القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَحمود سامِي البارُودِي الكل
المجموع : 375
صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ
صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ / لَوْ كانَ يَمْلِكُ عَيْنِيَ الإِغْفَاءُ
يا هاجِري مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ في الْهَوَى / مَهْلاً فَهَجْرُكَ والْمَنُونُ سَواءُ
أَغْرَيْتَ لَحْظَكَ بالْفُؤادِ فَشَفَّهُ / ومِنَ الْعُيُونِ عَلَى النُّفُوسِ بَلاءُ
هِيَ نَظْرَةٌ فامْنُنْ عَلَي بِأُخْتِها / فالْخَمْرُ مِنْ أَلَمِ الْخُمارِ شِفَاءُ
أَنا مِنْكَ مَطْوِيُّ الْفُؤادِ عَلَى جَوىً / لَوْلا الْدُّمُوعُ ذَكَتْ بِهِ الْحَوْبَاءُ
لا أَنْتَ تَرْحَمُنِي ولا نَارُ الْهَوَى / تَخْبُو وَلاَ للنَّفْسِ عَنْكَ عَزاءُ
فانْظُرْ إِلَيَّ تَجِدْ خَيَالَةَ صُورَةٍ / لم يَبْقَ فيها للحياةِ ذَمَاءُ
رَقَّتْ لِيَ الْوَرْقَاءُ في عَذَباتِها / وبَكَتْ عَلَيَّ بِدَمْعِهَا الأَنْدَاءُ
وَتَحَدَّثَتْ رُسُلُ النَّسِيمِ بلَوْعَتِي / فَلِكُلِّ غُصْنٍ نَحْوَها إِصْغَاءُ
كَلَفٌ تَنَاقَلَهُ الْحَمامُ عَنِ الصَّبَا / فصَبَتْ إِلَيْهِ الْغِيدُ والشُّعَراءُ
فَبِقَلْبِ كُلِّ فَتىً غَرامٌ كامِنٌ / وبِعِطْفِ كُلِّ مَلِيحَةٍ خُيَلاءُ
فَدَعِ التَّكَهُّنَ يا طَبِيبُ فإِنَّمَا / دائِي الْهَوَى ولِكُلِّ نَفْسٍ داءُ
أَلَمُ الصَّبَابَةِ لَذَّةٌ تَحْيَا بِها / نَفْسِي وَدَائِي لَوْ عَلِمْتَ دَواءُ
وبِمُهْجَتِي رَشَئِيَّةٌ مِنْ دُونِها / أُسُدٌ لَهَا قَصَبُ الرِّمَاحِ أَبَاءُ
هَيْفَاءُ مالَ بِهَا النَّعيمُ فَخَطْوُها / دُونَ الْقَطاةِ ونُطْقُها إِيمَاءُ
تَرْنُو بِأَحْوَرَ لَوْ تَمَكَّنَ لَحْظُهُ / مِنْ صَخْرَةٍ لَارْفَضَّ مِنها الماءُ
حَكَمَ الجَمالُ لها بِمَا تَخْتَارُهُ / فَتَحَكَّمَتْ في النَّاسِ كَيفَ تَشاءُ
غَضِبَتْ عَلَيَّ وَما جَنَيتُ وَرُبَّما / حَمَلَ الْمَشُوقُ الذَّنْبَ وَهوَ بَراءُ
طافَ الوُشاةُ بِها فَكانَ لِقَوْلِهِمْ / في مِسْمَعَيْها رَنَّةٌ وحُداءُ
لَوْلا النَّمِيمَةُ لم يَقَعْ بَيْنَ امْرِئٍ / وأَخِيهِ مِنْ بَعْدِ الْوِدادِ عِداءُ
أَشَقِيقَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ وَسِيلَةٍ / تُدْنِي إِلَيكِ فَلَيْس لِي شُفَعَاءُ
جُودِي عَلَيَّ ولَوْ بِوَعْدٍ كاذِبٍ / فالْوَعْدُ فيهِ تَعِلَّةٌ ورَجَاءُ
وَثِقِي بِكِتْمَانِ الْحَدِيثِ فإِنَّمَا / شَفَتاي خَتْمٌ والْفُؤادُ وِعاءُ
لا تَرْهَبِي قَوْلَ الْوُشاةِ فإِنَّهُمْ / قَدْ أَحْسَنُوا في الْقَوْلِ حِينَ أَساءُوا
زَعَمُوكِ شَمْسَاً لا تَلُوحُ بظُلْمَةٍ / ولِقَولِهِمْ عِنْدِي يَدٌ بَيْضاءُ
فَعَلامَ تَخْشَيْنَ الزِّيارَةَ بعدَما / أَمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجَى الرُّقَباءُ
هِيَ زَلَّةٌ في الرأْيِ مِنْهُمْ أَعْقَبَتْ / نَفْعَاً كَذَلِكَ تَفْعَلُ الْجُهَلاءُ
كَيْدُ الْغَبِيِّ مَساءَةٌ لِضَمِيرِهِ / وَلِمَنْ يُحَاوِلُ كَيْدَهُ إِرْضَاءُ
والناسُ أَشْبَاهٌ ولَكِنْ فَرَّقَتْ / ما بَيْنَهُمْ في الرُّتْبَةِ الآراءُ
وَالنَّفْسُ إِنْ صَلَحَتْ زَكَتْ وَإِذَا خَلَتْ / مِنْ فِطْنَةٍ لَعِبَتْ بها الأَهْوَاءُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرِّجالِ تَفَاوُتٌ / ما كانَ فيهِمْ سادَةٌ ورِعاءُ
وَلَقَدْ بَلَوْتُ النّاسَ في أَطْوارِهِمْ / ومَلِلْتُ حتَّى مَلَّني الإِبْلاءُ
فَإِذا المَوَدَّةُ خَلَّةٌ مَكْذُوبَةٌ / بَيْنَ الْبَرِيَّةِ والوَفاءُ رِياءُ
كَيْفَ الْوثُوقُ بِذِمَّةٍ مِنْ صاحِبٍ / وَبِكُلِّ قَلْبٍ نُقْطَةٌ سَوْداءُ
لَوْ كَانَ فِي الدُّنْيَا وِدَادٌ صَادِقٌ / مَا حَالَ بَيْنَ الخُلَّتَيْنِ جَفاءُ
فانْفُضْ يَدَيْكَ مِنَ الزَّمانِ وأَهْلِهِ / فالسَّعْيُ في طَلَبِ الصَّديِقِ هَبَاءُ
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً / وَأَجَلَّ مَنْ نَطَقَ امْرُؤٌ بِثَنَائِهِ
أَوْلَيْتَنِي مِنْكَ الرِّضَا وجَلَوْتَ لِي / وَجْهاً قَرَأْتُ البِشْرَ في أَثْنَائِهِ
فاسْلَمْ لِمُلْكٍ أَنْتَ بَدْرُ سَرِيرِهِ / وَعِمَادُ قُوَّتِهِ ونَصْرُ لِوائِهِ
يأَيُّها الصَّادِي إِلى نَيْلِ الْمُنَى / رِدْ بَحْرَ سُدَّتِهِ تَفُزْ بِوَلائِهِ
هُوَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذِي وَرِث الْعُلا / عَنْ نَفْسِهِ شَرَفا وعَن آبائِهِ
الْعَدْلُ مِنْ أَخْلاقِهِ والْعِلْمُ مِنْ / أَوْصافِهِ والْحِلْمُ مِنْ أَسْمَائِهِ
لا غَرْوَ أَنْ جَمَعَ المَحَامِدَ يافِعاً / وَسَمَا بِهِمَّتِهِ عَلَى نُظَرائِهِ
فالْعَينُ وَهْيَ صَغِيرَةٌ في حَجْمِها / تَسَعُ الفَضَاءَ بِأَرْضِهِ وسَمائِهِ
أَهِلالُ أَرْضٍ أَمْ هِلالُ سماءٍ
أَهِلالُ أَرْضٍ أَمْ هِلالُ سماءٍ / شَمِلَ الزَّمَانَ وأَهْلَهُ بِضِيَاءِ
بَدَرَتْ لَوامِعُ مِنْهُ شَقَّ وَمِيضُها / حُجُبَ الظَّلامِ فَمَاجَ في لأْلاَءِ
وَبَدَتْ أَسِرَّتُهُ فَكانَتْ غُرَّةً / لِلْمُلْكِ فَوْقَ أَسِرَّةِ الْجَوْزَاءِ
نُورٌ تَوَلَّدَ بَيْنَ بَدْرٍ طالِعٍ / في أَوْجِ عِزَّتِهِ وَشَمْسِ عَلاءِ
أَكْرِمْ بِطَلْعَتِهِ هِلالاً لَم يَزَلْ / يَعْنُو إِلَيْهِ هِلالُ كُلِّ لِواءِ
هُوَ مَوْلِدٌ عَمَّ الْكِنانَةَ نُورُهُ / فَتَباشَرَتْ بِالْيُمْنِ وَالسَّرّاءِ
لَبِسَتْ بِهِ الدُّنيا جَمالَ شَبابِها / وَتَبَرَّجَتْ كَالغادَةِ الحَسْناءِ
فَاهْنَأْ بِعَبدِ القادِرِ الشَّهْمِ الَّذي / وافاكَ يَرْفُلُ في سَناً وَسَناءِ
وَاسْعَدْ بِهِ وَأَخِيهِ يا ابْنَ مَحَمَّدٍ / في ظِلِّ مُلْكٍ وارِفِ الأَفْيَاءِ
وَلَسَوْفَ تَنْجُمُ أَنْجُمٌ عَلَوِيَّةٌ / تَجْلُو ظَلامَ الشَّكِّ بِالآراءِ
مِنها صُدُورُ مَحَافِلٍ وَجَحَافِلٍ / في يَومِ أَقْضِيَةٍ وَيَوْمِ لِقَاءِ
وَبَوارِقٌ تَنْهَلُّ فينَا بالنَّدَى / وصَواعِقٌ تَنْقَضُّ في الأَعداءِ
وَكَأَنَّنِي بِكَ بَيْنَهُمْ مُتَرَفِّعاً / كَالْبَدْرِ بَيْنَ كَواكِبِ الخَضْراءِ
فانْعَمْ بِعِزِّكَ يا ملِيكُ ولا تَزَلْ / تَحْوِي يَدَاكَ مَقالِدَ الْعَلْياء ِ
لا زِلْتَ مَعْمُور الفِناءِ مُهَنَّأً / في نِعْمَةٍ مَوْصُولَةٍ بِبَقاءِ
غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ
غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ / واحْدُ الصَّبُوحَ بِنَغْمَةِ الوَرْقَاءِ
والْمَحْ بِطَرْفِكَ ما وَحَتْهُ يَدُ الصَّبا / فَوْقَ الْغَدِيرِ تَجِدْ حُروفَ هِجاءِ
مِنْ كُلِّ حَرْفٍ فيهِ مَعْنَى صَبْوَةٍ / تَتْلُو بِهِ الوَرْقَاءُ لَحْنَ غِنَاءِ
مَيْدَانُ سَبْقٍ لِلْخَلاعَةِ أَشْرَقَتْ / فيهِ الْكُمَيْتُ بِغُرَّةٍ غَرَّاءِ
حَمْرَاءُ دارَ بها الْحَبابُ كأَنَّها / شَفَقٌ بَدَتْ فِيهِ نُجُومُ سَماءِ
هِيَ كالأَشِعَّةِ غَيْرَ أَنَّ ضِيَاءَها / مِنْ ذاتِها لا مِنْ ثُقُوبِ ضِياءِ
وإِذا رَجَعْتَ إِلى الْيَقِينِ فَإِنَّها / نارٌ تَحَلَّلَ جِسْمُها في ماءِ
تَجْرِي فَتَفْعَلُ بالْعُقُولِ كُؤُوسُها / ما تَفْعَلُ الأَلْحَاظُ بالأَحْشَاءِ
خَفِيَتْ عَلَى الأَحْقَابِ فَهِيَ ذَخِيرَةٌ / مِنْ عَهدِ آدَمَ أُودِعَتْ بِوِعاءِ
مَحَقَ الْفَنَاءُ وُجُودَها فَتَزَايَلَتْ / إِلاَّ نَسِيماً شَفَّ عَنْ حَوْباءِ
هِيَ جَمْرَةُ الفُرْسِ الَّتِي سَجَدَتْ لَهَا / أَملاكُها في سَالِفِ الآنَاءِ
فَانْهَضْ إِلَى شُرْبِ الصَّبُوحِ فَقَدْ بَدَا / شَيْبُ الصَّباحِ بِلِمَّةِ الظَّلْماءِ
وَتَرَنَّمَتْ في وَكْرِها سَحَرِيَّةٌ / تُغْنِي الْمَقَامَةَ عَنْ صَفِيرِ النَّاءِ
وَرْقاءُ تَسْجَعُ في سَماوَةِ أَيْكَةٍ / مَوْشِيَّةِ الْعَذَباتِ بِالأَنْدَاءِ
تَبْكِي الْهَدِيلَ وَما رَأَتْهُ فَيَا لَها / مِنْ ذُكْرَةٍ عَرَضَتْ بِغَيْرِ لِقاءِ
قَدْ أَشْبَهَتْنِي في الْهَوى لَكِنَّها / لَمْ تَحْكِني في لَوْعَتِي وَبُكائِي
مَالَ النَّسِيمُ بِهَا وَمَالَ بِيَ الأَسَى / شَتَّانَ بَيْنَ نَعِيمِها وَشَقائِي
أَنَا يَا حَمَامَةُ مِنْكِ أَعْلَمُ بِالْهَوى / فَدَعي الْحَنِينَ فَلَسْتِ مِنْ أَكْفائِي
إِنِّي امْرُؤٌ مَلَكَ الودادُ قِيَادَتِي / وَجَرَى عَلَى صِدْقِ الْعُهُودِ وَفائِي
لا أَسْتَرِيحُ إِلَى السُّلُوِّ وَلَوْ جَنَى / خِلِّي عَلَيَّ وَلا أَشِينُ وَلائِي
لا ذِمَّتِي رَهْنُ الْفِكَاكِ وَلا يَدِي / تُلْقِي أَزِمَّةَ عِفَّتِي وَحَبائِي
لَكِنَّنِي غَرَضٌ لأَسْهُمِ حاسِدٍ / وارِي الجَوانِحِ مِنْ لَهِيبِ عِدَائِي
مِنْ غَيْرِ ما ذَنْبٍ جَنَيْتُ وَإِنَّما / بُغْضُ الْفَضِيلَةِ شِيمَةُ الْجُهَلاءِ
تَعِست مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّها / شَرَقُ النُّفُوسِ وَمِحْنَةُ الْكُرَمَاءِ
أَنا في زَمانٍ غادِرٍ وَمَعَاشِرٍ / يَتَلَوَّنُونَ تَلَوُّنَ الْحِرْباءِ
أَعْداءُ غَيْبٍ لَيْسَ يَسْلَمُ صاحِبٌ / مِنْهُمْ وإِخْوَةُ مَحْضَرٍ وَرَخَاءِ
أَقْبِحْ بِهِمْ قَوْماً بَلَوْتُ إِخاءَهُمْ / فَبَلَوْتُ أَقْبَحَ ذِمَّةٍ وَإِخَاءِ
قَدْ أَصْبَحُوا للدَّهْرِ سُبَّةَ ناقِمٍ / فِي كُلِّ مَصْدَرِ مِحْنَةٍ وَبَلاءِ
وَأَشَدُّ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي دَهْرِهِ / فَقْدُ الْكِرَامِ وصُحْبَةُ اللُّؤَمَاءِ
شَقِيَ ابنُ آدَمَ في الزّمانِ بِعَقلِهِ / إِنَّ الْفَضِيلَةَ آفَةُ الْعُقَلاءِ
تَوَازَنَ الصَّيْفُ والشِّتَاءُ
تَوَازَنَ الصَّيْفُ والشِّتَاءُ / واعْتَدَلَ الصُّبْحُ والْمَساءُ
واصْطَلَحَتْ بَعْدَ طُولِ عَتْبٍ / بَيْنَهُمَا الأَرْضُ والسَّمَاءُ
فَلا اصْطِحارٌ وَلا اكْتِنَانٌ / وَلا ابْتِرادٌ وَلا اصْطِلاءُ
تَبْتَهِجُ العَيْنُ في رِياضٍ / أَنْضَرَها الماءُ وَالْهَواءُ
مَنَابِتٌ زَرْعُها بَهِيجٌ / وَغَيْضَةٌ ماؤُها رَوَاءُ
لِلطَّيْرِ في أَيْكِها هَدِيلٌ / وَلِلصَّبا بَيْنَها مُكَاءُ
تَوَارَتِ الشَّمْسُ عَنْ ذراهَا / وَشَبَّ مِنْ زَهْرِهَا سَناءُ
فَالصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعَشَايَا / وَالْوَهْنُ مِنْ لَيْلِها سَوَاءُ
فَلا ضَبَابٌ وَلا غَمَامٌ / وَلا ظَلاَمٌ وَلا ضِياءُ
فَقُمْ بِنا نَغْتَنِمْ شَبَاباً / وَلَذَّةً بَعْدَها فَنَاءُ
وَلا تُطِلْ فِكْرَةَ التَّمَنِّي / فَإِنَّهُ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ
يُرِيْدُ كُلُّ امْرِئٍ مُنَاهُ / وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ
وَخَمِيلَةٍ بَكَرَتْ سَمَاوَةُ أَيْكِها
وَخَمِيلَةٍ بَكَرَتْ سَمَاوَةُ أَيْكِها / تَحْمِي الْهَجِيرَ عَنِ النُّفُوسِ وَتَدْرَأُ
تَسْتَنُّ فيها الرِّيحُ بَينَ مَنابِتٍ / خَضْراءَ يَغْشاها الْجَبَانُ فَيَجْرُؤُ
تَسْتَوقِفُ الأَبْصَارَ في غُدْرانِها / صُوَرٌ تَزُولُ مَعَ النَّسِيمِ وَتَطْرَأُ
يَنْسَى بها الْمَوْتُورُ ما في نَفْسِهِ / طَرَبَاً وَيَنزِلُها السَّقِيمُ فَيَبْرَأُ
فَالْوُرْقُ تَهْتِفُ وَالرَّبارِبُ تَرْتَعِي / وَالْعِينُ تَبْغَمُ وَالبَلابِلُ تَصْرَأُ
فَنَباتُها عَمّا يَعِيبُ مُنَزَّهٌ / وَهَواؤُهَا مِمّا يَشِينُ مُبَرَّأُ
شَجْرَاءُ تَسْلُكُها السَّمُومُ فَتَغْتَدِي / رَهْواً وَيَسْكُنُها الْهَجِيرُ فَيَمْرَأُ
فَتَحَ الرَّبِيعُ بِها مَدَارِسَ بَهْجَةٍ / لِلْعَينِ فِيها بَهْجَةٌ لا تَضْرَأُ
فَالرِّيحُ تكتبُ وَالْغَدِيرُ صَحِيفَةٌ / وَالسُحْبُ تَنْقُطُ وَالحَمائِمُ تَقْرَأُ
صُوَرٌ تَدُلُّ عَلَى حَكِيمٍ صانِعٍ / وَاللهُ يَخْلُقُ ما يَشَاءُ وَيَبْرَأُ
أَلاَ عاطِنِيها بِنْتَ كَرْمٍ تَزَوَّجَتْ
أَلاَ عاطِنِيها بِنْتَ كَرْمٍ تَزَوَّجَتْ / عَلَى نَغَماتِ الْعُودِ بِابْنِ سَمَاءِ
أَتَتْ حِقَبٌ مِنْ دُونِها فَتَهدَّمَتْ / سِوَى رَدْعِ لَوْنٍ أَوْ رَفِيفِ ذَمَاءِ
إِذا اتَّقَدَتْ في الْكَأْسِ خِلْتَ وَمِيضَهَا / عَلَى وَتَراتِ الْكَفِّ نَضْحَ دِمَاءِ
فَهَاتِ وَخُذْ وَاشْرَبْ وَدُرْ وَاسْقِ وَارْتَجِعْ / إِلَى الدَّوْرِ مِنْ بَدْءٍ عَلَى النُّدَمَاءِ
وَدَعْنِي مِنْ ذِكْرِ الْوَقَارِ فَإِنَّنِي / عَلَى سَرَفٍ مِنْ بِغْضَةِ الحُلَمَاءِ
فَمَا الْعَيْشُ إِلَّا ساعَةٌ سَوْفَ تَنْقَضِي / وَذَا الدَّهْرُ فينَا مُولَعٌ بِرِماءِ
وَلا تَحْسَبَنَّ المَرءَ يَبْقَى مُخَلَّداً / فَمَا النَّقْصُ إِلَّا بَعدَ كُلِّ نَماءِ
أَبِي آدَمٌ باعَ الْجِنَانَ بِحَبَّةٍ / وَبِعْتُ أَنَا الدُّنْيَا بِجَرْعَةِ ماءِ
لَكَ رُوحِي فَاصْنَعْ بِها مَا تَشاءُ
لَكَ رُوحِي فَاصْنَعْ بِها مَا تَشاءُ / فَهْيَ مِنِّي لِناظِرَيْكَ فِداءُ
لا تَكِلْنِي إِلَى الصُّدُودِ فَحَسْبِي / لَوْعَةٌ لا تُقِلُّها الأَحْشَاءُ
أَنَا وَاللهِ مُنْذُ غِبْتَ عَلِيلٌ / لَيْسَ لِي غَيْرَ أَنْ أَرَاكَ دَوَاءُ
كَيْفَ أُروِي غَلِيلَ قَلْبِي وَلَمْ يَبْ / قَ لِعَيْنِي مِنْ بَعْدِ هَجْرِكَ مَاءُ
فَتَرَفَّقْ بِمُهْجَةٍ شَفَّهَا الْوَجْ / دُ وَعَيْنٍ أَخْنَى عَلَيْهَا الْبُكاءُ
أَنا رَاضٍ بِنَظْرَةٍ مِنْكَ تَشْفِي / بَرْحَ قَلْبٍ هاجَتْ بِهِ الأَدْوَاءُ
نَظْرَةٌ رُبَّمَا أَماتَتْ وَأَحْيَتْ / وَمِنَ الْخَمْرِ عِلَّةٌ وَشِفَاءُ
لا تَخَلْ نَمَّةَ الْوُشاةِ صَلاحاً / فَهْيَ داءٌ تَدْوَى بِهِ الْحَوْبَاءُ
وَمِنَ الناسِ مَنْ تَراهُ سَلِيماً / وَبِهِ لِلْحُقُودِ داءٌ عَياءُ
فَاحْذَرِ النَّاسَ ما اسْتَطَعْتَ فَإِنَّ الن / ناسَ إِلاَّ أَقَلَّهُمْ أَعْدَاءُ
وَاخْتَبِرْنِي تَجِدْ صَدِيقاً حَمِيماً / لَم تُغَيِّرْ وِدادَهُ الأَهْوَاءُ
صادِقاً في الَّذِي يَقُولُ وَإِنْ ضا / قَتْ عَلَيْهِ بِرُحْبِها الدَّهْنَاءُ
لَقَدْ صَفِرَتْ عِيابُ الْوُدِّ بَيْنِي
لَقَدْ صَفِرَتْ عِيابُ الْوُدِّ بَيْنِي / وَبَيْنَ أَحِبَّتِي بَعدَ امْتِلاءِ
وَعَادَتْ أَوْجُهُ الْمَعْرُوفِ سُوداً / وَكانَتْ مِنْ نَضَارَتِها بِمَاءِ
فَزِعْتُ إِلَى الدُّمُوعِ فَلَمْ تُجِبْنِي
فَزِعْتُ إِلَى الدُّمُوعِ فَلَمْ تُجِبْنِي / وَفَقْدُ الدَّمْعِ عِنْدَ الْحُزْنِ دَاءُ
وَما قَصَّرْتُ في جَزَعٍ وَلَكِنْ / إِذا غَلَبَ الأَسَى ذَهَبَ الْبُكاءُ
أَلا بِأَبِي مَنْ كَانَ نُوراً مُجَسَّداً
أَلا بِأَبِي مَنْ كَانَ نُوراً مُجَسَّداً / يَفِيضُ عَلَينَا بِالنَّعِيمِ رَواؤُهُ
ثَوَى بُرْهَةً في الأَرْضِ حَتى إِذا قَضَى / لُبانَتَهُ مِنْهَا دَعَتْهُ سَمَاؤُهُ
وَما كانَ إِلَّا كَوْكَباً حَلَّ بِالثَّرَى / لِوَقْتٍ فَلَمَّا تَمَّ شالَ ضِيَاؤُهُ
نَضَا عَنْهُ أَثْوَابَ الْفَنَاءِ وَرَفْرَفَتْ / إِلَى الْفَلَكِ الأَعْلَى بِهِ مُضوَاؤُهُ
فَأَصْبَحَ في لُجٍّ مِنَ النُّورِ سَابِحاً / سَوَاحِلُهُ مَجْهُولَةٌ وَفَضاؤُهُ
تَجَرَّدَ مِنْ غِمْدِ الْحَوادِثِ ناصِعاً / وَمَا السَّيْفُ إِلاَّ أَثْرُهُ ومَضاؤُهُ
فإِنْ يَكُ وَلَّى فَهُوَ باقٍ بِأُفْقِهِ / كَنَجْمٍ يَشُوقُ النّاظِرِينَ بَهَاؤُهُ
وَلَوْلا اعْتِقَادِي أَنَّهُ في حَظِيرَةٍ / مِنَ الْقُدْسِ لاسْتَوْلَى على الْجَفْنِ ماؤُهُ
عَليكَ سَلامٌ مِنْ فُؤادٍ نَزَا بِهِ / إِلَيكَ نِزاعٌ أَعْجَزَ الطِّبَّ داؤُهُ
وَصَاحِبٍ كَهُمُومِ النَّفْسِ مُعْتَرِضٍ
وَصَاحِبٍ كَهُمُومِ النَّفْسِ مُعْتَرِضٍ / مَا بَيْنَ تَرْقُوَةٍ مِنِّي وَأَحشاءِ
إِنْ قَالَ خَيْراً فَعَنْ سَهْوٍ أَلَمَّ بِهِ / أَوْ قَالَ شَرَّاً فَعَنْ قَصْدٍ وَإِمْضَاءِ
لا يَفْعَلُ السُّوءَ إِلَّا بَعْدَ مَقْدِرَةٍ / وَلا يُكَفْكِفُ إِلَّا بَعْدَ إِيذاءِ
عاشَرْتُهُ حِقْبَةً مِنْ غَيْرِ سابِقَةٍ / فَكَانَ أَقْتَلَ مِنْ دَاءٍ لِحَوْباءِ
يَبْغِي رِضايَ وقَدْ أَوْدَى بِرُمَّتِهِ / وَكَيْفَ يَحْيَا صَرِيعٌ بَعْدَ إِيداءِ
لا بارَكَ اللهُ فِيهِ حَيْثُ كَانَ وَلا / جَزَاهُ عَنْ فِعْلِهِ إِلَّا بِأَسْواءِ
هَجَرَتْ ظَلُومُ وهَجْرُها صِلَةُ الأَسَى
هَجَرَتْ ظَلُومُ وهَجْرُها صِلَةُ الأَسَى / فَمَتَى تَجُودُ عَلَى الْمَتَيَّمِ بِاللُّقَى
جَزِعَتْ لِراعِيَةِ الْمَشِيبِ وَما دَرَتْ / أَنَّ الْمَشِيبَ لَهِيبُ نِيرانِ الْجَوَى
وَلَوَتْ بِوَعْدِكَ بَعدَ طُولِ ضَمانِهِ / وَمِنَ الْوُعُودِ خِلابَةٌ ما تُقْتَضَى
لَيْتَ الشَّبابَ لَنَا يَعُودُ بِطِيبِهِ / وَمِنَ الشِّفَاهِ طِلابُ عُمْرٍ قَدْ مَضَى
وَالشَّيْبُ أَكْمَلُ صاحِبٍ لَوْ أَنَّهُ / يَبْقَى وَلَكِنْ لا سَبِيلَ إِلى الْبَقَا
والدَّهْرُ مَدْرَجَةُ الْخُطُوب فَمَنْ يَعِشْ / يَهْرَمْ وَمَنْ يَهْرَمْ يَعِثْ فيهِ الْبِلَى
فَاذْهَبْ بِنَفْسِكَ عَنْ مُتَابَعَةِ الصِّبَا / وَارْجِعْ لِحِلْمِكَ فَالأُمُورُ إِلَى انْتِهَا
الْيَوْمَ آنَ لِسابقٍ أَنْ يَحْتَذِي / طَلْقَ الرِّهانِ وَمُغْمَدٍ أَنْ يُنْتَضَى
وَلَقَدْ عَلَوْتُ سَراةَ أَدْهَمَ لَوْ جَرَى / فَي شَأْوِهِ بَرْقٌ تَعَثَّر أَوْ كَبَا
يَطْوِي المَدَى طَيَّ السِّجِلِّ وَيَهْتَدِي / في كُلِّ مَهْمَهَةٍ يَضِلُّ بِها الْقَطَا
يَجْرِي عَلَى عَجَلٍ فَلا يَشْكُو الْوَجَى / مَدَّ النّهارِ وَلا يَمَلُّ مِنَ السُّرَى
لا الْوَخْدُ مِنْهُ وَلا الرَّسِيمُ وَلا يُرَى / يَمْشِي الْعِرَضْنَةَ أَو يَسِيرُ الْهَيْدَبَى
رَيَّانُ مِلْءَ ضُلُوعِهِ لَكِنَّهُ / يَشْكُو بِزَفْرَتِهِ لَهِيباً في الْحَشَا
ما زالَ يَنْهَجُ في الْمَسِير طَرائِقاً / تَدَعُ الْجِيَادَ مُقَيَّداتٍ بِالْوَجَى
حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى جَنابٍ أَفْيَحٍ / زَاهِي النَّبات بَعِيدِ أَعْماقِ الثَّرَى
تَسْتَنُّ فِيهِ الْعَيْنُ بَيْنَ مَنابِتٍ / طَابَتْ مَغارِسُها وَجَنَّاتٍ رِوَا
مُلْتَفِّ أَفْنَانِ الْحَدَائِقِ لَوْ سَرَتْ / فيها السَّمُومُ لَشَابَهَتْ رِيحَ الصَّبَا
فَتُرَابُهُ نَفَسُ الْعَبِيرِ وَنَبْتُهُ / سَرقُ الْحَرِيرِ وَماؤُهُ فَلَقُ الضُّحَى
فَإِذَا شَمِمْتَ وَجَدْتَ أَطْيَبَ نَفْحَةٍ / وَإِذَا الْتَفَتَّ رَأَيْتَ أَحْسَنَ مَا يُرَى
وَالقُطْنُ بَيْنَ مُلَوِّزٍ وَمُنَوِّرٍ / كَالْغادَةِ ازْدَانَتْ بِأَنْوَاعِ الْحُلَى
فَكَأَنَّ عاقِدَهُ كُراتُ زُمُرُّدٍ / وُكَأَنَّ زَاهِرَهُ كَواكِبُ في الرُوَا
دَبَّتْ بِهِ رُوحُ الْحَياةِ فَلَوْ وَهَتْ / عَنْهُ الْقُيُودُ مِنَ الْجَدَاوِل قَدْ مَشَى
فَأُصُولُهُ الدَّكْنَاءُ تَسْبَحُ في الثَّرَى / وَفُرُوعُهُ الخَضْرَاءُ تَلْعَبُ في الْهَوَا
لَم يَسْرِ فيهِ الطَّرْفُ مَذْهَبَ فِكْرةٍ / مَحْدُودَةٍ إِلَّا تَرَاجَعَ بِالمُنَى
هَذا لَعَمْرُ أَبِيكَ داعِيَةُ الرِّضَا / وَسَلامَةُ العُقْبَى وَمِفْتَاحُ الْغِنَى
فَعَلامَ أَجْهَدُ في الْمَطَالِبِ باذِلاً / نَفْسِي وَهَذا لِلْمَطالِبِ مُنْتَهَى
فَالْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَهَبَ العُلا / وَسَرَا الأَذَى عَنِّي فَأَبْصَرْتُ الْهُدَى
سِوَايَ بِتَحْنَانِ الأَغَارِيدِ يَطْرَبُ
سِوَايَ بِتَحْنَانِ الأَغَارِيدِ يَطْرَبُ / وَغَيْرِيَ بِاللَّذَّاتِ يَلْهُو وَيُعْجَبُ
وَما أَنَا مِمَّنْ تَأْسِرُ الْخَمْرُ لُبَّهُ / وَيَمْلِكُ سَمْعَيْهِ الْيَرَاعُ الْمُثَقَّبُ
وَلَكِنْ أَخُو هَمٍّ إِذا ما تَرَجَّحَتْ / بِهِ سَوْرَةٌ نحَوْ َالْعُلاَ رَاحَ يَدْأَبُ
نَفَى النَّوْمَ عَنْ عَيْنَيْه نَفْسٌ أَبِيَّةٌ / لَها بينَ أَطْرافِ الأَسِنَّة مَطْلَبُ
بَعِيدُ مَناطِ الْهَمِّ فَالغَرْبُ مَشْرِقٌ / إِذَا مَا رَمَى عَيْنَيْهِ والشَّرْقُ مَغْرِبُ
لَهُ غُدُواتٌ يَتْبَعُ الْوَحْشُ ظِلَّها / وَتَغْدُو عَلى آثارِها الطَّيْرُ تَنْعَبُ
هَمَامَةُ نَفْسٍ أَصْغَرَتْ كُلَّ مَأْرَبٍ / فَكَلَّفَتِ الأَيَّامَ ما لَيْسَ يُوهَبُ
وَمَنْ تَكُنِ العَلْياءُ هِمَّةَ نَفْسِهِ / فَكُلُّ الَّذِي يَلْقَاهُ فيها مُحَبَّبُ
إِذا أَنا لَم أُعْطِ الْمَكارِمَ حَقَّها / فَلا عَزَّنِي خالٌ وَلا ضَمَّنِي أَبُ
وَلا حَمَلَتْ دِرْعِي كُمَيْتٌ طِمِرَّةٌ / وَلا دارَ في كَفِّي سِنانٌ مُذَرَّبُ
خُلِقْتُ عَيُوفاً لا أَرَى لابْنِ حُرَّةٍ / لَدَيَّ يَداً أُغْضِي لَها حِينَ يَغْضَبُ
فَلَسْتُ لأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقّعَاً / وَلَسْتُ عَلى شَيءٍ مَضَى أَتَعَتَّبُ
أَسِيرُ عَلَى نَهْجٍ يَرَى النَّاسُ غَيْرَهُ / لِكُلِّ امْرِئٍ في ما يُحاوِلُ مَذْهَبُ
وَإِنِّي إِذا ما الشَكُّ أَظْلَمَ لَيْلُهُ / وَأَمْسَتْ بِهِ الأَحْلامُ حَيْرَى تَشَعَّبُ
صَدَعْتُ حِفافَيْ طُرَّتَيْهِ بِكَوكَبٍ / مِنَ الرَّأْي لا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمُغيَّبُ
وَبَحْرٍ مِنَ الْهَيجَاءِ خُضْتُ عُبابَهُ / وَلا عاصِمٌ إِلَّا الصَّفِيحُ المُشَطَّبُ
تَظَلُّ بِهِ حُمْرُ المَنَايا وَسُودُها / حَواسِرَ في أَلْوَانِهَا تَتَقَلَّبُ
تَوَسَّطْتُهُ وَالْخَيْلُ بِالْخَيْلِ تَلْتَقِي / وَبِيضُ الظُّبَا في الْهَامِ تَبْدُو وَتَغْرُبُ
فَما زِلْتُ حتَّى بَيَّنَ الْكَرُّ مَوْقِفِي / لَدَى ساعَةٍ فيها الْعُقُولُ تَغَيَّبُ
لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى أَتَى الليلُ وَالْتَقَى / عَلَى غَيْهَبٍ مِنْ ساطِعِ النَّقْعِ غَيْهَبُ
كَذَلِكَ دَأْبِي في الْمِراسِ وَإِنَّنِي / لأَمْرَحُ في غَيِّ التَّصابِي وأَلْعَبُ
وفِتْيَان لَهْوٍ قَدْ دَعَوْتُ ولِلْكَرَى / خِباءٌ بِأَهْدَابِ الْجُفُونِ مُطَنَّبُ
إِلَى مَرْبَعٍ يَجْرِي النَّسِيمُ خِلالَهُ / بِنَشْرِ الْخُزَامَى والنَّدَى يَتَصَبَّبُ
فَلَمْ يَمْضِ أَنْ جاءُوا مُلَبِّينَ دَعْوَتِي / سِراعاً كَما وَافَى عَلَى الْماءِ رَبْرَبُ
بِخَيْلٍ كَآرَامِ الصَّرِيمِ وَرَاءَها / ضَوارِي سَلُوقٍ عاطِلٌ وَمُلَبَّبُ
مِنَ اللاءِ لا يَأْكُلْنَ زاداً سِوَى الَّذِي / يُضَرِّسْنَهُ وَالصَّيْدُ أَشْهَى وَأَعْذَبُ
تَرَى كُلَّ مُحْمَرِّ الْحَمالِيقِ فاغِرٍ / إِلَى الْوَحْشِ لا يَأْلُو وَلا يَتَنَصَّبُ
يَكَادُ يَفُوتُ الْبَرقَ شَدَّاً إِذَا انْبَرَتْ / لَهُ بِنْتُ ماءٍ أَوْ تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ
فَمِلْنا إِلَى وادٍ كَأَنَّ تِلاعَهُ / مِنَ الْعَصْبِ مَوْشِيُّ الْحَبائِكِ مُذْهَبُ
تُرَاحُ بِهِ الآمَالُ بَعْدَ كَلالِها / وَيَصْبُو إِلَيْهِ ذُو الْحِجَا وَهْوَ أَشْيَبُ
فَبَيْنَا نَرُودُ الأَرْضَ بِالْعَيْنِ إِذْ رَأَى / رَبِيئَتُنَا سِرْباً فَقَالَ أَلا ارْكَبُوا
فَقُمْنَا إِلَى خَيْلٍ كَأَنَّ مُتُونَها / مِنَ الضُّمْرِ خُوطُ الضَّيْمَرَانِ الْمُشَذَّبُ
فَلَمَّا انْتَهَيْنا حَيْثُ أَخْبَرَ أُطْلِقَتْ / بُزَاةٌ وَجَالَتْ في المَقَاوِدِ أَكْلُبُ
فَما كَانَ إِلَّا لَفْتَةُ ُالْجِيدِ أَنْ غَلَتْ / قُدُورٌ وَفارَ اللَّحْمُ وَانْفَضَّ مَأْرَبُ
وَقُلْنَا لِساقِينَا أَدِرْها فَإِنَّما / قُصَارَى بَنِي الأَيّامِ أَنْ يَتَشَعَّبُوا
فَقامَ إِلَى رَاقُودِ خَمْرٍ كَأَنَّهُ / إِذَا اسْتَقْبَلَتْهُ الْعَيْنُ أَسْوَدُ مُغْضَبُ
يَمُجُّ سُلافاً في إناءٍ كَأَنَّهُ / إِذَا ما اسْتَقَلَّتْهُ الأَنَامِلُ كَوْكَبُ
فَلَمْ نَأْلُ أَنْ دَارَتْ بِنَا الأَرْضُ دَوْرَةً / وَحَتَّى رَأَيْنَا الأُفْقَ يَنْأَى وَيَقْرُبُ
إِلَى أَنْ تَوَلَّى الْيَومُ إِلَّا أَقَلَّهُ / وَقَدْ كادَتِ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ تَغْرُبُ
فَرُحْنَا نَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً لِمنزلٍ / بِهِ لأَخِ اللَّذَّاتِ واللَّهْو مَلْعَبُ
مَسارِحُ سِكِّيرٍ وَمَرْبِضُ فاتِكٍ / وَمُخْدَعُ أَكْوابٍ بِهِ الخَمْرُ تُسْكَبُ
فَلَمَّا رآنا صاحبُ الدّارِ أَشْرَقَتْ / أَسارِيرُهُ زَهْواً وَجاءَ يُرَحِّبُ
وقَالَ انْزِلُوا يا بَارَكَ اللهُ فيكُمُ / فَعِنْدِي لَكُمْ ما تَشْتَهُونَ وَأَطْيَبُ
وَرَاحَ إِلَى دَنٍّ تَكَامَلَ سِنُّهُ / وَشَيَّبَ فَوْدَيْهِ مِنَ الدَّهْرِ أَحْقُبُ
فَما زالَ حتَّى اسْتَلَّ مِنْهُ سَبِيكَةً / مِنَ الخمرِ تَطْفُو في الإِنَاءِ وتَرْسُبُ
يَحُومُ علَيهَا الطَّيْرُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ / وَيَسْرِي عَلَيْهَا الطّارِقُ الْمُتَأَوِّبُ
فَيا حُسْنَ ذاكَ اليومِ لَوْ كانَ باقياً / ويا طِيبَ هَذا الليلِ لَوْ دامَ طَيِّبُ
يَوَدُّ الْفَتَى ما لا يَكُونُ طَمَاعَةً / وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الدَّهْرَ بِالنَّاسِ قُلَّبُ
وَلَوْ عَلِمَ الإنْسَانُ ما فِيهِ نَفْعُهُ / لأَبْصَرَ ما يَأْتِي وَمَا يَتَجَنَّبُ
وَلَكِنَّها الأَقْدَارُ تَجْرِي بِحُكْمِها / عَلَيْنَا وَأَمْرُ الْغَيْبِ سِرٌّ مُحَجَّبُ
نَظُنُّ بِأَنَّا قادِرُونَ وَأَنَّنا / نُقادُ كَمَا قِيدَ الْجَنِيبُ وَنُصْحَبُ
فَرَحْمَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى امْرِئٍ / أَصَابَ هُداهُ أَو دَرَى كَيْفَ يَذْهَبُ
طَرِبَ الْفُؤادُ وكانَ غَيْرَ طَرُوبِ
طَرِبَ الْفُؤادُ وكانَ غَيْرَ طَرُوبِ / والْمَرْءُ رَهْنُ بَشاشَةٍ وَقُطُوبِ
وَرَدَ الْبَشِيرُ فَقُلْتُ مِنْ سَرَفِ الْمُنَى / أَعِدِ الْحَدِيثَ عَليَّ فَهْوَ حَسِيبي
خَبَرٌ جَلا صَدَأَ الْقُلُوبِ فَلَمْ يَدَعْ / فِيهَا مَجالَ تَحَفُّزٍ لِوَجِيبِ
ضَرَحَ الْقَذَى كَقَمِيصِ يُوسُفَ عِنْدَمَا / وَرَدَ الْبَشِيرُ بِهِ إِلَى يَعْقُوبِ
فَلْتَهْنَ مِصْرُ وَأَهْلُهَا بِسَلامَةٍ / جاءَتْ لَهَا بِالأَمْنِ بَعْدَ خُطُوبِ
بِالْمَاجِدِ الْمَنْسُوبِ بَلْ بِالأَرْوَعِ الْ / مَشْبُوبِ بَلْ بِالأَبْلَجِ الْمَعْصُوبِ
رَبِّ الْعُلاَ وَالْمَجْدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ / وَضَحَتْ بِهِ الأَيَّامُ بَعْدَ شُحُوبِ
وَرَدَ الْبِلادَ ولَيْلُها مُتَراكِبٌ / فأَضاءَهَا كَالْكَوْكَبِ الْمَشْبُوبِ
بِرَوِيَّةٍ تَجْلُو الصَّوَابَ وَعَزْمَةٍ / تَمْضِي مَضاءَ اللَّهْذَمِ الْمَذْرُوبِ
مَلِكٌ تَرَفَّعَ أَنْ تَكُونَ صِفاتُهُ / إِلَّا لَهُ أَوْ لاِبْنِهِ الْمَحْبُوبِ
ذو هَيْبَةٍ تَكْفِيهِ سَوْقَ جُنُودِهِ / وَبَدِيهَةٍ تُغْنِي عَنِ التَّجْرِيبِ
نَمَّتْ شَمائِلُهُ عَلَى أَعْراقِهِ / نَمَّ النَّسِيمِ عَلَى أَرِيجِ الطِّيبِ
أَكْنِي بِزَهْرِ الرَّوْضِ عَنْ أَخْلاقِهِ / وَبِنَشْرِهِ عَنْ فَضْلِهِ الْمَرْغُوبِ
وأَقُولُ إِنَّ الْبَرْقَ يَحْكِي بِشْرَهُ / لَوْ كَانَ بَرْقُ الْمُزْنِ غَيْرَ خَلُوبِ
فَالْخِصْبُ في الدُّنْيَا عَلامَةُ عَدْلِهِ / والْغَيْثُ فَضْلَةُ جُودِهِ الْمَسْكُوبِ
أَجْرَى نَسِيمَ الأَمْنِ بَعْدَ رُكُودِهِ / وَأَفَاضَ مَاءَ الْعَدْلِ بَعْدَ نُضُوبِ
وَأَعَادَ مِصْرَ إِلَى جَمالِ شَبابِها / مِنْ بَعْدِ مَا لَبِسَتْ خِمَارَ مَشِيبِ
فَتَنَعَّمَتْ مِنْ فَيْضِهِ في غِبْطَةٍ / وَتَمَتَّعَتْ مِنْ عَدْلِهِ بِنَصِيبِ
وَإِذَا أَرادَ اللهُ رَحْمَةَ أُمَّةٍ / بَعَثَ الشِّفَاءَ لَهَا بِخَيْرِ طَبِيبِ
فَلَقَدْ مَلَكْتَ زِمَامَها وَسَقَيْتَها / بَعْدَ الصَّدَى مِنْ رَحْمَةٍ بِذَنُوبِ
فَغَدَتْ وَمَا فِي الأَرْضِ أَحْسَنُ بُقْعَةً / مِنْهَا لِمُزْدَرِعٍ وَلا لِكَسُوبِ
يَسْتَنُّ فِيهَا النِّيلُ بَيْنَ حَدَائِقٍ / غُلْبٍ ورَفَّافِ النَّباتِ خَصِيبِ
وتَرَى السَّفِينَ يَجُولُ فَوْقَ سَراتِهِ / زَفَّ الرِّئَالِ تَمَطَّرَتْ بِسُهُوبِ
مِنْ كُلِّ راقِصَةٍ عَلَى نَقْرِ الصَّبَا / تَخْتَالُ بَيْنَ شَمائِلٍ وَجَنُوبِ
مَلَكَتْ أَزِمَّتَها الرِّيَاحُ فَسَيْرُها / ضَرْبَانِ بَيْنَ تَحَفُّزٍ وَدَبِيبِ
فَإِذا أَطَلْتَ عِنَانَها وَقَفَتْ وإِنْ / أَقْصَرْتَهُ سَارَتْ بِغَيْرِ لُغُوبِ
فَانْعَمْ بِخَيْرِ وِلايَةٍ وَلّاكَها / رَبُّ الْعِبادِ بِرَغْمِ كُلِّ رَقِيبِ
مَا آثَرُوكَ لَها بِغَيرِ رَوِيَّةٍ / بَلْ لاِعْتِصامِهِمُ بِخَيْرِ لَبِيبِ
فَاسْمَعْ مَقالَةَ صادِقٍ لَمْ يَنْتَسِبْ / لِسِوَاكَ في أَدَبٍ وَلا تَهْذِيبِ
أَوْلَيْتَهُ خَيْراً فَقَامَ بِشُكْرِهِ / وَالشُّكْرُ لِلإِحْسَانِ خَيْرُ ضَرِيبِ
فَاعْطِفْ عَلَيْهِ تَجِدْ سَلِيلَ كَرَامَةٍ / أَهْلاً لِحُسْنِ الأَهْلِ وَالتَّرْحِيبِ
يُنْبِيكَ ظاهِرُهُ بِوُدِّ ضَمِيرِهِ / وَالْوَجْهُ وَسْمَةُ مُخْلِصٍ وَمُرِيبِ
وَإِلَيْكَ مِنْ حَوْكِ اللِّسَانِ حَبِيرَةً / يُغْنِيكَ رَوْنَقُها عَنِ التَّشْبِيبِ
حَضَرِيَّةَ الأَنْسَابِ إِلَّا أَنَّها / بَدَوِيَّةٌ في الطَّبْعِ وَالتَّرْكِيبِ
وَلِعَتْ بِمَنْطِقِهَا النُّفُوسُ غَرَابَةً / وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِكُلِّ غَرِيبِ
أَرْسَلْتُها مَثَلاً بِمَدْحِكَ فِي الْوَرَى / وَالسَّهْمُ مَنْسُوبٌ لِكُلِّ مُصِيبِ
كَلِمٌ أَثَرْتُ بِها جَوَادَ بَراعَةٍ / لا يُقْتَفَى في الْحُضْرِ وَالتَّقْريبِ
تَرَكَ الْوَلِيدَ مُلَثَّماً بِغُبارِهِ / وَمَضَى فَكَفْكَفَ مِنْ عِنَانِ حَبِيبِ
فَاسْتَجْلِهَا تَلْمَحْ خِلالَكَ بَيْنَهَا / فِي وَشْيِ بُرْدٍ لِلْكَلامِ قَشِيبِ
كَزُجَاجَةِ التَّصْوِيرِ شَفَّتْ فَاجْتَلَتْ / مِنْ وَصْفِهِ ما كانَ غَيْرَ قَرِيبِ
لا زِلْتَ فِي فَلَكِ الْمَعَالِي كَوْكَباً / تُهْدِي الضِّياءَ لأَعْيُنٍ وَقُلُوبِ
أَعِدْ يا دَهْرُ أَيَّامَ الشَّبَابِ
أَعِدْ يا دَهْرُ أَيَّامَ الشَّبَابِ / وَأَيْنَ مِنَ الصِّبَا دَرْكُ الطِّلابِ
زَمَانٌ كُلَّما لاحَتْ بِفِكْرِي / مَخَايِلُهُ بَكَيْتُ لِفَرْطِ ما بِي
مَضَى عَنِّي وَغَادَرَ بِي وَلُوعاً / تَوَلَّدَ مِنْهُ حُزْنِي وَاكْتِئَابِي
وَكَيْفَ تَلَذُّ بَعْدَ الشَّيْبِ نَفْسِي / وَفِي اللَّذَّاتِ إِنْ سَنَحَتْ عَذَابِي
أَصُدُّ عَنِ النَّعِيمِ صُدُودَ عَجْزٍ / وَأُظْهِرُ سَلْوَةً وَالْقَلْبُ صَابِي
وَمَا فِي الدَّهْرِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ / يَكُونُ قِوَامُها رَوْحَ الشَّبَابِ
فَيَا للهِ كَمْ لِي مِنْ لَيَالٍ / بِهِ سَلَفَتْ وَأَيَّامٍ عِذَابِ
إِذِ النَّعْمَاءُ وَارِفَةٌ عَلَيْنَا / وَمَرْعَى اللَّهْوِ مُخْضَرُّ الْجَنَابِ
نَطِيرُ مَعَ السُّرُورِ إِذَا انْتَشَيْنَا / بِأَجْنِحَةِ الْخَلاعَةِ وَالتَّصَابِي
فَغُدْوَتُنَا وَرَوْحَتُنَا سَوَاءٌ / لعَابٌ في لعَابٍ في لعَابِ
وَرُبَّتَ رَوْضَةٍ مِلْنا إِلَيْهَا / وَقَرْنُ الشَّمْسِ تِبْرِيُّ الإِهَابِ
نَمَتْ أَدْوَاحُها وسَمَتْ فَكَانَتْ / عَلَى السَّاحاتِ أَمْثَالَ الْقِبابِ
فَزَهْرُ غُصُونِهَا طَلْقُ الْمُحَيَّا / وَجَدْوَلُ مائِها عَذْبُ الرُّضابِ
كَأَنَّ غُصُونَها غِيدٌ تَهَادَى / مِنَ الزَّهْرِ الْمُنَمَّقِ في ثِيَابِ
سَقَتْهَا السُّحْبُ رَيِّقَها فَمَالَتْ / كَمَا مَالَ النَّزِيفُ مِنَ الشَّرَابِ
فَسَبَّحَ طَيْرُها شُكْراً وَأَثْنَتْ / بِأَلْسِنَةِ النَّباتِ عَلَى السَّحَابِ
وَيَوْمٍ ناعِمِ الطَّرَفَيْنِ نَادٍ / عَلِيلِ الْجَوِّ هَلْهَالِ الرَّبَابِ
سَبَقْتُ بِهِ الشُّرُوقَ إِلَى التَّصَابِي / بُكُوراً قَبْلَ تَنْعابِ الغُرابِ
وسُقْتُ مَعَ الْغُواةِ كُمَيْتَ لَهْوٍ / جَمُوحاً لا تَلِينُ عَلَى الْجِذَابِ
إِذَا أَلْجَمْتَها بِالْمَاءِ قَرَّتْ / وَدَارَ بِجِيدِها لَبَبُ الْحَبابِ
مُوَرَّدَةً إِذَا اتَّقَدَتْ بِكَفٍّ / جَلَتْها لِلأَشِعَّةِ في خِضَابِ
هُوَ العَصْرُ الَّذِي دَارَتْ عَلَيْنَا / بِهِ اللَّذَّاتُ واضِعَةَ النِّقَابِ
نُجَاهِرُ بِالْغَرَامِ وَلا نُبَالِي / وَنَنْطِقُ بِالصَوابِ وَلا نُحَابِي
فَيَا لَكَ مِنْ زَمانٍ عِشْتُ فِيهِ / نَدِيمَ الرَّاحِ وَالْهيفِ الكِعابِ
إِذَا ذَكَرَتْهُ نَفْسِي أَبْصَرَتْهُ / كَأَنِّي مِنْهُ أَنْظُرُ فِي كِتابِ
تَحَوَّلَ ظِلُّهُ عَنِّي وَأَذْكَى / بِقَلْبِي لَوْعَةً مِثلَ الشِّهَابِ
كَذَاكَ الدَّهْرُ مَلَّاقٌ خَلُوبٌ / يَغُرُّ أَخَا الطَّمَاعَةِ بِالْكِذَابِ
فَلا تَرْكَنْ إِلَيْهِ فَكُلُّ شَيْءٍ / تَرَاهُ بِهِ يَؤُولُ إِلَى ذَهابِ
وَعِشْ فَرْداً فَمَا في الناسِ خِلٌّ / يَسُرُّكَ في بِعَادٍ وَاقْتِرَابِ
حَلَبْتُ الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ مَلِيَّاً / وَذُقْتُ الْعَيْشَ مِنْ أَرْيٍ وَصابِ
فَمَا أَبْصَرْتُ فِي الإِخْوَانِ نَدْبَاً / يَجِلُّ عَنِ الْمَلامَةِ وَالْعِتَابِ
وَلَكِنَّا نُعَاشِرُ مَنْ لَقِينَا / عَلَى حُكْمِ الْمُرُوءَةِ وَالتَغَابِي
أَيْنَ أَيَّامُ لَذَّتِي وَشَبَابِي
أَيْنَ أَيَّامُ لَذَّتِي وَشَبَابِي / أَتُراهَا تَعُودُ بَعْدَ الذَّهابِ
ذَاكَ عَهْدٌ مَضَى وَأَبْعَدُ شَيْءٍ / أَنْ يَرُدَّ الزَّمانُ عَهْدَ التَّصَابِي
فَأَدِيرَا عَلَيَّ ذِكْراهُ إِنِّي / مُنْذُ فارَقْتُهُ شَدِيدُ المُصَابِ
كُلُّ شَيءٍ يَسْلُوهُ ذُو اللُّبِّ إِلَّا / ماضِيَ اللَّهْوِ فِي زَمانِ الشَّبابِ
لَيْتَ شِعْرِي مَتَى أَرَى رَوْضَةَ الْمَن / يَلِ ذَاتَ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ
حَيْثُ تَجْرِي السَّفِينُ مُسْتَبِقَاتٍ / فَوْقَ نَهْرٍ مِثْل اللُّجَيْنِ الْمُذابِ
قَدْ أَحَاطَتْ بِشَاطِئَيْهِ قُصُورٌ / مُشْرِقَاتٌ يَلُحْنَ مِثْلَ الْقِبابِ
مَلْعَبٌ تَسْرَحُ النَّوَاظِرُ مِنْهُ / بَيْنَ أَفْنانِ جَنَّةٍ وَشعابِ
كُلَّما شَافَهَ النَّسِيمُ ثَراهُ / عَادَ مِنْهُ بِنَفْحَةٍ كَالْمَلابِ
ذَاكَ مَرْعَى أُنْسِي وَمَلْعَبُ لَهْوِي / وَجَنَى صَبْوَتِي وَمَغْنَى صِحابِي
لَسْتُ أَنْسَاهُ ما حَيِيتُ وَحاشَا / أَنْ تَرانِي لِعَهْدِهِ غَيْرَ صَابِي
لَيْسَ يَرْعَى حَقَّ الْودادِ وَلا يَذْ / كُرُ عَهْداً إِلَّا كَريمُ النِّصَابِ
فَلَئِنْ زالَ فَاشْتِيَاقِي إِلَيْهِ / مِثْلُ قَوْلِي باقٍ عَلَى الأَحْقَابِ
يا نَدِيمَيَّ مِنْ سَرَنْدِيبَ كُفَّا / عَنْ مَلامِي وَخَلِّياني لِمَا بِي
كَيْفَ لا أَنْدُبُ الشَّبابَ وَقَدْ أَصْ / بَحْتُ كَهْلاً في مِحْنَةٍ وَاغْتِرابِ
أَخْلَقَ الشَّيْبُ جِدَّتِي وَكَسَانِي / خِلْعَةً مِنْهُ رَثَّةَ الْجِلْبَابِ
وَلَوَى شَعْرَ حاجِبَيَّ عَلَى عَيْ / نَيَّ حَتَّى أَطَلَّ كَالْهُدَّابِ
لا أَرَى الشَيءَ حِينَ يَسْنَحُ إِلَّا / كَخَيالٍ كَأَنَّنِي في ضَبابِ
وَإِذَا مَا دُعِيتُ حِرْتُ كَأَنِّي / أَسْمَعُ الصَّوْتَ مِنْ وَرَاءِ حِجابِ
كُلَّمَا رُمْتُ نَهْضَةً أَقْعَدَتْنِي / وَنْيَةٌ لا تُقِلُّها أَعْصابِي
لَم تَدَعْ صَوْلَةُ الحَوَادِثِ مِنِّي / غَيْرَ أَشْلاءِ هِمَّةٍ فِي ثِيَابِ
فَجَعَتْنِي بِوالِدَيَّ وَأَهْلِي / ثُمَّ أَنْحَتْ تَكُرُّ فِي أَتْرَابِي
كُلَّ يَوْمٍ يَزُولُ عَنِّي حَبِيبٌ / يا لِقَلْبِي مِنْ فُرْقَةِ الأَحْبَابِ
أَيْنَ مِنِّي حُسَيْنُ بَلْ أَيْنَ عَبْدُ اللَّ / هِ رَبُّ الْكَمالِ وَالآدَابِ
مَضَيَا غَيْرَ ذُكْرَةٍ وَبَقَاءُ الذ / ذِكْرِ فَخْرٌ يَدُومُ لِلأَعْقَابِ
لَمْ أَجِدْ مِنْهُما بَدِيلاً لِنَفْسِي / غَيْرَ حُزْنِي عَلَيْهِما وَاكْتِئَابِي
قَدْ لَعَمْرِي عَرَفْتُ دَهْرِي فَأَنْكَرْ / تُ أُمُوراً مَا كُنَّ لي في حِسابِ
وَتَجَنَّبْتُ صُحْبَةَ النَّاسِ حَتَّى / كَانَ عَوْناً عَلَى التُّقاةِ اجْتِنابِي
لا أُبالِي بِما يُقالُ وَإِنْ كُنْ / تُ مَلِيئاً بِرَدِّ كُلِّ جَوابِ
قَدْ كَفَاني بُعْدِي عَنِ النَّاسِ أَنِّي / في أَمانٍ مِنْ غِيبَةِ الْمُغْتَابِ
فَلْيَقُلْ حَاسِدِي عَلَيَّ كَمَا شَا / ءَ فَسَمْعِي عَنِ الْخَنَا في احْتِجَابِ
لَيْسَ يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ وَلَكِنْ / أَتَغابَى والْحَزْمُ إِلْفُ التَّغَابِي
وَكَفَى بِالْمَشِيبِ وَهْوَ أَخُو الحَزْ / مِ دَلِيلاً إِلى طَرِيقِ الصَّوابِ
إِنَّما الْمَرْءُ صُورَةٌ سَوْفَ تَبْلَى / وَانْتِهاءُ الْعُمْرانِ بِدْءُ الخَرابِ
سَلُوا عَنْ فُوادِي قَبْلَ شَدِّ الرَّكائِبِ
سَلُوا عَنْ فُوادِي قَبْلَ شَدِّ الرَّكائِبِ / فَقَدْ ضَاعَ مِنِّي بَيْنَ تِلْكَ الْمَلاعِبِ
أَغارَتْ عَلَيْهِ فاحْتَوَتْهُ بِلَحْظِها / فَتاةٌ لَهَا في السِّلْمِ فَتْكُ الْمُحَارِبِ
فَلا تَبْرَحُوا أَوْ تَسْأَلُوهَا فَرُبَّمَا / أَعَادَتْهُ أَوْ جاءَتْ بِوَعْدٍ مُقَارِبِ
وَكَيْفَ تُواريهِ وَهَذا أَنِينُهُ / يَدُلُّ عَلَيهِ السَّمْعُ مِنْ كُلِّ جانِبِ
فَيَا سَرَوَاتِ الْحَيِّ هَلاَّ أَجَبْتُمُ / دُعاءَ فَتىً مِنْكُمْ قَرِيبِ الْمَنَاسِبِ
إِذا لَمْ تُعِينُوني وَأَنْتُمْ عَشِيرَتِي / فَسِيرُوا وخَلُّوني فَلَسْتُ بِذَاهِبِ
أَيَذْهَبُ قَلْبِي غيلَةً ثُمَّ لا أَرَى / لَهُ بَيْنَكُمْ مِنْ ثائِرٍ أَوْ مُطالِبِ
إِذا الْمَرءُ لَمْ يَنْصُرْ أَخَاهُ بِنَفْسِهِ / لَدَى كُلِّ مَكْرُوهٍ فَلَيْسَ بِصاحِبِ
فَلا تَعْذُلُونِي إِنْ تَخَلَّفْتُ بَعْدَكُمْ / فَما أَنَا عَنْ مَثْوَى الفُؤَادِ بِراغِبِ
فَثَمَّ جَنَابٌ لا يُراعُ نَزِيلُهُ / بِنَائِرَةٍ لَوْلا عُيُونُ الْكَوَاعِبِ
إِذَا سَارَ فِيهِ الطَّرْفُ قِيدَ بَنانَةٍ / تَعَثَّرَ مَا بَيْنَ الْقَنا وَالْقَوَاضِبِ
وَبَيْنَ الْعَوالِي فِي الْخُدُورِ نَوَاشِئٌ / مِنَ الْعَينِ حُمْرُ الْحَلْي بِيضُ التَّرائِبِ
إِذَا هُنَّ رَفَّعْنَ السُّجُوفَ أَرَيْنَنَا / مَحَاسِنَ تَدْعُو لِلصِّبا كُلَّ راهِبِ
جَلَوْنَ بِحُلْوانَ الْوُجُوهَ كَوَاكِباً / فَيا مَنْ رَأَى فِي الأَرْضِ سَيْرَ الْكَواكِبِ
وَفَوَّقْنَ أَلحَاظاً فَأَصْمَيْنَ أَنْفُساً / بِلا تِرَةٍ إِلَّا مَجَانَةَ لاعِبِ
فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ فِي حَبائِلِ مُقْلَةٍ / وَكَمْ مِنْ أَسِيرٍ فِي قُيُودِ ذَوائِبِ
لَعَمْرُكَ ما فِي الأَرضِ وَهْيَ رَحِيبَةٌ / كَغِزْلانِ هَذَا الْحَيِّ عُذْرٌ لِنَاسِبِ
فَلا تَطْلُبَنَّ الْحُسْنَ في غَيْرِ أَهْلِهِ / فَأَبْدَعُ ما فِي الأَرْضِ حُسْنُ الأَعارِبِ
فَهُنَّ الأُلَى عَوَّدْنَ قَلْبِي عَلَى الْهَوَى / وَأَخْلَفْنَ ظَنِّي بِالْعِدَاتِ الْكَوَاذِبِ
وَتَيَّمْنَني حَتَّى إِذا ما تَرَكْنَنِي / أَخَا سَقَمٍ أَسْلَمْنَنِي لِلنَّوائِبِ
وَمَا كُنْتُ لَوْلاهُنَّ أَسْتَقْبِلُ الصَّبَا / وَأَسْأَلُ عَنْ أَهْلِ الْحِمَى كُلَّ راكِبِ
وَمَا زَاد ماءُ النِّيِلِ إِلَّا لأَنَّنِي / وَقَفْتُ بِهِ أَبْكِي فِرَاقَ الْحَبَائِبِ
فَيا صاحِبي هَلْ مِنْ فَكَاكٍ لِوَاقِعٍ / بِأَسْرِ الهَوَى أَوْ مِنْ نَجاةٍ لِهَائِبِ
خَضَعْتُ لأَحْكَامِ الهَوَى بَعْدَ عِزَّةٍ / وَمَا كُنْتُ لَوْلا الْحُبُّ طَوْعَ الْجَواذِبِ
وَإِنَّا أُنَاسٌ لا تَهَابُ نُفُوسُنَا / لِقَاءَ الأَعَادِي أَوْ قِرَاعَ الْكَتَائِبِ
نَرُدُّ عَلَى الأَعْقَابِ كُلَّ سَرِيَّةٍ / وَنَعْجَزُ عَنْ نبْلِ الْعُيُونِ الْصَّوَائِبِ
فَلَوْ كَانَ هَذا الْحُبُّ شَخْصَاً مُحارِباً / لأَوْجَرْتُهُ فَوْهَاءَ رَيَّا الْجَوانِبِ
وَلَكِنَّهُ الْخَصْمُ الَّذِي خَضَعَتْ لَهُ / رِقابُ أُنَاسٍ أَخْضَعُوا كُلَّ غَالِبِ
فَلا يَحْسَبَنَّ النَّاسُ قَوْلِي فُكَاهَةً / فَإِنَّ الهَوَى بَحْرٌ كَثِيرُ الْعَجَائِبِ
إِذا الْمَرْءُ لَمْ يَفْرِ الأُمُورَ بِعِلْمِهِ / تَحَيَّرَ ما بَيْنَ اخْتِلافِ الْمَذَاهِبِ
لِكُلِّ دَمْعٍ مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ
لِكُلِّ دَمْعٍ مِنْ مُقْلَةٍ سَبَبُ / وَكَيْفَ يَمْلِكُ دَمْعَ الْعَيْنِ مُكْتَئِبُ
لَوْلا مُكَابَدَةُ الأَشْوَاقِ ما دَمَعَتْ / عَيْنٌ وَلا بَاتَ قَلْبٌ فِي الْحَشَا يَجِبُ
فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لا تَعْجَلْ بِلائِمَةٍ / عَلَيَّ فَالْحُبُّ سُلْطَانٌ لَهُ الغَلَبُ
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ عَقْلٌ يَسْتَضيءُ بِهِ / فِي ظُلْمَةِ الشَّكِّ لَم تَعْلَقْ بِهِ النُّوَبُ
وَلَوْ تَبَيَّنَ ما في الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ / لَكَانَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَيَجْتَنِبُ
لَكِنَّهُ غَرَضٌ لِلدَّهْرِ يَرْشُقُهُ / بِأَسْهُمٍ ما لَها رِيشٌ وَلا عَقَبُ
فَكَيفَ أَكْتُمُ أَشْوَاقِي وَبِي كَلَفٌ / تَكَادُ مِنْ مَسِّهِ الأَحْشَاءُ تَنْشَعِبُ
أَمْ كَيْفَ أَسْلُو وَلِي قَلْبٌ إِذَا الْتَهَبَتْ / بِالأُفْقِ لَمْعَةُ بَرْقٍ كَادَ يَلْتَهِبُ
أَصْبَحْتُ فِي الْحُبِّ مَطْوِيَّاً عَلَى حُرَقٍ / يَكَادُ أَيْسَرُها بِالرُّوحِ يَنْتَشِبُ
إِذَا تَنَفَّسْتُ فَاضَتْ زَفْرَتِي شَرَراً / كَمَا اسْتَنَارَ وَرَاءَ الْقَدْحَةِ اللَّهَبُ
لَمْ يَبْقَ لِي غَيْرَ نَفْسِي مَا أَجُودُ بِهِ / وَقَدْ فَعَلْتُ فَهَلْ مِنْ رَحْمَةٍ تَجِبُ
كَأَنَّ قَلْبِي إِذَا هَاجَ الْغَرَامُ بِهِ / بَيْنَ الْحَشَا طَائِرٌ فِي الْفَخِّ يَضْطَرِبُ
لا يَتْرُكُ الْحُبُّ قَلْبِي مِنْ لَواعِجِهِ / كَأَنَّمَا بَيْنَ قَلْبِي وَالْهَوَى نَسَبُ
فَلا تَلُمْنِي عَلَى دَمْعٍ تَحَدَّرَ في / سَفْحِ الْعَقِيقِ فَلِي في سَفْحِهِ أَرَبُ
مَنَازِلٌ كُلَّمَا لاحَتْ مَخَايِلُهَا / فِي صَفْحَةِ الْفِكْرِ مِنِّي هاجَنِي طَرَبُ
لِي عِنْدَ سَاكِنِهَا عَهْدٌ شَقِيتُ بِهِ / وَالْعَهْدُ ما لَم يَصُنْهُ الْوُدُّ مُنْقَضِبُ
وَعادَ ظَنِّي عَلِيلاً بَعْدَ صِحَّتِهِ / وَالظَنُّ يَبْعُدُ أَحْيَاناً وَيَقْتَرِبُ
فَيَا سَرَاةَ الْحِمَى ما بَالُ نُصْرَتِكُمْ / ضَاقَتْ عَلَيَّ وَأَنْتُمْ سادَةٌ نُجُبُ
أَضَعْتُمُوني وَكانَتْ لِي بِكُمْ ثِقَةٌ / مَتَى خَفَرْتُمْ ذِمَامَ الْعَهْدِ يا عَرَبُ
أَلَيْسَ فِي الحَقِّ أَنْ يَلْقَى النَّزِيلُ بِكُمْ / إِمْناً إِذا خَافَ أَنْ يَنْتَابَهُ الْعَطَبُ
فَكَيْفَ تَسْلُبُنِي قَلْبِي بِلا تِرَةٍ / فَتاةُ خِدْرٍ لَهَا فِي الْحَيِّ مُنْتَسَبُ
مَرَّتْ عَلَيْنَا تَهَادَى في صَوَاحِبِهَا / كَالْبَدْرِ في هَالَةٍ حَفَّتْ بِهِ الشُّهُبُ
تَهْتَزُّ مِنْ فَرْعِها الْفَيْنَانِ في سرَقٍ / كَسَمْهَرِيٍّ لهُ مِنْ سَوْسَنٍ عَذَبُ
كَأَنَّ غُرَّتَهَا مِنْ تَحْتِ طُرَّتِها / فَجْرٌ بِجَانِحَةِ الظَّلْمَاءِ مُنْتَقِبُ
كانَتْ لَنا آيَةً في الْحُسْنِ فاحْتَجَبَتْ / عَنَّا بِلَيْلِ النَّوَى وَالْبَدْرُ يَحْتَجِبُ
فَهَلْ إِلى نَظْرَةٍ يَحْيَا بِهَا رَمَقٌ / ذَرِيعَةٌ تَبْتَغِيها النَّفْسُ أَو سَبَبُ
أَبِيتُ في غُرْبَةٍ لا النَّفْسُ رَاضِيَةٌ / بِها وَلا المُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ
فَلا رَفِيقٌ تَسُرُّ النَّفْسَ طَلْعَتُهُ / وَلا صَدِيقٌ يَرَى ما بِي فَيَكْتَئِبُ
وَمِنْ عَجَائِبِ ما لاقَيْتُ مِنْ زَمَنِي / أَنِّي مُنِيتُ بِخَطْبٍ أَمْرُهُ عَجَبُ
لَم أَقْتَرِفْ زَلَّةً تَقْضِي عَلَيَّ بِما / أَصْبَحْتُ فيهِ فَماذَا الْوَيْلُ والْحَرَبُ
فَهَلْ دِفَاعِي عَنْ دِيني وَعَنْ وَطَنِي / ذَنْبٌ أُدَانُ بِهِ ظُلْمَاً وَأَغْتَرِبُ
فَلا يَظُنّ بِيَ الْحُسَّادُ مَنْدَمَةً / فَإِنَّنِي صابِرٌ فِي اللهِ مُحْتَسِبُ
أَثْرَيْتُ مَجْداً فَلَمْ أَعْبَأْ بِمَا سَلَبَتْ / أَيْدِي الْحَوادِثِ مِنِّي فَهْوَ مُكْتَسَبُ
لا يَخْفِضُ الْبُؤْسُ نَفْساً وَهْيَ عَالِيَةٌ / وَلا يُشِيدُ بِذِكْرِ الْخَامِلِ النَّشَبُ
إِنِّي امْرُؤٌ لا يَرُدُّ الخَوْفُ بادِرَتِي / وَلا يَحِيفُ عَلَى أَخْلاقِيَ الْغَضَبُ
مَلَكْتُ حِلْمِي فَلَمْ أَنْطِقْ بِمُنْدِيَةٍ / وَصُنْتُ عِرْضِي فَلَم تَعْلَقْ بِهِ الرِّيَبُ
ومَا أُبَالِي ونَفْسِي غَيْرُ خاطِئَةٍ / إِذا تَخَرَّصَ أَقْوامٌ وَإِنْ كَذَبُوا
ها إِنَّها فِرْيَةٌ قَدْ كانَ باءَ بِها / في ثَوْبِ يُوسُفَ مِنْ قَبْلِي دَمٌ كَذِبُ
فَإِنْ يَكُنْ سَاءَنِي دَهْرِي وغَادَرَنِي / في غُرْبَةٍ لَيْسَ لِي فيها أَخٌ حَدِبُ
فَسَوْفَ تَصْفُو اللَّيَالي بَعْدَ كُدْرَتِها / وَكُلُّ دَوْرٍ إِذَا ما تَمَّ يَنْقَلِبُ
وَلَمَّا تَدَاعَى الْقَوْمُ واشْتَبَكَ الْقَنَا
وَلَمَّا تَدَاعَى الْقَوْمُ واشْتَبَكَ الْقَنَا / ودَارَتْ كَمَا تَهْوَى عَلَى قُطْبِها الْحَرْبُ
وَزُيِّنَ لِلنَّاسِ الْفِرارُ مِنَ الرَّدَى / وَمَاجَتْ صُدُورُ الْخَيْلِ والْتَهَبَ الضَّرْبُ
ودَارَتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ كَأَنَّنا / سُقِينَا بِكَأْسٍ لا يُفِيقُ لَهَا شَرْبُ
صَبَرْتُ لَها حَتَّى تَجَلَّتْ سَماؤُها / وإِنِّي صَبُورٌ إِنْ أَلَمَّ بِيَ الْخَطْبُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025