المجموع : 334
وَمُهَفْهَفٍ كالُغصنِ هَزّتْه الصَّبا
وَمُهَفْهَفٍ كالُغصنِ هَزّتْه الصَّبا / فَصَبا إِليهِ مِنَ الفُتونِ هَوائِي
يُوهِيه حَملُ وِشَاحِهِ فَتَراهُ من / تَرَفِ النعيمِ يَئِنُّ في إِخْفاءِ
تَدْمى سوالفُه إِذا لاحظتَها / بخفيِّ كرِّ اللَّحظ والإِيماءِ
وكأَنَّ عقربَ صُدغِهِ لمَّا انثنتْ / قافٌ معلقةٌ بعطفَةِ فاءِ
فإِذا نظرتُ إِلى محاسنِ وَجْههِ / لم يَرْوَ من نظري إِليهِ ظَمائِي
حازَ الجَمالُ بأَسْرِهِ فكأَنَّما / قُسِمَتْ عليهِ محاسنُ الأَشْياءِ
متبسِّمٌ عنِ لؤلؤٍ رَطبٍ حكى / بَرَداً تساقَطَ منْ عُقُودِ سَماءِ
تُغني عنِ التُّفاحِ حُمرةُ خَدِّهِ / وَتَنُوبُ ريقتهُ عنِ الصَّهباءِ
ويُديرُ عيْناً في حَديقَةِ نَرْجِسٍ / كَسَوادِ يأْسٍ في بياضِ رجاءِ
فَامْزُجْ بِمائِكَ خَمْرَ كأْسِكَ واسقِني / فلَقَدْ مَزَجتُ مَدامِعي بدمائِي
وَاشْرَبْ عَلَى زَهْرِ الرِّياضِ مُدامةً / تَنْفي الهُمومَ بِعاجِلِ السَّراءِ
لَطُفَتْ فَصَارتْ من لطيفِ محلِّها / تجري مجاري الرُّوحِ في الأَعْضاءِ
وكأَنَّ مِخنَقَةً عليها جَوهَرٌ / ما بَيْنَ نارٍ رُكِّبَتْ وَهَواءِ
وَيَظَلُّ صبَّاغُ المِزاجِ محكَّماً / في نَقْضِ حُمرتها بأَيدي الماءِ
وَكَأَنَّها وكأَنَّ حاملَ كأْسها / إِذ قامَ يجْلوها عَلى النُّدَماءِ
شمسُ الضُّحى رَقَصَتْ فَنَقَّطَ وجهَها / بدرُ الدُّجَى بِكواكِبِ الجَوزاءِ
دَواءُ قلبي في الهوى دائي
دَواءُ قلبي في الهوى دائي / أَعْيا عِلاجاتِ الأَطباءِ
حَوَيتُ أَسْقامَ الوَرى مُفْرداً / وحازها النَّاسُ بأَسماءِ
لَوْ شِئْتُ أَنْ أَمشي لِفَرْطِ الضَّنى / مشيتُ مِن سُقْمي عَلَى الماءِ
وَاصَلْتُ فيكَ هَوائي
وَاصَلْتُ فيكَ هَوائي / لمَّا قَطَعْتَ رَجائي
يا أَحْسَنَ النَّاسِ وَجهَاً / كان الصُّدودُ جَزائي
فَلَيْسَ لي منكَ إِلاَّ / شماتَةُ الأَعْداءِ
ساعٍ بِكَأْسٍ بين نُدْماءِ
ساعٍ بِكَأْسٍ بين نُدْماءِ / كالغُصنِ المعصَّرِ الماءِ
أَغارُ من وقْفَتِهِ كلَّما / قال لِحاسي الكأْسِ مَوْلائي
حَتَّى لقد صاروا وَهُمْ إِخْوتي / مِنْ شِدَّةِ الغَيْرَةِ أَعْدائي
وَمِنْ شَقْوتي أَنِّي بُليتُ بِشَادِنٍ
وَمِنْ شَقْوتي أَنِّي بُليتُ بِشَادِنٍ / يَتيهُ عَلى بَدْرِ الدُّجى بِضِيائِهِ
إِذا ما رآه البَدْرُ ليلةَ تِمِّهِ / تَحَيَّرَ منهُ البَدْرُ وَسْطَ سَمائِهِ
لَهُ عِزَّةُ الوالي عَلَيَّ وَتِيهُهُ / وَلي ذِلَّةُ المَعْزولِ عِنْدَ لِقائِهِ
أَيا ربعَ صبري كيف طاوَعَك البلى
أَيا ربعَ صبري كيف طاوَعَك البلى / فجَدَّدتَ عَهْدَ الشَوقِ في دِمَنِ الهوى
وَأَجْرَيْتَ ماءَ الوَصْلِ في تُربَةِ الجَفا / فَأَورَقَ غُصْنُ الحُبِّ في روضَةِ الرِّضَا
أَرَدْتَ بتجْديدِ الهوى ذكرَ ما مضى / فأَحْيَيْتَ عَهدَ الحُبِّ في مأْتمِ النَّوى
وَكَشَّفْتَ غيمَ الغَدْرِ عن قَمَرِ الوفا / فَأَشْرقَ نُورُ الوَصْلِ عن ظُلَمِ الجَفا
كَأَنَّك عايَنتَ الذِّي بي مِنَ الهوى / فَقَاسَمْتَني البلوى وقاسمتُكَ البِلى
وَدارَتْ بُروجُ اليأسِ في فَلَكِ الرَّجا / وَهَبَّ نَسِيمُ الشَّوقِ في أَمَلِ المُنى
لَئِنْ ماتَ يأْسِي منهُ إِذْ عاشَ مَطْمعي / فَإِنّي قَدِ اسْتَمْسَكْتُ مِنْ لَحْظِهِ الرَّجَا
وَما ذَكَرَتْكَ النَّفْسُ إِلا تَصاعَدَتْ / إِلَى العَيْنِ فَانهَلَّتْ مع الدَّمْعِ فِي البُكا
تُواصِلُنِي طوراً وَتهجرُ تارةً / أَلا رُبَّ هَجْرٍ جَرَّ أَسبابَهُ الصَّفا
أَرى الغَيَّ رُشداً في هواهُ وإِنَّني / لأَقْنَعُ بِالشَّكْوى إِلى خيرِ مُشْتَكى
أَلَمْ تَرَ أَنِّي بِعْتُ عِزّي بِذِلَّةٍ / وَطاوَعْتُ ما تهوى لِطَوْعِكَ ما تَشا
وَما وَحَياة الحُبِّ حُلْتُ عَن الَّذي / عَهِدْتَ وَلكن كلُّ شيءٍ إِلى انْتها
وَرَيَّانَ مِنْ ماءِ الشَّبابِ كَأَنَّما / يُوَرِّدُ ماءَ الحُسْن في خدِّهِ الحَيَا
إِذا قَابَلَ الليلَ البهيمَ بوَجهه / أَرَاكَ ضياءَ الصُّبْح في ظلمةِ الدُّجى
أَبى لحظُ طَرْفي أَن يفارقَ طَرْفَهُ / فلو رُمْتُ أَثنيهِ عَن الطَّرْفِ ما انْثَنَى
أُشَبِّهُ صُدْغَيْهِ بِخدَّيْهِ إِذْ بدا / بِسَالِفَتَي ريمٍ وَعِطفينِ من رَشا
إِذا ما انتضى سيفَ المَلاحةِ طَرْفُهُ / فَلَيْسَ لراءٍ طَرْفَهُ لَمْ يَمُتْ عَزَا
أَبى أَن تنيلَ القلبَ رِقَّةُ كَأْسِهِ / وَدقَّتْ عن التشبيهِ في اللطفِ بِالهوا
كَأَنَّ بَقايا ما عفا من حَبَابها / بقيةُ طَلٍّ فوق وَرْدٍ مِنَ الندى
وَنَدْمانِ صدقٍ قال لي بعد رقدةٍ / أَلا فَاسْقِني كأساً عَلى شدَّة الظَّما
فناولتُه كأساً فَثنّى بمثلها / فقابلني حسنَ القبولِ كما انثنى
تحَامى الكرى حتَّى كأَنَّ جفونَهُ / عليه لهُ مِنْها رقيبٌ من الكرى
وليلٍ تَمادى طولهُ فَقَصَرتُه / بِرَاحٍ تُعيرُ المَاءَ مِنْ صفوِها صفا
تَجَافَتْ جُفونُ الشَّرْبِ فِيهِ عَنِ الكرى / فَمِنْ بينِ نشوانٍ وَآخَرَ ما انْتَشى
وَقَدْ شَربوا حتَّى كأَنَّ رؤوسَهُمْ / مِنَ السُّكْرِ فِي أَعْنَاقها سِنَةُ الكرى
زَمَنٌ مثلُ زورة الأَحبابِ
زَمَنٌ مثلُ زورة الأَحبابِ / بعد يأْسٍ من مُغْرَمٍ باجتنابِ
فَاسْقني يا غلامُ عاش ليَ العَي / شُ مُداماً تُجْلى بحَلْي الحَبابِ
ما تَرى النَّايَ نبَّهَ العُودَ يَا صَا / حِ فَذا نادِبٌ وَذَا في انْتِحابِ
وَغناءٌ يكادُ أَنْ يَسْكُنَ الما / ء لتغريدِهِ عنِ الاضْطِرابِ
من فَتاةٍ وِصالُها لي صُدُودٌ / وَمواعيدُها كَلَمْعِ السَّرَابِ
نَزعوها مساويَ البُعْدِ لمَّا / أَلْبَسْوهَا مَحاسنَ الاقْتِرابِ
حينَ أَلقتْ ذَوائِباً مِثْلَ نَايَا / تٍ زُنامِيَّةٍ بِلا أَثْقابِ
وَتَلَوّت ملطومَة الخَدِّ بالْوَرْ / دِ وَعادَتْ كالشَّمْسِ بَعْدَ الذّهَابِ
في رِياضٍ كَأَنَّهَا لَيسَ تَرْضى / بِاشتغالي بها عنِ الأَحْبابِ
نمَّ نَمَّامُها إِلى رُوعِ قَلبي / أَنَّهُ مُؤْمِنٌ له مِنْ عِقَابِ
لَوْ تَصدَّى نَسيمُها لِمَشيبٍ / عَادَ مِنْهُ إلَى أَوَانِ الشَّبابِ
دَبَّجَ الغَيْثُ رَوْضَها مُذْ بَدا يَسْ / حَبُ مِنْ فَوْقِها ذُيولَ السَّحابِ
وَغَدا النَّرْجِسُ المُفَتِّحُ فيها / كَعُيونٍ تَطَلعَتْ مِنْ نِقابِ
وَشَقيقٍ تَرَاهُ يسرج فِي الرَّوْ / ضِ إِذَا مَا بدا بغير شِهابِ
كَسِهَامٍ مِن الزَّبَرْجَدِ قَدْ رُك / كِبَ فِيهَا أَزِجَّةُ العُنَّابِ
يَجْتَليها بَنَفْسَجٌ فِي حِدَادٍ / وَبَهارٌ فِي صُورةِ المُرْتابِ
رسمتْ لي رسومُها كَيْفَ أَشْتا / قُ إِلَيْهَا فِي جَيْئَتي وذَهابي
عاشقٌ لونَ عاشقيه إِذا ما / راعَهمْ مِن ذهابِهِ بِالذَّهابِ
شُرْبُهُ مِن نسيمِ كافورِ طَلٍّ / وَغِذَاهُ مِنْ زَهرِ مِسْكِ التُّرابِ
فِي طُرُوسٍ مَا بين سَطْرٍ مِنَ الرَّوْ / ضِ وَسَطْرٍ يُقْرا بِلا إِعْرابِ
سَوْفَ أُكفى بِأَحْمَدٍ لا سواهُ / من زَماني تَسبُّبَ الأَسْبَابِ
الَّذي لا تَراهُ مُذْ كَان إِلاَّ / وَاقِفاً بَيْنَ نَائلٍ وَعِقابِ
نَثرتْ كَفُّهُ المَواهِبَ لَمَّا / نظمتْها عُلاهُ لِلطُّلابِ
رائِحٌ في العُلى بِراحَةِ جُودٍ / بابُ أَمْوالِهَا بِلا بَوَّابِ
لِيَ فيه مذاهبٌ مُذْهباتٌ / مقبلاتُ الإِقْبالِ عِندَ الذّهابِ
أَخَذتْ من لطافةِ الحُسنِ طبعاً / مَزَجَتْهُ بِحُسنِ طَبْعِ الشَّرابِ
يَا أَبا قاسمٍ أَزَالتْ عَطايا / كَ صِعَاباً مِنَ الخُطوبِ الصِّعابِ
لاَ وَمَنْ رَدَّ عَاقِباتِ الرّزَايا / بِعَطايا مِنها عَلَى الأَعْقابِ
ما أُبالي إِذا حَسبتُك مِنْ دَه / ري بِما كان ساقطاً من حِسابي
بَخِلَ الباخِلون عنَّا فَأَمْطَرْ / تَ لَنا نائِلاً بِغَير سحابِ
حالَتِي تقتضيكَ دون اقتِضائي / أَنْ يكون الثَّوابُ دَسْتَ الثِّيابِ
كُلَّما لامَني خَبيثٌ بِعَتْبٍ / قَام لِبْسي لَه مقامَ الجَوابِ
فتبيَّنْ عُنْوانَ حالِيَ فَالْعُنْ / وانُ يُنْبي بكلِّ ما في الكِتابِ
كنتُ أَخْشَى خرابَ دَهْري وقَدْ قُم / تَ لِعُمرانِ كلِّ دَهْرٍ خَرابِ
قَلَّما ينْفقُ الأَديبُ وَلن ينْ / فقَ إِلاَّ عَلَى ذَوي الآدابِ
وَا حَيائي مِنَ العُيونِ إِذا ما / عايَنَتْني في هذهِ الأَسْلابِ
يَقْطَعُ العَضْبُ إِنْ نَبا عَنْ قَليلٍ / وَيعودُ الْهِلالُ بَعْدَ الغِيابِ
أَمَغْنى الهَوى غالَتْكَ أَيدي النَّوائبِ
أَمَغْنى الهَوى غالَتْكَ أَيدي النَّوائبِ / فَأَصْبَحْتَ مَغْنىً لِلْصَّبا والجَنائبِ
إِذا أَبْصَرَتْكَ العَيْنُ جَادَتْ بِمُذْهَبٍ / عَلَى مَذْهَبٍ فِي الخَدِّ بَيْنَ المَذاهِبِ
أَثافٍ كَنقطِ الثَّاءِ في طِرْسِ دِمْنَةٍ / وَنُؤْي كَدَوْرِ النُّونِ مِنْ خَطِّ كَاتِبِ
سَقَى اللَهُ آجالَ الهَوى فيك لِلْبَقا / مُدامَ الأَماني من ثُغُورِ الحَبَائِبِ
فَلم يُبق لي فيك البِلى غَيرَ ملعبٍ / يذكِّرُني عهدَ الصِّبا بملاعبِ
يبيتُ الهَوى العُذْريُّ يعذرني إِذا / خَلَعْتُ به عُذْرَ الدموعِ السواكبِ
وَمَأْسورةِ الأَلْحاظِ عن سِنة الكرى / كَأَنَّ عَلَيها الصبرَ ضربةُ لازِبِ
تَحَّرك طفلُ التِّيهِ في مَهْدِ طرفِها / إِذا اكتحلتْ بِالغُمْضِ عَينُ المُراقِبِ
تَصَدَّتْ لَنا ما بين إِعْراضِ زاهِدٍ / عَلَى حَذَرٍ مِنها وَإِقْبالِ راغبِ
وَقَد حُلِّيَتْ أَجفانُها مِن دموعِها / بِأَحسنَ مِمَّا حُلِّيَتْ في التَّرائبِ
وليلٍ كَليْلِ الثَّاكلاتِ لَبِسْتُهُ / مشارقُه لا تَهْتَدي للمَغاربِ
كَأَنَّ اخضِرارَ الجَوِّ صَرْحُ زَبَرْجَدٍ / تَناثَر فيهِ الدُّرُّ مِن جيدِ كاعبِ
كَأَنَّ خَفِيَّاتِ الكَواكبِ في الدُّجى / بياضُ ولاءٍ لاحَ في قلبِ ناصِبي
كَأَنَّ نجوم اللَّيل سِرْبٌ رَواتعٌ / لَها البَدرُ راع في رِياضِ السَحائبِ
كأنَّ مُوشّى السُّحب في جَنَباتها / صدورُ بُزاة أَو ظهورُ الجَنَادِبِ
صبحتُ بِهِ والصبحُ قَدْ خَلعَ الدُّجى / عَلَى منكبيه طَيْلَسان الْغَياهِبِ
بركبٍ سُقُوا كَأْسَ الكَرى فرؤوسُهم / مُوَسَّدةٌ أَعْناقُها بِالمَنَاكبِ
تَلَوْا في ذُرى الأَكْوار توراةَ قَصْدِهم / بفكرِ جُسومٍ آتِياتٍ ذَواهِبِ
تَكادُ تَظُنُّ العِيسُ أَنْ ليسَ فوقها / إِذا سكتوا إِلا صدور الحَقائبِ
كَواكِبُ رَكبٍ فِي بُروجِ أَهِلَّةٍ / تدورُ بِأَفلاكٍ بغيرِ كَواكِبِ
إِذا أَشْرَقَتْ كانَتْ شموسَ مشارِقٍ / وَإِنْ غَرَبتْ كانتْ بدورَ مَغارِبِ
عَلَى ناحِلاتٍ كَالأَهِلَّةِ إِنْ بَدتْ / أَتَمَّ انقواساً مِن قِسىِّ الحَواجبِ
طَواهُنَّ طَيُّ السَّيْرِ حَتَّى كَأَنَّها / قَناطِرُ تسعى مُخْطَفاتِ الجَوانبِ
وَقَدْ عَقْرَبَتْ أَذنابَها فَكأَنَّها / نَشاوى أعالٍ صاحِياتُ المَذانِبِ
خِفافٌ طَوَيْنَ الشرقَ تحت خِفافها / بنا ونشرنَ الغربَ فوق الغَوارِبِ
ضَرَبْنَ الدُّجى صَفْعاً عَلَى أُمِّ رأْسِهِ / وَقَد ثَملتْ من خمر رَعْيِ الكَواكبِ
فَلما أَجزناها بساحة طاهر / ذهبْنَ بنا في مُذْهَبَات المذاهبِ
إلى كعبة الآمال وَالمَطْلَبِ الذي / بِه حُلِّيتْ أَجيادُ عُطْلِ المَواكبِ
إلى مَن يرى أَنَّ الدروعَ غلائِلٌ / وَأَنَّ ركوبَ المَوت خيرُ المراكبِ
وَمَنْ لا تراه طالباً غيرَ طالبٍ / ولا ذاهباً إِلا عَلَى غيرِ ذاهبِ
مُجيبٌ لأَطرافِ الرِّماحِ إِذا ارتَمَتْ / بها وافداتُ الطعنِ من كلِّ جانبِ
بعاداتِ صبرٍ لم تزل تستعيدُهُ / إِلَى الحرب حتى مات صبرُ المحاربِ
فَتىً أَلبسَ الأَيامَ ثوبَ شبيبةٍ / وكانتْ قديماً في جلابيبِ شائبِ
تظلُّ المنايا تحتَ ظِلِّ سيوفه / إذا خطر الخَطِّيُّ بينَ الكتائبِ
ينظّمُ نثرَ الطَّعن في وجه طاعنٍ / وينثرُ نظم الضَّرب في نحر ضاربِ
وَقد كتبتْ أَيدي الْمَنايا وأَعرَبتْ / بشكل العوالي فوق خطِّ القَواضبِ
لئن أَقعدتْ أسيافُه كلَّ قائِمٍ / فَقد أَرْجَلتْ أَرماحُه كلَّ راكبِ
عَلَى سافراتٍ للطِّعان نحورُها / أَقَلُّ حياءً من صروف النوائبِ
وَيَحْدُو الصفا بالركضِ منها أَهلَّةٌ / مرصَّعَةٌ حافاتُها بِالكَواكبِ
يكاد يريك الشيءَ قبل عِيانِهِ / ويقضي لك الحاجاتِ قبل المَطالبِ
إِذا ما انبَرى في هفوةِ الفكرِ رأيُهُ / رأى بِعَيانِ الرأْي ما في العَواقبِ
تُعوِّذُه أَعداؤُه من ذكَائِهِ / إِذا ما اكتَفى بالرأْي دون التجاربِ
رَكوبٌ لأَعناقِ الأُمور إِذا سطا / عفا باقتدارٍ حين يسطو بِواجبِ
حرامٌ عَليه أَن تُرَدَّ رماحُهُ / من الطعن إِلا وَهي حمرُ الثعالبِ
أَمانٌ لمرتاعٍ ورَوْعٌ لآمنٍ / وكهفٌ لمطلوبٍ وحَرْبٌ لغالبِ
إِذا أَبْرقتْ ضرباً سيوفُك أَمطرتْ / رؤوسَ الأَعادي فَوق أَرْضِ المصائبِ
بما انهلَّ من كَفَّيْكَ في ذلك الندى / وما حَمَلَتْهُ من قناً وَقَواضبِ
أَرِحْها قليلاً كي تَقَرَّ فَإِنَّها / من الضَّرب أَمستْ ناحِلاتِ المضاربِ
تَمُرُّ بِك الأَيَّامُ وهْيَ شواهدٌ / بأَنكَ ما أبقيتَ عَتْباً لِعاتبِ
أَبا حَسَنٍ هذا ابنُ مدحِكَ قد أَتى / لِمَدْحِكَ وَالأَيَّامُ خُضْرُ الشواربِ
بِمالِكَةٍ للسمعِ مملوكةٍ به / عجائِبُها من أُمَّهات العجائبِ
إِذا أُنْشِدَتْ في مشهدٍ شَهِدُوا لها / بِحُسنِ التَّنَاهي في اختصارِ المَذَاهبِ
لتعلم أَني حَاتِمُ الشعرِ والَّذي / غرائِبُه فيه حِسانُ الغَرَائبِ
قِفُوا ما عليكم من وقوف الرَّكائبِ
قِفُوا ما عليكم من وقوف الرَّكائبِ / لِنَبْذِلَ مذخورَ الدُّموعِ السَّواكبِ
وإلا فَدُلُّوني عَلَى الصَّبرِ إِنني / رأَيتُ اصطِباري مِن أَعَزِّ المَطالبِ
كأَنَّ جُفوني يومَ مُنْعَرَجِ اللِّوى / ملاعِبهُمْ ما بَينَ تلكَ المَلاعبِ
تُلِحُّ علينا بالدُّموع كأَنَّها / لجاجةُ معتوبٍ عَلَى عتب عاتبِ
منازلُ لم ينزل بها ركبُ أَدْمعٍ / فيقلعَ إلا عن قلوبٍ ذواهبِ
تعشَّقَ دمعي رسْمَها فَكأَنَّها / تَظَلُّ عَلَى رسْم من الدمْعِ واجبِ
تليدُ هوىً في الرسمِ حَتَّى كأَنَّما / هو الرسْمُ إِلاَّ أَنَّهُ غيرُ ذاهبِ
وإِنّي لمسلوبٌ عليك تجلُّدي / إِذا كان صبري شاهداً مثل غائبِ
وَلَمَّا وقفنا ساحة الحيِّ لم نُطِقْ / كلاماً تناجَيْنا بكسر الحواجبِ
نُناجي بِإضمارِ الهَوى ظاهرَ الهَوى / بِأَطيبَ من نجوى الأَماني الكَواذبِ
عقائلَ من عُليا عُقَيْل درجْنَ لي / بحلو الرضى في السخط درج العَواقبِ
إِذا أَسبلتْ زهواً غدائِرَ شعرها / تَوَشَّحْنَها من طولِها بِالمَناكبِ
وَخالفْنَها لما استجرنَ لنا بها / كما خالفتْ في لا أَنامِلُ كاتبِ
يُقِمْنَ لنا برقَ الثغورِ أَدِلَّةً / إِذا ما ضللنا في ظلامِ الذَوائبِ
شُموسٌ متى تبدو تُضيءُ لنا الدُّجى / فمشْرِقُها فيه بغيرِ مَغَاربِ
متى قَدِمَتْ من سفرةِ الهجر عيسُهم / تلقيتُها بِالوَصلِ من كلِّ جانبِ
وَصيَّرتُ أَجْفاني وِطاءً لِوَطْئِها / حذاراً عليها من صروف النوائبِ
وعلقتها بالشوقِ في الملعبِ الذي / بهِ لعبتْ أَيدي البلى بِملاعبِ
وليلٍ طويلٍ كانَ لمَّا قَرَنْتُهُ / بِرؤيةِ من أهوى قصيرَ الجوانبِ
كخفقةِ قلبٍ أَو كقُبْلَةِ عاشقٍ / عَلَى حَذَرٍ أَو رَدِّ طرْفِ المراقبِ
كواكِبُه تبكي عليه كأَنَّما / ثَكِلْنَ الدُّجى أَوْ ذُقْنَ هجرَ الحبائبِ
يبرّحُ بي وَجدي إذا لاحَ كوكبٌ / كَأَنَّ به وَجداً ببعضِ الكواكبِ
سَأَهْبطُ من بَحرِ الليالي مذاهباً / متى قصرتْ بي في هواهُ مَذاهِبي
وأَسْحبُ ذيلَ العزمِ في أرضِ هِمَّةٍ / إِلى واهبٍ أَموالَه للمَواهبِ
إِلى من يظلُّ الجُودُ يُقسمُ أَنَّه / هو الجودُ موقوفاً عَلَى كلِّ طالبِ
هو السيفُ إِلاَّ أَنَّه ليس نابياً / إِذا عاقَه المقدورُ عن كلِّ ضاربِ
إذا شاجروهُ بالرماحِ تشاجرتْ / نفوسُ المنايا في نفوسِ الكَتائبِ
وتصبُغُ أَيدي النقع أَيدي خيولِهِ / بِمُحْمَرِّ تُرْبٍ من نجيع الترائبِ
وكم خاض نقعاً يُمْطِرُ الهامَ وقْعُهُ / إِلى المَوتِ في صَفَّيْ قَناً وقواضبِ
إِذا شئتَ عوناً لا يذلُّ لِحادثٍ / فنادِ على اسمِ اللَهِ يا سَيفَ غالبِ
وليلةٍ في عُدَدِ الشباب
وليلةٍ في عُدَدِ الشباب / نجومُها في صورةِ الأَحبابِ
لباسُها غلائلُ اجتناب / هلالُها في خللِ السحابِ
كمذْهَبِ النونِ من الكتابِ / في لازَوَرْدِيٍّ عَلَى محرابِ
أَوْ طرفِ السَّيفِ من القِرَابِ / طويتُها بالنشرِ للعِتابِ
وحاجبُ الفجر بلا حِجَابِ / يَضْحكُ والظلماءُ في انتحابِ
أَما وحقِّ حُرمْة الآدابِ / ورُبَّ إِبرازٍ بلا ارتقابِ
لا قلتُ إِنَّ الودَّ باكتسابِ / ما لم يكنْ طبعاً من الأَحبابِ
وغادةٍ ترفلُ في الشبابِ
وغادةٍ ترفلُ في الشبابِ / عاريةِ الحسنِ من المعَابِ
كاسيةٍ من ملح التصابي / أَجفانُها َنشْوى بلا شرابِ
تَأْسِرُ بالأَلحاظِ أُسْدَ الغابِ / مربوبةٍ تُرْبي عَلَى الأَربابِ
تُحْسِنُ أَنْ تلعبَ بالأَلبابِ / جانبتُها في تَركها اجتنابي
إِذ مُدَّتي تَقْصُرُ عن عتابي / فَأُذْهِبَتْ بمذهب الخطابِ
مغضض اللحظِ من الجوابِ / أَجلسني في العيِّ كالخطَّابي
وذاك عُنوانٌ عَلَى كِتابِ / داخلهُ صِفرٌ من الآدابِ
كأَنَّهُ قُفلٌ عَلَى خَرابِ / مفتاحه أَير أَبي تُرابِ
يا مُفرداً بمادحٍ كذَّابِ / وصادقاً في هجوه مغتابي
مُطريك إِن أَطراك للثوابِ / كَطائِرٍ أَرسل في ضَبابِ
جاوزتَ في الوصف مدى الإِطنابِ / قليلَ أَنسابكَ في الأَحسابِ
كَذِكْرِكَ المظلم في الكتابِ / يا واحِد العُجْب بلا إعجابِ
بالَغَ في هجوك واغتيابي / سَمَّاك إنساناً بلا استيجابِ
دونكها مظلمةَ الجلباب / غريبةَ الإغراب والإِعرابِ
أوْقَعَ من مواقِعِ الضِّرابِ / تبيتُ حَدْوَ الرَّكْبِ والركابِ
زينتها حقائب الأحقابِ / والأرحبياتُ من الرحابِ
تخطرُ في أَزمّة الذَّهابِ / أَسرعَ من أَناملِ الحسَّابِ
كأنَّما ترقصُ في سرابِ / يقذفن بالأيدي حصى الركابِ
كأنَّما يلعبنَ بالطبطابِ / من تحت أقمارٍ عَلى قبابِ
تُقِلُّها أَهلَّةُ الأَصلابِ / مذ سافرتْ بأنْفُسِ الأحبابِ
بِتُّ وإبهامي على ذِنابي / أندبُ قلباً دائِمَ الأندابِ
حَتَّى تبدَّى الصبحُ من حِجابِ / يضحكُ والظلماءُ في انتِحابِ
بدرٌ تقنَّعَ بِالظلا
بدرٌ تقنَّعَ بِالظلا / مِ على قضيبٍ في كثيبِ
تدعو محاسنُه القلو / بَ إلى مشافهةِ الذُّنوبِ
لعبتْ بمشيتِهِ الشما / لُ فجنبتهُ إلى الجنوبِ
فعلتْ به ريحُ الصَّبا / ما ليس تفعلُ بِالقَضيبِ
عَلِقَتْ ركائبُ حسنه / بعقولِنا عندَ المَغيبِ
وتظلَّمت وجناتُنا / بيد الدُّموع من النَّحيبِ
وكأَنَّما تَشْويشُنا / تشويشُ ألفاظِ المريبِ
تَثنيه من تيهٍ به / أيدي الدلال بلا هُبوبِ
فكأَنَّها وكأَنَّه / إِن لاحظتْ عينُ الأريبِ
قُبَلُ الرِّضا قَد نالَها ال / مَهجورُ مِن وَصْلِ الحَبيبِ
يا بَدرُ بِالبَدرِ الَّذي / أطلعتَ من فَلك الجيوبِ
وبِعقربِ الصُّدغِ الذي / زَرْفَنْتَ من حُسْنٍ وطيبِ
تَرْعى وما استرعَيْتُها / ثَمَر القلوبِ بِلا دبيبِ
هَبْ لي مَزارَك في الكَرى / كيما أَراكَ بلا رقيبِ
رِضا الفنا عن بَقائي بعدَكُمْ غَضَبُ
رِضا الفنا عن بَقائي بعدَكُمْ غَضَبُ / كأَنَّما راحَتي مُذْ غِبتُمُ تعبُ
وَاخَجْلتي من بقائي بعدَ فُرْقَتِكُمْ / إِذ ليس لي في حياتي بَعدكم أَربُ
وَلَيسَ مَوتي عَجيباً بَعْدَ بينِكُمُ / وإِنَّما في حياتي بَعدكم عَجَبُ
هي إِن شجَّها المِزاجُ وشابتْ
هي إِن شجَّها المِزاجُ وشابتْ / عاد من وقتهِ المشيبُ شبابا
خلتُها كالسَّرابِ في حَالَةِ المَزْ / جِ فلمَّا استحالَ عادتْ شرابا
وبِنت كَرمٍ كأَنَّهاَ لَهَبُ
وبِنت كَرمٍ كأَنَّهاَ لَهَبُ / تكادُ مِنها الأَكُفُّ تَلْتَهِبُ
تلعبُ في كأسها إِذا مُزِجتْ / كأَنَّما يستفزُّها طَرَبُ
في عَرْصَةِ الكأْس حين تمزجُها / سماءُ تبرٍ نجومُها ذهبُ
عَذَّبْتُها بالمِزاجِ فابتَسمتْ
عَذَّبْتُها بالمِزاجِ فابتَسمتْ / عَنْ بَرَدٍ نَابتٍ عَلَى لَهَبِ
كأَنّ أَيدي المِزاجِ قَد سكبت / في كأْسها فضةً عَلَى ذَهَبِ
أَتاني في قميصِ اللاذِ يَسعى
أَتاني في قميصِ اللاذِ يَسعى / عدوٌّ لي يلقَّبُ بالحبيبِ
فقلتُ من التعجب كيف هذا / بِلا واشٍ أَتيتَ وَلا رَقيبِ
فقالَ الشمسُ أَهدتْ لي قَميصاً / غريبَ اللَّوْنِ من شَفَقِ الغُرُوبِ
فَثَوْبي والمُدامُ وَلونُ خَدِّي / قريبٌ مِنْ قريبٍ مِنْ قَرِيبِ
زارَ بِلَيْلٍ عَلَى صَبَاحٍ
زارَ بِلَيْلٍ عَلَى صَبَاحٍ / عَلَى قضيبٍ عَلَى كثيبِ
حين أَتَت أَلسنُ الليالي / معتذراتٍ من الذُنُوبِ
فيا لها زورةً أَخذنا / لها أَماناً من الخُطُوبِ
يا مُنكِراً شَكوايَ نارَ الهَوى
يا مُنكِراً شَكوايَ نارَ الهَوى / قد زدتَني كرباً عَلى كَرْبي
أَفِضْ عَليَّ الماءَ أَو فاسقِني / ماءً وكنْ مِنّي عَلَى قُرْبِ
تسمعُ للماءِ نشيشاً إِذا / ما وصل الماءُ إِلى قَلبي
الكَأْسُ قطبُ السرور والطربِ
الكَأْسُ قطبُ السرور والطربِ / فاحظَ بها قبل حاجِزِ النوَبِ
أما تَرى الليلَ كيف تكشفُه / راياتُ صُبحٍ مبيضَّة العذبِ
كَرَاهبٍ حَنَّ لِلهَوى طرباً / فَشَقَّ جِلبابَهُ مِنَ الطَّرَبِ