَمِنَ الفُرْطِ أَشْتَهِي نُوَّارَهْ
وعَلِيقِي عليه أَرْخَصُ مِنْ ما / لِ المَوارِيثِ في شِرَا ابنِ جُبَارَهْ
سَرَق النِّصْفَ واشتَرى النِّصْف بالنِّص / فِ وَأَفْتَى بأَنَّ هذا تِجارَهْ
لا تَلوموا إذا وَقَعْتُ مِنَ الجَو / عِ فإنّي مِنَ الْخَوَى خَوَّارَهْ
ما كفَاهُ مِنَ الطَّوافِ بِبُلْبَي / سَ إِلى أَنْ يَطُوفَ بي السَّيَّارَهْ
آهِ مِنْ ضَيْعَتِي وما ذاكَ إِلَّا / أَنَّ ما لِي عَلَى الغُبُونِ مَرَارَه
أُكْمِلَتْ خِلْقَتي وَشَيبي وما لي / في حُجُورٍ اُخْتٌ وَلا فِي مِهَارَهْ
أَيُّ شِبْرِيَّةٍ أَلَذُّ وِطاءً / مِنْ رُكُوبي وأَيُّما شَبَّارَهْ
عَيَّرَتْنِي بها بِغالُ الطواحي / نِ وقالتْ تَمَّتْ عليكِ العِيَارَهْ
دُرْتُ حتى وَقَعْتُ عِنْدَ المنَاحِي / سِ فيا لَيْتَ أنني دَوَّارَهْ
وَلقدْ أَنْذَرْتُهُ فَرَأَيْتُهُ / جَاهِلِيَّاً لم تُغْنِ فيهِ النّذارَهْ
وَقَوَافِيَّ ليسَ فيها صِقالٌ / مِنْ نَدىً لا وليس فيها زَفَارَهْ
كلُّ عَذْرَاءَ ما تُرَدُّ مِنَ الكف / ءِ بِعَيْبِ وَلا زَوالِ بَكارَهْ
سِرْنَ مِنْ حُسْنِهِنَّ في الشَّرْقِ والغَرْ / بِ فَكُنَّ الكَواكِبَ السَّيَّارَهْ
لَنْ يَصِيدَهُنَّ النَّوال مَنْ بَحْرِ فِكْرِي / أَوَ يُصْطَادُ الدُّرَّ بالسِّنَّارَهْ
غَيْرَ أَنِّي أَعْدَدْتُهَا لِخَطَايَا / وَذُنُوبٍ أَسْلَفتهَا كَفَّارَهْ
أَوَ لَمْ تَدْرِ أَنَّ مَدْحَ عَلِيٍّ / مِثْلُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَزِيَارَهْ
أَيُّهَا الصاحبُ المُؤَمَّلُ أَدْعُو / كَ دُعَاءَ استغاثَةٍ واستجارَهْ
أَثْقَلَتْ ظَهْرِيَ العِيالُ وَقد كن / تُ زَماناً بهم خَفيفَ الكَارَهْ
ولوَ اَنِّي وحْدِي لَكُنْتُ مُرِيداً / في رِباطٍ أَو عَابِداً في مَغَارَهْ
أحَسَبُ الزُّهْدَ هَيّناً وَهوَ حَرْبٌ / لسْتُ فيه ولا منَ النَّظَّارَهْ
لا تَكِلنِي إلى سِواكَ فَأخْيَا / رُ زَماني لا يَمْنَحُونَ خِيَارَهْ
وَوُجُوهُ القُصَّادِ فيه حَدِيدٌ / وَقلوبُ الأَجْوادِ فيه حِجَارَهْ
فإذَا فازَ كَفُّ حُرٍّ بِبِرٍّ / فَهْوَ إمَّا بِنَقْضَةٍ أَو نِشَارَهْ
إِنَّ بَيْتِي يقول قد طالَ عَهْدِي / بِدُخُولِ التَلِّيسِ لِي وَالشِّكَارَهْ
وطعامٍ قد كَانَ يَعْهَدُهُ النا / سُ مَتاعاً لهمْ ولِلسيَّارَهْ
فالكوانينُ ما تُعابُ مِنَ البَرْ / دِ بَطَبَّاخَةٍ وَلا شَكَّارَهْ
لا بِساطٌ ولا حَصِيرٌ بِدِهْلِي / زي وَلا مَجْلِسي ولا طَيَّارَهْ
ليس ذا حالُ مَنْ يُرِيدُ حيَاةً / لِعيالٍ ولا لِبَيْتٍ عِمَارَهْ
قلتُ إنَّ الوَزِيرَ أَسْكَنَ غَيرِي / فِي مَكاني ولي عليه إجَارَهْ
قِيلَ إنَّ الوزِيرَ لَنْ يَقْصِدَ الفَس / خَ فَلِمْ لا رَاجَعْتَ في الخَرَّارَهْ
أسقَطَتْهُ مِنْ ظَهْرِنَا فَأَرَتْنَا / جَيْبَهُ لازِماً لِبَطْنِ المَحَارَهْ
ثُمَّ شَدُّوهُ بالإِزَارِ فخِلْنا / هُ الْخَيالِيَّ مِنْ وَرَاءِ السِّتَارَهْ
لَمْ يُفَضِّلْ عليكَ غيرَكَ لكن / نَ عطاياهُ كَالكُؤوسِ المُدَارَهْ
فسأَغْدُو به سعيداً كأنّي / لاعْتِدَالِ الرَّبِيعِ للشَّمسِ دارَهْ
وَيَشُوقَ الأَضْيَافَ في بادَهَنْجٍ / مِنْ بعيدٍ قُرُونُهُ كالمَنَارَهْ
إنَّ بَيْتَاً يغْشَاهُ كلُّ فقِيرٍ / مِنْ عَلِيٍّ في ذِمَّةٍ وَخِفَارَهْ
صَرَفَ اللَّهُ السُّوءَ عنه وَآتا / هُ مِنَ المَجْدِ والعُلا مَا اختَارَهْ
قد خُصَّ بالفَضْلِ قَطْلِيجا وأَيْدمُرُ
قد خُصَّ بالفَضْلِ قَطْلِيجا وأَيْدمُرُ / وطابَ منه ومنكَ الأَصْلُ والثَّمَرُ
بَحْرَانِ لو جادَ بحرٌ مِثْلَ جُودِهما / بِيعَتْ بأَرْخَصَ مِنْ أَصْدَافِها الدُّرَرُ
للَّهِ دَرُّكَ عِزَّ الدِّينِ لَيْثَ وَغىً / لَهُ مِنَ البِيضِ نابٌ والقَنا ظفُرُ
أَلْقَى الإلهُ عَلَى الدُّنيا مَهَابَتَهُ / فالبِيضُ تَرْعدُ خوفاً منه والسُّمُرُ
أرَيْتَنا فضلَ شمسِ الدِّينِ مُنْتَقِلاً / إليك منه وصَحَّ الخُبرُ والخَبَرُ
إنْ تُحْيِ آثارَهُ مِنْ بَعْدِ ما دَرَسَتْ / فإنَّكَ النِّيلُ تُحْيي الأرضَ والمَطَرُ
وإنْ تَكُنْ أنْتَ خيرَ الوارثينَ لَهُ / فما يُنَازِعكَ في ميراثِهِ بَشَرُ
وإنْ تَكُنْ في العُلا والفَضْلِ تَخْلُفُهُ / فالشَّمسُ يَخْلُفُهَا إنْ غابَتِ القَمَرُ
أَخجَلتَ بالحِلْمِ ساداتِ الزَّمانِ فَلَمْ / يَعْفُوا كَعَفْوِكَ عَنْ ذَنْبٍ إذا قَدَرُوا
وَلَمْ تَزَلْ تَسْتُرُ العَيْبَ الذِي كَشَفُوا / ولم تَزَلْ تَجْبُرُ العَظْمَ الذِي كَسَرُوا
لوْ أَنَّ أَلْسِنَةَ الأَيّامِ ناطِقَةٌ / أَثْنَتْ عَلَى فَضْلِكَ الآصالُ والبُكَرُ
شَرَعْتَ للنَّاسِ طُرقاً ما بها عُجَزٌ / يَخَافُ سالِكُها فيها ولا بُجَرُ
لو يَسْتَقِيمُ عليها السالكون بها / كما أمرتَ مشَتْ مَشْيَ المهَا الحُمرُ
أَكْرِمْ بأَيْدمُرَ الشَّمْسِيِّ مِنْ بَطَلٍ / بِذِكْرِهِ في الوَغَى الأَبْطَالُ تَفْتَخِرُ
تَخافُ منه وتَرْجُوهُ كما فَعَلَتْ / في قَلْبِ سامِعِها الآياتُ والسُّوَرُ
مَعْنَى الوجودِ الذي قامَ الوجودُ به / وهلْ بِغَيْرِ المَعاني قامَتِ الصُّوَرُ
بَنانُهُ مِنْ نَدَاهُ الغَيْثُ مُنْسَكِبٌ / وسَيْفُهُ مِنْ سُطاهُ النارُ تَسْتَعِرُ
نَهَتْهُ عَنْ لَذَّةِ الدُّنْيا نَزَاهَتُهُ / وَشَرَّدَ النَّوْمَ مِنْ أجفانِهِ السَّهَرُ
وليسَ يُضْجِرُهُ قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ / وَكيفَ يُدْرِكُ مَنْ لا يَتْعَبُ الضَّجَرُ
يُمْسِي وَيُصْبِحُ في تَدْبِيرِ مَمْلَكَةٍ / أعْيا الخلائقَ فيها بعضُ ما يَزِرُ
يَكْفِيهِ حَمْلُ الأَماناتِ التي عُرِضَتْ / على الجِبالٍ فكادَتْ منه تَنْفَطِرُ
خافَ الإلهَ فخافَتْهُ رَعِيَّتُهُ / والمَرْءُ يُجْزَى بما يأتي وما يَذَرُ
واخْتَارَهُ مَلكُ الدُّنيا لِيَخْبُرَهُ / في مُلْكِهِ وهْوَ مُخْتارٌ ومُخْتَبَرُ
فَطَهَّرَ الأرضَ مِنْ أَهْلِ الفسادِ فلا / عَيْنٌ لَهُمْ بَقِيَتْ فيها ولا أثَرُ
ودَبَّر المُلْكَ تَدْبيراً يُقَصِّرُ عَنْ / إدْرَاكِ أَيْسَرِهِ الأَفْهَامُ والفِكَرُ
وحينَ طارت إلى الأعداء سُمْعَتُهُ / ماتَ الفرَنْجُ بِدَاءِ الخَوْفِ والتَّتَرُ
فما يُبالي بأَعْداءٍ قُلوبُهُمُ / فيها تَمَكَّنَ منهُ الخوفُ والذُّعُرُ
وكل أرضٍ ذَكّرْناهُ بها غَنِيَتْ / عَنْ أنْ يُجَرِّدَ فيها الصارِمُ الذَّكَرُ
فلَوْ تُجَرَّدُ مِنْ مِصْرٍ عَزائِمُهُ / إلى العِدَا بَطَلَ البَيْكارُ والسَّفَرُ
في كلِّ يَوْمٍ تَرَى القَتْلَى بِصَارِمهِ / كأَنَّما نُحِرَتْ في مَوسِمٍ جُزُرُ
كَأَنَّ صارِمَهُ في كلِّ مُعْتَرَكٍ / نَذِيرُ مَوْتٍ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ النُّذُرُ
شُكْراً لَهُ مِنْ وَلِيٍّ في وِلايَتِهِ / مَعْنَى كرامَتِه للناسِ مُشْتَهِرُ
عَمَّ الرَّعِيَّةَ والأَجْنَادَ مَعْدَلَةً / فما شكا نَفَراً مِنْ عَدْلِهِ نَفَرُ
وسَرَّ أَسْمَاعَهُمْ منهُ وأعْيُنَهُمْ / وَجْهٌ جَميلٌ وذِكْرٌ طَيِّبٌ عَطِرُ
تَأَرَّجَتْ عَنْ نَظِيرِ المِسْكِ نظْرَتُهُ / كما تَأَرَّجَ عَنْ أكمامِهِ الزَّهَرُ
مِنْ مَعْشَرٍ في العُلا أَوْفَوْا عُهُودَهمُ / وليسَ مِنْ مَعْشَرٍ خانُوا ولا غَدَرُوا
تُرْكٌ تَزَيَّنَتِ الدُّنيا بِذِكْرِهِمُ / فَهُمْ لها الحَلْيُ إنْ غابُوا وإنْ حَضَرُوا
حَكَتْ ظواهرهُمْ حُسْناً بواطِنهُمْ / فَهُمْ سواءٌ أَسَرُّوا القَوْلَ أَوْ جَهَرُوا
بِيضُ الوجوهِ يَجُنُّ اللَّيْلُ إنْ رَكِبُوا / إلى الوغَى ويُضِيءُ الصُّبْحُ إنْ سَفَرُوا
تَسْعَى لأَبْوَابِهِمْ قُصَّادُ مالِهم / وجاهِهِمْ زُمَراً في إثْرِها زُمَرُ
تَسَابَقُوا في العُلا سَبْقَ الجِيادِ لهُمْ / مِنَ الثناءُ الحُجولُ البِيضُ والغُرَرُ
وَكلُّ شيءٍ سَمِعْنا مِنْ مناقِبِهِمْ / فمِنْ مَناقِبِ عِزِّ الدِّينِ مُخْتَصَرُ
مَوْلىً تَلَذُّ لنا أخْبارُ سُؤْدُدِهِ / كأنَّ أخْبارهُ مِنْ حُسْنِها سَمَرُ
يا حُسْنَ ما يَجْمَعُ الدُّنيا ويُنْفِقُها / كالبَحْرِ يَحْسُنُ منه الوِرْدُ والصَّدَرُ
لكلِّ شَرْطٍ جَزَاءٌ مِنْ مَكارِمِهِ / وكُلُّ مُبْتَدَإٍ منها له خَبَرُ
فما نَظَمْتُ مدِيحاً فيهِ مُبْتَكراً / إِلَّا أَتانِيَ جُودٌ منه مُبْتَكرُ
صَدَقْتُ في مَدْحِهِ فازْدَادَ رَوْنَقُهُ / فما عَلَى وجْهِهِ مِنْ رِيبَةٍ قَتَرُ
أغْنَتْ عَطاياهُ فَقْرَ الناسِ كلِّهِمِ / فسَلْهُمُ عَنْهُ إنْ قَلُّوا وَإنْ كَثُرُوا
لِذَاكَ أثْنَوْا عليه بالذِي عَلِمُوا / خيراً فيا حُسْنَ ما أَثْنَوا وَما شَكَرُوا
قالوا وجَدْنَاهُ مِثْلَ الكَرْمِ في كَرَمٍ / يَفِيءُ منه علينا الظِّلُّ والثَّمَرُ
وما يَزالُ يُعِينُ الطائِعِينَ إذَا / تَطَوَّعُوا بِجَمِيلٍ أَوْ إذا نَذَرُوا
وَمَنْ أَعَانَ أُولِي الطاعاتِ شَارَكَهُمْ / في أَجْرِ ما حَصَرُوا منه وما تَجَرُوا
فما أتَى الناسُ مِنْ فَرْضٍ وَمِنْ سُنَنٍ / ففِي صَحِيفَتِهِ الغَرَّاءِ مُسْتَطَرُ
فَحَجَّ وهْوَ مُقِيمٌ والحِجَازُ به / قَوْمٌ يُقِيمُونَ لا حَجُّوا ولا اعْتَمَرُوا
وجَاهَدَتْ في سبيلِ اللَّهِ طائفةٌ / وخَيْلُها منه والهِنْدِيَّةُ البُتُرُ
وَأَطْعَمَ الصَّائِمِينَ الجائِعِينَ وَمِنْ / فَرْطِ الخَصاصَةِ في أكْبَادِهِم سُعُرُ
وَلَمْ تَفُتْهُ مِنَ الأَوْرَادِ ناشِئَةٌ / في لَيْلَةٍ قامَ يُحْيِيها وَلا سَحَرُ
يَطْوِي النَّهَارَ صِياماً وهْوَ مُضْطَرِمٌ / وَاللَّيْلَ يَطْوِي قِياماً وهْوَ مُعْتَكِرُ
ومالُهُ في زَكاةٍ كلُّهُ نُصُبٌ / لا الخُمْسُ فيه لَهُ ذِكْرٌ ولا العُشرُ
أعمالُهُ كلُّها للَّهِ خالِصَةٌ / ونُصْحُهُ لم يُخالِطْ صَفْوَهُ كَدَرُ
كم عادَ بَغْيٌ عَلَى قومٍ عليه بَغَوْا / وحاقَ مَكْرٌ بأَقْوَامٍ به مَكَرُوا
لَمْ يَخْفَ عَنْ عِلْمِهِ في الأرضِ خافِيَةٌ / كأَنَّهُ لِلْوُجُودِ السَّمْعُ والبَصَرُ
فلا يَظُنّ مُرِيبٌ مِنْ جهالَتِهِ / بأَنَّ في الأرضِ شيءٌ عنه يَسْتَتِرُ
عَصَتْ عليه أُناسٌ لا خَلاقَ لَهُمْ / الشُّؤْمُ شِيمَتُهُمْ واللُّؤْمُ والدَّبَرُ
تَلَثَّمُوا ثمَّ قالوا إننا عَرَبٌ / فقلتُ لا عَرَبٌ أنتمْ وَلا حَضَرُ
ولا عُهُودَ لكُمْ تُرْعَى ولا ذِمَمٌ / ولا بُيُوتُكُم شَعْرٌ وَلا وَبَرُ
وأَيُّ بَرِّيَّةٍ فيها بُيُوتُكُم / وَهلْ هِيَ الشَّعْرُ قولوا لي أَمِ المَدَرُ
وَليسَ يُنْجِي امْرَأً رامُوا أَذِيَّتُهُ / منهمْ فِرارٌ فَقُلْ كَلَّا ولا وَزَرُ
يَشْكُو جميع بنِي الدُّنيا أَذِيَّتَهُمْ / فهمْ بِطُرْقِهِمُ الأحجارُ والحُفَرُ
يَرَوْنَ كلَّ قَبيحٍ مِنْهُمُ حَسَناً / وَلَمْ يُبالُوا أَلامَ الناسُ أَمْ عَذَرُوا
مِنْ لُؤْمِ أحْسَابِهِمْ إنْ شاتَمُوا رَبحوا / وَمِنْ حَقَارَتِهِمْ إنْ قاتَلوا خَسِروا
لَمَّا عَلِمْتَ بأنَّ الرِّفْقَ أَبْطَرَهمْ / والمُفْسِدُون إذا أَكْرَمْتَهُمْ بَطِرُوا
زَجَرْتَهُمْ بعقوباتٍ مُنَوَّعَةٍ / وفي العقوباتِ لِلطاغينَ مُزْدَجَرُ
كأَنّهم أَقْسَمُوا باللَّهِ أنَّهمُ / لا يَتْركونَ الأذى إِلَّا إذَا قُهِرُوا
فَمَعْشَرٌ رَكِبُوا الأَوْتادَ فانقطعَتْ / أَمْعاؤُهم فَتَمَنَّوْا أَنَّهمْ نُحِرُوا
ومَعْشَرٌ قُطِعَتْ أَوْصالُهمْ قِطَعاً / فما يُلَفِّقُها خَيْطٌ ولا إبَرُ
ومَعْشَرٌ بالظُّبا طارتْ رؤُوسُهُمُ / عَنِ الجُسومِ فَقُلْنَا إنها أُكَرُ
وَمَعْشَرٌ وُسِّطُوا مثْلَ الدِّلاءِ وَلمْ / تُرْبَطْ حِبَالٌ بها يَوْماً ولا بَكَرُ
وَمَعْشَرٌ سُمِّروا فوْقَ الجِيادِ وقدْ / شَدَّتْ جُسومَهُمُ الألواحُ وَالدُّسُرُ
وآخَرُونَ فَدَوْا بالمالِ أنفُسَهُمْ / وقالتِ الناسُ خَيْرٌ مِنْ عَمىً عَوَرُ
مَوْتاتُ سَوْءٍ تَلَقَّوْها بما صَنَعُوا / وَمِنْ وَراءِ تَلَقِّيهِمْ لها سَقَرُ
وَقد تَأَدَّبَتِ المُسْتَخْدمون بهم / وَالغافلون إذَا ما ذُكِّرُوا ذَكَرُوا
فَعَفَّ كلُّ ابنِ أُنْثَى عَنْ خِيانتهِ / فَلَمْ يَخُنْ نفسَهُ أُنْثَى وَلا ذكرُ
إنْ كانَ قد صَلَحَتْ مِنْ بعْدِ ما فَسَدَتْ / أَحوالُهمْ بِكَ إنَّ الكَسْرَ يَنْجَبِرُ
لَوْلاكَ ما عَدَلُوا مِنْ بَعْدِ جَوْرِهُمُ / عَلَى الرَّعايا ولا عَفُّوا وَلا انْحَصَرُوا
ولا شَكَرْتُهُم مِنْ بَعْدِ ذَمِّهِمُ / كأنهم آمَنُوا مِنْ بَعْدِ ما كَفَرُوا
وكُنْتُ وصَّيْتُهُمْ أنْ يَحْذَروكَ كما / وصَّى الحكيمُ بَنِيهِ وَهْوَ مُحْتَضرُ
وقلتُ لا تَقْرَبوا مالاً حَوَتْ يَدُهُ / فالفَخُّ يَهْرُبُ منه الطائر الحَذِرُ
وحاذِرُوا معه أنْ تَرْكَبُوا غَرَراً / فليسَ يُحْمَدُ مَنْ مركُوْبُهُ الغَرَرُ
ولا تَصَدَّوْا لما لم يرض خاطرُهُ / إنَّ التَّصدِّي لما لم يرضه خطَرُ
فبان نصحي لهُمْ إذ ماتَ ناظِرُهمْ / وَقد بَدَت لِلوَرَى فِي مَوتِهِ عِبَرُ
مُقَدَّماتٌ أماتاهُ وأقْبَرَهُ / مَشاعِلِيَّانِ ما أَدَّوْا وَلا نَصَرُوا
وجَرَّسُوهُ عَلَى النَّعْشِ الذي حَمَلُوا / مِنَ الفِراشِ إلَى القَبْرِ الذي حَفَرُوا
يا سوءَ ما قَرَؤُوا مِنْ كلِّ مُخْزِيَةٍ / عَلَى جَنَازَتِهِ جَهْرَاً وما هَجَرُوا
وَكَبَّرُوا بَعْدَ تَصْغِيرٍ جَرَائمَهُ / وقَبَّحُوا ما طَوَوْا منها وما نَشَرُوا
وكانَ جَمَّعَ أمْوالاً وَعَدَّدَها / وظَنَّهَا لِصُروفِ الدَّهْرِ تُدَّخَرُ
فآذَنَتْ بِزَوالٍ عنه مُسْرِعَةً / كما يَزُولُ بِحَلْقِ العانَةِ الشَّعَرُ
وراحَ مِنْ خِدْمَةٍ صِفْرَ اليَدَيْنِ فقُل / لِلْعامِلينَ عليها بَعْدَه اعْتَبِروا
ما عُذْرُ ماشٍ مَشَى بالظُّلْمِ في طُرْقٍ / رَأى المُشاةَ عليها بَعْدَهُ عَبَرُوا
إذا تَفَكَّرْتَ في المُسْتَخْدمينَ بَدَا / منهم لِعَيْنَيْكَ ما لم يُبْدِهِ النَّظَرُ
ظَنُّوهُمُ عَمَرُوا الدُّنيا بِبَذْلِهمُ / وَإنما خَرَّبُوا الدُّنيا وما عَمَرُوا
فطهِّرِ الأرضَ منهم إنَّهمْ خَبَثٌ / لوْ يَغْسِلُونَهُمُ بالبحرِ ما طهُرُوا
نِيرانُ شَرٍّ كَفانَا اللَّهُ شَرَّهُمُ / لا يَرْحَمُونَ وَلا يُبقُون إنْ ظَفِرُوا
فاحْذَرْ كِبارَ بَنيهِمْ إنهمْ قُرُمٌ / وَاحْذَرْ صِغَارَ بَنيهمْ إنَّهم شَرَرُ
فالفيلَ تَقْتُلُه الأَفْعَى بِأَصْغَرِها / فيها ولم تخشَهُ منْ سِنِّها الصِّغَرُ
واضرِبهُم بَقَناً مثلِ الحديدِ بهمْ / فليسَ من غَيرِ ضَرْبٍ يَنْفَعُ الزُّبُرُ
ولا تَثِقْ بِوَفاءٍ مِنْ أَخِي حُمُقٍ / فالحُمْقُ دَاءٌ عَياءٌ بُرْؤُه عَسِرُ
مِنْ كلِّ مِنْ قَدْرُهُ في نَفْسِهِ أَبَداً / مُعَظَّمٌ وَهوَ عند الناسِ مُحْتَقَرُ
يَصُدُّ عنكَ إذَا استَغْنَى بِجانبِهِ / وَلا يَزُورُكَ إِلَّا حِينَ يَفْتَقِرُ
كأنَّه الدَّلوُ يعلو حينَ تَمْلَؤُهُ / ماءً وَيُفْرِغُ ما فيهِ فَيَنْحَدِرُ
وَالدَّهْرُ يَرْفَعُ أَطْرَافاً كما رَفَعَتْ / أَذْنَابَها لِقَضَاءِ الحاجَةِ البَقَرُ
حَسْبُ المَحَلَّةِ لَمَّا زال َ ناظِرُها / أن زَالَ مُذْ زَالَ عنها البُؤْسُ والضَّرَرُ
وَأنَّ أَعْمالَها لَمَّا حَللْتَ بها / تَغارُ مِنْ طِيبِها الجَنَّاتُ والنُّهُرُ
وأَهْلَهَا في أَمانٍ مِنْ مَساكِنِها / مِنْ فَوْقِهِمْ غُرَفٌ مِنْ تَحتِهِمْ سُرُرُ
مَلأتَ فِيها بُيُوتَ المَالِ مِنْ ذَهَبٍ / وَفِضَّةٍ صُبَراً يَا حَبَّذَا الصُّبَرُ
وَالمالُ يُجْنَى كما يُجْنَى الثمارُ بها / حتّى كأنَّ بَنِي الدُّنيا لها شَجَرُ
وتابَعَتْ بعضَها الغَلَّاتِ في سَفَرٍ / بعضاً إلَى شُوَنٍ ضاقَتْ بهاالخُدُرُ
وَسِيقَتِ الخَيْلُ لِلأَبْوَابِ مُسْرَجَةً / لَمْ تُحْص عَدَّاً وَتُحْصَى الأَنْجُمُ الزُّهُرُ
وَالهُجْنُ تَحْسِبُها سُحْباً مُفَوَّفَةً / في الحَقِّ منها فضاء الجَوِّ مُنْحَصِرُ
وكلُّ مُقْتَرَحٍ ما دارَ في خَلَدٍ / يأْتِي إليكَ به في وقتهِ القَدَرُ
وَما هَمَمْتَ بِأَمْرٍ غير مَطْلَبِهِ / إِلّا تَيَسَّرَ مِنْ أسبابهِ العَسِرُ
والعاملونَ عَلَى الأموال ما عَلِمُوا / مِنْ أيِّما جهة يأْتي وما شَعَرُوا
وما أُرَى بَيتَ مالِ المسلمينَ دَرَى / مِنْ أَيْنَ تأتي لهُ الأكياسُ وَالبِدَرُ
هذا وما أحَدٌ كلَّفْتَهُ شَطَطاً / بمَا فَعَلْتَ كأنَّ الناسَ قد سُحِروا
بل زَادَهم فيكَ حُبّاً ما فَعَلْتَ بهِم / مِنَ الجَمِيلِ وَذَنْبُ الحُبِّ مُغْتَفَرُ
فإنْ شَكَوْا بِغْضَةً مِمَّنْ مَضَى سَلَفَتْ / فما لِقَلْبٍ عَلَى البَغْضَاءِ مُصْطَبَرُ
فالصَّبْرُ مِنْ يَدِ مَنْ أَحْبَبْتَهُ عَسَلٌ / وَالشَّهْدُ مِنْ يَدِ مَنْ أَبْغَضْتَهُ صَبرُ
لقدْ جُبِلْتَ بمَكْروهٍ عَلَى أَحَدٍ / حُكْماً يُخَالِفُهُ نَصٌّ وَلا خَبرُ
رُزِقْتَ ذُرِّيَّةً ضاهَتْكَ طَيِّبَةً / مِنْ طِينَةٍ غارَ منها العَنْبَرُ العَطِرُ
فليَنهِكَ اليومَ منها الفضلُ حين غَدا / دينُ الإلهِ بِسَيْفِ الدِّينِ مُنْتَصِرُ
عَلَى صفاتِكَ دَلَّتْنا نَجَابَتُهُ / وَبانَ مِنْ أَيْنَ ماءُ الوَرْدِ يُعْتَصَرُ
مِيزانُهُ في التُّقَى مِيزَانُ مَعْدَلَةٍ / وَحِكْمَةٍ لا صَغىً فيها وَلا صِغرُ
مَشَى صِرَاطاً سَوِيَّاً مِنْ دِيَانَتِهِ / فما يَزالُ بِأمْرِ اللَّهِ يَأْتَمِرُ
تُرْضِيكَ في اللَّهِ أَعْمالٌ وَتُغْضِبُهُ / وَمَا بَدا لِيَ أَمْرٌ مِنْكُمَا نُكرُ
قالت ليَ النّاسُ ماذَا الخُلْفُ قلتُ لهمْ / كما تَخَالَفَ موسى قَبْلُ والخَضِرُ
أما عَصَى أَمْرَ عِنْدَ سَفْكِ دَمٍ / ما في شَرِيعَةِ موسى أنَّه هَدَرُ
وقد تعاطى ابنُ عَفَّانٍ لأُسرَتِهِ / وما تعاطَى أبو بَكْرٍ ولا عُمَرُ
ولَنْ يضِيرَ أُولي التَّقْوَى اختلافُهُم / وهم على فِطْرَةِ الإسلامِ قد فُطِرُوا
مُشَمِّرٌ في مَراعِي اللَّهِ مجتَهِدٌ / وبالعَفافِ وَتَقْوَى اللَّهِ مُؤتَزِرُ
زانَ اللَّياليَ وَالأَيّامَ إذْ بَقِيَتْ / كأنّها غُرَرٌ في إثْرِها طُرَرُ
وَقَعتُ بَينَ يَدَيْهِ مِنْ مَهابَتِهِ / وقالتِ الناسُ مَيْتٌ مَسَّهُ كِبَرُ
وَقَصَّرَتْ كلماتي عَنْ مَدَائِحهِ / وقد أتيتُ مِنَ الحالَيْنِ أعتَذِرُ
فاقبَل بِفَضْلِكَ مَدْحاً قد أَتَاكَ به / شيخٌ ضَعِيفٌ إلى تَقْصِيرِهِ قِصَرُ
فما عَلَى القَوْسِ مِنْ عَيْبٍ تُعَابُ به / إنِ انْحَنَتْ وَاستقامَ السَّهْمُ والوتَرُ
وَالْبَسْ ثَنَاءً أَجَادَتْ نَسْجَهُ فِكَرٌ / يَغَارُ في الحُسْنِ منه الوشْيُ والحِبَرُ
مِنْ شاعرٍ صادِقٍ ما شانهُ كَذبٌ / فيما يقولُ وَلا عِيٌّ وَلا حَصَرُ
يَهِيمُ في كلِّ وَادٍ منْ مدائِحِهِ / عَلَى معانٍ أَضَلَّتْ حُسْنَها الفِكَرُ
لا يَنْظِمُ الشِّعْرَ إِلَّا في المَديحِ وَما / غيرُ المديحِ لُهُ سُؤْلٌ وَلا وَطَرُ
ما شاقَهُ لِغَزالٍ في الظّبا غَزَلٌ / وَلا لِغانِيَةٍ في طَرفِها حَوَرُ
مَديحُهُ فيكَ حرٌّ لَيسَ يَملِكُهُ / منَ الجَوائِزِ أثَمَانٌ وَلا أُجرُ
إنَّ الأَديبَ إذا أهْدَى كَرَائِمَهُ / فَقَصْدُهُ شَرَفُ الأنسابِ لا المَهرُ
تبّاً لِقَوْمٍ قدِ اسْتَغْنَوا بِما نَظَموا / مِنِ امْتِدَاحِ بَني الدُّنْيا وَما نَثَرُوا
فَلَوْ قَفَوْتُ بأَخْذِ المالِ إثرَهم / لَعَوَّقَتْني القَوافِي فيكَ والفِقَرُ
خَيْرٌ مِنَ المال عِنْدِي مَدْحُ ذِي كَرَمٍ / ذِكْرِي بِمَدْحِي لهُ في الأرضِ يَنْتَشِرُ
فالصُّفْرُ مِنْ ذَهَبٍ عِنْدِي وإنْ صفِرَتْ / يَدِي وَإنْ غَنِيَتْ سِيَّان والصُّفُرُ
بَقِيتَ ما شِئْتَ فيما شِئْتَ مِنْ رُتَبٍ / عَلِيَّةٍ عُمُرُ الدُّنيا بِها عَمِرُوا
وَبَلَّغَتْكَ اللّيالِي ما تُؤَمِّلُهُ / وَلا تَعَدَّتْ إلَى أَيَّامِكَ الغِيَرُ
وَقد دَعَتْ لكَ منِّي كُلُّ جَارِحَةٍ / وبالإِجابَةِ فَضْلُ اللَّهِ يُنْتَظَرُ
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمَانِ يُجِيرُ
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمَانِ يُجِيرُ / وَبِشْرُكَ لِلرَّاجِي نَداكَ بَشِيرُ
فَضَلْتَ بَنِي الدُّنيا فَفَضلُكَ أَوَّلُ / وَأَوَّلُ فضلِ الأَوَّلِينَ أخِيرُ
وَأنتَ هُمَامٌ دَبَّرَ المُلْكَ رَأْيُهُ / خَبِيرٌ بِأحْوَالِ الزَّمَانِ بَصِيرُ
إذَا المَلِكُ المَنْصُورُ حَاوَلَ نَصْرَهَ / كَفَى المَلِكَ المَنْصُورَ منك نَصِيرُ
فلا تُنسِهِ الأَيَّامُ ذِكْرَكَ إنَّهُ / به فَرِحٌ بينَ الملوكِ فخُورُ
إذا مَرَّ في أَرْضٍ بِجَيْشٍ عَرَمْرَم / تكادُ لهُ أُمُّ النُّجُومِ تَمُورُ
وَتَحْسِبُهُ قد سارَ يَرْمِي بُرُوجَهَا / بِخَيْلٍ عليها كالبروجِ يُغيرُ
وَما قَلْبُها مِمَّا يَقَرُّ خُفُوقُهُ / وَلا طَرْفُها حتى يعودَ قَرِيرُ
سواءٌ عليه خَيْلُهُ وَرِكابُهُ / وَسَرْجٌ إذا جابَ الفَلاةَ وَكُورُ
لقد جَهِلَتْ دَاوِيَّةُ الكُفْرِ بَأسَهُ / وَغَرَّهُم بالمسلمينَ غَرورُ
فلا بُورِكُوا مِنْ إِخْوَةٍ إنَّ أُمَّهُمْ / وَإنْ كَثُرَتْ منها البَنُونَ نَزُورُ
فَإنْ غَلُظَتْ مِنْهُمْ رِقَابٌ لِبُعْدِهِ / فَما انْحَطَّ عَنْها لِلْمَذَلَّةِ نِيرُ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أنَّا نُواصِلُ إنْ جَفَوا / وَأنَّا على بعد المزار نَزُورُ
يَظُنُّونَ خَيْلَ المُسلمينَ يَصُدُّها / عَنِ العَدْوِ في أرضِ العَدُوِّ دُحُورُ
أما زُلْزِلَتْ بالعادياتِ وَجاءها / مِنَ التُّرْكِ جَمٌّ لا يُعَدُّ غَفِيرُ
أتَوْا بِطِمرَّاتٍ مِنَ الجُرْدِ سُيِّرَتْ / وَرَجْلٍ لهُمْ مِثْلُ الجَرادِ طُمُورُ
فَلَمْ يَرْقُبوا مِنْ صَرْحٍ هامانَ مَرْقَباً / بهامَتِهِ بَرْدُ السَّحابِ بَكُورُ
وصُبَّ عليهم عارضٌ مِنْ حِجَارةٍ / ونَبْلٍ وكُلٌّ بالعَذابِ مَطِيرُ
وسامُوهُ خَسْفاً مِنْ ثُقُوبٍ كأنَّها / أثافٍ لها تلْكَ البُرُوجُ قُدُورٌ
فَذاَقُوا به مُرَّ الحِصَارِ فأصْبَحُوا / لهم ذلك الحِصْنُ الحَصِينُ حَصِيرُ
يَصِيحونَ أعلى السُّورِ خوْفاً كصافِنٍ / نَفَى عنه نَوْمَ المُقْلَتَيْنِ صَفِيرُ
وماذا يَرُدُّ السُّورُ عنهم وخلفَهُ / مِنَ الخَيْلِ سُورٌ والصَّوارِمِ سُورُ
فلما أحَسُّوا بَأْسَ أغْلَبَ هِمَّةً / غَدُوٌّ إليهم بالرَّدَى وبَكُورُ
دعَوْهُ وشمْلُ النَّصْرِ منهم مُمَزَّقٌ / أماناً وجلْبابُ الحياةِ بَقِيرُ
أعارَهُمُ افْرَنْسِيسُ تِلْكَ وَسِيلَةً / رأى مُسْتَعيراً غِبَّها وسَعيرُ
فَدَى نفسَهُ بالمالِ والآلِ وَانثَنَى / تَطِيرُ به مِنْ حيثُ جاءَ طُيُورُ
فلا تَذْكُرُوا ما كانَ بالأمْسِ منهمُ / فذاكَ لأَحْقادِ السُّيُوفِ مُثِيرُ
فلو شاءَ سُلْطَانُ البَسِيطَةِ ساقَهُمْ / لِمِصْرٍ وتَحْتَ الفارِسَيْنِ بَعِيرُ
تُبَشّرُ مِصْر دائماً بِقُدُومِهِمْ / إذا فَصَلَتْ منهم لِغزَّة عِيرُ
تَسُرُّهُمْ عند القُفولِ بِضاعَة / وَتَحْفَظُ منهمْ إِخْوَةً وَتَمِيرُ
ولو شاءَ مَدَّ النِّيلَ سَيْلُ دمائِهِمْ / وَزَفَّتْ نُحُورٌ ماءَهُ وسُحُورُ
بِعِيدٍ كَعِيدِ النَّحْرِ يا حُسْنَ ما يُرَى / به مِنْ عُلوجٍ كالعُجُولِ جَزُورُ
وَلكنَّه مِنْ حِلمِهِ وَاقتِدَارِهِ / عَفُوٌّ عَنِ الذَّنْبِ العظيم غفورُ
وَلَمْ يُبْقِهِمْ إِلَّا خَمِيراً لِمِثْلِها / مَلِيكٌ يَجُبُّ الرَّأْيَ وَهْوَ خَبِيرُ
يَرَى الرَّأْيَ مُزَّ الرَّاحِ يهْوَى عَتيقهُ / وَيَكْرَهُ منه الحُلْوُ وَهْوَ عَصِيرُ
فَوَلَّوْا وَسوءُ الظَّنِّ يَلْوِي وُجُوهَهُمْ / فَتَحْسِبُها صُوراً وما هِيَ صُورُ
وقد شَغَرَتْ مِنهمْ حُصونٌ أَواهِلٌ / وما راعها مِنْ قبل ذاك شُغُورُ
فللَّهِ سلطانُ البسيطَةِ إنَّهُ / مَليكٌ يَسِيرُ النَّصْرُ حيثُ يسيرُ
ويُغْمِدُ في هامِ الملوكِ حُسامَهُ / ويَرْهَبُ منْ هامِ المُلوكِ غَفيرُ
ويَجْمَعُ مِنْ أَشْلائِهِمْ مُتَفَرِّقاً / بِصارِمهِ جَمْعَ الهَشِيم حَظيرُ
فَأَخْلِقْ بأنْ يَبْقَى وَيَبْقَى لِمُلْكِهِ / ثَناءٌ حَكاهُ عَنْبَرٌ وعَبيرُ
وتأتيه خَيْلُ اللَّهِ من كَلِّ وِجْهَةٍ / يُؤَيَّدُ منها بالنفيرِ نفيرُ
وَيَحْمِلَ كَلَّ المُلْكِ عنه وإصْرَهُ / حَرِيٌّ بِتَدْبيرِ الأُمورِ جَدِيرُ
أَخُو عَزَماتٍ فالبَعِيدُ منَ العُلا / لَدَيْهِ قرِيبٌ والعسيرُ يَسيرُ
تَكادُ إذا ما أُبْرِمَت عَزَماتُهُ / لها الأرضُ تُطْوَى وَالجِبالُ تَسيرُ
دَعَانِي إلَى مَغْنَاهُ داعٍ وَليسَ لِي / جَنانٌ عَلَى ذاكَ الجَنابِ جَسورُ
فقلتُ له دَعْنِي وَسَيْرِي لِماجِدٍ / لَهُ اللَّهُ في كُلِّ الأُمورِ يُجِيرُ
إذا جِئْتُهُ وَحْدِي يقُومُ بِنُصْرَتي / قبائلُ مِنْ إقبالِهِ وعَشيرُ
فَتىً أَبْدَتِ الدُّنيا عواقِبَها لَهُ / وَأَفْضَتْ بما فيها لَدَيْهِ صُدُورُ
فَغَفْلَتُهُ مِنْ شدَّةِ الحَزْمِ يَقْظَةٌ / وَغَيْبَتُهُ عَمَّا يُريدُ حُضورُ
وما كلُّ فضلٍ فيه إِلَّا سَجِيَّةٌ / يُشاركُ فيها ظاهرٌ وضميرُ
فليس له عندَ النَّزالِ مُحَرِّضٌ / وليس له عند النَّوالِ سفيرُ
هُوَ السَّيْفُ فاحذرْ صَفْحَةً لِغِرَارِهِ / فَبَيْنَهُما لِلَّامِسِينَ غُرورُ
مَهيبٌ وَهوبٌ لِلْمُحاوِلِ جُودَهُ / جَوادٌ ولِلَّيثِ الهَصُورِ هَصُورُ
إشاراتُهُ فيما يَرومُ صَوارمٌ / وساعاتُهُ عما يَسَعْنَ دُهُورُ
إذا هَجرَ الناسُ الهجيرَ لكَرْبِهِمْ / يَلَذُّ لهُ أَنَّ الزَّمانَ هَجيرُ
وَهلْ يَتَّقِي حَرَّ الزَّمانِ ابنُ غادَةٍ / جَليلٌ عَلَى حَرِّ الزَّمانِ صَبُورُ
يُحاذِرُهُ المَوْتُ الزُّؤَامُ إذا سطا / ولكنه مِنْ أنْ يُلامَ حَذُورُ
وتَسْتَهْوِنُ الأهوالَ في المَجْدِ نَفْسُهُ / وَتَسْتَحْقِرُ المَوْهُوبَ وهْوَ خَطيرُ
مَكَارِمُهُ لَمْ تُبْقِ فَقْراً ورَأْيُهُ / إلى بعضِه أغنَى الملوكِ فقيرُ
كَفَتْهُ سُطاهُ أَنْ يُجَهِّزَ عَسْكَراً / وآراؤُهُ أَنْ يُسْتَشارَ وَزِيرُ
فواطَنَ أَطْرافَ البَسِيطَةِ ذِكْرُهُ / وصِينَتْ حُصُونٌ باسمِهِ وثُغُورُ
مُحَيَّاهُ طَلْقٌ باسِمٌ رَوْضُ كَفِّهِ / أرِيضٌ وَماءُ البِشْرِ منه نمِيرُ
حَكَى البحرَ وصْفاً مِنْ طهارَةِ كَفِّهِ / فقيل لهُ مِنْ أَجْلِ ذاك طَهُورُ
وَما هُوَ إِلَّا كِيمياءُ سعادةٍ / وَوَصْفِي لتلكَ الكِيمياء شُذُورُ
بها قامَ شِعْرِي لِلْخَلاصِ فما أَرَى / لِشِعْرِي امْتِحانَ الناقِدِينَ نَصيرُ
وَرُبَّ أَدِيبٍ ذِي لِسانٍ كَمِبْرَدٍ / بَدَا مِنْ فَمٍ كالكِيرِ أَوْ هُوَ كِيرُ
أَرادَ امْتحاناً لِي فَزَيَّفَ لَفْظَهُ / نَتانٌ بَدَا مِنْ نَظْمِهِ وخَرِيرُ
إذَا ما رَآني عَافَنِي وَاسْتَقَلَّنِي / كأنِّيَ في قَعْرِ الزُّجَاجَةِ سُورُ
وَيُعْجِبُهُ أَنّي نَحِيفٌ وأَنّه / سَمِينٌ يَسُرُّ الناظِرينَ طَرِيرُ
وَلَمْ يَدرِ أَنَّ الدُّرَّ يَصْغُرُ جِرْمُهُ / وَمقدارُهُ عند الملوكِ خطيرُ
فقامَ بِنَصْرِي دونَهُ ذَو نَباهَةٍ / حَلِيمٌ إذا خَفَّ الحَلِيمُ وَقُورُ
وَلا جَوْرَ في أحْكَامِهِ غَيْرَ أَنه / عَلَى الخائِنِينَ الجَائرِينَ يَجُورُ
فلا تنْظُرِ العُمَّالُ لِلْمالِ إنَّهُ / عَلَى بَيْتِ مالِ المُسْلِمينَ غَيُورُ
وأنَّ عَذابَ المُجْرِمِينَ بِعَدْلِهِ / طويلٌ وعُمْر الخائِنِينَ قَصِيرُ
له قَلَمٌ بالبأْس يَجْرِي وَبالنَّدَى / فَفِي جانِبَيْهِ جَنَّةٌ وَسَعِيرُ
تُحَلِّي الطَّرُوسَ العاطِلات سطورُها / كما تَتحلَّى بالعُقُودِ نُحُورُ
أُجَلّي لِحَاظِي في خمائِلِ حُسْنِهِ / فَمِنْ حَيْرَةٍ لَمْ تَدْرِ كيفَ تَحُورُ
عَلا بعضُهُ في القَدْرِ بعضاً كما علا / مَعَ الحُسْنِ زَهْرٌ في الرِّياضِ نَضِيرُ
حَكَى حَسَناتٍ في صحائِفِ مُؤْمِنٍ / يُسَرُّ كَبِيريٌّ بها وَصَغِيرُ
فكانتْ شُكُولاً منه زانَتْ حروفُهُ / حِساباً قَلَتْ منه الصِّحاحَ كُسورُ
فقلتُ وَقد راعَتْ بِفَصْلِ خِطَابِهِ / وراقَتْ عُيُونَ الناظِرِينَ سُطُورُ
لَئِن جاءَهُم كَالغيثِ مِنهُ مُبَشِّراً / فَقَد جاءَهُم كَالموتِ مِنهُ نَذيرُ
فوَيْلٌ لِقَوْمٍ مِنْ يَراعٍ كأنّه / خِلالٌ يَرُوعُ الأُسْدَ منه صَرِيرُ
وَلِمْ لا وَآسادُ العرِينِ لِداتُهُ / يَكُونُ له مثلُ الأسودِ زَئيرُ
يَغُضُّ لَدَيْهِ مُقْلَتَيْهِ ابنُ مُقْلَةٍ / كما غضَّ مَنْ فِي مُقْلَتَيْهِ بُثُورُ
وَأَنَّى لُهُ لو نالَهُ مِنْ تُرابِهِ / ليَكْحَلَ منه مُقْلَتَيْهِ ذَرُورُ
وَقد كَفَّ عنْ كوفِيَّةٍ كَفَّ عاجِزٍ / وفيه نَظِيمٌ دُرُّهُ ونَثِيرُ
وَوَدَّ العَذارَى لوْ يُعَجِّلُ نِحْلةً / إليهنَّ مِنْ تلكَ الحُروفِ مُهُورُ
رَأَى ما يَرُوقُ الطَّرْفَ بلْ ما يَرُوعُهُ / فَخَارَ وَذُو القَلْبِ الضعيفِ يَخُورُ
بَنى ما بَنَى كِسْرَى وعادٌ وَتُبَّعٌ / وليسَ سواءً مُؤْمِنٌ وَكَفُورُ
ودَلَّ على تَقْوَى الإلهِ أَساسُهُ / كما دَلَّ بالوادي المُقَدَّسِ طُورُ
حِجازِيَّةُ السُّحْبِ الثِّقالِ يَسُوقُها / عَلَى عَجَلٍ سَوْقاً صَباً وَدَبُورُ
ومنها نُجومٌ في بُروجِ مَجَرَّةٍ / عَلَى الأرضِ تَبْدُو تارَةً وتَغُورُ
تَضِيقُ بها السُّبلُ الفِجَاجُ فلا يُرَى / بها للرِّياحِ العاصفاتِ مَسيرُ
فكَمْ صَخْرَةٍ عاديَّةٍ قَذَفَتْ بها / إليه سُهُولٌ جَمَّةٌ وَوُعُورُ
وَمنْ عُمُدٍ في هِمَّةِ الدَّهرِ قُوَّةٌ / وَفي باعِهِ مِنْ طُولِهنَّ قُصُورُ
أَشارَ لها فانْقادَ سَهْلاً عَسِيرُها / إليه وَما أَمْرٌ عليه عسيرُ
أَتَتْهُ بِها أَنْدَى الرِّياحِ وَدونَ مَا / أَتَتْهُ بها أَنْدَى الرِّياحِ ثَبِيرُ
وما كانَ لَولا ما لَهُ مِنْ كَرَامَةٍ / لِيَأْتِينَا بالمُعْجِزاتِ أَميرُ
لِما فيه مِنْ تَقْوَى وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ / بِحُرِّ مَبَانِيهِ الثَّلاثُ تُشِيرُ
فَمِئْذَنَةٌ في الجوِّ تُشْرِقَ في الدُّجَى / عليها هُدىً لِلْعَالمينَ وَنُورُ
وَمِنْ حَيْثُمَا وَجَّهْتَ وَجْهَكَ نَحْوَها / تَلَقَّتْكَ مِنها نَضْرَةٌ وسُرُورُ
يَمُدُّ إليها الحاسدُ الطَّرْفَ حَسْرَةً / فَيَرْجِعُ عنها الطَّرْفُ وهْوَ حَسيرُ
فكَمْ حَسَدَتْها في العُلُوِّ كواكبٌ / وغارَتْ عليها في الكمالِ بُدُورُ
إذا قامَ يَدْعُو اللَّه فيها مُؤَذِّنٌ / فما هُوَ إِلَّا للنُّجومِ سَمِيرُ
فللنَّاسِ مِنْ تذكارِهِ وأذانِهِ / فَطُورٌ عَلَى رَجْعِ الصَّدَى وَسَحُورُ
وقُبَّةُ مارستانَ ليسَ لِعِلَّةٍ / عليه وإن طالَ الزَّمانَ مُرُورُ
صَحِيحُ هَواءٍ للنُّفوسِ بِنَشْرِهِ / مَعادٌ وَلِلعَظْمِ الرَّمِيمِ نُشُورُ
يَهُبُّ فَيَهْدِي كلَّ رُوحٍ بِجِسْمِهِ / كأنَّ صَباهُ حِينَ يَنْفُخُ صُورُ
فَلَو تَعْلَمُ الأجسامُ أن تُرابَهُ / مِهادُ حَياةٍ لِلْجُسومِ وَثيرُ
لَسَارَتْ بِمَرْضاها إليهِ أسِرَّة / وصارتْ بموْتاها إليهِ قُبُورُ
وما عادَ يُبلِي بعدَ ذلك مَيِّتاً / ضَرِيحٌ وَلا يَشْكُو المَرِيضَ سَرِيرُ
بِجَنَّتِهِ وُرْقٌ تُراسِلُ ماءَهُ / يَشُوقُ هَدِيلٌ منهما وَهَدِيرُ
وَقد وَصَفَتْ لِي الناس منها عَجائِباً / كأَوْجُهِ غِيدٍ ما لَهُنَّ سُفُورُ
محاسِنها اسْتَدْعَتْ نَسِيبِي ومَا دَعَا / نَسِيبِي غزالٌ قبلَ ذاك غرِيرُ
وباتَ بها قَلْبي يُمَثِّلُ حُسْنَها / لِعَيْنِي وَنَوْمِي بالسُّهادِ غَزِيرُ
وَلا وَصْفَ إِلَّا أنْ يَكُونَ لِواصِفٍ / وُرُودٌ عَلَى مَوْصُوفِهِ وصُدُورُ
بَدَتْ فَهْيَ عندَ الصَّالِحِيَّةِ جِلَّقٌ / وفي تلْكَ جَنَّاتٌ وتلكَ قُبُورُ
وَلَو فَتَحَت أَبْوابَها لَتَبَادَرَتْ / مِنَ الدُّرِّ وِلدانٌ إلَيْهِ وحُورُ
ومَدْرَسَةٌ وَدَّ الخَورْنَقُ أَنّه / لَدَيْهَا حَظِيرٌ والسَّدِيرُ غَدِيرُ
مَدِينَةُ عِلمٍ وَالمَدَارِسُ حَوْلَها / قُرىً أَوْ نُجُومٌ بَدْرُهُنَّ مُنِيرُ
تَبَدَّتْ فأَخْفَى الظَّاهِرِيَّةَ نُورُها / وليسَ بِظُهْرٍ للنُّجُومِ ظُهورُ
بِناءٌ كَأنَّ النَّحلَ هَندَسَ شَكلَهُ / وَلانَت لَهُ كَالشَّمعِ مِنهُ صُخورُ
بَناها حَكِيمٌ لَيْسَ في عَزَماتِهِ / فتُورٌ وَلا فيما بناه فُتُورُ
بَناها شَدِيدُ البَأْسِ أَوْحَدُ عَصْرِهِ / خَلَتْ حِقَبٌ مِنْ مِثْلِهِ وعُصُورُ
فما صَنَعَتْ عادٌ مَصانِعَ مِثلَهُ / وَلا طاوَلَتْهُ في البِناءِ قُصُورُ
ثَمَانِيَةٌ في الجَوِّ يَحْمِلُ عَرْشَها / وبعضٌ لبعضٍ في البناءِ ظَهيرُ
يَرَى مَنْ يَراها أَنَّ رافِعَ سَمْكهَا / عَلَى فِعْلِ ما أعْيا المُلوكَ قَدِيرُ
وَأَنَّ مَناراً قائماً بإزائها / بَنانٌ إلى فضلِ الأَمِيرِ تشيرُ
كَأَنَّ مَنارَ اسْكَنْدَرِيَّةَ عنده / نَواةٌ بَدَتْ والبابُ فيهِ نَقِيرُ
بناها سعيدٌ في بِقاعٍ سعيدَةٍ / بها سَعِدَتْ قَبْلَ المَدَارِسِ دُورُ
إذا قامَ يَدْعو اللَّهَ فيها مُؤَذِّنٌ / فما هُوَ إِلَّا للنُّجُومِ سَمِيرُ
فصارتْ بُيوتُ اللَّهِ آخِرَ عُمْرِهَا / قُصُورٌ خَبَتْ مِنْ سادةٍ وخُدُورُ
ذَكَرْنا لَدَيْهَا قُبَّةَ النَّسْرِ مَرَّةً / فما كادَ نَسْرٌ لِلْحَياءِ يَطِيرُ
فإنْ نُسِبَتْ لِلنَّسرِ فالطائرُ الَّذي / لَهُ في البُروجِ الثَّابِتاتِ وُكُورُ
وإِلَّا فَكَمْ في الأرضِ قد مالَ دونَها / إلى الأرضِ عِقْبَانٌ هَوَتْ ونُسُورُ
تَبيَّنتُ في مِحرابِها وَهْيَ كالدُّمَى / قُدُودَ غَوانٍ كُلُّهُنَّ خُصُورُ
وقد حُلِّيَتْ منها صُدُورٌ بِعَسْجَدٍ / وَلُفَّتْ لَها تَحْتَ الحُلِيِّ شُعُورُ
بها عُمُدٌ كاثَرْنَ أيَّامَ عامِها / وَمِنْ عامِها لَمْ يَمْضِ بعدُ شُهُورُ
مَبانٍ أبانَتْ عَنْ كمالِ بِنائِها / وأَعْرَبَ عَنْ وَضْعِ الأَساسِ هَتُورُ
سَمَاوِيَّةٌ أَرْجَاؤُها فكأَنَّها / عليها من الوَشْيِ البَديعِ سُتُورُ
تَوَهَّمَ طَرْفِي أَنَّ تَجْزِيعَ بُسْطِها / رُقُومٌ وَتَلْوِينَ الرُّخامِ حَريرُ
وكم جَاوَزَ الإِبْدَاعُ في الحُسْنِ حَدَّهُ / فَأَوْهَمَنا أَنَّ الحَقيقَةَ زُورُ
فَللَّهِ يَوْمٌ ضَمَّ فيه أَئمَّةً / تَدَفَّقَ منهم لِلعلومِ بُحورُ
وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّةٍ / عَلَى النَّاسِ مِنْ لَفْظِ الكلامِ تُديرُ
وقد أَعْرَبَتْ للنّاسِ عَنْ خَيْرِ مَوْلِدٍ / عَرُوبٌ به والفضلُ فيه كثيرُ
فأَكْرِمْ بِيَوْمٍ فيه أَكْرَمُ مَوْلِدٍ / لأَكْرَمِ مَوْلُودٍ نَمَتْهُ حُجُورُ
يُطالِعُهُ للمسلمينَ مَسَرَّةٌ / ولكِنْ به للكافِرينَ ثُبورُ
قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبَدَّلٍ / فغارَتْ أناجيلٌ وغارَ زَبُورُ
وَثَنَّتْ بأخبارِ النبيِّ رُواتها / وكلّ بأخْبَارِ النبيِّ خَبِيرُ
وثَلَّثَ يدعو اللَّهَ فيها مُوَحِّدٌ / ذَكُورٌ لِنَعْمَاءِ الإِلهِ شَكُورُ
وما تلكَ للسلطانِ إِلَّا سعادَةٌ / يَدُومُ لهُ ذِكْرٌ بها وأُجُورُ
دَعاها إليه وافِرُ الرَّأْي والحِجَا / يَزِينُ الحِجَى والرَّأْيُ منهُ وَقُورُ
فَهَلْ في مُلوكِ الأرضِ أَوْ خُلفائها / لهُ في الّذِي شادتْ يَداهُ نَظِيرُ
عَلَى أَنَّهم في جَنْبِ ما شادَ مِنْ عُلاً / ولو كانَ كالسَّبْعِ الطِّباقِ حَصيرُ
ذُو يَراعٍ يَرُوعُ كَالسَّيْفِ إمَّا
ذُو يَراعٍ يَرُوعُ كَالسَّيْفِ إمَّا / بصَليلٍ عِداهُ أَوْ بِصَرِيرِ
ما رَأَى الناسُ قَبْلَهُ مِنْ يَراعٍ / لِوَزِيرٍ صَريرُهُ كالزَّئيرِ
فإذا سَطَّرَ الكتابَ أَرانا / بَحْرَ فضلٍ أمواجُهُ مِنْ سُطورِ
وإذا استخرجوهُ يَسْتَخْرجُ الدُّر / رَ نَفِيساً مِنْ بَحْرِهِ المَسْجورِ
نَظَرَتْ مُقْلَتِي إليهِ كأنّي / ناظِرٌ في بَدِيعِ زَهْرٍ نَضِيرِ
ثم شَرَّفْتُ مسْمَعِي بِتُؤَامٍ / وَفُرادَى مِنْ دُرِّهِ المَنثُورِ
لا تُطاوِلْهُ في الفخارِ فما غا / دَرَ في الفَخْرِ مُرْتَقَىً لِفَخُورِ
ذِكْرُهُ لَذَّةُ المَسامِعِ فاسْتَمْ / تِع به مِنْ لِسانِ كلِّ ذَكُورِ
ثَمَّ مَعْنىً وصورَةً فَهْوَ في الحا / لَيْنِ مِلْءُ العُيونِ مِلءُ الصُّدورِ
زُرْتُ أَبْوَابَهُ التي أَسْعَدَ الل / هُ بها كلَّ زائرٍ ومَزُورِ
كلُّ مَنْ زارَها يَعُودُ كما عُدْ / تُ بِفَضْلٍ مِنها وَأَجْرٍ كثيرِ
وَكَفانيَ سَعْيِي إليها لأُهْدَى / مِنه بالرُّشْدِ في جميع الأُمورِ
إنَّ مَنْ دَبَّرَ المَمالِكَ لا يَعْ / زُبُ عَنْ حُسْنِ رَأْيهِ تَدْبيرِي
كانَ رِزْقِي مِنْ جَدِّهِ وأبيه / أَيَّ رِزْقٍ مُيَسَّرٍ مَوْفورِ
وَإذا كانَ مِثْلُ ذَاك على الوا / رِثِ إنيَ عَبْدٌ لِعَبْدِ الشَّكُورِ
فارِسِ الخَيلِ العالِمِ العامِلِ ال / حبرِ الهمامِ الحُلاحِلِ النِّحْرِيرِ
لَمْ يَزَلْ مِنْ عُلومِهِ وَتُقاهُ / بين تاجٍ مِنْ سُؤدُدٍ وسَريرِ
أبَداً بِالصَّوابِ يَنْظُرُ في المل / كِ وَفي بَيتِ مالِهِ المَعْمُورِ
فَغَدا الجُنْدُ والرَّعِيَّةُ والما / لُ بخيرٍ مِنْ سَعْيهِ المَشْكُورِ
فأقَلَّ الأجنادِ في مصرَ يُزْرِي / مِنْ بِلادِ العِدا بأَوْفَى أمِيرِ
قُلْ لِمَنْ خابَ قَصْدُهُ في جميعِ ال / نَاسِ مِنْ آمِرٍ وَمِنْ مَأْمُورِ
يَمِّمِ الصاحِبَ الذِي يُتَرَجَّى / فَتْحُ ثَغْرٍ بهِ وسَدُّ ثُغُورِ
وَبَعِيدُ الأُمورِ مِثْلُ قَرِيبٍ / عندهُ وَالعسيرُ مِثْلُ يَسيرِ
آه مِمَّا لَقِيتُ مِنْ غَيْبَتِي عَن / هُ ومِنْ نِسْبَتِي إِلى التَّقْصِيرِ
كَثُرَ الشَّاهِدُونَ لِي أَنَّني مت / تُ وفي البُعدِ عنه قَلَّ عَذِيرِي
مَنْ لِشَيْخٍ ذِي عِلَّةٍ وعِيالٍ / ثَقَّلَتْ ظَهْرَهُ بِغَيرِ ظَهيرِ
أَثْقَلُوهُ وَكَلَّفوهُ مَسيراً / ومِنَ المُسْتَحيلِ سَيْرُ ثَبيرُ
فَهْوَ في قيدِهِمْ يُذادُ مِنَ السع / يِ لِتحصيلِ قُوتِهِمْ كالأَسيرِ
وعَتَتْ أُمُّهُمْ عليَّ وَلَجَّتْ / في عُتُوٍّ مِنْ كَبْرَتِي ونُفُورِ
وَدَعَتْ دونَهُمْ هَنالِكَ بِالوي / لِ لأَمْرٍ في نَفْسِها والثُّبورِ
حَسِبَتْ عِلَّتِي تَزُولُ فقالتْ / يا كَثِيرَ التَّهْوينِ وَالتَّهْوِيرِ
كُلُّ داءٍ لهُ دواءٌ فَعَجِّلْ / بَمُداوَاةِ داءِ عُضْوٍ خَطِيرِ
قُلْتُ مَهْلاً فما بِمِلحِ السَّقَنْقُو / رِ أُدَاوِي وَلا بِلَحْمِ الذُّرورِ
سَقَطَتْ قُوَّةُ المَرِيضِ التِي كا / نَتْ قديماً تُزادُ بالكافُورِ
وعَصانِي نَظْمُ القَرِيضِ الذي جَر / رَ ذُيُولاً عَلَى قَرِيضِ جَرِيرِ
وَازْدَرَتنِي بعضُ الوُلاةِ وقدْ أَص / بَحَ شِعْرِي فيهمْ كَخُبْزِ الشَّعِيرِ
وغَسَلْتُ الذي جَمَعْتُ مِنَ الشع / رِ بِفَيْضٍ عليه غسْلَ صُخورِ
ونَهَتْنِي عَنِ المَسِيرِ إليهمْ / شِدَّةُ البَأْسِ مِنْ سَخاً في مَسِيرِ
وَهَجَرْتُ الكِرامَ حتى شَكانِي / منهمُ كلُّ عاشِقٍ مَهْجورِ
وَكَزُغْبِ القَطا وَرائِي فِراخ / مِنْ إناثٍ أعُولُهُمْ وذُكُورِ
يَتَعاوَوْنَ كالذِّئَابِ وَيَنْقَض / ضونَ مِنْ فَرْطِ جُوعِهِمْ كالنُّسُورِ
وَفَتاةٍ ما جُهِّزَتْ بِجهازٍ / خُطِبَتْ للِدُّخولِ بعدَ شُهورِ
وَاقْتَضَتْنِي الشِّوارَ بَغْياً عَلَى مَنْ / بيتُهُ ليسَ فيهِ غير حَصِيرِ
هِذهِ السُّورَةُ التي أقْعَدَتْني / عنك آياتُها قُعُودَ حَسيرِ
أقْعَدَتْنِي بِقَريَةٍ أسْلَمَتْنِي / لِضَياعٍ مِنْ فاقَتِي وكُفُورِ
كلُّ يَوْمٍ مُنَغَّصٌ بٍطَعامٍ / أوْ رَفِيقٍ مُنَغِّصٍ بشُرُورِ
ورِفاقِي فِي خِدْمَةٍ طُولَ عُمْرِي / رِفْقَتي في الحِرانِ مثْلُ الحَميرِ
كلَّما رُمْتُ أُنْسَهُم ضَرَبُوا / مِنْ وَحْشَةٍ بينهُمْ وَبَيْنِي بِسُورِ
وأَبَوْا أنْ يُساعِدُونِي عَلَى قُو / تِ عِيالِي بُخْلاً بِكَيْلِ بَعِيرِ
فَسَيُغْنِيني الإلهِ عنهمِ بِجَدْوَى / خيْرِ مَولىً لَنا وخيرِ نَصِيرِ
صاحِبٌ يَبْلُغُ المُؤَمِّلُ منهُ / كلَّ ما رامَهُ بِغَيرِ سَفِيرِ
مِنْ أُناسٍ سادوا بَنِي الدِّينِ والدُّن / يا فما في الوَرَى لهُمْ مِنْ نَظِيرِ
سَرَّتِ الناظِرِينَ منهم وجوهٌ / وُصِفَتْ بالجَمالِ وَصْفَ البُدُورِ
وَرِثُوا الأرضَ مثلَ ما كَتَبَ الل / هُ تعالَى في الذِّكْرِ بعد الزَّبورِ
فَهُمُ القائمونَ في الزَّمَنِ الأو / وَلِ بالقِسْطِ وَالزَّمانِ الأخِيرِ
وَهُم المُؤْمِنُونَ والوارِثُوا الفِرْ / دوسِ والمُفْلِحُونَ في التفسيرِ
عَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لهُ الدّي / نَ لِما في قلوبِهِمْ مِنْ نورِ
وأَحَبُّوا آلَ النبيِّ فكانوا / معهم في مَغِيبِهِمْ وَالحُضورِ
في مَقامٍ منَ الصَّلاحِ وَأمْنٍ / وَمقامٍ مِنَ النَّعِيمِ وَثيرِ
أَهْلُ بيتٍ مُطَهَّرينَ مِنَ الرِّجْ / سِ وَهُمْ أَغْنِيا عنِ التَّطْهِيرِ
حُجِبُوا بالأثاثِ عَنَّا وبالزي / يِ وأَخْفَوْا جَمَالَهمْ بالخُدُورِ
لَبِسُوا الزِّيَّ بالقلوبِ وَأَغْنَوْا / صِدْقَهُم عَنْ لِباسِ ثَوبَي زُورِ
وَأرَوْنا أهلَ التُّقَى في الزَّوايا / سَلَّمُوا في البَقا لأَهْلِ القُصُورِ
وأَتَوْا كلُّهُمْ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ / وأَتَى غيرُهمْ بِثَوْبٍ نَقيرِ
وحَكَتهُم ذُرِّيَّةٌ كالدَّرَارِي / مِنْ بُطُونٍ زَكِيَّةٍ وظُهورِ
يُطْعِمُونَ الطَّعامَ لا لِجَزاءٍ / يَتَرَجَّوْنَهُ وَلا لِشُكورِ
عَلِمَ اللَّهُ منهم ما جَهِلْنا / وَكَفَاهمْ شُكْرُ العليم الخَبِيرِ
ثَناؤُكَ مِنْ رَوْضِ الخَمائِلِ أَعْطَرُ
ثَناؤُكَ مِنْ رَوْضِ الخَمائِلِ أَعْطَرُ / وَوَجْهُكَ مِنْ شَمْسِ الأَصائِلِ أَنْوَرُ
وَسَعْيُكَ مَقْبُولٌ وَسَعْدُكَ مُقْبِلٌ / وَكُلُّ مَرامٍ رُمْتَ فَهْوَ مُيَسَّرُ
وَجَاءَكَ مَا تَخْتَارُ مِنْ كلِّ رِفْعَةٍ / كأنَّكَ في أَمْرِ المعالِي مُخَيَّرُ
وَقَدْرُكُ أَعْلَى أَنْ تُهَنَّى بِمَنْصِبٍ / وَأنتَ منَ الدُّنيا أَجَلُّ وَأَكْبَرُ
فيا لَكَ شَمْساً تَمْلأُ الأرضَ رَحْمَةً / وَيَمْلأُهَا شَوْقاً لهُ حِينَ يُذْكَرُ
لقدْ مُلِئَتْ حُبَّاً وَرُعْباً قلوبُنا / بهِ فَهْوَ بالأَمْرَينِ فيها مُصَوَّرُ
وَقد أَذْعَنَتْ منهُ الجوارحُ طاعةً / لهُ إنَّ سُلطانَ الجوارِحِ سُنْقُرُ
يَرُوعُ العِدا مِثْلَ البَغايا إماتَةً / إذَا راعَها مِنْ رُمْحِهِ اللَّدْنِ مَنْسِرُ
فيا أَيُّها الشمسُ الذي في صفاتِهِ / عُقُولُ الوَرَى مِنْ دَهْشَةٍ تَتَحَيَّرُ
تَعَلَّمَ منكَ الناسُ ما مُدِحُوا به / كَأَنَّكَ فِيهم لِلْفَضائِلِ عُنْصُرُ
وَأنتَ هُمامٌ قَدَّمَتْهُ ثَلاثَةٌ / لها المُنْتَهَى قَوْلٌ وَفِعْلٌ ومَنْظَرُ
مِنَ التُّرْكِ في أَخْلاقِهِ بَدَوِيَّةٌ / لها يَعْتَزِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَعَنْتَرُ
وَكَمْ فِتْنَةٍ بَيْنَ العَشيرِ أَزالَها / وكانَ بها للناسِ بَعْثٌ وَمَحْشَرُ
فَأَخمَدَ مَا بَيْنَ الخَلِيلِ بِرَأْيِهِ / ونابُلُسَ النارَ التي تَتَسَعَّرُ
وَقَد زَبَرَتْ زَبْراً وقَبْضاً وحارِثاً / كِنانةُ مِثْلَ الكَرْمِ إبَّانَ يُزْبَرُ
وَقد أخرَبَت ما ليسَ يَعْمُرُ عامِرٌ / وقد قَتَلَتْ ما ليسَ يَقْبُرُ مَقْبَرُ
وَلوْلاهُ لم تُخْمَدْ مِنَ القَوْمِ فِتْنَةٌ / ولم يَنْعَقِد فيها عَلَى الصُّلحِ مشوَرُ
إذا مَا أرادَ اللَّهُ إِنْفَاذَ أَمْرِهِ / يُنطِّقُ ذا رَأْيٍ به وَيُبَصِّرُ
فإنْ فَوَّضَ السُّلْطانُ أَمْرَ بِلادِهِ / إليه فما خَلْقٌ بِهِ منه أَجْدَرُ
وَأَمْسِ رَأْى حالَ المَحَلَّةِ حائِلاً / وأَعْمالها وَالجَوْر يَنْهَى ويَأمرُ
فقالَ لأَهْلِ الرَّأْيِ مَنْ يُرْتَضَى لها / فقالوا لهُ اللَّيْثُ الهُمامُ الغَضَنْفَرُ
فما غيرَ شمسِ الدِّينِ يَحْمِي دِيارَها / سُطاهُ كما يَحْمِي العَرِينَةَ قَسْوَرُ
خبيرٌ بأَحوالِ الأَنامِ كَأَنَّهُ / بما في نُفُوسِ العالَمِينَ يُخَيَّرُ
وَلا ستْرَ ما بيْنَ الرَّعايا وبينَهُ / ولكنّهُ حلْماً عَلَى الناسِ يَسْتُرُ
فلما رَأَتْ أَهلُ المَحَلَّةِ قَدْرَهُ / يُعَزَّزُ ما بينَ الوَرَى ويُوَقَّرُ
تَنَاجَوْا وقالوا قامَ فينا خَلِيفَةٌ / وَلكنْ لهُ مِنْ صَبْوَةِ الظَّرْفِ مِنْبَرُ
هَلُمُّوا لهُ فَهْوَ الرَّشِيدُ بِرَأْيِهِ / وبينَ يَدَيْهِ جُودُ كَفَّيْهِ جَعْفَرُ
فَقُلْتُ لَهُمْ هذا رسولُ سِيادَةٍ / وصارِمُهُ للناسِ هادٍ وَمُنْذِرُ
فَقُلْ لِلرَّعايا لا تخافوا ظُلامَةً / وَلا تَحْزَنُوا منْ حُكمِ جَوْرٍ وأبْشِرُوا
فقدْ جاءكمْ والٍ بروقُ سُيوفِهِ / إذا لَمَعَتْ لم يبْقَ في الأرض مُنْكَرُ
فَتىً حَسُنَتْ أَخبارُهُ واختيارُهُ / وطابَ مَغِيبٌ مِنْ عُلاهُ وَمَحْضَرُ
عَجِبْتُ لهُ يُرضِي الرَّعايا اتِّضاعُهُ / وَيَعْظُمُ ما بَيْنَ الرَّعايا وَيَكْبُرُ
وَيَرْمِي العِدا مِنْ كَفِّهِ بِصَواعِقٍ / وَأَنْمُلُها أنهارُ جُودٍ تَحَدَّرُ
وَيَجْمَعُ شرَّ الماءِ والنارِ سيْفُهُ / وَفي العُودِ سِرُّ النارِ والعُودُ أَخْضَرُ
ويُجْرِي عَلَى وَفْقٍ المُرَادِ أُمُورَهُ / فَيَبْسُطُ فيها ما يشاء وَيَقْدُرُ
وَتَنْفَعِلُ الأَشياءُ مِنْ غَيْرِ فِكْرَةٍ / لهُ وقدِ اعْتاصَتْ عَلَى مَنْ يُفَكِّرُ
وَيَستَعظِمُ الظلمَ الحقيرَ فلو بَدا / كمِثْلِ القَذا في العَيْنِ أَوْ هُوَ أَحْقَرُ
فَطَهَّرَ وَجْهَ الأَرضِ مِنْ كلِّ فاسِدٍ / وما خِلْتُهُ مِنْ قَبْلِهِ يَتَطَهَّرُ
ومَهَّدَهُ للسَّالِكِينَ مِنَ الأَذَى / فليسَ به الأعمى إذا سارَ يَعْثُرُ
فَشَرِّق وغَرِّب في البِلادِ فكَمْ لَهُ / بها عابِرٌ يُثْنِي عليه ويَعْبُرُ
وما كلُّ والٍ مِثلُهُ فيه يَقْظَةٌ / ولا قَلْبُهُ باللَّهِ قَلْبٌ مُنَوَّرُ
أنامَ الرَّعايا في أمانٍ وطَرْفُهُ / لما فيه إِصْلاحُ الرَّعِيَّةِ يَسْهَرُ
فلا الخوْفُ مِنْ خَوْفٍ أَلمَّ بأَرْضِهِ / وَلا الشرُّ فيها بالخَواطِرِ يَخْطُرُ
أتى الناسَ مثلَ الغيثِ في أَرْضِ جُودِهِ / يُرَوِّضُ ما يَأْتي عليه ويُزْهِرُ
وكانتْ وُلاةُ الحَرْبِ فيها كعاصفٍ / مِنَ الرِّيحِ ما مَرَّتْ عليه تُدَمِّرُ
وكلُّ امْرئٍ ولَّيْتَهَ في رَعِيَّةٍ / بما فيه مِنْ خَيْرٍ وشَرٍّ يُؤَثِّرُ
فَمَنْ حَسُنَتْ آثارُهُ فَهْوَ مُقْبِلٌ / ومَنْ قَبُحَتْ آثارُهُ فَهْوَ مُدْبِرُ
وكَمْ سَعِدَتْ بالطالِعِ السَّعْدِ أُمَّةٌ / وكَمْ شَقِيَتْ بالطَّالعِ النَّحْسِ مَعْشَرُ
فما بَلَغَ القُصَّادُ غايَةَ سُؤلِهِم / لقد خابَ من يَرْجو سواهُ وَيَحْذَرُ
ومَنْ حَظُّهُ مِنْ حُسْنِ مَدْحِيَ وَافِرٌ / وحَظِّيَ مِنْ إِحْسَانِهِ بِيَ أَوْفَرُ
أَمَوْلايَ عُذْراً في القَرِيضِ وكلُّ مَنْ / شَكا العَجْزَ عَنْ إدراكِ وصْفِكَ يُعْذَرُ
لَكَ الهِمَمُ العُليا وَكلُّ مُحَاوِلٍ / مَداها وَكَمْ بِالمَدْحِ مِثْلِي مُقَصِّرُ
تباشَرَتِ الأعمال لَمَّا رَأَيتها / بِمَرْآكَ وَالوجْهُ الجميلُ مُبَشِّرُ
عَذَرْتُ الوَرَى لَمَّا رَأَوْكَ فَهَلَّلُوا / لِمَطْلَعِ شَمْسِ الفَضْلِ مِنكَ وَكَبَّرُوا
دَعَوْكَ بها كِسْرَى وكم لكَ نائِبٌ / يُقِرُّ لَهُ في العَدْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرُ
عَمَرت بها ما ليسَ يَخْرَبُ بَعدَهَا / وقد أخربَ الماضونَ ما ليسَ يَعْمُرُ
تفاءَلْتُ لَمَّا قيلَ أَقْبَلَ مَنْ سَخا / وكلُّ امْرِئٍ غَادٍ لِملقاهُ مُبْكِرُ
فَيَمَّمْتُهُ مُسْتَبْشِراً بِقُدُومِهِ / وطائرُ حَظِّي منه بالسَّعْدِ يُزْجَرُ
وحَقَّقَ طَرْفِي أَنَّ مَرْآكَ جَنَّةٌ / وبِشْرُكَ رِضْوَانٌ وَكَفُّكَ كَوْثَرُ
ولو لمْ تكنْ شمساً لَما سِرتَ في الضُّحَى / تَسُرُّ عُيُونَ الناظِرِينَ وَتَبهَرُ
وأَقْبَلْتَ تُحْيِي الأرضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها / وَفي الجُودِ ما يُحيي المَواتَ وَيَنشُرُ
فأَخْرَجْتَ مَرْعاها وَأَجْرَيْتَ ماءَها / غَداةَ بِحارُ الأرضِ أَشْعثُ أَغْبَرُ
ولوْلاكَ ما رَاعَتْ بُحُوراً تُراعُها / ولا كانَ مِنْ جِسْرٍ عَلَى المَاءِ يُجْسَرُ
فها هِيَ تَحْكِي جَنَّةَ الخُلْدِ نُزْهَةً / ومِنْ تَحْتِها أنهارُها تَتَفَجَّرُ
وأُعْطِيتَ سُلطاناً عَلَى المَاء عالياً / به يَزْخَرُ البَحْرُ الخِضَمُّ و يُسْجَرُ
فَخُذْ آيَتَيْ موسى وعيسى بِقُوَّةٍ / وكلُّ النصارَى واليهودِ تَحَسَّرُوا
فيا صالحاً في قِسْمَةِ الماءِ بينهم / ولا ناقَة في أَرْضِهِمْ لَكَ تُعْقَرُ
فَفِي بَلَدٍ مِنْ حُكْمِكَ الماء راكِدٌ / وَفي بَلَدٍ مِنْ حُكْمِهِ يتحَدَّرُ
فهذا له وقْتٌ وَحَدٌّ مُعَيَّنٌ / وَهذا له حَدٌّ وَوَقْتٌ مُقَدَّرُ
هَنِيئاً لإِبْنُوطِيرَ أنك زُرْتَها / وشَرَّفَها مِنْ وَقْعِ خَيْلِكَ عَنْبَرُ
دَعَتْ لَكَ سُكَّانٌ بها وَمساكِنٌ / ولم يَدْعُ إِلَّا عامِرٌ وَمُعَمِّرُ
وصلَّوا بها للَّهِ شُكْراً وصَدَّقُوا / وَحُقَّ عليهم أن يُصَلُّوا وَيَنْحَرُوا
فكلُّ مَكانٍ منكَ بالعدْلِ مُخْصِبٌ / وبالحمدِ وَالذِّكْرِ الجميلِ مُعَطَّرُ
أتَيْتُكَ بالمَدْحِ الذي جاء مُظْهِراً / إلَى الناسِ مِنْ حُبِّيكَ ما أنا مُضْمِرُ
فخُذْهُ ثَناءً يُخْجِلُ الزَّهْرَ نَظْمُهُ / وَهَلْ تُنْظَمُ الأزهار نَظمي وتُنْثَرُ
مِنَ الرَّأْيِ أن يُهْدَى لِمِثْلِكَ مِثْلُهُ / جَهِلْتُ وهَلْ يُهْدَى إلى البَحرِ جَوْهَرُ
فُتِنْتُ بِشِعْرِي وهْوَ كالسِّحْرِ فِتْنَةً / وَقُلْتُ كَذَا كانَ امْرُؤُ القَيْسِ يَشْعُرُ
وَما لِي أُزَكِّي النَّفْسَ فيما أَقولُهُ / وَأَتبَعُها فيما يُذَمُّ وَيُشْكَرُ
وَها إنَّ شَمْسَ الدِّينِ لِلْفَضْلِ باهِرٌ / وليسَ بِخَافٍ عنه لِلْفَضْلِ مَخْبَرُ
إلى اللَّه أَشكو إنَّ صَفْوَ مَوَدَّتِي / عَلَى كَدَرِ الأيَّامِ لا تَتَكَدَّرُ
وإنْ أَظْهَرَ الأَصْحَابُ ما ليسَ عِنْدَهُم / فإنّي بما عِنْدِي مِنَ الوُدِّ مُظهِرُ
وإن غُرِسَت في أرضِ قَلْبِي مَحَبَّةٌ / فليسَ بِبُغْضٍ آخِرَ الدَّهْرِ تُثْمِرُ
وَيَمْلِكُنِي خُلْقٌ عَلَى السُّخْطِ والرِّضا / جَمِيلٌ كمِثْلِ البُرْدِ يُطْوَى ويُنْشَرُ
وقَلْبٌ كمِثْلِ البحرِ يَعْلُو عُبابُه / ويَزْخَرُ مِنْ غَيْظٍ ولا يَتَغَيَّرُ
إذا سُئِلَ الإِبْرِيزُ جاشَ لُعابُهُ / ويَصْفُو بما يَطفو عليه ويَظْهَرُ
وما خُلُقِي مَدْحُ اللَّئِيمِ وَإنْ عَلَتْ / بهِ رُتَبٌ لا أَنَّني مُتَكَبِّرُ
وَلا أَبْتَغِي الدُّنيا ولا عَرَضاً بها / بَمَدْحِي فَإِنِّي بِالقَنَاعَةِ مُكْثِرُ
لِيَعْلَمَ أَغْنَى العالَمِينَ بِأَنَّهُ / إلَى كَلِمي مِنِّي لِدُنْياهُ أَفْقَرُ
وَأَبْسُطُ وَجْهِي حينَ يَقْطُبُ وَجههُ / فيَحْسَبُ أنِّي موسِرٌ وهْوَ مُعْسِرُ
أَأنظُمُ هذا الدُّرَّ في جِيدِ جَاهِلٍ / وأَظلِمُهُ أنِّي إذن لَمُبَذِّرُ
وعِنْدِي كَلامٌ واجِبٌ أَنْ أقُولَهُ / فلا تَسْأَمُوا مَمَّا أَقولُ وتَسْخَرُوا
وَلَمْ تَرَنِي لِلمالِ بِالمَدْحِ مُؤْثِراً / ولكِنّني لِلوُدِّ بالمَدْحِ مُؤْثِرُ
فيا مَصْدَرَ الفضلِ الذي الفضلُ دأبُهُ / فما اشْتُقَّ إِلَّا منه لِلفَضلِ مَصْدَرُ
بَرِئْتُ مِنَ المُسْتَخْدَمينَ فخَيْرُهم / لصاحِبهِ أَعْدَى وَأَدْهَى وأَنْكَرُ
هَدَرْتُهُمْ مِثْلَ الرُّماةِ لِكِذْبِهِمْ / وَعندِيَ أنَّ المرء بالكذْبِ يُهْدَرُ
فلا تُدْنِ منهم واحِداً منكَ ساعةً / ولو فاحَ مِنْ بُرْدَيْهِ مِسْكٌ وَعَنْبَرُ
وَقد قيلَ كتابُ النَّصارَى مَناسِرٌ / فما مِثْلُ كتَّابِ المَحَلَّةِ مَنْسَرُ
فَبَرِّدْ فؤادِي بانْتِقَامِكَ منهمُ / فقد كادَ قلبي منهمُ يَتَفَطَّرُ
مُنِعْتُ بهِمْ حَظِّي شُهُوراً وَلم أَصِلْ / إلى حَظِّهِمْ حتى مَضَتْ لِي أَشْهُرُ
وحَسْبُكَ أنِّي منهمُ مُتَضَوِّرٌ / وكلُّ امْرِئٍ منهم كذا يَتَضَوَّرُ
فَوا عَجَباً مِن واقِفٍ منهمُ على / شَفا جُرفٍ هارٍ مَعِي يَتَهَوَّرُ
يقولون لو شاءَ الأميرُ أَزالَهُمْ / فقلتُ زَوالُ القَوْمِ لا يُتَصَوَّرُ
فقد قَهَرَ السُّلْطَانُ كلَّ معانِدٍ / وما أَحَدٌ لِلقِبطِ في الأرضِ يَقْهَرُ
وَمَا فيهِمُ لا بارَكَ اللَّهُ فيهمُ / أَخُو قَلَمٍ إِلَّا يَخُونُ ويَغْدِرُ
إنِ اسْتُضْعِفُوا في الأرضِ كانَ أَقَلّهُم / عَلَى كلِّ سُوءٍ يُعْجِزُ الناسَ أَقْدَرُ
كأَنَّهُمُ البُرْغُوثُ ضَعْفاً وجُرْأَةً / وإنْ يَشْبَعِ البُرْغُوثُ لولا يُعَذّرُ
رِياستُهُم أن يُصْفَعُوا ويُجَرَّسوا / ودِينُهُم أنْ يَصلُبُوا ويُسَمِّرُوا
وما أَحَدٌ منهم على الصَّرْفِ صابِرٌ / ولا أَحَدٌ منهم على الذُّلِّ أَصْبَرُ
ومُذْ كَرِهَ السُّلطَانُ خِدْمَتَهُم لَهُ / تَمَنَّى النَّصَارَى أنهم لم يُنَصَّرُوا
إذ كانَ سُلْطانُ البسيطةِ منهمُ / يَغارُ على الإِسْلامِ فاللَّهُ أَغيَرُ
وَبالرَّغمِ منهم أَنْ يَرَوا لَكَ كاتِباً / وما أَحَدٌ في فَنِّهِ منهُ أَمهَرُ
ويُعجِبُهُم مَن جَدُّ جَدَّيْهِ بُطْرُسٌ / وَيحزنُهُمْ مَنْ جَدُّ جَدَّيْهِ جَحْدَرُ
بِأَنَّ النَّصَارَى يَرْغَبُونَ لِبَعْضِهِم / وَمِن غِيرِهِم كُلٌّ يُراعُ وَيُزعَرُ
عَدَاوَتُهُم لِلمَلكِ ما ليسَ تَنْقَضِي / وَذَنْبُ أَخِي الإسلامِ ما ليسَ يُغْفَرُ
ومنهمْ أُناسٌ يُظْهِرُونَ مَوَدَّتِي / وبُغْضُهُمُ لِي مِنْ قِفا نَبْكِ أَشْهَرُ
وَكَمْ عَمَّرَ الوالِي بلاداً وَأَخْرَبُوا / وَكَمْ آنَسَ الوالِي قُلوباً ونَفَّرُوا
وقالوا بأَيَّامِي مَساقٌ مُحَرّرٌ / وليسَ لهمْ فَلْسٌ مَساقٌ مُحَرَّرُ
وَكَم زُورِ قَولٍ قُلْتُمُ أَيُّ حُجَّةٍ / وَكَمْ حُجَجٍ لِلخائِنِينَ تُزَوَّرُ
وَإنْ تَنْصُروني قُمْتُ فيهم مُجاهِداً / فإنَّهم للَّهِ أَعْصَى وأَكْفَرُ
وإِلَّا فإنِّي للأَمِيرِ مُذَكِّرٌ / بما فَعَلُوهُ والأميرُ مُنَظّرُ
وكَمْ مُشْتَكٍ مِثْلِي شَكا لِيَ منهمُ / كما يَشْتَكِي في الليلِ أَعْمَى وأَعْوَرُ
وكُنتُ وَما لِي عندهم مِن طِلابَةٍ / أُزَوَّدُ مِنْ أَمْوالِهمْ وأُسَفَّرُ
وما ضَرَّني إِلَّا مَعارِفُ منهمُ / ذُنوبُ وِدادِي عندهمْ لا تُكَفَّرُ
وَلولا حَيائي أَنْ أُعانِدَ مُمْسِكاً / لِحَقِّي أَتَانِي الحَقُّ وَهْوَ مُعَبِّرُ
فإن شَمَّرُوا عِن ساقِ ظُلمِي فإنّني / لِذَمِّهِمُ عَن ساقِ جَدِّي مُشَمِّرُ
وإن حَمَلوا قَلبي وساروا فمَنطِقِي / يُحَمَّلُ في آثارِهم وَيُسَيَّرُ
وإن يَسبِقُوا لِلبَابِ دوني فإنّهم / بما صَنَعُوا بالنّاسِ أَحرَى وأَجدَرُ
فإِن أَشْكُ ما بِي للأَميرِ فإنّه / لَيَعْلَمُ مِنهُ ما أُسِرُّ وأَجْهَرُ
فَإِن أَشْكَتِ الأيّامُ تُلقِ قِيادَها / إليه وتَجفُ مَن جَفَاهُ وتَهجُرُ
وتُمْلِي عَلَى أَعدائِهِ ما يَسُوؤُهُم / وتُوحِي إلَى أَسماعِهِ ما يُحَبَّرُ
يا أيّها المَوْلَى الوزِيرُ الّذي
يا أيّها المَوْلَى الوزِيرُ الّذي / أيَّامُهُ طائِعَةٌ أَمْرَهْ
ومَنْ لَهُ مَنْزِلَةٌ في العُلا / تَكِلُّ عَنْ أَوْصَافِهَا الفِكْرَهْ
أَخْلاقُكَ الغُرُّ دَعَتْنَا إلَى ال / إِدْلاءِ في القَوْلِ على غِرَّهْ
إذْ لَمْ تَزَلْ تَصْفَحُ عَمَّنْ جَنَى / وتُؤْثِرُ العَفْوَ مَعَ القُدْرَهْ
حتى لقد يَخْفَى على الناسِ ما / تُحِبُّ مِنْ أَمْرٍ وَما تَكرَه
إليكَ نَشْكُو حالَنا إنّنا / عائلةٌ في غايَةِ الكَثْرَهْ
أُحَدِّثُ المَوْلَى الحَدِيثَ الّذي / جَرَى عليهم بالخيطِ وَالإِبْرَهْ
صَاموا مَعَ النَّاسِ ولكنَّهمْ / كانوا لِمَنْ يُبصِرُهم عِبْرَهْ
إن شَرِبُوا فالبِئْرُ زِيرٌ لهُمْ / ما بَرِحَتْ والشَّرْبَة الجَرَّهْ
لهُمْ مِنَ الخُبَّيْزِ مَسْلوقةٌ / في كلِّ يَوْمٍ تُشْبِهُ النَّشْرَهْ
أَقُول مَهما اجتمعوا حَوْلها / تَنَزَّهُوا في الماءِ والخُضْرَهْ
وأقبلَ العيدُ وما عندهم / قَمْحٌ وَلا خُبْزٌ ولا فطْرَهْ
فارْحَمْهُمُ إنْ أَبْصَرُوا كَعْكَةً / في يَدِ طِفْلٍ أَوْ رَأَوْا تَمْرَه
تَشْخَصُ أَبْصَارُهُمْ نَحْوَها / بِشَهقَةٍ تَتْبَعُها زَفْرَهْ
فكم أُقاسِي منهمُ لَوْعَةً / وكم أُقاسي منهمُ حسرَه
كم قائلٍ يا أبَتا منهمُ / قَطَعْتَ عَنَّا الخُبْزَ في كَرَّهْ
ما صِرْتَ تَأْتينا بِفلس وَلا / بِدِرْهَمٍ وَرِقٍ وَلا نُقرَه
وَأنتَ في خدمَةِ قَوْمٍ فَهَل / تَخْدُمُهُمْ يا أبَتا سُخْرَهْ
يا خَيْبَةَ المَسْعَى إذا لم يَكن / يَجْري لنا أَجْرٌ وَلا أُجْرَهْ
لقد تَعَجَّبْتُ لها فِطْنَةً / أتى بها الطِّفْلُ بلا جَرَّهْ
وَكيف يَخْلُو الطِّفْلُ مِنْ فِطْنَةٍ / وكلُّ مولودٍ عَلَى الفِطْرَهْ
وَيَوْمَ زارت أُمُّهم أُختَها / والأُخْتُ في الغَيْرَةِ كالضَّرَّهْ
وَأَقْبَلَتْ تَشْكُو لها حالَها / وَصَبْرَها مِني على العُسْرَهْ
قالتْ لها كيفَ تكونُ النِّسا / كذا مَعَ الأزواجِ يا غِرَّهْ
قُومِي اطْلبي حَقَّكِ منه بِلا / تَخَلّفٍ منكِ ولا فَتْرَهْ
وإنْ تَأَبَّى فَخُذِي ذَقْنَهُ / ثمَّ انتفيها شَعْرَةً شَعْرَهْ
قالت لها ما عادَتي هكذا / فإنَّ زَوْجِي عنده ضَجْرَهْ
أَخافُ إنْ كَلَّمْتُهُ كِلمَةً / طَلَّقَنِي قالتْ لها بَعْرَهْ
فَهَوَّنَتْ قَدْرِي في نَفْسِها / فجاءَتِ الزَّوْجَةُ مُحْتَرَّهْ
فاسْتَقْبَلَتْنِي فَتَهَدَّدْتُها / فاسْتَقْبَلَتْ رَأْسِي بآجُرَّهْ
وَباتَتِ الفِتنَةُ ما بَينَنَا / مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلى بُكْرَهْ
وَما رَأَى العَبْدُ لهُ مَخْلَصاً / إِلَّا وما في عِينِهِ قَطرَه
فَحَقُّ مَنْ حالَتُهُ هذِهِ / أَن يَنظُرَ المَولَى لهُ نَظرَه
يَهُودُ بُلْبَيْسَ كُلَّ عِيدٍ
يَهُودُ بُلْبَيْسَ كُلَّ عِيدٍ / أَفضلُ عندي مِنَ النَّصارَى
أما تَرَى البَغْلَ وهْوَ بَغْلٌ / فِي فَضْلِهِ يَفْضُلُ الْحِمَارا
إنْ تُحْيَ آمالي بِرُؤْيَةِ عيسى
إنْ تُحْيَ آمالي بِرُؤْيَةِ عيسى / فَلطالما أَنْضَتْ إليه العِيسا
وحَظِيتُ بَعْدَ اليَأْسِ بالخِضرِ الَّذي / ما زالَ يَرْقَى أَوْ حَكَى إدْرِيسا
لولا وُجُودُ الصَّاحِبَينِ كِلَيهِما / صارتْ بُيُوتُ العالَمِينَ رُمُوسا
كَم قُلتُ لَمَّا أَنجَبَ الأبُ ابنَهُ / لا غَروَ أَن يَلِدَ النَّفِيسُ نَفِيسا
للَّهِ شَمْسُ الدِّينِ شَمْسٌ أَطلَعَت / فينا بُدُوراً لِلْهُدَى وَشُمُوسا
رَدَّتْ لنا يَدُهُ الغضُوبَ وأَسكَنَت / بالعَدْلِ آرامَ الكِناسِ الخِيسا
أَغْنَتْ مكارِمُهُ الفقيرَ وَأَطعَمَت / مَنْ كانَ مِنْ خَيْرِ الزَّمانِ يَؤُوسا
حبرٌ تَصَدَّرَ لِلنَّوالِ فَلَم يَزَل / يَتلو عليه مِنَ المَدِيحِ دُرُوسا
دُعِيَ ابنُ سِينا بالرَّئِيسِ وَلوْ رَأَى / عيسى لَسَمَّى نَفْسَهُ المَرؤُوسا
وَحَسِبْتُهُ مِنْ بأَسِهِ وَذَكائِهِ / بَهْرَامَ قارَنَ في العُلا بَرجِيسا
مِن مَعشَرٍ لَيُسَارِعُونَ إلى الوَغَى / مُتنازِعِينَ مِنَ الحِمامِ كُؤُوسا
لُدُّ الخِصامِ إذا تَشاجَرَتِ القَنا / لَمْ يَجْعَلوا لهُمُ الحَديدَ لَبُوسا
وأَخُو البَسَالَةِ مَنْ غَدا بِذِراعِهِ / لا دِرْعِهِ يَوْمَ الوَغَى مَحْرُوسا
يُوفُون ما وعَدُوا كَأَنَّ وُعُودَهم / كانَتْ يَمِيناً بالوفاء غَمُوسا
يَا أيُّها الموْلَى الوَزِيرُ ومَنْ لَهُ / حِكَمٌ أغارَتْ منه رَسْطاليسا
هُنِّيتَ تَقْليداً أتاكَ مُجَدِّدَاً / لِلناسِ مِنْ سُلطانِهم نامُوسا
أُرسِلتَ منه لِلخَلائِقِ رَحْمَةً / عَمَّتْ قِياماً منهمُ وجُلوسا
وكأنَّ قارِئَهُ بِيَوْمِ عَرُوبَةٍ / لَكَ يُعْرِبُ التَّسْبِيحَ والتقْدِيسا
ونَظمتَ شَملَ المُلكِ بالقَلَمِ الّذي / حَلَّيْتَ منه للسُّطورِ طُروسا
وبِسَتْرِكَ العَوْراتِ قد كَشفَ الوَرَى / لَكَ بالدُّعاءِ المُسْتَجابِ رُؤُوسا
مِنْ كُلِّ مَشْدُودِ الخِناقِ بِكُرْبَةٍ / نَفَّسْتُ عنه خِناقَهُ تَنْفِيسا
أَطفَأتَ نِيرانِ العَداوةِ بَعْدَما / أوطَأتَ منها المُوقِدِين وَطيسا
وَأَرَحتَهُم مِن فِتنَةٍ تَحيي لهُم / في كُلِّ يَوْمٍ داحِساً وبَسُوسا
هَلَكَتْ جَدِيسُ وطَسْمُ حِينَ تعادَتا / وكأَنَّ طَسْماً لَم تكن وجَدِيسا
يا ابنَ الذي يَلقَ الفَوارِسَ باسماً / حاشاكَ أنْ تَلْقَى الضُّيوفَ عَبُوسا
سَعِدَتْ بِكَ الجُلساءُ فاحذَر بَعْضَهُم / فَلَرُبَّما أعْدَى الجَليسُ جَليسا
بَخَسُوا ضيوفَ اللَّهِ عِنْدَكَ حَظَّهُم / لا كانَ حَظُّكَ عندهم مَبْخُوسا
وأُعِيذُ مَجْدَكَ أنْ يكونَ بِطائِفٍ / مِنْ حاسِدٍ بِنَمِيمَةٍ مَمسوسا
فاللَّهُ عَلَّمَ كلَّ عِلمٍ آدَماً / وأطاعَ آدَمُ ناسِياً إبلِيسا
إنَّ المُرَاحِلَ مَنْ أَضاعَ أُجُورَهُ / واعتاضَ عنها بالنَّفيسِ خسيسا
فارغَب إِلى حُسْنِ الثَّنَاءِ فإِنَّه / لا يستوي في الذِّكْرِ نِعمَ وبِيسا
ما أنتَ مِمَّن تَستَبِيحُ صُدُورُهُم / حِقْداً ولا أعراضُهُم تَدْنِيسا
أدعُوكَ لِلصَّفحِ الجَميلِ فإن تُجِب / أحكَمتَ بُنياناً عَلا تَأسِيسا
ومِنَ السياسةِ أنْ تكونَ مُراعياً / للصالِحينَ تَبَرُّهم وتَسوسا
قَوْمٌ إذا انْتُدِبوا لِيُوْمِ كَرِيهَةٍ / ألْفَيْتَ واحِدَهُمْ يَرُدُّ خَمِيسا
تَاللَّهِ ما خابَ امْرُؤٌ مُتَوَسِّلٌ / بالقَوْمِ فِي النُّعْمَى ولا في البُوسَى
ولقد أتَيْتُكَ باليَقِين فلا تَخَل / قَوْلِي ظُنُوناً فيهم وحُدُوسا
وَرَأيتُ منهم ما رأيتُ لِغَيرِهم / وأقَمْتُ دَهراً بينهم جاسوسا
مَنْ كانَ مُلْتَبِساً عليه حدِيثُهم / أَذهبتُ عنه منهمُ التَّلبِيسا
ما ضرَّهم قول المُعانِدِ إنهمْ / بِفِعَالِهِم أقوى الأنامِ نُفُوسا
كَم ذَمَّهُم جَهلاً وَأَنكَرَ حالَهُم / قَوْمٌ يَلُونَ الحُكْمَ والتَّدرِيسا
فَرَدَدْتُ قَوْلَهُم بِقوْلِي ضارِباً / مَثَلاً على الخَضِرِ السَّلامُ وموسى
وعلى سُلَيْمانَ النبيِّ فإنَّه / أغْرَى رِحالَيْهِ على بَلقِيسا
وَعلى فَتَى الحَسَنِ الذي سَطَوَاتُهُ / مَرَّت على الأَعداءِ مَرَّ المُوسى
يا رُبَّ ذِي عِلْمٍ رَأى نُصْحِي لَهُ / فأجابَني أتُطِبُّ جالِينُوسا
لَمْ يَدْرِ أنّي كلَّما اسْتَعطَفْتُهُ / كانَ الحَديدَ وكنتُ مِغْناطِيسا
لو كُنتُ أَرْضَى الجاهليَّة مِثْلَهُ / أَمْلَيْتُ ما مَلأَ القلوبَ نَسِيسا
وَنَفَخْتُ نارَ عَداوةٍ لا تُصْطَلَى / بَلْ لا يُطِيقُ لها العَدُوُّ حَسيسا
لَمْ يُبْقِ لِي خَوْفُ المَعادِ مُعادِياً / فَيَهِيجَ مَنِّي لِلْهِياجِ رَسِيسا
أوَ ما تَرَى حُبَّ السَّلامَةِ جاعِلِي / أُلْقِي السَّلامَ مُسالِماً والكِيسا
أمُكَلِّفِي نَظْمَ النَّسِيبِ وَقد رَأى / عُودَ الشَّبابِ الرَّطْب عادَ يَبِيسا
أمَّا النَّسِيبُ فما يُناسِبُ قَوْلُهُ / شَيْخاً أَبَدَّ مُعَمَّراً مَنْكُوسا
ما هَمَّ يَخْضِبُ شَيْبَهُ مُتَشَوِّقاً / زَمَنَ الصِّبا إلّا اتَّقَى التَّدْلِيسا
لَمَّا رَأى زَمَنَ الشبيبَةِ مُدْبِراً / نَزَعَ السُّرَى وتَدَرَّعَ التَعْرِيسا
مَضَتِ الأحِبَّةُ والشَّبابُ وخَلَّفَا / لِيَ الادِّكَارَ مُسامِراً وَأنِيسا
أذْكَرْتَنِي عَهْدَ الطِّعانِ فَلَم أجِد / رُمْحاً أَصُولُ بِهِ وَلا دَبُّوسا
أيَّامَ عَزْمِي لا تَفُوتُ سهامُهُ / غَرَضاً وسَهْمِي جُرْحُهُ لا يُوسَى
ثَنَتِ السُّنُونَ سِنانَ صَعْدَتِيَ الَّتي / لم تَلْقَ رادِفَةً ولا قَرْبُوسا
فَقَناةُ حَرْبِي لا أُرِد تَقْوِيمَها / لِلطَّعْنِ إلّا رَدَّها تَقْوِيسا
بالأمْسِ كانَ لَهُ الشَّمُوسَ مُذَلَّلاً / واليَوْمَ صارَ لهُ الذَّلولُ شَمُوسا
لا دَرَّ دَرُّ الشَّيْبِ إنَّ نُجومَهُ / تَذَرُ السَّعِيدَ مِنَ الرِّجالِ نَحيسا
كيفَ الطَّرِيقُ إلى اجتماعٍ جاعِلٍ / بَيْتَ الفِراشِ بِساكِنٍ مَأْنُوسا
لو كانَ لي في بَيْتِ خالِي نُصْرَةٌ / جَمَعَتْ نَقِيَّ الخَدِّ والإِنكِيسا
ونَصِيحَةٍ أَعرَبتُ عنها فانثَنَت / كالصُّبْحِ يَجْلُو ضَوْءُهُ التَّغْلِيسا
إنَّ النَّصارَى بالمَحَلَّةِ وُدُّهُمْ / لو كانَ جَامِعُها يكونُ كَنِيسا
أتُرَى النصارَى يَحْكُمُونَ بأنَّه / مَنْ باشَرَ الأَحْباسَ صارَ حَبيسا
إن عادَ إسحقٌ إليها ثانياً / ضَرَبُوا عَلَى أبوابها الناقُوسا
صَرَفَ الإلهُ السُّوءَ عنكَ بِصَرفِهِ / فاصْرِفهُ عَنَّا واصفَعِ القِسِّيسا
أَفْدِي بهِ المُسْتَخْدَمِينَ وإنَّما / أَفْدِي بِتَيْسٍ كاليَهودِ تُيُوسا
لو كنتُ أَملِكُ أَمرَهُم مِنْ غَيرَتِي / لَمْ أُبْقِ لِلمُستَخدَمِينَ ضُرُوسا
يَرْعَوْنَ أَمْوَالَ الرَّعِيَّةِ بالأَذَى / لو يُحْلَبُونَ لأَشْبَهُوا الجامُوسا
اللَّهُ أرْسَلَهُم عَلَى أَقوَاتِهِم / سُوساً وقدْ أمِنُوا عليها السُّوسا
مَلأَتْ بُيُوتَهُمُ الغِلالُ فلا تَرَى / منها كَبَيْتِي فارِغاً مَكْنُوسا
مَن لَم يَقُم لِي منهُمُ بِوَظيفَتِي / جَرَّسْتُهُ بِملامَتِي تَجْرِيسا
إنّي لأنْذِرُ بَعْضَهم وكَأنَّني / في أُذْنِ بَغْلِ الكُوسِ أَضْرِبُ كُوسا
لِي صاحِبٌ سَرَقَ اللُّصُوصُ ثِيابَهُ / لَيْلاً فباتَ بِبَيْتِهِ مَحْبُوسا
وشَكا لِوَالي الحَرْبِ سارِقَ بَيْتِهِ / فكأنَّما يَشْكُو له افرَنسِيسا
وكأَنَّه قاضٍ يقولُ لِخَصمِهِ / هذا غَرِيمُكَ أَثْبَتَ التَّفْلِيسا
ويَحُجُّهُ أصحابُ رَيْعٍ عِنْدَهُ / ويُقَدِّمُوهُ فَيُظْهِرُ التَّعْبيسا
وَلَرُبّما التَمَسُوهُ بالمالِ الذي / سَرَقُوا فأصْبَحَ لامِساً مَلْمُوسا
مَلؤوا البيوتَ بِمالِهِ ولوِ اشْتَكَى / مَلؤوا بِأَوْلادِ الحَزِينِ حُبُوسا
كَمْ قُلْتُ إذْ سَمِعَ الوُلاةُ كلامَهُم / أتُرَى الوِلايَة تُفْسِدُ الكَيمُوسا
قَلَبَ العِيانَ لهُمْ وكَمْ في عِلْمِهِ / جَعَلُوا الدَّنانِيرَ الثِّقَالَ فُلوسا
فانْظُرْ لمَنْ ذَهَبَ اللُّصُوصُ بمالِهِ / وَبِعَقْلِهِ يَعْنُو اللُّصُوصُ حُبُوسا
رَفَعُوا القواعِدَ مِنْ شِوارِ ثِيابِهِ / واسْتَأصلوا المَنْصُوبَ والمَلْبُوسا
قد كنتُ مِنْ خَوْفِ اللُّصُوصِ أَخافُ أنْ / أُهْدِي إليكَ مِنَ القَرِيضِ عَرُوسا
لا زِلتَ طولَ الدَّهْرِ تَحْكِي في العُلا / آباءَكَ الغُرَّ الكِرامَ الشُّوسا
ما دامَ يَتّبِعُ النُّجُومَ مُنَجِّمٌ / وَيُخَبِّرُ التَّثْلِيثَ والتَّسْدِيسا