القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الأَبّار الكل
المجموع : 275
نَادَتْكَ أنْدَلُسٌ فَلَبِّ نِداءَها
نَادَتْكَ أنْدَلُسٌ فَلَبِّ نِداءَها / واجْعل طَواغيتَ الصّليبِ فِداءَها
صَرَختْ بِدَعوَتك العليّة فاحْبُها / من عاطِفاتك ما يقي حوْباءها
واشدُدْ بِجلبك جُرْد خَيلك أزْرَها / تَرْدُدْ على أعْقَابِها أرْزَاءها
هيَ دَارُك القُصوى أوَتْ لإِيالَةٍ / ضَمِنْتَ لها معَ نصْرِها إيواءَها
وبَها عَبيدُك لا بَقاءَ لَهُم سوى / سُبُل الضّراعة يَسْلُكون سَواءَها
خَلَعَتْ قُلُوبُهُمُ هُناك عزَاءَها / لمّا رأتْ أبْصارُهُم مَا ساءها
دُفِعوا لأبكارِ الخُطوب وعُونها / فَهُمُ الغَداةَ يُصابِرونَ عَنَاءَها
وَتَنَكّرَتْ لَهُم اللَّيالي فَاقْتَضَتْ / سَرَّاءَها وَقَضَتْهُمُ ضَرّاءَها
تِلك الجَزيرَةُ لا بقاء لها إذا / لَمْ يَضْمن الفَتْحُ القريب بَقاءَها
رِشْ أيها المولى الرّحيمُ جناحَها / واعْقِدْ بِأرْشية النّجاة رِشاءَها
أَشفى على طرفِ الحياةِ ذَماؤُها / فاستبْق للدّين الحَنيف ذماءَها
حاشَاكَ أنْ تَفْنى حُشاشتُها وَقدْ / قَصَرتْ عليك نداءها ورَجَاءَها
طَافَتْ بِطَائفَة الهُدى آمالُهَا / تَرْجو بِيَحيى المُرْتَضى إحْياءَها
واسْتَشرفَتْ أمْصَارُها لإمَارة / عَقَدت لنَصر المُسْتضام لوَاءَها
يا حَسْرَتِي لِعقائِلٍ مَعْقولَةٍ / سَئم الهُدى نحْو الضّلالِ هِداءها
إيهٍ بَلَنْسيَةٌ وفي ذكراكِ ما / يمري الشؤون دماءَها لا ماءَها
كيف السّبيلُ إلى احتِلال معاهدٍ / شبّ الأعاجِم دُونها هيْجاءها
وإلى رُبىً وأباطِحٍ لَمْ تَعْرَ مِنْ / خلَعِ الرّبيع مصيفَها وشِتاءَها
طابَ المُعرّسُ وَالمَقيلُ خِلالَها / وَتطلّعَتْ غُرَر المُنى أثْناءها
بِأبي مدارسُ كالطلول دَوارسٌ / نَسختْ نواقيسُ الصّليب نِداءَها
ومصانعٌ كسَف الضّلالُ صَباحها / فيخالُه الرّائي إليْه مَسَاءَها
رَاحَتْ بها الوَرْقاءُ تُسمعُ شدوَها / وغَدت تُرجِّعُ نَوْحَها وبكاءَها
عَجَباً لأهْل النار حلّوا جَنّةً / مِنْهَا تمُدُّ عَلَيْهِم أفْيَاءَها
أمْلتْ لهُم فتعجّلوا ما أمّلوا / أيّامُهُم لا سُوِّغوا إملاءها
بُعْداً لِنَفْس أبْصَرَتْ إسْلامَهَا / فَتَوكَّفَتْ عنْ جزّها أسْلاءَها
أمّا العُلوجُ فَقَد أحالُوا حالها / فَمَن المُطيقُ علاجَها وشِفَاءها
أهْوى إليْها بالمكاره جارح / لِلكُفْر كَرّه ماءَها وهواءَها
وكفى أسى أن الفواجعَ جمّة / فَمَتى يُقاوم أسْوُها أسْوَاءها
هَيهات في نَظَر الإمارَة كفُّ ما / تخْشاه ليْت الشُّكرَ كان كِفاءها
مَولاي هَاك معادةً أنْباءَها / لِتُنيلَ منْك سعادةً أبْناءَها
جَرِّدْ ظُباك لمحو آثار العدى / تَقْتلْ ضَراغِمَها وتَسْبِ ظِباءَها
واسْتدْع طائِفَة الإمام لِغَزْوها / تَسْبِق إلى أمثالِها استدْعاءَها
لا غَرْو أن يُعْزى الظهور لملة / لَمْ يَبْرحُوا دُون الوَرى ظُهَراءها
إنّ الأعاجِم للأعاربِ نُهْبَة / مَهْما أمَرْتَ بِغَزْوها أحْياءهَا
تالله لو دَبّت لها دَبّابُها / لَطَوَتْ عَلَيها أرْضَها وَسَمَاءَها
وَلو اسْتَقَلَّت عَوْفُها لقتالها / لاسْتَقبلت بالمُقرَبات عَفَاءَها
أرْسِل جَوارِحَها تَجئك بصيدها / صَيْداً وناد لِطَحْنِها أرْحَاءَها
هُبُّوا لها يا مَعْشَرَ التَّوحِيدِ قَدْ / آن الهُبوبُ وأحْرِزوا عَلْياءها
إنّ الحَفائِظَ من خلالِكُمُ التي / لا يَرْهَبُ الداعي بِهِنّ خَلاءها
هي نُكتةُ الدّنيا فحيهلاً بها / تَجدوا سناها في غدو سناءها
أوْلوا الجَزيرَةَ نُصْرَةً إن العدى / تَبْغِي على أقطارها اسْتيلاءَها
نُقِصَتْ بِأهل الشّرك من أطرافها / فَاستحْفِظوا بالمُؤْمنين بقاءَها
حاشاكُم أنْ تُظْهروا إلْقاءَها / في أزْمةٍ أو تُضْمروا إقْصاءَها
خُوضوا إليها بحْرها يُصبح لكمْ / رَهواً وجوبوا نحوَها بيداءها
وافى الصَّريخ مُثوّبا يدعو لها / من يصْطفي قصد الثّواب ثواءها
دَارُ الجِهاد فلا تَفُتْكمُ سَاحَةً / ساوَتْ بها أحياؤُها شُهَدَاءها
هَذي رسائِلُها تُناجي بِالتي / وَقَفَتْ عَلَيْهَا رَيْثَها ونجَاءَها
ولَرُبّمَا أنْهَت سَوالِبَ للنهى / منْ كائِنات حُمّلت إنْهاءها
وفَدَت على الدّار العَزيزة تَجْتَني / آلاءَهَا أوْ تَجْتَلِي آرَاءَها
مُسْتَسْقِياتٍ مِنْ غُيوث غياثها / ما وَقْعُه يَتَقَدّمُ اسْتسقَاءَها
قَدْ أمّنَتْ في سُبْلها أهْوَالَها / إذْ سَوَّغَت في ظِلِّها أهْواءها
وبِحَسْبِهَا أنّ الأمير المُرْتَضَى / مُتَرَقِّبٌ بِفُتوحها أنْبَاءها
في الله ما يَنويه من إدراكها / بكلاءةٍ يفدي أبي كلاءها
بُشْرى لأَنْدلُسٍ تُحبُّ لقَاءه / ويُحِبّ في ذات الإلَه لِقاءَهَا
صَدَقَ الرُّواةُ المُخْبِرونَ بأنّه / يَشْفِي ضَنَاهَا أوْ يُعيدُ رُوَاءها
إنْ دَوَّخَ العُرْب الصّعابَ مَقَادَةً / وأبى عليها أن تُطيع إبَاءها
فكأن بِفيْلقه العرمْرَم فالقاً / هَامَ الأعاجم نَاسِفاً أرْجَاءَها
أنْذرْهُمُ بِالبَطْشَة الكُبْرى فقدْ / نذَرت صَوارمُه الرّقاقُ دِماءَها
لا يَعدَم الزّمنُ انتصارَ مؤيَّدٍ / تَتَسوَّغُ الدُّنيا بِه سَرّاءَها
ملِكٌ أمَدَّ النَيّرات بِنُوره / وأفادَها لألاؤُه لألاءَها
خَضَعَتْ جَبَابِرَة المُلوكِ لِعزه / ونَضَتْ بِكَفّ صغارِها خُيَلاءَها
أبقى أبُو حَفْصٍ إمَارَتَه له / فَسَمَا إلَيها حامِلاً أعْبَاءهَا
سَلْ دَعْوَةَ المَهْديّ عن آثاره / تُنْبِئْك أنّ ظُباه قُمْنَ إزَاءَها
فَغَزا عِداها واسْتَرَقَّ رقَابَها / وحمَى حِمَاها واستَرَدّ بهَاءَها
قبضت يداه على البسيطة قَبْضَةً / قادَتْ له في قدّه أمراءَهَا
فعلى المَشارق والمغارب ميسَمٌ / لِهُداه شَرّفَ وَسْمُه أسْماءَها
تَطْمو بِتُونِسها بِحارُ جُيوشه / فيزورُ زاخر موْجها زَوْرَاءها
وَسع الزمانَ فضاقَ عنْه جَلالةً / والأرضِ طُرّا ضَنكها وفَضَاءَها
ما أزْمَع الإيغال في أكْنَافِها / إلاّ تصَيّد عَزْمُهُ زُعَمَاءَها
دانَتْ له الدُّنيا وشُمُّ مُلوكِها / فاحْتَلَّ منْ رُتَب العُلى شمّاءها
رَدّتْ سَعَادَتُه على أدْراجِها / غِيَل الزّمان ونَهْنهت غُلَواءها
إن يغْتِم الدُّوَلَ العَزيزَة بأسُه / فَلأنْ يُوالي جُودُه إعطاءَها
تَقَعُ الجَلائلُ وهْو راسٍ راسخٌ / فيها يُوقّعُ للسعودِ جلاءَها
كالطَّوْد في عَصْف الرياح وقَصْفها / لا رَهْوَها يَخْشى ولا هْوجاءها
سامي الذّوائب في أعزّ ذُؤَابَةٍ / أعْلت على خِيَمِ النجوم بنَاءها
بَرَكَتْ بكُلّ مَحَلّةٍ بركاتُه / شَفْعاً يُبَادرُ بذلُها شُفعاءها
كالغَيْث صَبّ على البَسيطة صَوْبَه / فَسَقى عَمائِرَها وجَاد قَواءَها
يَنْميه عَبْد الواحِد الأرْضى إلى / عُلْيا تَجَنّح بَأسها وَسَخَاءَها
في نَبْعَةٍ كَرُمتْ وطابَتْ مَغْرِساً / وسَمَتْ وطالتْ نضْرَةً نُظراءها
ظهرت بِمحتدها السّماء وجاوَزَتْ / بِسُرادقاتِ فخارها جوْزاءها
فئةٌ كرامٌ لا تكُفّ عن الوغى / حتّى تُصرِّعَ حوْلها أكفاءها
وتَكُبُّ في نار القِرى فوْقَ الذُّرى / من عِزّةٍ لُوّاتِها وكُبَاءَها
قد خلقوا الأيَّامَ طيبَ خَلائِق / فَثَنَتْ إلَيهمْ حَمْدها وثَنَاءَها
يُنْضُونَ في طَلَب النّفائِس أنْفُساً / حَبَسوا على إحرَازِها أنْضَاءَها
وَإذا انْتَضَوْا يَوْمَ الكَريهَة بيضَهُمْ / أبْصَرْت فيهم قَطْعها وَمَضاءَها
لا عُذْر عند المكرُماتِ لهم متى / لم تَسْتَبن لعُفاتِهم عذْرَاءها
قَوْمُ الأمير فمنْ يقُومُ بِما لهم / من صالِحاتٍ أفحَمتْ شُعَرَاءَها
صَفْحاً جَمِيلاً أَيُّها المَلك الرّضي / عنْ مُحكماتٍ لم نُطق إحْصَاءها
تَقِفُ القوافي دُونَهنّ حَسيرةً / لا عِيّها تُخْفي ولا إعْيَاءها
فلعل عَلْيَاكمْ تُسامح راجياً / إصْغاءها ومُؤمّلاً إغضاءَها
غَزْوٌ على النّصر والتمكين منْشؤُه
غَزْوٌ على النّصر والتمكين منْشؤُه / الفَتْحُ غَايَتُه والنُّجْح مَبْدَؤُهُ
لا رَيْبَ فيما تجلّى مِنْ دَلائِلهِ / إنّ السَّعادَةَ لِلْحُسْنى تُهيِّئهُ
والفجر إذ يَصْدُق الأبصارَ مطْلِعُه / لا يستطيعُ جَناحُ الجُنْحِ يُخفِئُهُ
يُعْطِيكَ أوَّلُه مَضْمونَ آخِره / فإِن واصفَه صدْقَاً يُنَبَّؤُهُ
خَطّتْ بِهِ اليَدُ منهُ مُهْرَقاً فبَدا / عنْوَانُه لِعُيونِ الناسِ تَقْرَؤُهُ
الأمْرُ أمْرُك تُعْطيه وتَمْنَعُه / والحُكم حُكمك تُمضيهِ وتُرْجِئهُ
غَضبت لله تَسْتَرْعي فرائِضَهُ / فَجِئتَ تَرْمي بِسهم لَيسَ يخطِئهُ
وقُمْتُ للدّين إفْصاحاً بنصْرَتِه / فاسحنْفَرتْ عندها الدُّنيا تُهنّئُهُ
قد كانَ مُنتهكاً جسْمُ الهُدى مَرَضاً / وأَنت رُوحٌ لَهُ مازِلت تُبْرئُهُ
للهِ جيْشُك والأسْطول قد ضَمِنا / لِلْمُقْتدي بالهُدى سيْراً يُهدّئُهُ
تَساوقا في سبيل الله واسْتَبَقا / فَاستَوْسَقَ النّصر أوفَاه وأبْطؤُهُ
هذا على أَغْبَرِ البَيْداء يسْجرُه / وَذاك في أخضَر الدّأماء يملؤُهُ
كُلُّ عَلَيْهِ بِما جَشَّمْتَهُ أبْداً / كِلاءةُ الدين واليُمنُ يُكلِّئُهُ
يا حبَّذا من بَنات الماء سَابِحَةٌ / تطفو لِما شبّ أهل النار تطفئُهُ
تُطيرُها الرّيح غرْباناً بأجنِحة ال / حمائمِ البِيض للإشْراكِ تَرْزَؤُهُ
مِن كلّ أدْهمَ لا يُلفى به جرَبٌ / فَما لراكِبه بالقارِ يهنئُهُ
يُدْعَى غُراباً ولِلْفتخاء سرْعتُه / وهوَ ابْن ماء وللشاهِين جُؤْجُؤُهُ
إن كانَ مِن نحو بَحر الشرق مسبَحه / فإنّ سَاحِلَ بَحْر الغَرْبِ مَرْفَؤُهُ
حَنَّ الإمَامُ إلى أوْطانِه كَرَماً / آثارهُ خيمُهُ الأرضَى وضِئْضِئُهُ
فيمّم المَغْربَ الأَقصى يُمَلّكه / واسْتَقبَلَ المَنْزل الأَعلى يبَوّؤُهُ
سَما إلى مَطلع المهديّ يصْدعُ ما / غَشّاهُ ظُلْمَاً وَإظْلامَاً تلأْلُؤُهُ
نَادى بِيحيى بن عَبد الواحدِ بنِ أبي / حَفْصٍ فَلَبَّاهُ يَجْزيهِ ويُجْزِئُهُ
لمَّا رَأى إخوَة التثليث تَمْحَقُه / أجَابَه بِبَني التّوحيدِ يُنْشِئُهُ
مِنْ جحْفلٍ يَحمل الإسعَادُ رَايتهُ / لا يَرْبأ بالعَالَمُ العَلْويُّ يُرْبِئُهُ
تُنْمى نِكايَتُهُ في الرُّوم إذْ جعلت / بالقَرْحِ توجعه والجرْح تنكؤُهُ
كَم ظامئٍ للظُّبا فِيهم تضَلُّعُه / وساغِبٍ للْقَنَا مِنْهم تَمَلُّؤُهُ
إمَام عَدْلٍ بِنُور اللَهِ يَنْظُر مَا / غَدا يُعَجّله أو مَا يُرَوِّئُهُ
على الكواكِب مضْروبٌ سُرادِقه / بِحَيْثُ يَبْلغ أوْج الشمسِ مَوْطِئُهُ
لا طيبَ حينَ يُعبي عَسكراً لِوَغىً / ما لم يكن من دَم الكُفارِ يَعبَؤُهُ
وزار كلَّ وَريدٍ حدُّ صارِمه / وَليْس من دونِه رِدْءٌ يُحلِّئُهُ
ينْسَى بإقْدامِه عَمْروٌ ومذحجُه / وحَاتِمٌ بِأياديهِ وطيِّئُهُ
من خاف حيفاً من الأيّام أو عنتا / وأمّه فَهْو مَنْجاهُ ومَلْجَؤُهُ
يا بَحْرَ عِلْم وجُودٍ لا كِفاءَ له / مَرْجَانُهُ مِلْءُ أيْدينا ولُؤْلُؤُهُ
يَفديك في سبْيك الأشْبالَ ضاريةً / منْ أُسْدِها كلِفٌ بالزِّقِّ يسْبؤُهُ
جاوزَ تلمسان فتحاً لاحقا بِسلا / يكُفُّ مَنْ كَفَر النُّعْمى ويَكْفؤُهُ
وانْهَدْ لمرّاكشٍ تسعدْ بها نفَلاً / ما كان مِثْلك يَنساه ويَنْسَؤُهُ
غرَّ المُناوئَ جَهْلاً نِيّةٌ قُذُفٌ / فأوْجَفَتْ نحوَهُ الأقدارُ تفْجؤُهُ
بَشِّرْ زناتة بالهَيجاء مُسْفِرَة / عَن كُلِّ ذي قَدرٍ لاَ حَوْلَ يَدْرَؤُهُ
ماضٍ على المَوْتِ والأسيافُ نابِية / ما أنصَفَ العيشَ يَهْوَاهُ ويَشنؤُهُ
إِذا ازْدَهى بِكَميٍّ ظَلَّ يَصْرَعُه / أحْظَاهُ مَا فَاتَ للمَقْدُور يُخطِئُهُ
يا وَيْل من غَشِيته الحرْبُ وهْو على / عَصا مَعاصيهِ لَم يُفْلِحْ توكؤُهُ
ما يَغْمرَاسنُ إلا أكْلُ غَمْرَتها / وإنْ بدا عن تَلظِّيها تَلَكُّؤُهُ
غَدا وَأصْلتَ وهوَ العبْدُ سيّدَهُ / فسوْفَ يَغدو الحُسامُ الصّلت يهرَؤُهُ
سُؤْر الغِوايَة نادى السُّؤرَ يُسمعُه / بِرأسِه فَهْوَ من ذُلّ يُطَأطِئُهُ
أوَى إلى أضْعَف الأركان مُستنداً / وأين من كاسراتِ الطير يُؤْيُؤُهُ
كَمنْ يَبيتُ عَلى أزْلٍ وَمَسْغَبَة / وليسَ يَنفكُّ مكروباً تجشُّؤُهُ
فإن يَطُلْ بسَنَايَاهُ تَبرُّمُهُ / فقَد أنَّى من أمانيهِ تَبرُّؤُهُ
أُولُو السَعادة لم يضْرِم هِياجَهُم / أولُو الشَقاوة إلا وهيَ تَفْثَؤُهُ
بُشْراكَ بالفتْح قد حيّاكَ من كثبٍ / والفتح أهنَؤُهُ الأوْحَى وأمْرَؤُهُ
فَاءَتْ بدولَتكَ الدُّنيا لِزِينَتِها / فدامَ ظِلُّك مأموناً تَفَيُّؤُهُ
ظَهيراك التوكُّل والمَضاء
ظَهيراك التوكُّل والمَضاء / فَعُمْرُ الكُفْر آن له انْقِضاءُ
يدُ الإيمَانِ عَالِيَةٌ عَليه / كَما يَعْلو على الظُّلَم الضّياءُ
وبيضُ الهِنْد ظَامِئَةٌ إليهِ / ومِن دَمِه يسوغُ لها ارْتِواءُ
أعُبَّادَ المَسيح دنا رَدَاكُمْ / وأَخْرَسَ نَأْمةَ الجَرَس النِّداءُ
لِمَ استعجَلتُمُ حُمْرَ المنايا / وأنتم عن تَقَحُّمِها بِطاءُ
رَحى الهَيْجاءِ دائِرةٌ عليكُم / بما يَنْهدُّ خِيفَتَه حِراءُ
هُو الزّمنُ الذي كُنْتُمْ وُعِدتم / تجلّى الحقّ فارتفع المراءُ
وما لا يُستطاعُ له دفاع / فليسَ وراءَه إلا الفناءُ
رَمى بِكُمُ مِنَ المنْجاةِ يَأسٌ / وما لَكُمُ بما خُنتمْ رَجاءُ
تَماطيتُم لِقَاء الأُسْد غُلْباً / وكيفَ ومَوْعِدُ البَيْن اللِّقاءُ
وقُلْتُمْ نحن أكْفَاءٌ وَأنَّى / تُضاهي نارَ أخضركم ضُحاءُ
دَعاوي البَأْس عادَتكُم ولكِنْ / بِحيثُ يُمَدُّ لِلْمَجْرى الخَلاءُ
تَعَالَوْا إنَّها أسدٌ خِمَاصٌ / بأيْديها لَكُمْ أسلٌ ظِماءُ
حصادُكُمُ على الأسْيافِ دَيْنٌ / ومِنْ تلك الأكفِّ لَهُ اقْتضاءُ
ستَصْدِمكُم وَتصْمِدُكُم خُيولٌ / مِنَ الأسطُول ضَمَّرها الجِراءُ
كأمثالِ المَذَاكي سابحاتٍ / لها عَدْوٌ لِمَنْ فيهِ اعتِداءُ
مِنَ الدُّهْم السوابق لا لغوب / يُثَبّطُ جَرْيَهُنّ ولا عَناءُ
صحاحٌ تُشْبِهُ الآجَالَ جَرْياً / بِآيةِ ما يُجلّلُها الهناءُ
هِيَ الغِرْبانُ تَسْمِيَةً وَمَعْنىً / وَلَيْس لها سِوى ماء هَوَاءُ
نَواعِبُ أوْ نواعٍ لِلأعادي / بِما عُقْباه قَتْلٌ أو سِبَاءُ
بَناتُ الماء حاملة كُماة / بِأَهْلِ النار سَطْوَتُها العياءُ
يُسَرُّ بِها الهُدى ويَقَرُّ عَيْناً / وَلكنّ الضّلال بِها يُساءُ
عَلى سِير الإمارَة لم تَرِمْها / لَدَيْها يَشْفَعُ البَأس الحياءُ
أولَئِك زُمْرَةُ التَّوْحيد يُنمى / بها نَسَبٌ لطُهْرَته نَماءُ
خَضِيب نصولها يأبى نُصولاً / فتِلك عَبيطَة فيها الدّماءُ
فِدَاءٌ للخليفَة مَنْ عَلَيْها / وقلّ لَهُ إذا كَثُر الفِداءُ
إمامٌ نوّر الدُنيا هُداهُ / وَقد أعْيا بظُلْمَتِها اهتِداءُ
لَه في المَجدِ والعَلْيا انْتِهَاءٌ / ومِنْهُ في انتِهائِهما ابتِداءُ
غِنىً في راحَتَيْه لِلأماني / وللإيمانِ مِلْؤهما غَنَاءُ
فلا تجزعْ لداهِيَة بِنَادٍ / أما ناديه للجُلّى جَلاءُ
إذا الأهوال حَلَّتْ ثم جلّت / فَيَحْيى المُرْتَضَى مِنها وِقاءُ
هُو الهادي إلَى الخَيْراتِ يُهْدى / له المَدْحُ المُحَبّر والثّنَاءُ
وهَلْ تُعْيي مُعَالجَةٌ لخطبٍ / وما تُمْضي إرادَتُه شِفاءُ
هَنِيئاً عامُ إقْبال جديدٌ / بِيُمْنِ طُلوعِه عَمّ الهَناءُ
وَإعدادٌ لِغَزْو الشّرْك تَزْكو / بِنِيّته المَثُوبَةُ والجَزاءُ
جَوارٍ مُنْشَآتٌ في تَبَارٍ / إلى الفَوْزِ العظيمِ بما تَشاءُ
وجُرْدٌ مُقْرَبَاتٌ أيّدَتْها / على مَنْ غُلْتَ في الأرضِ السماءُ
تدمّرُهُم رِياحاً ليسَ مِنها / وَقد هبّت بإعصافٍ رُخاءُ
كَتائبُ لا يُحيطُ بها كِتابٌ / يضيقُ برَحْبه عنها الفَضاءُ
إذا نَزَلَتْ بِساحات الأعادي / صَباحاً لم يُلَبّثُها الضُّحاءُ
فَلِلتّثْليثِ وهْنٌ واتّضاعٌ / وللتّوحيد أيد وارتِقاءُ
نُفوسُ العالَمينَ لك الفِداءُ
نُفوسُ العالَمينَ لك الفِداءُ / فكيف ألَمّ يُؤْلِمُك اشتِكاء
وكيفَ خَطا إلى ناديكَ يُفضي / وبالخَطّي قد شَرِق الفَضاء
وللجُرْد المُطَهّمَة ارْتِكاضٌ / وللبِيض المُهَنَّدَة انْتِضاء
فِداؤك حاضِرٌ مِنهم وبادٍ / لأنَّك ما بَقِيتَ لَهُم وقاء
دَعَوا لك بالخُلودِ وَقد أجيبوا / ولا رَدٌّ إذا خَلُصَ الدُّعاء
هُم اقْتَرحوا بَقَاءك لِلْمَعالي / لِيَهْنِئَهم بِدَوْلَتِك البَقاء
وأمّا الدّين والدُّنيا فَلولا / شِفاؤك لم يُتَحْ لَهما شِفاء
فإن عُوفِيت عوفِيت البَرايا / وَقد ناجى مَعَالِمَها العَفاء
ولولا أنْ أفقت لما تجلّت / بأفْقٍ في أشعتِها ذُكاء
ولا ضَحِكتْ بُروقٌ في سحاب / لَها من عارض الشّكْوى بُكاء
نضا عنك الضّنى بُرْءٌ سعيدٌ / كمَا رَوّتْ صَدى الأرْضِ السّماء
وَجَلّلَ وَجْهَكَ الوَضّاحَ نُورٌ / إلى الإصْباح يُنْميهِ النّماء
كَذاك الشمسُ إن كُسِيتْ شُحوباً / جَلاه النور عَنها والضياء
حَياةُ النّاسِ في تَخْليدِ يَحْيى / وَهل في أبْلَجِ الحقّ امْتِراء
إمامُ هُدى بِهِ اتّصَل اعْتِدَالٌ / مِنَ الأيّامِ وانْفَصَلَ اعْتِدَاء
لِغُرّتِه النواظِرُ سامِيات / كما شَاءَ السّنى وشَأى السّنَاء
وما سحّت يَداهُ نَداه إلا / تَبَيّن في الحَيا مِنْهُ الحَياء
أمَوْلايَ أنادي مِنْ بَعيدٍ / ليُظْفرَني بإدنائي النّداء
ولَوْ أنّ الهوى بالقصدِ وافٍ / لَطار إليكَ بالقلبِ الهواء
وأوشِك أن لاقِيَ كلّ حُسنى / وإحْسان متى سَنَح اللقاء
أقِمْ لِسَعادةٍ يَهْفو ويَضْفو / علَيكَ على الوَلاء لها لِواء
وَأهلُ السّهْلِ والجَبل انقياداً / وإذعاناً عَبيدٌ أو إماء
فلا بأس وأنت لنا غياثٌ / ولا يَأسٌ وأنتَ لنا رَجَاء
ودونَك مِدْحَةً أوْجَزْتُ فيها / وكُنتُ أطِيلُها لولا الجَفاء
ومن شرطِ العيادات اخْتِصار / وهذا الأصْلُ يُطْردُه الهناء
لعَلَّ عُلاك تُوسِعُني بحُبّي / قَبُولاً إنّه نِعْمَ الحِبَاءُ
لا تطلُبوا بدمي سوى أدْمَاء
لا تطلُبوا بدمي سوى أدْمَاء / في السّر من تَيْم ومن تَيْماءِ
رَمَتِ الفُؤادَ فأقْصَدَتْه سِهامُها / لم تَحْنُ راميةً على أحناءِ
كالصَّعْدَة السّمراء لكن فُضّلت / عِوَضَ السّنان بمُقْلةٍ كحلاءِ
إنْ أوْمَأت بِقَطيعة أوْ صَرّحت / فالمَوت في التصريحِ والإيماءِ
هيفاءُ لا يَهْفو الحليم لِغَيْرِها / يا حَبَّذا هافٍ إلى هَيفاءِ
لما تَراءَت بالمُصلّى سَحرةً / نادَيْتُها مُسْتَعطِفاً بندائي
يا هَذهِ إن كنتِ رمتِ عبادةً / فمنَ العبادَة والتُّقى إحْيائي
أشْمتِّ أعدائي وكم أشْبَهتم / وكَفَى أسىً بِشَماتَة الأعداء
هَلْ لِمُعاني الهوى دَواء
هَلْ لِمُعاني الهوى دَواء / أمْ هل لِعاني الهَوى فِداءُ
وما لِدَمعي يعودُ نَاراً / من شدّة الشّوْق وهْوَ ماءُ
لا عَيْشَ للصَّبّ مُذَ تَرَاءتْ / لَهُ دُوَيْن الحِمى ظِباءُ
صادت فُؤادي وما ارْتمته / مِنها قَنَاة لها رُواءُ
كَأنَّها إذْ مَشَتْ قَطَاةٌ / كأنّها إذْ بَدَتْ ذُكَاءُ
يقولُ قَوْم تَعَزّ عَنْهَا / كَيْفَ وقد عَزّني العَزاءُ
فَلم تَحِد عن حُبّها فأسلو / وليس لي في الهوَى ادّعاءُ
وَهَبْتُ للغانِيات ذَحْلِي / فَلْيَصْنَع الحُبُّ مَا يشاءُ
ألَمْ تَر لِلْخُسوفِ وكيف أوْدى
ألَمْ تَر لِلْخُسوفِ وكيف أوْدى / بِبَدْرِ التّمّ لَمّاع الضّياء
كمِرآةٍ جَلاها الصّقْل حتّى / أنارَتْ ثُمّ رُدَّتْ في غِشَاء
حَمَلتْ بِراحتِها شَبيهةَ خدّها
حَمَلتْ بِراحتِها شَبيهةَ خدّها / تُفّاحَةً لَبِسَت حُلَى الصّهْبَاء
ورَمَتْ إلى جِهَتي بها بَلْ أوْمَأت / وجلت يَداً مَخْضوبَة بِدمائي
فَقَنِعْتُ مِنها بالزّهيدِ تعلُّلاً / والحُبُّ يُقْنَع فِيه بِالإيماء
قالوا الخروج لأرْضِ الرُّوم منقصَةٌ
قالوا الخروج لأرْضِ الرُّوم منقصَةٌ / فقلتُ كَلا ولكن صادُها باءُ
إذَا خَرَجْتُ وَفَاءً ثم عُدْتُ تُقىً / أثْنَتْ بِفِعلي عُداتي والأحِبّاءُ
وكان لي في قُريْشٍ أسْوَةٌ وكفى / مع النّجاشيِّ تَرْضاها الألِبّاءُ
أحِنُّ إلى تُرْبٍ ثوى سكناً به
أحِنُّ إلى تُرْبٍ ثوى سكناً به / فَألْثَمُه شَوْقاً لِمَنْ وُسّد الترْبا
وأُطْبِقُ أجفاني أُحاوِلُ غَفْوَةً / فيَأبى هُناك الهُدب أن يصِلَ الهُدْبا
لَعَمْري لَقَد نالَ الرّدى مِنِّيَ الذي / أرادَ وخَلَّى الصَّبرَ مُقْتسماً نَهبا
فَغَيّضَ مِن ماء الحياة معِينه / وَضَيَّق من ذرْعي بِما صَنعَ الرّحبا
تَبَاعَد مَنْ أهْوى وشطّ مَزَارُهُ / وبَدَّل نَأياً شاسِعاً ذلِك القُرْبا
فَلو أنّني طَوَّعْتُ قَلبِيَ ساعةً / قَضى نحْبَهُ لَهفا عَلى مَن قَضى نَحبا
إذا رَحَل الرّكْبُ العِراقيُّ سُحْرَةً
إذا رَحَل الرّكْبُ العِراقيُّ سُحْرَةً / إلى الخَيفِ مِن وادي السّنا فالمُحصَّبِ
هَتَفْتُ بكُم قَلبِي لَديكم فَعَرِّجوا / أوَدِّعْه إذ خَبَّ المَطِيُّ بِكُمْ وَبي
وإلا فرُدّوهُ عَلَيَّ فإنَّه / مَتَاعٌ قَلِيلٌ بَعْد قَلْبِي تَقَلُّبي
إن ضاعَ قَلْبِي فَأينَ أطلُبُه
إن ضاعَ قَلْبِي فَأينَ أطلُبُه / أوْ ذاعَ حُبّي فأنْتَ مُوجبُهُ
يا شادِناً في الضُّلوعِ مَرْتعُه / ومن نمير الدُّموعِ مشْرَبُه
تَبيتُ لَيْلَ التّمام تَرْقُدُهُ / وَمُقْلَتِي للسّماك تَرْقبُه
مَا لِلْهَوى إلا الرُّصافَةَ مأرَبُ
مَا لِلْهَوى إلا الرُّصافَةَ مأرَبُ / بَعدَ الغَدير فكيفَ يصْفو مشرَبُ
كانا مراداً للنّعيم وَمَوْرِداً / إذْ كُنْت بَيْنَهُما أجيءُ وأذهَبُ
والإلْف لِلْميعادِ بي مُتَرَقّبٌ / والدّهر بالإسْعادِ لي مُتَقَرِّبُ
وَتلاعَبت أيدي النوى بِهما وَبي / حتى انقضى لَعِبٌ وأقْفَر مَلْعبُ
وللّهِ أسْحَارٌ بها وأصائلٌ / كانتْ تُفَضّضُ صبْغَةً وَتُذَهّبُ
وكأنّ كافوراً ومِسكاً لَيْلُها / ونهارُها ممّا يَروق وَيُعْجِبُ
يزداد حُسْناً صبحُها بِرُوائِها / ويكادُ يُشْرقُ من سناها الغَيْهَبُ
تلكَ المَغاني لا حُجِبنَ كأهلِها / عَني فَوَجْدي سافِرٌ لا يُحجَّبُ
وَلعَمْرُ ما أنْفَقْت مِن عُمري بِها / وجَنيْت مِن ثَمَراتِ عَيش يَعْذُبُ
وَلأَغلِبَنّ عَلى السلوّ صَبابتي / والشّوْقُ في كُل المواطن أغْلبُ
ولأندُبَن بها الشّباب وشَرْخَه / إنّ الشباب أحَقُّ فَانٍ يُنْدَبُ
ساحاتُ حُسْنٍ طَرّزَتْ أوقَاتَها / ساعاتُ أنسٍ رَدُّها مُسْتَصْعَبُ
وأجرُّ أذْيال الهَوَادَة والهوى / يَقْتَادُني دَلُّ الحِسَان فَأُصْحبُ
كم جِئْتُ بينَ خَمائلٍ وجَداول / مِنها أصعّد في المُنى وأصوِّبُ
ومُغازلاً فَتَيَاتها في فِتْية / ما منهمُ إلا أغَرُّ مُهَذّبُ
بينَ الأباطحِ والرُّبى مُتَصَرّفٌ / ومَع الصّبابة والصّبَا مُتَقَلّبُ
خَلَعوا على زَهْرِ الرّياضِ حُلاهُم / فَغدا بهم خَيْريُّها يتأدَّبُ
نَسَبَتْه للكرم الصريح شَمائِلٌ / أدَبيّةٌ عنها يَنِمُّ وَيُنْسَبُ
فَمَعَ الصّباح تبتُّلٌ وتَقَلّصٌ / ومع الظلام تبذُّلٌ وتَسحّبُ
كانتْ مآنسَ بل نفائسَ أصبحْت / مَسْلوبَةً وكذا النّفَائسُ تُسلبُ
أين المذانِبَ لا تزال تأسُّفا / تَجري عليها من دُموعيَ مذنبُ
من كُلّ بسّام الحَبابِ كأنّه / ثغرُ الحَبيبِ وريقهُ المُسْتَعذَبُ
كالنّصلِ إلا أنّه لا يُتَّقى / كالصّلِّ إلا أنّه لا يُرْهَبُ
تَقتادُنا أقْدامُنا وجِيادنا / لجنابهِ وهوَ النّضيرُ المُعشِبُ
لَهَجاً بِدُولاب تَرَقّى نهره / فَلَكا ولكنْ مَا ارْتَقاهُ كَوْكَبُ
نَصَبَتْهُ فَوْقَ النّهْر أيْدٍ قَدّرت / ترويحَه الأرْواح سَاعَةَ يُنْصَبُ
فَكَأنّه وهو الطّليقُ مقيّد / وكأنه وهوَ الحبيسُ مُسيَّبُ
للماءِ فيهِ تصعُّدٌ وتحَدُّرٌ / كالمُزنِ يَسْتَسْقي البحار ويسكُبُ
يُعْلي ويُخْفِضُ رنَّتَيْهِ كَما شدا / غَرِدٌ وتابعَ في زئيرٍ أغْلَبُ
شَاقَتْهُ ألحانُ القِيان وشاقها / فيبوحُ من كَلَفٍ بهِنّ ويطْربُ
أبَداً على وِرد ولَيْسَ بقانِعٍ / من غُلّة في صدرِهِ تَتَلّهبُ
كالعاشِقِ الحَرّان يرتَشفُ اللّمى / خَمرا ولا يرويه ريقٌ أشْنَبُ
هَامَتْ بهِ الأحْداق لمّا نادَمت / منهُ الحَدائقُ ساقِيا لا يشربُ
هَلْ تُرْجعُ الأيّامُ عَصْرَ شييبة / مازلتُ فيها بالحسانِ أشَبّبُ
حيثُ النسيم بما يَمُرّ عليهِ من / حقّ الرّياضِ مُضمّخٌ وَمُطَيّبُ
أيّام يُرْسَل من شبابيَ أدْهَمٌ / أرنٌ ويُشكِلُ من مَشيبيَ أشهَبُ
أمّا الرُّصافة فهيَ سَمْتي لا الحِمى / ولِوى الصريمُ ولا العُذَيبُ وغُرّبُ
ربَّى الهوى منها مكانٌ طيّب / وَلَد السُّرور به زَمانٌ مُنْجِبُ
تاللّهِ ما أنْصَفْتُ أهْلَ مَوَدّتي / شرّقت أشرَق بِالبِعاد وغرّبوا
وأعيذُهُم إذْ لَمْ يُلقِنا جَانِبٌ / مِنْ أن تَطولَ قَطيعَةٌ وتجنُّبُ
فعلام ضَنُّوا بالتّحيّة رغبَة / عنّي كأنّي عَن هواهُمُ أرغَبُ
هَذا فُؤادي قَد تَصَدّع بعدهُم / من يَرْأبُ القَلبَ الصديع ويشعبُ
ولَقد تَغُرُّنيَ المُنى فأطِيعُها / سَفَهاً وبَارقَةُ الأماني خُلّبُ
وأخفُّ ما حُمّلتُ من عِبْءِ الهوى / أنْ أسْتريحَ إلى مَطامع تُتْعبُ
يا منْزلاً كانَ الحِفاظُ يُجِلُّهُ / والجودُ بالضِّيفَانِ فيهِ يُرَحّبُ
أَهوى حلولَك ثُم يسلبُني الهوى / أنّ العَدُوّ بِجانبَيْك مطنِّبُ
أصْبَحْتُ فيك مُعَذَّلاً ومُعذَّبا / وكذا المُحِبُّ مُعَذَّلٌ ومعذَّبُ
ورافضةٍ من مائها في هوائِها
ورافضةٍ من مائها في هوائِها / نَثاراً يُريها في عدادِ النَواصبِ
تمُجُّ كِبار الدُّرّ في دَوَرَانِها / فلو لُقِطتْ زانَتْ نُحورَ الكَواعبِ
وتُفْرِغُ أنواع الفُروغ صَوادِقاً / دِلاءٌ لها مُنْهَلّةٌ كالسّحائبِ
بناتُ الرياضِ العِينُ من أخواتِها / فتَبكي عَليها بالدموعِ السّواكبِ
وتَجعلُ تَرْدادَ الحَنينِ لأصْلِها / دلالَةَ طِيب المُنْتَمَى والضَرائبِ
فَإنْ يَكُ للماء السّلاسِل رُوحُها / فَجُثمانُها في الدّوْحِ عالِي المَناسبِ
من الخائِضاتِ النهرِ يَسمو حَبَابُه / فيُذْكرُ من حُسْنٍ ثُغورَ الحَبائبِ
فمِن مبطئٍ يَحكِي إِذا انحطّ أوْ رَقَى / جَمال سَمَاءٍ زُيّنَت بكَواكِبِ
تَدورُ عليهِ فهيَ تَخشاهُ هَيْبَةً / في ما من الكمِيّ المُحاربِ
ومن عَجَلٍ فيها ورَيْثٍ تَخَالُها / إذا اعْتوَرَتْها طامِيات الغَواربِ
تُولّي فِراراً منه خِيفَة نَهْشِهِ / فَيُنْشِبُ في أضْلاعِها فَمَ جاذِبِ
وقَدْ أصْبَحَا إلْفَيْن يَعتَنِقان في / مُلاعَبَةٍ أثْناء تِلْكَ المَلاعبِ
فَتَأتِي لَه مِثْل الغِياثِ لِوَقْتِه / بِمُنْسابة منْساحَة في المَذانبِ
أرَاقِمُ للبُستَانِ خَيْرُ رَواقِم / سَوالِبُ لِلأشْجان خَيْرُ سَوالِبِ
يا حَبّذا بِحَديقَةٍ دُولابُ
يا حَبّذا بِحَديقَةٍ دُولابُ / سَكَنَتْ إلى حَرَكَاتِهِ الألبَابُ
غَنّى وَلَمْ يَطْرَبْ وَسَقَّى وهو لم / يَشْرَبْ ومِنْهُ اللّحْنُ والأكْوَابُ
لَو يَدّعي لُطْف الهَواء أو الهَوى / ما كُنْتَ في تَصْديقِهِ تَرْتَابُ
لِلْعُود محْتدُه وَمِلْءُ ضُلوعه / لإغاثَة الشّجَر اللّهيف رَبَابُ
وكَأنّه مِمّا تَرَنّم مَاجِنٌ / وكأنّه ممّا بَكى أوّابُ
وكَأنّه بِنُثَارهِ وَمَدارِه / فَلَكٌ كواكِبُهُ لَها أذنابُ
نَاوَلتني العُنّاب أنْمُلُ خَوْد
نَاوَلتني العُنّاب أنْمُلُ خَوْد / خَضَبَتْها بِحُمْرَة العُنّابِ
فتحيّرْتُ فِيهما ثم أهوَي / ت بِحُكمِ الهَوى لذاتِ الخِضابِ
صَبْوَةٌ لا أميلُ إلا إِليها / رُبّ طَبْعٍ يكونُ طوْعَ التَصابي
أمَا بَعْد عَتْب العامِرِيّة مِن عُتْبى
أمَا بَعْد عَتْب العامِرِيّة مِن عُتْبى / لقد قَطَعَتْ حتّى الوَلائِدَ وَالكُتْبا
إِذا زُرْتها لاقيتُ حجبا مِن القَنا / وبيض الظُّبى تحمي البَراقِع والحجبا
فأَرْجع أدراجي وَلَوْ شِئتُ خاض بي / لقُبّتها طرْفي جنابَتُها القَبّا
وما ذاك جُبْناً بل حيَاءً وَعِفّةً / مِن الحيّ أن يدْرُوا بمَن شفّني حُبّا
لَهَا اللّهُ لِمْ ضَنّتْ عَلَيّ بِوَصْلِها / وَلِم حَرمَتني القرْبَ دونَ ذرَى القرْبى
وَما ضَرّها أنّي يَمانٍ وأنّها / لِقَيْسٍ ألسْنا في تعارُفِنا عُرْبا
تَذود عن الثّغْر الشّنيبِ بِلَحْظِها / فيا مَن رأى عضْب الظبا يحرُسُ العَذبا
بِعَادٌ وإِعراضٌ عَلَيّ تَعَاقَبا / فيا فَاتِني بالحُسْنِ حسّنْ ليّ العُقبى
إذا كان إسعادي لِسُعدى مُنافِراً / فماذا عسى يُؤثرُ بي با
وللّهِ ذات القلْب والحَجْل كُلّما / أحَاولُ أن تَرْضَى تَطلعُ لي غَضْبى
يَقَرُّ بعَيني أن أزورَ مَغَانِياً
يَقَرُّ بعَيني أن أزورَ مَغَانِياً / بِسَاحَتِها كُنّا نَخوضُ ونَلْعبُ
إذا العَيْش غَضٌّ والشَبيبَةُ لَدْنَةٌ / وسافرُ وَجْه الحُسْنِ ليسَ يُحجّبُ
فكُلُّ صَباحٍ في الشُّروقِ مفضَض / وكل أصيلٍ في الغُروبِ مُذَهّبُ
وَما أربي إلا الرُّصافةُ لَوْ دَنَتْ / وَهل لِلْهوى إلا الرُّصَافةُ مَذْهبُ
لكَ الخَيْرُ أمْتِعنِي بِخَيري رَوْضَةٍ
لكَ الخَيْرُ أمْتِعنِي بِخَيري رَوْضَةٍ / لأنْفَاسِهِ عِنْد الهُجوع هُبوبُ
أليسَ أديبُ النّوْر يَجعلُ لَيْلَه / نَهاراً فيَذْكو تَحْتَهُ ويطيبُ
ويَطوي معَ الإصباحِ مَنْشورَ نَشْره / كَما بانَ عَن ربع المُحبّ حَبيبُ
أهِيمُ بِهِ عن نِسْبَةٍ أدَبيّةٍ / ولا غَرو أنْ يَهْوَى الأديبَ أديبُ
أهْلاً بِهِنّ أهِلَّةً وكَواكبا
أهْلاً بِهِنّ أهِلَّةً وكَواكبا / زَحَفت هِلالٌ دونَهنّ مواكِبا
تَخدي الركائِبُ والسّلاهِبُ حَوْلَهَا / تُرْدي كأسْطارِ الكِتابِ كتائبا
فالمَوْتُ بينَ أوانِسٍ وفَوارِسٍ / جاروا عَليّ أعادِياً وحَبائِبا
هُنّ الظّباءُ العاطِياتُ سوالِفاً / وهُمُ الأسودُ الضّارِياتُ مَخالِبا
جَعَلوا الدّماءَ خَلوقهُم وخِضَابهُم / مُسْتأصِلينَ مُسالماً ومُحارِبا
أنهاكَ لا تَغْشَ المَضاربَ خِيفَةً / من أعْيُن تَهَبُ الصّفاحَ مضَارِبا
لَم تَرْمِ إلا أقْصَدَتْ لحَظَاتُها / فَجَرى دَمُ الصّبّ المُتَيّم صائِبا
يا مَن لقَلبٍ ذائبٍ من غادَةٍ / كالصُّبحِ تسْحبُ لِلظّلام ذَوائِبا
وَحْشِيّةٌ في فَازَة بِمَفازَةٍ / يَنزو الجنانُ الوَحشُ مِنها راهِبا
خَيلاً وَشَوساً مِن حِفاظ صادِق / تَلقَى عِراباً قَبلَها وأعارِبا
حُمرُ القِبابِ على اليبابِ هيَ المُنى / وكَفَى بهِنّ أمانياً وَمآرِبا
لو لَمْ تُظلّل بالرّماحِ عَواسِلاً / دونِي وَتَكلأ بالصّفاحِ قواضِبا
فَلَكم طريرِ الحَدّ يخفُرُ طُرّةً / ولَكم أصمِّ الكعْبِ يكفلُ كاعِبا
دَعني أجِد شَوْقاً إلَى مَخضوبَةٍ / أطرافُها بِدَمي الطّرِيِّ خَواضِبا
مَنْ راح بالبِيضِ النّواعمِ هائِماً / لم يَغدُ للسُّمرِ الذّوابِل هائِبا
والصَبُّ مَن خاضَ الأسِنّة والظُّبى / نَحوَ الظّباء مُطاعِناً ومُضارِبا
إنْ لا يُسَلْ عنّي فكلُّ جوارِحي / جُرْحٌ رَغيبٌ بتُّ فيهِ راغِبا
قَد صَيّرَتني العامِريّة عامِراً / ألْقى الأسِنّةَ كيفَ شِئْتُ مُلاعِبا
أمّا الهَوى فأخو الوَغى لَم أسْتَرحْ / مَن ذا لذاكَ مُراوِحاً ومُناوِبا
فكأنَّ عهْداً من وليّ العهدِ لي / أنْ تُسْفِرَ الغَمراتُ عنّيَ غَالبا
مَلِكٌ أنَاف علَى الملوكِ مَحامِداً / ومَحَاتِداً ومَناسِباً ومَناصِبا
تَنْمِيه آباءٌ كِرامٌ لِلعُلى / كَثروا النجوم مَقانِبا ومَناقِبا
بَيْت الإمارةِ بيتُه وبِحَسْبِه / حَسباً يشقُّ عَلى الثّواقِبِ ثاقِبا
يَحلو له طَعم الكَريهَةِ سَلْسَلا / وهِيَ الأجاجُ مَشارِعاً ومَشارِبا
أمدُّ ما تَلقى طَلاقَتُهُ مَدىً / في اليومِ أنّ ضُحاه يَطْلعُ شاحِبا
مازالَ في ذاتِ الإلَهِ مُشمّرا / ولِذَيل فَيْلقِه العرَمْرَم ساحِبا
يَغشى الخِطار إلَى الخَطيرِ من العُلى / قبْلَ الصَلادِم لِلعَزائِم راكِبا
مُتَبَسِّما يُزْجِي سَحائِبَ عِثْيَرٍ / تَنْهلّ منهُنّ الدّماء سَواكِبا
وتَروقُ فيها كالبَروقِ مناصِلٌ / لا ترتَجي مِنها الجَماجِمُ حاجِبا
قَد راعَ أجواز المَهالِك حاطِبا / واحْتازَ أبْكارَ المَمالِك خاطِبا
أمْنِيّةٌ لَبّتْ لُهَاه راضِيا / وَمَنِيّةٌ صَدّت ظُبَاه غاضِبا
لم يَبْدُ في أفقِ الهِدايَة طالِعاً / إلا تَوارَى ذو الغِوايَة غارِبا
عَجَباً لِماء حَديدِه ألِف الوَغى / ناراً فولّد ذا وَذاك عجائِبا
لِيُطَهّر الآفاقِ من ذَنْبِ العدى / حَمَل الصوارِم في الغُمودِ مذانِبا
وكأنّما عَزَمَاتُه وعِداتُه / عُصُف الشّمال وقَد لقِينَ سَحائِبا
يُمناهُ مِثل المزن ترْسلُ وابِلاً / غَدقاً وترْسل في الكَريهَةِ حاصِبا
إنْ جَدّ راع الضارِيات غَواضِبا / أو جاد غاظ الطامِيات غَوارِبا
بيْنَ القَسَاوِر والكَساوِر زَحْفُه / مِمّا اصْطَفاهُ أخامِساً وسَلاهِبا
ما همّ بالمَلِكِ الهُمام ففاتهُ / ولَو اغْتَدى للنَيّرات مُصاقِبا
وَلهُ سَجايا في السّماحِ غَريبَة / مَلأت أكُفّ العَالَمينَ رَغائِبا
صَدّق بِكُلّ عَجيبة إلا بأن / يَنْفَضّ عَنْها ذو رَجاء خائِبا
مَنْ نالَ من تلك الأنامل نائِلاً / لَمْ يَشْكُ مِنْ نُوب الليالي نائِبا
أمِن الأنام به فعاد مَراقِداً / لِجُنُوبِهمْ ما كانَ قَبْلُ مَراقِبا
إنّ المُلوك بَني أبي حَفْصٍ أبَوْا / بِأبِيهِمُ إلا السماءَ مَرَاتِبا
أبْقاهُمُ لِلْمُتّقين هديَةً / كالشّمسِ تُعْقِبُ أقْمُراً وَكَواكِبا
وَعَلى أبي يَحْيى الْتَقَت أنْوارُهُ / فَتَمَزّقتْ عَنْها الخُطُوب غياهِبا
للّهِ درُّ عِصَابَة قدسِيّةٍ / لا يَرْتَضون سِوى النجوم عَصائِبا
باهى الزّمانُ بِهم سَرَاةَ مُلوكه / وزرَى عَلَيْهم عَاتِباً أو عَائِبا
يا ابْنَ الإمامِ المُرْتَضى هُنئْتَها / شِيَماً وَرثتَ ضُروبَها وَضَرَائِبا
وَإِمَارَةً قُلدْتَها فاسْتَخْدَمَتْ / سَعْدَ السعودِ فَواتِحاً وَعَواقِبا
وَلَقَدْ وَرَدْتَ علَى الأيَامِنِ قَادِماً / وصَدَرْت وضّاحَ المَيَامِن آيِبا
فانْهَضْ لتَدْبيرِ الأمورِ مُصاحِباً / لا زالَ أمْرُكَ للظهورِ مُصاحِبا
وَاطْلع بِأفْق النّاصِريّة باهِراً / يَأفُلْ أمَامَكَ كُلُّ باغٍ هَارِبا
يا حَضْرَةَ التّوْحِيدِ زانَكَ حاضِراً / ثُمّ استَقَلّ يَسُدّ ثَغْرَك غَائِبا
والأسْد قَدْ تَنْزاحُ عن غاباتِها / لِتُعزّ أطْرافاً لَها وجَوَانِبا
والبيض لوْلا هجْرُها أغْمادها / ما واصَلَتْ بَرْيَ الرِّقابِ ضَوارِبا
هِيَ خِدْمَةٌ أدّيْت حَقّاً لازِماً / مِنْ وَصْفِها وقَضَيْت فَرْضاً واجِبا
ولَعَلّ فِكراً جال في تَهذيبِها / لَفْظاً وَمَعْنىً لا يُسَمّى حَاطِبا
ما قُلْتُ إلا ما فعلتُم طيّباً / بِشَذى عُلاك مشارِقاً ومغارِبا
وإذا النهى أملتْ عُلاكَ مَدائِحا / فَمِنَ السّعادَة أن أكونَ الكاتِبا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025