القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صُرَّدُر الكل
المجموع : 130
كما قلُتما بُرءُ الصبابةِ في الياسِ
كما قلُتما بُرءُ الصبابةِ في الياسِ / وليس لها غيرَ التجلُّدِ من آسِ
فما في الهوى مَرعىً يطيبُ لذائق / ولا مَوردٌ عذبٌ يَلذّ به حاسِ
سؤالُ مغانٍ ربعُها أخرسُ الصَّدَى / وشكوَى إلى مَن قلبُه ليِّنٌ قاسِ
أيَبْيَضُّ فَرعى والجوى في جوانحى / كأَنّ الهدى يا قلب مسكنُه راسي
وما هذه اللِّمّاتُ إلا صحائفٌ / محاها بياضُ الشَّيب عن لونِ قِرطاسِ
كأَن الرُّقَى مما عدِمت شفاءَها / تَعلَّمها الراقون من بعد وَسواسي
مَددتُ يداً نحو الطبيب فردَّها / إلى النَّحر واستغنى بإخبار أنفاسي
وما زال هذا البرقُ حتَى استفزّنى / سَناَ كلِّ وقاَّد ولو ضوءُ نِبراسِ
وليل وِصالٍ أسرعَتْ خُطُواتُه / بهجعةِ سُمَّارٍ وغفلةِ أحراسِ
فما قُصَّ للنَّسريْن فيه قوادمٌ / ولا رُبِطتْ ساقُ الثريا بأمراسِ
ضحوك ثَنيّاتِ الصّباح تخالُه / ضياءَ إمامِ الحقّ من آلِ عباسِ
هو الوارث النور الذي كان آية / لأبانه الماضين من عهد إلياس
فلو لم يكن للناس في الليل راحةٌ / لضوَّأَ من لألائه كلَّ دِيماسِ
كأن رسولَ الله ألقَى رداَءه / من القائِم الهادِى على جبل راسِ
ضميرٌ جلاه صَيقلُ الحلم والتُّقَى / وكفٌّ حباها الله بالجودِ والباسِ
ومحتجب بالعزّ لولا مكانه / لرُجَّت نواحى هذه الأرض بالناسِ
زمانُ الورى في ظلِّه وجنابه / كأيَّام تشريق وليلاتِ أعراسِ
رعاهم بروض الأمن غِبَّ مخافةٍ / وألبسهم ثوبَ الغنى بعد إفلاسِ
وراضَ الجَموحَ للذَّلولِ برفقهِ / فما بينهم إلا موازينُ قِسطاسِ
حِماهُ هو البيتُ العتيقُ ظباؤه / حرامٌ على عَبل الذراعَيْن فرّاسِ
فلو كان فيه ناقةَ اللهِ عاقرا / أخو وائلٍ ما ذاق طعنة جَسَّاسِ
وما ضرَّ من كان الإمامُ سحابَهُ / تقاعُدُ لَمَّاعِ البوارق رجَّاسِ
لسيَّارةِ المعروف في صُلبِ مالِهِ / غنائمُ لم تُقسم عليها بأخماسِ
له من صوابِ الظنِّ بالغيب مخبرٌ / ولا خيرَ في رأى امرىء غيرِ حسَّاسِ
وليس لأحقادٍ ذُكرنَ بذاكرٍ / ولا لحقوق الله يُنسَيْنَ بالنَّاسى
ولولاه كانَ الدِّين فقْعاً بقَرقرٍ / يُداسُ بأظلافٍ ويُفرَى بأضراسِ
سقاه مياه العز فاخضرَّ مُورِقاً / وأينعتِ الأفنانُ في عُودهِ العاسِى
فلا تنشُروا للباطلِ اليومَ رايةً / وهل يُنشَر المدفونُ في قَعر أرماسِ
يؤيده الرحمن في كلِّ موقفٍ / بنصر يعود الليثُ وهو به خاسِ
جيوشٌ من الأقدارِ تُفْنِى عُداته / بلا ضربِ إيثاخ ولا طعنِ أشناسِ
وكم شهدَتْ يوما أغرَّ محجَّلا / تُخلِّده الأقلامُ ذِكرا بأطراسِ
يُشا كِلُ بدرا والملائكُ حُضَّرٌ / ويَذكُرُ جندا أُنزِلتْ يومَ أَوْطاسِ
وقد علِم المصرىُّ أنَّ جنودَه / سِنُو يوسفٍ منها وطاعونُ عَمْواسِ
أحاطتْ به حتَّى استراب بنفسهِ / وأوجس فيها خِيفةً أىَّ إيجاسِ
قصورٌ على الفسطاط أضحتْ كأنها / قفارُ ربوعٍ بالسَّماوة أدراسِ
سهامُ أميرِ المؤمنين مَكايدٌ / ورُبَّ سهامٍ طرن من غير أقواسِ
هو المصطَفىِ التقوَى متاعاً لنفسه / بجوهرِها حالٍ بسُندُسها كاسِ
إذا وطِئت شُوشُ الملوك بساطَه / تضاءل منها كلُّ أغلبَ هِرماسِ
تَخِرُّ بِهِ شُمُّ الجماجم سُجَّدا / ويخشَعُ فيه كلُّ ذى خُلُق جاسِ
يُحيُّون من جسم النبوّةِ بَضعَةً / هي القلبُ في الحَيزوم والعينُ في الراسِ
ويَغشَون قَرْما من لؤىّ بن غالبٍ / يعدِّد في أنسابه كلَّ قِنعاسِ
من الخلفاءِ الرافعين بِناءهم / بأطولِ أعمادٍ وأثبتِ أساسِ
رعَتْ ذممَ الإسلام منهم كوالىءٌ / وسيست أمورُ الملكِ منهم بسُوَّاسِ
نجومٌ إذا السارون ضلُّوا هدتهُمُ / هدايةَ نِيران رُفعن بِقُرناسِ
قِداحُهُمُ يومَ الفخار فوائزٌ / وأسهمُهم إن نازلوا غيرُ أنكاسِ
همُ ملؤا الدنيا بطيبِ حديثهم / كما ملأ الأسماعَ قعقاعُ أجراسِ
كرهبانِ ليلٍ لا تلائمُ مضجَعا / وأُسْدِ صباحٍ ما تَقِرُّ بأخياسِ
وما منهمُ من ملَّك البِيضَ قلبَه / ولا طمِعتْ في لُبهِّ وثبةُ الكاسِ
عَتادُهم في حَجِّهم وجِهادهم / جراجرُ أجمالٍ وتَصهالُ أفراسِ
أولئك آباء الإمامِ ورهطُهُ / أصولُ كرامٍ زَيَّنتْ خيرَ أغراسِ
عَمِرتَ أميرَ المؤمنين بنعمةٍ / وعيشٍ صفيقِ الظلِّ أخضرَ ميَّاسِ
ولا زالت العلياءُ عندك وفدُها / يروح بأنواعٍ ويغدو بأجناسِ
ابحتَ حِمىَ الإحسانِ حتّى أصابه / معاشرُ من نَيل المنى غيرُ أكياسِ
وما نعمةٌ إلا أفضتَ لباسَها / على من عهدناه لها غيرَ لبَّاسِ
مواهبُ فيها لابنِ حِصنٍ وحابس / نصيبٌ فهلاَّ مثلُه لابن مِرداسِ
فما لي وبحرُ الفضل عندك زاخرٌ / يطاوَل في دار المُقامة أحلاسى
إذا رُفِعت نارُ القِرَى لك أُوقدتْ / مَصابيحُ لم يُستدنَ فيهنَّ مِقباسى
أوذُ بواديك المقدِّسِ أن أُرى / فريسةَ قنّاصٍ من الدهر نهَّاسِ
للا رِقبةٍ جَورُ الزمان وعدلُهُ / وتحريجُه جارٍ على غير مقياسِ
فإن تصطنعْ نُعْمى فأنتَ وليُّها / وهيهات تُقضَى من رجائك أحلاسى
ننال بأدنى القولِ منك مدَى العلا / ولا عجبٌ أن يُحضر الدُّرُّ بالماسِ
وإن كان ثدىُ الجود عندك حافلا / فقد يُمتَرى دَرُّ اللَّبون بإبساسِ
تعامت لنا الأيامُ عنك وأبلستْ / نوائبُها عن قصدها أىَّ إيلاسِ
فليست صروفُ الدهر ما دمت سالما / مُعاشرَ أهليها بخوفٍ ولا باسِ
لو كنتُ أُشفقُ من خضيبِ بنانِ
لو كنتُ أُشفقُ من خضيبِ بنانِ / ما زرتُ حيَّكُمُ بغير أمانِ
يا صبوةً دبَّت إلىَّ خديعةً / كالخمر تسرِقُ يقظةَ النشوانِ
اُنظرْ قما غضُّ الجفون بنافع / قلبا يَرى مالا تَرى العينانِ
ولقد محا الشَّيبُ الشبابَ وما محا / عهدَ الهوى معه ولا أَنسانى
فعلمتُ أن الحبَّ فيه غَوايةٌ / مغتالةٌ للشَّيبِ والشُّبّانِ
ما فوق أعجازِ الركابِ رسالةٌ / تُلهى ففيمَ تَحيّةُ الرُّكبانِ
عذرا فلو علموا جواك لساءلوا / غِزلانَ وجرةَ عن غصون البانِ
قُولا لكُثبان العقيقِ تطاولِى / دون الحِمىَ أقدُرْك بالطَّمَحان
وليَنِسِفَنَّ الرملَ زَفرهُ مدنفٍ / إن لم يُعنْهُ الدمع بالهملانِ
عِجل الفريقُ وكلُّ طَرفٍ إِثرَهم / متعثِّر اللحظاتِ بالأظعانِ
وكأنما رُدْناىَ يومَ لقيتُها / بالدمع قد نُسِجا من الأجفان
كلِّفْ رُدْناىَ يومَ لقيتُها / بالدمع قد نُسِجا من ألأجفان
كلِّفْ تجلّدِىَ الذي يسطيعُهُ / هل فيَّ إلاّ قدرةُ الإنسانِ
ولئن فررتُ من الهوى بحُشاشتى / فالحبُّ شرُّ متالف الحيوانِ
يدرى الذي نضح الفؤاد بنَبْله / أن قد رمى كَشحيْهِ حينَ رمانى
لو لم تكن عينى على أطلالهم / عُقِرتْ لما سَفَحتْ بأحمرَ قانى
متأوّلين على الجفون تجنيِّا / فالدمع يُمطرُهم بذى ألوانِ
ولو أنه ماءٌ لقالوا دمعُهُ / رِيقٌ وجفنَا عينِه شَفَتانِ
ظمىء إلى ماء النُّقَيْبِ لأنَّه / وِرْدُ اللَّمَى ومناهلُ الأغصانِ
ولَنِعمَ هينمة النسيم محدّثا / عن طِيبِ ذاك الجيبِ والأردانِ
إن لم يكن سهلُ اللوى وحزونُهُ / وطنى فإنَّ أنيسَه خُلاَّنى
ولو أنهم حلُّوا زرودَ منحتُهُ / كَلَفى وقلتُ الدارُ بالجيرانِ
عُلَقٌ تَلاعبُ بي ورُبَّ لُبانةٍ / شاميَّةٍ شغَفتْ فؤادَ يماني
هل تبلِغنِّي دارَهُمْ مزْمومةٌ / بالشوقِ موقَرةٌ من ألأشجانِ
فعسى أميلُ إلى القِبابِ مناجيا / بضائمرِ ثقلُتْ على الكتمانِ
وأطاردُ المُقلَ اللواتي فتكُها / يُملى عليَّ مَقاتل الفُرسانِ
متجاذبين من الحديث طرائفا / يُصغِى سماعِها النِّضوانِ
كرِّرْ لحاظكَ في الحُدوجِ فبعدها / هيهات أن يتجاور الحيّانِ
من بعد ما أرغمتُ أنفَ رقبيهم / حَنَقا وخُضتُ حميَّة الغَيْرانِ
وطرقتُ أرضَهُمُ وتحتَ سمائها / عدَدَ النجومِ أسنةُ الخُرصانِ
أرضٌ جَداولُها السيوف وعُشبُها / نَبْعٌ وما ركزوا من المُرَّانِ
في معشرٍ عشِقوا الذُّحولَ وآثروا / شُربَ الدماءِ بها على الألبانِ
قومٌ إذا حيَّا الضيوفُ جِفانَهم / ردَّتْ عليهمْ ألسنُ النيرانِ
وإذَا شَواةُ الرأس صوَّحَ نبتُها / فعلى قضاءِ مآربٍ من شانِ
ولتَعَلَمنَّ البيدُ أنَّ جِباهَها / موسومةٌ بالنَّصِّ والوخَدانِ
يُزجَرْنَ أمثالَ القِداحِ ضَوامرا / ويُرَحْنَ أمثالَ القِسىِّ حوانى
أو ينتهينَ إلى جنابٍ ترتعى / فيه الوفودُ منابتَ الإحسانِ
ربُّ المآثرِ والمحامدِ ربُّه / وولىُّ بِكرِ صنيعةٍ وعَوانِ
تلقَى الجبابرةُ المصاعبُ وجهَهُ / بجماجمٍ تحنو على الأذقانِ
متهافتين على الصَّعيد كأنّهم / شِربوا بهيبتِهِ سُلافَ دِنانِ
وطِئُوا سَنابكَ خيله بشفاههم / قُبَلا وجلَّتْ عنهم القَدمانِ
حتى إذا صدَعوا السُّرادقَ أطرقت / تلك اللواحظُ من أغرَّ هِجانِ
قد أيقنتْ قِممُ الملوك بأنه / إن شاء طلَّقها من التيجانِ
خَطْراً أبا قَرْعَى الفِصال مُقاربا / إن القُروم أحقُّ بالخطَرانِ
فذروا الحمى يرعَى به متخمِّطٌ / تُخشَى بوادِرهُ على الأقرانِ
ما بين ساعده الهصورِ محرَّمٌ / فتعرَّضوا لفريسةِ السِّرحانِ
لا مَطعَمٌ لبُغاثِكم في مأزقٍ / حامت عليه كواسر العِقبانِ
للمْجلس الشرقىّ أبعدُ غاية / في يوم مَلحَمةٍ ويومِ رِهانِ
فركابُه ما تَنثنى بأزِمَّةٍ / وجيادُه ما ترعوىِ بِعنانِ
هِمَمٌ كما سرت البروقُ خواطفا / في حاصبٍ أو عارضٍ هتّانِ
وعزائمٌ رُبِيَتْ وأطرافَ القنا / وظُبا السيوفِ وارِضعت بلبانِ
إن الورى لما دعوْه جَمالَهم / حلُّوا من العلياءِ خيرَ مكانِ
وأتتْ به عدنانُ في أحسابها / حتى أقرّ بنو قَحطانِ
مجدٌ أطلَّ على الزمان وأهلِهِ / متقيِّلٌ في ظلِّه الثَّقَلانِ
ومفاخرٌ مشهودةٌ يَقضِى لها / يومَ النفار سواجِعُ الكُهّانِ
من ذا يجاذبه الفخارَ وقد لوى / أطنابَه في يَذبُلٍ وأبانِ
طَلاَّب ثأرِ المجد وهو مدفَّعٌ / بين اللئام مسَفَّه الأعوانِ
لم يرضَ ما سنّ الكرامُ أمامَه / حتى أتى بغرئبٍ ومَعانِ
نسخت فضائُله خِلالَهم التي / نجحوا بها في سالف الأزمانِ
فهي المناقبُ لو تقدّم ذكُرها / تُليتْ مَثانِيهن في القرآنِ
يعطيك ما حَرَم الجوادُ ودِينُه / أن الثراءَ وعُدْمَهُ سِيّانِ
وإذا رجالٌ حصَّنوا أموالَهم / جعَل المواهبَ أوثقَ الخُزّانِ
كم أزمةٍ ضحِكت بها أنواءُهُ / والغيثُ لا يلوِى على طمآنِ
من راحتيه نوافلٌ ومنائحٌ / ومن القلوب مطامعٌ وأماني
فحذارِ أن يطغىَ السؤالُ بطالبٍ / رفدّا فيركبَ غاربَ الطُّوفانِ
وأصَبْتُ قد يَحكى السحابُ نوالَه / لكنَّ ذا ناءٍ وهذا دانِ
وقرنتُه بالبحر يقذِفُ باللُّهَى / ونسيتُ ما فيه من الحَدْثَانِ
وذكرتُ ما في الليثِ من سَطَواتهِ / ولربّما وَلَّى عن الأقرانِ
لا تعدمَ الأزمانُ رأيَك إنه / في ليلها ونهارها القمرانِ
رأىٌ سقىَ اللهُ الخلافةَ صوبَهُ / ورمى بصاعقه ذوى الشَّنآنِ
نُجْحا بنى العباّس إن قناتَكم / هُزَّتْ بأحذقِ ساعدٍ بطعانِ
جَدٌّ أمدّ عديدكم من غِيله / بأشدَّ من أسَد العرين الجانى
يحمى ذمارَكُمُ بغير مساعدٍ / ويحوط سَرحكُمُ بلا أعوانِ
وثباتُه العزم الذليق إذا سطا / وزئيره حُكْمٌ وفصلُ بيانِ
مستلءمٍ بجَنانه وبنانِهِ / واسانهِ مِضرابةٍ مِطعانِ
لما رأى والحزمُ ينفعُ أهلَه / عَوْدَ الخلافةِ ضارباً بجرانِ
والسيفَ لو يَرْكُضْ بكفَّىْ ضاربٍ / والرمحَ لم يَطمحْ بعينِ سنانِ
داوَى عَياءَ الداءِ ساحرُ رفِقهِ / والنَّقْبُ يَشفيهِ هِنَاءُ الهانى
حتى إذا برح الخفاءُ وسفَّهتْ / حِلَم الحليمِ حفيظةُ الغضبانِ
ورأى الهَوادَة مَرَوةً مقروعةً / والسّلم مطعمةَ العدوّ الوانى
نادَى فلبَّاه صهيلُ سوابقٍ / وأطيطُ كلِّ حنِيَّةٍ مِرنانِ
وفوارسٌ يَصلَوْن نيرانَ الوغى / مما تُثيرُ جيادُهم بدخانِ
جنَبوا إلى الأعداءِ كلَّ طِمِرَّةٍ / بُنيت مفاصلُها على شَيطانِ
مثل المَراقبِ تحتهم وهُمُ على / صواتها كالهَضْب من ثَهلان
طلعوا طلوع الشمسِ يغمرُ ضوءُها / هامَ الرُّبَى ومغَابنَ الغِيطانِ
وكأنما سجدتْ قِسِيُّهمُ إلى / لألاء وجهك إذ أتتك حوانىِ
من بعد ما سدّوا الفضاءَ وحرَّموا / نَفَل الربيع به على الغِزلانِ
يتسابقون إلى المنون فكلُّهم / يغَشى الردَى ما عُدّ في الوِلدانِ
وإذا هُم عدِموا مَقاودَ خيلهم / فتلوا لهنَّ ذوائبَ الفُرسانِ
في كلِّ معترَك تُجيلُ كماتُهم / قِدْحا يفوز إذا التقَى الجمَعانِ
فاسئلْ جبالَ الروم لمَّا طوَّقوا / أعناقَها من جَمعهم برِعانِ
ترعَى بها زُهرَ النجوم جيادُهم / ومن السحاب يَرِدنَ في غُدرانِ
فكأنّهم يبغون في فَلك الذُّرَى / أن يأسروا العَيُّوقَ للدَّبَرانِ
تركوا المعاركَ كالمنَاحِرِ من مِنىً / وجماجمَ الأعداء كالقُربانِ
فكأنّما فرَشَ النجيعُ تِلاعَها / ووِهادَها بشقائق النُّعمانِ
فأتاك وفدُ بنى الأُصيفِرِ يرتمى / بهمُ جَناحَا ذِلّةٍ وهوانِ
جنحوا به مستسلمين وطالما / شمَخوا بدينهمُ على الأديانِ
بذلوا الإتاوة عن يدٍ فكأنّهم / عقدوا بذاك الغُرِم عَقْدَ ضَمانِ
في كلِّ يومٍ تستهلُّ منوزَهم / كرماً بعَشرِمِىءٍ من العِقيانِ
وبرزتَ في حُلل الوقارِ بهيبة / فقأتْ عيونَ الكفر بالإيمانِ
وكفاكَ أن قُدتَ الضلالة بالهدى / وجعلت دارَ الحرب دارَ أمانِ
هذا العراق قد انجلت شُبُهاتُه / وصَفا من الأقذاءِ والأدرانِ
إن مّسه نَصبُ الورودِ فإنه / سيُنيخُ من نعماك في أعطانِ
نفَّرت ذُؤبانَ الغضا عن شِربِهِ / فالأَمنُ يَسرحُهُ بلا رُعيانِ
ولَّى أَرَسْلانٌ يُمَسِّح في الحشا / قلبا يشير عليه بالطيرانِ
وهوت بنو أَسَدٍ تَسُلُّ لقاحَها / فتسيل بين الحَزْنِ فالصَّمّانِ
وجرى الغرابُ مع البوارحِ ضائحا / بالبين بين منازل الجَاوانِ
وطوتْ عقيلٌ عَرضَ كلِّ تَنوفَةٍ / بذميلِ ذِعلبةٍ وركِض حِصانِ
بالشام ألَّفَ خوفُ بإسك بينهم / وقلوبُهم شتَّى في الأضغانِ
هيهات لو رِكبوا النعائمَ في الدجى / وأردتَ لاقتنصاهُم النَّسرانِ
وكذا عدوُّك إن نجا جُثمانه / فالقلبُ في قِدِّ المخافةِ عانِ
ما بين مصرَ وبين عزِمك موعدٌ / متوِّقعٌ لوقائه الهرَمانِ
إن صانها بُعدُ المدَى فلمثلها / تقتادُ كلّ نجيبةٍ مِذاعانِ
ماءُ الجداولِ للأكفِّ وإنما / ماء القَليبِ يُنال بالأشطانِ
من كان شرقُ الأرض طوعَ زمامِهِ / لِمَ لا يصرِّف غَربَها بعِنانِ
والجيشُ مَجْرٌ والأوامرُ طاعةٌ / والنصر مرجوٌّ من الرحمنِ
تَزاوَرن عن أذْرِعات يمينا
تَزاوَرن عن أذْرِعات يمينا / نواشزَ ليس يُطِعنَ البُرِينا
كَلِفنَ بنجدٍ كأَّن الرياضَ / أخذنَ لنجدٍ عليها يمينا
وأقسمن يحملنَ إلا نحيلا / إليه ويُبلغنَ إلا حزينا
ولما استمعن زفيرَ المشوق / ونوحَ الحمام تركنَ الحنينا
إذا جئتما بانة الواديين / فأرخوا النسوع وحُلّوا الوضينا
فثَمَّ علائقُ من أجلِهنَّ / مُلاءُ الضحى والدجى قد طُوينا
وقد أَنبأتْهم مياهُ الجفو / ن أنّ بقلبك داءً دفينا
لعلَّ تمائمَ ذاك الغزال / تُداوِى وَلوعا وتَشفِى جنونا
لقد شبَّ بينَى هذا الغرامُ / وما بين قومِك حَربا زَبونا
تُراهم يظنّون لما أغرتُ / بلحظى عليهنّ أ قد سُبينا
وماذا على مُسلِفٍ في الظبِاء / أُلطَّ به فتقاضَى الديونا
تلوم على شغَفى بالقدود / فهبْنَى وَرْقاءَ تهوَى الغصونا
سواءٌ نشيِدي بهنّ النسيب / وترجيعُها بينهنَّ اللُّحونا
أَلا لُحِىَ الحسنُ من باخلٍ / أبىَ أن يصاحبَ إلا ضنينا
وإنّ وَلوعى بأهل الحمى / يخيِّل لي كلَّ سِربٍ قَطينا
أينشُدُ رُعيانُهم أن أضلّوا / بعيرا ولا أنشُد الظاعنينا
وفي السِّربِ أَحوَى إذا ما استرابَ / بقَنَّاصِه أمَّ دارا شَطونا
ظِللتُ أكُرّ عليه الرُّقَى / وتأبَى عريكتُه أن تلينا
يصون محاسنَه بالصدو / دِ إذ ليس يلقَى عليها أمينا
ودون البراقعِ مكحولةٌ / تعلِّم طبعَ السهام القُيونا
وما كنتُ أعلم من قبله / نّ أن الأسنّة تُسَمى عيونا
صوارمُ تَنهَزُ فتقَ الجِراح / وما خُلقتْ للضِّراب الجفونا
نوَدُّ النحورَ ونهوىَ الثغورَ / ونعلمَ أنّا نحبُّ المنونا
أقِلْنى من الوُخَّد الراسما / تِ أكْفكِ من حيّهم أن يَبينا
ألسنَ اللواتى هَززن الحدُو / جَ هزًّا يُطاير عنها العُهونا
فكلُّ فنيقٍ ببطن العقيق / من الضُّمْر قد أخدَجَتْه جنينا
عدِمتُ فتىً عند نقع الصري / خ يُقعى على أسْكَتَيه بطينا
يعدُّ المفاخرَ والمكرما / تِ طرفا كحيلا ورأسا دهينا
فهل لكَ في بسط أيدى المط / ىِّ تَطوى المهامهَ بِيناً فبِينا
إذا ما صُبغَن بَورِس الهجي / ر حمرا تَجلَّيَن بالليل جُونا
فشبَّهنَ لُجَّ السَّرابِ البحورَ / وشبَّهنَّ السرابُ السفينا
وما تستطيلُ المدى أينُقٌ / بحمدِ جَمال الورى قد حُدينا
وجدنا لديه ربيعَ الثنا / ء غضًّا وماءَ المعالى مَعينا
تبوَّأ في المجد بُحبوحةً / على مثلها يكَمد الحاسدونا
ينادى النجاحُ بأبوابه / ألا نِعمْ ما قَرَع الطارقونا
وتحسبُ من بأسه والبها / ءِ مجلسَه فَلَكا أو عرينا
لكل مَبَزٍّ به سجدةٌ / تسابق فيه الشفاهُ الجبينا
مقامٌ تخَاذَلُ من هوله / خُطَى القوم حتى تراهم صُفُونا
طغتْ يدُه وعلَتْ في السما / حِ حتّى ذممنا السحابَ الهتونا
إذا ما ادّعت صوبَهُ المعصرا / تُ ردَّت عليهنّ غُبْر السنينا
أيحكى بوارقُها والقِطا / رُ للعين عسجدَه والرَّقينا
وما النارُ من ذَهب المجتدين / وما الماءُ من فِضَّة الراغبينا
أفي دِية البخلِ لمَّا أماتَ / يؤدّى الألوفَ ويُعطى المئينا
بما شئتَ يسخو ولولا الحيا / ءُ من مجده قسَّم المجدَ فينا
ويأبَى على سرَف الطالبي / نَ ألاّ يُصدِّق فيه الظنونا
ومن يستدلُّ على المكرمات / يُمِرّ من الشكر حبلا متينا
وما زال يَكذِبُ وعدُ المنى / إلى أن أقامت يداه ضمينا
وقد غَمزت عُودَه النائباتُ / فلم تجد الضارعَ المستكينا
وإن زعزعتْه فإن القنا / ةَ للطعن زعزعها الطاعنونا
سرى عزمه والكرى خمرة / يُدير زجاجتَها الهاجعونا
فبات على صهواتِ الخطو / ب أقنَى يقلِّب طَرْفا شَفونا
إذا ما ارتقى ظنُّه مرباً / من الغيب أوحَى إليه اليقينا
وأفوهَ طارده بالجدال / فخرّ بغير العوالى طعينا
وكم خُطّة أَفردتهُ الرجا / لُ فيها وولت شَعاعا عِضينا
أضاء بحِندسِها رأيُه / وكان له الله فيها مُعينا
ففي كلّ يومٍ يُوافى البشيرُ / بفتحٍ مبينٍ يُقرُّ العيونا
رَمى أهلَ بابلَ في سِحرهم / برقشاءَ تلقَفُ ما يأفِكونا
ألم تعلموا أنَّ في أفقهِ / سحائبَ أمطارُها الدارعونا
وفتيانَ صدقٍ تكون السهامُ / طليعتَهم والسيوفُ الكمينا
وجُرْدا إذا وَجِيَتْ بالبطا / ح أحذَى سنابكَهن الوَجينا
فيوما لنُعمَى تَلُسّ الغَميرَ / ويوما لبؤسَى تسُفُّ الدَّرينا
جرتْ سُنحُا بنواصى العراق / فأحجم عن زجرها العائفونا
وحكَّتْ على واسطٍ بَركْهَا / بيومٍ عسير أشابَ القرونا
تصبُّ على الفئةِ الناكثين / لعهدك سوطَ عذابٍ مُهينا
فتلك جماجمُهم في الصعي / د تتَّخِذ الطيرُ فيها وُكونا
مَرَى ابنُ فَسنجُسَ من خِلْفها / زُعافا وما كلُّ خِلْف لَبونا
فطار على قادماتِ الفِرار / جريضاً وكان فِرارا حَرونا
زجَتْه إليك أكفُّ القضاءِ / وتأتي بأقدامها الحائنونا
وفي دار بَكْرٍ لها رجفةٌ / أزالت صياصِيَها والحصونا
غداةَ زحمَت بها عامرا / تخوصُ قبائلَها والبُطونا
لها غُرَوٌ إن رآها العد / وّ لم ير أكفالَها والمتُونا
قضت من عُبَادَةَ أوطاَرها / وحكَّمت البيض حتى رضينا
وما تركت للموالى حِمى / ولا العقائل خِدرا مصونا
فتلك عقيلٌ عقيلُ الفِرا / ر تُحْرش بالدوّ ضبًّا مَكونا
جعلتَ من الخواف أفراسَها / كأقتادِها والفيافى سُجونا
ووافت بنو أسَدٍ كالأسود / تخُطُّ الرماح عليها عَرينا
فدع فُرصة الثأر ممطولةً / لذنبٍ أقرّ به المذنبونا
أليس طُليْحةُ من عِصيهم / أراغ النبوّة في الناس حينا
فلما نَمَى الدينَ أشبالُه / أناب وأطلقَ تلك الفنونا
ولاقت به الفُرسُ أمَّ اللُّهَي / م وأْدَ البناتِ وذبحَ البنينا
ولا بدَّ للشام من نطحة / تُحذِّر زمزمُ منها الحَجونا
وأخرَى لمصرَ تَخُطُّ الرّوا / ةُ في الرقِّ منها الحديثَ الشُّجونا
جعلتَ الخلافةَ في عصرنا / تُفاخر مأمونَها والأمينا
وجاهدتَ فيها جِهادَ امرىء / له جمعَ الله دينا ودِينا
إذا ما سلكتَ بها منهجا / وثبتَ الجبالَ وجُبت الحُزونا
بسطتَ لعَمرك كفَّ الزما / ن يُحصى الليالي ويُفنى القرونا
ولا برِحتْ ألسنُ المكرما / ت تُغْنِيك عن ألسن المادحينا
دعاءٌ إذا سمِعْته العُدا / ةُ قالت على الكره منها أمينا
من علَّم القلبَ ما يُملى من الغَزَلِ
من علَّم القلبَ ما يُملى من الغَزَلِ / نوحُ الحمام له أَمْ حَنَّةُ الإبلِ
لا بل هو الشوقُ يدعو في جوانحنا / فيستجيبُ جَنانُ الحازم البطلِ
لكلِّ داء نِطاسىٌ يلاطفهُ / فهل شفاك طبيبُ اللوم والعذلِ
بيْنٌ وهجرٌ يَضيع الوصلُ بينهما / فكيف أرجو خِصام الحبِّ بالملَلِ
يُميت بثِّىَ في صدرى ويَدفِنه / أنى أرى النَّفث بالشكوى من الفشلِ
هن اللآلىء حازتها حمولُهمُ / وإنما أبدلوا الأصداف بالكِلل
ولستُ أدرِي أبا الأصداغِ قد كَحَلا ال / أجفان أم صبغوا الأصداغَ بالكَحَلِ
ما يستريب النقا أنَّ الغصون خطت / عليه لكن بأوراقٍ من الحُللِ
من يشهد الركبَ صرعىَ في محلّهِمُ / يدعوه رَمْسا ولا يدعوه بالطلل
قد أَلِفَ الحىُّ من مسراكِ طارقةً / تبيتُ أحراسُهم منها على وجلِ
أمسى شجوبى وإرهافي يُدلِّسنى / على الرقيب بسُمرٍ بينهم ذُبُلِ
لم يسألوا عن مقامي في رحالِهمُ / إلا أتيتُ على الأعذارِ والعِللِ
لله قومٌ يُبيحون القِرَى كرما / وينهرون ضيوفَ الأعينِ النُّجُلِ
لو عِدموا البيَض والخَطِّىَّ أنجدَهم / ضربٌ دِراكٌ ورشْقاتٌ من المُقلِ
كأنما بين جَفْنَىَ كلّ ناظرةٍ / ترنوِ كنانةُ رامٍ من بنى ثُعَلِ
لا روضُ أوجههم مَرعىَ لواحظنا / ولا اللَّمَىَ مَوردُ التجميش والقُبَلِ
تحكى الغمامةَ إيماضا مباسمُهم / وليس يحكينها في جَوْدها الهطِلِ
خافوا العيونَ على ما في براقعهم / من الجمال فشابوا الحسنَ بالبَخَل
يا رائد الركب يستغوى لواحظَهُ / برقٌ يلاعب ماءَ العارض الخَضِلِ
هذا جَمال الورى تُطفى مناصلُه / نارَ القِرَى بدماء الأينُق البُزُلِ
لا يسأل الوفدَ عمّا في حقائبهم / إن لم يوافوا بها ملأى من الأملِ
وما رعين المطايا في خمائله / إلآ سخَطن على الحَوْذانِ والنَّفَلِ
إنِ امتنعتَ حياءً من مواهبه / أولاكها بضروب المكرِ والحيلِ
قصَّرتِ يا سحبُ عن إدراك غايتهِ / فما بروُقك إلا حُمرةُ الخجلِ
ومصلح بين جدواه وراحته / يسعى ويكَدح في صلح على دَخَلِ
سيفٌ لهاشمَ مسلولٌ إذا خشُنتْ / له الضرائبُ لم يَفرَقْ من الفَلَلِ
في قبضة القائم المنصور قائمُهُ / وشَفرتاهُ من الأعداء في القُللِ
بيضُ القراطيس كالبِيِض الرِّقاق له / وفي اليراع غِنّى عن اسمرٍ خطِلِ
وطالما جدَّلَ الأقرانَ منطقُه / حتى أقرُّوا بأنّ القولَ كالعملِ
يوَدُّ كلُّ خصيم أن يعمِّمهُ / فضلَ الحسام ويُعفيه من الجدَلِ
ما البأس في الصَّعدة الصَّماَّء أجمعه / في القول أمضَى من الهندىِّ والأسلِ
ومستغرِّين بالبغيا مزجتَ لهمْ / كيدا من الصَّابِ في لفظٍ من العسلِ
ما استعذبت لَهَوَاتُ السمع مشربَهُ / حتى تداعت بناتُ النفسِ بالهبَلِ
أطعتَ فيهم أناةً لا يسوِّغها / حلمٌ وقد خُلق الإنسانُ من عجلِ
ثم اشتَمَلْتَهُمُ الصَّماَءَ فانشعبوا / أيدِى سَبَا في بطون السهل والجبلِ
ليس الرُّقَى لجميع الداء شافيةً / الَكُّى أشفَى لجلدِ الأجربِ النَّغِلِ
قل للُعريبِ أنيبى إنها دولٌ / والطعنُ في النحر دون الطعنِ في الدولِ
هيهات ليس بنو العباس ظلُّهمُ / عن ساحة الدين والدنيا بمنتقلِ
حَمَى حقيقتَهم مُرٌّ مَذاقَتُهُ / موسد الرأى بين الرَّيثِ والعجلِ
موطَّأُ فإذا لُزَّت حفيظتُه / تكاشر الموتُ عن أنيابهِ العُصُلِ
إيها عقيل إذا غابت كتائبُهُ / فُزتم وإن طلعتْ طِرتم مع الحَجَلِ
هلاَّ وقوفا ولو مقدار بارقةٍ / وما الفِرار بمنَجاةٍ من الأجلِ
فالهَىْ عن الرِّيف يا فَقْعاً بقَرقَرةٍ / وابغى النزولَ على اليَربوع والوَرَلِ
نسجُ الخَدَرنَقِ من أغلى ثيابكُمُ / وخيرُ زادِكُمُ دَهُريَّة الجُعَلِ
إن يعَهدوا العزَّ في الأطنابِ آونةً / فذا أوانُ حُلول الذلّ في الحُلَلِ
ترقَّبوها من الجُودى كامنةً / في نقعها ككمون الشمس في الطَّفلِ
إن عُطفتْ عنكُمُ يوما فإنَّ غداً / مع الصباح توافيكم أو الأُصُلِ
بكلّ مرتعدِ العِرنين ما عرَفَتْ / حَوْباؤه خُلُقَ الهيّابةِ الوَكَلِ
تدعُو على ساعديه كلَّمَا اشتملتْ / على حنِيتَّه الأرواحُ بالشَّللِ
في جَحفلٍ كالغمام الجَوْنِ ملتبسٍ / بالبرق والرّعد من لَمعٍ ومن زَجَلِ
يُزجِى قَوارحَ فاتت باعَ مُلجمِها / كأَنَّ راكبَها موفٍ على جبلِ
عوَّدها الكرَّ والإقدامَ فارسُها / فأنت تحسَبُها صدرا بلا كَفَلِ
أمَا سمعتم لبولاذٍ وأسرتِهِ / أحدوثةً شَرَدت فوضَى مع المَثَلِ
إذ حطَّه الحَيْنُ من صمَّاء شاهقةٍ / لايلحَق الموتُ فيها مهجةَ الوَعِلِ
فخرَّ للفمِ والكفَّين منعفراً / إنّ السيوفَ لمن يَعصيك كالقُبَلِ
تعافه الطيرُ أن تقتاتَ جثَّتَهُ / لعلمها أنه من أخبث الأُكُلِ
الأرضُ دارُك والأيامُ تُنفقها / على بقائك والأملاكُ كالخَوَلِ
متِّع لواحظّنا حتّى نقولَ لها / لقد رأيتِ جميعَ الناس في رجلِ
لا أعِذر المرءَ يصبو وهو مختارُ
لا أعِذر المرءَ يصبو وهو مختارُ / الحبُّ يُجمَعُ فيه العارُ والنارُ
فعارُه سَفَه العذَّال إن هَجروا / ونارُه حُرَقٌ إن شطّت الدارُ
لولا كَهانة عينى ما درت كبِدى / أن الخِمارَ سحابٌ فيه أقمارُ
يُهوىَ بياضُ محيّاها وحُمرتُهُ / كما يروقك دِرهامٌ ودينارُ
إيهٍ أحاديث نَعْمانٍ وساكنه / إنّ الحديثَ عن الأحباب أسمارُ
يا حبذا روضُة ألأحوىَ إذا احتجَبتْ / عنّى الثغورُ حكاها منه نُوّارُ
وحبَّذا البانُ أغصانا كَرُمنَ فما / لهنَّ إلا الحمَامُ الوُرقُ أثمارُ
ظلِلتَ مُغْرىً بذي عينينِ تعذُله / وقبلَه قد تعاطى العشقَ بشّارُ
عند العذول اعتراضات ومَعنفةٌ / وفي العتاب جواباتٌ وأعذارُ
لا سنَحتْ بعدهم عُفرُ الظباء ولا / ترَّجحتْ في الغصون الخُضْر أطيارُ
كأننى يومَ سُّلمانَيْنِ قد علِقتْ / بِي من أُسَامةَ أنيابٌ وأظفارُ
أفِّتُش الريحَ عنكم كلَّما نفحتْ / من نحو أرضكم نكباءُ مِعطارُ
وأسأل الركبَ أنباءً فيكتمُنى / كأنّكم في صدورِ القوم أسرارُ
حتى الخيال بدا جنبى ليوهمَنى / قُربا ومن دونكم بيدٌ وأخطارُ
ما تطمئنُّ بكم دارٌ كانّ عَلا / ءَ الدِّين مطلبُه في حيِّكم ثارُ
هو الذي لو حمىَ مَرعىً لما سَرحتْ / سوائم الدهر إلا حيث يختارُ
ولو تُجاوره الأغصانُ ما خطَرت / ريحُ النُّعامىَ عليها وهي مغوارُ
يُحكَى له في المعالى كلُّ مأثُرةٍ / تُصبى القلوبَ وتُروَى عنه أخبارُ
عظَّمتُمُ مَن له في المجد مَكُرمةٌ / وأين ممَّن له في المجدِ آثارُ
أنَّى أقام فذاك الشَّعبُ منتجَعٌ / وكلُّ يومٍ يُحيَّا فيه مختارُ
لولا ضمانُ يديه رىَّ عالَمِهِ / لجاءت السُّحبُ من كفَّيه تمتارُ
يلقَى العُفاةَ ببشرٍ شاغلٍ لهمُ / عن السؤال وللأنواء أنوارٌ
وحظُّته في العطايا أنَّ راحتَه / بين العُفاةِ وبين الرِّفدِ سُمّارُ
أخو المطامعِ بلقاه بِذلَّتها / وينثنِى وهو في عِطفْيه نَظَّارُ
أفنىَ الرجاء فما للخيل ما نحتوا / من السروج ولا للعِيس أكوارُ
لا يَنهَبُ الشكرَ إلا من كتائبِه / يومَ التغاورِ أضيافٌ وزُوّارُ
إذا القِرَى عَقَرت أُمَّ الحُسوارِ له / رأيته وهو للآمال عَقَّارُ
لله مقتبلُ الأيام همّتهُ / لها من البأس والإقبال أنصارُ
ثِقْ بالنجاح إذا ما اجتاب سابغةً / لها الثرّيا مساميرٌ وأزرارُ
لا يتوارى ضميرِّ عن سريرته / كأنما ظنُّه للغيب مِسبارُ
من الورى هو لكن فاقهم كرما / كذلك الدرُّ والحصباءُ أحجارُ
بأىِّ رأىٍ أبو نصرٍ يجاذبه / حبلَ الخلاف وبعضُ النقضِ إمرارُ
أما رأى أنَّ ليثَ الغاب مجتمعٌ / لوثبةٍ وفنيقَ النِّيبِ هَدّارُ
ولا جُناحَ على مُرسٍ كلا كلَه / إذا تقدّم إعذارٌ وإنذارُ
بدأتَهُ بابتسامٍ ظنَّه خَوَرا / فاغتَّر والكوكبُ الصبحىّ غرَّارُ
الآن إذ كشفَتْ عن ساقها ورمت / قناعَها الحربُ والفُرسان أغمارُ
غدَا يمسِّح أعطافَ الردَى ندما / وكيف تنهضُ ساقٌ مُخُّها رارُ
يُغشِى السفائنَ نيرانَ الوغَى سفَها / والنارُ أقواتُها الأخشابُ والقارُ
إن كان للأجَم العادىِّ مدّرعا / فالليثُ بين يراع الخيس مِذعارُ
أو كان يغترُّ بالأمواه طاميةً / فإن بالقاعِ من كَفيْه تيّارُ
إذا ترنَّم حَولىُّ البعوضِ له / ترنَّمت في قسى الترُّكِ أوتارُ
أنجِزْ مواعيدَ عزمٍ أنتَ ضامنُها / ولا يُنهنِهْكَ إِردبٌّ وقِنطارُ
فإنما المالُ رُوحٌ أنت مُتلفُها / والذِّكرُ في فلواتِ الدهر سَياَّرُ
لا تتَّرِكْ نُهزَةً عنَّتْ سلَّمَةً / إلى علاك فإن الدهرَ أطوارُ
وما ترشحَّ يومُ المِهرَجانِ لها / إلا وللسعدِ إيراد وإصدارُ
لما رآك نوى نَذار يقومُ به / حتى أتاك وشهرُ الصوم مِضمارُ
وقد زففنا هداياه مُنمنَمةً / كأنّها في رقاب المجد تِقصارُ
ولستُ أرخصُ أقوالى لسائمها / إلا عليك وللأشعارِ أسعارُ
أَلَكم إلى ردِّ الشباب سبيلُ
أَلَكم إلى ردِّ الشباب سبيلُ / أم عندكم لمشيبه تأويلُ
نُورٌ من الشعَراتِ ليتَ افولَه / فيها طلوعٌ والطلوعَ أفولُ
ما كان يشفع لى فجدَّد هِجرةً / فِقدانُهُ لكنّه تعليلُ
يا ليته جَنَبَ الغرامَ وراءه / فيقالَ لا غِرٌّ ولا معذولُ
ها تلك أشجانى كما خلَّفتها / لعبَ الزمانُ بها وليس تحولُ
يقتادُنى البرقُ اليمانِ كأنه / من عند إيماضِ الثغور رسولُ
وكأَنَّ قلبي والمهامهُ بيننا / جىٌّ على وادى العِضاهِ حُلولُ
تُفتِى براقِعُهم وما استفتيتُها / أنّ اللِّحاظَ إذا اختُلسنَ غُلولُ
اُنظر خليلى من قَرَارٍ هل ترى / قَطَنا فطَرفُ العامرىِّ كليلُ
وحلفتُ ما بَصِرى بأصدقَ منكما / نظرا ولكنَّ الغرامَ دليلُ
قالوا الديارُ وقد وقفت فزدانى / بثًّا رسومٌ رثَّةٌ وطلولُ
ونَشِقتُ خفّاقَ النسيم فما شفا / دائى وهل يشفِى العليلَ عليلُ
وكَرعتُ سَلسالَ الغدير وليس ما / بُلّ الشفاهُ به يُبَلُّ غليلُ
يا ضالة الوادى أَحُثّ مطيَّتى / أم عند ظبِيِك في الكناسِ مَقيلُ
عيناه أسلمُ لي ويُعجِبُ ناظرى / مُقَلُ كأن لحاظَهنُّ نُصولُ
مُقَلٌ لغِزلانِ الحِجازِ وسِحرُها / من بابلٍ مستجلَبٌ منقولُ
ولقد طرقتُ البيتَ يُكره ربُّه / والشوقُ ليس يَعيبه التطفيلُ
أيظُنُّ من عَقَر النجائبَ قومُه / أ الدماءَ جميعَها مطلولُ
من دون سفكِ مدامعى ما شئت من / حِلْم ودون دمىِ تغولك غولُ
وأنا امرؤٌ لو مُدَّ من غُلوَائه / نطقى لقيل كلامُه تنزيلُ
لا يطمع العظماءُ في مدحى ولا / طمَعى على أبوابهم معقولُ
ولو استطعتُ لما اغتبقتُ بشَربةٍ / مما يَمُدُّ فُراتُهم والنيلُ
وإذا تأملتُ الرجالَ تفاوتت / قِيَما وميَّز بينها التحصيلُ
بعضٌ همُ غُرر الجيادِ وبعضُهم / بين السنابك والصِّفاقِ حُجولُ
مِثل الِّحُلى دمالجٌ وخلاخلٌ / منه ومنه التاجُ والإكليلُ
لولاهُمُ غرَبتْ شموسُ محاسنٍ / وهوَى ببدر المكرمَات أُفُولُ
تبًّا لهذا الدهر لا مِيزانُه / قِسْطٌ ولا في قَسمه تعديلُ
جَوْرٌ يساوى عالما متعالمٌ / فيه ويُشبِهُ فاضلا مفضولُ
لا درَّ دَرُّ المرء يقطعُ دهرَه / رِخوَ الإزارِ وعزمُه مفلولُ
الَبيدُ تزرعُها المناسمُ وهي لا / تدرى أعرضُ شَوطُها أم طولُ
واليَعْمَلاتُ سياطُها وحذاؤها / نسبٌ نماه شَدقُم وجديلُ
فإذا كمالُ الملكِ سَحّ سحابُهُ / نبتَ الرجاءُ وأثمر المأمولُ
سبقت مواهبُه المديحَ فظنَّ مَن / عجِلتْ إليه أنها بِرطيلُ
عجِلٌ إلى المعروف يَحسبَ أنه / ظلٌّ إذا لم يغتنمه يزول
كثُر الكلامُ به وفي أمثالهم / من قبله أ الكرام قليلُ
وإذا جرى في غايةٍ شهِدت له / أن لا مخلِّقَ في مَداه رسيلُ
ضلَّتْ ركائبُ من يؤمُّ طريقَه / إنّ العلاءَ سبيلهُ مجهولُ
يتوارث المجدَ التليدَ بمعشر / أدنَتْ فروعَهمُ إليه أُصولُ
جازوا على عَنَت الحسودِ فلم يجد / عيبا وماذا في النجوم يقولُ
لهمُ إذا كرمُ الطباعِ هززْتَهُ / نصلٌ وأنت الرونقُ المحلولُ
وإذا انتهى نسبٌ إليك فإنه / فَلَقُ الصباح مع الضُّحى موصولُ
ولقد شددتَ وَثَاقَ كلِّ مُلَّمةٍ / يُلوَى عليها مُبَرمٌ وسحيلُ
وحمَيت أوطانَ الأمور وإنما / كانت غماما بالدماء تسيلُ
وإذا التقت حِلَقُ البِطان فإنما / يكفيك ثَمَّ رسالةٌ ورسولُ
بدلا من القُب العِتاق ضوامرٌ / رُقشُ المتونِ صريرُهن صهيلُ
يَنبُتنَ مثل الروض إلا أنّه / ترعاه أسماعٌ لنا وعقولُ
ومن الصِّفاح البِيض كل صحيفةٍ / لنزاعها بالراحتين صليلُ
سحَبت لكَ الأيامُ ردائها / مَرَحا يدوم بقاؤه ويطولُ
وتتابعت حِججٌ يؤرِّخ عصرَها / عُمرٌ به خُلدُ الزمان كفيلُ
ينتابك النوروز يجنُب إِثَرهُ / أعوامَ سعدٍ كلُّهن صقيلُ
هو خطةٌ همَّ المُصيفُ بقصدها / شوقا ونادى بالشتاء رحيلُ
أخذ الربيعُ زمامه حتى استوى / في عارضيه نبتُه المطلولُ
بك أشرقت إيّامه فكأننا / في عصِر كِسرَى يَزْدَجِرْدَ نُزولُ
ما ضاع من أياّمنا هل يُغرَمُ
ما ضاع من أياّمنا هل يُغرَمُ / هيهات والأزمانُ كيف تقوَّمُ
يومٌ بأرواحٍ يباعُ ويشتَرى / وأخوه ليس يُسامُ فيه دِرهمُ
سيان قلبي في المشيب وفي الصِّبا / لو يستوى شَعرٌ أغرُّ وأسحمُ
لي وقفةٌ في الدار لا رجعت بما / أهوى ولا يأسِى عليها يُقدِمُ
لا تحسب الآثارَ لُعبةَ هازلٍ / نار ادكارِك في المعالم تُضرمُ
أو ما رأيتَ عِمادَها في نؤيها / مثلَ السِّوار يجول فيه المِعصمُ
وكفَاك أنى للنواعبِ عاتبٌ / ولصُمِّ أحجارِ الديار مكلِّم
ومن البلادةِ في الصبابة أنني / مستخبرٌ عنهنَّ من لا يفهمُ
وأنا البليغُ شكا إليها بثَّه / عبثا فما بالُ المطايا تُرزِمُ
كلٌّ كنَى عن شوقِه بلغاتهِ / ولربّما أبكَى الفصيحَ الأعجمُ
ترجُو سُلوَّكَ في رسومٍ بينها ال / أغصانُ سَكرَى والحمامُ متَّيُم
هذى تميلُ إذا تنسَّمت الصَّبا / والوُرق تذكر إلفَها فترَنَّم
فمتى تروع العيسُ غزلانَ النقا / بعصابةٍ سئمَ العواذلُ منهمُ
النُّسكُ عند عفيفهم دينُ الهوى / والنصح عند لبيبهم لا يُفهَمُ
حتّام أرعىَ وردةً لا تُجتنَى / في الخدِّ أو تُفّاحةً لا تُلثمُ
أيُذادُ عن تلك المحاسنِ ناظرى / وتريد مني أن يسَوَّغَها الفمُ
في كلّ يومٍ للعيون وقائعٌ / إنسانُها الطمَّاحُ فيها يُكلَمُ
لو لم تكن جَرْحَى غداةَ لقائهم / ما كان يجرى من مآقيها الدمُ
ولو اقتدرتُ قسمتُها يومَ النوى / عينا تلاحظهم وأخرَى تَسْجُمُ
دع لمحةً إ تستطع عُلَقَ الهوى / فبذاك تعلمُ كيف نام النوَّمُ
ولطالما اعتقب العواذل مسمعى / فزجرنَ منه مُصْعَبا ولا يُخطَمُ
ما كنتُ أولَ من عصاهُ فؤادُه / وجنَى عليه مقَنَّعٌ ومعمَّمُ
لم أدر أنَّ الحبَّ حوَمةُ مأزِقٍ / تُصلىِ ولا أنّ اللواحظَ أسهمُ
أصفُ الأحبّةَ واللسان يقول لي / وصفُ الوزير أبى المعالى أعظمُ
المستجير من المذمَّة بالنَّدَى / والمستجار إذا أظلَّك مَغْرمُ
في كلِّ يوم للمكارم عندَه / سوقٌ عُكاظٌ دونَها والموسِمُ
وكأنّما أموالُه من بَذلها / نَهبٌ بأيدى الغانمين مقسَّمُ
فلو أنها وَجدتْ عليه ناصرا / لرأيتها من كفّهِ تتظلّمُ
أسمعتَ قبلَ يمينه وشماله / بسحائبٍ أو أبحرٍ تتختَّمُ
فيهنَّ من قِصدِ اليراع أراقمٌ / تَقضِى وتَمضِى والقنا يتحطَّمُ
ما هنَّ إلا موردٌ من فوقهِ / طيرُ الرغائبِ والمطالبِ حُوَّمُ
الجِدُّ من عزماتهِ متلقِّنٌ / والمجدُ من أخلاقه متعلِّمُ
متهلّلٌ للوفد يُحسَب أنه / بدرٌ أحاط بجانبيهِ الأنجُمُ
تُثنِى عواذله عليه بعذلهم / ولربّما نشَرَ الثناءَ اللُّوَّمُ
خلعتْ عليه المكرُماتُ ملابسا / ما يزال ينقُشها المديح ويرقُمُ
عِشق المعالىَ فهْو من شغفٍ بها / عند الرقاد بغيرها لا يَحلُمُ
بصوابه في الرأى ثُقِّف القنا / وبعزمه صُقلِ الحسامُ المِخذَمُ
يحمِى بسطوته مسارحَ لحظهِ / فالعزُّ في أبياته مستخدَمُ
وإذا تلمَّح قلت صقرٌ ناظرٌ / وإذا تغاضَى قلت أطرقَ أرقمُ
ثَبْتُ الجَنانِ كأنّما في بُرده / يومَ الزعازع يذبُلٌ ويلَملَمُ
رفَعتْ له هِمّاتُه وزَماعُه / بنيانَ مجدٍ ركنُه لا يُهدَمُ
طَوْلٌ تشرَّد في البلادِ فمنِجدٌ / يَروِى الذي يَرويه آخرُ متهِمُ
لله أنتَ إذا تسلَّبت الرُّبَى / وشكا الأُحاحَ سِماكُها والمِرْزَمُ
لِيرُدَّ مَن جاراك رأسَ طِمِرةٍ / ما كلُّ طِرْفٍ في السّباقِ مطهَّمُ
للمجد أثقالٌ تعِجُّ إفالهُم / منها وينهَزها الفنيقُ المقُرَمُ
حاشاك أن يَثنِى طباعَك في الندى / ثانٍ وينقُضَ من خِلالكَ مُبرِمُ
إن تَصنع الحسنَى فإنك زائدٌ / أو تُسبغ النُّعمَى فأنت متمّمُ
وأنا الذي سيرَّتُ شكرك في الدُّنَى / حتى تلاه مُعرِقٌ أو مُشئمُ
وجلبتُ من بحر الثناءِ لآلئا / في نحرِ ما أو ليتنيه تُنظَّمُ
أوردتُ آمالى غديرَك آمنا / من أن يكون وراءَ شهدٍ عَلقمُ
ورضعتُ ثدىَ نداك من دون الهوى / ثقةً بأنّ رصيعَه لا يُفطَمُ
أهَدى لك النيروزُ في أغصانهِ / زَهرا بأوراقِ العلاء يُكمَّمُ
في كلِّ يومٍ خيلُه وركابُه / جَبَهاتُهنَّ بطيب ذكرك تُوسمُ
لا زالت النَّعماءُ عندك حَلْبُها / ملءُ الإناء وبطنُها لا يُعقَمُ
والدهر مجنوبٌ وراءك كلّما / وأتاك أسعده القضاءُ المبرَمُ
كالنِّقسِ ليلتُه وطِرسٍ يومُهُ / والنُّجحُ يَكتبُ والسعادةُ تختِمُ
تُرى رائحٌ يأتى بأخبار مَن غدا
تُرى رائحٌ يأتى بأخبار مَن غدا / وهل يكتُم ألأنباءَ من قد تزوَّدا
أُحبّ المقالَ الصدقَ من كلّ ناطقٍ / سوى ناعبٍ قد قال بينُهُمُ غدا
ألاَ استوهِبا لى الأرحبيَّةَ هَبَّة / لنُحدثَ عهدا أو لنضربَ موعدا
حرامٌ على أعجازهنَ سياطُنا / فيا سائقيْها استعجِلاهنَّ بالحُدا
متى ترِدا الماءَ الذى ورَدتْ به / ظباءُ سُلَيمٍ تَنقَعا غُلَةَ الصَّدا
فلا تُشغَلا عنه بلثمِ حَبابهِ / تظنَّنهِ ثغرا عليه تبدَّدا
فقد طال ما أبصرتُما ظبىَ رملةٍ / فشبّهتُماه ذا دَمالجَ أغيدا
فرشتُ لجنبِ الحبّ صدرى وإنما / تهابُ الهوى نفسٌ تخاف من الردى
ونفَّرتُ عن عينى الخيالَ لأنه / يحاولُ مَدِّى نحو باطله يدا
أرى الطيفَ كالمِرآة يخلُق صورةً / خداعا لعينى مثلما يَسحَر الصَّدى
أتزعمُ أنّ الصبرَ فيك سجيّةٌ / وتشجَى إذا البرق التِّهامىُّ أنجدا
وقالوا أتشكو ثم تَرِجعُ هائماً / فقلتُ غرامٌ عادلى منه مابدا
تُعاد الجسومُ إن مرضنَ ولا أرى / لهذى القلوب إن تشكَّين عُودَّا
فلا تحسبوا كلّ الجوانح مَضغةً / ولا كلَّ قلبٍ مثلَ قلبى جلمدا
وحىٍّ طرقناه على زوْرِ موعدٍ / فما إن وجدنا عند نارهمُ هُدى
وما غفلتْ أحراسُهم غير أنّنا / سقطنا عليهم مثلَما سقَط النَّدى
فلما التقينا حشَّ قلبي فراقُهم / فلم ينكروا النارَ التي كان أوقدا
نزحتُ دموعى بعدَهم من أضالعى / مخافةَ أن تطغَى عليها فتجمُدا
وفي العيش مَلهىً لامرىء بات ليلَه / يشاور في الفتك الحسامَ المهنَّدا
إذا ما اشتكت قَرْحَ السهاد جفونُهُ / أداف لها من صِغة الليل إِثمِدا
يظنّ الدجَى فرعا أثيثاً نباتُهُ / ويحسَبُ قَرن الشمس خدًّا مورَّدا
ويرضَى من الحسناء بالرِّيم إن رنا / كحيلا مآقيه وأتلعَ أجيدا
كما بزعيم الدّولة الأممُ ارتضتْ / على الدِّين والدنيا زعيما وسيِّدا
أقاموا بدار الأمن في عَرَصاته / كأنهمُ شدّوا التميمَ المعقّدا
رمى عزمُه نحو المكارم والعلا / مصيبا فكان المجد مما تصيَّا
إذا أَمَّم السارون نورَ جبينهِ / كفى الرَّكب أن يدعو جُدَيًّا وفرقدا
تلألأ في عِرنينِه نورُ هيبةٍ / تخِرّ له الأذقانُ في الترب سُجَّدا
أباح حِمَى أموالهِ كلَّ طالب / من الناس حتى قيل ينوى التزهُّدا
له روضةٌ في الجود أكثرُ روَّدا / من المنهل الطامى وأوفرُ ورّدا
تَناكصُ عن ساحاته السُّحبُ إنها / متى حاكمته في الندى كان أجودا
وهل يستوى من يمطر الماءَ والذي / أناملُه تهمِى لجُيْنا وعَسجدا
ومَن برقُه نارٌ وَمن برقُ وجهه / تهلُّلُ مرتاحٍ إلى الجود والنَّدى
قليلُ هجوعِ العين تسرِي همومُه / مع الجارياتِ الشُّهب مَثْنَى ومَوْحَدا
ومن كان كسُب المجدِ أكبرَ همّه / طوى بُردةَ الليل التِّمامِ مُسهّدا
متى ثوَّب الداعى ليومِ كريهةٍ / تأزّر بالهيجاء واعَتمَّ وارتدى
وقد علِمتْ أشياخُ جُوثَةَ أنه / أمدُّهُمُ باعاً وأبطشُهم يدا
لهم واصَلَ الطعنَ الخِلاجَ فأصبحت / تَشَكَّى الردينياَّتُ منه تأوُّدا
رأى الودَّ لا يُجدى وليس بنافع / سوى نقماتِ السيف والرمح في العدا
فما يقتنِى إلا حساما مهنداً / وأسمرَ عسَالاً وأقودَ أجردا
متى يَرْمِ قوما بالوعيد وإن نأت / ديارهُمُ عنه أقام وأقعدا
وما الرمح في يمنَى يديه مسدَّدا / بأنفذَ منه سهمَ رأىٍ مسدّدا
صهيلُ الجياد المقرَباتِ غِناؤه / فلو سمّها الغَريضَ ومَعبْدا
ويُذكِره بزلَ النجيعِ من الطُّلَى / عِضارٌ جلبنَ البابلىَّ المبرَّدا
فلو لم يكن في الخمر للبأس مشبِهٌ / وللجود لم يجعلْ له الكأسَ مَورِدا
بعثت لسكّان العراقِ نصيحةً / متارِكةَ الرئبال في غِيله سُدَى
ولا تأمنوا إطراقَه إنّ كيْده / ليَستخرج الضبَّ الخبيثَ من الكُدَى
أرى لك بالعلياء نارا فَراشُها / ضيوفُك يُقرَوْنَ السَّدِيفَ المسَرْهَدا
فلا تُفنِيَنَّ العِيسَ بالعَقْر إنها / متى تَفنَ تجزُرْهُم إماءً وأعبُدا
وكم موقفٍ أسكرتَ من دمِه القنا / وأشبعتَ فيه السيفَ حتى تمرَّدا
ولو تجحد الأقرانُ بأسَك في الوغى / أتتك النسورُ بالذي كان شُهَّدا
إليك نقلناها أخامصَ لم تجد / سوى بيتك الأعلى مُناخا ومَقصِدا
ولو بُعدَ المسَرى زجرنا على الوجَى / أغرَّ وجيهيٍّا ووجناءَ جَلْعَدا
ومثلك من يرجو الأسيرُ فِكَاكَه / ولو كان في جَور الليالي مقيَّدا
لئن كنت في هذا الزمان وأهله / كبيراً لقد أصبحت في الفضل مفردا
حرامٌ علىَّ طُروقُ الديا
حرامٌ علىَّ طُروقُ الديا / رِ ما دام فيها الغزالُ الربيبُ
أشاهد في جانبيها هواىَ / لغيري وماليَ فيه نصيبُ
وقد كان فوضَى فكان المنى / تعللنى والتمنِّى كذوبُ
فلمَّا تصيَّده قانصٌ / ألدُّ على ما حواه شَغوبُ
تداويتُ من مرضٍ في الفؤاد / بيأسىَ واليأسُ بئسَ الطبيبُ
فقد وهبَ الثأرَ ذاك الحريصُ / ونام على الحقدِ ذاك الطلوبُ
ومن عزَّ مطلبُه مُهمَلا / فكيف به وعليه رقيبُ
فلا حظَّ فيه سوى لمحةٍ / تُنافس فيها العيونَ القلوبُ
وُجود الأمير بأمثاله / فكلُّ بعيدٍ عليه قريبُ
وهوب الجيادِ وبيضِ القِيا / ن والظبي يرتجُّ منه الكثيبُ
وعَقَّار كُومِ الصَّفايا إذا / تعذَّرَ عند الضُّروع الحليبُ
تَعيثُ الأخلاّءُ في ماله / كما عاث في جانب السِّربِ ذيبُ
وما يسحَرُ القولُ أخلاقَهُ / ولكنّه الكرمُ المستجيبُ
ظفِرتَ وويلُ امّها حُظوةً / ببدرٍ تُزرُّ عليه الجيوبُ
إذا رُدِّد الطَّرفُ في حسنه / أثار البديعَ وماج الغريبُ
عُبوسٌ يُولَّد منه السرورُ / ومن خُلُقِ الخندريسِ القُطوبُ
وتيهٌ كأَنْ ليس بدرُ السماء / يُلمُّ الكسوفُ به والغُروبُ
ولولا حياءٌ تقمَّصتُهُ / لأجلكَ حجَّ إليه النسيبُ
سأطوِى على لَهبٍ غُلَّتى / إلى أن يُعطَّلَ ذاك القَليبُ
وأعلمُ أنْ سيباحُ الحمى / إذا أظهر الشَعراتِ الدبيبُ
طِرازٌ ينمنُمِ في العارضيْن / يُزَّينُ منه الرداء القشيبُ
فما ذلك الحسنُ مستقبَحا / بشَعرٍ ولو لاح فيه المشيبُ
قد طال للماطلِ أن يُقتَضَى
قد طال للماطلِ أن يُقتَضَى / وأن يعافِى من أَمرضا
سلُوا الذي حالفني في الهوى / بما الذي كفَّر إذ أعرضا
ملآن غيظا وفؤادى به / مقلَّبٌ في جمَراتِ الغضا
نادِ على نفسك هذا القِلَى / جزاءُ من حَكَّم أو فَوَّضا
صاحِ ترى برقاً على جاسمٍ / كأنّه هِنديَّةٌ تُنتَضَى
أَذكرنى عهدَ عقيقِ الحِمىَ / ولا يُعيد الذكرُ ما قد مضَى
سرَى مع الطيف فهذا لمن / سهَر والطيفُ لمن غمَّضا
إن لم يكن شجوِى فقد شاقنى / سيّانِ مَن قاتَل أو حرَّضا
تالله لو تُضمِرُ أحشاؤه / ضميرَ أحشائى لَمَا أومضا
حىِّ غزالا بين أجفانه / أسنَّةُ الحيَن وسيفُ القضا
رامٍ وما القارةُ آباؤه / يَستغرق السهمَ وما أنبضا
إياك تلقاه بلا جُنَّةٍ / خوفَ سلاحَىْ سُخطه والرِّضا
ما تُجمعُ الأضدادُ والرأس لِمْ / قد جمَعَ الأسودَ والأبيضا
كأَنّ فرعِى حَلبةٌ أرسلوا / دُهما وشُهبا فوقها رُكَّضا
طالبةً شأوَ امرىء سابقٍ / كلُّ جَناح خَلفَه هُيِّضا
شيَّدتِ الآباء من قبله / له البناءَ الأطولَ الأعرضا
مَعاشرٌ كانت مساعيهُمُ / أغطيةَ الأرض وحشوَ الفضا
مذ غمسوا في الماء أطرافَهم / ما أَجَنَ الماءُ ولا عَرْمَضا
لو وطِئوا الضخر بأقدامهم / أو لمَستهُ راحُهم رَوّضا
لم تعدَم الدنيا ولا الدينُ مِن / أبنائهم وزارةً أو قَضا
بينا ترى أقلامَهم رُفَّفا / حتى ترى أسيافَهم حُيَّضا
ولم يزل واطىءُ أعقابهم / ينهَض حتى لم يجد مَنهَضا
طاب ثَراه فنما فرعُهُ / ويُخرِج الزُّبدةَ من أمخضا
محكَّم في العلمِ إن شاء أنَّ / يختلَّ في مَرعاه أو يُحمِضا
كِنانةُ الآداب في كفِّه / متى رمَى أسهمَها أَغْرَضا
يَفهم مَغزَى القول من قبل أن / يُرفعَ أو يُنصَب أو يُخفَضا
إيهٍ أبا نصرٍ وأنت امرؤٌ / لا يسترِدُّ الدهرُ ما أَقرضا
منحتنى الودَّ فجازيتُه / بالشكر والمُثنِى كمن عَوّضا
خيمَّ في قلبي نظيرٌ له / مذ عقَد الأَطنابَ ما قَوَّضا
مثل خلال فيك اثوابها / أَبَى لها التطهيرُ أن تُرحَضا
وكلُّ ما يبنيهِ هذا الهوى / بالنأىِ والتفريقِ لن يُنقَضا
لا ينفَع القربُ بجسمٍ إذا / لم يك قلبٌ مُصْغيا مُنِغضا
كم من بعيدٍ عاشقاً وامقا / ومن قريبٍ شائنا مبغضا
ما زُخُرفُ القول بمُجْدٍ وقد / غُيّض في الأحشاء ما غُيِّضا
والسيفُ إن كانَ كَهاما فهل / يُمضيه أن أُذِهبَ أو فُضِّضا
أُنبئْتُ رَيْبا فىَّ جَمْجَمْتَهُ / ويبلُغُ التصريحَ مَن عَرَّضا
مرَّ كما مرَّ نسيمُ الصبا / مزعِزعا بالرِّفقِ ماءَ الأضى
دُعابةٌ ساءت ظنونى لها / ما ألينَ السيفَ وما أَجْرضا
لم أدر إنسانٌ به ناطقٌ / أم حيَّة القُفِّ الذي نَضنَضَاَ
لكنّ سمعِى قاء ما قاله / كأنه بالصاب قد مُضمِضا
يروعنى عتبُ خليلى ولا / يروعنى الليثُ إذا قَضقضا
وتسكُن الأسرارُ منّى حشىً / ليس بهنّ مُخدَجا مُجهَضا
هيهات ما الزورُ حُلَى شيمتى / ولا لباسُ الغدر لي مَعرِضا
ولا لَبونى بالأسى حافلا / ولا عِشارى بالمنى مُخَّضا
معترفٌ بالحقّ من قبل أن / يوجَبَ للصاحب أن يُفرَضا
وكيف أجفو من هو الروح إن / فارقِت الجسمَ فُواقا قضى
ما الذنبُ إلا للزمان الذي / إن ألبس الإناسن ثوبا نَضا
تقلَّبتْ بى كلُّ حالاتهِ / وليس فيها حالةٌ تُرتَضَى
إِما علىَ رَمضائه ماشيا / أو راكبا شامسةً ريِّضا
من يكن الدهر له ماتحا / لا بدّ أ يشرَب ما خَوّضا
جُلْ في طِلاب الرزق تَظفَرْ به / فالسَّجلُ مملوءٌ إذا خُضْخِضا
لطال جوعُ الأُسْدِ لو اصبحت / وأعتمتْ في خِيسها رُبَّضا
أذمُّ أيامى على أننى / لأَحمدُ الله على ما قضى
هو منزلُ النجوَى بخالي الأعصرِ
هو منزلُ النجوَى بخالي الأعصرِ / فمتى تجاوزْهُ الركائبُ تُعقَرِ
أشتاقُ دارَهُمُ وليس يشوقنى / إلا مجاورةُ الغزال الأحورِ
وأفضِّل الطيفَ المُلمَّ لأنهم / هَجروا وأن طُيوفَهم لم تَهجُرِ
أرضَى بوعدٍ منهُمُ لم يُنتظَرُ / ومن الخيال بزَورةٍ لم تَعبُرِ
لا ماؤهم للمشتكى ظماً ولا / نيرانُهم للقابس المتنوّرِ
أثرَوْا ولم يقضُوا ديونَ غريمهم / واللُّؤمُ كلُّ اللُّوْم مطلُ الموسِرِ
هل ترعون بأنَّةٍ من مدنفٍ / أو تسمحون لمطلبٍ من مُقترِ
أو تتركون من الدموع بقيَّةً / يلقى بها يومَ التفرُّق مَحْجِرى
ما اجتاز بعضكُمُ بأسرابِ المها / إلا اعترفن عليه مقلةَ جُؤذُرِ
يا من تبلَّد بين آثار الحِمَى / يقفو مَعالِمها بعينَىْ مُنِكرِ
أُنشدْ قضيبَ البان بين مُروطهِم / واطلب كثيبَ الرمل تحت المئزرِ
وإذا أردتَ البدرَ فابعث نظرةً / لمطالع بين اللِّوى فمُحَجَّرِ
أتردُّ يا روضَ العقيق ظُلامةً / رُفِعتْ إليك من القِلاصِ الضُّمَّرِ
إياك أن تطأَ اللَّعاع بمَنسمِ / منها وأن ترعَى الجحيمَ بمَشفَرِ
لولا النجاءُ من الرواقِص بالفلا / لم يُفجَع النجدىُّ بالمتغوّرِ
فصَمِمْنَ حتى لاوعت أسماعُها / تَصهالَ رعدٍ في حَبِىٍّ ممطِرِ
وعمِين حتى لا رأت أبصارُها / بَرقا كناصيةِ الحِصان الأشقرِ
إن كنتَ تنظرُ ما أرى فانظر إلى / بانٍ على أكتادِ نَخلٍ موقَرِ
وكأنما رفعوا قبابَهُمُ على / شجرٍ بربَّات الهوادج مثمِر
أممتِّعى وحشَ الفلا بجمالهم / ما ذنْب طرف الهائم المستهترِ
خلَّفتُمُ خِلَّ الصفاء وراءكم / كالميْتِ إلا أنّه لم يُقبرِ
بمدامع لمَّا تَغِضْ ومَكاسرٍ / لم تَنجبر وجرائحٍ لم تُسبَرِ
وإذا العواذلُ أطفأت صبوَاتِه / شبَّت لظاها زفرةُ المتذكِّرِ
اِحذرْ عذارك والعذارُ مغلِّس / فإذا بدا صبحُ المشيبِ فأقصرِ
وَضَحٌ تَجَنَّبَهُ الغوانى خِيفةَ ال / عَدوَى فإن يقرُبْ إليها تنِفُرِ
ما كنت أحسبُ أنَّ سيفَ ذؤابتى / ينبو بترديد الصّقال الأزهرِ
صدأُ النُّصول من الشعور أدلُّ من / لونِ الجلاء على كريم الجوهرِ
أأسير في الليل البهيم فأهتدى / وأَضِلُّ في إدلاجِ ليلٍ مقمرِ
ومدحتَ لي صِبْغَ المشيبِ بأنه / كافورةٌ ونسيتَ صِبْغَ العنبرِ
وإذا الثناءُ على الوزير قَرَنته / بهما أقراَّ للذكىِّ الأعطرِ
فلذى السعادات ابنِ جعفرَ شيمةٌ / من قَرقفٍ صِرفٍ ومِسك أذفرِ
في الأرض سبعةُ أبحرٍ ويمينُه / وشِمالُه تجرى بعشرةِ أبحرِ
وهما سحائبُ ماؤهنّ لُجينُه / وبروقُهن من النضار ألأحمرِ
قسمت أناملُه المواهبَ في الورى / فكأنهم زَجَروا قداحَ الميسرِ
وإذا عِشارُ المال عُذنَ بكفّهِ / فلقد عقَلن نفوسَهنَّ بمَنحَرِ
ومعذَّلٍ أعيَا على عُذَّاله / في الجود قَصُّ جناحِ ريحٍ صرصرِ
وهو السخىُّ وإنما حسدوا اسمَهُ / فدعَوْه فيما بينهم بمبذِّرِ
طلبوا الذي أجرِى إليه فخُيِّبوا / ومن العناء طِلابُ ما لم يُقدَرِ
والأكرمون حَكَوه في أفعاله / فعُزُوا إلى كرمٍ مزوَّرِ
ما زال يبحث عن سرائر وفده / حتى أجاب إلى اسلؤال المضمَرِ
يغزو إليه المقُتِرونَ لعلمهم / أنَّ النوالَ لديه غيرُ مخَفَّرِ
في كلّ يومٍ يُلجِمون لغارةٍ / فسِنُوه غير محرَّماتِ الأشهرِ
مستنشق عِطرَ الثناء بسمعه / ما كلّ طيِّبة تُشَمُّ بمنَخِرِ
متيقِّظٌ فمتى تُصِبه نَفثةٌ / للشكر في عُقَدِ المطامعِ يُسحَرِ
يسعَى ويكدحُ ثم يُتلفُ ما حوى / عاداتُ أروعَ للأنام مسخَّرِ
بالله نُقسمُ أنه لا خيرَ في / حسبٍ ولا نسبٍ لمن لم يُشكَرِ
لو كان مجهولَ المغارس أخبرت / عنه شمائُله بطِيب العُنصُرِ
قد زان مَخبَره بأجملِ مَنظرٍ / وأعان مَنظرَه بأحسن مخَبرِ
ما مَن تتوّج أو تمنطقَ عسجداً / كمطوَّق بالمكرماتِ مسوَّرِ
تحكى أنابيبُ اليراع بكفّه / فعلَ الرماح تخاطرت في سَمهرِ
وكأنها الخطباءُ فوقَ بنانهِ / لكن بلاغُتها كلامُ المنبرِ
لا تَبعدنْ هِممٌ له أُودِعت / عند الكواكب لادّعاها المشترى
وعزائمٌ يَلحُمْن مثلومَ الظُّبا / ويُقِمنَ أصلابَ القنا المتأطِّرِ
إطراقهُ يُخشىَ ويُرهَبُ صَمتُه / والسيفُ محذورٌ وإن لم يُشهَرِ
لولاك ما انتبه الثرىَ بمَناسمٍ / خُلطتْ بطونُ صعيده بالأظهرِ
وسواهمٍ لبنات نعشٍ لحظُها / وخِفافُها تفلى بناتِ الأَوْبرِ
فأتتك أمثالَ السَّعالَىِ زُوّجتْ / أشباحَ رُكبانٍ كجِنَّةِ عَبقَرِ
غصبَوا النجومَ على السُّرَى وتعلَّموا / خوضَ الظلام ومن المطىِّ الزُّوَّرِ
لا ينظرون وِصابَهم وشحوبَهم / إلا بمِرآة الصباح المُسفرِ
لم يلبسوا الأدراع إلا رِيبةً / لا خيفةً من أبيضٍ أو أسمرِ
إن لم يُنيخوا في ذَراك فإننى / لكفيلُ كلِّ مهنّىءٍ ومبشِّرِ
جدِّدْ بنوروز الأعاجم رتبةً / سَمْتَ المجرة أو فويقَ الأنسُرِ
واسَرحْ سَوامَك في رياضِ سعادةٍ / وعميمِ عُشْبٍ بالعلاء منوِّرِ
فإذا ورَدت فماء أعذبِ مَوْرِد / وإذا صدَرتَ فرَوْح أفسحِ مَصدَرِ
أهديتُ من كلِمِى إليك تحيَّةً / غراءَ تسترعى حنينَ المِزهَرِ
ولو ادخرتُ المالَ أو أبقيتُه / يوما أثبتُ بأبيضٍ وبأصفرِ
أكذا يُجازَى ودُّ كلّ قرينِ
أكذا يُجازَى ودُّ كلّ قرينِ / أم هذه شيمُ الظباءِ العِين
قُصًّوا علىَّ حديث من قتَلَ الهوى / إن التأسِّىَ رَوْحُ كلِّ حزينِ
ولئن كتمتم مشفقين فقُدوتى / بمصارع العُذرىِّ والمجنونِ
فوق الركابِ ولا أطيل مشبِّها / بَلْ ثَمَّ شهوةُ أنفسٍ وعيونِ
هُزتَّ قدودُهُمُ وقالت للصَّبا / هُزأً أعند البان مثلُ غصونى
وكأنما نقَلتْ مآزرُهم إلى / جَدَد الحمى الأنقاءَ من يبريَن
ووراء ذياك المقبَّلِ موردٌ / حصباؤه من لؤلؤ مكنونٍ
إِمّا بيوت النحل بين شفاههم / مضمومةً أو حانةُ الزَّرَجونِ
ترمِى بعينيك الفِجاجَ مقلِّبا / ذاتَ الشِّمال بها وذاتَ يمينِ
لو كنتَ زرقاء اليمامة ما رأت / من بارق حيّاً على جَيْروِن
شكواك من ليل النِّمام وإنما / أرَقى بليل ذوائبٍ وقرونِ
ومعنِّف في الوجد قلت له اتئد / فالدمعُ دمعى والحنينُ حنينى
ما نافعي إذا كان ليس بنافعي / جاهُ الصبا وشفاعةُ العشرينِ
لا تُطرِقن خجلا للومةِ لائم / ما أنت أوّلُ حازمٍ مفتونِ
أأسومهم وهم الأجانب طاعةً / وهواى بين جوانحى يُصبينى
دَيْنى على ظَبيَاتهم ما يُقتضَى / فبأىّ حُكْمٍ يقتضون رهونى
وخشِيتُ من قلبي الفِرارَ إليهمُ / حتى لقد طالبتُه بضمينِ
كلَّ النّكال أطيق إلا ذِلّةً / إنَّ العزيزَ عذابُه بالهونِ
يا عينُ مثلُ قَذاكِ رؤيُة معشرٍ / عارٍ على ديناهُمُ والدّينِ
لم يُشبهوا الإنسانَ إلا أنهم / متكوّنون من الحَما المسنونِ
نَجَسُ العيون فإن رأتهم مقلتى / طهَّرتُها فنزحتُ ماءَ جفونى
أنا إن هُمُ الذخائر دونهم / وهُمُ إذا عدّوا الفضائلَ دونى
لا يُشمِت الحسَّادَ أنَّ مطالبي / عادت إلىَّ بصفقةِ المغبونِ
لا يستديرُ البدرُ إلاّ بعد ما / أبصرتُه في الضُّمر كالعُرجونِ
هذا الطريقُ اللَّحْبُ زاجرُ ناقتى / واليمُّ قاذفُ فُلكىَ المشحونِ
فإذا عميدُ الملك حلاَّ ربعه / ظَفِرَا بفال الطائر الميمونِ
مَلكٌ إذا ما العزمُ حثَّ جيادَه / مرِحتْ بأزهرَ شامخِ العِرنينِ
يا عزَّ ما أبصرتُ فوق جبينه / إلا اقتضانى بالسجودِ جبينى
يجلو النواظرَ في نواحى دَسْته / والسرجِ بدرُ دجىً وليثُ عرين
عمَّت فواضلُه البريّةَ فالتقىَ / شكرُ الغنىِّ ودعوةُ المسكينِ
قالوا وقد شنُّوا عليه غارةً / أصِلاتُ جودٍ أم قضاءُ ديونِ
أمّا خزائنُ مالِهِ فمباحةٌ / فاستوهِبوا من علمه المحزونِ
كرمٌ إذا استفتيته فجوابهُ / منْعُ اللُّهَى كالمنع للماعونِ
ما الرزق محتاجا بعرصته إلى / طلبٍ وليس الأجرُ بالممنونِ
لو كان في الزمن القديم تظلَّمت / منه الكنوزُ إلى يدَىْ قارونِ
وإذا امرؤ قعدت به همَّاتُه / خلىَّ سبيلَ رجائِه المسجونِ
أقسمتُ أن ألقىَ المكارمَ عالما / أنِّى برؤيته أبَرُّ يمينى
شهِدتْ علاه أنَّ عنصُرَ ذاتهِ / مِسكٌ وعنصُرَ غيره من طينِ
ساس الأمورَ فليس تُخلَى رغبةٌ / من رهبة وبسالةٌ من لينِ
كالسيف رونقُ أَثْرِهِ في متنهِ / ومضاؤه في حدِّه المسنونِ
لَجاجةُ قلبٍ ما يُفيق غُرورُها
لَجاجةُ قلبٍ ما يُفيق غُرورُها / وحاجةُ نفسٍ ليس يُقضَى يسيرُها
وعينٌ إلى الأطلالِ تُزجِى سحابَها / إذا لوعةُ الأحشاءِ هبَّ زفيرُها
أكلَّفها هطلا على كلِّ منزلٍ / فلو أنها أرضٌ لغارت بُحورُها
وما تجمع العينُ التوسُّمَ والبكا / فهل تعرفانِ مقلةً أستعيرُها
وقفنا صفوفا في الديار كأنها / صحائفُ ملقاةٌ ونحن سطورُها
يقول خليلى والظّباء سوانحٌ / أهذى التي تهوى فقلت نظيرُها
لئن أشبهتْ أجيادُها وعيونُها / لقد خالفت أعجازُها وصدورُها
فيا عجبى منها يَصُدّ أنيسُها / ويدنو على ذُعرٍ إلينا نَفورُها
وما ذاك إلا أنَّ غِزلانَ عامرٍ / يثقنَ بأن الزائرين صُقورُها
ألم يكفِها ما قد جنتهُ شموسُها / على القلب حتى ساعدتها بدورُها
نكَصنا على الأعقاب خوفَ إناثها / فما بالها تدعو نَزالِ ذُكورُها
ووالله ما أدرى غَداة نظرنَنا / أتلك سهام أم كئوسٌ تديُرها
فإن كنَّ من نَبلٍ فأين حَفيفُها / وإن كنَّ من خمرٍ فأين سرورهُا
أيا صاحبىّ استأذنا لىَ خُمْرَها / فقد أذِنتْ لي في الوصول خدورُها
هباها تجافتْ عن خليلٍ يروعُها / فهل أنا إلا كالخيال يزورُها
وقد قلتما لي ليس في الأرض جَنّةٌ / أما هذه فوق الركائب حُورُها
فلا تحسَبا قلبي طليقا فإنما / لها اصلورُ سجنٌ وهو فيه أسيرُها
يعِزُّ على الهِيم الخوامسِ وِردُها / إذا كان ما بين الشفاه غديرُها
أراكَ الحمى قل لي بأَيّ وسيلةٍ / وصلتَ إلى أن صادفتك ثغورُها
ومالي بها علمٌ فهل أنت عالم / أأفواهها أولى بها أم نحورُها
يطيب النسيمُ الرطبُ في كلّ منزلٍ / وما كلُّ أرض يستطابُ هجيرُها
وأنَّ فروعَ البان من أرض بِيشَةٍ / حبيبٌ إلىّ ظلُّها وحَرورُها
أَلذُّ من الورد الجنىّ عَرارُها / وأحلىَ من الشهدِ المصفَّى بَريرُها
على رِسْلكم في الحبّ إنّا عصابةٌ / إذا ظفِرتْ في الحبِّ عفَّ ضميرُها
سَواءٌ على المشتاق والهجر حظُّه / أألقت عصاها أم أجدَّ بُكورُها
لعمرُك ما سحرُ الغوانى بقادرٍ / على ذات نفسي والمشيبُ نذيُرها
وما الشَعراتُ البيضُ إلا كواكبٌ / مطالعُها رأسى وفي القلب نُورُها
ضياءٌ هدانى فاهتديتُ لماجدٍ / سُهولُ المعانى طُرقُه ووُعورُها
أجابَ به اللهُ الخلافةَ إذ دعت / وزيرا فكان من أجنَّ ضميرُها
به غَصَّ ناديها وأشرقَ سعدُها / وأُفعمَ واديها وسُدّت ثُغورُها
تَباهَى به يومَ الرحيل خيامُها / وتُزهَى له يومَ المقام قصورُها
وقد خفيتْ من قبله معجزاتُها / فأظهرها حتى أقرّ كَفورُها
فما رأيه إلا سمُوطُ لآلىء / يرصَّع منها تاجُها وسريرُها
ولا عجبٌ أن تستطيلَ عِمادُها / وهذا الهمامُ الأريحىّ وزيرُها
فقل للّيالي كيف شئتِ تقلَّبي / ففي يدِ عبلِ الساعدينِ أمورُها
يدٌ عبِقت بالمكرُمات وضُمِّختْ / وما الطيبُ إلا مِسكها وعبيرُها
إذا كان خاتامُ الخلافةِ حَلْيَها / فأىّ افتخار يستزيد فَخورُها
وما صيغ لولا معصماهُ سِوارُها / ولا صين لولا مَنكِباه حريرُها
أمانىُّ في صدور الوزارةِ بُلغِّتْ / به كُنهَها حتى استحقَّتْ نُذورُها
لوتْ وجهها عن كلّ طالب مُتعةٍ / إلأى خاطبٍ حِلٍّ عليه سُفورُها
ومن ذا كفخر الدولة اتامها له / وما كلُّ نجم في السماء منيرُها
اَلانَ رأينا في مجالس عزِّها / مجالسَ تُملاَ بالعَلاء صدورُها
كأنَّ على تلك الأرائك ضيغما / له نأَماتٌ لا يجابُ زئيرُها
إذا مَثَلَ ألأفوامُ دون عَرينهِ / تساوَى به ذو طيشها ووقورُها
تكاد لِما قد أُلبست من سكينةٍ / ترِفُّ على تلك الرؤوس طيورُها
دعوا المجد للرّاقى إلى كل قُلَّةٍ / يُشقُّ على العَوْدِ الذلول خُدورُها
لذى الخطَراتِ المخبراتِ يقينَه / بمستقبَل الحالاتِ ماذا مصيرُها
ألم تعلموا أن النعائمَ في الثرى / وأن البُزاةَ في الشِّعاب وُكورُها
وقد علمت أبناءُ هاشمَ كلُّها / بأي ابن هَمٍّ قد أمِرَّ مَريرُها
بمكتهلِ الآراء لو زاحموا به / جبالَ شَروْرَى لارحَجنَّت صُخورُها
مقيم بأطرافِ المكارم سائل / ركابَ بنى الحاجات أين مسيرُها
جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جزائه / ركائبَ تخَدِى بالمكارم عِيرُها
وأسقَى جيادا سِرنَ بالبأس والندى / من الساريات الغاديات غزيرُها
تناقلن من علياءِ دارِ ربيعةٍ / وبكرٍ بأنواءٍ يفيض نميرُها
تخطَّت شُعوبا من ذؤابة عامرٍ / لها العزُّ حامٍ والنجاحُ خفيرُها
وساعدها من آلِ جُوثَةَ عصبةٌ / إذا ثوّب الداعى يعزُّ نصيرُها
حماةُ السيوف والرماح حِمَامُها / وأحشاءُ ذؤبانِ الفلاة قبورُها
قِبابهم السمرُ الطوالُ عِمادُها / ومُقرَبَةُ الخيلِ العتاقِ ستورُها
وأفنيةٌ مثلُ الروابى جِفانها / ومثل الجبال الراسيات قدورُها
إذا طَرقَ الأضيافُ غنَّت طلابُها / وناحت بشجوٍ شاتُها وبعيرُها
فما خَطَت الجُودِى حتى تراجفتْ / إليهنّ آكام العراقِ وقُورُها
وكادت لها بغدادُ يوم تطلّعت / تسيرُ مغانيها وتَجمحُ دُورُها
فلم تك إلا هِجرةٌ يثربيَّةٌ / حقيقٌ على رهطِ النبىِّ شُكورُها
فلله شمسٌ مغربُ الشمسِ شرقُها / وفي حيثما شاءت طُلوعا ذُرورُها
أعدْتَ إلى جسم الوزارة رُوحَهُ / وما كان يُرجَى بعثُها ونُشورُها
أقامت زمانا عند غيرك طاظِثاً / وهذا الزمان قُرءُها وطَهورُها
من الحقّ أن يُحبَى بها مستحقُّها / ويُنزَعَها مردودةً مستعيرُها
إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها / أشار عليها بالطلاقِ مُشِرُها
أظنَّ ابنُ دارستَ الوزارةَ تَلعةً / بفارسَ قد عُدَّتْ عليه بُدورُها
وإن هضاب المجد ليست بمَزلَقٍ / لأحنفَ كابى الحافرين عُثورُها
ألمَّا يكن في نسجِ تُوَّجَ شاغلٌ / له عن تعاطى رتبةٍ لا يطورُها
أقول وقد واراه عنّا حِجابهُ / رويدَكَ دون الفاحشات سُتورُها
وأعلقه بابن الحُصيْن سفاهةٌ / ألا خابَ مولاها وساء عشيرُها
فأعدَى إليه رَأيَهُ فأباده / كما أهلك الزَّبَّاءَ يوما قَصيرُها
وهل نجمه الهاوى سوى دَبَرانها / وهل ريحُه الهوجاءُ إلا دَبورُها
وأطربه تحت الرِّواق نُهاقُه / وليس يروق الأُتْنَ إلا حَميرُها
وما كان طنّى أن للذئب وقفةً / وقد جرَّ أرسانَ الأمور هَصورُها
فأرضُ رُعاءِ البَهْمِ إلا تُقِرَّه / يُعقَّرْ بنابٍ لا يُبِلُّ عقيرُها
ولا تُلقيَنَّ البأسَ عند احتقارهِ / ألا ربما جر الخطوبَ صغيرُها
بودّىَ لو لاقيتُ مجدَك تالياً / مناقبَ أُسديها له وأَنيرُها
ولكننى أبعدتُ في الأرض مذهبى / لإعزاز نفسٍ قد جفاها عَذيُرها
وهجهجَ بي عن أرض بغدادَ ذِلةٌ / كوخز سنانِ السمهرىّ حُصورُها
لأمثالها تعلو الجيادَ سُروجُها / ويلتقم الحَرْفَ العَلَنداةَ كُورُها
فكدت بأن أنسى لذاك فصاحتى / سوى أنّ طبعا في الحمَام هديرُها
تركنا رُبَى الزوراء ينزو خِلالَها / جَنادبُ يعلو في الهجير صَريُرها
وقلتُ بلادُ الله رحبٌ فسيحةٌ / فهل معجزى أفحوصة أستجيرُها
وقد تترك الأسدُ البلادَ تنزُّهاً / إذا ما كلابُ الحيّ لجَّ هريرُها
أقامت بمثواك الليالي مُنيخةً / مكرَّرةً أيامُها وشُهورُها
يؤرَّخُ من ميلاد سعدك عَصْرُها / وتُحصَى بأعمار النسور دُهورُها
فدونكها للتاج يُبتاع دُرُّها / فَرزدقُها غَوَّاصها وجَريُرها
وقد زادها حسنا لعينيك أنها / على مسمعَىْ داود يُتلَى زَبورُها
قد رجعَ الحقُّ إلى نِصابهِ
قد رجعَ الحقُّ إلى نِصابهِ / وأنت من كلّ الورى أولىَ بهِ
ما كنت إلا السيفَ سلَّته يدٌ / ثُمّ أعادته إلى قِرابهِ
هزَّتهُ حتى أبصرْتُه صارما / رونقُه يُغنيه عن ضِرابهِ
أَكرِمْ بها وزارةً ما سلَّمت / ما استُودِعت إلا إلى أربابهِ
مشوقة إليك مذ فارقتَها / شوقَ أخي الشِّيب إلى شبابهِ
مثلُك محسودٌ ولكن معجز / أن يُدرَكَ البارقُ في سحابهِ
حاولها قومٌ ومن هذا الذي / يُخْرِجُ لينا خادرا من غابهِ
يُدمِى أبو الأشبال من زاحمَهُ / في خِيسهِ بظُفره ونابهِ
وهل سمعتَ أو رأيت لابسا / ما خلَع الأرقمُ من إهابهِ
لا تحسَبا لهوَ الحديث ماحيا / حَتما قضاه الله في كتابهِ
مرُّ النسيم غاديا ورائحا / لا يُزلقُ الأصمَ عن هِضابهِ
وليس يُعطى أحدا قيادَه / أمرٌ لسانُ المجد من خُطَّابهِ
تيقَّنوا لما رأَوها صعبةً / أن ليس للجوِّ سوى عُقابهِ
إن الهلالَ يُرتَجى طلوعُه / بعد السَّرارِ ليلةَ احتجابهِ
والشمس لا يُوءَس من طُلوعِها / وإن طواها الليلُ في جِلبابهِ
ما أطيبَ الأوطانَ إلا أنها / للمرء أحلىَ أثرَ اغترابهِ
كم عَودةٍ دلَّت على دوامها / والخُلدُ للإنسان في مآبه
لو قَرُبَ الدُّرُّ على جالبه / ما لجَّجَ الغائصُ في طِلابه
ولو أقام لازما أصدافَه / لم تكن التيجانُ في حسابه
من يعشق العلياءَ يلقَ عندها / ما لقىَ المحبُّ من أحبابه
طورا صدودا ووصالا مرّةً / ولذّةُ الوامقِ في عتابه
وبّما اعتاصَ الذي تأمُلُه / وأصبحَ المخوفُ من أسبابهِ
ما لؤلؤ البحر ولا مَرجانه / إلا وراءَ الهول من عُبابهِ
ذلَّ لفخر الدولة الصعبُ الذُّرَى / وعلَّم الأيام من آدابهِ
واستخدم الدهرَ فما يأمره / إلا أتى الطاعةَ في جوابه
يكاد من تهذيبه أخلاقَهُ / أن يستردَّ الغدرَ من ذئابهِ
قد طأطأتْ أيامُه أعناقَها / خاضعةً تسير في رِكابِه
كأنها عصائبٌ من طالبي / ثوابهِ أو خائفى عِقابهِ
إن أخطأتْ واصلت اعتذارَها / وإن أصابت فهو من صوابهِ
يا ناشد الجُود وقد أضلَّه / مالك لا تبغيه في جَنابِه
حيث أقام أبصرَ الناسُ الندى / تُشير كفاه إلى قِبابهِ
ترى وفودَ الشكر حولَ بيته / كأنها الأوتادُ في أطنابه
ما ثوَّروا الآمال عن صدروهم / إلا أناخت بفِناء بابهِ
وكيف لا يهوىَ الرجاءُ رَبعَه / وليس مَرعاه سوى أعشابهِ
قَلَّد أيدي المكرُماتِ إذَنهُ / فرفَعتْ من طَرَفَىْ حِجابهِ
لا تشئلنَّ عن مدى معروفه / أو تسل الوسمىَّ عن مَصابهِ
يكفيك ما يبسُطه من بِشره / أن تطلبَ الإذن إلى حُجَّابهِ
يطغَى بتكرير السؤال رفدهُ / والدَّرُّ جيَّاشٌ على احتلابهِ
هو الذي أفعالهُ من حسنِها / كأنما اشتُقِقن من ألقابهِ
مَن حسَبُ السؤددِ في صميمهِ / ونسبُ العلياء في لُبابهِ
كالسمهرىّ عزمُه لو لم يكن / ينقُص عنه الرمحُ باضطرابهِ
شكرا وزير الوزراء تستزد / أضعافَ ما بُلّغتَ من وَهابهِ
قدِمتَ كالغيث أصاب ظامئا / سنوَّفه الخَدَّاعُ من سَرابهِ
كم ساجدٍ لمّا سموتَ طالعا / كأنه صلَّى إلى مِحرابِه
وصائم رؤياك قد أغنته عن / طعامه طِيبا وعن شرابهِ
ولو أطاق الدَّستُ سعيا لسعى / مستقبِلا يختال في أثوابهِ
كان حشاه قلِقا حتى احتبى / في صدره من كان من آرابه
لأقمت في نعماءَ مطمئنَّةٍ / تُحكِّم الفؤادَ في إطرابهِ
تساعد الدنيا على زينتها / وتغلب الدهر على أحقابهِ
ألقت عصاها وارتمت ركابُها / في سُرَرِ الوادى وفي شِعابهِ
قد أُعفىَ المارنُ من خَشاشهِ / ورُوّحَ الغاربُ من أقتابهِ
على يديك المرتجَى إنعامُها / تابَ غرابُ البين من نُعابهِ
قالوا وزيرانِ هوَى نجمُ ذا
قالوا وزيرانِ هوَى نجمُ ذا / ونجمُ هذا قد علا طالعا
كذلك الدهرُ يُرَى خافضا / طورا وطورا قد يُرَى رافعا
قلتُ قياسٌ ويحْكم زِبْرِجٌ / جوهرُه لا يقبلُ الطابعا
هذا أتى من آمدٍ ساميا / وذا أتى من فارسٍ خاضعا
كم بين من وُلِّىَ من فوقها / فقرَّ في مركزها وادعا
وبين من رُقِّىَ من تحتها / فخرَّ من ذِروتها واقعا
نطَّرِحُ الباطنَ ما بيننا / ونستفيدُ الظاهر الذائعا
ابِن جَهيرٍ وابنُ دارسْتِكم / بأىِّ لفظٍ يُعجِبُ السامعا
أليس مطبوعا على قلبه / من ظنَّ تيسا أسدا رائعا
قد بانَ عذرُك والخليطُ مودَّعُ
قد بانَ عذرُك والخليطُ مودَّعُ / وهوَى النفوسِ مع الهوادج يُرفعُ
لك حيثما سمت الركائب لفتةٌ / أتُرى البدورُ بكل وادٍ تَطلعُ
لله مطوىٌّ على زفَراتهِ / لم يقضِ من ظمأ ولا هو يَنْقَعُ
قرُبت أمانىُّ النفوس وعندَه / أملٌ تخُبُّ به الركابُ وتوضِعُ
ونأتْ مَطارحُ قلبه عن سمعه / فالعاذلون بهنّ حَسَرى ظُلَّعُ
ما خاف في ظُلَمِ الصبابةِ ضلَّةً / إلا ودلَّتْه البروقُ الُّلمَّعُ
في الظاعنين من الحِمىَ ظبىٌ له ال / أحشاءُ مرعىً والمآقى مَكرَعُ
ممنوعُ أطرافِ الجمال رقيبُه / حذِرٌ عليه والغَيورُ البرقُعُ
عهِدَ الحبائلَ صائداتٍ شِبهَهُ / وارتابَ فهو لكلِّ حبلٍ يقطعُ
لم يدرِ حامِى سِربهِ أنِّى إذا / حُرمَ الكلامُ له لساني الإِصبعُ
وإذا الطُّيوف إلى المضاجعِ أُرسِلت / بتحيةٍ منه فعينى تسمعُ
ويح الألى انتجعوا الغمامَ وعندهم / بين المحاجرِ ديمةٌ ما تُقلعُ
لجؤا إلى عزِّ الخدور وفي الحشا / بيتٌ أعزُّ من الخدور وأمنعُ
هل من قِبابهم اللواتي رفَّعوا / مبنيَّةٌ أطنابهُنَّ الأضلُعُ
لهمُ مَصيفٌ في الفؤاد ولو سُقىِ / ماءَ الوصال لكان فيه مَربَعُ
يا كاسرَ النَّجلاءِ تُرسل نظرةً / خَطفا كلحظ الريمِ وهو مروَّعُ
لسوى أسنّتك المِجنُّ مضاعَفٌ / ولغير أسهمك السوابغُ تُصنَعُ
لي حيلةٌ في كلّ رامٍ مُغرِضٍ / لو أنه في غير قوسك ينزِعُ
أطيِبْ بأطلالِ ألأراك ونفحةٍ / باتت بمسراها الرجالُ تَضَوَّعُ
ومواقفٍ لم ألقَ مَولىً راحما / فيها ولم أظفرَ بخِلٍّ يشفعُ
لولا الذين البيدُ من أوطانهم / ما كان يملِكنى الفضاءُ البلقعُ
آنستُ من أطلالهم ما أوحشوا / وحفِظتُ من أيّامهم ما ضيّعوا
ورضيتُ بالمُهدِى إلىّ نسيمَهم / إن المحب بما تيسَّر يَقنَعُ
ولقد حللتُ حُبَى الظلام بفتيةٍ / ألِفَتْ وجوهَهُم النجومُ الطُّلَّعُ
قَرَوُا الهمومَ جسومَهم ونفوسَهم / وبطونُها بسواهُمُ ما تشبعُ
وسَرَوا بأشباحٍ تَجاوَزها الردى / إذ لم يكن فيها له مستمتَعُ
لاقتْ بهم خُوصُ المهارىَ مثلما / لاقى بأربَعِها الثرى واليَرْمعُ
في حيثُ لا زَجَلُ الحُداة مردَّدٌ / خوفَ الهلاك ولا الحنينُ مرجَّعُ
قلِفَت بهم قلقَ اللديغ كأنما / ظنَّت سياطَهُمُ أراقمَ تلسعُ
فَتل الدُّءوبُ لحومَها بشحومِها / فتشابهت أثباجها والأنسُعُ
متباريات بالنَّجاء كأنما / وضَعت رهونا سُوقُها والأذرعُ
وإلى عميد الدولة اعتسفت بنا / أنضاؤها حتى هناها المريَعُ
من عندَه الظلُّ الظليلُ ومنهلُ ال / عذب المصفَّق والجنابُ المُمرِعُ
والغادياتُ السارياتُ بريقُها / ولِبانُهَا يسقى الرجاءَ ويُرضعُ
ما زال يُفهمنا العلاءُ صنيعَه / حتى علمنا ما الأغرُّ الأروعُ
يخشى سهامَ الذمّ فهو مالما / ومحاربا بنواله يتدرَّعُ
غرسَ الصنائعَ فاجتنى ثمراتِها / شكرا وكلٌّ حاصدٌ ما يزرعُ
عيدانُ مجدٍ لا تلين لغامزٍ / وجبالُ عزٍّ مَرْوُها ما يُقرَعُ
ومناقبٌ يقضىِ لها متعنِّتٌ / في حكمه ويجيزها متتبِّعُ
كم أزمةٍ خَرِسَتْ رواعدُ سُحبها / وسحابةٍ فيها خطيبٌ مِصقَعُ
وإذا المطالبُ باللئام تعثَّرت / ظلّت مواهبُه بهنّ تُدَعدِعُ
تِبعوا مساعَيهُ فلمّا أبصروا / بُعدَ المسافة أفردوه وودَّعوا
إنّ المعالىَ صعبةٌ لا تُمتطَى / والمأُثَراتُ ثنيَّةٌ ما تُطلَعُ
يقِف الثناءُ عليه وقفةَ حائرٍ / ممّا تسُنُّ له يداه وتشَرَعُ
إن قصَّرت مُدّاحه عن وصفه / فعجائب البحرين ما لا تُجمعُ
قلِقُ اللواحظ أو تقرَّ بزائرٍ / كالمضرحىِّ لصيده يتوقَّعُ
فهناك أبلجُ ما وراء لثامهِ / ملأنُ من ماء البشاشةِ مُترَعُ
هو قِبلةُ المجد التي ما مِلَّةٌ / إلا وتسجُدُ نحوها أو تركَعُ
تتناسب الأهواءُ في تفضيله / والقولُ في أديانها يتنوّعُ
عِلماً بأنّ الشمس ما في عينها / رمَدٌ ولا ثوبُ السماء مرقَّعُ
يا دهرُ لا تَعِرضْ لمن آراؤه / في مَفِصل الجُلَّى تَحُزُّ وتَقطعُ
لطُفَت وجلَّ فعالها ولطالما / نزحَ النجيعَ من العروق المِبْضَعُ
وله عزائمُ ضاق عنها ذَرعُه / كالسيل غصَّ به الطريقُ المَهيعُ
شوسٌ إذا استدعتْ أنابيبَ القنا / أبصرتَها من سُرعة تتزعزعُ
إياك تنِحتُ في جوانبِ كُدْيةِ / بالحارشِينَ ضِبابُها لا تُخدعُ
أنسيتَ إذ قارعتَه عن مجده / فرجعتَ مفلولا وأنفُك أجدعُ
أيّامَ جاهدَ في أبيه بهمّةٍ / هجعَ الظلام وعينُها ما تهجَع
حتى اطمأنَّ من الوزارة نافرٌ / وثُنى إليه لِيتُها والأَخدعُ
واستُرجِعتْ عذراءَ لم يَنعَمْ بها / بعلٌ كما ارتَجع الوديعةَ مودِعُ
ومشى أمام جيادهِ مستقبِلا / من كان أمسِ وراءَ هن يُشيِّعُ
بالرفق تنحطُّ الوعولُ من الذُّرى / ويصاد يَربرعُ الفلا المتقطِّعُ
هذا أميرُ المؤمنين وظنّه / بالغيبِ مِرآةٌ تضىء وتلمعُ
لما تنّسم من شمائِل عِطْفهِ / ارجَ الكفاية فائحا يتضوّعُ
ناجاه بالوادي المقدّس نابذا / كَلِماً تلين لها القلوبُ وتخشعُ
ومساه من حُلل الدِّمَقْسِ جلابيا / كالروض بل منه أغضُّ وأنصعُ
فكأنها نُسجَت بجِنَّةِ عبقرٍ / أو ظلَّ يرقُمها الربيعُ ويطبَعُ
لو أنها دِمَنٌ أقامت بينها / وُرْقُ الحمائم تستهِلُّ وتسجَعُ
إن أُكملتْ حسنا فقد زُرَّت على / جسدٍ يكلَّل بالعلا ويرصَّعُ
وأعاضه من تاج فارسَ عِمةً / إذ عنده تاجُ الأعارب أرفعُ
كالليل إلا أها قد طُرِّزت / شفَقا على أفاقها يتشعشعُ
ما اشرقُ الألوان إلا سُودُها / ولأجل ذا لونُ الشبيبة أسفعُ
أمثالُها فوق الرؤوس وهذه / فوق الرزانةِ والحصانة توضعُ
وحباه من قُبّ العتاقِ بضامرٍ / كالذئب زعزعَ مَنِكبيْه مَطمَعُ
لا تُثبِت العينانِ أين مقرُّهُ / في الأرض لولا نقعُه المترفِّعُ
يقظانُ تحسَب سَرجَه ولجامَه / في لُجّة أمواجُها تتدفَّعُ
يخطو فيختصر البعيدَ من المَدى / بقوائم مثلِ البليغ تُوقِّعُ
بالسبق منفردٌ بلَى في مَتنه / منه إلى طُرُق المعالى أسرعُ
إِن الخليفةَ للزمان وأهلِهِ / طَودٌ من الحَدَثانِ لا يتضعضَعُ
هو في الدجى بدرٌ ينير وفي الضحى / شمسٌ لها في كل أفْقٍ مطلعُ
وبنو جَهيرٍ دَوحةٌ في ملكه / أفنانُها وغصونُها تتفرّعُ
بوزيرها وعميدِها وزعيمِها / وجهيرها أبدا يُضَرُّ ويُنفَعُ
القارحُ الموفى عليها سابقٌ / ورَباعُها وثَنِيُّها والمُجذِعُ
كلٌّ له يومَ الفخار مناقبٌ / ثمَّ الأكابرُ فضلُها لا يُدفَعُ
لله أربعةٌ بهم هذا الورى / وكذا حكَوْا أن الطبائع أربعُ
أمحمدُ بن محمدِ بنِ محمدٍ / وعُلاكَ منِصتةٌ تجيبُ وتسمَعُ
لا كان هذا الدهرُ إن عطاءَهُ / بالله يسمُجُ في العقول ويفظُعُ
ما بال أقوامٍ به لو أُنِصفوا / رُدّوا على باب النجاح ودُفِّعوا
ما كان قطُّ لهم على دَرَج العلا / مرقىً ولا عند الصنيعة موضعُ
وأرى المعايشَ بينهم مقسومةً / كالغُنم يُخمَسُ تارة أو يُربَعُ
وأعابهم نفرٌ بلا سببٍ سوى / أن المعايبَ بين قومٍ تَجمَعُ
أأُذادُ عن بَرْدِ الحياض ومثلُهم / يُدعَى إلأى العَذبِ الزلالِ فيكرَعُ
فابذُرْ عوارفَك الجسامَ بتُربةٍ / يزكو بها ثمرُ الجميلِ ويونعُ
هذا مقالى إن هززت فعنده / ما يَحسُنُ المطبوعُ والمتطبِّعُ
ويدى إذا استخدمتَها وبسطتهَا / حسدتْ أناملَها الرياحُ الشُّرَّعُ
ما بي إلى الشفعاء عندك حاجةٌ / ولسان فضلك شافعٌ ومشفِّعُ
من رأَى المجدَ يُثير القِلاصا
من رأَى المجدَ يُثير القِلاصا / والعُلا تُزجى العِتاقَ الخِماصا
والقِبابَ البيضَ قد وعَدُوها / بالمعالى فاستطالتْ خِراصا
بعميد الدولةِ الأرضُ تُطوَى / حين لا ترجو النجومُ خَلاصا
وفجِاجُ السعى بين يديه / تشترِى الآمالَ منه رِخاصا
مذ رأيناهُ سحابا عجِبنا / كيف يحتلُّ ويأوِى العِراصا
كرمٌ فاضَ فما اختصَّ أرضا / دون أرضٍ بنداه اختصاصا
من يحبّ العزّ يَدأبْ إليه / وكذا من طلب الدُّرَّ غاصا
قرّت الأعينُ بالقربِ منه / فأراد البعدُ منها القِصاصا
لو مَلكنا الأرضَ أو لو أطقنا / لسَددنا برُباها الخَصاصا
وعقَلنا الناجياتِ خلاءً / وربَطنا المُقْرَباتِ ارتهاصا
فهِمتْ ما حمَلتْ في ذُراها / من جمالٍ فارتقصنَ ارتقاصا
ماجدٌ إن خاف أسهمَ ذمٍّ / لبس الجودَ عليه دِلاصا
أدواتُ الفخرِ ألقَّنَ فيه / حسَبا عِداًّ وعِرقا مُصاصا
رُبَّ عزمٍ إ يُحَكَّمْ له لم / تجد الأقدارُ عنه مَناصا
ساهر القلب إذا رامَ عُظمَى / إن كَرى النومِ للأعينِ حاصا
قذفتْ منه الليالي بِقرنٍ / تنكُص ألأبطالُ عنه انتكاصا
محسنٌ بالرأي ضربا وطعنا / يُخجل البيضَ ويُخزِى الخِراصا
ساحر الألفاظ ولو شاء ظبيا / أسر الوحش بهنَّ اقتناصا
كلما أبصرَه حاسدوه / كُلِّلتْ تلك العيونُ حُصَاصا
كشعاع الشمسِ ترجِع عنه / مَضْرِحيّاتُ العيون عِماصا
ففداه كلُّ جَهم المُحيَّا / مانعٌ عسجدَه والرَّصاصا
كالشَّموسِ الصَّعبِ إن ذلَّلوه / زادهم ذُعرا ولَجَّ قِماصا
مستهامٌ بالغوانى إذا ما / صقَلتْ خداًّ وأرختْ عِقاصا
أين تبغى قد زحَمتَ الثريّا / في مَداها وانتعلتَ النَّشاصا
غايةٌ لو ذو جَناحٍ إليها / طار لاعتاصت عليه اعتياصا
أنتمُ آلُ جَهِيرٍ عديدٌ / لا رأتْ فيه البنانُ انتقاصا
كلّما قيل الرحيلُ قريبٌ / غَصَّ بالبادر حَلْقى اغتصاصا
وأرى قلبي سيقتصُّ إمّا / سرتَ آثارَ المطىِّ اقتصاصا
اِقْضِ في أمري بما أنتَ قاضٍ / فبأنعامك أرجو الخَلاصا
ردَّك الله إلينا سليما / بك أيامُ الزمان تَواصَى
إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا
إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا / نثرتُ على عليائك الحمدَ والشُّكرا
وصغتُ من الذهن المصفَّى بدائعا / أقرِّط أسماعَ الرُّواةِ بها شَذْرا
فلا تحسبَنَّ الدُّرَّ في البحرِ وحدَه / فقد تُخرِج الأفواهُ من لفظها دُرَّا
ومن كان جسمَ المكرمات وروحَها / تحلَّى ثناءً لا لُجينا ولا تِبرا
يُحيَّا برَيحان المحامدِ سمعُه / ويكفيهِ أن كانت مناقبه عِطرا
ولست براضٍ غيرَ وصفك تحفةً / ولا قاضيا إلا بمِدحتك النَّذرا
بلغتَ عميدَ الدولة الغايةَ التي / ركائبُ أنباءِ المنى دونَها حَسرَى
وما زلتَ تُغلى المجدَ حتى جعلتَهُ / عليك حبيسا لا يباعُ ولا يُشرى
وكم طالبٍ فيه نصيبا وإنه / ليَقبِضُ كفَّيْه إذا عَرف السِّعرا
تطيعك في المعروف نفسٌ حيِيَّة / إذا سُئلتْ جدواك تستقبحُ العُذرا
أظنُّك في الدنيا تُريد زهادةً / فلستَ بمستبقٍ لعاقبةٍ ذُخرا
وقد كانت النَّعماءُ جادت بنفسها / فأنشأتَها في عصرك النشأةَ الأخرى
مواهبُ يُعطين الغنىَّ على الغِنَى / مَزيدا ويتركن الفقيرَ كمن أثرى
يوافين سراًّ والسحابُ برعدها / تبوح بما توليه إن أرسلتْ قَطرا
فدّى لك صيفىُّ الغمامة في الندى / يَظُنّ سؤالَ السائلين به مكرا
إذا حامت الآمالُ حول حِياضه / سمعنَ بها من كلِّ ناحيةٍ زَجرا
ألستَ من القوم الذين نداهُمُ / حبائُلهم والراغبون بها أسرى
يبيتون في المشتى خِماصاً وعندهم / من الزاد فضلاتٌ تُصان لمن يُقرى
خشَوا أن يضِلَّ الضيفُ عنهم فرفَّعوا / من النار في الظلماء ألويةً حُمرا
أفادوا الذي شاءوا وأفنَوه عاجلا / فقد جمعتْ أيديهم العُسرَ واليُسرا
تواليك حباَّتُ القلوب كأنما / خُلقتَ سرورا في الضمائِر أو سِرّا
فإن كانت العينان داعيةَ الهوى / فقد أبصرتْ من شخصك الشمسَ والبدرا
وإن كان للنفس الطروبِ تتيُّمٌ / فأجدرُ أن تَهوَى خلائقَك الزُّهرا
فقد جنَح الأعداءُ للسّلم رغبةً / إليك وأىّ الناس لا يعشق البِرّا
فأما سَقام الحاسدين فما له / شفاءٌ وقد كادتهُمُ نِعَمٌ تَتْرَى
تسوت يداك بسطةً وسماحةً / فلم تفخر اليمنى بفضل على اليسرى
ومعترَكٍ للقوم مزَّقتَ جمَعه / بحدِّ لسانٍ يُحسن الكرّ والفرّا
وفحشاء أدّتها إليك جهالةٌ / جعلتَ رتاجَ الحلم من دونها سِترا
سما بك فوق العزّ قلبٌ مشيَّعٌ / إذا ركب الأهوالَ لم يستشر فكرا
وهمّةُ وثَّابٍ على كلّ ذِروةٍ / يَنال على أكّدها النَّهىَ والأمرا
ألا ربَّ ساعٍ في مَداك كَبتْ به / مطاياه أو قالت له رِجلُه عَثْرا
وملتمِسٍ في عدِّ فضلك غايةً / ومن يَشبُر الخضراءَ أو ينزِف البحرا
خذوا عن غُبار الأعوجيَّات جانبا / وإلا فقد ضيعتمُ خَلفها الحُضرا
وخلُّوا لهذا البازلِ القَرِم شَولَه / فإنكُمُ لم تَحذِقوا الهَدْر والخَطْرا
فتىً سالَبَ ألأعداء حِرصا على العلا / فأجلَوا له عنها وما عَقَد الأُزْرا
وهل يُعجب الروضُ المنوّرُ أعينا / رعَتْ في محيّاه الطلاقةَ والبِشرا
كأنَّ الحياءَ انهلَّ في وجَناته / فكانَ لها ماءً وكانت له غُدْرا
تحدّثه الغيبَ الخفىَّ طنونهُ / فتحسبُها قد أودِعتْ صُحُفا تُقرَا
وقالوا هو الغيث الذي يغمرُ الربىَ / فقلت لهم ما زدتموني به خُبرا
فقالوا هو الليثُ المعفِّر قِرنَهُ / فقلت بحقّ الله أيُّهما أجرا
حلفت بها تَهوِى على ثَفِناتها / من الأين مرخاةً أزمَّتُها صُعرا
تجرِّر أذيالَ الرياح وراءَ ها / إذا كتبتْ سطرا محتْ قبلَه سطرا
تَنَزَّهُ عن حَمل الأوانسِ كالدُّمى / وتحمِل في كِيرانها الشُّعثَ والغُبْرا
إلى حيث لا تُجزَى بحسن صنيعها / إذا ما قضَوا نُسكا جزَوها به نَحرا
وبالبيت محفوفا بمن طاف حوله / إطافةَ سِمطىْ لؤلؤ قلّدا نحرا
تُفاضُ سجوفُ الرَّقم في جبناته / على ماثلٍ تَعرَى السيوفُ ولا يعرى
حمىً لا يخاف الطيرُ في شجراتهِ / قنيصا ولا تخشى الظباءُ به ذُعرا
وبالحجرِ الملثومِ سمعا وطاعة / ونعلم أنْ ما يملك النفع والضرا
لأنت إذا صَكُّوا القِداح على العلا / أحظُّهمُ سهما وأسرعُهم قَمرا
وأعلاهُمُ كعبا وأحلاهُمُ جَنىً / وأوفاهُمُ عهدا وأرفعُهم ذِكرا
كفاك نجاحُ السعى في كلّ مطلب / هممت به أن تزج الأدم والعفرا
بعزم كما أطلقن أنشوطة الحبى / وجِدٍّ كما نفَّرتَ عن مَربإ صَقرا
رأيتك طودا للخليفة شامخا / وسيفا على شانيه يختصر العمرا
إِذا عرَضتْ حَوجاءُ كنتَ قضاءَها / وإن طرَقتْ غَمّاءُ سَدّ بك الثغرا
دعاك لأمرٍ ليس يُحكِم فتلَه / سواك وهجِيِّراك أن تُبرمَ الأمرا
فأرسلتَها من بابلٍ وكأنما / تُقلِقلُ من تحت السروج قَطاً كُدْرا
صدمَت بها الأجبالَ والقُرُّ كالحٌ / تجلّلها ثلجا وتُنعلها صخرا
تَذكَّرُ مَرعىً بالعراقِ ومورِدا / وهل ينفع المشتاقَ ترديدُه الذكرا
إذا رَبأتْ في قُنَّةٍ خِلت أنها / خُدارِيّةُ العِقبانِ طالبةً وَكرا
فزاحمن فيها الشُّهب حتى طمعن أن / يحلَّين منهنّ القلائدَ والعُذْرا
بكلِّ منيفٍ يقصُر الطيرُ دونه / ولا تجد النكباءُ من فوقه مَجرى
وطودٍ بحولىّ الجليدِ معمَّمٍ / كما زار لونُ الشيب في هامةٍ شَعرا
كأنا كشطنا عنه جِلدةَ بازلٍ / كسا شحمُه جنبيه والمتنَ والظهرا
أقامت به ألأنواءُ تُهدى لك القِرى / ولم تقتنع بالماء فاحتلبت دَرَّا
فرشنَ بِكافورِ السماء لك الربىَ / فشابهنَه لونا وخالفنَه قِشرا
اذا خلَصت منها الجيادُ رأيتها / وما خالطت لونا محجَّلةً غُرّا
وقاسمها بُعدُ المدى في جسومها / فأفنى بها شطرا وابقى لها شطرا
ولما دَحَت قُود الهضاب وراءَها / ورنّحها طولُ القيادِ لها سُكرا
رمتْ صحصحانَ الرَّى منها بأعين / تردّد في أعطافه نظرا شَزرا
هناك دعا داعٍ من الله مسمِعٌ / فلبَّاك من ضمَّتْ معالمُها طُرَّا
يحيُّون ميمونَ النقيبةِ ماجدا / ويَلقون بالتعظيم أعظمَهم قدرا
ولا قيتَ ربَّ التاج يرفعُ حُجْبَهَ / ويطردُ ما ناجيته التيهَ والكِبرا
وحاورتَه حتى شغفتَ فؤادَه / ألا ربّما كان البيانُ هو السحرا
رأى فيك ما يهواه مجدا وسؤددا / فما كنت إلا في مجالسه صدرا
وحسبُك فخرا أن تجَهزّتَ غاديا / فقضَّيتَ أوطار النبوّة من كِسرى
مليكٌ حمَى الرحمنُ بيضةَ مُلكه / فما في الورى من يستطيع لها كَسرا
كتائُبه في كلّ شرق ومغرب / مدرَّعةٌ فتحا مؤيّدةٌ نصرا
كَفاه نظامُ الملك أكبرَ همّة / وأتعبَ في آرائه السرَّ والجهرا
همامٌ إذا ما هزَّ في الخطب رأيَهُ / فلا عجبٌ أن يُخجل البيضَ والسُّمرا
إذا هو أمضَى نعمةً قد تعنَّست / تخيَّر أُخرى من مواهبه بِكرا
ومن رأيه الميمونِ عقدُ حبالهِ / بحبلك حتى قد شددتَ به أَزْرا
لئن كنتَ أنت المشترِى في سمائه / علوًّا لقد قارنتَ في أفقهِ الشِّعْرَى
فأصبحتُما كالفرقدَيْن تناسُباً / فأكرِمْ بذا حَمْواً وأكرم بذا صِهرا
وقضَّيتَ ثم عطفتَها / تَبارَى كما ينسابُ في الشَّعَر المِدرى
وأُبت كما آبَ الربيعُ إلى الثرى / يَخيط على أعطافهِ حُلَلا خُضرا
ففي كلّ يوم ما أغبَّ مبشِّر / يؤدّى إلى بغدادَ من قربك البُشرى
ولما اطمأنَّت في جَلَوْلاءَ عالجتْ / بذاك النسيم الرطِب أكبادَها الحرَّى
فأقسمتَ لا تنفكّ تحت لُبودِها / إلى أن توافى حَلبةَ القصْرِ والقصرا
وعُجتَ بها تطوِى منازلَ أربعا / إلى منزلٍ يا بعدَ ذلك من مَسرَى
ولله فينا نِعمةٌ إثرَ نعمةٍ / وعَوْدك محروسا هو النعمة الكبرى
فلا كان يومٌ لستَ في صدره ضُحىً / ولا كان ليلٌ لستَ في عَجْزه فجرا
ودِدتُ التصابى فيك إذ كان عاذرى
ودِدتُ التصابى فيك إذ كان عاذرى / وعاديتُ حلمى إذ غدا عنك زاجرى
ومالي سوى قلبٍ يضلّ ويهتدي / فإما الهوى فيه وإما بَصائري
وإني لأدرِي أنما الغُنْجٌ واللَّمَى / وبيضُ الطُّلَى هنّ القذى في المحاجرِ
ولكنّها نفسٌ تروضُ طباعَها / بما حملته من عذاب الجآذِرِ
عدِمتُ فؤادي يبتغي الآنَ رشدَه / فهلاّ قُبيل الحبّ كان مشاورى
فما بالنا نُعطَى الدنيَّة في الهوى / وفي الروع لا نعطَى ظُلامةَ ثائرِ
كأنا جميمُ الروض يقطُف نَوْرَه الظ / باءُ ولا يحلو لأُسْدٍ خوادرِ
وإنّ انقيادى طوعَ ما أنا كارهٌ / يدلُّك أنَّ المرءَ ليس بقادرِ
لواحظُنا تجنىِ ولا علَم عندَها / وأنفسُنا مأخوذةٌ بالجرائرِ
ولم أرَ أغبىَ من نفوسٍ عفائفٍ / تصدّق أخبارَ العيون الفواجرِ
ومن كانت الأجفانُ حُجَّابَ قلبهِ / أَذِنَّ على أحشائه للفَواقِرِ
إذا لم أفز منكم بوعدٍ فنظرَةٍ / إليكم فما نفعى بسمعى وناظرى
وما زال لي عند الظباء ظُلامةٌ / تُرَدُّ إلى قاضٍ من الحبّ جائرِ
لعمرُك ما بي في الصبابة حَيرةٌ / تقسِّم فكرى بين ناهٍ وآمرِ
تصاممتُ عن عذل العذول لأنه اح / تجاجٌ لسالٍ واعتذارٌ لعاذرِ
وكيف بنسياني الذي حفِظ الصِّبا / وبات به طيفُ الخيال مسامرى
بلى إِنّ بَردَ اليأس يطفىءُ حُرقةً / ولو سُقيت منه قلوبُ الهواجرِ
وإِنّا إذا ضلَّت من الحَزْنِ نفحةٌ / فزِعنا إلى نِشدانها بالمناخرِ
أصعِّد أنفاسي إذا ما تمرّغت / على تُربه هوجُ الرياح الخواطرِ
وأذكرُ يوما قصَّر الوصلُ عمرَهُ / كأنا التقينا منه في ظلِّ طائرِ
متى غَنت الورقاءُ كانت مدامتى / دموعى وزفراتي حنينَ مَزاهِري
خليليَّ هذا الحُلُم قد أطلق الأسَى / وبثَّ حُبولَ الشوق بين الضمائر
ولم يبق في الأحشاء إلا صُبابة / من الصبر تجرِي في الدموع البوادرِ
فَلَيًّا بأعناقِ المطىِّ فربّما / أصبنا الأماني في صدور الأباعرِ
وإن لم يكن في ربّة الخِدر مَطمعٌ / قنَعنا بآثار الرسوم الدوائرِ
مَرابط أفراس ومَبرك هَجمةٍ / وملعب ولدان ومجلس سامرِ
وسُفعِ أئافىٍّ كانّ رَمادَها / حمائمُ لكن هنَّ غيرُ طوائرِ
ويا حبّذا تلك النُّئىّ وليتها / تروح خلاخيلي وتغدو أساورى
إذا أنتَ لم تحفَظ عهودَ منازلٍ / فلستَ لعهد النازلين بذاكرِ
سقاها الذي أضحت ينابيعُ فضلهِ / تَمُدُّ شآبيبَ الغيوثِ البواكرِ
فجودُ عميد الدولة العُشبُ والحيا / ومقتَرَحُ الراجى وازادُ المسافرِ
كُفيتَ به أن تطلبَ الرزقَ جاهدا / على زعمهم بالسعي أو بالمقادرِ
تظَلُّ قَلوص الجُود ترقُص تحتهُ / إذا حُديتْ يوما بنغمة شاكرِ
تحدَّثْ ولا تحرَجْ بكلّ عجيبةٍ / من البحر أو تلك الخلال الزواهرِ
فما ذاق طعمَ الرىِّ من لم تُسَقِّه / أناملُه من صوبها المتواترِ
وكم من كسير للّيالي قد التقت / عليه أياديه التقاءَ الجبائرِ
ومنتَهب الجدوى يُريك سحابُه / زمانَ الربيع السكبِ في شهر ناجرِ
يسابقُ بالفعلِ المقالَ كأنه / يرى الوعدَ فنًّا من مِطال الضمائرِ
فأنت تراه ماطرا غيرَ بارقٍ / ولست تراه بارقا غيرَ ماطرِ
مواهبُ سمّاها العفاةُ صنائعا / وهنّ نجومٌ في سماء المآثرِ
ملوم على بذل البضائع في الندى / وما تاجرٌ في المكرُمات بخاسِر
قَطوبٌ وأطرافُ القيانِ عوابثٌ / ضحوك وأطرافُ القنا في الحناجرِ
به ازدانت الدنيا لنا وتلفّتت / إلينا الليالي بالخدود النواضرِ
تعلَّمت الأيامُ منه بشاشةً / أعادت إلىّ الدهرَ حَشَّن المَكاسِر
يذيبُ السؤالُ شَحمةَ الرفِد عنده / وهل يجمُد العنقودُ في كفِّ عاصِر
أبَى أن تُهزَّ العُنجُهِيَّةُ عِطفَهُ / يقيناً بأنّ الكبرَ إحدى الكبائرِ
ولا عيبَ في أخلاقه غيرَ أنها / فرائد دُرّ ما لها من نظائرِ
وما الناسُ إلا كالبحور فبعضُها / عقيمٌ وبعضٌ معدنٌ للجواهرِ
فتعساً لأقدام السُّعاةِ وراءه / ألم ينتهوا عنه بأوّل عاثرِ
يُقِرُّ له بالفضل كلُّ منازع / إذا قيل يومَ الجَمع هل من مُفاخرِ
أخو الحزم ليست في نواحيه فرصةٌ / لنُهزةِ مغتالٍ ونَفثةِ ساحر
إذا ركَضتْ آراؤه خلفَ فائتٍ / تدارك منه غائبا مثل حاضرِ
متى تأتهِ مستشفعا بصنيعهِ / إليك فقد لاقيته بأواصرِ
تتبَّع أوساطَ الأمور مجانبا / تورُّطَ عجلان ووَنيةَ قاصِر
وقد علم النُّزَّاعُ أ ديارَه / إذا انتجعوها نِعم دارُ المُهاجرِ
تسلَّوا عن الأوطان بالأبطح الذي / يلائم مَرعاه لبادٍ وحاضرِ
يطاول بالأقلام ما تبلغ القنا / ويفضُل أفعالَ الظُّبَا بالمخاصرِ
من العصبةِ الغُرِّ الذين سعودُهم / بآرائهم لا بالنجوم السوائرِ
فوارسُ هيجاءٍ وقولٍ ركوبُهم / ظهورُ الجيادِ أو ظهورُ المنابرِ
يظن الضيوفُ أن دارهمُ مِنىً / ودهرَهُمُ عيدٌ لعُظَم المناحرِ
وما أوقدوا النيرانَ إلا ليفضَحوا / بها الليلَ إن أخفى مسالكَ زائرِ
وقد علمتْ تلك المكارم والعلا / وقد ولدتهم أنها غيرُ عاقرِ
أيا شرفَ الدين المشَرِّف عصرِه / ومن حلَّ فيه بالعطايا البواهرِ
تناولْ بنيروز الأكاسِرِ غبطةً / تضاحك أفواهَ ألأماني الفواغرِ
هو اليومُ لا في حُلَّة الصيف رافلٌ / ولا في سرابيل الشتاء بخاطرِ
يكاد لسانَا طِيبهِ واعتدالهِ / يُبينان أنّ الدهرَ ليس بجائرِ
ولما رأيتُ المال عندك هيِّنا / جعلتُ هداياه رياضَ الدفاترِ
فإنك من حمد الرجال وشكرِهم / كثيرُ الكنوزِ واللُّهَى والذخائرِ
أبَى اللهُ إلا أن تجودَ وتُنعِما
أبَى اللهُ إلا أن تجودَ وتُنعِما / خلائقُك اللائى تَفيضُ تكرُّما
لك المَثلُ الأعلى بكلِّ فضيلةٍ / إذا ملأ الراوى بها النَّجدَ أتهما
لآلىءُ من بحر الفضائلِ إن بدت / لغائِصها صلَّى عليها وسلَّما
ولو ملَكتْها الغانياتُ بحيلةٍ / لِزنَّ بها جِيدا وحَلَّين مِعصما
وكم لك في غُمّاتِها من عزيمةٍ / تُسابق بالنصر الخميسَ العَرمرَما
يُقلِّل حدَّاها الحسامَ مصمِّما / ويُخجِل عِطفاها الوشيج مقوَّما
وما الجودُ إلا ما قتلتَ به اللُّهَى / فلم تُبق دينارا ولم تُبق درهما
فما يتعاطاك السحابُ إذا همى / ولا البحرُ يحكىِ ضَفَّتيك وإن طما
وهل يقدِر الأقوامُ أن يتكلَّفوا / مكارمَ قد أعيتْ سِماكا ومِرزَما
نهضتَ بأثقالِ المعالي ولو دُعِى / إلى حملها العَودُ الدِّيافىُّ أرزما
فسيّان من يبغى عُلاك وطالبٌ / ليبلغَ أسبابَ السمواتِ سُلَّما
وما المدحُ مستوفٍ علاك وإنما / حقيقٌ على المنطيق أن يتكلَّما
ألم ترَ أنّ الأرضَ رحبٌ فسيحةٌ / ونحن نولِّيها قلائصَ سُهَّما
أتتني عميدَ الدولة المِنَّةُ التي / نفختَ بها رُوحا وأحييتَ أعظما
كأنّ الرسولَ المُسمِعِى نَغماتِها / رسولٌ تلا وحْياً من الله مُحكما
فأُلِبستُ منها صِحّةً هي جُنَّتىِ / إذا ما قِسِىُّ الدهرِ فوَّقنَ أسهُما
ودارتْ بها كأسُ الشفاء وعُلِّقتْ / علىَّ رُقىً منها تُداوِى المتيّما
فقد كدتُ في عَجزى عن الشكرِ إن أرى / لسانىَ مجروما وقلبي مُفحَما
ولكنّها ريحُ الثناءِ إذا جرت / بذكرِك لم أملِكْ لسانا ولا فما
وأفضالُك الروضُ الربيعىُّ إن دعا / بزَهرته وُرقَ الحمام ترنَّما
فلا ضحِك الإصباحُ إلا نَحلْتَهُ / ببهجِتك الغرّاءِ ثغرا ومبِسما
ولا دجتِ الظلماءُ إلا أعرتَها / شمائَلك الغُرَّ اللوامعَ أنجُما
تطيعك أيام الزمان مصيخَةً / بأسماعِها حتى تقول وتَرسُما
ستأتيك من مدحى قوافٍ بديعةٌ / ينافس فيها الجاهلىُّ المُخَضرَما
وإني بمنثورِ الكلام لعالِمٌ / ولكنَّ الدرّ في أن يُنظَّما

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025