المجموع : 138
أطلّت على سحبِ الظلامِ ذُكاءُ
أطلّت على سحبِ الظلامِ ذُكاءُ / وفُجِّرَ من صخرِ التنُوفةِ مَاءُ
وخُبّرت الأوثانُ أنَّ زمانَها / تولّى وراحَ الجهلُ والجهلاءُ
فما سجدت الا لذى العرش جبهة / ولم يرتفع الا إليه دعاء
تبسّم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى / فللأرضِ إشراقٌ به وزُهَاءُ
وعادت به الصحراءُ وهي جديبة / عليها من الدينِ الجديد رُوَاءُ
ونافست الأرضُ السماءَ بكوكبٍ / وضيءِ المحيّا ما حَوَتْه سماءُ
له الحق والإيمانُ باللّه هالة / وفي كلِّ أجواءِ العقولِ فَضاءُ
تألّق في الدنيا يُزيح ظلامَها / فزال عمىً من حولِه وعَماءُ
كلامٌ هو السحرُ المُبين وإن يكن / له ألف مثل الكلام وَبَاءُ
عجيبٌ من الأميِّ علم وحكمة / تضاءَل عن مرماهِمَا العُلماءُ
ومن يَصطَفِ الرحمن فالكون عبده / ودُهم الليالي أينَ سارَ إِماءُ
نبي الهدى قد حرَّق الأنفسَ الصدَى / ونحن لفيضٍ من يديك ظِمَاءُ
أفِضْها علينا نفحَةً هاشميةً / يُلَمُّ بها جُرحٌ ويبرأُ دَاءُ
فليس لنا إلاّ رِضَاكَ وسيلةٌ / وليس لنا إلإّ حِمَاكَ رَجاءُ
حننا إلى مجدِ العروبةِ يُزهى بقومه / وما طالَه في العالمين لِواءُ
زمان لواء العُربِ يُزهى بقومه / وما طالَه في العالمين لِواءُ
زمان لنا فوق الممالكِ دولة / وفي الدهر حكمٌ نافِذٌ وقَضاءُ
يُنادى جريءَ الأصغريْن بدعوةٍ / أكبَّ لها الأصنامُ والزُعماءُ
دعاهم لربٍ واحدٍ جلَّ شأنه / له الأمرُ يولي الأمرَ كيف يَشاءُ
دعاهم إلى دينٍ من النورِ والهُدىَ / سماحٌ ورفقٌ شاملٌ ووفَاءُ
دعاهم إلى نبذِ الفخارِ وأنهم / أمامَ إله العالمينَ سَواءُ
دعاهم إلى أن ينهضوا بِعُفاتهم / كِراماً فطاحَ الفقرُ والفقراءُ
دعاهم إلى أن يفتحوا القلبَ كي ترى / بصيرتُه ما يبصر البُصراءُ
دعاهم إلى القرآنِ نوراً وحكمةً / وفيه لأدواءِ الصدورِ شِفاءُ
دعاهم إلى أن يهزموا الشركَ طاغياً / تسيلُ نفوسٌ حوله ودِماءُ
دعاهم إلى أن يبتَنُوا الملكَ راسخاً / له العدلُ أس والطموحُ بناءُ
دعاهم إلى أن الفتىَ صنع نفسهِ / وليس له من قومِه شُفعاءُ
دعاهم إلى أن يملكوا الأرضَ عنوةً / مساميحَ لا كِبرٌ ولا خُيلاءُ
فلبّاه من عُليَا مَعدٍ غضافِرٌ / كماةٌ إذا اشْتدَّ الوغَى شُهداءُ
أشداء ما باهى الجهادُ بمثلهم / وهم بينهم في أمرهِم رُحماءُ
أساءوا إلى الأسيافِ حتى تحطّمت / وما مَرّةً للمستجيرِ أساءوا
وقد حملوا أرواحَهُمْ في أكفهم / وليس لهم إلاّ الخلود جَزاءُ
إذا حكموا في أمَّةٍ لان حكمُهم / فما هي أنعام ولا هي شَاءُ
فهل تعلم الصحراءُ أنَّ رعاءَها / حماةٌ بآفاقِ البلاد رِعاءُ
وأنهمُ إن زاولوا الحكمَ سَاسةٌ / وإن أرسلوا أحكَامهم فُقهاءُ
وردّ إلى العُرْب الحَياة وقد مضى / عليهم زمانٌ والأمامُ وَراءُ
حجابٌ طوى الأحدَاثَ والناس دونهم / فأظهر ما تجلو العيون خَفاءُ
بنت أممٌ صرحَ الحضارةِ حولهم / وأقْنعهم إبلٌ لهم وحُداءُ
عقولٌ من الأحجارِ هامت بمثلها / وكل بكيمٍ لليكيمِ كِفاءُ
فكم كان للرومان والفرسِ صولةً / وهم في بوادي أرضهم سُجناءُ
عِرَاكٌ وأحقادٌ يشبّ أوَارها / جحيماً وكِبرٌ أجْوَفٌ وغَباءُ
عجبتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقةً / وساداتهم من أجْلِها قُتلاءُ
بدا في دُجى الصحراءِ نورُ محمدٍ / وجلجلَ في الصحراءِ منهُ نِداءُ
نبيٌ به ازدانت أباطحُ مكةٍ / وعزَّ به ثَوْرٌ وتاه حِرَاءُ
لقد شربوا من منهل الدين نغبةً / مطهّرةً فالظامئون رِوَاءُ
وقد لمحوا من نورِ طه شُعاعةً / فكل ظلامٍ في الوجود ضِياءُ
نبيٌّ من الطهرِ المصفّى نجاره / سماحة نفسٍ حُرّةٍ وصَفاءُ
وصبرٌ على اللأواءِ ما لانَ عُودهُ / ولا مَسّهُ في المعضلاتِ عَناءُ
وزهدٌ له الدنيا جناح بعوضة / وكل الذي تحت الهباءِ هَباءُ
تراه لدى المحراب نُسكاً وخشيةً / وتلقاهُ في الميدانِ وهو مَضَاءُ
إذا صالَ لم يترك مَصالاً لصائلٍ / وإن قَال ألقت سمعَها البُلغَاءُ
كلامٌ من اللّه المهيمن روحه / ومن حلل الفُصحى عليه رداءُ
كلامٌ أرادته المقاويلُ فالتوى / عليها وضلَّت طرقَه الحُكَماءُ
فيا رب هيىء للرشادِ سبيلَنَا / إذا جَار خَطْبٌ أو ألمّ بَلاءُ
ونصراً وهدياً إن طغى السيلُ جارفاً / وفاضَ بما يحوي الإناء إنَاءُ
نناجيكَ هذي راية العُربِ فاحمها / فمن حولها أجنادُكَ البُسَلاءُ
رميْنا بكفٍّ أنت سدّدت رميها / فما طاشَ سهمٌ أو أخلّ رَمَاءُ
أعِرْنَا بحق المصطفَى منك قوةً / فليس لغيرِ الأقوياء بَقاءُ
وأسبِغْ علينا درعَ لطْفِك إنّها / لنا في قتامِ الحادثاتِ وِقاءُ
إليك أبا الزهراء سارت مواكبي / مواكبُ شعر ساقهن حَياءُ
وأَنَّى لمثلي أنْ يُصوّر لمحةً / كَبَا دُوِّن أدنى وصفها الشُعراءُ
ولكنها جهدُ المحبِ فهل لها / بقُدسِك من حظ القبولِ لِقاءُ
ولي نسبٌ يُنمى لبيتِكَ صانني / وصانتهُ منِّي عِزّة وإبَاءُ
عليكَ سلامُ اللّهِ مَا ذَرّ شارِقٌ / وما عطّر الدنيا عليكَ ثَنَاءُ
صوّرَ اللّه فيكِ معنى الخُلُودِ
صوّرَ اللّه فيكِ معنى الخُلُودِ / فابلُغي ما أردتِه ثمَّ زيدِي
أنتِ يا مِصْرُ جَنَّةُ اللّهِ في الأرْ / ضِ وعَيْنُ العُلاَ وَوَاوُ الوجودِ
أنتِ أمُّ المَجْدَيْنِ بَيْنَ طَرِيفٍ / يتَحَدَّى الوَرَى وبَيْنَ تَلِيدِ
كم جديدٍ عليه نُبْلُ قديمٍ / وقديمٍ عليه حُسْنُ جديدِ
قد رآك الدهرُ العَتِيُّ فَتاةً / وهو طِفلٌ يلهو بِطَوْقِ الوليدِ
شابَ من حَوْلِكِ الزمانُ ومَا زلْتِ / كغُصْنِ الرَّيْحَانَةِ الأُمْلُودِ
أنتِ يا مِصْرُ بَسْمةٌ في فم الْحُسْن / ودمعُ الْحَنانِ فوقَ الْخُدُودِ
أنتِ في القَفْرِ وَرْدَةٌ حَوْلَهَا الشَّوْ / كُ وفي الشوك عِزَّةٌ لِلْوُرُودِ
يَلْثِمُ البحرُ مِنْكِ طِيبَ ثغُورٍ / بَيْنَ عَذْبِ اللَّمَى وبَيْنَ بَرُودِ
يَابْنَة النيلِ أنتِ أحْلَى مِنَ الْحُبِّ / وأَزْهَى من ضاحِكاتِ الوُعُودِ
نَثَرَ النيلُ فيك تِبراً وأوْهَى / لِينُهُ من قسَاوةِ الْجُلمودِ
فَتَنَ الأَوَّلِينَ حَتَّى أشارُوا / نحو قُدْسِيِّ مائهِ بالسُّجُودِ
وَوَشَى للرِّيَاضِ ثوباً وَحَلَّى / كلَّ جِيدٍ من الرُّبَا بعُقُودِ
أنتِ للاّجِئينَ أُمٌّ وَوِرْدٌ / لِظِماءِ القلوبِ عَذْبُ الورودِ
قَدْ حَمَلْتِ السِّراجَ للنَّاسِ وَالكَوْ / نُ غريقٌ في ظلْمَةٍ وخُمُودِ
لا نَرى فيك غيرَ عهدٍ مَجيدٍ / قَرَنتْهُ العُلاَ بعهدٍ مَجيدِ
وجُهودٍ تمثَّلَتْ في صُخُورٍ / وصخورٍ تشَبَّهتْ بجُهُودِ
عِظَمٌ يَبْهَرُ السَّمَاءَ وشَأْوٌ / عَاقَ ذات الْجَناحِ دُونَ الصُّعُودِ
أنتِ يا مِصْرُ صَفْحَةٌ مِنْ نُضَارٍ / لَمَعَتْ بَيْنَ سَالِفَاتِ العُهُودِ
أَيْنَ رَمْسِيسُ والكُمَاةُ حَوَالَيْهِ / مُشاةٌ في الموْكِب المشْهُودِ
مَلأَ الأرضَ والسماءَ فَهذِي / بجنودٍ وهذِهِ بِبُنُودِ
وجُموعُ الكُهَّانِ تهتِفُ بالنَّصْرِ / وتتلو النّشيدَ إثْرَ النَّشيدِ
وبناتُ الوادِي يَمِسْنَ اخْتِيالاً / ويُحييّن بين دُفٍ وَعُودِ
أين عَمْروٌ فتى العُرُوبة والإِقْدامِ / أَوْفَى مُجَاهدٍ بالعقودِ
شَمَريٌّ يُحَطِّمُ السَّيفَ بالسَّيْفِ / ويرمِي الصِّنديدَ بالصِّنديدِ
لَمْ يكن جَيْشُه لدَى الزَّحْف إِلاَّ / قُوَّةَ العَزْمِ صُوِّرتْ في جُنودِ
قِلَّةٌ دَكَّتْ الْحُصون وبَثَّتْ / رِعْدَةَ الرُّعبِ في الْخِضَمِّ العَديِدِ
ذُعِرَ الموت أنَّهم لَمْ يَخافُو / هُ ولم يَرْهَبوا لِقاءَ الحديدِ
ينظرون الفِرْدَوْسَ في ساحةِ الْحَرْ / بِ فيستعجلون أجْرَ الشَّهيدِ
صَعِدُوا للعُلاَ بريشِ نُسورٍ / ومَضَوْا للرَّدَى بِعَزْمِ أسُودِ
أيْنمَا رَكَّزُوا الرِّماحَ تَرى العَدْ / لَ مقيماً في ظلِّها المَمْدودِ
وتَرى المُلْكَ أَرْيحِيَّاً عَلَيْهِ / نَضْرةٌ من سَمَاحَةِ التَّوحيدِ
وترَى العزمَ عابِساً لوُثُوبٍ / وتَرى السيف ضاحكاً في الغُمُودِ
وترى العِلْمَ يلتقي بهُدَى الدّ / ين على مَنْهَجٍ سَوِيٍ سديدِ
ملكُوا الأرضَ لم يسيئوا إِلى شَعْبٍ / ولم يحكموه حُكْمَ العبيدِ
هُمْ جُدُودِي وَأينَ مِثْلُ جُدودي / إِن تَصَدَّى مُفاخرٌ بالجُدودِ
فَسَحُوا صَدْرَهُم لحِكْمِة يُونَا / نَ وآدابِ فارسٍ والهُنُودِ
وأصاروا بالتَّرجَماتِ علومَ الرُّو / مِ وِرْداً للنّاهلِ المستفيدِ
حَذَقوا الطِبَّ والزمانُ عُلاَمٌ / والثقافاتُ رُضَّعٌ في المُهُودِ
وَشُعوبُ الدنيا تُعالِجُ بالسِّ / حْرِ وحَرْق البَخُورِ والتَّعقيدِ
هَلْ ترى لابن قُرَّةٍ من مثيلٍ / أو تَرَى لابن صاعدٍ من نديد
والطبيبُ الكِنْدِيُّ لم يُبْقِ في الطِّ / بِّ مَزِيداً لحاجةِ المسْتَزِيدِ
أَين أين الرَّازيُّ أين بَنُو زُهْ / رٍ دُعاةُ النُّهُوضِ والتَّجْدِيدِ
وابنُ سِينا وأينَ كابنِ نَفيسٍ / عَجَزَ الوَهْمُ عن مداه المَديدِ
هذه أُمَّةٌ من الصَّخرِ كانت / في قِفَارٍ من الحياة وَبِيدِ
تأكُلُ القَدَّ والدُّعَاعَ من الجُو / عِ وتَهْفُو شوقاً لِحَبِّ الْهَبِيدِ
وتُثِيرُ الحروبَ شَعْواءَ جهْلاً / وتدُسُّ الوَئيدَ إِثْرَ الوَئيدِ
نَبعَ النورُ بالنُّبُوَّةِ فِيهَا / فطَوَى صفحةَ اللَّيَالي السُّودِ
ومضَى يملأُ الممالكَ عَدْلاً / بَاسِمَ الوعْدِ مُكفَهِرَّ الوَعيدِ
أَطْلَقَ العقلَ من سَلاَسِلهِ الدُّهْ / مِ ونحّاه عن صَلَيلِ القُيُودِ
بَلغَتْ مِصْرُ في التَّآليفِ أوْجاً / فات طَوْقَ المُنَى بمَرْمىً بَعِيدِ
فاسأل الفاطِميَّ كَمْ من كتابٍ / زَان تاريخَهُ وسِفْرٍ فرِيدِ
والصَّلاحِيُّ والمماليكُ كانوا / مَوْئِلَ العِلْمِ في عُصورِ الرُّكُودِ
تلك آثارُهُمْ شُهُوداً عَلَى المَجْدِ / ومَا هُمْ بحاجَةٍ لشُهُودِ
اتَّئِدْ أيّها القَصِيدُ قَليلاً / أنا أرتاحُ لاتِّئاد القَصيدِ
وإِذا ما ذكرتَ نَهْضَةَ مِصْرٍ / فامْلأ الْخَافِقَيْنِ بالتَّغْرِيدِ
ثم مَجِّدْ مُحمَّداً جَدَّ إسْمَا / عيلَ واصْعَدْ ما شئتَ في التَّمْجيدِ
جاءَ والنَّاسُ في ظَلامٍ من الظُّلْمِ / وعَصْفٍ من الخُطُوبِ شَديدِ
حَسَراتٌ للذُّلِّ في كل وَجهٍ / وسِمَاتٌ للغُلِّ في كلِّ جِيدِ
فَأَزَاحَ الغِطاءَ عنهم فقاموا / في ذُهُولٍ وأقْبَلُوا في سُمُودِ
وهَدَاهُمْ إلى الحياةِ فَسَارُوا / في حِمىً من لِوَائِهِ المَعْقُودِ
كَمْ بُعُوثٍ للغَرْبِ بَعْدَ بُعُوثٍ / وَوُفُودٍ للشرقِ بَعْدَ وُفودِ
غَرَسَ الطبَّ في ثَرَى مُلْكِهِ الخِصْبِ / ورَوَّى من دَوْحِهِ كُلَّ عُودِ
وأَتَى بَعْدَهُ المجدِّدُ إسْمَا / عِيلُ ذُخرُ المُنَى ثِمَالُ الْجُودِ
وَ فُؤَادٌ تعيشُ ذِكرَى فُؤَادٍ / في نعيمٍ من رَحْمةٍ وخُلُودَِ
رَدَّ مَجْداً لِمِصْرَ لَوْلاَ نَدَاهُ / وَحِجَاهُ ما كانَ بالمَرْدُودِ
كلَّ يوْم لَهُ بناءٌ مَشِيدٌ / للمعالي إِلى بِناءٍ مَشِيدِ
ما اعْتَلَى الطِبُّ قِمَّةَ النَّجْمِ إلاَّ / بجِنَاحٍ من سَعْيه المَحْمُودِ
سَعِدَتْ مِصر بالْجَهابِذِ في الطِبِّ / فَكَمْ مِنْ مُحاضِرٍ ومُعِيدِ
وَعَلَى رَأْسِهِمْ أبو الحسن الْجرَّا / ح مَنْ كالرَّئِيس أوْ كالْعَمِيدِ
أيُّها الوَافِدُونَ من أمَمِ الشَّرْ / قِ وأشْبَاله الأُبَاةِ الصِّيدِ
اِهْبطُوا مِصرَ كَمْ بِهَا مِن قلوبٍ / شَفَّها حبكم وكَم من كُبُود
قَدْ رَأيْنَا في قُرْبِكُمْ يَوْمَ عِيدٍ / قَرَنَتْهُ المُنَى إِلَى يَوْمِ عِيدِ
إنَّ مِصراً لكم بلادٌ وأهْلٌ / لَيْسَ في الْحُبِّ بَيْنَنَا من حُدُودِ
جَمَعتْنَا الفُصْحَى فما من وِهَادٍ / فَرَّقَتْ بَيْنَنَا ولا من نُجُودِ
يَصِلُ الحبُّ حَيْثُ لا تَصِلُ الشَّمْس / ويجْتازُ شَامِخاتِ السُّدودِ
أُمَّةَ العُرْبِ آنَ أنْ يَنْهَضَ النِّسْرُ / فَقَدْ طَالَ عَهْدُهُ بالرُّقُودِ
صَفِّقِي بالْجَناحِ في أُذُنِ النَّجْمِ / ومُدِّي فَضْلَ العِنانِ وسُودِي
وأعِيدِي حَضَارةً زانَتْ الدُّنْيَا فكم / وَدَّتِ المُنَى أَنْ تُعِيدِي
إنَّمَا المَجْدُ أَنْ تُرِيدِي وَتَمْضِي / ثُم تَمْضِي سَبَّاقَةً وتُريدِي
لا يَنَالُ العُلاَ سِوَى عَبْقَريٍ / راسِخِ العَزْمِ كالصَّفَاةِ جَلِيدِ
قَدْ أَعَدْنَا عهْد العُرُوبَةِ فِي مِصْرَ / وذِكْرَى فِرْدَوْسِهَا المفْقُودِ
وَبَدأْنَا عَصْراً أغَرَّ سَعِيداً / بِمَليكٍ مَاضٍ أَغَرَّ سَعِيدِ
قَدْ حَبَاه الشبابُ رأياً وعَزْماً / عَلَوِيَّ المَضاءِ والتَّسدِيدِ
قام بالأَمْرِ أَرْيحيّاً رَشِيداً / فَذَكَرْنَا بِهِ عُهُودَ الرَّشِيدِ
إنَّ حُبَّ الفَارُوقِ وَهْوَ وَحِيدٌ / في مَكانٍ منَ القلوب وَحِيدِ
أَلْسُنُ العُرْبِ كلُّهَا دَعَوَاتٌ / ضَارِعَاتٌ بالنَّصْرِ والتَّأْيِيدِ
أبْصَرُوا في السَّماءِ مُلْكاً عَزِيزاً / رافعِ الرَّأْس فَوْقَ صَخْرٍ وَطِيدِ
وَرَأوْا عَاهِلاً يَفِيضُ جَلالاً / مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ
عَاشَ لِلْمُلْكِ وَالعُروُبَةِ ذُخْراً / في نعيمٍ مِنَ الْحَيَاةِ رَغِيدِ
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيدا
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيدا / وائتلِقْ يا صباحُ للناسِ عِيدا
نَسِيَتْ لحنَها الطيورُ فصوِّرْ / لبناتِ الغُصُونِ لحناً جديدا
فزَّعتْها عن الرياضِ خَفافي / شٌ تَسُدُّ الفضاءَ غُبْراً وسُودا
ألِفَتْ مُوحِشَ الظلامِ فودَّتْ / أن تبيدَ الدنيا وألاّ يَبيدا
فاسجَعي يا حمامةَ السلْمِ للكو / نِ وهُزِّي أعطافَه تغريدا
غرِّدي فالدموعُ طاح بها البِشْ / رُ وأضحى نَوْحُ الثَكالَى نشيدا
واسمَعي إنّ في السماء لحُونا / أسمعتِ الترتيل والترديدا
كلّما اهتزَّ للملائكِ صَوتٌ / رجّعْته أنفاسُنا تحميدا
رنَّةُ النصر في السماواتِ والأر / ضِ أعادتْ إلى الوجودِ الوجودا
مَوْلِدٌ للزمان ثانٍ شهدْنا / هُ فيا مَنْ رأى الزمانَ وليدا
سكنَ السيفُ غِمْدَه بعد أنْ صا / ل عنيفاً مُناجزاً عِرْبيدا
ما احمرارُ الأصيلِ إلا دماءٌ / بقيتْ في يَدِ السماء شُهودا
طائراتٌ ترمي الصواعقَ لا تخْ / شى إلاهاً ولا تخافُ عبيدا
أجهدتْ في السرى خوافقَ عِزْري / لَ فرفّتْ من خَلْفهِنَّ وئيدا
كلّما حلّقت بأُفْقِ مكانٍ / تركتْ فيه كلَّ شيءٍ حصيدا
كم سمِعْنا عَزيفَها من قريبٍ / فغدا الرأْيُ والسدادُ بعيدا
يلفَحُ الشيخَ والغلامَ لَظاها / ويُصيبُ الشجاعَ والرِعْديدا
كم وحيدٍ بين الرجامِ بكى أمّ / اً وأمٍ بكتْ فتاها الوحيدا
مُدُنٌ كنَّ كالمحاريبِ أمْناً / ترك الْخَسْفُ دُورَهنَّ سُجودا
وقُصورٌ كانت ملاعبَ أُنْسٍ / أصبحتْ بعد زَهوهِنَّ لُحودا
لَهْف نفسي عَلَى دماءٍ زكيّا / تٍ كَقْطرِ الغمامِ طُهْراً وجُودا
سِلْنَ من خَدِّ كلِّ سيفٍ نُضارا / بعد ما حَطَّم الحديدُ الحديدا
لَهفَ نفسِي عَلَى شبابٍ تحدَّى / عَذَباتٍ الفِرْدَوْسِ زَهْراً وعُودا
لَهفَ نفسِي والنارُ تعصِفُ بالجيْ / شِ فتلقاه في الرياح بَديدا
ذكّرتْنا جَهنّماً كلَّما أُلْ / قِيَ فَوْجٌ صاحتْ تُريدُ المَزيدا
كالبراكينِ إنْ تمشَّتْ وكالب / حر إذا جاشَ بالْحَميم صَهُودا
وإذا الماءُ كان ناراً فَمَنْ يَرْ / جو لنارٍ إذا استطارتْ خُمودا
أُمَمٌ تلتَقي صباحاً على المو / تِ لتستقبلَ المساءَ هُمودا
وفريقٌ للفتك يلقى فريقاً / وحُشودٌ للهَوْلِ تلقى حُشودا
كم حُطامٍ في الأرضِ كان عقولاً / ورَمادٍ في الْجَوّ كان جُهودا
وأمانٍ ونَشْوةٍ وشَبابٍ / ذهبتْ مثلَ أَمسها لن تَعودا
قُبُلاتُ الحسانِ ما زلن في الخَ / دِّ فهل عفَّرَ الترابُ الْخُدودا
ووعودُ الغرامِ ماذا عراها / أغدتْ في الثَرَى الْخضيبِ وعيدا
كم دُموعٍ وكم دماءٍ وكم هَوْ / لٍ وكم أنَّةٍ تفُتُّ الكُبودا
إنَّما الحربُ لعنةُ اللّهِ في الأر / ضِ وشَرٌّ بمَنْ عليها أريدا
صَدَّقَتْ ما رأى الملائكُ من قَبْ / لُ وما كان قولهم تفنيدا
إن الله حكمة دونها العق / ل فَخَلِّ المِراءَ والترديدا
كيف نصفو ونحن من عُنْصِر الط / ينِ فساداً وظلمةً وجُمودا
ذَهَبَ الموتُ بالْحُقودِ فماذا / لو محوتم قبلَ المماتِ الْحُقودا
شهواتٌ تدمِّرُ الأرضَ كي تح / يا وتجتاحُ أهلَها لتسودا
وجنونٌ بالمُلْكِ يعصِفُ بالدن / يا لكي يملِكَ القُبورَ سعيدا
يذبح الطفلَ أعْصَلَ النابِ شيطا / ناً ويحسو دَمَ النساء مَرِيدا
ويُسَوِّي جَماجمَ الناسِ أَبْرا / جا ليبغي إلى السماءِ صُعودا
قد رأينا الأُسودَ تقنَعُ بالقُو / تِ فليتَ الرجالَ كانت أسودا
قُتِلَ العلمُ كيف دبّر للفَتْ / كِ عَتَاداً وللدّمارِ جنودا
فهو كالخمر تَنْشُرُ الشرَّ والإثْ / مَ وإنْ كان أصلُها عُنقودا
أبدعَ المهلكاتِ ثم توارَى / خلفَها يملأُ الوَرى تهديدا
مادتِ الراسياتُ ذُعْراً وخَفَّتْ / مِنْ أفانينِ كَيْدهِ أنْ تميدا
وقلوبُ النجوم ترجُفُ أن يج / تازَ يوماً إلى مَداها الْحُدودا
مُحْدَثاتٌ عزّتْ على عقلِ إبلي / سَ فعَضَّ البنانَ فَدْماً بليدا
عالِمٌ في مكانِه ينسِفُ الأر / ضَ وثانٍ يحُزُّ منها الوَريدا
حَسْرَتا للحياةِ ماذا دهاها / أصبح الناسُ قاتلاً وشهيدا
أصحيحٌ عاد السلامُ إلى الكو / ن وأضحى ظِلاً به ممدودا
ورنينُ الأجْراسِ يصدَحُ بالنص / ر فيا بِشْرَهُ صباحاً مَجيدا
سايَرتْها قلوبُنا ثم زِدْنا / فأضَفْنا لشَدْوِهنّ القصيدا
رَدِّدي ردِّدي ترانيمَ إسحا / قَ وهُزِّي الحسانَ عِطْفاً وجِيدا
أنتِ صُورُ الحياةِ قد بَعَثَ النا / سَ وكانوا جماجماً وجُلودا
قد سئِمنا بالأمسِ صَفَّارةَ الإنْ / ذارِ والوَيْلَ والعذابَ الشديدا
ردِّدي صوتَكِ الحنونَ طويلاً / وابعَثيِ لحنَك الطروبَ مديدا
واهتِفي يا مآذِنَ الشرقِ باللَّ / ه ثناءً وباسمِه تمجيدا
واسطَعي أيها المصابيحُ زُهْراً / واجعَلي شوقَنا إليك وَقودا
قرَّتِ النفسُ واطمأنَّتْ وكانت / أملاً حائرَ الطريقِ شَريدا
ليت شعري ماذا سنجني من النص / رِ وهل تصدُقُ الليالي الوُعودا
وهل الأربعُ الروائعُ كانت / حُلُماً أو مواثِقاً وعُهودا
وهل انقادتِ الممالكُ للعد / لِ فلا سيِّداً تَرى أو مَسُودا
وهل الحقُّ صار بالسلمِ حقّاً / وأذابَتْ لظَى الحروبِ القُيودا
وهل العُرْبُ تستردُّ حماها / وتناجي فِرْدَوْسها المفقودا
وَترى في السلامِ مجداً طريفاً / جاء يُحْيى بالأَمسِ مجداً تَليدا
بذَلتْ مصرُ فوق ما يبذُلُ الطَّوْ / قُ وقد يُسْعِفُ النديدُ النديدا
في فيافيِ صَحْرائِها لَمَعَ النص / رُ وولَّى رُوميلُ يعْدو طريدا
فهي إذْ تنثُرُ الورودَ تُناغي / أملاً ضاحكاً يفوقُ الورودا
وهي ترجو لا بل تريدُ وأَجْدِرْ / بابنةِ النيلِ وَحْدها أنْ تُريدا
لاَ الدَّمعُ غاضَ ولاَ فُؤادُكَ سَالي
لاَ الدَّمعُ غاضَ ولاَ فُؤادُكَ سَالي / دَخَلَ الْحِمَامُ عَرِينةَ الرِّنْبالِ
وَأَصابَ في المَيْدانِ فارسَ أُمَّةٍ / رَفَع الكِنَانةَ بَعْدَ طُولِ نِضَالِ
رَشَقَتْه أحْداثُ الْخطوبِ فأقْصَدَتْ / حَرْبُ الخُطُوبِ الدُّهْمِ غيرُ سِجَالِ
لِلْمَوْتِ أَسْلِحَةٌ يَطِيحُ أَمَامَها / حَوْلُ الْجرِيءِ وَحِيلَةُ المُحْتَالِ
ما كَانَ سَعْدٌ آية في جِيلِه / سَعْدُ المُخلَّدِ آيةُ الأَجْيَالِ
تَفْنَى أَحادِيثُ الرِّجالِ وَذِكْرُهُ / سَيظَلُّ في الدُّنْيا حَدِيثَ رِجَالِ
سَارٍ كمِصْبَاحِ السَّماءِ يَحُثُّه / كرُّ الضُّحَى وتَعاقُبُ الآصال
أرأيْتَ مصرَ تهُبُّ لاِسْتقلالِها / والسَّيْفُ يَلْمَعُ فوقَ كلِّ قَذَالِ
والذُّعرُ يعصفُ بالقُلوب كَمَا جَرتْ / هُوجُ الرِّياحِ على كَثِيبِ رِمال
والأرضُ تَرْجُفُ والسَّماءُ مَرِيضَةٌ / والنَفْسُ حَيْرَى والهُمُومُ تَوَالى
والناسُ في صَمْتِ المَنُونِ كأنّهُمْ / صُوَرٌ كَسَاها الحْزنُ ثَوْبَ خَبَال
إن حَدَّثوكَ فَبِالْعُيون لِيَتَّقوا / رَصَدَ العيون وشِرَّةَ المُعْتال
والموتُ يَخْطرُ في الْجُمُوعِ وحَوْلَه / أَجْنادُه من أَنْصُلٍ وَعَوالي
ريّانَ من مُهَجِ الشَّبابِ كأنَّما / مُهَجُ الشَّبابِ سُلافَةُ الْجِرْيَالِ
وجَنَانُ مِصْرَ عَلَى جَنَاحَيْ طَائرٍ / مِمَّا أَلَحَّ عليه مِنْ أَهْوال
ترْنُو إِلى أبنائِها بنَواظرٍ / غَرِقَتْ بماءِ شُؤُونِها الهَطّالِ
وإذَا بصَوْتٍ هزَّ مصرَ زئيرهُ / غضَبُ اللُّيوثِ حمايةُ الأشْبالِ
صوْتٌ كصُورِ الحشْرِ جَمَّع أمّةً / منحلَّةَ الأطرافِ والأوْصالِ
فتطَلَّعتْ عَيْنٌ وأصْغَت بعدَها / أُذنٌ وهمَّت أَلْسُنٌ بسؤال
مَنْ ذلك الشَّعشَاعُ طال كأنَّه / صدرُ القَناةِ وعامِلُ العَسّالِ
مَنْ ذلك النَّمِرُ الوَثُوبُ وذلك ال / أَسَدُ المُزَمْجِرُ ذُو النِّداءِ العالي
ومَنْ الذي اخْتَرقَ الصُّفوفَ كأنَّه / قَدَرُ الإلهِ يسيرُ غيرَ مُبالي
سعْدٌ وحسبُكَ منْ ثَلاثة أحْرفٍ / ما في الْبَرِيّةِ من نُهىً وكمالِ
كتَبَ الكتائبَ حَوْلَ مصرَ سِلاحُها / صبْرُ الكريمِ وهمَّةُ الفَعّالِ
ومنَ السُّيوفِ إِرادةٌ مَصْقولةٌ / طُبِعَتْ ليوْمِ كريهةٍ ونِزالِ
ومِنَ السَّوابِغ حِكْمةٌ سَعْديَّةٌ / تُزْرِي بوَقْعِ أسِنَّةٍ ونِبَالِ
ومِن الْحصونِ فؤادُ كلِّ مُصابَرٍ / جَهْمِ العَزيمةِ ضاحكِ الآمال
فَمضَى إلى النَّصرِ المُبينِ مُؤزَّراً / والشَّعبُ يَهتفُ باسْمِه ويُغَالي
وَهَدَى الشَّبَابَ إلَى الْحَياةِ فأَدْرَكُوا / مَعْنَى الْحيَاةِ وَعِزَّ الاسْتِقْلالِ
وَجَرَى يُغَبِّرُ لاَ الْعَسِيرُ بِخاذِلٍ / أمَلاً ولا نَيْلُ السُّها بِمُحالِ
فكَأَنَّه سَيْفُ الْمُهَيْمِن خَالِدٌ / وكَأَنَّ دَعْوتَهُ أذَانُ بِلاَلِ
مَا رَاعَهُ نَفْيٌ وَلاَ لَعِبَتْ به / في حُبِّ مِصْرَ زَعَازِعُ الأَوْجَال
وَيَرى الْحُتوفَ وَقَدْ مَلأْنَ طَرِيقَه / نَارَ الْحُبَاحِبِ أَوْ وَمِيضَ الآل
يَزْدَادُ في عَصْفِ الشَّدَائِدِ قُوَّةً / وَيَجُولُ حِينَ يَضيِقُ كُلُّ مَجالِ
كَالشُّعْلَةِ الْحَمْراءِ لَوْ نَكَّسْتَها / لأَضَفْتَ إِشْعَالاً إِلَى إِشْعَالِ
وَالسَّيْلُ إنْ أَحْكَمْتَ سَدَّ طَريقِه / دَكَّ الْحُصُونَ فَعُدْنَ كَالأَطْلالِ
وَالصَّارِمُ الفَصَّالُ لَمْ يَكُ حَدُّه / لَولاَ اللَّهِيبُ بِصَارِمٍ فَصَّال
خَصْمٌ شَرِيفٌ نَالَ مِنْ خُصَمَائِهِ / مَا نَالَ مِنْ إِجْلالِ كُلِّ مُوَاليِ
عَرفُوهُ وَضَّاحَ السَّرِيرَةِ طَاهِراً / شَرُّ الْبَلاَءِ خُصُومَةُ الأنْذَالِ
إنَّ الشَّجَاعَةَ أنْ تُنَاضِلَ مُصْحِراً / لاَ أن تَدِبَّ كَفَاتِكِ الأَصْلاَلِ
إنْ قَامَ يَخْطُبُ قُلْتَ حَيْدَرَةُ انْبَرَى / لِلْقَوْل في سَمْتٍ وَصِدْقِ مَقَالِ
إِعْجَازُ عَارِضَةٍ وَنُورُ بَديِهةٍ / وَبَدِيعُ تَنْسِيقٍ وَحُسْنُ صِقَالِ
يَخْتَارُ مِنْ آيِ الْكَلامِ جَوَاهراً / دُرَرُ الْبَلاغَةِ كاسْمِهِنَّ غَوَالي
مَا عَقَّهُ حُرُّ الْبَيانِ وَلاَ جَزَتْ / أُمُّ اللُّغاتِ وَفَاءَهُ بِمطَالِ
وَالسَّامِعُونَ كأنَّما لَعِبَتْ بِهِمْ / صَهْبَاءُ قَدْ نُفِحَتْ بِرِيحِ شَمَال
فَإِذَا أُثِيرَ رَأَيْتَ بُرْكَاناً رَمَى / حُمَمَاً وَدَكَّ الأرضَ بالزِلْزَال
مُتَنَمِّراً كالَلَّيْث دِيسَ عَرِينُه / مُتَوثِّباً يَدْعُو الرِّجَالَ نَزَالِ
كَلِمٌ إذَا حَدَرَ اللِّثَامَ رَأَيْتَهَا / حَالَتْ إِلَى مَسْنُونَةٍ وَنِصَالِ
لاَ تَذْكُرُوا نَارَ الصَّوَاعِقِ عِنْدَهَا / نَارُ الصَّوَاعِقِ عِنْدَهَا كذُبَالِ
نَفْسٌ كَأَنْفاسِ الْمَلاَئِكِ طُهِّرَتْ / وَشمَائلٌ أَحْلَى من السَّلْسَالِ
وَتَوَاضُعُ النُّسَّاكِ فِيهِ يَزِينهُ / شَمَمُ الْمُلوكِ وَعِزَّةُ الأَقْيَال
وَخَلائِقٌ كالَزَّهْرِ سَارَ عَبِيرُهُ / مَا بَيْنَ أَمْوَاهٍ وَبَيْنَ ظِلالِ
وَعَزِيمةٌ جَبَّارَةٌ لَوْ حُمِّلَتْ / أُحُداً لَمَا شَعَرَتْ له بِكَلاَل
وَشَجَاعَةٌ فِي اللّه يَكْلؤُها الحِجَا / وَالْحَزْمُ فِي الإِدْبَارِ وَالإِقْبَال
وَعَقِيْدَةٌ لَوْ هُزَّتِ الأَجْبَالُ مِنْ / ذُعْرٍ لَمَا اهْتَزتْ مَعَ الأَجْبَال
دَارُ النِّيَابَةِ عُوجِلَتْ فِي مِدْرَهٍ / كَانَ الزَّمَانُ بِهِ منَ البُخّالِ
ضُرِبَتْ بِهِ الأَمْثَالُ لَمَّا أَنْ غَدَا / فِي دَهْرِهِ فَرْداً بِلاَ أَمْثَال
قَدْ كَانَ فَيْصَلَهَا إذَا عَجَّتْ بِهَا / لُجَجُ الْخِلاَفِ وَلَجَّ كُلُّ جِدَالِ
يَزِنُ الْكَلاَمَ كَمَا يُوَازِنُ صُيْرَفٌ / في النَّقْدِ مِثقْالاً إِلَى مِثْقَال
وإِذَا الْحَقيقَةُ أظْلَمَتْ أَسْدَالُهَا / صَدَعَ الدُّجَى فبَدَتْ بِلاَ أَسْدَال
جَمَعَ الْقُلُوبَ عَلَى الْوفَاقِ وصَانَه / مِنْ وَهْنِ رِعْدِيدٍ وَطَيْشِ مُغَالي
لم يَنْتَقِلْ حَتَّى تَفَجَّر نَبْعُهُ / وشَفَى النُّفُوسَ نَميرُهُ بِزُلاَل
عَقَدَ الإِلَهُ عُرَاهُ جَلَّ جَلاَلُهُ / أَتَرَى لِعَقْدِ اللّهِ مِنْ حَلاَّلِ
لَهْفِي عَلَيْهِ وَهْوَ رَهْنُ فِراشِهِ / مُتَفَزِّزاً مِنْ دائِه القَتَّال
لَهْفِي عَلَى لَيْثِ الكِنَانَةِ أُغْمِدَتْ / أَظْفَارُهُ مِنْ بَعْدِ طُولِ صِيَال
قَنَصَتْ بَنَاتُ الدَّهْرِ واحِدَ دَهْرِهِ / ورَمَتْهُ مِنْ أَدْوائِها بعُضَال
يَرْنُو إِلَيْهِ الْعَائِدُونَ بِأَعْيُنٍ / غُزْرِ الدُّمُوعِ كَثِيرةِ التَّسآل
مُتَقَدِّمِينَ تَسُوقُهُمْ لُمَعُ المُنَى / مُتَراجِعِينَ مَخَافَةَ الإِعْوَال
والْمَوْتُ يَسْخرُ بالْحَياةِ وطِبِّها / جُهْدُ الْحياةِ نِهايَةُ الآجَالِ
والشَّعْبُ يَسْأَلُ كَيْفَ سَعْدٌ مالَه / والنَّاسُ في ذُعْرٍ وفي بَلْبَالِ
يَفِدُون لِلْبَيْتِ الْكَرِيمِ كَأَنَّهُمْ / زُمَرُ الْحجيجِ تَسِيرُ في أَرْسَال
يَفْدُون بالنَّفْسِ الرَّئيسَ وإنَّما / نَفْسُ الرَّئيسِ بقَبْضَةِ المُتَعالي
عَرَفُوا الْجمِيلَ ولا تَزَالُ بَقِيَّةٌ / في النَّاسِ لْلإِحسَانِ والإِجْمَال
مَن يَشْتَرِي حُسْنَ الثَّناءِ فإنّما / بِفعالِهِ يَشْرِيهِ لا بِالْمَالِ
يَأَيُّها النَّاعِي حَنَانَكَ إنّما / هِيَ أُمَّةٌ أَضْحَتْ بِغَيْرِ ثِمَال
ماذا تَقُول وللرَّزيئَةِ رَوْعَةٌ / تُغْنِي بَلاَغَتُها عن الأَقْوَال
مَنْ كَان يَرْثِي أُمَّةً في وَاحِدٍ / تَكْفِيهِ بارِقةٌ مِن الإِجْمَال
وإِذا الْبَيانُ أَبَى عليهِ فَرِيدُهُ / فالدَّمْعُ فِيه فَرائِدٌ ولآليِ
سَارَتْ مَطيَّةُ نَعْشِهِ عُجْباً به / تَخْتَالُ بين الوَخْدِ والإِرْقَالِ
فِيها كَتَابُوتِ الْكَليمِ سَكينةٌ / وَبَقيَّةٌ مِنْ هَيْبَةٍ وَجَلالِ
لا تَحْمِلوه عَلَى المَدَافِعِ إِنّما / فَخْرُ الزَّعيم قِيادَةُ الأَعْزَالِ
أَجْدِرْ بِمَنْ حَمَلُوه فِي غَزَواتِهِ / أَنْ يَحْمِلُوهُ عَشِيَّةَ التَّرْحَال
سِيرُوا عَلَى سَنَنِ الزَّعيمِ فَإِنَّهُ / سَنَنُ الُهدَى وَجَلائِل الأَعْمَال
قَدْ خَطَّ مِنْ أَخْلاَقِهِ وجِهَادِهِ / للِفْتيَةِ السَّارينَ خَيْرَ مِثَالِ
إِنْ كَانَ لَمْ يَنْجُلْ فإِنَّ لَهُ بِكُمْ / عَدَدَ النُّجُومِ الزُّهْرِ مِنْ أَنْجَال
لا تَيْأَسُوا فَلَكَمْ أُبِيدَتْ قَبْلكُمْ / أُمَمٌ بِيَأسٍ قَاتِلٍ وَمَلاَل
إِنَّ الشُّعُوبَ تُصَابُ في أَبْطَالِها / وحَياتُها في سِيرَةِ الأبْطَالِ
هِيَ قُدْوَةٌ للعامِلِينَ وَأُسْوَةُ الْمُسْتَبْسِلِينَ / وَقِصَّةُ الأَطْفال
سَعْدٌ حَيَاةٌ في المَمَاتِ وَقَبْرُهُ / مَهْدُ الْجِهاد ومَجْدُ الاِسْتِقْبَال
أَحْرَى بمَنْ وَهَبَ الْحَياةَ لِقَوْمِهِ / أَلاَّ تُمَسَّ حَياتُهُ بزَوَال
طُموحٌ وإلاّ ما صِراعُ الكتائبِ
طُموحٌ وإلاّ ما صِراعُ الكتائبِ / وعَزمٌ وإلاّ فيمَ حَثُّ الركَائبِ
إذا المجد لم يترك وراءَكَ صَيحةً / مُدَوِّيةً فالمجدُ أوهامُ كاذبِ
يخوضُ الهمامُ العبقري بِعزمهِ / ظلامَ الفيافِي في ظلامِ الغَياهبِ
وأرْوَعُ ما تهفو له العينُ رايةٌ / تُداعبها الأرواحُ في كَفِّ غَالبِ
وكم بَطلٍ في الأرضِ غابَ وذكرهُ / يُحلِّق في الآفاقِ ليسَ بغائبِ
يُدونُه الميلادُ بينَ لِداتِهِ / ويكتُبه التاريخُ بينَ الكواكبِ
وما مَاتَ من أبقى لمصر مجادةً / تُطاول أعنانَ السماءِ بغَاربِ
حَماهَا بعزمٍ لو رأَتْه قواضبٌ / لأضحَى سناهُ حسرة في القواضبِ
ومن مثل إبراهيم إن حمى الوغَى / وأمطرت الأرضُ السماءَ بحاصبِ
صَواعِقُ تلقى للحتوفِ صَواعقاً / وسُحْبُ عُجَاجٍ تلتقي بسحائبِ
وزمزمةٌ تُنسى الرعودَ هزيمَها / وتثقب آذانَ النجومِ الثواقبِ
سلُوا عنه عكا إنَّها إن تكلَّمتْ / معَاقلُها حدثتكُمْ بالعجائبِ
رماهَا بجيشٍ لو رمَى مشرِقَ الضُحى / لفر حسيرَ الطرفِ نَحو المغاربِ
رماهَا فتىً لا يعرف الشك رأيه / ويعرف بالإلهَام سرَّ العواقبِ
ممنعةٌ ما راضَها عزمُ قائدٍ / وعذراءُ لم تَظْفَرْ بها كَفُّ خَاطبِ
أتاها بنوبارتٌ يُداوي ندوبَهُ / وآبَ يصُك الوجه صَكَّ النوادبِ
أتاهَا يجُر الذيْلَ في تيه واثقٍ / فعادَ يَجُر الذيْلَ في خِزي خَائبِ
رآهَا وفي العنقودِ والكرم ما اشْتهَى / وأيْنَ من العنقُودِ أيدِي الثعالبِ
وكم وضَعت مِنْ إصْبع فوقَ أنفها / وكم غمزَتْ أسوارُهَا بالحواجبِ
رأت فاتحَ الدنْيا يفرُّ جبانةً / ويُلْقِي على الأقدارِ نظرةَ عاتبِ
ولكنَّ إبراهيم في الروْعِ كوكبٌ / إذا انقضّ فالآطام لُعبة لاعبِ
ويوم نصيبين التي قامَ حولها / بنُو التركِ والألمانُ حُمْرَ المخالبِ
عَلاهَا فتى مصرِ بضربةِ فيصلٍ / ولكنَّها للنصرِ ضربة لازبِ
فريعَ لها البوسفورُ وارتّج عرشَه / وصاحت ذئابُ الشر من كلِّ جانبِ
أبى الغربُ أن تختالَ للشرقِ رايةٌ / وأن يقفَ المسلوبُ في وجهِ سالبِ
أيُدْعَى سليلُ الشرقِ للشرق غَاصِباً / ومغتالُه في الغربِ ليسَ بغاصبِ
سياسَةُ حِقْدٍ أيَن من نفثاتِهَا / لعاب الأفَاعِي أو سموم العقاربِ
حنَاناً لإبراهيم لاقى كتائِباً / من الكيدِ لم تَعْرِف نضَالَ الكتائبِ
غزُوه بجيشٍ بالدهاءِ مُحارِبٌ / ولكنّه بالسيف غير محاربِ
فما ليَّنُوا منه قناةً صليبةً / ولا كدّرُوا من صفو تلك المناقبِ
عرفنا لحامِي القبلتيْنِ جهادَهُ / وكَمْ هانَ مطلوبٌ لعزّةِ طَالبِ
له العُرْبُ ألقتْ في إباءٍ زِمَامَها / وكانت سَراباً لا يُنالُ لشاربِ
فوحدهَا في دولةٍ عربيةٍ / تُزاحم في ركب العُلا بالمناكبِ
يقولون قِفْ بالجيش ماذَا تريدُه / وماذا تُرجِّي من وَرَاءِ السباسبِ
فقالَ إلى أَنْ تنتهي الضادُ أنتهي / وحيث تسيرُ العُرْبُ تسري نجائِبي
لقد زُهيت مصر بباعثِ شعبِها / لكسب المعَالي واقتناءِ الرغائبِ
وكَمْ كتبَ التاريخُ لابن محمدٍ / خَوالِدَ والتاريخُ أصدَقُ كاتبِ
وكَمْ صانَ مصراً من بنيه مملكٌ / بعيد منال العزمِ جَمّ المطَالبِ
شمائلُ فاروقٍ وعزّةُ ملكِه / تَزِيدُ جَلالاً في جلال المناسبِ
ما لي فُتِنْتُ بلحْظِكِ الْفَتَّاكِ
ما لي فُتِنْتُ بلحْظِكِ الْفَتَّاكِ / وسَلَوْتُ كُلَّ مَلِيحَةٍ إِلاَّكِ
يُسْرَاكِ قَدْ مَلَكَتْ زِمامَ صَبَابتي / ومَضَلَّتِي وهُدَايَ في يُمْنَاكِ
فَإِذا وَصَلْتِ فَكُلُّ شَيْءٍ باسِمٌ / وإِذا هَجَرْتِ فكُل شَيْءٍ باكِي
هذا دَمِي في وَجْنَتَيْكِ عَرَفْتُهُ / لا تَسْتَطِيعُ جُحُودَهُ عَيْنَاكِ
لو لم أَخَفْ حَرَّ الْهَوَى وَلَهِيبَهُ / لَجَعَلْتُ بَيْنَ جَوَانحِيِ مَثْواكِ
إِنِّي أَغارُ منَ الْكؤُوسِ فَجنِّبي / كأْسَ الْمُدَامَةِ أَنْ تُقَبِّلَ فاكِ
خَدَعَتْكِ ما عَذُبَ السُّلافُ وإنَّمَا / قد ذُقْتِ لَمَّا ذُقْتِ حُلْوَ لَماكِ
لَكِ مِنْ شَبَابِكِ أَوْ دَلاَلِكِ نَشْوَةٌ / سَحَرَ الأَنَامَ بِفِعْلِهَا عِطْفَاكِ
قالَتْ خَلِيلتُها لها لِتُلينَها / ماذا جَنَى لَمَّا هَجَرْتِ فَتاكِ
هِيَ نَظْرَةٌ لاقَتْ بِعَيْنِكِ مِثْلَهَا / ما كَانَ أَغْنَاهُ وما أَغْناكِ
قد كَانَ أَرْسَلَها لِصَيْدِكِ لاَهِياً / فَفَرَرْتِ مِنْهُ وعادَ في الأَشْرَاكِ
عَهْدي بِه لَبِقَ الْحديثِ فَمَا لَهُ / لا يَسْتَطيعُ الْقَوْلَ حِينَ يَرَاكِ
إِيَّاكِ أَنْ تَقْضِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ / عَرَفَ الحياةَ بحُبِّهِ إِيَّاكِ
إِنَّ الشَّبَابَ وَدِيعَةٌ مَرْدُودَةٌ / والزُّهْدُ فِيه تَزَمُّتُ النُّسَّاكِ
فَتَشَمَّمِي وَرْدَ الْحياةِ فَإِنَّهُ / يَمْضِي ولا يَبْقَى سِوَى الأشْوَاكِ
لم تُنْصِتي وَمَشَيْتِ غَيْرَ مُجيبَةٍ / حَتَّى كأَنَّ حَديِثَها لِسِواكِ
وَبَكَتْ عَلَيَّ فما رَحِمْتِ بُكاءَها / ما كانَ أعْطَفَهَا وما أَقْساكِ
عَطَفَتْ عَلَيّ النَّيِّرَاتُ وساءَلَتْ / مَذْعُورَةً قَمَرَ السَماءِ أَخاكِ
قالَتْ نَرى شَبَحاً يَرُوحُ ويَغْتَدِي / ويَبُثُّ في الأكْوانِ لَوعَةَ شاكِي
أنَّاتُ مَجْرُوحٍ يُعالِجُ سَهْمَهُ / وزَفِيرُ مَأسُورٍ بِغَيرِ فَكاكِ
يَقْضِي سَوادَ الَّليلِ غَيْرَ مُوَسَّدٍ / عَيْنٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ ذاكِي
حَتَّى إذا ما الصبْحُ جَرَّدَ نَصْلَهُ / ألْفَيْتَهُ جِسْماً بِغَيْرِ حَراكِ
إِنَّا نكادُ أسىً عَلَيْهِ ورَحْمَةً / لِشَبابِهِ نَهْوِي مِنَ الأَفْلاكِ
مِنْ عَهْدِ قابِيلٍ ولَيْسَ أمامَنا / في الأرْضِ غَيْرُ تَشاكُسٍ وعِراكِ
ما بَيْنَ فَاتِكَةٍ تَصُول بِقَدِّها / وفَتىً يَصُولُ بِرُمْحِهِ فَتَّاكِ
يا أرْضُ وَيْحَكِ قَدْ رَوِيتِ فأَسْئِري / وكَفَاكِ مِنْ تِلْكَ الدِماءِ كَفاكِ
في كُلِّ رَرْعٍ مِنْ رُبُوعِكِ مَأْتَمٌ / وثَوَاكِلٌ ونَوادِبٌ وبَواكِي
قد قامَ أهْلُ الْعِلْم فيك ودَبَّرُوا / بَرِئتْ يَدِي مِنْ إِثمِهِمْ ويَداكِ
كاشَفْتِهِمْ سِرَّ الْعَناصِرِ فَانْبَرَوْا / يَتَخَيَّرُونَ أمَضَّها لِرَداكِ
نَثَرُوا كنانَتَهُمْ وكُلَّ سِهامِها / لِلْفَتْكِ والتَدْمِيرِ والإِهْلاكِ
دَخَلُوا عَلَى الْعِقْبانِ في أوْكارِها / وتسَرَّبُوا لمسابِحِ الأسمَاكِ
فَتأَمَّلي هَلْ في تُخُومِكِ مَأْمَنٌ / أَمْ هَلْ هُنالِكَ مَعْقِلٌ بِذُراكِ
ظَهْرُ الُليُوثِ وذاكَ أَصْعَبُ مَرْكَبٍ / أَوْفَى وأَكرَمُ مِنْ أَدِيمِ ثَراكِ
لَيْتَ الْبحارَ طَغَتْ عَلَيْكِ وسُجِّرتْ / أو أَنَّ مَنْ يَطْوِي السَماءَ طَوَاكِ
لم يَبْقَ في الإِنْسانِ غَيْرُ ذَمائِهِ / فَدَراكِ يا رَبَّ السَماءِ دَراك
وإذا النُفُوسُ تَفَرَّقَتْ نَزَعاتُها / قامَتْ إِذا قامَتْ بِغَيْر مَساك
والسَيْفُ أَظْلَمُ ما فَزِعْتَ لِحُكْمِه / والْحَزْمُ خَيْرُ شَمائِلِ الأَمْلاكِ
ومِنَ الدماءِ طَهارَةٌ وَعدالَةٌ / ومِنَ الدماءِ جنايَةُ السُّفاكِ
والْعِلْمُ مِيزانُ الْحَياةِ فإِنْ هَوَى / هَوَتِ الْحَياةُ لأَسْفلِ الأدْرَاك
جدّدي يا رشيدُ للحبِّ عَهْدَا
جدّدي يا رشيدُ للحبِّ عَهْدَا / حَسْبُنا حسبُنا مِطالاً وصدَّا
جدّدي يا مدينةَ السحرِ أحلا / ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغْدا
جدّدي لمحةً مضتْ من شبابٍ / مثل زهر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوةً أغار عليها الش / يْبُ حتَّى غدتْ عَناءً وسُهدا
وتعالَيْ نعيشُ في جَنَّةِ الما / ضي إذا لم نجِدْ من العيشِ بُدّا
ذِكْرياتٌ لو كان للدهرِ عِقْدٌ / كنّ في جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
ذِكْرياتٌ مضتْ كأحلام وصلٍ / وسُدىً نستطيعُ للحُلْمِ رَدَّا
قد رشفنا محتومهنَّ سُلافاً / وشممْنا رَيّا شذاهُنّ نَدّا
والهَوى أمْرَدُ المحيَّا يناغي / فِتْيةً تُشبهُ الدنانير مُرْدَا
عبِثوا سادرين فالْجِدُّ هزلٌ / ثمّ جدّوا فصيَّروا الهزلَ جِدّا
ويح نفسي أفدي الشبابَ بنفسي / وجديرٌ بمثلهِ أن يُفَدَّى
إنْ عددنا ليومِه حسناتٍ / شغلتْنا مساوىءُ الشيْبِ عَدّا
جذوةٌ للشبابِ كانت نعيماً / وسلاماً على الفؤادِ وبَرْدا
قد بكيْناه حينَ زال لأنّا / قد جهِلْنا من حَقّه ما يُؤَدّى
وقتلناه بالوقارِ ضلالاً / وهو ما جار مرّةً أو تعدَّى
ما عليهم إن هام عمرٌو بهندٍ / أو شدا شاعرٌ بأيامٍ سُعدى
شُغِفَ الناسُ بالفضُولِ وبالْحِقْ / دِ فإنْ تلقَ نعمةً تلَقَ حِقدا
أرشيدٌ وأنت جنَّةُ خُلْدٍ / لو أتاح الإلهُ في الأرضِ خُلدا
حين سَمّوْكِ وردةً زُهِيَ الحس / نُ وودّ الخدودُ لو كنّ وَرْدا
توّجتْ رأسَكِ الرمالُ بتبرٍ / وجرَى النيلُ تحت رِجْليْك شهدا
وأحاطت بكِ الخمائلُ زُهْراً / كلُّ قَدٍ فيها يعانقُ قَدّا
والنخيلُ النخيلُ أرخت شعوراً / مُرسَلاَتٍ ومدَّت الظلَّ مدّا
كالعذارَى يدنو بها الشوقُ قُرْباً / ثم تنأَى مخافةَ اللّومِ بُعْدَا
حول أجيادِها عقودُ عقيقٍ / ونُضارٍن صفاؤه ليس يصدأ
يا ابنةَ اليمِّ لا تُراعي فإنّي / قد رأيتُ الأمورَ جَزْراً ومدّا
قد يعودُ الزمانُ صفواً كما كا / نَ ويُمسي وعيدُه المُرُّ وعدا
كنتِ مذ كنتِ والليالي جواري / كِ وكان الزمانُ حولَك عبدا
كلّما هامت الظنونُ بماضي / كِ رأتْ عَزْمَةً وأبصرن مجدا
بكِ أهلي وفيكِ مَلْهَى شبابي / ولَكَمْ فيكِ لي مَراحٌ ومَغْدَى
لو أصابتكِ مسّةُ الريحِ ثارت / بفؤادي عواصفٌ ليس تَهْدا
أنا من تُرْبِك النقي وشعري / نفحاتٌ من وَحْيِ قُدْسِك تُهْدى
كنتُ أشدو به مع الناس طفلاً / فتسامَى فصرتُ في الناسِ فَرْدا
من رزايا النبوغِ أنّكِ لا تلْ / قَ أنيساً ولا تَرَى لكَ نِدّا
قد جَزيْناكِ بالحنانِ حَناناً / وجزينا عن خالصِ الوُدِّ وُدّا
ليتَ لي بعد عودتي فيك قبراً / مثلما كنتِ مَنْبِتاً لي ومَهْدا
أصحيحٌ أن الخطوبَ أصابت / كِ وأنّ الأمراضَ هَدَّتْكِ هدّا
وغدا الفيلُ فيكِ داءً وبيلاً / نافثاً سُمَّه مُغيراً مُجِدَّا
كم رأينا من عاملٍ هدَّه الدّا / ءُ وأرداه وَقْعُه فتردَّى
كان يسعَى وراءَ لُقْمةِ خُبْزٍ / ولَكَمْ جدَّ في الحياةِ وكدّا
فغدا كالصريع يلتمسُ الْجُهْ / دَ ليحيا به فلم يَلْقَ جُهدا
إن مشى يمشِ بائساً مستكيناً / كأسيرٍ يجرُّ في الرجْلِ قِدّا
خلفه من بَنيه أتضاءُ جوعٍ / وهو لا يستطيع للجوعِ سَدّا
كلّما مدّ كفَّه لسؤالٍ / أشبعتها اللئامُ نَهْراً وطَرْدا
أمن الحق أن نعيش بِطاناً / ويجوعَ العَليلُ فينا ويصْدَى
وَلكَمْ تلمَحُ العيونُ فتاةً / مثل بدرِ السماءِ لمَّا تبدّى
هي من نَغْمَةِ البشائرِ أحلَى / وهي من نَضْرةِ الأزاهرِ أندَى
تتمنَّى الغُصُونُ لو كنَّ قدّاً / حينَ ماستْ والوردُ لو كان خدَّا
حوّمتْ حولَها القلوبُ فَراشاً / ومشت خلفَها الصواحبُ جُنْدا
وارتدت بالْخِمارِ فاختبأ الحس / نُ يُثير الشجونَ لما تردّى
لعِبتْ بالنهَى فأصبح غَيَّا / كلُّ رُشْدٍ وأصبح الغَيُّ رُشدا
حسَدَ الدهرُ حسنَها فرماها / بسهامٍ من الكوارثِ عَمْدا
طرقتها الحمَّى الخبيثةُ ترمى / بشُواظٍن يزيده الليلُ وَقْدا
روضةٌ من محاسنٍ غالها الإعْ / صارُ حتى غَدَتْ خمائلَ جُرْدَا
حلّ داءُ الفيل العُضالُ برِجْلَيْ / ها وألقَى أثقالَه واستبدّا
كم بكتْ أُمُّها عليها فما أغْ / نَى نُواحٌ ولا التحسُّرُ أجْدَى
ويحَها أين سِحْرها أين صارت / أين ولَّى جمالُها أين نَدّا
أين أين ابتسامُها ذهب الأنُ / سُ ومال الزمانُ عنها وصَدّا
أين فَتْكُ العيونِ لم يترك الدهْ / رُ سيوفاً لها ولم يُبْقِ غِمْدا
أين خلْخالها لقد خلعتْه / وهي تبكي أسىً وتنفُثُ صَهْدا
طار خُطّابُها فلم يَبْقَ فردٌ / وتولَّى حَشْدٌ يحذِّرُ حشدا
لسعتها بعوضةٌ سكنت بِئْ / راً وقد كان جسمُها مستعدّا
إن هذا البعوضَ أهلك نُمْرو / ذَ وأفنَى ما لم يُعَدُّ وأعْدَى
فاحذروه فإنّه شرُّ خَصْمٍ / وتصدَّوْا لحربِه إنْ تصدَّى
جَرِّدوا حَمْلةً على الفيلِ أنجا / داً كراماً ومزِّقوا الفيلَ أُسْدا
أرشيدٌ دونَ المدائنِ تبقَى / مُسْتراضاً لكلِّ داءٍ ووِرْدا
يفتِكُ السم في بَنيها فلا تر / فَعُ كَفّاً ولا تحرِّكُ زَندا
ثم تُلْقي السلاحَ إلقاءَ ذلٍ / والجراثيمُ حولَها تتحدَّى
يا لَعاري فليت لي بين قومي / بطلاً يكشِفُ الشدائدَ جَلْدا
ظَمِىءَ الشْعرُ للثناءِ فهل آ / نَ له أن يفيضَ شكراً وحمدا
مجدٌ على الأمواجِ يُشْرِفُ عالي
مجدٌ على الأمواجِ يُشْرِفُ عالي / هذا جهادُكِ مصرُ في تمثالِ
هذا ابنُ إبراهيمَ واهبُ قومهِ / نِعَمَ الحياةِ وباعثُ الآمال
هذا الذي جَلّتْ عظائمُ سَعْيهِ / عن أنْ تُصوِّرَها بَنانُ خَيال
هذا المليكُ العبقريُّ عَنَتْ له / أُمَمُ ودانتْ صَوْلَةُ الأبطال
هذا أبو الأشبالِ سَلْ عنه العُلا / تُنْبِئكَ حقاً مَنْ أبو الأشبال
هذا أبو التاريخِ من أضحَى اسمُه / أُنْشودَةَ الأجيال للأجيال
هذا الذي يَبْنِي فيُنْشِىءُ دَوْلَةً / أبقَى على الدنيا من الأجبال
هذا أبو الذهبِ الذي غَمَرَ المُنَى / بعوارفِ الإحسانِ الأفضال
هذا الهُمامُ وهذه أعمالُه / أرأيتَ كيفَ جلائلُ الأعمال
هذا الذي فاروقُ مِصْرَ حَفيدُه / زينُ الشبابِ وسيدُ الأقْيال
مَنْ مُجيرِي مِنْ حالِكات اللّيالي
مَنْ مُجيرِي مِنْ حالِكات اللّيالي / نُوَبَ الدَّهْرِ مالكُن وماليِ
قد طَواني الظلامُ حتّى كأنِّي / في دَيَاجي الوجودِ طَيفُ خَيَالِ
كلُّ ليلٍ لهُ زَوالٌ ولَيْلي / دقَّ أطنابَهُ لِغَيرِ زَوَال
كلُّ ليل له نجومٌ ولكنْ / أينَ أمثالهُنَّ من أمثالي
تَثِبُ الشّمسُ في السماءِ وشَمْسي / عُقِلَتْ دُونَها بألْفِ عِقَالِ
لا أرَى حِينما أرَى غَيرُ حَظِّي / حَالِكَ اللَّونِ عَابِسَ الآمالِ
هو جُبُّ أعِيشُ فيه حزيناً / كاسِفَ النَّفسِ دائمَ الْبَلْبَالِ
ما رأتْ بَسْمةَ الشُّموسِ زَوَايا / هُ ولا دَاعَبتْ شُعَاعَ الْهِلال
فإذا نِمْتُ فالظلاَّمُ أمامِي / أَوْ تيقَّظْتُ فالسَّوادُ حِيالي
أتَقَرَّى الطّريقَ فيه بِكَفِّي / بين شَكٍ وحَيْرَةٍ وضَلال
وأُحِسُّ الهواءَ فهْوَ دَلِيليِ / عن يَميني أَسِيرُ أوْ عَنِ شِمالي
كُلّما رُمْتُ منه يَوْماً خَلاصاً / عَجَزتْ حِيلَتي ورَثَّتْ حِبالي
عَبَثاً أُرْسِلُ الأنِينَ مِن الْجُبِّ إلى / سَاكِني القُصُورِ العَوالي
مَنْ لسَارٍ بِلَيْلةٍ طولُها العُمْرُ / يَجُوبُ الأَوْجالَ لِلأَوْجالِ
مُتَردٍ في هَاوياتِ وِهادٍ / لاهِثٍ فوقَ شامِخَاتِ جِبال
عند صَحْراءَ للأعاصيرَ فيِها / ضَحِكُ الْجِنِّ أو نَحيبُ السَّعالي
لم يَزُرْها وشْيُ الرّبيع ولكنْ / لك ما شئْتَ من نسيجِ الرِّمال
لَيْس للطيرِ فوقَها من مَطارٍ / أو بَنِي الإِنْسِ حَوْلَها من مَجال
خَلَقَ اللّه قَفْرَها ثم سَوَّى / من ثَراهُ أنامِلَ البُخَّالِ
رَهْبةٌ تَملأُ الْجَوانِحَ رُعْباً / وأَدِيمٌ وَعْرٌ كحدِّ النِّصَالِ
وامتدادٌ كأنَّه الأمَلُ الطَّا / ئشُ مَا ضاقَ ذَرْعُهُ بمُحَالِ
سارَ فيها الأعمَى وَحِيداً شريداً / حائراً بينَ وَقْفَةٍ وارْتِحالِ
في هَجِيرٍ ما خَفَّ حَرُّ لَظَاه / بِنَسيمٍ ولا ببرْدِ ظِلاَلِ
مَلَّ عُكّازُه من الضَّرْبِ في الأر / ضِ على خَيْبةٍ ورِقَّةِ حال
يَرْفَعُ الصّوْتَ لا يَرَى مِنْ مُجِيبٍ / أَقْفَرَ الكَوْنُ من قُلُوبِ الرّجال
مَنْ لِهَاوٍ في لُجَّةٍ هِيَ دُنْيا / هُ وأَيَّامُ بُؤسِه المُتَوَالي
ظُلَمٌ بَعضُها يُزاحِمُ بعْضاً / كَلَيالٍ كرَرْنَ إِثْرَ لَيالي
يَفْتَحُ المَوْجُ ماضِغَيْهِ فَيَهْوِي / ثمّ يطْفُو مُحطَّمَ الأوْصال
لا تَرَى منه غيرَ كَفٍ تُنادِي / حينما عَقَّه لسانُ المَقَالِ
والرِّياحُ الرِّياحُ تَعْصِفُ بِالْمِسِكينِ / عَصْفَ الأيّامِ بالآجالِ
يَسْمَعُ السُّفْنَ حَوْلَه ماخِراتٍ / مَنْ يُبَالِي بمِثْلهِ مَنْ يُبالِي
يسمعُ الرَّقْصَ والأهَازيج تَشْدُو / بَيْنَ وَصْلِ الْهَوَى وهَجْرِ الدَّلالِ
شُغِلَ الْقوْمُ عنه بالقَصْفِ واللَّهْوِ / وهامُوا بِحُبِّ بِنْتِ الدَّوَالي
ما لَهُمْ والصَّريعَ في غَمْرةِ اللُّجِّ / يَصُدُّ الأهْوَالَ بالأهْوَالِ
لا يُريدُون أنْ يُشَابَ لهم صَفْوٌ / بِنَوْحٍ للبُؤْسِ أو إِعْوَالِ
هكذا تُمْحلُ القُلوبُ وأَنْكَآ / أن تُباهَى بذلكَ الإِمْحال
هكَذا تُقْبَرُ المُروءةُ في النّا / س ويُقْضَى على كَرِيمِ الْخِلال
مَنْ لهذا الأعْمى يَمُدُّ عصَاه / عاصِبَ البَطْنِ لم يَبُحْ بسُؤَالِ
مَنْ رآهُ يَرَى خَليطاً من البُؤ / سِ هَزيلاً يَسِيرُ في أسْمَالِ
هو في مَيْعَةِ الصِّبا وتَراهُ / مُطْرِقَ الرَّأسِ في خُشُوعِ الكِهَالِ
ساكناً كالظَّلاَمِ يَحْسَبُهُ الرَّا / ءُونَ معْنىً لليأسِ في تِمْثَالِ
فَقَد الضَّوْءَ والحياةَ وهل بَعْد / ضِياءِ العَيْنَيْن سَلْوَى لِسالِ
مَطَلَتْهُ الأيّامُ والناسُ حَقا / فَقَضَى عَيْشَه شَهِيدَ المِطَال
ما رَأَى الرَّوْضَ في مَآزِرِهِ الْخُضْرِ / يُبَاهِي بحُسْنِها ويُغَالي
ما رَأى صفْحةَ السماءِ وَمَا رُكِّبَ / فيها مِنْ باهِرَاتِ الّلآلي
ما رَأى النِّيلُ في الْخمائلِ يَخْتَا / لُ بأذيالِهِ العِراضِ الطِوالِ
ما رَأى فِضَّةَ الضُّحَى في سَنَاها / أوْ تَمَلَّى بعَسْجَدِ الآصالِ
فدعوه يَشْهَدْ جَمَالاً من الإحْسَانِ / إنْ فائه شُهُودُ الْجَمالِ
ودعوه يُبْصِرْ ذُبَالاً من الرَّحْمَةِ / إنْ عَقَّه ضِياءُ الذُّبَالِ
قد خَبَرْتُ الدُّنيا فلم أرَ أَزْكَى / مِنْ يَمينٍ تفتَّحتْ عَنْ نَوال
أيُّها الوَادِعُون يَمْشُون زَهْواً / بَيْنَ جَبْرِيّةٍ وبَيْنَ اخْتِيالِ
يُنْفقُون القِنْطارَ في تَرَفِ العَيْشِ / ولا يُحْسنون بالمِثْقالِ
ويَروْنَ الأَمْوالَ تُنْثَرُ في اللّهْوِ / فلا يَجْزَعون لِلأَمْوَالِ
إِن في بَلْدَةِ المُعِزِّ جُحُوراً / مُتْرَعاتٍ بأدْمُعِ الأَطْفالِ
كلُّ جُحْرٍ بالبُؤْسِ والفَقْرِ مملو / ءٌ ولكنّه من الزَّادِ خالي
بَسَقَتْ فيه للجَرَاثيمِ أفْنا / نٌ تدلَّتْ بكلِّ داءٍ عُضَالِ
لوْ رأيتَ الأشباحَ مِنْ ساكنيه / لرَأيْتَ الأطْلالَ في الأطْلالِ
يَرْهَبُ النُّورُ أنْ يمرَّ به مَرَّا / وتَخْشَى أذَاهُ ريحُ الشَّمَالِ
تَحْسِبُ الطفلَ فِيه في كَفَنِ الموْ / تَى وقَدْ ضمَّه الرِّدَاء البالي
أيّها الأغنياءُ أين نَداكُمْ / بَلَغ السّيْلُ عالياتِ القِلالِ
هُمْ عِيالُ الرَّحمنِ ماذا رأيتُمْ / أَو صَنَعْتُم لهؤلاءِ العِيالِ
رُب أعْمَى له بصيرةُ كَشْفٍ / نَفدَتْ من غَيَاهِبِ الأَسْدالِ
أَخذ اللّه مِنهُ شيئاً وأَعْطَى / وأعَاضَ المِكْيالَ بالْمِكْيالِ
يَلْمَحُ الْخطْرةَ الْخفِيَّةَ للنَّفْ / سِ لها في الصُّدورِ دَبُّ النمَالِ
ويَرَى الحقَّ في جَلالةِ معنا / هُ فيحيا في ضَوْءِ هذا الْجَلالِ
كان شَيْخُ المَعَرَّةِ الكَوْكَبَ السَّا / طِعَ في ظُلْمةِ القُرُونِ الْخَوالي
فأتى وهْوَ آخِرٌ مِثلَما قا / لَ بما نَدَّ عَنْ عُقُولِ الأَوالي
أنقِذُوا العَاجزَ الفَقيرَ وصُونُوا / وَجْهَهُ عن مَذلَّةٍ وابْتِذَالِ
علِّموهُ يَطْرُقْ مِنَ العَيْشِ باباً / وامْنَحُوه مَفَاتِحَ الأَقْفَالِ
لا تضُمُّوا إلى أَسَاهُ عَمَى الْجَهْ / لِ فيلْقَى النكَالَ بَعْد النكَالِ
كُلُّ شيءٍ يُطَاقُ مِنَ نُوَبِ الأَيَّامِ / إِلاَّ عَمَايةَ الْجُهّالِ
علِّموه فالعِلْمُ مِصْباحُ دُنْيا / هُ ولا تكْتفُوا بصُنْعِ السِّلالِ
إِنْ جَفَاهُ الزّمانُ والآلُ والصَحْ / بُ فكونوا لِمِثْله خيرَ آلِ
نزلَ الوَحْيُ في التَّرَفُّقِ بالأع / مَى وبسْطِ اليديْنِ للسُّؤَالِ
سوف تتلو الأجيالُ تاريخَ مِصْرٍ / فأعِدُّوا التاريخَ لِلأَجْيالِ
بالأيادِي الحِسانِ يُمْحَى دُجَى البؤ / سِ وتَسْمُو الشعوبُ نَحوَ الكَمالِ
يَذْهبُ الفقرُ والثَّراءُ ويَبْقى / ما بَنَى الخيِّرونَ من أَعْمالِ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَويلاَ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَويلاَ / وَعَزِيزٌ عَلَيْهِ أَلا تَقُولاَ
أَيْنَ ذَاكَ الشعْرُ الذي كُنْتَ تزْجِيهِ / فَيَسْرِي في الأرضِ عَرْضاً وطُولا
قَدْ سَمِعْنَاهُ في الْمَزاهِرِ لَحناً / وَسَمِعْنَاهُ في الْحَمامِ هَديلا
وَشَمِمْنَاهُ فِي الْكَمائمِ زَهْراً / وَشَرِبْنَاهُ فِي الكُؤُوسِ شَمُولا
تَنْهَبُ الدُرَّ مِنْ عُقودِ الغَوَانِي / ثُمَّ تَدْعُوهُ فاعِلاتُنْ فَعُولاَ
خَطَرَاتٌ تَسِيرُ سَيْرَ الدَرَارِي / آبِيَاتٍ عَلَى الزمانِ أُفُولاَ
تَخْدَعُ الْجَامِحَ الشمُوسَ مِنَ الْقَوْ / لِ فَيُلْقِي الْعِنانَ سَهْلاً ذَلُولا
غَزَلٌ كالشبَابِ أَسْجَحُ رَيَّا / نُ يُذِيبُ الْقَاسي ويُدْنِي الْمَلُولا
وَنَسِيبٌ يَكادُ يَبْعَثُ فِينَا / مِنْ جَديدٍ كُثَيِّراً وَجَمِيلاَ
وَقَوافٍ سَالَتْ مِنَ اللُّطْفِ حتَّى / لَحَسِبْنَا الْمُجْتَثَّ مِنْهَا طَويلاَ
نَقَدَتْ جَيِّدَ الْكلامِ وَخَلَّت / سَقَطاً مِنْ وَرائِها وفُضُولاَ
عَبِئَتْ بالْوَلِيدِ ثُمَّ أَرَتْهُ / مِنْهُ أَنْقَى مَعْنىً وَأَقْوَمَ قِيلاَ
لَوْ وَعَاهَا مَا اهْتَزَّ يُنْشِدُ يَوْماً / ذَاكَ وادِي الأَرَاكِ فَاحْبِسْ قَلِيلاَ
قِفْ مَشُوقاً أَوْ مُسْعِداً أَوْ حَزيناً / أَوْ مُعِيناً أَوْ عَاذِراً أَوْ عَذولاَ
بَرَزَتْ نَفْسُهُ بِها فَرَأينَا / هُ نَبِيلاً يَنُثُّ قَوْلاً نَبِيلاَ
هَبَطَتْ حِكمَةُ الْبَيانِ عَلَيْهِ / فَاذكُروا في الْكِتابِ إِسْمَاعِيلاَ
لَو شَهِدْتَ الردَى يَحُومُ عَلَيْهِ / وَالْمنَايَا تَرْمِي لَهُ الأُحْبُولاَ
لَرَأَيْتَ الطَّوْدَ الأَشَمَّ الَّذِي كَا / نَ مَنِيعَ الذرَا كَثِيباً مَهِيلاَ
وَرَأَيْتَ الصمْصامَ لاَ يَقْطَعُ الضِغْثَ / وَقَدْ كَانَ صَارِماً مَصْقُولاَ
وَرَأَيْتَ الرُّوحَ الْخفِيفَةَ حَيْرَى / إِنَّ عِبءَ السقَامِ كَانَ ثَقيلاَ
شَيَّعَ الدَّمْعُ يَوْمَ شَيَّعَ صَبْرِي / دَوْلَةً فَخْمَةً وَعَصْراً حَفِيلا
خُلقٌ لَوْ يَمَسُّ هَاجِرَةَ الْقَيْظِ / لأَمْسَتْ عَلَى الأَنَامِ أَصِيلاَ
وَخِلالٌ مِثْلُ النَسِيمِ وَقَدْ مَرَّ / بِزَهْرِ الربَا عَلِيلاً بَلِيلاَ
وَحَديِثٌ حُلْوُ الْفُكَاهَةِ عَذبٌ / لَمْ يَكُنْ آسِناً ولاَ مَمْلُولاَ
يُذْهِلُ الصَبَّ عَنْ أَحادِيثِ لَيْلاَ / هُ وَيُنْسِيهِ حَوْمَلاً وَالدخُولاَ
يقصُرُ اللَّيْلُ حِينَ يَسْمُرُ صَبْرِي / بَعْدَ أَنْ كَانَ نَابِغيّاً طَوِيلاَ
يَوْمَ صَبْرِي هَدَمْتَ لِلْمَجْدِ رُكْناً / وتَرْكْتَ الْعَلْياءَ أُمّاً ثَكُولاَ
يَوْمَ صَبْرِي أَغْمَدْتَ في التُرْبِ سَيفاً / حِينَ جَرَّدْتَ سَيْفَكَ الْمَسْلولاَ
إِنَّمَا نَحْنُ فِي الْحياةِ إِلَى / حِينٍ شَبَاباً وَفِتْيَةً وَكُهُولاَ
نَتَمنَّى الْحَياةَ جِدَّ تَمَنٍ / وَهْيَ لَيْسَتْ إِلاَّ مَتَاعاً قَلِيلاَ
وَقَفَ الطِبُّ حَائراً وَالْمَنَايَا / ساخِرَاتٍ يَغْتَلْنَ جِيلاً فَجِيلاَ
دَوْرَةُ الأَرْضِ كَمْ أَمَدَّتْ قَبِيلاً / بِحَياةٍ وَكَمْ أَبَادَتْ قَبِيلاَ
نَضْرَةٌ فِي أَزَاهِرِ الصُبْحِ تُمْسِي / بَعْدَ لأْيٍ تَصَوُّحاً وذُبُولاَ
رُبَّ قَصْرٍ قَدْ كانَ مَلْعَبَ أُنْسٍ / صَيَّرَتْهُ الأَيَّامُ رَبْعاً مُحِيلاَ
وَفَتاةٍ طَوَى مَحاسِنَهَا الدَهْرُ / بَنَاناً غَضّاً وَخَدّاً أَسِيلاَ
نَأْكلُ الأَرْضَ ثُمَّ تَأْكُلُنَا / الأَرْضُ دَوَالَيْكَ أفْرُعاً وَأُصُولاَ
يا مَلِيكَ الْبَيَانِ دَعْوَةَ خِلٍ / وَجَد الصَبْرَ بَعْدَكُمْ مُسْتَحِيلاَ
أَنا أَرْثِيكَ شاعِراً وأَديباً / ثُمَّ أَبْكِيكَ صَاحِباً وخَلِيلاَ
قلْ لِحَسَّانَ إِنْ مَرَرْتَ عَلَيْهِ / فِي ظِلالِ الْفِرْدَوْسِ يُطْري الرَّسُولاَ
إِنَّ مِصْراً أَحْيَتْ مَوَاتَ الْقَوَافِي / وَأَقَامَتْ عَمُودَهَا أَنْ يَميلاَ
وَأَعَادَتْ إِلَى سَلِيلَةِ عَدْنَا / نَ شَبَاباً غَضّاً وَمَجْداً أَثِيلا
قُلْ لَهُ غَيْرَ فاخِرٍ إنَّ صَبْرِي / بَعْدَ سَامِي هَدَى إِلَيْها السَبِيلاَ
وَيْكَ يا قَبْرُ صِرْتَ لِلْفَضْل مَثْوىً / لا يُسَامَى ولِلنُّبُوغِ مَقِيلاَ
فِيكَ كَنْزٌ لَمْ تَحْوِ أَرْضُ الْفَرَاعِينِ / لَهُ بَيْنَ لاَبَتَيْهَا مَثيلاَ
فِيكَ سِرٌّ الْجَلالِ وَالْخطْبُ فِيهِ / كَانَ يَا قَبْرُ لَوْ عَلِمْتَ جَليلاَ
ضُمَّهُ ضَمَّةَ الْكَمِيِّ حُسَاماً / تَركَ النَّصْرُ حَدَّهُ مَفْلُولاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ يَفْتَرِشُ التُرْ / بَ وَقَدْ كَانَ لِلسماكِ رَسِيلاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ لَوْ كَانَ يُجْدِي / لَهْفَ نَفْسِي أَوْ كَانَ يُغْنِي فَتِيلاَ
كُنْ عَلَيْهِ يا قَبْرُ رُوحاً وَرَيْحَا / ناً ومَثوىً رَحْباً وَظِلاً ظَلِيلاَ
لَمْ يَمُتْ مَنْ يَزُولُ مِنْ عَالَمِ الْحِسِّ / وَتَأبَى آثارُهُ أَنْ تَزُولاَ
طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ
طَرِيقُ الْعُلاَ وَعْرٌ مَطيَّتُهُ الْجِدُّ / وهَلْ يَعْتَلي مِنْ غَيْرِهِ البَطَلُ الْفَرْدُ
إِذا وَهَنتْ فِيهِ الْقِلاصُ وَأدْبَرَتْ / فَذاكَ شَديدُ الْحَوْلِ مُحْتَمِلٌ جَلْدُ
يَخُبُّ فَلاَ الأَخْطارُ تَلْوي زِمامَهُ / وَلاَ عَنْ بَعيد الْقَصْدِ يُقْعِدُهُ الْجَهْدُ
سَئِمْتُ حَيَاتِي بَيْنَ قَوْمٍ فَضَائِلي / لَدَيْهِمْ يُغَطِّيها التَّدَابُرُ وَالْحِقْدُ
إِذَا ما بَدَتْ تَرْنُو إِليْهِمْ فَضيلَةٌ / تَصَدَّى لَهَا نَذْلٌ وَكرَّ لَهَا وَغْدُ
إِذَا كَانَ عَيْبِي بَيْنَهُمْ أَنَّنِي فَتىً / صَغِيرٌ وَشَعْرِي بِالشَبِيبة مُسْوَدُّ
فَمَهْلاً أَنَا النَجْمُ الَّذِي يُبْصِروُنَه / صَغِيراً وَيُخْفِي قَدْرَهُ عَنْهُمُ الْبُعُدُ
إِذا صالَ عَزْمِي فَهُوَ سَيْفٌ مُهنَّدٌ / لَهُ الْحِلْمُ وَالإِغْضاءُ مِنْ خُلُقِي غِمْدُ
تَمُدُّ الْمَعالِي نَحْوَ مَجْدِي رِقابَها / وَجُذَّتْ إذَا كَانَتْ لِغَيْريَ تمْتَدُ
ستَنْدُبُنِي الفُصْحَى إذَا مِتُّ قَبْلَها / وَماتَ الَّذي في النَّاسِ لَيْسَ لَهُ نِدُّ
إِذَا قَلَّ مالِي فَالْقَنَاعَةُ ثَرْوَتِي / وَما كُثْرُ قَوْمٍ ما وَرَى لَهُمُ زَنْدُ
وَرُبَّ غَنيٍ في احْتِيَاجٍ إِلَى يَدٍ / تَرُوحُ بما يَحْوي مِنَ الْمَالِ أَو تغْدُو
أَرَى الْمَالَ مِثْلَ الْماءِ يَخْبُثُ رَاكِداً / وَيُزْكِيهِ الاسْتِعْمالُ والأَخْذُ والردُّ
وَكَيْفَ يُفِيدُ الْمالُ وَهْوَ بِحِرْزِهِ / يُحيطُ بِهِ سُورٌ وَيَحْجُزُهُ حَدُّ
وَهَلْ قَطَعَ الصَمْصَامُ في جَوْفِ غمْدِهِ / وَهَلْ طَابَ نَشْراً قَبْلَ إِحْراقِهِ النَدُّ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ / وتُراثَ الأمجادِ من عَدْنانِ
أنتِ علّمْتنِي البيان فما لي / كلّما لُحْتِ حار فيكِ بياني
رُبَّ حُسْنٍ يعوق عن وَصْفِ حُسْنٍ / وَجَمالٍ يُنْسي جَمالَ المَعَاني
كنْتُ أشْدو بَيْنَ الطُّيورِ بِذِكْرا / كِ فتعلو أَلْحانَها ألحاني
وأصوغُ الشِّعرَ الذي يَفْرَعُ النَّجْمَ / وتُصْغِي لِجَرْسِه الشِّعْرَيانِ
يا ابنةَ الضادِ أنتِ سرُّ من الْحُسْنِ / تَجلَّى عَلَى بَنِي الإِنسانِ
كنتِ في الْقَفْرِ جَنَّةً ظلَّلَتْها / حالِياتٌ من الْغُصونِ دَواني
لغةُ الفنِّ أنتِ والسحْرِ والشِّعْرِ / ونُورُ الْحِجَا وَوَحْيُ الْجَنانِ
رُبَّ جَيْشٍ من الْحَديدِ تَوَلَّى / واجِفَ القلبِ مِن حَديدِ اللِّسانِ
وبيَانٍ بَنَى لِصاحِبهِ الْخُلْدَ مُطِلاً / مِنْ قِمَّةِ الأزْمانِ
وقصِيدٍ قد خَفَّ حتَّى عَجِبْنا / كَيفَ نالَتْهُ كِفَّةُ الأوْزانِ
بلغ العُرْبُ بالبلاغَةِ والإِسلامِ / أَوْجاً أعْيَا عَلَى كَيْوانِ
لَبِسوا شَمْسَ دَوْلةِ الفُرْسِ تاجاً / ومَضَوْا ف مَغافِرِ الرومان
وجَرَوْا يَنْشرون في الأرْضِ هَدْياً / مِنْ سَنا العِلْمِ أو سَنا القُرآنِ
لا تَضِلُّ الشُعُوبُ مِصْباحُها العِلْمُ / يُؤاخِيهِ راسِخُ الإيمانِ
فإِذا أُطْفِىء السِّراجُ فَمَيْنٌ / وضَلالٌ ما تُبْصِرُ العَينانِ
أَينَ آلُ العبّاسِ رَيْحانَةُ الدهْرِ / وأينَ الكِرامُ مِنْ مَرْوانِ
خَفَتَ الصَوْتُ لا البِلادُ بِلادٌ / يَوْمَ بانوا ولا المغَانِي مَغَانِي
أزهرتْ في حِماهمُ الضادُ حِيناً / وذَوَتْ بَعْدَهُمْ لِغَيْرِ أَوانِ
إِنْ أصاخَتْ فالقَوْلُ غيرُ فَصِيحٍ / أَوْرَنَتْ فالوُجوهُ غيرُ حِسانِ
فمضتْ نحوَ مِصرَ مَثْلَ قَطاةٍ / فَزَّعَتْها كَوَاسِرُ العِقْبانِ
يكدُرُ العَيْشُ مرةً ثم يَصْفو / كَمْ لِهَذِي الْحَياةِ مِنْ أَلْوانِ
ثم هَبَّت زَعازِعٌ تَرَكَتْها / بَيْنَ مُرِّ الأسَى وذُلِّ الهَوانِ
وإِذا نَهْضَةٌ تَدِبُّ بِمِصْرٍ / كَدَبيِبِ الْحَياةِ في الأبْدانِ
وإِذا اليَوْمُ باسمٌ والليالي / مُشِرِقَاتٌ والدَهْرُ مَلْقى العِنانِ
وإذا الضَادُ تَسْتَعِيدُ جَمالاً / كادَ يَقْضِي عَلَيْه رَيْبُ الزَمانِ
نزلتْ في حِمَى فُؤادٍ فأضْحَتْ / مِنْ أَياديه في أعزِّ مَكانِ
مَلِكٌ شادَ لِلْكنانةِ مَجْداً / فَسَمَتْ باسْمِهِ عَلَى البُلدانِ
كُلَّ يَوْمٍ يَمُدُّ لِلْعِلْمِ كفاً / خُلِقَتْ للْوفاءِ والإِحْسانِ
إنّ دارَ العُلُومِ بِنْيَةَ إِسما / عِيلَ تُزْهَى بِه عَلَى كلِّ بانِ
مَنْ يُسامِي أبا المواهِبِ وَالأشْبالِ / في فَيْضِ جُودِهِ أو يُداني
هي في مِصْرَ كَعْبَةٌ بَعَثَ الشَرْ / قُ إليْها طوائِفَ الرُّكْبانِ
قد أَعادتْ عَهْدَ الأعارِيبِ في مِصْرَ / إلى ناعمٍ من العَيْشِ هاني
وأظلَّتْ بِنْتَ الفَدافِدِ والبِيدِ / بأَفْياءِ دَوْحِها الفَيْنانِ
دَرَجَتْ بَيْنَ فِتْيَةٍ وشُيوخٍِ / كلُّهُمْ يَنْتَمِي إلَى سَحْبانِ
وأَطَلّتْ من الخِباءِ عَلَيْهِمْ / فَسَبتْهُمْ بِسِحْرِها الفَتّانِ
فُتِنوا بالعُذَيْبِ والسَّفْحِ والجِزْ / عِ ووادِي العَقيقِ والصمَّانِ
يتلقَّوْنَ وَحْيَها كُلَّ حِينٍ / ويناجُون طَيْفها كُلَّ آنِ
ويُغَنُّونَ باسمِها مثلَ ما غَنَّى / زُهَيْرٌ بِسِيرَةِ ابْنِ سِنانِ
نثرتْ دُرَّها الفَريدَ فكانوا / أسْرعَ الناسِ في الْتِقاطِ الجُمانِ
رُبَّ شَيْخٍ أفنَى سَوادَ الليالي / ساهِدَ العَيْنِ جاهِداً غَيْرَ واني
مِنْ بُحُوثٍ إلَى كتابةِ نَقْدٍ / ثُمَّ مِنْ مُعْجَمٍ إلَى دِيوانِ
يَقْنِصُ الآبِداتِ عَزَّتْ عَلىَ الصيَّدِ / فماسَتْ بَيْنَ الرُّبا والرِّعانِ
سارحاتٍ كأنّها قِطَعُ الوَشْيِ / يُطَرِّزْنَ سُنْدُسَ القِيعانِ
إِنْ تسمَّعْنَ نَبْأَةً غِبْنَ في الرِيحِ / كَسِرٍ يُصانُ بالكتِمانِ
فإِذا ما أَمِنَّ يَحْرجْن أَرْسا / لاً كَخْيلٍ نَشِطْن من أرْسانِ
كلُّ جُزْءٍ في جِسْمِهِنَّ له عَيْنٌ / على الشرِّ أو له أُذُنانِ
لم يَزَلْ صاحبي يُعالِجُ مِنْهُنَّ نِفارا / مُسْتَعْصِياًن ويُعانِي
في فَلاةٍ لا تَحْمِلُ الرِيحُ فيها / غَيْرَ رَنَّاتِ قَوْسِهِ المِرْنانِ
كلّما طارَ خَلفَهُنَّ تَسَرَّبْنَ / هَباءً في غَيْهَبِ النسْيانِ
فتراهُ حِيناً كما وَثبَ اللَّيْثُ / وحِيناً يَنْسابُ كالأُفْعُوانِ
وهي تلهو به فآناً تُجافِيهِ / وآناً تُمْلِي له فَتُداني
مرةً في مدَى يَدَيْهِ وأُخْرَى / ما له باقْتِناصِهِنَّ يَدانِ
لم يَقِفْ نادِماً يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ / فَعالَ الْمُجَوَّفِ الْحَيْرانِ
ثم كانتْ عَواقِبُ الصَبْرِ أَنْ ذَلَّتْ / له الشَارِداتُ بَعْدَ الحِرانِ
مَلَّكَتْهُ أعْناقَها في خُضوعٍ / وَحَبَتْه قِيادَها في لَيانِ
رُبَّ شِعْرٍ لَه يُرَدِّدُه الدهْرُ / فتُصْغِي مَسامِعُ الأكوانِ
يَتَمنََّى الربيعُ لو تَخِذَتْ مِنْهُ / حُلاها ذَوائِبُ الأغْصانِ
من بَناتِ الخيالِ لو كان يُسْقَى / لَعَدَدْناه من بَناتِ الدِّنانِ
ردّدَتْه القِيانُ يُكْسِبْنَهُ حُسْناً / فأرْبَى عَلَى جَمالِ القِيانِ
قد أثارَ الغُبارَ في وَجْهِ مَيْمُو / نٍ وَعَفَّى عَلَى فَتَى ذُبْيانِ
شيِخَةَ الدارِ أنْتُمُ خَدَمُ الفُصْحَى / وحُرَّاسُ ذلكَ البُنْيانِ
لَبِسَتْ جِدَّةَ الصِّبا في ذراكُمُ / وغَدَتْ من حُلاه في رَيْعانِ
غَيْرَ أنَّ الحياةَ تَعْدُو ولا يُدْ / رِكُ فيها طِلاَبَهُ الْمُتوانِي
سابِقوها بالدِينِ والْخُلُقِ السَّمْحِ / وصِدْقِ الوَفاءِ للإِخْوانِ
سابقوها بالْجِدِّ فالْجِدُّ والمَجْدُ / كما شاءتْ العُلا تَوْأمانِ
ذلِّلُوا للشَبابِ مُسْتَعْصِيَ الفُصْحَى / فإِنَّ الرَجَاءَ في الشبّانِ
وانثُرُوها قلائداً وعُقُوداً / تتَحدى قَلائدَ العِقْيانِ
بَسَم الدهرُ أَنْ رآكم بِناءً / عَبْقَرِيّاً مُوَطَّدَ الأركانِ
كم رَجا الدهْرُ أَنْ يُشاهدَ يَوْماً / جَمْعكم سالماً من الشَنَآنِ
إِنّما الكَفُّ بالبَنانِ ولا تُجْدِي / فَتِيلاً كَف بغير بَنانِ
جَمعتْكُمْ أَواصِرٌ وصِلاتٌ / طَهُرتْ من دخَائلِ الأضْغانِ
فاسلُكوا المَهْيعَ القَويمَ وسِيروا / في شُعاعِ الْمُنى وظِلِّ الأَماني
واشكُروا للوزير بِيضَ أيادِيهِ / ومِدْرارَ فَيْضِهِ الهَتّانِ
يَبذُلُ الْخيْرَ فِطْرَةً ليس يَثْنيه / عن الْخَيْر والصَنيعَةِ ثاني
هو ذخْرُ الطُلاّبِ كم وجدوا / فيهِ أَماناً من طَارِقِ الْحَدثانِ
يبْعَثُ الغَيْثَ والرجاءَ لقاصٍ / ويَمُدُّ اليَمينَ بِرّاً لِداني
كم له مِنَّةٌ عَلَى الضَادِ هَزَّتْ / كُلَّ لَفْظٍ فيها إلَى الشكْرانِ
سَعِدَ العِلْمَ واسْتَعَزَّ بِحلْمِي / وغَدَا دَوْحُهُ قريبَ المَجاني
سار مُسترشداً بِهدْيِ مَلِيكٍ / ما لَهُ في أصَالةِ الرَأي ثاني
مَلِكٌ تَسْعَدُ البِلادُ بِنُعْما / هُ ويُزْهَى بنورِه القَمَرانِ
عاشَ للدِينِ والمَكارِمِ / والنُّبْلِ وَبَثِّ الْحَياةِ والعِرْفانِ
ولْيَعِشْ للبِلادِ فاروقُ مِصْرٍ / قُدْوَةَ الناهِضِينَ رَمْزَ الأمَاني
أَبْصَرْتُ أَعْمَى في الضَبابِ بِلَنْدَنٍ
أَبْصَرْتُ أَعْمَى في الضَبابِ بِلَنْدَنٍ / يَمْشِي فَلاَ يَشْكُو وَلاَ يَتَأَوَّهُ
فأتاهُ يَسْأَلُهُ الْهِدَايَةَ مُبْصِرٌ / حَيْرَانُ يَحْبِطُ في الظلامِ وَيَعْمَهُ
فَاقْتَادَهُ الأَعْمَى فَسَارَ وَرَاءَهُ / أَنَّى تَوَجَّهَ خَطْوُهُ يَتَوَجَّهُ
وَهُنَا بَدَا الْقَدَرُ الْمُعَرْبِدُ ضَاحِكاً / وَمَضَى الضبابُ ولاَ يَزَالُ يُقَهْقِهُ
دَعوْتُ بَيانِي أن يَفيضَ فَأَسْعَدا
دَعوْتُ بَيانِي أن يَفيضَ فَأَسْعَدا / وَنادَيْتُ شِعري أن يُجيبَ فغرَّدا
وأبْدعْتُ نَظْماً كالرَّبيع مفوَّفاً / يُجَمِّلُ عَصْراً كالشَّبابِ مُجدَّدا
وما الشِّعرُ إلاّ تَرْجُمانٌ مُخلَّدٌ / يَقُصُّ على الأجْيالِ مَجداً مُخلَّدا
فَلَولا السَّجايا الغُرُّ ما قال قَائِلٌ / ولولا فؤادٌ ما غَدَا النِّيلُ مُنْشِدَا
فَسَلْسَالهُ أَضْحَى بِنُعْمَاهُ كَوْثَراً / وقِيعَانُه أمستْ بِمَسْعاه عَسْجَدا
مَليكٌ حَبَتْه مِصرُ مَحْضَ وَلاَئِها / صَمِيماً وأوْلَى مِصرَ عِزّاً وسُؤدَدا
أصَالةُ عَزْمٍ أَخْجَلَتْ كلَّ صَارِم / مِنَ البيضِ حَتّى خاف أنْ يَتَجرَّدا
ورَأْيٌ كَوَجْهِ الصُّبْحِ ما ذَرَّ نُوره / على مُدْلَهِمِّ الْخطْبِ حتَّى تَبَدَّدا
ووَجْهٌ كأنوارِ اليَقِينِ رَأيْتُه / فأبْصَرتُ فيه المجْدَ والنُّبْلَ والنَّدَى
أَلَمْ يُعْلِ صَرْحَ العِلْمِ شُمّاً قِبَابُه / تُطَالِعُهَا زُهْرُ الكواكِبِ حُسَّدَا
فَمِنْ مَعْهَدٍ يُبنَى على إِثْرِ مَعْهَدٍ / إلى أنْ غَدَتْ أرضُ الكنَانةِ مَعْهَدا
زُهِينَا على الدُّنْيا بِجامِعَةٍ غَدَتْ / حَدِيثاً بأُذْنِ الشَّرْقِ حُلْواً مُرَدَّدا
تَرُدَّ الشَّبَابَ الغَضَّ حَزْماً وَحِكْمَةً / وتَصْقُلُه صَقْلَ القُيونِ المُهَنَّدا
تُزَوِّدُهُ التَّوفيقَ في كلِّ مَطْلَبٍ / وَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ الجلِيلَ تَزَوَّدا
غَدَتْ دَوْحَةً فَيْنَانَةً حُلْوَةَ الْجَنَى / بَعيدَةَ مَدِّ الظِّلِّ فَيَّاحَةَ المَدَى
غَرَسْتَ وهذا فضلُ ما قد غَرَسْتَه / وهذا هوَ الغُصْنُ الذي كان أَمْلَدا
تَعَهَّدْتَه كالزَّارعِ الطَّب نَوْمُه / غِرَارٌ إلى أن يُبْصِرَ الزَّرْعَ أَحْصَدا
بِكَفٍّ من الإِحْسانِ وَالرِّفقِ صُوِّرَتْ / وعَيْنٍ تَرَى في يَوْمها ما تَرَى غَدَا
كَذاكَ ابنُ إسماعيلَ يَنْتَهِبُ المُنَى / دِرَاكاً ويَمْضِي لِلْمَحَامِدِ مُصْعِدَا
وَيُدْرِكُ ما يُعْيِي الْجَحَافِلَ وَحْدَهُ / وَيَبْلُغُ شَأْواً يُعْجِزُ الْجْمعُ مَفْرَدا
وَيَسعى إلى أنْ يُذْهِلَ النَّجْمَ سَعْيُه / ويَبذُلُ حَتى يُدْهِشَ الْجُودَ وَالْجَدا
ويَرْقب رَبَّ العَرْشِ فِيما يُريدُه / ويَنْصُرُ دِينَ الْحَقِّ والنُّورِ والهُدَى
وَأصبحتَ رَمْزاً عالَمِيّاً سَعتْ له / جَهابِذُ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا
رُوَيْدَكَ أجهَدْتَ المؤَرِّخَ ما وَنَى / ولا فَارَقَتْ يَوْماً يَرَاعَتُه اليَدَا
هَزَزْتَ إلى التَّأْليفِ كُلَّ مُبَرِّزٍ / أَدِيبٍ إذَا مَا أَرْسلَ الفِكْرَ سدَّدا
فَفَاضَتْ بَجَدْواكَ العقولُ وَبلَّلتْ / بمصْرَ ظمِاءً كان حَرَّقَها الصَّدَى
فَفي كلِّ يومٍ لِلْعُلُومِ مُجَلَّدٌ / حَقيقٌ بما أسْدَيْتَ يَتْلُو مُجلَّدا
سَلوا مكْتَباتِ الْعِلْمِ تَنْطِقُ كُتْبُهَا / بآثارِ مَجْدٍ يَنْتَمِينَ لأَحْمَدَا
وَمَنْ بَيْنِ فَوْقَ العِلمِ وَالعدلِ مُلكَه / رَفيعاًن فَقَدْ أَرسَى الأساسَ وَوطَّدا
بَهْرْتَ رِجالَ العلمِ في الغَرْبِ فَانْثَنَوْا / إليكَ يَسوقونَ الثَناءَ المَنضَّدا
وأَوْلَوْكَ أَلْقَاباً نَواصعَ كالضُّحا / ضِخاماً على آثارِ فَضْلكَ شُهَّدا
وَأصبحتَ رَمْزاً عالَمِيّاً سَعتْ له / جَهابِذُ أهلِ الأرضِ مَثْنَى وَمَوْحَدا
فِخاراً أبا الفارُوقِ لم يَبْقَ مَنهَجٌ / إلى العلمِ إلاّ صار سَهْلاً مُعَبَّدا
تَطَلَّعتِ الآمالُ شرْقاً وَمَغْرِباً / فَلم تَجدِ الآمالُ إِلاّكَ مَعقِدا
وحامَتْ قُلوبُ الشَّعبِ حَولكَ مِثْلمَا / تَحومُ عِطَاشُ الطّيْرِ أَبْصَرنَ مَوْرِدا
فَعِشْ لِبني مِصرٍ غِياثاً وَرحمةً / فآمالهمْ في أن تَعيشَ وَتَسْعَدا
وَعاشَ وَلِيُّ العهدِ قرَّةَ أَعْيُنٍ / وَدامَ مِنَ اللّهِ العزيزِ مُؤَيَّدا
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ / الأرضُ مسكٌ وهمسُ الدوحِ الحانُ
هل الحِسانُ على العهدِ الذي زعمت / وهل رِفاقُ شبابي مثلَما كانوا
أين الصبا أين أوتاري وبهجتُها / طوت بساط لياليهنَّ أزمان
أرنو لها اليومَ والذكرى تُؤرِّقني / كما تنبَّه بعد الْحُلمِ وسنان
هبني رجعتُ إلى الأوتارِ رَّنتَها / فهل لَشرْخِ الصبا واللهوِ رُجْعان
لا الكأس كأسٌ إذا طاف الحباب بها / بعد الشبابِ ولا الريحانُ ريحان
ما للخميلةِ هل طارت بلابلُها / وصَوَّحتْ بعد طول الزَهْوِ أفنانُ
وهَل رياضُ الهوى ولَّت بشاشتُها / وغادرْت ضاحك النُوَّارِ غُدرانُ
كم مدّ غصنٌ بها عيناً مشرَّدةً / إلى قدودِ العذارى وهُو حيرانُ
لقد رأى البانَ لا تسعَى به قدمٌ / فيا لدَهْشتِه لمّا مشى البَانُ
غِيدٌ لها من شذَى لُبنانَ نفحتُه / ومن مجانيه تُفَّاحٌ ورمَّانُ
من نَبْعِه خُلِقَتْ ما بالُها صرفتْ / سِرْبَ الشفاه الحيارَى وهو ظمآنُ
عينان أسكرتا شعري فإن عَثَرَتْ / به السبيلُ فعذراً فهو نشوانُ
وطلعةٌ كخدودِ الزهرِ غازلها / من الأصائِل أطيافٌ وألوانُ
من الملائِك إلاَّ أنها بشرٌ / وأنَّ نظرتَها البَهماءِ شَيْطَانُ
للّه أيامُنا الأولَى التي سلفتْ / وللصبابةِ مَيْدانٌ ومَيدانُ
والحبُّ كالطير رَفَّافٌ على فَنَنٍ / له إلى الإِلْفِ تغريدٌ وتَحنانُ
هيمانُ والماءُ في لُبنانَ عن كَثبِ / لكنّه بسوَى الأمواهِ هيمانُ
بدت له جارةُ الوادي الخصيبِ ضُحاً / كلُّ الأحبةِ في لُبنانَ جيرانُ
فأرسل العينَ في صمتٍ بلاغتُه / بكلِّ ما قال في دنياه سَحْبانُ
وللعيُونِ أحاديثٌ بلا كلِمِ / وكم لها في الهَوى شرحٌ وتبيانُ
والحبُّ سِرٌّ من الفِرْدوسِ نَبْعَتُهُ / وخيرُ ما يحفَظُ الأسرارَ كتمانُ
رنا لها فتمادتْ في تَدلُّلها / العينُ غاضبةٌ والقلبُ جذْلانُ
وغطَّتِ الوجهَ بالمِنْديلِ في خَفَرٍ / كما تَوارَى وراءَ الشكِّ إيمانُ
وأعرضتْ وإباءُ الغِيدِ لُعْبَتُها / فكلّما اشتدّ عُنْفاً فهو إذعانُ
إنَّ العذارَى حماك اللّهُ أحْجِيَةٌ / بها النفورُ رضاًن والحقُّ نُكْرانُ
هَزَزْتُ أوتارَ شعري حول شُرْفَتِها / كما ترنّم بالأسحارِ رُعْيانُ
شعرٌ من اللّه تلحيناً وتهْيئَةً / لا النَّايُ نايٌ ولا العِيدانُ عِيدانُ
إذا شدا أنصتتْ أُذْنُ الوجودِ له / وللوجودِ كما للناس آذانُ
شدا لها فرأى ليلُ الهوى عَجَباً / ولْهى يجاذبُها الأشواقَ ولهانُ
رَيّا حوت فتنةَ الدنيا غلائلُها / يضمُّها شاعرٌ للغِيد صَدْيَانُ
لانتْ لشعري كما لانتْ معاطفُها / والشعرُ سحرٌ له بحرٌ وأوزانُ
فتنتُها حينما همّتْ لتفتِنَني / والشعرُ للخفراتِ البِيضِ فتّانُ
سلاحُها لحظُها الماضي وأسلحتي / فَنٌّ يجرِّدُه للغزوِ فَنّانُ
كان الشبابُ شفيعي في نضارتِه / الزهرُ مؤتلِقٌ والعودُ فَيْنان
ماذا إذا لمحتني اليومَ في كِبرى / ومِلءُ بُرْدَيَّ أسقامٌ وأَشجانُ
طويتُ من صَفَحاتِ الدهرِ أكثرَها / وَعرَّقتني تصاريفٌ وحِدْثانُ
إني كتابٌ إلى الأجيال تقرؤهُ / له التغنِّي بمجدِ العُرْبِ عُنوانُ
مجدٌ على الدهرِ مذ كانت أوائلُه / ودولةٌ لبني الفُصحى وسُلطَانُ
صَوَارِمٌ ريعت الدنيا لوثبتِها / وحطِّمتْ صَوْلَجاناتٌ وتيجانُ
الناسُ عندهُمُ أبناءُ واحدةٍ / فليس في الأرض ساداتٌ وعُبْدانُ
تراكضوا فوقَ خيلٍ من عزائمهم / لهم من الحقِّ أَسْيافٌ وخُرْصانُ
وكلّما هدموا لِلشركِ باذخةً / أُقيم للدينِ والقِسْطاسِ بُنيانُ
في السلم إن حكموا كانوا ملائكةً / وفي لَظى الحرب تحتَ النقْعِ جِنَّانُ
أقلامُهم سايرتْ أَسيافَ صولتهِم / للسيفِ فتحٌ وللأقلامِ عِرفانُ
فأين مِن شرعِهم روما وما تركت / وأين من علمهم فُرْسٌ ويونانُ
كانوا أساتذةَ الآفاقِ كم نهِلتْ / من فيضِهم أممٌ ظَمْأَى وبُلدانُ
كانوا يداً ضمّت الدنيا أصابُعها / ففرّقتْها حَزازاتٌ وأضغان
تنمرّ الغربُ واحمَّرت مخالبُه / وأرهفت نابَها للفتكِ ذُؤبانُ
ثاراتُ طارقٍ الأولى تُؤَرِّقُهم / وما لما تتركُ الثاراتُ نسيانُ
تيقّظ الليثُ ليثُ الشرقِ محتدماً / فارتجَّ منه الشرى واهتزَّ خَفَّانُ
غضبانَ ردَّ إلى اليافوخِ عُفْرَتَه / وَمَنْ يصاولُ ليثاً وهو غضبانُ
لقد حَميْنا أُباةَ الضيمِ حَوْزَتَنا / من أن تُباحَن ودِنَّاهُم كما دانُوا
بني العروبةِ إنَّ اللّه يجمعُنا / فلا يفرِّقُنا في الأرضِ إنسانُ
لنا بها وطنٌ حرٌّ نلوذُ به / إذا تناءتْ مسافاتٌ وأوْطَانُ
غدا الصليبُ هلالاً في توحُّدِنا / وجمّع القومَ إنجيلٌ وقرآنُ
ولم نبالِ فُروقاً شَتَّتْ أُمماً / عدنانُ غسّانُ أو غسّانُ عدنان
أواصرُ الدَّمِ والتاريخِ تَجمعُنا / وكلُّنا في رِحابِ الشرقِ إخوانُ
قلبي وفيضُ دموعي كلّما خطرتْ / ذكرىَ فِلَسْطين خَفَّاقٌ وهتَّانُ
لقد أعاد بها التاريخُ أنْدلُساً / أخرى وطاف بها للشرِّ طوفانُ
ميراثُنا في فتى حِطّينَ أين مضى / وهل نهايتُنا يُتْمٌ وحِرمانُ
ردّوا تراثَ أبينا ما لكم صِلَةٌ / به ولا لكمُ في أمرِنا شانُ
مصيبةٌ برمِ الصبرُ الجميلُ بها / وعزّ فيها على السُلْوانِ سلوَانُ
بني فلسطين كونوا أُمَّةً ويداً / قد يختفي في ظِلالِ الوردِ ثُعبانُ
وكيف يأمَنُ رُعيانٌ وإن جَهِدوا / إذا تردَّى ثيابَ الشَاءِ سِرْحانُ
ومصرُ والنيلُ ماذا اليوْمَ خطبُهما / فقد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبانُ
كنانةُ اللّه حصنُ الشرقِ تحرسُهُ / شِيبٌ خِفافٌ إلى الْجُلَّى وشُبَّانُ
أَبَوْا على القسر أن يرضَوْا معاهدةً / بكل حرفٍ بها قيدٌ وسَجَانُ
وكم مَشَوْا للقاء الموتِ في جَذَلٍ / والموتُ منكمشُ الأظفارِ خَزْيانُ
لكل جسمٍ شرايينٌ يعيشُ بها / ومصرُ للشرقِ والإسلامِ شِرْيانُ
بني العروبة مدّوا للعلوم يداً / فلن تُقامَ بغيرِ العلمِ أركانُ
جمعتُمُ لشبابِ الشرقِ مؤتمراً / بمثله تزدهي الفصحى وتزدانُ
فقرِّبوا نهجَهم فالروحُ واحدةٌ / وكلُّهم في مجالِ السبقِ أقرانُ
لا تبتغوا غيرَ إتقانِ وتجربةٍ / فقيمةُ الناسِ تجريبٌ وإتقانُ
وحبِّبوا لغةَ العُرْبِ الفصاحِ لهم / فإنّ خِذْلانَها للشرقِ خِذْلانُ
قولوا لهم إنّها عُنوانُ وَحْدَتِهمْ / وإنَّهم حولَها جندٌ وأعوانُ
وكمِّلوهم بأخلاقٍ ومَرْحَمةٍ / فإنّما المرءُ أخلاقٌ ووِجْدانُ
جَمَعَ الشُّجُونَ وبَدَّدَ الأحْلاَمَا
جَمَعَ الشُّجُونَ وبَدَّدَ الأحْلاَمَا / خَطْبٌ أَنَاخَ بكَلْكَلٍ وأَقَامَا
أَخْلَى الكِنَانَةَ مِنْ أَمَرِّ سِهَامِها / عُوداً وَرَاع النِيلَ والأَهْرَاما
وعدَا عَلَى رَوْضِ الشَّبَابِ وظِلِّهِ / فَغَدَا بِه رَوْضُ الشَّبَابِ حُطَاما
غُصْنَان هَزهُمَا الصِّبَا فتَمَايلا / وسَقَاهُما الأَمَلُ الرَّوِيُّ جِمَاما
نَجْمان غالهُما الزَّمانُ فأصْبحَا / بَعْدَ التَّألُّقِ والسُّطُوعِ رُكَاما
نَسْران لو رَضِيَ القَضَاءُ لحلَّقا / دَهْراً على أُفُقِ الدِّيارِ وَحَاما
اِبْكِ الشَّبَاب الغَضَّ في رَيْعَانِه / وأَفِضْ عَليه مِنَ الدُّمُوعِ سِجَامَا
وانْثُرْ أَزَاهِيراً عَلَى الزَّهْرِ الَّذي / كانَتْ لَه كُلُّ القُلوبِ كِماما
وابْعَثْ أَنينَكَ للسَّحابِ شِكَايةً / فإلاَمَ تحْتَبِسْ الأَنِينَ إِلاَما
لَهْفِي عَلَى أَملٍ مَضَى في لَمْحةٍ / لوْ دَامَ في الدُّنْيا السُّرورُ لَدَاما
لمْ نَشْكُرِ الأيَّامَ عند بَريقِهِ / حَتَّى أَخذْنَا نَشْتَكِي الأيَّاما
لم تَلْمَحِ العَيْنُ الطَّمُوحُ شُعَاعَه / حَتَّى رَأَتْ ذَاكَ الشُّعاعَ ظَلامَا
حَجَّاجُ لاقيْتَ اليقينَ مكَافِحاً / بَطَلاً ويا شُهْدِي قَضَيْتَ هُمَامَا
رَكِبَا الهَوَاءَ وكلُّ نفْسٍ لَو دَرَتْ / غَرَضٌ تَنَازَعُهُ المنُونُ سِهَامَا
والمَوْتُ يَلْقَى الأُسْدَ في عِرِّيسِها / ويَغُولُ حَوْلَ كِنَاسِها الآرَاما
الدِّرْعُ تُصْبِحُ حينَ تَبْطِشُ كَفُّه / دِرْعاً ولاَ السَّيْفُ الْحُسَامُ حُسَاما
رَكِبَا جَمُوحَ الْجَوِّ يَلْوِي رَأْسَه / كِبْراً ويَأْنَفُ أَنْ يُنيلَ زِمَامَا
في عَاصِفَاتٍ لم تُزَعْزِعْ مِنْهُما / عزْماً كَحَدِّ السَّيْفِ أَوْ إِقْدَاما
والْجَوُّ أَكْلَفُ والسَّماءُ مَرِيضَةٌ / واللَّيْلُ دَاجٍ والْخُطُوبُ تَرَامَى
والموْتُ يَخْفِقُ في جَنَاحَيْ جَارِحٍ / مَلأَ الفَضَاءَ شَرَاسَةً وعُرَاما
بسَمَا إِلى الْخطْب العَبُوسِ وإنّما / يَلْقَى الكميُّ قَضَاءَه بَسّاما
لَهْفِي عَلَى البَطَلين غالَهُمَا الرَّدَى / لَمْ يَمْلِكا دَفْعاً ولاَ إِحْجَاما
المَوْتُ تَحْتَهما يَصُولُ مُخاتِلاً / والمَوتُ فَوقَهما يَحُومُ زُؤَاما
ثَبَتَا لِحُكْمِ اللّه جَلَّ جَلاَلهُ / والْخطْبُ يَلْقَاه الكِرَامُ كِرَاما
والسَّيْفُ أَكْثَرُ ما يُلاقِي حَتْفَه / يومَ الكَرِيهةِ صَارِماً صَمْصَاما
قد يُنْسىءُ المَوتُ النِّمالَ بِجُحْرِها / ويَغُولُ في آجَامِه الضِّرْغَاما
يا هَوْلَها من لَحْظةٍ لا نَارُها / بَرْدٌ ولاَ كانَ اللَّهيبُ سَلاَما
هَلْ أَخْطَرا فِيها عَلَى بَالَيْهما / النيلَ والآباءَ والأَعْمَاما
والمَوْطِنَ الصَّدْيَانَ يَرْقُبُ عَوْدةً / وَيْلاَه قَدْ عادَا إِليه رِمَاما
أَتَقَاسَما فيها الوَدَاعَ بلَفْظَةٍ / أَمْ لَمْ تدَعْ لَهُمَا المَنُونُ كلاَما
هل فَكَّرا في الأُمِّ تندُب حَظَّها / والزَّوْجِ تُسْكِتُ وَالهِينَ يَتَامَى
إنّ السَّلامَةَ قد تَكُونُ مَذَلَّةً / ويَكُونُ إقْدامُ الجريءِ حِمَاما
والمرءُ يَلْقَى باختيارِ كِلَيْهِما / حَمْداً يُحلِّقُ بِاسْمِه أَوْ ذَاما
والمَجْدُ يَعْتَدُّ الْحَيَاةَ قَصِيرةً / ويَرَى فَناءَ الْخَالِدِين دَوَاما
وَقَفْتَ تُجدِّد آثارَها
وَقَفْتَ تُجدِّد آثارَها / وتُنْشِرُ للعُرْب أشْعَارَها
وتَرْجِعُ بَغْدادَ بعد الفَنَاءِ / تُحدِّثُ للنَّاسِ أَخْبارَها
وتَبْعَثُ حَسَّان من رَمْسِهِ / وتُحيِي عُكاظَ وسُمَّارها
بشِعْرٍ له نَبَراتٌ تَهُزُّ / نِياطَ القُلوبِ وأوْتَارها
أطاعَتْ قوافِيه بَعْد الشِّماسِ / جَرِيءَ القريحةِ جَبَّارَها
ونَظْمٍ له نَفَحَاتُ الرِّياضِ / إذَا نَقَّط الطَّلُّ أزهارَها
فمِن حِكمةٍ عَلَّمتْها السِّنُونَ / حِوارَ النفُّوسِ وإِسْرَارَها
لها صَفْحَةُ الْكَوْن مَنْشورةٌ / يُتَرْجم بالشّعر أَسْطارَها
وتَشْبِيبِ لاهٍ لَعُوبِ الشَّبابِ / يُناجي السّماءَ وأقْمارَها
تراه وَظِلُّ الصِّبَا وارفٌ / جَموحَ العَرِيكةِ مَوَّارَها
يُغنى كمَا صَدَحت أيْكةٌ / وقد نَبَّةَ الصبحُ أطْيارها
ويَبْكِي فَيُبكي رُسومَ الديارِ / حَنَاناً عَليه وآثارها
ويَنْسَبُ حتى يَلينَ الهَوَى / وتَقْضي الصّبَابةُ أوْطارها
وتنْسَى الكواعبُ آيَ الحِجابِ / وتَبْكِي العَجائزُ أعمارَها
وتَصْويرِ طَبٍ صنَاع اليَدَيْن / حَبَتْه الطَّبيعةُ أَسرارها
كأنَّ رُفائيلَ في كَفِّهِ / يُعيدُ الفُنونَ وأَعْصارها
يُريك إذا خَطَّ في طِرْسِه / حياةَ القُرون وأدْوَارها
ويَرْسُم أندُلُساً باليَرَاعِ / فتلمِسُ كفُّك أَسْوارها
وإِن وَصَف الحربَ خِلْتَ الْحِرابَ / تَسُدُّ من الأرض أقطارها
فتُمْسِكُ جَنْبك ذُعراً تخافُ / قَناها وتَرْهَبُ بتَّارها
أشَوْقيِ وأنت طَبيبُ النُّفوسِ / وَضَعْت عن النفس آصارَها
نَصَرْتَ الفَضيلةَ مِن بَعْدِ أنْ / طَوَاها الزمانُ وأنْصَارَها
وجِئْتَ لمِصْرَ كعيسى المسيحِ / تُفَتِّحُ للنّورِ أَبْصَارَها
بآيٍ تُفَصِّلَها مُحْكَمَاتٍ / كأنَّ مِنَ الوَحْيِ أَفْكارَها
تَرُدُّ الشبِيبَةَ للصالحاتِ / وتَرْجِعُ للدِّين هَتَّارها
جَزَيْتُ بِشِعْرِك شعراً وهل / تُجازِي الخمائلُ أمطارَها
فكنتَ شَريفَ قَوافي البَيانِ / وكنتُ بِفَضْلك مِهْيارَها
فَغرِّد كما شِئْتَ لا فُضّ فُوكَ / وعِش بَطَلَ الضّادِ مِغْوارها
ذاكَ لأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه
ذاكَ لأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه / والضِّياءُ الذِي تَرَوْن ضِياؤُهْ
وبَهاءُ الرِّياضِ كَللَها الغَيْثُ / فتَاهَتْ بنَوْرِهنّ بَهاؤُهْ
والنَّسِيمُ الذِي جَرَى طَيِّبَ النَّشْرِ / جَرَى ذِكْرُهُ به وثَناؤه
ذاك وَجْهُ المَلِيكِ وَجْهُ أَبي الفا / رُوقِ هذَا سَنَاهُ هذَا سَنَاؤه
ظَهَر الرَّكْبُ والقُلُوبُ حَوَالَيْهِ / تُرَجِّيهِ والنُّفوسُ فِدَاؤُه
تَجْتَلِيِه العُيُونُ مُسْتَبْشراتٍ / وبَرِيقُ السُّرور فيها وماؤُه
وهُتَافُ الإِخْلاَصِ يَخترِق الْجوَّ / فتُمْليه واضِحاً أَصْداؤه
وَدَّتِ النَّيِّراتُ لو هَبَطَتْ فِيهِ / فزَاد ازْدِهاءَهُنَّ ازْدهاؤُه
مَوْكِبٌ لم يَنَلْهُ رَمْسِيسُ ذو التَّا / جَيْن في عَصْرِهِ ولا خُلَفاؤه
حَكَموا شَعْبَهمْ ولم يَملكُوهُ / مِقْوَدُ الشَّعْبِ حُبُّهُ ووَلاؤُه
عَاد للقُطْرِ ربُّهُ مثلمَا عا / دَ إِلى المِدْنَفِ العَلِيل شفاؤُه
وَبَدا كالصَّبَاحِ فانْهَزَمَ اللَّيْلُ / وَوَلَّتْ مَذْعُورةً ظَلْماؤه
مَلِكٌ شَادَ لِلْكنَانةِ مَجْداً / أَحْكَمَتْ وَضْعَ أُسِّهِ آباؤُهْ
كُلُّهمْ كانَ لِلْمَحامِدِ بَنّا / ءً أبيّاً عَلَى الزَّمَانِ بِناؤه
هِمَّةٌ تَفْرَعُ السمَاءَ وعَزْمٌ / لَيْس للسَّيْفِ حَدُّهُ وَمَضَاؤه
ونَفَاذٌ في المُعْضِلاتِ برَأْيٍ / ثَاقِبٍ يَكْشِفُ الغُيوبَ ذَكاؤه
ومُحَيّاً فيِه مِنَ اللّه سِرٌّ / كادَ يُغْشِيهِ نُورُهُ وحَيَاؤُه
صَفْحَةٌ خطَّها الإِلهُ ففيها / أَلِفُ النُّبْل لو قَرَأْتَ وياؤُه
بَهَرَ الغَرْبَ طَلْعَةٌ مِنْك كادَتْ / تَتَمَشَّى شَوْقاً لها أَرْجَاؤه
لَمَحُوا عِزَّةً وشَامُوا بِكَفَّيْك / غَمَاماً هَتَّانةً أَنْدَاؤه
وبَدَا للْعيُونِ والدُكَ المِسْمَاحُ / تُحْيِيهِ ثانياً أَبْناؤه
فِيكَ منهُ الْجَبينُ والْخُلُقُ الرَحْبُ / وبُعْدُ المَدَى وفِيكَ إِبَاؤه
لُحْتَ فيهم فأدْرَكُوا صَوْلَةَ الشَّرْ / قِ ومَرَّتْ بِذِكْرِهم أَنْبِياؤه
ورَأوْا في الْجَلالِ تُوتَنْخَموناً / صاعِداً جَدُّه رَفِيعاً لِواؤُه
أَيْنما سَارَ فالْعُيونُ نِطَاقٌ / وقُلوبُ المُجَاهِدينَ وِقَاؤُه
تَتَمَشَّى في رَكْبِه الشَّمْسُ إِكْبَا / راً ويَنْشَقُّ عَنْ سَنَاها رِدَاؤُه
أَنْتَ أعْلَى كَعْباً وأبْقَى عَلَى الدَّهْرِ / وإِنْ زَاحمَ الْخُلُودَ بَقاؤُه
لَو وَزَنَا بما أَقَمْتَ من الدُّسْتُورِ / آلاءَه اخْتَفَتْ آلاؤه
عَجَز الدَّهْرُ أَنْ يُحِيطَ بمَعْنا / كَ وأَلْقَتْ قِيادَها شُعَراؤُه
إنَّ مَنْ رامَ لِلْكَواكِبِ عَدّاً / يَتَساوَى ابتداؤُهُ وانْتهاؤه
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ / هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيِضكَ هَاتِ
زَهَراتٌ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً / وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَراتِ
صَيَّرتْ صَفْحَةَ الرِّياضِ سماءً / وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّراتِ
لم تُفَارِقْ كِمَامَها وشذَاها / يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهاتِ
تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخدَّ لَهَا / خَدّاً فَتَجْرِي في خَشْيةٍ وَأَنَاةِ
مُصْغياتٌ إِذا الْحمَائمُ رَنَّتْ / بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَاتِ
ضاحِكاتٌ إِذا بَكَى عابسُ الغَيْثِ / وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَاتِ
وإِذا ما جَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ / لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلاتِ
إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً / فَوْقَ حُسْنِ المَلاَمِحِ الفاتِنَاتِ
كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ / ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَاتِ
فانظْرِ الرَّوضَ لا ترَى غَيْرَ تِبْرٍ / من تُرَابٍ ودُرةٍ مِن حَصَاةِ
حَبَّةٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً / ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ
ونَواةٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَحْلٍ / وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَاتِ
يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشِيداً / مُوْصِليَّ الأدَاءِ والنَّبَراتِ
يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه / فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَاتِ
كم تَهادَى مع النَّسِيمِ اخْتِيالاً / كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَاتِ
تَتَناءَى به الظِّلالُ لِجَمْعٍ / ثم تَدْنُو مُدِلَّةً لِشَتَاتِ
مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ / بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاةِ
أو كوَجْهِ الحَسْناءِ يَبْدُو ويَخفَى / بين مَيْل الهَوَى وخَوْفِ الوُشَاةِ
كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاةٍ / سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاةِ
وإِذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ / جَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَاتِ
وحَبَاها خِصْباً إِذا مَسَّ صَخْراً / تَرك الضخرَ جَنَّةَ الجَنّاتِ
رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ / وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ / تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّةُ الكَائِناتِ
لَكَ كَفّانِ تلك تُعْطي وهَذِي / تَتَلقّى مَثُوبةَ الْحَسَناتِ
تَرْتَجيِ الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْسِ / لك اللّه يا أَخا التُّرَهَاتِ
ضِلَّةً تَطلُبُ الزُّلالَ من النَا / رِ وتَبْغِي غَضارةً من فَلاَةِ
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأحْلاَمِ / فانهَضْ وُقِيتَ شَرَّ السُّباتِ
قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى / حُسْنهُ بالْحَدَائقِ الباسِقاتِ
وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً / وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَاتِ
وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ / هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَاتِ
وَغَذَوْنَاه طَيِّباً بجُهودٍ / ضاعَفَتْ مِن ثِمَارِهِ الطَّيِّباتِ
وَحَميْناهُ أن تَعِيثَ به الأَيْدِي / وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الجُنَاةِ
وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا / لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِناتِ
وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ / وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَراتِ
إِيهِ يا رَوْضَةَ المَعارِف لا زِلْتِ / مَثَابَ الْخيْراتِ والْبَركَاتِ
أَنت أنبَتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً / نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعاتِ
أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّةً وذَكاءً / وكذَا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزاتِ
خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِسَاحٌ / لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُواتِ
سَلكَتْ أوْسطَ الطَّريقِ وجَازَتْ / كُلَّ ما في الطَّرِيقِ من عَقَباتِ
وجُهُودٌ تَمْضِي وتَأتِي جُهُودٌ / مُحْكَماتٌ مَوصُولةُ الْحَلَقَاتِ
نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْرَ / دُرُوعاً حَصِينةٌ سابِغَاتِ
إِنَّا مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْرَ / دَبِيبُ الْحَياةِ بين الرُّفَاتِ
جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي / فالقِ الْحَبِّ باعِثِ الأمْواتِ
أرْسَل اللّه للكِنَانةِ نَدْباً / هِبْرِزيَّ الاعْرَاقِ والعَزَمَاتِ
فأَتاها مُحمَّدٌ جدُّ إِسْما / عيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَياةِ
هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ / العَيْنَ ويَمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلماتِ
هل رأيتَ الغَديِرَ يَنْسَابُ في / القَفْرِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَاتِ
هل رأيتَ الْحَياة تَسْرِي إِلى الجِسْمِ / فتُحْيِي عِظَامَه النَّخِرَاتِ
هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفَارٍ / واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ
لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي / غَرَضٌ جَاء في اتجاهِ الرُّمَاةِ
جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ / مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاةِ
نكَثُوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا / قَطَرَاتٍ تَجْرِي إِلى قَطَرَاتِ
لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ / مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِساتِ
يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ من الضَّوْ / ءِ ولو كانَ في ابتسامِ الفَتَاةِ
لم يَكُنِْ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ / هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَاتِ
كَذُبَالِ المِشْكاةِ قَدْ جَفّ إلاّ / أَثَراً من بُلاَلةِ المِشْكَاةِ
فَأتى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا / ها بِرَأْيٍ وَعَزْمَةٍ وثَبَاتِ
لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ / مُهْطِعاتٍ لأمْرِهِ صاغِرَاتِ
شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا / ناً مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَاتِ
وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ / عَلَوِي فكانَ خَيْرَ البُناةِ
نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ / تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إِلى نَهَضَاتِ
أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْبُ / يقُودُ المُنَى إِلَى الغَايَاتِ
وَرأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً / دانياتٍ قُطُوفُها زَاهِيَاتِ
كلَّ يوم عند الصَّباحِ تَرَى جَيْشاً / مِنَ النَّشءِ صادِقَ الوَثَبَاتِ
جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي / ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاةِ
طَلَعوا أَوَّل الغَداةِ فزَانُوا / بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاةِ
مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً / ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلاتِ
نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم / أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرَاتِ
ورأيتُ الفلِذَاتِ تَمْشي على الأرْ / ض فَخلُّوا الطَّرِيقَ للفلْذَاتِ
هُمْ أَمانيُّ مِصْرَ هم مُرْتجاها / هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخافِقَاتِ
مِائةٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ / زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاتِ
بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً / فوقَ شَأْوِ الكَواكبِ السّابِحاتِ
وغدَا مَجْدُها الْحِديثُ وقد شا / عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاةِ
أصبحتْ كَعْبَةً يَحُجّ إليها الشَّرْ / قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْناتِ
تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى / بين ماضٍ زاهي الْجَبينِ وآتي
كلُّ تاريخها كتابٌ منَ الَمْجدِ / كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَاتِ
بَعَثتْ دارِسَ الفُنُونِ وأحْيَتْ / بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغاتِ
وأعادَتْ إِلَى العُلوم مَنَاراً / كان صُبْحَ الدُّجَى وهَدْىَ السُّرَاةِ
أَنجَبتْ للْبِلادِ أبطالَ عَزْمٍ / هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ
دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا / خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاةِ
أَنْجبَتْ كلَّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ / نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ
أَنْجَبتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍ / صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَاتِ
تَتَمنَّى الأزْهارُ لو كنَّ يَوماً / في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَاتِ
أنْجبتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّمْعَ / بآثارِ فَنِّهِ الْخالِداتِ
أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ / سَاحِرِ القَوْلِ صَادِقِ الحَمَلاتِ
وَحَمتْ شِرْعة الخلائِقِ أنْ يَعْبَرَّ / صَافي نَميرِها بقَذَاةِ
قد وَلَجْنا الْحَياةَ من كلِّ بَابٍ / فَرَأيْنا الأخْلاقَ بابَ النَّجَاةِ
أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّرْقِ / يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَاتِ
عَقَدَتْ بَيْننا اللَّيالي صِلاَتٍ / مُحْكَماتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَتِ
إِنّ عِيدَ المعَارِفِ اليومَ عِيدٌ / للنُّهَى والْجُهُودِ والذِّكْرَياتِ
عِيدُ يُمْنٍ لمِصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ / خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتي
بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ / بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكَاةِ
وأطَاحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ / وامْحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ
واسْتَعزّتْ بِطلْعةِ المَلِكِ الفَا / رُوقِن زَيْنِ الحِمَى وَفخْرِ الحُمَاةِ
يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى / بمَجَالي آلائِهِ المُشْرِقَاتِ
تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتفْدِيهِ / عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقاتِ
عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ / كجمَالِ الرَّبِيعِ في الأَوْقَاتِ
بَهَرَ الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنىً / مِن مَعانِي صِفاتِه الباهِراتِ
عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً / أرْيَحيّاً وعاشَ للمَكْرُمَاتِ
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ / وارفعوا الستْرَ عن الصبح المبينْ
وابعثوه عَسْجداً مُؤْتلِقاً / زاد في لألائه طولُ السنينْ
وانتضوا من غمدِه سيفغَ وَغىً / كان إن صال يَقُدُّ الدارعين
وقناةً جَلَّ من ثَقَّفها / للحِفاظِ المُرِّ والعزم المكين
لوتِ الدهرَ على باطله / وهي كالحقِّ صَفاةٌ لا تلين
هزمت جيشَ الأباطيلِ فما / غادرتْ غير جَريح أو طعين
كتب اللّه على عامِلها / إنما الْخُلْدُ جزاءُ العاملين
جدت ضمَّ سناء وسنا / ومصاص الطهر في دنيا ودين
طاعة الأملاك فيه امتزجت / في السموات بعز المالكين
فتشوا في الترب عن عزمته / وعن الإقدام والرأي الرصين
واخفضوا بالصمت في محرابه / أفصح الألسن صمت الخاشعين
وانتحوا من قبره ناحيةً / واحذروا أن تزحموا الروح الأمين
وحنانا بضريحٍ طالما / صقلته قبلات الطائفين
وجثت مصر به خاشعة / تذرف الدمع على خير البنين
صَيْحَةٌ قدْسِيَّةٌ إن سكتتْ / فلها في مِصْرَ رَجْعٌ ورَنينْ
وعَرينٌ حَلَّ فيه ضَيْغَمٌ / رحمةُ اللّه على لَيْثِ العرين
ومضاءٌ عَرَفَتْ مِصْرُ به / أنَّ للحقِّ يميناً لا تمين
لا أرَى قَبْراً ولكني أرَى / صفحةً من صَفحاتِ الخالدين
أو أراه قَصَبَ المجدِ الذي / دونه ينفَقُ جُهْدُ السابقين
أو أراه عَلَماً في فَدْفَدٍ / لمعتْ أضواؤُه للحائرين
أو أراه روضةً إنْ نَفَحتْ / خَجِلَ الوردُ وأغْضَى الياسَمين
أو أراه دَوْحَةً وارفةً / نَشَرَتْ أفياءَها للاجئين
أو أراه قلبَ مصرٍ نابضاً / بِمُنىً تمحو من القلبِ الأنينْ
نَقَلوا التابوتَ تَحْتَفُّ به / رَحَماتٌ من شِمالٍ ويمين
ذاك بَعْثٌ حَيِيَتْ مصرُ به / من جديدٍ تلك عُقبى الصابرين
هل علمتم أنَّ مَنْ واريتُمُ / في حَنايا كلِّ مصريٍ دفين
ما لِسعدٍ حُفْرةٌ واحدةٌ / هو مِلءُ القلبِ ملءُ الأرَضين
كلُّ بيتٍ فيه سعدٌ ماثلٌ / في إطارِ من حَانٍ وحنين
نظرةُ الرئْبالِ في نظرته / وانبلاجُ الحقِّ في ضَوْءِ الجبين
وضعتْ مصرُ به آمالَها / فاستقرَّتْ منه في حِصْنٍ حصين
هو للأَبناءِ عمٌّ وأبٌ / وهو للآباءِ خِلٌّ وخَدينْ
كان سعدٌ عَلَماً منفرداً / هل يُرَى للشمس في الأفْقِ تَنين
إنّ أمَّ المجدِ مِقْلاتٌ فكم / سَوَّفَتْ بين جَنينٍ وجَنين
تبخَل الدنيا بآسادِ الشرَى / أيّها الدنيا إلى كم تَبْخَلين
أنتِ قد أنجبت سعداً بطلاً / وقليلٌ مثلَه مَنْ تلدين
وجدتْ مصرُ به واحدَها / ربَّ فَرْدٍ بأُلوفٍ ومئين
ومن الناسِ نضارٌ خالصٌ / ومن الناس غُثاءٌ وغَرين
ومن الناس أسودٌ خُدَّرٌ / ومن الناس ذُبابٌ وطنينْ
قاد للمجد مناجيد الحمى / كلُّهم أرْوَعُ مُنْبَتُّ القَرينْ
تقرأُ الإقدامَ في صفحتهِ / مثلَما تقرأُ خطَّ الكاتبين
كلّما مرّتْ به عاصفةٌ / زَعزَعٌ مرَّت على طَوْدٍ رَكين
تقرَعُ الأقدارُ منه عَزْمَةً / أنِفَتْ صخرتُها أنْ تستكين
يا بني الرُبّانِ لا تستيئسوا / إنْ مضى الموتُ برُبانِ السفين
إنّ سعداً أخضع الريح لكم / والبقيَّاتُ على اللّه المعين
لاحتِ الفرصةُ في إبّانِها / إنها لا تُرْتَجَى في كلِّ حين
فهلمّوا فاقْنِصوا طائرَها / كلّكُمْ بالسبق والنصر قمين
صَدَقَ اللّه تعالَى وعدَه / إنما الفوزُ ثواب المخلصين