المجموع : 111
إلى الله أشكو الذي نحن فيه
إلى الله أشكو الذي نحن فيه / أسىً لا يُنَهنِهُ منهُ الأسى
على مثلها فلتشقَّ القلوبُ / مكانَ الجيوبِ وإلا فلا
فشا الظلمُ واغترَّ أشياعُهُ / ولا مُسْتَغاثٌ ولا مُشْتَكى
وساد الطَّغَامُ بتمويههمْ / وهل يَفْدَحُ الرزءُ إلا كذا
وطالت خُطَاهُم إلى التُّرَّهاتِ / ألا قصّرَ الله تلك الخطا
وأعْجَبُ كيفَ نضلُّ السبيلَ / ولم نأتِهِ واهتدته القطا
وكيف تَضاحَكُ هذي الرياضُ / وكيف يصوبُ الغمامُ الحصى
وهيهات لم يعتمدْ أن يجودَ / ولكن لما نحن فيه بكى
وماذا بحمصٍ من المضحكاتِ / ولكنَّه ضحكٌ كالبكا
وذا اليومُ حَمَّلنا فادحاً / خَضَعْنا له وانتظرنا غدا
وَنُغْضِي على حُكْم صَرْفِ الزمان / وبين الجوانح جَمْرُ الغَضَا
ويا رُبَّ إلبٍ على المسلمين / زَوَى الحقَّ عن أهله فانْزَوى
هو الكلبُ أَسَّدَهُ جَهْلُهُ / وطال فخالُوْهُ ليثَ الثَّرى
وراعهمُ زأرُهُ فيهمُ / ولو كانَ في غيرهمْ ما عوى
كفاهُ الهوانُ احتقارَ الهوان / فسنَّ الأذَى باحْتِمالِ الأذى
تهاونَ باللهِ والمسلمين / وقد كان في واحدٍ ما كفى
وقد خلعَ الدينَ خَلْعَ النَجادِ / وقد أكل الدِّينَ أكلَ الرِّبا
فمرآه في كلِّ عينٍ قذى / وذكراهُ في كلِّ حلقٍ شَجَا
إذا سُئِلَ العَسْفَ بالمسلمين / فأَجْوَدُ من حاتمٍ بالقرى
وإن أمكنتْ منهمُ فُرْصَةٌ / فأَفْتَكُ من خالدٍ بالعدا
ولا بدَّ للحقِّ مِنْ دُوْلةٍ / تُميتُ الضَّلالَ وتُحْيي الهُدى
فيا سحرَ فرعونَ ماذا تقول / إذا جاءَ موسى وأَلقى العصا
وقد عزَّ في مَنْعِ سلطانه / كُلَيْبٌ فكيفَ رأيتَ الحِمَى
وإنَّ أمامك لو قد علمتَ / أشياءَ أَيسرهنَّ الرَّدَى
فَمَا غَفَلَ اللهُ عن أُمّةٍ / ولا تَرَكَ اللهُ شيئاَ سُدى
وعاقِبةُ الظلمِ ما قد سَمِعْتَ / وعَايَنْتَ لو نَهْنَهَتْكَ النُّهَى
أيا أهلَ حمصٍ وقِدْماً دعوتُ / وهل تسْمعونَ إلى من دعا
يَقلُّ لأقداركمْ كلُّ شيءٍ / فكيفَ رضيتمْ بدون الرِّضى
أَلا قد لحنتُ لكم فاسمعوا / وحاجَيْتُ إن كان يُغني الحجا
أَغَمْزُ عُيُونٍ وَانكسارُ حَوَاجِبِ
أَغَمْزُ عُيُونٍ وَانكسارُ حَوَاجِبِ / أمِ البرقُ في جُنْحٍ من الليل دَائبِ
سرى وسرى طيفُ الخيالِ كلاهما / يَوَدُّ لو أنَّ الليلَ ضَرْبَةُ لازب
وفي مضجعي أَخْفَى على العينِ منهما / وأَثْقَبُ في أَجوازِ تلكَ الغياهب
لقىً غيرَ نفسٍ حُرَّةٍ نازعت به / نجومَ الدُّجى ما بين سارٍ وسارب
معودةٍ ألاَّ تطبِّقَ روعةٌ / بها مذهباً والموت شتى المذاهب
إليكَ ابنَ حمدينٍ وإنْ بَعُدَ المَدَى / وإن غَرَّبَت بي عَنْكَ إحدى المغارب
صبابةَ ودٍّ لم يكدِّر جِمَامَهُ / مُرُورُ الليالي وازدحامُ الشَّوائِبِ
وذكرى عَسَاها أن تكونَ مَهَزَّةً / تردُّ على أَعقابِهِ كُلَّ شاغب
بآيةِ ما كان الهوى مُتَقَارباً / وخَطَوْيَ فيه ليسَ بالمتقارب
أُمُخْلِفَةٌ تلك الوسائلُ بعدما / شَدَدنا قُوَاها بالنُّجومِ الثَّواقب
وكم غَدْوَةٍ لي في رِضَاكَ ورَوَحَةٍ / على مَنْهَجٍ من سُنَّةِ البِرِّ لازب
لياليَ لم تمشِ الأخابيث بيننا / بما كادَ يستهوي حُلُومَ الأطايب
ولم يُرِجفُوا في / بصمانة يَنْمُوَنَها وأشائب
وأيامَ لم يَجْنِ الدَّلالُ على الهوى / هناتٍ جَنَت عُتْبى على غير عاتب
أفالآن لما كنتُ أحكمَ قاصدٍ / وَسَرَّك أني جئتُ أصْدَقَ تائب
ولم يبقَ إلا نزغة ترتقي بها / شياطينُ تَخْشَى القَذفَ من كلِّ جانب
أَضعتَ حُقُوقي أو حقوقَ مودتي / فدونكها أعجوبةً في الأعاجب
وَفَجَّعْتَ بي حيّاً نوادبَ كلمَّا / تذكرنني أسْعَدنَ غيرَ نوادب
وقال العدا ليلُ الخمولِ أَجَنَّهُ / على رِسْلِهِم إنِّي عِيَاضُ بنُ ناشب
فلا تتباهى بي صدورُ مَجَالسٍ / أَسُرُّكَ فيها أو صدورُ مواكب
وَأصبحتُ لا يَرتَاعُ من خَوفِ سَطْوَتي / عَدوُيِّ ولا يرجو غَنَائيَ صاحبي
ولا يتلقَّاني العُفَاةُ كأنما / أَهَلُّوا بمنلٍ من الغَيْث ساكِب
ولا أَمتري أخلافَ كلِّ مُرِنَّة / بأيدي صَبَا من عزمتي وَجَنَائب
أُعاتِبُ إدلالاً وأعْتِبُ طاعةً / وحسْبُكَ بي من مُعتْب وَمُعَاتب
أبوءُ بذنبي ليس شعري بمقتضٍ / عُلاكَ ولو فَقَيْتُهُ بالكواكب
ولكنَّهُ ما أَستطيعُ وَعُوذَةٌ / لِفَضْلِكَ إلا نَمْحُ ذنبي تُقارب
ويجحدُكَ الحسَّادُ أَنّك سُدْتَهُمْ / على شاهدٍ مما انتحيت وغائب
وقد وقفوا دون الذي عزَّ شأوه / بأنفسهم أو بالظنون الكواذب
غضاباً على مَنْ ناكرَ الدهرَ بينهم / وقد عَرَفوه بينَ راضٍ وغاضب
سراعاً إلى الدنيا وحيثُ بدا لهم / ولو أنَّه بينَ الظبا والضرائب
إذا المرءُ لم يَكْسِب سوى المالِ وحده / فألأمُ مَكْسُوبٍ لألأمِ كاسب
عجبتُ لمن لم يَقْدُرِ التربَ قَدْرَهُ / وقد تاهَ في نَقْدِ النجومِ الثواقب
ومن لم يوطِّن للنوائبِ نَفْسَهُ / وقد لجَّ في تعريضها للنوائب
أعِد نظراً فيهم وفي حرماتهم / وإن لم يُعيدوا نظرةً في العواقب
وكُن بهمُ أَدنى إلى الرشد منهمُ / تكْن هذه إحدى عُلاك العجائب
لعلهمُ والدهرُ شتَّى صُرُوفُهُ / وَمَجْدُكَ أولى بارتقاءِ المراتب
قد انصرفت تلك الهمومُ لواغباً / إلى المقصدِ الأدنى وغيرَ لواغب
وثابت حلومٌ ربمَّا زال يَذْبُلٌ / وزالَ سُهَيْلٌ وهي غير ثوائب
وَأَيقَنَ قومٌ أنها هيَ ترتمي / بهم بين مجنوب إليك وجانب
وألقَوا بأيدٍ صاغرينَ وأخْلَصُوا / ضمائرَ مكذوبِ المُنَى والتجارب
وأهونُ مغلوبٍ على أمرِ نفسِهِ / من النَّاسِ مَنْ لا يَتَّقي بأسَ غالب
إليك ابنَ حمدينٍ نصيحةَ مُشْفِقٍ / تَنَحَّلَها أثناءَ تلك النوائب
برغمي ورغمِ المكرمات تَقَضَّبَتْ / حِبَالٌ بأيدي الحادثاتِ القواضب
ورغمِ رجالٍ علَّمَتْهُمْ ذنوبُهُمْ / حِذَارَ الأعادي واحتقارَ المصائب
قَضَوْا نحبهم إلا أسىً غَيْرَ نافعٍ / على ذاهبٍ من أمءرِهِمْ غيرِ ذاهب
يلوذون منه بالخضوع مُرَدَّداً / إذا عزَّهم فيضُ الدموع السواكب
فإن تَنْتَصِف منهمْ فأَعْذَرُ آخذٍ / وإن تتداركْهُمْ فأَكرمُ صاحب
عِتابٌ على الدُّنيا وَقَلَّ عِتابُ
عِتابٌ على الدُّنيا وَقَلَّ عِتابُ / رضينا بما تَرْضى ونحنُ غِضابُ
وقالتْ وأصغينا إلى زُورِ قولها / وقد يَسْتَفِزُّ القولُ وهو كذابُ
وَغَطَّتْ على أبصارِنا وقلوبِنَا / فطالَ عليها الحَوْمُ وهي سَراب
ودانت لها أفواهُنَا وعقُولنَا / وهل عِنْدَهَا إلا الفناءُ ثواب
وتلك لعمرُ ا أما ركوبُهَا / فَهُلْكٌ وأما ُحكْمُهَا فَغِلاب
نلذُّ ونلهو والأعزَّةُ حولها / رُفَاتٌ ونبني والديارُ خراب
وَتخْدَعُنَا عما يُرَادُ بنا منىً / لبحرِ المنايا دونهنَّ عُبَاب
ونغتنمُ الأيامَ وهيَ مصائبٌ / لهنَّ علينا جيئةٌ وَذَهاب
بكتْ هندُ من ضِحْكِ المشيب بمفرقي / أَمَا عَلِمَت أنَّ الشبابَ خِضَاب
وقالت غُبَارٌ ما أَرى وتجاهلت / وليس على وَجْهِ النّهارِ نِقَاب
هل الشيبُ إلا الرُّشْدُ جلَّى غوايتي / فأصبحتُ لا يَخْفَى عليّ صواب
وَأَصْبَحَ شيطاني يَعَضُّ بنانَهُ / وقد لاحَ دوني للقَتيرِ شِهَاب
أأعفو لِصَرفِ الدَّهْرِ عن هَفَوَاتِهِ / على حينَ لا يأتي عليَّ عِقَاب
وأتركُهُ يَمْضي على غُلَوَائِهِ / وقد قَلَّ إعتابٌ وطال عتاب
برئتُ من العلياءِ إن لم أردَّهُ / ولي ظُفُرٌ قد عَاثَ فيه وناب
وإن لم أنَهْنِه من شَبَاهُ بِعَزَمَةٍ / تَذِلُّ لها الأِشياءُ وهي صعاب
وقائلةٍ ما بالُ حمصٍ نَبَت به / وَرُبَّ سؤالٍ ليس عنه جواب
نبت بي فكنتُ العُرفَ في غيرِ أهلْه / يعودُ على أهليه وهو تَبَاب
فبالله ما استوطَنْتُها قانعاً بها / ولكنَّني سيفٌ حواهُ قِراب
أيُغْضِبُ حُسَّادي قيامي إلى العُلا / وقد قعَدوا لما ظفرتُ وخابوا
وَأروَعَ لا ينأى على عَزَمَاتِهِ / مَرَامٌ ولا يُخْفِي سَنَاهُ حِجَاب
من الحضرميّين الأُولى أحْرَزوُا العلا / بَنَوا فأطالوا أو رَمْوا فأصابوا
من المانعينَ الدهرَ حوزةَ جارِهِمْ / وأشلاؤهُ بين الخُطُوبِ نهضاب
همُ عَرَضُوا دون المعالي فأصْبَحَت / مطالبَ لا يدنو لَهُنَّ طِلاَب
وهم جَنَحوا بالمعتفين إلى ندىً / هو القَطْرُ لا يأتي عليه حساب
سجايا على مرِّ الليالي كأنَّما / هي المُزْنُ فيه رحمةٌ وعذاب
مواردَ فيها سَمُّ كلِّ مُعَاندٍ / ولكنها للمُسْتَقِيدِ عذاب
تُخَوِّفُني صَرفَ الزمانِ وقد حَدَث / برحلي إلى ابنِ الحَضْرَمِيِّ ركاب
إذا الله سنَّى لي لقاءَ محمدٍ / تفتَّحَ دوني للسماحةِ باب
فتىً لم تُسَافِر عنه آمالُ آملٍ / وكان لها إلاَّ إليه إياب
ولا ظَمِىءَ العلمُ المُضَيَّعُ أهْلُهُ / فساغ له إلا لديه شراب
لهُ هِمَمٌ في البأسِ والجودِ والندى / لها فوق أثْباجِ النجوم قباب
وَأقْسِمُ لولا ما لَهُ من مآثرٍ / لأصبح رَبْعث المجدِ وهو يَبَابُ
مآثرُ هنَّ المجدُ لا كسبُ درهمٍ / وهنَّ المعالي لا حُلَىً وثياب
يغيظُ العدا منه أغرُّ حُلاحِلٌ / أشمُّ طُوَالُ الساعدين لُبَاب
ولا عَيْبَ فيه لامرىءٍ غير أنَّه / تُعَابُ له الدنيا وليس يُعَابُ
هو الأسَدُ الوَرْدُ الذي سار ذِكْرُهُ / وليسَ له إلا البَسَالَةُ غاب
تَبَوَّأ من دارِ الخلافةِ مَقْعَداً / له فيه عَنْ حُكْمِ القضاءِ مَئاب
تباهَتْ به منذُ استقلَّ بأمرها / كما تتهادى لِلْجلاءِ كَعَابِ
سَلِ الدينَ والدنيا هل ابتهجا به / كما انجابَ عن ضوءِ النهار ضبابُ
نَضَاهُ أميرُ المؤمنين مُهنّداً / له الحِلْمُ مَتْنٌ والمضاءُ ذُبَاب
له المَثَلُ الأعلى مَعاداً ومبدءاً / وللحاسدِ العاوي حصىً وتراب
ألانتْ لك الأشياءَ وهي صليبةٌ / عزائمُ في ذات الإله صِلاب
إليك أبيَّاتاً من الشِّعْرِ قُلْتُهَا / بُودِّيَ لَوْ أنيِّ لهنَّ كتاب
فإن تَتَقَبَّلْهَا وتلك مطيتي / فيا مَنْ رأى خطباً ثناه خطاب
وهل أنا إلا الروضُ حيَّاكَ عَرْفُهُ / وقد بَاكَرَتْهُ من نَدَاكَ سَحَاب
ومن يُثْنِ بالصُّنْعِ الجميلِ فإنَّه / شَكُورٌ ولا مثلَ المزيَدِ ثواب
وهل أنا إلا عبدُ أنْعُمِكَ التي / هي الأريُ إذ كلُّ المواردِ صَاب
وما شهدَ المجدُ الذي أنت سرُّه / فإنك بحرٌ والكرامُ سَرَاب
وها أنا يا رِضْوَانُ باسمك هاتفٌ / فهل لي إلى دار المُقَامَةِ باب
وهل يُدْرِكُ الحسَّادُ غَورَكَ في العُلا / وإن طالَ مَكْرٌ منهمُ وخِلاَب
إذا نافسُوكَ المجدَ كنتَ غضنفراً / إذا زار لم تَثْبُت عليه ذِئاب
وما احمرَّ إلا من صِيالِكَ مَعْرَكٌ / ولا اخْضَرَّ إلا من نَداكَ جَنَاب
إليكَ أبا عَبْدِ الإلهِ على النَّوى
إليكَ أبا عَبْدِ الإلهِ على النَّوى / مُطَالَعةً كادت تَنوبُ عن القرب
وطيبَ سَلامٍ ودَّتِ الرَّوْضُ أنَّهُ / شَذاها بما فيها من الماءِ والعشبِ
بعثت به طيفَ الخيالِ ولم يكن / لِيَسْلُكَ بين الهُضْبِ والموجُ كالهضب
وَهَبْهُ مضى قِدْماً ولم يَثْنِ عَزْمَهُ / غواربُ خُضْرٌ تُتَّقَى بِذُرى شهبِ
وبيدٌ كأيامِ الصدودِ ترى الضحى / بها شاحباً لا من شكاةٍ ولا حُبِّ
فأنَّى له ليلٌ يفي طولَ عمره / بمطلبه السامي وَمَركَبهِ الصّعْب
وَهبْهُ دنا حتَّى رآكَ وأفْرَجتْ / له عَنْكَ أيَّامُ النَّوى ودُجى الخطب
فَكيفَ يُؤدي ما تحمَّلهُ بلا / لسانٍ ويَحْوي ما تَقُولُ بلا لبِّ
أمَولايَ دَعْوى لم أزلْ مذْ نويتها / أُخاصِمُ فيها أسْعُدَ الأنجمِ الشهب
لعلَّك قد أشجتْكَ أُخْرى شكايةٍ / قضيتُ بأولاها نحيبيَ أوْ نَحْبِي
رفعتُ بها صوتاً إذا شئتُ أحرقت / بلا بِلُهُ ما انهلَّ من دمعيَ السكب
وبين أمير المؤمنين وبينه / مُضَايَقَةُ الحُجَّاب أو هَيْبَةُ الحجب
وأنت قديماً كنتَ أوَّلَ رائشٍ / لِذِكْرِيَ حتَّى طار في الشرق والغرب
ومن لي بأخرى مِثْلِها أنتحي بها / صُرُوْفَ الليالي وهي آمنةُ السرب
لعلِّيَ أنْ أسْطُو على الدَّهْرِ سَطْوَةً / بِمُنْصَلِتٍ مما يُحِلُّ وما يَسْبي
يا رَبْعَ ناجِيَةَ انْهَلَّتْ بكَ السُّحُبُ
يا رَبْعَ ناجِيَةَ انْهَلَّتْ بكَ السُّحُبُ / أمَا تَرَى كيفَ نابَتْ دُوْنَكَ النُّوَبُ
وعاد قلبيَ مِنْ ذكراهُ عيدُ جوىً / هو الخيالُ وإنْ قالوا هُوَ الطَّرَب
أبَعْدَ حَوْلٍ تَقَضَّى لِلنَّوى كَثَبٍ / ولا الذي بيننا نَبْعٌ ولا غَرَب
أرْتَابُ بالشيء مما كنتُ أذكره / يا دهرُ إنَّ أحاديثَ المُنَى رِيَبُ
مما يُبَرِّحُ بي حتَّى أبوحَ به / وإنْ أحاطتْ بيَ الأوْصَادُ والرُّقُب
ذكرى إذا نزعت قلبي شياطنها / فانظر إلى اصل دائي كيف ينسعب
وَلي حبيبٌ وإنْ شَطَّ المَزَارُ به / بَيْني وبَيْنَ الرَّدى في حُبّهِ سَبَب
وسنانُ يَكْسِرُ جَفْنَيْهِ على حَوَرٍ / فيه الصَّبَابةِ جدٌّ والهوى لَعِبُ
تَزَوَّدَتْ منهُ عَيْني نظْرَة عَرَضَا / أصْبَحْتُ وهي بقلبي لَوْطَةٌ عَجَب
قالوا الهوى عِيْشةٌ ضَنْكٌ فقلت لهم / لا خيرَ في دَعَةٍ لم يَجْنِها تَعَب
والخمرُ لولا حُمَيَّاها وَسَوْرُتها / لم تُغْرَسِ الكرمُ أو لمْ تعْصَرِ العِنَب
يا دولةَ الوَصْلِ هل لي فيكِ منْ أمَلٍ / هيهاتِ ليس لشيءٍ فاتَ مُطَّلَب
كانتْ يدَ الدهرِ عندي فاستبدَّ بها / ما أعْلَمَ الدهرَ باسْتِرْجاعِ ما يَهَب
كم ليلةٍ بِتُّهَا أجْدُو غياهِبَها / ببدرِهَا التِمِّ لا مَيْنٌ ولا كَذِب
يُعِلّني كلَّما مالَ العِناقُ به / كأساً من الرِيِّ ما في ثَغْرِه حبب
هَبَّتْ تُعاتِبُني زَهْرٌ وقد عَلِمَتْ / أن العتابَ شجىً في القلب أو شجب
قالتْ قعدتَ وقامَ الناسُ كُلُّهُمُ / ألا يُعلِّلكَ الأثراءُ والرُّتب
فقلتُ كُفّي فما تُغْني مُقارعتي / في أزْمَةٍ ضاعَ في أثْنائِها الأدب
فاستضحكتْ ثم قالت أنت في سَعةٍ / من أن تُسيمَ وهذا الماءُ والعُشب
أما رأيت ندى حَوَّاء كيف دنا / بالغيثِ إذ كادَ يأتي دونه العطب
دنيا ولا ترفٌ دينٌ ولا قشفٌ / ملك ولا سرف دركٌ ولا طلب
بِرٌّ ولا سقمٌ عيشٌ ولا هرَمٌ / جِدٌّ ولا نصبٌ وِرْدٌ ولا قربُ
رِدْ غَمْرَة ترتمي من كلٍّ ناحيةٍ / عُبابُهَا الفضَةُ البيضاءُ والذهب
مَليكةٌ لا يُوازِي قَدرَها مَلِكٌ / كالشّمْسِ تَصغُر عن مِقْدارِها الشُّهُب
وَهَضْبَةٌ طالما لاذُوا بجانبها / فما لهمْ لم يقولوا مَعْقِلٌ أشِبُ
أنثى سما باسْمِها النادي وكم ذكرٍ / يُدْعَى كأنَّ اسْمَهُ من لؤمه لقب
وقلَّما نقصَ التأنيثُ صاحبَهُ / إذا تُذُكّرِتَ الأفعالَ والنُّصُب
والحيَّةُ الصِلُّ أدهى كلما انبعثت / من أنْ تمارسها الأرْمَاح والقضب
وهذه الكعبةُ استولتْ على شَرَفٍ / فَذُبْذِبَتْ دونها الأوثانُ والصُّلُب
يَنْميكِ كلُّ بعيدِ الشأوِ فائِتُهُ / له البسالةُ أمٌّ والسمَّاحُ أب
منْ كلِّ مُنْصَلِتٍ يَسْعَى بِمُنْصَلتٍ / والموتُ بينهما يَنْدَى ويلتهب
إذا رَضُوْا فارْجُهُم في كلِّ نائبةٍ / وكنْ على حَذَرٍ منهمْ إذا غضبوا
إذا دَعَوْا قامتِ الهيجا على قَدَمٍ / كأنما تنتمي فيهمْ وَتَنْتَسِب
هُمْ ثَبَّتوا الدينَ إذْ ضاقتْ مَذَاهِبُهُ / بأنْفُسٍ صِيغَ منها الدينُ والحسب
أيامَ جبريلُ داعيهم إذا نزلوا / وَعِزِرائيلُ راعيهم إذا ركبوا
حتى استقرَّ الهُدى في عُقْرِ دارِهِمُ / وأيْقَنَ العُجْمُ أنَّ القادةَ العربُ
همْ أورثوك العلا واستخلفوك على / آياتها وحذا الأعقابُ والعقِبُ
أَهلْلَتُ بالحُرّةِ العُلْيا إلى أملٍ / لمثلِهِ كانت الأشعارُ تنتخب
وشمتُ بَرْقَ نداها طَيَّ سَوْرَتِها / فاقتادني رَغَبٌ واعتادني رَهَب
والمرءُ ليس له نفعٌ ولا ضررٌ / كالنّارِ ليس لها ضَوْءٌ ولا لَهَب
بَنَى لكِ ابنُ عليٍّ بيتَ مَكْرُمَةٍ / الله العوالي عمادٌ والظُّبَا طُنُب
وَلاَّكِ أبهج فخرٍ تفخرينَ به / إذا انْتدَى للفخارِ السَّادَةُ النجب
يا أختَ خيرِ مُلوكِ الأرضِ قاطبةً / وإن أعدّوا وإن أسموا وإن نسبوا
محمّدٌ وأبو بكرٍ وخيرهم / يَحْيى وحَسْبُكِ عِزّاً كلَّما حُسبوا
ثلاثةٌ هُمْ مُرَادُ النَّاسِ كُلّهِمُ / كالدَّهرِ ماضٍ وموجودٌ وَمُرْتَقَبُ
حوّاءُ يا خيرَ من يَسْعَى على قَدَمٍ / ولستُ عَبْدَكِ إنْ لم أقْضِ ما يجب
إليكِ أهديتُ مما حاكه خَلَدي / فَخْراً يَجِدُّ وتبلى هذه الحِقَب
وافتك سودُ خطوطٍ كلما احتضرت / ألْقَتْ مقالدَها الأشعارُ والخطب
قد عمَّ برُّكِ أهلَ الأرضِ قاطبةً / فكيف أخْرِج عَنه جارُكِ الجُنُبُ
أهلِّي بالبكاءِ وبالنحيب
أهلِّي بالبكاءِ وبالنحيب / فقد نَزَحَ المحبُّ عن الحبيب
وقد وَسِعَ الحوادثَ يومُ رزء / تضيقُ له الصدورُ عن القلوب
وآذَنَتِ المكارمُ والمعالي / بِخَطْبٍ عاثَ حتى في الخطوب
أيا لهفَ العَلاءِ على حَصَانٍ / مُبَرَّأَةِ العيونِ من العيوب
ربيبةُ عزةٍ قعساءَ نابَتْ / منابَ الشمسِ إلا في الغُروب
ونشأةُ نِعْمَةٍ خضراءَ رَفّتْ / رَفيفَ الغُصْنِ مالَ مع الجَنُوب
ولم أرَ مثلَ مَنْعَاها مُصَاباً / هَفَا بقلوبِ شُبَّانٍ وشيب
لئنْ نَفَضُوا الأناملَ مِنْ ثَرَاهَا / لقد مَلَؤوهُ منْ حُسْنٍ وطيب
وقد تركوا به إحدى الغَوَادي / فحدِّثْ عن ضريحٍ أو قليب
إذا هَبَّتْ به ريحٌ شَجَاها / به ألاَّ سبيلَ إلى العبوب
وما خَلَصَتْ إليه الريحُ إلا / مغالطةً على أمَلٍ كذوب
أقولُ وقد نعاها ناعياها / وأشْبُلُها بمنهلٍ سكوب
ألم يرِبِ الرَّدى تضييعُ سرٍّ / تَبَلدُ فيه أوهامُ الغيوب
وكيف سَمَا الزمانُ إلى مَحَلٍّ / يَضِلُّ الطيفُ فيه عن الدَّبيب
تخطى نحوه حُمْرَ المنايا / يندبُّ إليه في سُوْدِ الحروب
وكلَّ مُجَرَّبٍ ذَرِبٍ تَحلَّى / بِوَسْمٍ لا يُضافُ إلى ضريب
ترى الموتَ الزؤام يَجُولُ فيه / مجالَ السّحْرِ في اللحظ المُريب
تَحُشُّ به المنيةُ كلَّ قَرْمٍ / نجيبٍ فوق مُنْجَرِدٍ نجيب
وكلَّ أصمَّ أخرسَ عَلَّمَتْهُ / صروفُ الدهر تشتيتَ الشُّعوب
إذا ما اهتزَّ في يُمْنى كميٍّ / رأيت الموتَ يخطرُ في قضيب
لتبكِ المكرماتُ وإن عَدَتْها / عوادٍ من عَذولٍ أو رقيب
على أُمِّ اليتامَى والأيامَى / إذا نَبَتِ المواضع بالجُنُوب
تَخَلَّصها الرَّدى مِن خِدْرِ ليثٍ / تُدَاريه الأسودُ عنِ الوثوب
غدا منها بِوِجْدانٍ بعيدٍ / على عهدٍ بلُقْيَاها قريب
يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بالغيبِ عنها / بِظَنٍّ مخطىءٍ وضَنىً مصيب
تَهَّدى الخيرُ من كَثَبٍ إليها / فكيف أضلها حَوْلُ الطبيب
أبا عَبْدِ الألهِ وقد تسامَتْ / لك الأيامُ بالعَجَبِ العجيب
أتَجْزَعُ للزمانِ وأنت منه / مكانَ الحَزْم من صدر اللبيب
عزاءَك إنما الإنسانُ نَهْبٌ / على أَيدي الحوادث والخطوب
وأنت نصيبُنَا منْ كلِّ شيءٍ / فَدُمْتَ وَحَسْبُنَا أوْفَى نصيب
قالوا الرحيلُ غداً فَشَاهِدْنَا غدا
قالوا الرحيلُ غداً فَشَاهِدْنَا غدا / تَرَنَا أشَتَّ نوىً وأشْجَى مَشْهَدا
قلْ كيفَ يُشْفِقُ من مكابدةِ الأَسَى / من ليس يَفْرَق من مُكَابدة العدا
ذَكَرَ الحمى فبكى إليه صَبابةً / حتى بكى معه المُفَنِّدُ مُسْعِدا
ويلاهُ من ذِكَرٍ جميعٍ شملُهَا / بَدَّدْنَ شَمْلَ دموعِهِ فتبدّدا
وطلابُهُ ما لا يُنَالُ ضلالةٌ / يا بُعْدَ ما بَيْنَ الضَّلالةِ والهُدَى
استنفدِ الدمعَ إنَّ الوَجْدَ قد فُقِدَا
استنفدِ الدمعَ إنَّ الوَجْدَ قد فُقِدَا / لا يُحْسِنُ الدَّهْرُ رُزْءاً مِثْلَهُ أبَدا
وَقُلْ لِصَرْفِ الزمانِ اختلْ على ثِقَةٍ / من السّباقِ فقد أحْرَزْتَ كلَّ مَدَى
اليومَ حينَ لففتَ المجدَ في كَفَنٍ / نفسي الفداءُ على أنْ لاتَ حين فِدَا
يا حسرةً نَشَأَتْ بين الضُّلوعِ جَوىً / ما ضرَّ لاعِجَها أنْ لا يكونَ ردى
في ذمَّةِ الله قَبْرٌ ما مَرَرْتُ به / إلا اختُلِسْت أسىً إنْ لم أمُتْ كمدا
تَضَمَّنَ الدينَ والدُّنْيا بأَسرِهمَا / والعزمَ والحزمَ والإيمانَ والرَّشدا
والسؤددَ الضخمَ مضروباً سُرادِقُه / قد ودَّتِ الشمسُ لو كانتْ له عمدا
ملء القلوب جلالاً والعيونِ سناً / والحرب بأساً وأكناف النديِّ ندى
منْ لا يُقدِّمُ في غير العلا قدماً / ولا يمدُّ لغير المكرماتِ يدا
أوْدى الزمانُ وكيف اسطاعَهُ بفتىً / قد طالَ ما راحَ في أتباعه وغدا
كأنَّه كان ثأراً باتَ يَطْلُبُهُ / حتّى رآه فلم يَعْدِلْ به أحدا
يا يوْمَ مَنْعَى عبيد الله أيُّ أسىً / بينَ الجوانحِ يأبى أن يُجيبَ ندا
وأي غرب مصاب لا يكو كفه / دمعي الهتون ولا أنفاسي الصعدا
ولا البلابلُ مِنْ مثنى وواحدةٍ / باتَتْ تُسلُّ سُيوفاً أو تُسنُّ مُدى
ولا الهمومُ وقد أعْيت طوارقها / كأنما بِتنَ لي أوْ للدُّجَى رصدا
ألاَ لِتَبْكِ قَنَاةُ الدِّينِ حَطْمَتَها / لماجدٍ لم يَدَعْ في مَتْنِهَا أوَدَا
مُهَذَّبٌ لم يهزَّ الحمدُ مِعْطَفَهُ / إلا تَهَلَّلَ مجداً واستهلَّ جدا
تودُّ بيضُ الأماني كلَّما سَنَحتْ / لو حاسَنَ الحَلْيَ في أجيادها غَيدَا
قلْ للدُّجَى وقد التفَّتْ غَيَاهِبُهَا / فلو تَصَوَّبَ فيها الماءُ ما اطَّردا
إنَّ الشّهابَ الذي كُنَّا نجوبُ به / أجوازَهخا قد خبا في التُّرْبِ أو خَمدا
لهفي ولهف المعالي جار بي وبها / صَرْفُ الرَّددى وأرانا أيَّةً قَصَدا
يا صاحبيَّ ولا يحبسْكُما ظمأٌ / طال الهُيَامُ وهذي أدْمُعي فَرِدا
وحدِّثانيْ عن العَلْيا وقد رُزِئَتْ / مسنونَها اللدنَ أو مصقولَها الفَرِدَا
أجِدَّها قد عداها بعد أوْبتِهِ / عن أنْ تهيمَ بذكراه وأن تَجِدَا
واهاً وُتِرَتْهُ ثم قد عَلِمَتْ / أن لا تنالَ به عَقْلاً ولا قَوَدا
ولم تزلْ حولها للحربِ أوديةٌ / تموجُ بالخيلِ فوْضى والقنا قِصَدا
هل نافعي والأماني كلُّها خُدَعٌ / قولي له اليومَ لا تَبْعَدْ وقد بَعُدا
وهل أتاهُ وليست داره صَدَداً / أنّي أُداري عليه لوعةً صَدَدا
وهل تَذَمَّمَ هذا الرزءُ من قَلَقٍ / قام المصابُ به أضْعافَ ما قعدا
أما ويَوْمش عبيدِ الله وهو اسى / لقد تخيّرَ هذا الموتُ وانْتَقدا
يا ماجداً أنجزَ العلياءَ مَوْعِدَها / أَليومَ انجزَ فيكَ الموتُ ما وعدا
إن الفؤادَ الذي مازلت تَعْمُرُهُ / قد رِيعَ بَعْدَكَ حتى صار مُفتأَدا
غادرتَ عينيَّ ملآوينِ من عِبَر / لا تَرْقُدَانِ ولا بؤسَى لِمنْ رَقَدا
شمسَ المعالي وقِدماً كنتَ شامتَهَا / فكمْ غضِبْتَ لها من أن تَظلْ سُدى
إيذَنْ بجدواكَ تُدْرِكْنا وكيفَ با / وقد ضَمِنْتَ لنا أن لا نموتَ صدا
هيهاتِ صَرَّحَ فيك الموتُ عنْ نبأٍ / كَنَى الزمانُ به عن نَقْضِ ما عَهِدَا
إذا وَنَتْ فيكَ خَيْلُ الدَّمْعِ جَدَّ بها / مُجْرٍ من الشَّوقِ لم يَحْدُدْ لها أمَدا
وإنْ تراءى لها السُّلوانُ طَالَعَها / ضَنْكٌ من العيشِ سلَّ الروحَ والجسدا
يا ليت شعري وهل يَثني الرّدى جَزَعٌ / عاد التبلُّدُ في سَوْراته وَبَدَا
وهل يعودُ على الماضي بعائدةٍ / إذ لا تجلُّدَ للباقي ولا جَلَدا
متى تَكاثَرُ لوعاتُ الغرام به / يهَنيه إنْ ربمَّا كانتْ لها مَدَادا
يا غادياً لم يكن شيءٌ يقومُ له / إما تَوَقَّاكَ صَرْفُ الدهرِ حين عدا
تبكي عليكَ ولا عارٌ ولا حَرجٌ / هدايةٌ كنتَ من إعلامِهَا وهدى
أبا الحسينِ ولا ادعو سوى وَزَرٍ / قد طال ما غاثَ أحباباً وغاظَ عِدَا
ويا أبا الحَكَمِ السَّامِي بهمَّتِهِ / إلى المكارمِ لا نِكْساً ولا جَمِدَا
ويا أبا القاسمِ الميمون طائرُهُ / في كلِّ ما ذمّ منه الدهرُ أو حَمَدا
عزاءَكم إنَّما الدنيا وزينَتُها / بحرٌ طَفوْنا على آذيهِ زَبَدا
واستشعرِوا الصبرَ عنه فارساً نَدِساً / لا تستطيعُ الليالي حلّ ما عَقَدا
رزءٌ تداري المعالي فيه أنْفُسها / عن لوعةٍ ملأت أحشاءَها زُؤدا
جادتْ ثراهُ فروّتهُ مجلجلةٌ / تكادُ تروي صداهُ العيشةَ الرغدا
منْ كلِّ غاديةٍ ما باشرَتْ بلداً / إلا ترنَّحَ ضاحي تُرْبِهِ وشدا
سَلِ المنايا على علمٍ وتَجْرِبَةٍ / في أيِّ شيءٍ بغى الإنسان أو حسدا
تَنافَسَ الناسُ في الدنيا وقد علموا / أن سوف تقتلُهُمْ لذّاتُهُمْ بددا
تبادَرُوها وقد آدَنْهُم فَشلاً / وكاثرُوها وقد أحصتهمُ عددا
قلْ للمحدِّثِ عنْ لقمانَ أو لُبَدٍ / لم يتركِ الدهرُ لقماناً ولا لبدا
وَللَّذي هَمُّهُ البنيانُ يَرْفَعُهُ / إنّ الردى لم يغادرْ في الشَّرَى أَسَدا
ما لابنِ آدمَ لا تَفْنَى مَطَالِبُهُ / يَرْجُو غداً وعسى أنْ لا يعيشَ غدا
يمينُكَ أوْرَى إنْ قدحتَ من الزّنْدِ
يمينُكَ أوْرَى إنْ قدحتَ من الزّنْدِ / ووجْهُكَ أجْدَى إنْ قَدِمْتَ من السَّعْدِ
وعزْمُكَ أمْضَى حين يَشْتَجِرُ القَنَا / من الأسمرِ الخطّيِّ والأبيضِ الهندي
وذكرُكَ أحْلَى أو ألذُّ منَ المُنَى / وإن قيلَ أحلى أو ألذُّ من الشَّهد
وقربُكَ أَوْفَى بالمكارمِ والعُلاَ / من الحر بالمأثور أو كرم العهد
نَهَجْتَ سبيلَ المجدِ من بعدِ ما عَفَتْ / ومحت كما محت وشائع من برد
فلا يَتَعَامَوْا أو فلا يَتَوَاكَلُوا / فقد عَرَفُوا كيفَ الطريقُ إلى المجد
ودونهمُ فليقتدُوا بابن حُرّةٍ / أشاعَ الفَعالَ الحرّ في الزّمن العبد
له آثرٌ في كلِّ شَرْقٍ وَمَغْرِبٍ / به تَهْتَدِي الزُّهْرُ الكواكبُ أو تَهْدي
بأروعَ مِنْ سَعْدِ العشيرةِ كاسْمِهِ / وَنِسْبَتِهِ ما أشبَهَ الأبنَ بالجدِّ
نماهُ أبيٌّ لا اعدِّدُ غيرَهُ / وفي شَرَفِ الوُسْطَى يُرَى شَرَفُ العِقْدِ
أإنْ صُلْتَ حتى هابَكَ السيفُ في الغمدِ / وَجُدْتَ فلم تتركْ متاعاً لمن يُجْدِي
مُدِحْتَ فَطَوْراً قيل كالمطرِ الحيا / نوالاً وطوراً قيلَ كالأسَدِ الوَرْدِ
كأنْ لَم يَروْا تلك المواهبَ كالمُنى / ولا شَهِدُوا تلك الخلائقَ كالشَّهد
ولا آنسوا نارَيْكَ للحربِ والفِرَى / يمينَكَ في كأسٍ ويسراك في زند
ولا انتجعُوا ذاك الجنابَ فخيَّموا / إلى الكَنَفِ المحلولِ والعيشةِ الرغد
تراهُمْ على ضَيْقِ المجال وَرُحْبِهِ / يُهِلَّون مِنْ مَثْنَى إليه ومنْ فرد
إلى ماجدٍ لا يُقْبِلُ المالَ نَظْرَةً / إذا لم يكنْ فيه نصيبٌ لمستجد
حسامٌ ولكنْ ربَّما ذُكِرَ النَّدى / له فثنى عِطْفَيْ قضيبٍ منَ الرّنْد
وَبَحْرٌ ولكنْ ما الحياةُ هَنِيّةً / بأطيبَ منه للعيونِ وَلِلْورِد
وطودٌ نَمَى زُهْرَ الكواكبِ من علٍ / وزادَ عليها بانتماءٍ إلى الأزْدِ
وماءُ سماءٍ كلَّما انهملتْ به / جرى في القضيبِ اللدنِ والصَّخرَةِ الصلد
بأكثرَ مما يدّعي البأسُ والنّدى / واكثرَ من جَهْدِ لاقصيدِ ومن جَهدي
مكارمُ قحطانيَّةٌ مَذْحِجِيَّةٌ / تعودُ على ما أفسدَ الدهرُ أو تُعْدي
بها قَطَعَ الركبانُ كلّ تَنُوفَةٍ / إذا هَبَطُوا غوراً تسامَوْا إلى نجد
سبقتَ العلا منذ اكتهلتَ إلى العلا / لعمرُك ما أَبْعَدْتَ لو كنتَ في المهد
ألا في سبيلِ اللهِ ليلٌ سهرتَهُ / تُساري النجومَ الزُّهْرَ في الظُّلَمِ الرُّبْد
إذا اعتكرتْ تلك الغياهبُ جُبْتَها / إلى نِيَّة جَوْرٍ وأُمْنِيّةٍ قصْد
إلى صورةٍ من عهدِ مأربَ خاصمتْ / سيوفُكُمُ عنها بأَلْسِنةٍ لُدِّ
وقد طَلَّحَتْ زُهْرُ النجومِ منَ السُّرَى / وَرَابَكَ في أجفانها أَثرُ السُّهد
بِطَاءٌ على آثارِ خَيْلِكَ تَشْتَكي / بِجَهْدِ سُرَاها ما طَوَيْنَ من البُعْدِ
سلِ الرومَ في أُقليشَ يَوْمَ تَجَايَشُوا / ألَمْ يعلموا أن الفرائسَ للأُسْدِ
تبارَوْا إلى تلك الحُتُوفِ فَسَلْهُمُ / أما كانَ عنها منْ محيصٍ ولا بُدِّ
ألم يكُ في الإسلامِ من مُتَعَرِّضٍ / بكفٍّ ولا في السَّلْمٍ من عَرَضٍ يَفْدي
ولا في جنودِ ا حين أتتكمُ / لها من قديرٍ يَدْفَعُ الهَزْلَ بالجِدِّ
غداةَ رماكمْ كلُّ طودٍ بمثلهِ / من القَصَبِ المنأدِّ والحَلَقِ السَّرْد
اعزّ من الهُضْبِ التي قَذَفَتْ بها / فما بالكمْ كنتمْ اذلّ من الوَهْد
ألم تزعموا أنّ الصليبَ وأنَّهُ / كأنكمُ لم تَسْمَعُوا بالقَنَا الملد
رُويدكمُ حتَّى تَوَوْا كيف تَرْتمِي / بأنفسكمْ بين الإجازة والردّ
وحتى تدوسَ الخيلُ أوْجُهَ فتيةٍ / كرامٍ عليها غيرِ شُؤْمٍ ولا نُكْدِ
وَتَخْرُجَ من ليلِ الغُبَار ولو ترى / شوازبَ تَرْدي تحت صمانةُ تردي
بكلِّ فتىً جلدٍ يخوضُ غمارَهَا / على كلِّ نهَّاضٍ بأعبائها جَلْدِ
هناك عرفتمْ أين أحمدُ منكمُ / وكان حريّاً بالبِدَارِ إلى الحمد
فَتَاها على مرِّ السنينَ وكهلُهَا / إذا هيَ جَدّتْ بالمشايخِ والمرد
وحامي حماها يومَ ترمي وتتقي / واسْوَتُها فيما تعيدُ وما تُبْدِي
وَمَنْ عُرِفَتْ سيما الوزارةِ باسْمِه / كما عُرِفَتْ تيماءث بالأَبْلَقِ الفَرْد
بأيِّ لسانٍ أو بأيةِ فكرةٍ / احَبَرُ شكري أو اعبَرُ عن وُدِّي
هززتَ أُبيّاً جين أرضاك عَزْمُهُ / حساماً صقيلَ المتنِ مُعْتدلَ الحدّ
وَصِفْتَ إلى مساءِ الربيعِ وَظِلِّهِ / فحسبُكَ مَن صَفْوٍ وناهيكَ من بَردِ
هما ورثا عبدَ المليك سَمَاحَهُ / وَنجْدَتَهُ وهذا يُعيدُ وذا يُبدي
فإن أَنشكَّرْ للربيعِ صنيعةً / فما زلتُ من نعماهُ في زَمنِ الورد
وإن اتحدثْ عن أُبيٍّ بفضْلِهِ / فعنديَ منْ تلك الأحاديث ما عندي
إليك القوافي كالنجومِ زواهراً / بما لك فيها من جهادٍ ومن جهد
فما يتعاطى تلك بَعْدَكَ ماجدٌ / وما يتعاطَى هذه شاعرٌ بعدي
أعِدْ نظرةً في صفحتيْ ذلك الخدِّ
أعِدْ نظرةً في صفحتيْ ذلك الخدِّ / فإني أخافُ الياسمينَ على الوَرْدِ
وَخُذ لهما دمْعي وعَلَلّلْهُما به / فإنَّ دمُوعيْ لا تُعيد ولا تبدي
وإلا ففي كأسِ المُدَامَةِ بلُغَةٌ / تقومُ مَقامَ الريِّ عندكَ أو عندي
وفي ريقكَ المعسولِ لو أنّ روضةً / تُعَلَّلُ بالكافور والمسكِ والرّنْدِ
وماء شبابي كانَ أعذب مورداً / لو أنّ الليالي لم تُزَاحِمْكَ في الوِرْد
مُنىً لا أُبالي أن تكونَ كواذِباً / فتفنى ولكنّ المَدَارَ على وَجْدي
أمِنْكَ الخيالُ الطَّارِقي كلّ ليلةٍ / على مِثْلِ حَدِّ السّيْفِ أو طُرّةِ البُردِ
يُبَاري إليّ الليلَ لو أنّ شافعاً / مِنَ النَّومِ أو لولا رقيبٌ منَ السهد
تَعَلّمَ مِنّي كيف يَنْعَمُ بالهوى / وَأشْقَى فهلا كانَ يَبْقَى على العهد
يَهُونُ عليهِ الوصلُ ما دامَ نازحاً / وأهونُ شيءٍ حين يَدنوُ إلى الصَدِّ
وليلةَ وافاني وقد نِمْتُ نَومَةً / وكنتُ أنا والنجمُ منها على وَعْد
ألمّ فحيَّا بين رُقْبَى وَرَقْبَةٍ / ولا شَيْءَ أحلى من دُنُوٍّ على بُعْد
وقد رَابَهُ لمحٌ من الليل في الدجى / كما لاح وَسْمُ الشَّيْبِ في الشَّعَر الجَعْدِ
رأى أدمعي حمراً وشيبيَ ناصعاً / وَفَرطَ نُحُولي واصْفراراً على خدِّي
فَودَّ لو أني عِقْدُه ووشاحُهُ / وإن لم يُطقْ حَمْلَ الوشاحِ ولا العِقْد
ألمَّ فأعْدَاني ضَنَاهُ وَسُهْدُهُ / وقد كان هذا الشوقُ أولى بأن يُعْدِي
وولَّى فلا تسألْ بحاليَ بَعْدَهُ / ولكنْ سلِ الأَيَّامَ عن حالِهِ بَعْدي
تفاوَتَ قومٌ في الحظوظ وسبلها / فَمُثْرٍ على حِرْصٍ وَمُكْدٍ على زُهْدِ
وأمَّا أنا والحضرميُّ فإننا / قَسَمْنَا العُلا ما بين غَوْرٍ إلى نجد
فأَبْتُ أنا بالشعرِ أَحمي لواءَهُ / وآب ابنُ عيسى بالسيادةِ والمجد
فتىً لا يُبَاليَ فوزَ مَنْ فازَ بالعُلا / إذا امتلأتْ كفَّا يديهِ مِنَ الحمد
وسيفٌ يباهي كلَّ سيفٍ بنفسِهِ / إذا السيفُ باهَى بالحمائلِ والغِمْدِ
ونجمُ سناءٍ أو سنا كلمَّا بدا / تهلَّلَ بالإسعادِ وانهلَّ بالسَّعْد
وطودٌ وما رَضْوَى بأكبرَ شيقةً / ولكن بعض القول أشهى إلى الرشد
وما بالُ رَضْوى إنما هو شاهِقٌ / رسا من أميلٍ عانكٍ أو صَفَاً صَلْد
وكم جَبَلٍ في الأَرضِ أشمخُ ذروةً / وأحمى حمىً لو أنَّ نَجْوَتَهُ تُجدي
وكانَ لهمْ في طورِ سَيْنَا شبيهُهُ / على خطأٍ مما ادَّعَوْا وعلى عَمْدِ
ولكنَّها طارتْ بِرَضْوَى مَطَارَهَا / ولم نر أحظى من مساعدةِ الجَدِّ
وبحرٌ ترى الألبابَ غائصة به / على اللؤلؤِ المكنونِ في الحَلِّ والعَقْد
تَرَاجَعَ عبراهُ وَعَبَّ عُبَابُهُ / ولا فُلْكَ إلا مِنْ رجاءٍ وَمِنْ وُد
فَعَرِّجْ بشطَبْهِ إذا كان ساكناً / خِلالَ جميمٍ ناضرٍ في ثرىً جَعْدِ
وإن ماجَ واسطعت الحزامةَ فَأْتِهِ / فإنَّ النجومَ الزَّهْرَ في الظلم الربد
بلغتُ بعيسى مُنْتَهى كلَّ سُؤْدَدٍ / فلستُ بمثرٍ إن حُرمتُ ولا مكد
وَدَعْ مالكاً حتى تَرَى كيفَ سَعْيُهُ / فما منكما من لم يَسُدْ وهو في المهد
هُوَ المجدُ منكمْ أَصْلُهُ وَفُرُوْعُهُ / تَرَدَّدَ بين الإِبنِ والأبِ والجد
أتتكَ قوافِي الشِّعْرِ وَفْداً عنِ الهوى / وبعضُ قوافي الشعرِ أَحْظَى من الوفد
أآذنةٌ عُلْياك لِلْعِيدِ إن دَنَا / على الطّائرِ الميمونِ والطّالَعِ السَّعد
وقد جاءَ يطْوي الأرضَ والدهرُ آخذٌ / بأيسرِ حظٍّ بينَ وَصْلِك والصَّدِّ
أمولايَ لم أَقْدُرْكَ قَدْرَكَ كُلَّهُ / ولكنه جُهْدُ القصائدِ لا جُهْدِي
فلم يبقَ إلا أن تسامحَ مُجْمِلاً / ومِنْ كَرَمِ المَوْلى مُسامَحَة العَبْد
طَلَبَتْ غِرّةَ الزمانِ الجماد
طَلَبَتْ غِرّةَ الزمانِ الجماد / نعم حِبُّ الربى وريُّ الوهاد
وأصاخت إلى الجنوب تَقَصَّى / أَثَرَ الجدب في أقاصي البلاد
كُلّما عَرَّجَتْ بوادٍ من الأر / ض حداها فحثّها ذكر واد
ديمةٌ سمحةُ القياد تناهى / ريقُها المحلَ وهو شوك القتاد
لو أَطافَتْ لأطفأتْ حُرَقاتِ / الوَجْدِ بينَ القُلوب والأكباد
أو تأتي لها الزمان لسامته / ارتجاع الأرواح في الأجساد
ربَّ مُستْوفَزٍ أقرَّ حشاهُ / هَوْلُ ذاك الإبراقِ والإرْعادِ
وكظيمٍ قد نفَّسَ الكربَ عنه / ضَحِكٌ في بُكائِهِ المُتَمادِي
حَمَلَتْ صَوْبَها النهائمُ غَوْراً / فكفينَ البلادَ حَمْلَ المزاد
وكستْ عشبَها النجود رياضاً / فجعلنَ الأمحال خَلْعَ النجادِ
فبعينيكَ هل ترى غير داعٍ / أو مجيبٍ أو رائحٍ أو غاد
أو مُنَاخٍ أو مَسْرَحٍ أو مَقِيلٍ / أو خبيب أو مَلْعَبٍ أو نادي
أو رعيلٍ يصاولونَ الرزايا / بين مَجْرَى الفنا وَمُجْرَى الجياد
أَيْنَما كنتَ تُمَنَّي وَتَعِدْ
أَيْنَما كنتَ تُمَنَّي وَتَعِدْ / جارَ بي فيكَ هوايَ وَقَصدْ
يا جليداً لم يَدَعْ لي جَلَداً / هل لِيَوْمِ الصبِّ مِنْ بُعْدِكَ غَدْ
لا أشاجيك وقد بَرَّحْتَ بي / دُوْنَكَ اليومَ فَذَرْني والسَهَد
اتئدْ مِنْ قبلِ أنْ توديَ بي / ثم لا يَنْفَعُنِي أَنْ تَتَّئِد
نَقَضَ العهدَ الذي كانَ عَهِدْ / لم أَقُلْ وَاصَلَ حتى قُلْتُ صَدْ
مرحاً بين النصابي والصبا / كلما لا عتبه بالحب جد
هزَّ منه الحسنُ يثني عطفه / لو يكونُ الغصنُ لدناً لم يَزِد
وجلا الإدلالُ منه منظراً / قام بالعُذَّالِ فيه وقعد
وَأَدارَ الموتَ في لحظِ رشاً / كلما شاءَ انْتَحى قلبَ أَسَد
يا شقيقَ النَّفْسِ رأياً وهوىً / أنتَ في قلبيَ رُوْحٌ وجسد
أَمُضِيْعِي بينَ هَجْرٍ ونَوىً / وعلى ذاك فمالي عَنْكَ بُد
علَّمَتْ عيناكَ عينيَّ الهوى / فأنا منكَ ومني في كمد
رامَ من أُبْغِضُ مني خُطَّةً / طال ما ناضلت عنها مَنْ أوَد
دونَ سِرّي منْ حِفاظي عَزْمَةٌ / صَدَرَ المِقْدَارُ عنها وَوَرَدْ
قد رميتُ الدَّهْرَ منْ حيثُ رَمَى / فَسَلِيهِ أيُّنا كانَ أشد
وأخذتُ الناسَ عن هاكَ وها / بالتي إلا تُجَوَّزْ لا تُرَد
وطويلِ الليلِ مُسْتَوْفِزِهِ / يَتَلظَّى بين خَوْفٍ وومد
كلما حدث عني نفسه / حل أثناء حباه وعقد
قد تَعاطَاني وَدُوني حَتْفُهُ / رُبَّما أوْدَى الفتى منْ حيثُ ود
يا خليليَّ ولا واللهِ ما / طِبْتُ نفساً قطُّ عنها لأحد
أدركاني ما أرى أن تُدْرِكا / سَدَّت البَلْوى مناديحَ الجسد
وأعِدَّاني لأُخْرى مِثلِها / ليس للإنسان إلا ما أعَد
لا يَغُرَّنكَ شيءٌ بائدٌ / إنه لو كانَ شيئاً لم يَبِدْ
سدَّدَ الموتُ لأعمارِ الورى / فَلْيَعِشْ مَنْ شاءَ ما عاشَ لُبَد
أنا من عزِّكَ يا يَنَّاق في / ذِرْوَةِ العَلْيَا إلى الرُكْنِ الأَشَد
أُقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يا حُسَّدي / قد نَمَى المالُ وقد أَثْرَى العدد
وكفاني نُوَبَ الدهرِ فتىً / لم يزلْ منهُ عليهنَّ رَصَد
طلبَ السؤددَ حتى نالَهُ / بطلٌ شَيحْانُ أو خَصْمٌ أَلَدْ
قلْ لمن أَذْعَنَتِ الدُّنيا لهُ / لا تَمَتَّعْتَ بِها إنْ لم تَسُد
نعمَ رِدْءُ الموتِ بأسٌ أو ردى / كلما أوعدَ خَطْبٌ أو وعد
فإذا لذَّ لك العيشُ فَصُلْ / وإذا أَعْجَبَكَ المالُ فَجُد
وإذا تُدْعَى لمجدٍ فاحْوِهِ / إنما العَاجِزُ مَنْ لا يَسْتبد
كاعتزامِ ابنِ عبيد اللهِ لا / هَوَّنَ القُرْبَ ولا هابَ البُعُد
طبَّقَ الآفاقَ منهُ عَارِضٌ / ذو شآبيبَ تَهَادَى أو تَهُد
فإذا شيتَ فشُؤْبُوبُ حياً / وإذا شيتَ فشؤبوبُ بَرَدْ
ألمعيٌّ والقضايا شُبَهٌ / أوْحَدِيٌّ وصروفُ الدهر حُد
قُلَّبِيُّ القلبِ مشدودُ القُوَى / لم يَغِبْ غائبُهُ إلا شَهِدْ
رابطُ الجأشِ وقد جَدَّتْ به / عَزَماتُ الدهر منْ هَزْلٍ وَجِد
ارْجُهُ يوماً وَخَفْهُ حِقْبَةً / فبأَخطار العدا راش الأوَد
وادْعُ نَجْلَيهِ إذا لم تَدْعُهُ / فَعَلى ذلك أَنْشَا مَنْ وَلد
أَسدا عرِّيسةٍ بدرا دُجىً / بلغا كُنْهَ النُّهى قَبْلَ الأشُد
شدَّ هذا في المعالي أزْرَ ذا / مثلما نِيطَتْ ذراعٌ بِعَضُد
لستُ للسُّبَّاق إن لم يَسبقا / في مدى كلِّ طِرادٍ مَنْ طَرَد
وطئا تُرْبك إنْ لم يَرثا / مجدك الموروثَ عن جَدٍّ فجد
هذه شِنْشِنَةٌ من أَخْزَم / وسواءٌ مَنْ نَفَى أو مَنْ جَحَد
اقضِ مُشْتطاً على كلِّ هوىً / واجرِ مُسْتَولٍ على كلِّ أمد
إن أُصِبْنَا فإليكَ المُشْتَكى / أو أَصَبْنَا فعليكَ المُعْتَمد
أوْ نَبَتْ دنيا على عادتها / فعلى دنياك نَعْلُو وَنُعَد
وَفِدَاكَ اليومَ من أَرْشَدْتَهَ / فأَبَى إلا عِنَاداً أَوْ فَنَد
كلُّ مغلوبٍ على أَكثرِهِ / لا رأى حَزْماً ولا قال سَدَد
غاظَهُ أَنْ لم يَنَلْ ما نلتَهُ / حيثُ لم يجهدْ ومن حيثُ جهد
يا سراجَ الفخرِ يا غايتَهُ / دعوةً لم تُبْقِ في العَيْشِ نكد
هذه فانشطْ إليها مِدَحي / تَنْفُثُ الآدابَ سِحْراً في العُقَد
كلُّ عذراءَ إذا أَهْدَيْتُهَا / لم تَرِدْ قوماً ولم تَخْصُصْ بلد
الحمدُ لله وَشُكْراً له
الحمدُ لله وَشُكْراً له / لا طارفٌ عندي ولا تَالدُ
صرتُ ولا أُنبيك عن غائبٍ / في حالةٍ يَرْثي لها الحاسد
إنْ يَنْبُ بي دهريَ فاللهُ لي / والمترجَّى للندى خالد
يا واحداً أَفضالُه شِرْكَةٌ / فينا ولكنْ مجدُهُ واحد
حوليَ أفراخٌ كَزُغْبِ القطا / ليليَ منْ همٍّ بهمْ ساهد
أنت أبٌ لي ولهمْ عاطفٌ / رُبَّ ابنِ خمسين له والد
لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا
لا عينَ يَبْقى منَ الدنيا ولا أثرَا / فكيفَ تسمَعُ إن دُكَّتْ وكيف تَرَى
حسبُ الفتى نظرةً في كلِّ عاقبةٍ / لولا تمنُّعُهُ عَنّتْ له نَظَرا
ما أشبهَ الموتَ بالمحيا وأجدرَ مَن / لا يعرفُ الوِردَ أن لا يعرف الصَّدرا
أعدَّ زادَيْكَ من قولٍ ومنْ عَمَلٍ / إنَّ المُقامَ إذا طال اقتضى السَّفرا
وافرُغْ لشانيك من قولٍ ومن عملٍ / كلٌّ سيجري مَداهُ طالَ أو قَصُرا
وسلْ عن الناسِ هل صاروا مَصيرَهُمُ / فما أظنُّكَ ممنْ يجهلُ الخبرا
قضيتُ حاجة نفسي غيرَ مشكلة / في الموتِ لم أَقْضِ من علمٍ بها وطرا
أدنو إليها فتنأى لا تلوحُ سوى / لبسٍ من الظنِّ لا عُرْفاً ولا نُكُرا
وقد أصيحُ بمثل النفسِ من شَفَقٍ / ودونها ما يفوتُ السمَ والبصرا
هيهات أعياكَ ما أعيا الزمانَ فلا / تَرْتَبْ وإنْ تستطعْ فاقدرْ كما قدرا
يا منْ رأى البرقَ بات الليلُ يكلؤُهُ / كأنه من ضُلوعي مُشبِهٌ سَعَرا
نازعتُهُ السُّهدَ حتى كدتُ أَغلبُهُ / والليلُ عنديَ قد أَوْفَى بما نَذَرا
والنجمُ حيرانُ منْ أَيْنٍ ومن ضَجَرٍ / فلو هوى أو عَدا مجراه ما شَعَرا
والصبحُ يطلبُ في جُنْح الدجى خَلَلاً / يَلوحُ منه ولو أَلفاه ما جسرا
مُزْجَىً أحمُّ النواحي كلما عَرَضَتْ / له الرُّبى باتَ يُغْشِيهَا ربىً أُخَرا
من كلِّ وطفاءَ لم تكذِبْ مخيلتُها / لو أنها شيمةٌ للدهر ما غدرا
سَدَّتْ مهبَّ الصَّبا أعجازُ ريقها / عن سُدْفَةٍ دونها من هوله غررا
بحرٌ ولا شكَّ إلا لمعَ بارقةٍ / يكاد يَفْرَقُ منها كلما خَطَرا
قد طبَّقَ الأرضَ منها عارضٌ غَدِقٌ / ما غضَّ من طله أنْ لم يكنْ مَطرا
إذا انتحى بلداً أَبْصَرْتَ ساحتَه / كأنَّه وجهُ معروفٍ إذا شُكِرا
فذاك أسْقِي به قبراً بقرطبةٍ / شهدتُهُ فرأيتُ الفضلَ قد قُبرا
قبرٌ تضمَّنَ من آلِ الربيع سناً / شمسٍ توارتْ تروقُ الشمسَ والقمرا
قبرٌ تركنا به العليا مغمَّسَةً / ما بين قَسْوَةِ أحجارٍ ولين ثرَى
قبرٌ تركنا به روضَ المنى خَضِلاً / والشمسَ طالعةً والدمعَ منهمرا
فقلْ لطلاّبِها والسائلين لها / ولو حَثَوْنا عليها الأنجمَ الزُّهُرا
سحُّوا عليه سجالَ الدمع مُتْرَعَةً / فربما انشقَّ عما يفضحُ الزَّهَرا
وآبْكُوا به كعبةً أمسَتْ مناسكُها / ساكنةَ القبر لا حِجْراً ولا حَجَرا
ولا تخافُوا عليها أن تضيعَ به / فإنما هو جَفْنٌ وهي فيه كرى
بالنسك إذ كلُّ أرْضٍ روضةٌ أُنُفٌ / حُسْناً وكلُّ سماء حُلّةٌ سِيَرا
بالحِلْمِ حينَ نَطيشُ الهُضْبُ من نَزَقٍ / وَتَسْقُطُ الشهبُ من آفاقِها ضَجَرا
بالجودِ إذ لا تُوَاسي العينُ ناظرَهَا / ولو أتَى يَجْتَديها السمعُ والبصرا
يا حسرةً ملأتْ صدرَ الزمانِ أسىً / أَمْسَى وأصْبَحَ عنها ضيّقاً حَصِرا
زالتْ جبالُ سروري مِنْ مَواضِعِها / واستشعرَ الخوفَ منها كلُّ ليثِ شرى
وزالتِ الأرض أو زَلَّتْ بساكنها /
هَبي فقد كاد يَمْضي الليلُ وابتدري / مداكِ منه فلو يَسْطيعُ لابتدرا
وكم أصاخَ المُصَلَّى لو شعرتِ به / إلى تلاوتِك الآياتِ والسُّوَرَا
وكم أتاهُ العَذارَى يلتقطْنَ به / من دَمْعِ أجفانِكِ المرجانَ والدُّرَرَا
وَفينَهُ كُنْهَهُ وانظمنها سُبَحاً / فربما ذُمَّ بعضُ الحَلْي أو حُظِرَا
وإن أبيتنَّ إلا عِقْدَ غانيةٍ / فامنحنهُ الحُوْرَ لا نَمْنَحْنَهُ البَشَرا
من كلِّ مكنونة كالدرّ آنسةٍ / تَضْحَى بَهَاءً وإنْ لم تَبْرَحِ الخُمُرا
لمن تركتِ اليتامى إذ تَرَكْتِهِمُ / شُعْثَ المفارقِ لا ماء ولا شجرا
حَوْلي ذَرَاكِ وكانوا يلبثونَ به / لا تَبْعَدِي أو فلا يَبْعَدْ ذراكِ ذرا
يا حاملي نعشها أنَّى لخَطْوِكُمُ / فقد حملتمْ به أُعجوبةً خَطَرا
ضَعُوه يحْمِلُهُ من ههنا نَفَسٌ / يُورِي الحنينَ ودمعٌ يُغْرِقُ الذكرا
قد أُزْلِفَتْ جنةُ الفردوسِ واطَّلَعَتْ / جاراتُكِ الحورُ يستهدينكِ الأثرا
وبتنَ منتظراتٍ والمدى أمَمٌ / وقلَّ ما باتَ مسروراً مَنِ انتظرا
هلِ الحياةُ وإنْ راقتْ بشاشَتُها / إلا الغمامُ تَسَرّى والخيالُ سرى
أما الحياءُ فشيءٌ أنتَ غايتُهُ / وإن تَغَاضَى جهولٌ أو إنِ ائْتَمَرا
استبقِ قلبكَ إنْ قلبُ الأريبِ هفا / وكفَّ دَمْعَكَ إنْ دَمْعُ اللبيبِ جرى
وعاودِ الصبرَ يوماً منك تحظَ به / فكم وَسَمْتَ به الآصالَ وَالبُكَرا
وكن كَعَهْديَ والألبابُ طائشةٌ / والبيضُ تَلْتهمُ الهاماتِ والقِصرا
وللرَّدى مأربٌ في كلِّ رابئةٍ / وقد دعا الجَفَلى داعبه والنَّقرى
لا تنسَ حظّكَ منْ حُسْنِ العزاء فما / أبديتَ في مثلها جُبْناً ولا خَورَا
لم آتِ قاصي ما أوْسعْتُها هممي / من السُّمودِ ولكن جئتُ معتذرا
عبدٌ أتى تالياً إذ لم يجدْ فَرَطاً / لعله حينَ لم يحججْ قد اعتمرا
يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي
يَفْديكَ كلُّ جبانٍ في ثيابِ جَرِي / نازَعْتَهُ الوِرْدَ واستأثرتَ بالصَّدَرِ
لما رأى الخُبْرَ شيئاً ليسَ يَنْكِرُهُ / أحالَ بالدينِ والدنيا على الأثر
ولِّ السُّهى ما تولَّى من تكذُّبه / إن المزيَّة عند الناس للقمر
وهيَ الشِّفارُ إذا الإقدامُ جرَّدَها / ألوتْ بما تَدَّعِيهِ العينُ للسَّهَر
والناسُ كالناسِ إلا أن تجرِّبَهُمْ / وللبصيرةِ حكمٌ ليس للبصر
كالأيْكِ مُشْتَبِهاتٌ في منابتها / وإنما يقعُ التفضيلُ بالثَّمر
ولَّى رجالٌ غضاباً حين سُدْتُهُمُ / لا ذنبَ للخيل إذ لا عُذْرَ لِلْحُمُر
واستشرفوا كلما أحرزتُ طائلةً / وللسنان مجالٌ ليسَ للإبر
طُوْلُوا وإلا فَكُفُّو من تطاولكمْ / إن المآثرَ أعوانٌ على الأثر
مَلِلْتُ حمصَ وَمَلَّتني فلو نَطَقَتْ / كما نطقتُ تَلاَحَيْنَا على قَدَر
وَسَوَّلَتْ ليَ نَفْسي أنْ أُفارِقَها / والماءُ في المزن أصْفَى منه في الغُدُر
هيهاتِ بل ربّما كان الرحيلُ غداً / كالمالِ أُحْيِي به فَقْراً من العمر
كم ساهرٍ يستطيلُ الليلَ من دَنَفٍ / لم يدرِ أن الرَّدَى آتٍ مع السحر
أمَا اشْتَفَتْ منِّيَ الأيامُ في وطني / حتى تُضَايِقَ فيما عَنَّ من وطر
ولا قَضَتْ من سوادِ العين حاجَتَها / حتى تَكُرَّ على ما كانَ في الشَّعَر
كم ليلةٍ جُبْتُ ثِنْييْ طُولها بفتىً / شتَّى المسالكِ بين النفع والضرر
حتى بدا ذنبُ السرحانِ لي وله / كأنما هو زَنْدٌ بالصَّبَاحِ يَرِي
في فتيةٍ يُنْهِبُونَ الليل عَزْمَتَهم / فليس يَطْرُقُهُمْ إلاَّ على حذر
لا يَرْحَضون دُجَاه كلما اعتكَرَتْ / إلا بمالٍ ضياعٍ أو دمٍ هَدَر
لهم همومٌ تكادُ العيسُ تعرفها / وربَّما اشتملتْ بالحادث النكر
باتت تَخَطَّى النجومَ الزُّهْرَ صاعدةً / كأنَّما تَفْتَليها عن بني زُهُر
القائلي اقْدُمي والأرضُ قد رَجَفَتْ / إلاَّ رُبىً من بقايا البيضِ والسُّمُر
والهامُ تحتَ الظُّبا والبيضُ قد حَمِيَتْ / فما تَطَايَرُ إلاَّ وهي كالشَّرر
أثناءَ كلِّ سنان عُلَّ في زَرَدٍ / كأنه جدولٌ أفْضَى إلى نَهَر
والخيلُ شُعثُ النَّواصي فوقها بُهَمٌ / حُمْسُ العزائمِ والأخلاقِ وَالمِرَر
شابت من النقع فارتاب الشباب بها / فَغُيِّرَتْ من دمِ الأبطالِ بالشَّقَر
والشَّيبُ مما أظنُّ الدهرَ صحَّفَهُ / معنىً من النّقصِ عمّاهُ عن البشر
لو يعلمُ الأفْقُ أن الشيبَ مَنْقَصةٌ / لم تَسْرِ أنجمه فيه ولم تَسِر
وليس للمرء بعد الشيبِ مُقْتَبَلٌ / نهايةُ الروضِ أن يعتمَّ بالزّهرِ
أما ترى العِرْمِسَ الوجناء كيف شَكَتْ / طولَ السّفار فلم تَعْجِزْ ولم تَخُرِ
تسري ولو أنَّ جَوْنَ الليلِ معركةٌ / من الرّدى كاشراً فيها عن الظُّفر
باتتْ تَوَجَّى وقد لانت مواطئها / كأنَّها إنّما تخطو على الإبر
من كلِّ ناجيةِ الآمال قد فَصَلَتْ / من الرّدَى فحسبناها من البُكُر
تَخشى الزمام فتثني جِيدَها فَرَقاً / كأنَهُ من تثنّي حَيَّةٍ ذكر
تجري فللماءِ ساقاً عائمٍ دَرشبِ / وللرياحِ جَنَاحا طائرٍ ذكر
قد قَسّمتْهَا يدُ التدبيرِ بينهما / على السَّواءِ فلم تَسْبَحْ ولم تطر
أمْلَلْتُها فاستبانتْ نصفَ دائرةٍ / لو كُلِّفَتْ شَأوَهَا الأَفلاك لم تَدُرِ
بهيمةٌ لو تُوَفَّى كنه شِرَّتها / لفاتتِ الخيلَ بالأَحْجَالِ والغُرَرِ
أما إيادٌ فحازتْ كلَّ مَكْرُمَةٍ / لولا مكانُ رسولِ اللهِ منْ مُضَر
وأوقدوا ونجومُ الليل قد خَمَدَتْ / في لجِّ طامٍ من الصنَّبْرِ مُعْتَكر
ألقى المراسيَ واشتدتْ غَيَاطِلُهُ / على ذُكَاء فلم تَطْلُعْ ولم تَغُرِ
وَأتْرَعَ الوَهْدَ من إزبادِ لجته / كالترس يَثْبُتُ بين القَوْسِ والوتر
فالأرض مَلساءُ لا أمْتٌ ولا عِوَجٌ / كنقطةٍ منْ سَرَابِ القاعِ لم تَمُر
أفَادني حُبُّكَ الإبداعَ مكتهلاً / وربما نَفَعَ التعليمُ في الكبر
أين ابنُ بابَكَ أو مهيارُ من مِدَحٍ / نَسَقْتُها فيك نَسْقَ الأنجم الزهر
إذا رَمَيْتُ القوافي في فرائصها / لم أرْمها مُتْلِجاً كفَّيَّ في قُتَر
أبا العلاءِ وحَسْبي أن تُصيخَ لها / إقرارَ جانٍ وإن شئتَ اعتذار بري
أنا الذي أجتني الحرمانَ من أدبي / إنّ النواظرَ قد تُؤتَى من النظر
غنينَا بآل الحضرميِّ وإنما
غنينَا بآل الحضرميِّ وإنما / غَنينا بآثارِ السّحابِ المواطرِ
بكلِّ فتىً كالسّيف إلا ارتياحَهُ / لِطَلْعَةِ شاكٍ أو لنَغْمَةِ شاكر
كريمِ المساعي هزَّ عِطْفَيَّ عطفُهُ / إلى أثَرٍ من مجدهِ ومآثر
بنىً شادها عيسى وشاد محمد / فيا فَلَكُ امسكها بفلك المفاخر
ضراعةَ مأمورٍ هفا متعمداً / فصاغ لها من درِّهِ لفظَ آمر
فلا ذنبَ لي إن لم أكنْ جدَّ عالمٍ / على أيّكمْ نبدا بِثَنْي الخنَاصر
بهاليلُ من قحطانَ ساروا بذكرهمْ / إلى مَثَلٍ في الجودِ والبأسِ سائر
هم جَنَبُوها بين بُصْرى وَجِلَّقٍ / ضوامرَ زَجُّوْهَا وغيرَ ضوامر
لياليَ اعطوها سليحَ إتاوةً / جَرَتْ مثلاً أُخْرَى الدهورِ الدواهر
وهمْ ذَعَرُوا أفناءَ عكٍ بوقعةٍ / أدارتْ على همدانَ إحدى الدَّوَائرِ
وهمْ زحموا أرضَ الحجاز بزحمةً / ببيض الظُّبا والراعفاتِ الشواجر
وهمْ ملأوا نجداً شَمَاماً وَنَجْدَةً / وِرِقَّةَ آدابٍ وطَيبَ عَنَاصر
لهمْ أجأٌ يحميه زيدٌ وحاتمٌ / بِشَدِّ المذاكي أو بشدِّ المَغَافر
وَجِلَّقُ في سلطانِ عمروِ بن عامرٍ / وكم لهمُ مِنْ مثلِ عمرو بن عامر
وطيبةُ مما أنزلتْهُ سيوفهم / فهل من مُباهٍ أو فَهَلْ مِنْ مفاخر
لياليَ طابتْ سُبْلها وَشِعَابُها / بأكرمِ منصورٍ وأكرمِ ناصر
بِحيَّينِ من أبناءِ قَيْلةَ أقْدَمُوا / على الموتِ إقدامَ الليوثِ الخوادر
سخاؤهُمُ ظلٌّ لكلِّ مُهَجّرٍ / وبأسُهُمُ أمنٌ لكلِّ مُهَاجر
وفي كلِّ أرضٍ بلّغوا المجد حقه / بحدِّ العوالي واحتمال الجرائر
ولا مثلَ عيسى منهمُ ومحمدٍ / طهارةَ أثوابٍ وحُسْنَ مناظرِ
ونعم الفَتَى إن أخلفَ الغيثُ مالكٌ / قِرَى النازلِ الثّاوي وزادُ المسافر
لك الفضلُ في ما صُغْتُهُ وَصنَعْتهُ / وما شاعرٌ لم يَمْتَدِحْك بشاعر
حذوتَ مثالاً فامتثلت فإن أُجِدْ / فلستُ لما أوْلَيْتَنِيهِ بكافر
وعلّمتني كيف المديحُ فليسَ لي / سوى فِقَرٍ للحاسدينَ فواقر
فإن تكنِ الأبصارُ تُجْلى بإثْمِدٍ / فإنّ المعالي إثمدٌ للبصائر
تَرَفّقْ فقد سالت بوسعي وطاقتي / غواربُ من تلك البحار الزواخر
أَنَحْسبني أسطيعُ جودَكَ كُلَّهُ / لك اللهُ دعني من لساني وناظري
شَكَرْتُ ولكنْ أينَ مني مواهبٌ / بواطنُ قد أتْحَفْتها بِظَواهرِ
ملأتَ يدي من كلِّ مجدٍ وَسُؤْدَدٍ / وأبقيتَ ذكري آيةً للذواكر
وَرِشْتَ جَنَاحي بالمواهبِ واللُّهَا / فطار بها حظّي ولستُ بطائر
وأعليتَ قَدْري أو نهضْتَ بقدرتي / فلا أمْرَ لي إن كنتُ أضعفَ قادر
وأنت الغمامُ الجَوْدُ يُرْجَى وَيُتقَى / على بدَرٍ منْ صَوْبهِ وبَوَادِر
مكارمُ تَنْدَى أو مَكَارِمُ تَلْتَظِي / توارثْتُموهَا كابراً بعدَ كابر
وكم لكَ مِنْ مَنٍ رَجَعْتَ به المنى / سوافرَ تُزْري الخدود السوافر
نظمتَ بها شَمْلي وكنتُ نَثرتُهُ / على خُطَّةٍ في كفِّ أخْرَق ناثر
ثلاثُ أثافِي نارِ صدريَ أُضْرِمَتْ / على واردٍ من همِّ صَدْري وصادر
ينامون عن ليلِ التمامِ أبِيتُهُ / كأني قطاةَ فوق فتخاءَ كاسِرِ
وأُخْرَى كريعانِ الشَّبابِ استحثَّها / نداءُ المنادي بالخليطِ المجاور
وبالظاعنين المستقلين إذ غَدَوْا / بأفئدةِ العُشَّاقِ لا بالأَباعر
وقد قَرَّبوا أجْمَالَهُمْ يُوْطِئُونها / بياضَ خدودٍ أو سوادَ نواظر
تقول وكفُّ البين حَيْرَى بجيدها / وكلٌّ بكلٍّ سادرٌ أوْ كَسَادر
فقلتُ لها يَقْضِي الذي كان قاضياً / فَسِيَّانِ إنْ حاذرتِ أو لم تُحَاذري
ثقي بابنِ عيسى مالكٍ ومحمد / بجبرِ كسيرٍ أو إقالةِ عاثر
سِرَاجَا المعالي أشْرَقَا فَتَكفَّلا / لما غارَ من تلك النجوم الغَوَائر
إليكَ أبا عبدِ الإلهِ ألوكةً / سهرتُ لها والنجمُ ليس بساهر
من اللائي صارتْ أسوةَ الشعر مذ بدت / أصابت لها فضلاً على كلِّ شاعر
اركبْ إلى المجدِ أنضاء الأعاصيرِ
اركبْ إلى المجدِ أنضاء الأعاصيرِ / وَجُبْ مع السَّعْد أحشْاءَ الدياجيرِ
ومُدَّ بالجودِ كفاً ربما وَسِعَتْ / مُلْكَ الأنامِ وتصريفَ المقادير
وَجَرِّدِ السيفَ مطروراً تصولُ به / يمينُ عزمٍ كحدِّ السيفِ مطرور
ذا رونقٍ لو نواتيه المُنَى لجرى / مَعَ السّماحِ على تلك الأسارير
وَنُبْ عن الدينِ والدنيا فقد برئا / إليك منْ كلِّ تقديمٍ وتأخير
أشبهتَ آباءَك الصيدَ الذين سَعَوا / في البأس والجودِ سَعْيا غيرَ مكفور
من كلِّ ذي أثر في كلِّ حادثةٍ / يسْمُو به كلُّ فخرٍ عنك مأثور
وذي جَنَابٍ متى تُلْمِمْ بجانبه / فاربعْ بسيناءَ واخلعْ جانبَ الطور
ترى الدنانيرَ تهمي من أكفهمُ / سحّاً وأوجههمْ مثلُ الدنانير
قومٌ إبادٌ أبوهم حين تَنْسِبُهُمْ / مجدٌ لعَمْرُ أبيهمْ غيرُ منزور
أكلما جَنَّ ليلٌ جُبْتُ غيهبه / بواضحٍ من سنا مرآك مشهور
أو لاح صبحٌ بدتْ سيماكَ باهرةً / بين البشائر منه والتباشير
في جُنْح كلِّ ظلامٍ لا تزودُ به / كُدْرُ القطا غيرَ نَجْثٍ بالمناقير
ترى الكواكبَ حَيْرَى في دُجَاهُ كما / جالتْ حَجَى الماء في خُضْرِ القوارير
وكل هاجرةٍ تَغْلي مراجلُها / كأنما مُصْطَلاها قلبُ موتور
يبيتُ حرباؤُهَا بالليلِ منتصباً / وإن أطلَّ فلم ينظرْ إلى النور
تحمى الشكائمُ في أشْدَاقها حَنَقاً / كأنَّما هيَ منه في التنانير
تعصي القنا وهي أدناها إلى كَرَمٍ / أثناءَ مُنْتَصِبٍ منها ومجرور
مهلاً فقد نِلْتَ في أمنٍ وفي دَعَةٍ / ما نال غيرُك في خَوْفٍ وتغرير
لك البسيطةُ تطويها وتنشرُهَا / عن مُقْتضَى كلِّ مطويٍّ وَمَنْشُور
والبحرُ مُضْطَرمُ الأمواجِ زاخرُها / ترى المعارفَ فيه كالمناكير
موْفٍ على النفسِ مستوفٍ حُشاشتها / يُصوِّرُ الموتَ فيها كلَّ تصوير
قُلْ ما بدا لك إلا في غواربه / تسمو بملْ عيون مثلها صور
طوْراً كما هزَّ من عطفيه ذو خَنَثٍ / ناغى الصّبابين تَنْزيف وتَفْتير
وتارةً مثلَ ما يهتاجُ مُخْتَبلُ / عالَ الأُسَى غِبَّ تعذيبٍ وتعذير
ركبتَه تَتَصدَّى الموجَ عن عُرُضٍ / على مباحٍ مِنَ الأهواء محظور
إذا طما مَوْجُهُ أو طمَّ قمتَ له / بمخبرٍ عنه في البأساءِ مخبور
وكلما اربدَّ يستشري نداكَ له / فَطَبَّقَ الأرضَ مسجورٌ كمسجور
كما تَخَلّلَ برقٌ عُرْضَ ساريةٍ / فلم يَزِدْهُ نَدَاها غيرَ تسعير
تراك كنتَ عَصا مُوسى براحتِهِ / أو كانَ عَزْمُكَ هوْلض النفخِ في الصور
تَسْمو بهمّكَ والأهوال ساميةٌ / وللردى ثَمَّ سهمٌ غير مغمور
بكرٌ عوانٌ فتاةٌ كهلةٌ ذَهَبَتْ / أُعْجُوبَةً بين تأنيثٍ وتذكير
حُبْلَى لها فَتَكاتٌ في أجِنّتها / على اقتدار لهم فيها وتكدير
واهاً لهم بين جَنْبَيْها وأنفسُهُمْ / تَجِيشُ بين التراقي والحناجير
كأنَّهمْ بين مَثْنَاها وَمَلْعَبها / ظنونُ حيرانَ أو أنْفَاسُ مَبْهُور
عامتْ وطارتْ وقالتْ للرِّياحِ ألاَ / عُوْجي على أثَري إن شئْتِ أو طيري
حتى تَرَقَّتْ مِنَ اللأْوَا إلى مَلِكٍ / مُؤَيَّدٍ منكَ في اللأَوْاءِ منصور
جِوَارُكَ منْ ضَيْم الخُطُوبِ مُجيرُ
جِوَارُكَ منْ ضَيْم الخُطُوبِ مُجيرُ / وأنتَ على صَرْفِ الزَّمانِ أمير
وَكُلُّ جَوَادٍ عن مَدَاكَ مُقَصِّرٌ / وكلُّ كبيرٍ عن نَدَاكُ صغير
وظلُّكَ فَضْفَاضُ الغَلائِلِ سَجْسجٌ / وماؤُكَ فَيَّاض الجِمامِ نمير
وروضُكَ مطلولُ الجَنابِ صَقِيلُهُ / تَضَاحكَ نُوَّارٌ وأشْرَق نور
وَأرْضُكَ أرضٌ للمكارمِ والعلا / تُناوِحُ هُضْبٌ أو تَعُبُّ بحور
وذكرُكَ لا ما دَنْدنض المسكُ حوله / بكيتَ وكيتٍ والكلامُ كثيرُ
وبشرُكَ لا لمعٌ من البرقِ شامَه / مُلِظٌّ بأَكْنافِ البيوتِ حسير
يصرِّفه مَرُّ السنين بنهضةٍ / إلى الشيءِ أيْنٌ دونَهُ وفتور
وبات عليه ليلُ غَرْثَانَ بائسٍ / يطولُ على راعيه وهو قصير
تململَ والتفَّتْ عليه غياهبٌ / تَرَى النجم فيها يَهْتَدي ويَجُور
وضافتْهُ أبكارُ الخطوب وَعُونُها / فكلٌّ لكلٍّ مُنْجدٌ وظهير
فَبَيْناهُ يَقْريها حُشَاشَةَ نَفْسِهِ / وقد كاثَرتْهُ تَنْبرِي وَتَثُور
تَنَسّمَ تلقاءَ الجنوبِ أو الصَّبا / نسيمُ الحيا تسْري به وتسير
فما راعَه إلا تَبَسُّمُ بارقٍ / كما جال فكرٌ أو أشارَ ضمير
فأتْبَعَهُ طرفاً يودُّ لو أنَّهُ / عليه دليلٌ أو إليه سَفير
فما ارتدَّ حتى جلَّلَ الأُفْقَ مارجاً / يُوهّمه أنَّ الظلامَ سعير
وهبَّتْ على اسمِ الله أما نسيمها / فَرَوْحٌ وأما نَشْرُها فنشور
وهبت إلى أن ضاق عنها مهبها / صباً في ذيول المعصرات عثور
وَهَبَّتْ فهبتْ كلُّ وطفاءَ جَوْنَةٍ / تكادُ تَفَرَّى أو تكادُ تفور
من اللائي لم ينهضنَ إلا تَدافُعَاً / تَكَدَّسُ أعجازٌ لها وصدور
دَلُوحٌ على هزِّ الرياح وأزّها / تَرَاكمَ وَدْقٌ واكفهرَّ صبير
تمرُّ بِمَلْمُومِ الهِضَابِ فما تني / ولا تنثني حتى تَراهُ يصور
كذلك حتى حَدَّثَتْهُ عنِ المنى / فأصْغَى ولو أنَّ الملامَ عسير
وحتى أرَتْهُ كلَّ بيضاءَ شَحْمَةً / ولو أنها في راحتيه قَتير
خَشُنْتَ فلم تَتْرُكْ وأنتَ مُنَازَعٌ / وَلِنْتَ ولم تأخُذْ وأنت قدير
وَوَقَرْتَ والهيجا يَجيشُ غمارها / وحتى لداء الموت أنت مبير
وأنت إذا ما الخيلُ جرَّتْ شكيمَها / وللموتِ عِيْرٌ بينها وَنَفِير
من المجد دانِ دونه مُتَعرِّضٌ / إلى الهولِ سبَّاقٌ عليه جَسُور
وأنت ابنَ زهرٍ مُنْتَهى كلِّ سُؤْدَدٍ / وإن كان منه أوَّلٌ وأخير
قريعُ إبادٍ كلما رامَ أو رمى / فليس على الأَيَّامِ منه خفير
مِنَ الموقدين النارَ في كلِّ هَضْبَةٍ / تَضَاءَلَ عنها مِنْبَرٌ وسرير
بني الحربِ مازالوا يَشِبُّونَ حولها / على أنها قبلَ الفِطَامِ تَزُور
أحَلَّتْكَ أعْلَى ذِرْوَةِ المجدِ هِمَّةٌ / لها البأسُ رِدْءٌ والسماحُ سمير
وَجُرْدٌ عناجيجٌ ذكور يَكُرُّهَا / على الموتِ مُرْدٌ مُعْلَمُونَ ذكور
وكلُّ رقيقِ الشفرتين متى يَخُضْ / إلى المجدِ بَحْرَ الموتِ وهو شَفير
كفيلٌ بأَرْوَاحِ الأَنام مُوَكَّلٌ / عليمٌ بأسرارِ الحمام خبير
حذاءَكَ منه حين يُغْمَدُ رَوْضَةٌ / ودونَكَ منه إذ يُسَلُّ غدير
له كلَّ يومٍ في أعاديك وَقْعةٌ / تحارُ مُنَاهم دونها وتَحور
أطلَّ عليهمْ بالمنايا غِراره / فهلْ علموا أنَّ الحياةَ غُرُور
أتَعْلَمُ ما أوْلَيْتَها اليومَ حِمْيرٌ / فَتَشْكُرَهُ إنَّ الكريمَ شكور
نهضتَ بعبأَيْ جِدِّها واجتهادها / تَسُرُّ ليالي مُلكها وَتَسُور
وفيتَ بِحقَّيْ نُصْحِها وَوِدَادها / تُدَبِّرُ علماً أمْرَها وتدير
دعاكَ أميرُ المؤمنين لنصرِه / بحيثُ التوَى نَصْرٌ وَخَامَ نصير
ولم تُغْنِ عَنْهُ الضُّمَّرُ القُبُّ حَوْلَهُ / تَبَارى ولا البيضُ الرِّقاقُ تُبير
ولا كلُّ لدن القدِّ أمَّا مُعَرّضٌ / فأعمى وأمَّا مُشْرَعٌ فبصير
به غُلّةٌ شَمَّاءُ عن كلِّ مَوْرِدٍ / سوى ما أباحتْ أضلعٌ ونحور
وحسبُ وليِّ العهد منكَ وعَهْدِهِ / أخٌ وأب أو صاحبٌ وأمير
تحلَّيْتُما للمُلْك تَكْتَنِفَانِهِ / أبو حَسَنٍ يُسْدي وأنت تُنير
تقولُ أعادِيهِ عليّ مُصَمِّمٌ / بِيُمْنى يَديْهِ ذو الفَقَار شهير
أبا زُهْرُ والأحْزان حولي فوادحاً / ولولاكَ لم يَخْلُصْ إليّ سرور
ويا زُهْرُ يا كلّ الحياة وبعضُهُمْ / وحاشاك نار لا أقول حرور
إليكَ تولاّني هوايَ وإنني / إليكَ وإن أغْنَيْتَني لفقير
أعِنْدَكَ أني ضِعْتُ بعدك ضَيْعَةً / تَعَلَّمَ منها الدهرُ كيفَ يَجورُ
وأنِّيَ وَلَّيْتُ العدوَّ مَقَاتلي / فأصبح يُوْمِي نَحْوَهَا وَيُشير
سأولي أبا مروانَ شُكْرِيَ كلَّهُ / وإني بِشُكْرِ الأكرمين جَدير
فماليَ قد ضاقت عليَ مسالكي / وساعات ليلي في النهار شهور
وراحتك الطُّولي إلى كلّ مَفْخرٍ / وإنْ طالَ فخرٌ أو أطالَ فخُور
إليك الهنا يا أبا العلاء قوافياً / تَضَوَّعَ منها عَنْبَرٌ وَعَبير
وَدُمْتَ على غيظِ الحَسُودِ بِغِبْطَةٍ / تجورُ على صَرْفِ الرَّدَى وتجير
أما الزمانُ فلا أشْكو ولا أذَرُ
أما الزمانُ فلا أشْكو ولا أذَرُ / لا يَصْنعُ الدهرُ ما لا يَصْنعُ القدر
لو أنْ حظّيَ من دنيايَ أُمْنَحُهُ / جاءتْ إليَّ الليالي وهي تعتذر
ماذا أقولُ وقد أخنى على جِدَتي / رَيْبُ الزمانِ وخطبٌ كلُّهُ ضرَر
تأبَى خلائِقُهُ إلا مُنَاقَضَتي / حتى كأنّيَ في لَهْوَاتِهِ صَبْرُ
حَسْبي من الدّهْرِ أن لو صاب مقصده / ما كان مُعْتَمداً بالكُلْفَةِ القَمرُ
لا تُنْكِروا ذُرْأةَ الأيام فيّ فقد / أبْدى العِيانُ لكم ما ضَيَّعَ الخَبَرُ
لو كان بالقَدْرِ يَسْمُو مَن له خَطَرٌ / ما كانَ يَسْكُنُ قَعْرَ اللجَّةِ الدُّرَرُ
أوْ كانَ يُرْزَقُ بالعقل اللبيبُ لما / كانتْ تعيشُ إذنْ من جهلها البقرُ
إن البُزاةَ إذا ما نُكّسَتْ هَزأتْ / منها العصافيرُ والصدّاحةُ القُمُر
وَحسْبُ نَدْبٍ من الدنيا إذا عتبت / أن يَسْتَقِلّ به من صَبْرِه أمَرُ
فما مواصلةُ الأغمادِ واصلةٌ / ما لا يقوم على إمضائه السُّمُر
كم قد حَذِرْت النّوى لو كان يَنْفَعُني / أو كان يعْصِمُني منْ وقْعِها الحذر
وإن كفّاً رمتْ بيني وبينهمُ / بالبينِ عنهمْ لَمَا تُبْقي ولا تَذَر
وَحكّمَتْ فيهمُ صَرْفَ الردى ولقد / كانوا وما إن به مِنْ ذِكْرِهِ كدر
كأنَّ دمعيَ لما بِنْتُمُ مقةً / ذابَ العقيقُ به أو أَثمَرَ الشَّقِرُ
وحبَّذا لَوْعَةٌ في جَنْبِ مُعْتَقِدٍ / ما لا تَبُوحُ به في قلبه الذِّكَرُ
وطيبُ مُرْتَشَفٍ في حُسْنِ مُؤْتَلِفٍ / في مثلِ مُرْتَعَفٍ أوْدَى به النظر
يكادُ يَنْقَدُّ من لينٍ وَيَجْرَحُهُ / أنْ صُرِّفَتْ في تَنَاهِي حُسْنِهِ الفِكر
ما حمل الله في الانجاد من عضب / ما حمل القلب ذاك الدل والخفر
ولا انتضى صارماً يوم الوغى بَطَلٌ / كما انْتَضَى من ظُبَاهُ ذلك الحور
ولا عتا سَقَمٌ في جِسْمِ ذي شَجَنٍ / بمثلِ ما عاثَ فيَّ البينُ والسهر
لا تحسبُوا أدْمُعي ماءً تجودُ به / عيني ولكنَّه مِنْ لوعتي شرر
يا حادياً نَحْوَهُمْ بلّغْ تحيتنَا / لُقّيتَ خيراً ولا يَشْعُرْ بكَ السَّفَر
وقلْ هنالكَ إن الصبَّ حمله / عنه السلام إليكمْ أيها النَّفر
تأتي مواهبُهُ المعسولُ ساكبُهَا / عن السّحاب يعيها السّمْعُ والبصر
يا غيثُ يا ليثُ يا فضّال يا وَزَرُ / يا نجمُ يا كوكبٌ يا شمسُ يا قمر
أنت الذي لم يَقُدْ جيشاً لمنزلة / إلا وزُلْزِلَ عنها البدوُ والحضر
إن كان صُوِّرَ هذا البأسُ في صِفَةٍ / فإنت لا شكَ منها النابُ والظفر
ورُبّ ليلٍ من النقع اخترقت ضحىً / والهصر منتظمٌ والهام منتثر
ولا نجومَ سوى الأرماحِ تشبهه / وليس فجرٌ سوى التحجيلِ ينفجر
رماهمُ بكتابٍ من كتيبته / عنوانُهُ واسْمُهُ الأحجالُ والغُرر
ولا خطيبَ لدى الأقوام يُنْشِدُهُمْ / شرحَ القضيّةِ إلا الصارمُ الذكر
ماذا يضرُّك من إدمانِ منطقِه / للصمتِ في مأزق آياتُهُ العبر
قد أعْرَبتْ دونه الآفاقُ مُنْهلَةً / والخيلُ مرسلةً والسيفُ ينتقر
لا غَروَ أنْ سمحتْ كفُّ الزمانِ به / فقد يجودُ بِعَذْبِ السَّلْسَلِ الحجر
وقد تجيبُ نجومُ السّعْدِ عنه فلا / يَعْرُو السحابَ بها طلٌّ ولا مطر
يَحِيدُ عنك لسانُ القول معترفاً / كما يَحِيدُ لنور الجَوْنَةِ البصر
وكيف وصفُك حالاً فاتَ عالمها / حدّ العقول فلا عينٌ ولا أثر
طالتْ مآثرُهُ كُنْهَ الوجودِ فلا / يَعيبُهُ ويكَ إلا أنه بشر
إذا رضيتَ نبا غربُ الزمان وإن / أعرضت يوماً فبئس الذكرُ والخبر
لا تَقْذِفَنْهُ بِأعْراضٍ يُطَوِّقُهُ / طَوْقَ الهجين فما في باعِهِ قِصَر
يا آخذي بِذنُوبِ الدهرِ بادرةً
يا آخذي بِذنُوبِ الدهرِ بادرةً / من عتبه لم أكُنْ منها على حذر
هيَ الليالي ولم تجهل عواقبَها / فانظر وأنت على حالٍ منَ النظر
وقد صَفَوْتُ فَرِدْني ثُمَّ معذرةً / إليك من كَدَرِ الأيّامِ لا كَدَري
واعلمْ بأنّ الليالي غيرُ آليةٍ / حتى تُفَرِّقَ بين القوس والوَترِ