المجموع : 154
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ / فاِمزُجْ لُجينَ الدّمعِ منْ عِقْيانِهِ
واِنزِل فثَمَّ مُعرَّسٌ أبداً ترى / فيهِ قُلوب العِشقِ مِن رُكْبانِهِ
وَاِشمُمْ عَبيرَ تُرابِهِ واِلْثِمْ حَصىً / في سَفحِهِ اِنتثَرتْ عُقودُ جُمانِهِ
واِعدِل بنا نحوَ المُحصَّبِ مِنْ مِنىً / واِحْذَرْ رُماةَ الغُنجِ مِن غِزلانِهِ
وتوَقَّ فيه الطّعنَ إمّا مِن قَنا / فُرسانِهِ أو مِن قُدودِ حِسانِهِ
أكرِمْ بهِ من مَربَعٍ منْ وَردِهِ ال / وَجَناتُ والقاماتُ من أغصانِهِ
مَغنىً إذا غنّى حَمامُ أرَاكِهِ / رَقَصَتْ به طَرباً معاطِفُ بانهِ
فلكٌ تنزّلَ فهوَ يُحسَبُ بُقعةً / أوَ مَا ترى الأقمارَ منْ سُكّانِهِ
خَضَبَ النّجيعُ غَزالَهُ وهِزَبْرَهُ / هذا بِوَجنَتهِ وذا بِبَبانِهِ
فلَئنْ جَهلْتَ الحَتْفَ أين مقرُّهُ / سَلني فإنّي عارفٌ بمكانهِ
هو في الجفونِ السّودِ من فَتياتهِ / أو في الجفونِ البيضِ منْ فِتيانهِ
مَنْ لي برُؤيةِ أوجُهٍ في أوجِه / حجبَ البِعادُ شُموسَها بعَنانهِ
بيضٌ إذا لعبتْ صَباً بذُيولِها / حملَ النّسيمُ المِسْكَ في أرْدانهِ
عمدَتْ إلى قَبسِ الضُحى فتبرْقَعتْ / فيه وقنّعَها الدّجى بدُخانهِ
من كلِّ نيّرةٍ بتاجِ شَقيقِها / قمرٌ تحفُّ به نجومُ لِدانهِ
وَهبتْ لهُ الجوزاءُ شُهبَ نِطاقِها / حَلْياً وسوّرَها الهِلالُ بحانهِ
هذي بأنْصُل جَفْنِها تسطو على / مُهَجِ الأُسودِ وذاكَ منْ مُرّانهِ
يفترُّ ثَغرُ البرقِ تحتَ لِثامِها / ويَسيرُ منها الغَيْثُ في قُمصانهِ
كمَنَ النُحولُ بخَصْرِها وبسيْفِه / والموتُ من وَسْنانِها وسِنانِهِ
في الخِدرِ منها العِيسُ تحملُ جُؤذراً / ويُقلُّ منه الليثُ سَرْجَ حِصانهِ
قَسَماً بسَلْعٍ وهْيَ حِلفةُ وامِقٍ / أقصاهُ صَرْفُ البَيْنِ عنْ جيرانِهِ
ما اِشْتاقَ سمْعي ذِكرَ منزلِ طَيْبةٍ / إلّا وهِمْتُ بِساكِني ودْيانهِ
بلدٌ إذا شاهَدْتَه أيْقَنتَ أن / نَ اللّهَ ثمّن فيهِ سبعَ جِنانهِ
ثغرٌ حمَتْهُ صِفاحُ أجفانِ المَهى / وتكلّفَتْهُ رِماحُ أُسْدِ طِعانهِ
تُمسي فراشُ قُلوبِ أرْبابِ الهَوى / تُلْقي بأنفُسِها على نيرانهِ
لوْلا رِواياتُ الهَوى عن أهلِه / لمْ يَروِ طَرفي الدّمعَ عن إنسانهِ
لا تُنكِروا بحَديثهِمْ ثَملي إذا / فضّ المُحدّثُ عن سُلافةِ حانهِ
همْ أقرَضوا سَمعي الجُمانَ وطالبوا / فيهِ مَسيلَ الدّمعِ منْ مُرجانهِ
فإلامَ يَفجعُني الزّمانُ بفَقْدِهمْ / ولقد رأى جَلَدي على حِدْثانهِ
عَتبي على هذا الزّمان مُطوَّلٌ / يُفضي إلى الإطْنابِ شرحُ بَيانهِ
هَيهاتِ أنْ ألقاهُ وهْوَ مُسالِمي / إنّ الأديبَ الحُرَّ حَرْبُ زَمانهِ
يا قَلبُ لا تَشْكُ الصّبابةَ بَعْدَما / أوْقعتَ نَفسَكَ في الهوى وهَوانهِ
تَهوى وتَطمَعُ أن تفِرَّ من الهَوى / كيف الفِرارُ وأنت رهنُ ضَمانهِ
يا للرِّفاقِ ومَن لمُهجةِ مُدْنَفٍ / نِيرانُها نزَعَتْ شوى سلوانهِ
لم ألْقَ قبلَ العِشْقِ ناراً أحرَقَتْ / بَشَراً وحُبُّ المُصْطفى بجَنانهِ
خيْرِ النّبِيّينَ الّذي نَطَقَتْ بهِ الت / توراةُ والإنجيلُ قبلَ أوانِهِ
كهفُ الوَرى غيثُ الصّريخِ مَعاذُهُ / وكَفيلُ نجدَتِهِ وحِصْنُ أمانهِ
المُنْطِقُ الصّخْرَ الأصمَّ بكفّهِ / والمُخْرسُ البُلَغاءَ في تِبيانهِ
لُطفُ الإلهِ وسرُّ حكمَتهِ الّذي / قد ضاقَ صدْرُ الغيْثِ عنْ كِتْمانهِ
قِرْنٌ بهِ التّوحيدُ أصبحَ ضاحِكاً / والشِّركُ مُنتحباً على أوْثانهِ
نسخَتْ شرائعُ دينهِ الصُّحفَ الأُلى / في مُحكَمِ الآياتِ منْ فُرقانهِ
تُمسي الصّوارمُ في النّجيعِ إذا سَطا / وخُدودُها مخضوبةٌ بدِهانهِ
ما زال يَرقُبُ شخصُهُ الآفاقَ في / طَرْفٍ تحامى النّومُ عنْ أجفانهِ
وجِلاً يظنّ النومَ لَمْعَ سُيوفهِ / ويرى نُجومَ الليلِ منْ خِرْصانهِ
قلبُ الكَميّ إذا رآهُ وقدْ نَضا / سيفاً كقُرطِ الخوْدِ في حُلْقانهِ
ولَرُبَّ مُعترَكٍ زَها روضُ الظُّبى / فيهِ وسُمْرُ القُضْبِ منْ قُضْبانهِ
خضَبَ النّجيعُ قَتيرَ سَردِ حَديدهِ / فشَقيقُهُ يَزهو على غُدْرانهِ
تبكي الجِراحُ النُجلُ فيه والرّدى / مُتبسّمٌ والبيضُ منْ أسنانهِ
فتَكَتْ عوامِلُهُ وهُنّ ثَعالبٌ / بجوارحِ الآسادِ منْ فُرسانهِ
جِبريلُ منْ أعوانهِ مِيكالُ مِنْ / أخدانهِ عِزريلُ منْ أعوانهِ
نُورٌ بَدا فأبانَ عنْ فلَقِ الهُدى / وجَلا الضّلالةَ في سَنى بُرهانهِ
شهِدَتْ حَواميمُ الكِتابِ بفضْلهِ / وكفى بهِ فخراً على أقرانهِ
سلْ عنهُ ياسينا وطهَ والضُحى / إنْ كُنتَ لم تَعلَمْ حَقيقةَ شانهِ
وسَلِ المَشاعرَ والحَطيمَ وزَمزَماً / عن فخرِ هاشمِهِ وعن عِمرانهِ
يَسمو الذّراعُ بأخْمَصَيْه ويهبِطُ ال / إكليلُ يَستجدي على تِيجانهِ
لو تَستجيرُ الشمسُ فيه منَ الدُجى / لَغدا الدُجى والفجرُ منْ أكفانهِ
أوْ شاءَ منعَ البدرِ في أفلاكهِ / عن سيرِهِ لم يَسْرِ في حُسبانهِ
أو رامَ منْ أفُقِ المجرّةِ مَسْلكاً / لجَرَتْ بحَلْبَتهِ خُيولُ رِهانهِ
لا تَنفُذُ الأقدارُ في الأقطارِ في / شيءٍ بغَيرِ الإذْن من سُلطانِهِ
اللّهُ سخّرَها لهُ فجَموحُها / سَلِسُ القِيادِ لديهِ طوْعُ عِنانهِ
فهو الّذي لولاهُ نوحٌ ما نَجا / في فُلكِهِ المَشحونِ منْ طُوفانهِ
كَلّا ولا مُوسى الكَليمُ سَقى الرّدى / فِرعَونَهُ وسَما على هامانهِ
إنْ قِيلَ عرشٌ فهوَ حاملُ ساقهِ / أو قيلَ لوحٌ فهْوَ في عُنوانهِ
رَوْحُ النّعيمِ ورُوحُ طُوباهُ الّذي / تُجنى ثِمارُ الجودِ منْ أفنانهِ
يا سَيّدَ الكَونينِ بل يا أرْجَحَ الث / ثقلينِ عندَ اللَّه في أوزانهِ
والمُخْجِلَ القَمرَ المُنيرَ بتِمّهِ / في حُسنهِ والغيثَ من إحسانهِ
والفارسَ الشّهْمَ الّذي غَبراتُهُ / من ندّهِ والسُمرُ من رَيْحانهِ
عُذراً فإنّ المدْحَ فيكَ مُقَصِّرٌ / والعبدُ مُعتَرفٌ بعجزِ لِسانهِ
ما قَدرُهُ ما شِعرهُ بمَديحِ مَنْ / يُثني عليهِ اللّهُ في قُرآنهِ
لَولاكَ ما قطعَتْ بيَ العِيسُ الفَلا / وطَوَيْتُ فَدْفَدَهُ إلى غِيطانهِ
أمّلْتُ فيكَ وزُرتُ قبرَكَ مادحاً / لأفوزَ عندَ اللَّهِ في رِضوانهِ
عبدٌ أتاكَ يقودُهُ حُسنُ الرّجا / حاشا نَداكَ يعودُ في حِرمانهِ
فاِقبَلْ إنابَتَهُ إليكَ فإنّهُ / بكَ يستقيلُ اللَّهَ في عِصيانهِ
فاِشفَعْ لهُ ولآلهِ يومَ الجَزا / ولوالِدَيْهِ وصالحي إخوانهِ
صلّى الإلهُ عليكَ يا مَوْلى الوَرى / ما حنّ مُغتَرِبٌ إلى أوطانهِ
لا برَّ في الحُبِّ يا أهلَ الهوى قسَمي
لا برَّ في الحُبِّ يا أهلَ الهوى قسَمي / ولا وَفَتْ للعُلى إنْ خُنتُكُمْ ذِمَمي
وإنْ صبَوْتُ إلى الأغيارِ بَعدَكُمُ / فلا ترقّتْ إلى هاماتِها هِمَمي
وإنْ خَبَتْ نارُ وجدي بالسُّلوِّ فلا / ورّتْ زنادي ولا أجرى النُهى حِكَمي
ولا تَعصْفرَ لوني بالهوى كمَداً / إنْ لم يورِّدْهُ دَمعي بعدَكمْ بدَمي
ولا رَشَفْتُ الحُميّا منْ مراشِفِها / إنْ كان يَصفو فؤادي بعدَ بعدكمِ
ولا تلذّذْتُ في مُرِّ العَذابِ بكمْ / إنْ كان يعْذُبُ إلّا ذِكرُكُمْ بفَمي
خلَعْتُ في حبِّكمْ عُذري فألبَسَني / تجرُّدي في هَواكمْ خِلعةَ السّقَمِ
ما صِرْتُ في الحبّ بين الناس معرفةً / حتى تنكّر فيكمْ بالضّنى علَمي
لقد قضيْتُم بظُلْمِ المُستجير بِكُم / ويلاهُ منْ جَورِكُمْ يا جِيرةَ العلَمِ
أما وسُودِ لَيالٍ في غدائرِكُم / طالتْ عليّ فلمْ أُصبحْ ولمْ أنَمِ
لولا قُدودُ غَوانيكُمْ وأنمُلُها / ما هزّ عِطفي ذِكرُ البانِ والعلَمِ
كلّا ولولا الثّنايا مِنْ مَباسمِكُمْ / ما شاقَني بالثّنايا بارِقُ الظُّلَمِ
يا جيرةَ البانِ لا بِنتُمْ ولا برِحَتْ / تبكي عليكُمْ سُروراً أعيُنُ الدِّيَمِ
ولا اِنْجَلى عنكمُ ليلُ الشّبابِ ولا / أفَلتُمُ يا بُدورَ الحيِّ منْ إضَمِ
ما أحْرَمَ النّومَ أجفاني وحرّمَهُ / إلّا تغَيُّبُكُمْ يا حاضِري الحرَمِ
غِبْتُمْ فغيّبْتُمُ صُبحي فلسْتُ أرى / إلّا بقايا ألمّتْ فيهِ منْ لِمَمي
صبراً على كُلِّ مرٍّ في مَحبَّتِكُمْ / يا أملَحَ النّاسِ ما أحلى بكُم ألَمي
رِفْقاً بصبٍّ غدَتْ فيكمْ شَمائلُه / مَشمولةً منذُ أخذِ العَهْدِ بالقِدَمِ
حَليفِ وَجْدٍ إذا هاجَتْ بَلابِلُهُ / ناجى الحَمامَ فداوَى الغَمَّ بالنَّغَمِ
يَشكو الظّما فإذا ما مرّ ذِكرُكُمُ / أنْساهُ ذِكرَ وُرودِ البانِ والعلَمِ
حيُّ الهوى مَيّتُ السُلوانِ ذو كَبِدٍ / مَوجودةٍ أصبحتْ في حيّزِ العدَمِ
خافَ الرّدى منذُ جرّتْ سُودُ أعيُنِكمْ / بيضَ الظُبى فاِستَجارَتْ رُوحهُ بِكُمِ
اللّهَ فيها فقد حلّتْ جِوارَكُمُ / والبِرُّ بالجارِ منْ مُستحْسَنِ الشِيَمِ
لمّا إليكُمْ ضَلالُ الحبِّ أرشدَها / ظلّتْ لديكُم بظِلِّ الضّالِ والسَّلَمِ
يا حبّذا لكَ منْ عَيشِ الشبيبة والد / دَهرُ العَبوسُ يُرينا وجهَ مُبتَسمِ
فَيا رَعى اللّهُ سُكّانِ الحِمى وحَمى / حيَّ الحجونِ وحيّاهُ بمُنْسَجِمِ
وحبّذا بيضُ لَيلاتٍ بسَفحِ مِنىً / كانت قِصاراً فَطالَتْ منذُ بَينِهِمِ
أكرِمْ بهمْ منْ سَراةٍ في شَمائلِهمْ / قد صيّروا كلَّ حُرٍّ تحت رِقِّهمِ
رُماةُ غُنجٍ لأسبابِ الرّدى وُسِموا / باِسْمِ السِّهامِ وسمّوها بكُحْلِهِمِ
صُبحُ الوجوهِ مَصابيحٌ تظنُّهمُ / زَرّوا الجيوبَ على أقمارِ لَيلهِمِ
إذا اِكْتَسى الليلُ من لألائهم ذَهباً / أجرى السّرابَ لُجَيناً فوقَ أرضِهمِ
كأنّ أمَّ نُجومِ الأفقِ ما وَلدَتْ / أُنثى ولا ذَكراً إلّا بحيّهمِ
أو أنّ نَسرَ الدُجى بَيضاتُهُ سقطَتْ / للأرضِ فاِستحضَنَتها في خُدورِهمِ
لانتْ كَلينِ القَنا قاماتُهُمْ وحكَتْ / أجفانُ بيضهمِ أجفانَ بِيضهمِ
تقسّمَ البأسُ فيهِم والجَمالُ مَعاً / فشابَهَ القِرْنُ منهمْ قَرْنَ شَمسهمِ
تُناطُ حُمرُ المَنايا في حَمائلِهِمْ / وسُودُها كائناتٌ في جُفونهِمِ
مُفَلّجاتٌ ثَناياهُمْ حَواجِبهُمْ / مَقرونةٌ بالمَنايا في لِحاظِهمِ
كلُّ المَلاحةِ جُزءٌ من مَلاحتِهمْ / وأصلُ كلِّ ظَلامٍ منْ فُروعهمِ
وا طولَ ليلي ووَيْلي في ذَوائِبِهمْ / ورقّتي ونُحولي في خُصورِهمِ
إنّ النفوسَ الّتي تَقضي هَوىً وجوىً / فيهِمْ لأوْضَحُ عُذراً منْ وُجوهِهمِ
غُرٌّ عن الدُرِّ لم تفضُلْ مَباسِمَهُمْ / إلّا سَجايا رسولِ اللّهِ ذي الكرَمِ
مُحمّدٍ أحمد الهادي البشير ومَنْ / لولاه في الغَيّ ضلّتْ سائرُ الأمَمِ
مُباركُ الإسمِ مَيمونٌ مآثرهُ / عمّتْ فآثارُها بالغَوْرِ والأكَمِ
طَوْقُ الرسالةِ تاجُ الرُّسْل خاتِمُهُمْ / بل زينةٌ لِعبادِ اللَّهِ كُلِّهمِ
نورٌ بَدا فاِنجلى غمُّ القلوبِ بهِ / وزالَ ما في وُجوهِ الدّهْرِ من غُمَمِ
لو قابَلَتْ مُقلةَ الحِرباءِ طلعَتُهُ / ليلاً لرُدَّ إليها الطّرفُ وهوَ عَمي
تشفي منَ الدّاءِ والبَلواءِ نِعْمَتُهُ / وتنفُخُ الروحَ في البالي من الرِّمَمِ
كمْ أكْمَهٍ بَرِئَتْ عَيناهُ إذْ مُسِحَتْ / من كفّهِ ولَكَمْ بالسّيفِ قدَّ كَمي
وكم لهُ بسِنينِ الشُهْبِ عارفةٌ / قد أشرَقَتْ في جِباهِ الأليُلِ الدُهُمِ
لُطفٌ منَ اللّهِ لوْ خُصَّ النّسيمُ بِما / فيهِ منَ اللُطفِ أحْيا مَيّتَ النَّسَمِ
على السّمواتِ فيهِ الأرضُ قد فخَرَتْ / والعُرْبُ قد شَرُفَتْ فيهِ على العَجَمِ
سُرَّتْ بمَولدِهِ أمُّ القُرى فنَشا / في حِجْرِها وهْوَ طِفلٌ بالغ الحلُمِ
سيفٌ بهِ نُسَخُ التّوراةِ قد نُسِخَتْ / وآيةُ السّيفِ تَمحو آيةَ القلَمِ
يَغشى العِدا وهْوَ بسّامٌ إذا عَبَسوا / والمَوتُ في ضَحَكاتِ الصّارمِ الخَذِمِ
يفترُّ للضّرْبِ عنْ إيماضِ صاعِقةٍ / وللنّدى عن وَميضِ العارضِ الرَّذِمِ
إذا العَوالي علَيهِ بالقَنا اِشتَبَكَتْ / ظنَنْتَ في سَرْجِهِ ضِرْغامَةَ الأُجُمِ
قد جلَّ عنْ سائِرِ التّشبيهِ مَرتبةً / إذ فوقَهُ ليسَ إلّا اللّهُ في العِظَمِ
شرِّفْ بتُربتهِ العِرنينَ مُنتَشِعاً / فشَمُّ تُربَتهِ أوفى منَ الشَّمَمِ
هوَ الحبيبُ الّذي جُنِنْتُ فيه هوًى / يا لائِمي في هَواهُ كيفَ شِئتَ لُمِ
أرى مَماتي حَياتي في محبّتهِ / ومحنتي وشَقائي أهنَأَ النِّعَمِ
أسكَنْتُهُ بِجَناني وهوَ جنّتُهُ / فأثْلجَتْ فيهِ أحشائي على ضرَمِ
عيناً تُهوّمُ إلّا بعدَ زَورَتهِ / عَدِمْتُها وفُؤاداً فيهِ لم يَهِمِ
واهاً على جُرعةٍ منْ ماءِ طَيبةَ لي / يُبَلُّ في بَرْدِها قَلْبٌ إليه ظَمي
للّهِ رَوضةُ قُدسٍ عندَ مِنبَرِهِ / تعُدُّها الرُّسْلُ منْ جنّاتِ عدْنِهمِ
حديقةٌ آسُها التّسبيحُ نَرجِسُها / وسْنى عُيونِ السّهارى في قِيامهِمِ
تبدو حَمائِمُها ليلاً فيُؤنِسُها / رجْعُ المُصَلّينَ في أوْرادِ ذِكرِهمِ
قد ورّدَتْ أعيُنُ الباكينَ ساحتَها / ونوّرَتْ جوَّها نِيرانُ وَجْدِهمِ
كفى لأهلِ الهَوى شُبّاكُهُ شَبكاً / فكَمْ بهِ طائراتٌ منْ قُلوبهمِ
نَبيُّ صِدْقٍ بهِ غُرُّ المَلائِكِ لا / تنفكُّ طائِفةً من أمرِ رَبِّهمِ
والرُسْلُ لم تأتِهِ إلّا لتَكْسِبَ منْ / سَناهُ أقمارُهُمْ نُوراً لتِمِّهمِ
فيه بَنو هاشمٍ زادوا سَناً وعُلاً / فكانَ نوراً على نورٍ لشِبْهِهمِ
أُصولُ مَجدٍ لهُ في النّصرِ قد ضَمِنوا / وُصولَهمْ للأعادي في نُصولِهمِ
زهرٌ إلى ماءِ عَلياءٍ به اِنتَسَبوا / أمْسَوا إلى البَدْرِ وافى الشُهْبَ بالرُجُمِ
مَنْ مِثلُهم ورَسولُ اللَّه واسطةٌ / لِعقدهمْ وسِراجٌ في بُيوتهمِ
ما زال فيهمْ شِهابُ الطُّورِ متّقِداً / حتّى تولّد شَمساً منْ ظُهورهِمِ
قد كان سرّاً فؤادُ الغَيبِ يُضْمِرهُ / فضاقَ عنهُ فأضحى غيرَ مُكتَتِمِ
هَواهُ ديني وإيماني ومُعتقَدي / وحبُّ عِترتهِ عَوني ومُعتصمي
ذرّيّةٌ مثلُ ماءِ المُزْنِ قد طَهُروا / وطُهِّروا فصفَتْ أوصافُ ذاتهمِ
أئمّةٌ أخذَ اللّهُ العُهودَ لهمْ / على جميعِ الوَرى من قَبلِ خَلْقِهمِ
قد حقّقَتْ سُورةُ الأحزابِ ما جحَدَتْ / أعداؤُهمْ وأبانَتْ وجهَ فَضلِهمِ
كَفاهُمُ ما بِعَمّى والضُحى شَرَفاً / والنورِ والنّجمِ من آيٍ أتتْ بهمِ
سلِ الحَواميمَ هلْ في غَيرهمْ نزلَتْ / وهل أتى هلْ أتى إلّا بمَدحِهمِ
أكارِمٌ كرُمَتْ أخلاقُهُمْ فبَدَتْ / مثلَ النُجومِ بماءٍ في صفائِهمِ
أطايبٌ يَجدُ المُشتاقُ تُربتَهُمْ / ريحاً تدلُّ على ذاتيّ طيبِهمِ
كأنّ منْ نفَسِ الرّحمنِ أنفُسهمْ / مخلوقةٌ فهْوَ مَطويٌّ بنَشْرِهمِ
يَدري الخَبيرُ إذا ما خاضَ عِلمَهمُ / أيُّ البُحورِ الجَواري في صُدورهمِ
تنسّكوا وهمُ أُسْدٌ مظفّرةٌ / فاِعجَب لنُسكٍ وفتْكٍ في طِباعِهمِ
على المَحاريبِ رُهبانٌ وإن شَهِدوا / حرباً أبادوا الأعادي في حِرابِهمِ
أينَ البُدورُ وإن تمّتْ سَنىً وسمَتْ / منْ أوجُهٍ وسَموها في سُجودِهمِ
وأينَ تَرتيلُ عقدِ الدُرِّ من سُوَرٍ / قد رتّلوها قِياماً في خُشوعِهمِ
إذا هَوى عين تَسنيمٍ يهُبُّ بهمْ / تدفّقَ الدّمعُ شَوقاً من عُيونهمِ
قاموا الدُجى فتجافَتْ عن مَضاجعِها / جُنوبُهُمْ وأطالوا هَجرَ نَومِهمِ
ذاقوا من الحبِّ راحاً بالنُهى مُزِجَتْ / فأدركوا الصّحوَ في حالاتِ سُكرِهمِ
تبصّروا فقضَوْا نَحباً وما قُبِضوا / لِذا يُعدّونَ أحياءً لمَوتهمِ
سُيوفُ حقٍّ لدين اللَّه قد نصَروا / لا يَطْهُرُ الرِّجْسُ إلّا في حُدودِهمِ
تَاللّهِ ما الزّهرُ غِبَّ القَطْرِ أحسَنَ منْ / زَهرِ الخلائِقِ منهمْ حينَ جُودِهمِ
همُ وإيّاهُ ساداتي ومُستَنَدي ال / أقوى وكعبةُ إسلامي ومُستَلَمي
شُكراً لآلاء ربّي حيثُ ألهمَني / ولاهُمُ وسَقاني كأسَ حُبّهمِ
لقد تشرّفْتُ فيهمْ محْتِداً وكَفى / فخراً بأنّيَ فرعٌ منْ أصولِهمِ
أصبَحْتُ أُعزى إليهمْ بالنّجارِ على / أنّ اِعتقادِيَ أنّي منْ عَبيدهمِ
يا سيّدي يا رسولَ اللَّهِ خُذْ بيَدي / فقدْ تحمّلْتُ عِبئاً فيه لمْ أقُمِ
أَستغفِرُ اللَّهَ ممّا قد جَنَيْتُ على / نفسي ويا خَجَلي منهُ ويا ندَمي
إنْ لم تكُنْ لي شَفيعاً في المَعادِ فمَنْ / يُجيرُني من عَذابِ اللَّه والنِقَمِ
مَولايَ دعوةَ محتاجٍ لنُصرَتِكُمْ / ممّا يَسوءُ وما يُفضي إلى التُهمِ
تَبلى عِظامي وَفيها من مودّتِكُم / هوىً مُقيمٌ وشوقٌ غيرُ منصرِمِ
ما مرّ ذِكرُكُم إلّا وأَلزَمني / نثرَ الدموعِ ونَظمَ المَدْحِ في كَلِمي
علَيكمُ صَلواتُ اللّهِ ما سَكِرَتْ / أرواحُ أهلِ التُقى في راحِ ذِكرِهمِ
غَرَبَتْ منكمُ شُموسُ التّلاقي
غَرَبَتْ منكمُ شُموسُ التّلاقي / فبدتْ بعدَها نُجومُ المآقي
جَنَّ لَيلُ النّوى عليَّ فأمْسَتْ / في جُفوني مُنيرةَ الإشراقِ
أخبرَتْنا حَلاوةُ القُربِ منكمْ / أنّ هذا البِعادَ مُرُّ المَذاقِ
دكَّ طورَ العَزاءِ نُورُ التجلّي / منكُمُ للوَداعِ يومَ الفِراقِ
آنَسَتْ مُقلَتايَ نارَ التّنائي / فاِصْطَلى القلْبُ جَذوةَ الإِشتياقِ
أيُّها المُفري القِفارَ بضَرْبٍ / أحسَنَتْهُ صَوارمُ الأعناقِ
والمُحلّي قِراهُ في عَنبر اللّيْ / لِ وبالزّعْفَرانِ مُحذي المَناقِ
إنْ أتَيْتَ العَقيقَ عمّرَكَ اللّ / هُ ووُقّيتَ فِتنةَ الأحْداقِ
وتَراءى لكَ الحِجازُ ولاحتْ / بينَ حُمرِ القِبابِ شُهْبُ العِراقِ
حيثُ تَلْقى مَرابِضَ العينِ تُبْنى / بينَ سُمرِ القَنا وبيضٍ رِقاقِ
وبُحوراً حمَلْنَ غُدْرَ حَديدٍ / وأُسوداً صَحِبْنَ رُبْدَ العِتاقِ
فِتيةٌ لو تشاء بالبيضِ حالَتْ / بينَ قَلبِ المَشوقِ والأشواقِ
منزلٌ كلّما به سنحَ السِّرْ / بُ تَذوبُ الأسودُ بالإشفاقِ
ثغرُ حسنٍ حمَتْهُ سُمرُ قُدودٍ / وظُبى أجفُنٍ ونَبْلُ حِداقِ
وتجلّتْ لكَ الشُموسُ ظَلاماً / حامِلاتِ النُجومِ فوقَ التّراقي
ورأيتَ البُدورَ تشرقُ في الأر / ضِ بهالاتِ عسجَدِ الأطواقِ
فتلطّفْ وحَيِّ عنّي خُدوراً / هيَ حقّاً مَصارعُ العُشّاقِ
وغُصوناً خُضرَ الملابِسِ سُودَ الش / شعرِ حُمرَ الحُليّ والأوراقِ
وَاِتّقِ الضّرْبَ من جُفونٍ مِراضٍ / واِحذَرِ الطّعْنَ من قُدودٍ رِشاقِ
واِخْبِرِ الساكنينَ أنّي على ما / علِموهُ لهمْ على العهدِ باقِ
أجّجتْ نارَ زَفرتي الفُرقُ فيهمْ / فنشا الدّجنُ من دُخانِ اِحتراقي
يا رَعى اللَّهُ ليلةً أَلبسَتْنا / بعد فرطِ العِتابِ عِقدَ العِناقِ
راقَ عتْبُ الحبيبِ فيها فرقّتْ / مثلَ شَكوى المتيّمِ المُشتاقِ
توّجَتْ هامةَ السُرورِ وحلّتْ / خَصْرَ ماضي زَمانِنا بالنِّطاقِ
فاقَتِ الدهرَ زينةً مثلَ ما قد / فازَ قَدْرُ الوصيِّ بالآفاقِ
سيّدُ الأوصياءِ مَولى البَرايا / عُروةُ الدين صفوةُ الخلّاقِ
مَهبِطُ الوحي مَعدِنُ العِلمِ والإف / ضالِ لا بَل مُقدّرُ الأرزاقِ
بدرُ أفْقِ الكَمال شمسُ المعالي / غيثُ سحْبِ النّوالِ ليثُ التّلاقِ
ضارِبُ الشوسِ بالظُبى ضربَهُ البُخ / لَ بماضي مكارمِ الأخلاقِ
قلبُ أجرى الأُسودِ إذ يلتَقيه / كوِشاحِ الخريدةِ المِقْلاقِ
حُكمُهُ العَدْلُ في القضايا ولكنْ / جائرٌ في نُفوسِ أهلِ الشِقاقِ
عالمُ الغَيبِ والشهادةِ لا يَعْ / زُبُ عنهُ حِسابُ ذرٍّ دِقاقِ
حاضرٌ عند علمهِ كلُّ شيءٍ / فطِوالُ الدُهورِ مثلُ فَواقِ
مَلِكٌ كلّما رَقي للمعالي / فله النيّراتُ أدنى المَراقي
سَلَّ للّهِ أنصُلاً في سَناها / ماحِياتٍ ظَلامَ أهلِ النِفاقِ
يا لَها أنجُماً فكمْ بدرِ قومٍ / كوّرَتْ نُورَه بكَسْفِ محاقِ
إن تكن كالثُغورِ في الرَوعِ تبدو / فلهنّ الجُسومُ كالأشْداقِ
ما تَراءَتْ جماعةُ الشِّركِ إلّا / خطَبَتْ في مَنابرِ الأعناقِ
مَنْ سَقى مرْحَبَ المَنونَ وعَمراً / وأذاقَ القُرونَ طَعمَ الزُعاقِ
منْ أباحَ الحُصونَ بعد اِمتناعٍ / ومَحا بالحُسامِ زبرَ الغَساقِ
من أتى بالوليدِ بالرّوعِ قَسْراً / بعدَ عزِّ العُلا بذُلِّ الوَثاقِ
مَنْ رَقي غاربَ النّبيّ وأمسى / معه قائماً بسَبعٍ طِباقِ
مَن بِفجر النّصال أوضح ديناً / طالَما كانَ قاتم الأعماقِ
واصلَ اللّهُ حُربةً أضمرَتْهُ / بصَلاةٍ كقَطرَةِ المُهراقِ
وارِثُ البحرِ والهِزَبْرِ وصَلْتُ ال / بَدرِ كلّاً وعارِضُ الإنفاقِ
يا إمامَ الهُدى ومَنْ فاقَ فضلاً / وملا الخافِقَيْنِ بالإيتِلاقِ
قد سلَكْتُ الطريقَ نحوكَ شَوقاً / ورَجائي مَطيّتي ورِفاقي
أسرَتْني الذُنوبُ أيّةَ أسْرٍ / والخطايا فمُنَّ في إطلاقي
أوّلُ العُمرِ بالضّلالِ تولّى / سيّدي فاِصْلِح السنينَ البَواقي
أنا رِقٌّ بك اِستَجرْتُ فكُنْ لي / من أليمِ العَذابِ بالبعثِ واقِ
زفَّ فِكري إليكَ بِكرَ قَريضٍ / برزَتْ في غَلائِلِ الأوراقِ
صانَها عن سِوى عُلاكَ شِهابٌ / يا شِهاباً أضاءَ بالإشْراقِ
فاِلتفِتْ نحوَها بعينِ قَبولٍ / فلها بالقَبولِ أسنى صداقِ
وعليكَ السلامُ ما رقصَ الغُصْ / نُ وغنّتْ سَواجعُ الأوراقِ
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ / فأرَتْ بالشتاءِ وقتَ الهَجيرِ
وشَهِدنا الهَباءَ كالنّقْعِ لَيلاً / حَولَها إذ بدَتْ منَ البلّورِ
وأرَتْنا السّماءَ ذاتَ اِحْمِرارٍ / ومَحا نورُها السّوادَ الأثيري
فحسِبْنا النُجومَ فيها فُصوصاً / منْ عَقيقٍ وجِرْمَها من حَريرِ
وغشَتْ في شُعاعِها الأرضَ طُرّاً / فجرى ذَوْبُ لَعلِها في البُحورِ
نارُ راحٍ ذكيّةٌ قد أصارَتْ / كرةَ الزّمهَريرِ حرَّ السّعيرِ
خفِيَتْ من لَطافةِ الجرمِ حتّى / لا ترى في وِعائِها غيرَ نُورِ
باينَ الماءُ لونَها فالأواني / كالمُساوي لها على المَشهورِ
تملأُ المُحتَسي ضِياءً إلى أنْ / تنظر العينُ سِرّهُ بالضّميرِ
لو حَساها بَنو زُغاوَةَ يوماً / من سَناها لَلُقّبوا بالبُدورِ
ذاتُ نورٍ إذا جَلَتْها سُحَيْراً / في زُجاجِ الكُؤوسِ كفُّ المُديرِ
خِلتَهُ بالفَضيخِ مرّ جميعاً / ثمّ بالنارِ خاضَ بعدَ المُرورِ
صاحِ قد راحَ وقتُنا فاِغتَنِمه / واِنتَهِبْ فرصةَ الزّمانِ الغَيورِ
أَتخيّلْتَ أنّ وقتَك ليلٌ / سَفهاً إنّ ذا دُخانُ البَخورِ
فلقد شجّ في عَمودِ سَناهُ / فلَق الصبحِ هامةَ الدّيجورِ
وبُحورُ الظّلامِ غُرن وعامت / حُوتُها من ضِيائِه في غَديرِ
وغدَتْ تقطُفُ الأقاحَ يَداهُ / منْ رِياضِ المَلابِ والكافورِ
وغَدا الكَفُّ والذّراعُ خَضيباً / وبَدا بالدُجى نُصولُ القَتيرِ
واِنثَنى القلبُ خافِقاً إذ تجلّى / مُصْلتاً صارِم الهِلالِ المُنيرِ
وشَدا الديكُ هاتِفاً وتغنّى ال / وُرقُ بالأيكِ خاطِباً للطّيورِ
وبَدا الطَّلعُ ضاحكاً ثمّ أهدى الط / طَلُّ منظومهُ إِلى المنثورِ
فاِصطَبحها على خُدودِ العَذارى / واِسقِنيها على أقاحِ الثغورِ
بينَ أبناءِ مجلسٍ لم يَزالوا / بين خُضر الرّياضِ بيض النُحورِ
كلّما فاكَهوا الجليسَ بلفظٍ / نظَمَتْهُ الحبَابُ فوقَ الخُمورِ
طلبوا المجدَ بالرّماحِ ونالوا / بالظُبى هامةَ المحلِّ الأثيرِ
صبيةٌ زفّها الصّباءُ اِرتياحاً / للمَلاهي على بِساطِ السُرورِ
وبُدورٌ منَ السُقاةِ تُعاطي / في كُؤوسِ النُضارِ شمسَ العَصيرِ
ما سعتْ بالمُدامِ إلّا أرَتنا / قُضُبَ البانِ في هِضابِ ثَبيرِ
كلُّ ظَبيٍ عزيزِ شكلٍ غَرير / يفضحُ البدرَ بالجَمال الغَزيرِ
بل أصمٌّ وشاحُهُ منطقيٌّ / صحّ في جَفنِه حِسابُ الكُسورِ
سُكّريٌّ رُضابُهُ كَوثَريٌّ / جنّةٌ عذّبَ الأنامَ بِحُورِ
كلّما هبّ بالمُدامِ نَشاطاً / كسّلَ النومُ جَفنُه بالفُتورِ
فرعُهُ والوِشاحُ سارا فهذا / كَ اِغتدى مُتهِماً وذا بالغُوَيرِ
كم غَزا الصبر باللّحاظِ كما قدْ / غزَتِ الشوسَ أنصُلُ المَنصورِ
يومَ غازَتْ جِيادُهُ آلَ فَضْلٍ / بِلُهامٍ على الكُماةِ قَديرِ
كلما سارَ بالظُبى والعَوالي / بعثَ الذُعرَ قبلَهُ بالصُدورِ
جحفلٌ يقتلُ الجنينَ إذا ما / سارَ في الأرض وقعُهُ في النُحورِ
لجِبٌ من دويّه الخلقُ كادوا / يخرجوا للحسابِ قبلَ النُشورِ
مارَ فيهِ السماء والأرضُ مادتْ / وتَنادَتْ جِبالُها للمَسيرِ
سارَ وهناً عليهم وأقامت / خيلُهُ بالنّهارِ حتّى العَصيرِ
وأتى منهلَ الدُّوَيرِقِ ليلاً / وسرى منْ مَعينه من سُحَيْرِ
وأتى الطيبَ والدُجَيلَ نَهاراً / تقتَفيهِ الأسودُ فوقَ النسورِ
وغدا يطّوي القِفارَ إلى أنْ / نشرَتْ خيلُهُ ثَراءَ الثُغورِ
واِنثنَتْ تَقلِبُ الفَلاةَ عليهمِ / بمَداري قوائمٍ كالدَّبورِ
وغدَت عُوَّماً بدجلةَ حتّى / صار لُجّيُّ مائِها كالأسيرِ
وأتت بالضُحى الجزيرةَ تُردي / بأُسودٍ تَروعُها بالزّئيرِ
فرَماها بها هُناكَ فأضحَوا / ما لهُم غيرَ عَفوهِ من نَصيرِ
أسلَموا المالَ والعِيالَ وولّوا / هرَباً بالنفوسِ في كلِّ غوْرِ
وهوَ لو شاءَ قتلَهُمْ ما أصابوا / مهرَباً من حُسامهِ المَشهورِ
أينَ منجى الظِباءِ بالغورِ ممّنْ / يَقنِصُ العُصْمَ من قِنانِ ثَبيرِ
ذُعِرَتْ منهمُ القُلوبُ فأمسَتْ / بينَ أحشائهمْ كمَوتى القُبورِ
سَفَهاً منهمُ عصوْهُ وتِيهاً / وضَلالاً رَماهمُ بالغُرورِ
زعموا في بلادهمْ لن يُنالوا / من بَوادي العَقيقِ أهلُ السّديرِ
فنفى زعمَهُم وسارَ إليهمْ / ورَماهُمْ بجَيشهِ المَنصورِ
ملكٌ كلّما سرى لطِلابٍ / يحسَبُ الأرضَ كلّها كالنقيرِ
هوّنَ البأسُ عندهُ كلَّ شيءٍ / والعظيمُ العظيمُ مثلُ الحقيرِ
لم نزلْ من نَواله في سَحابٍ / يُنبتُ الدرَّ في رياض الفَقيرِ
يا أبا هاشمَ المُظفَّر لا زلْ / تَ تُغيرُ العدوَّ طولَ الدُهورِ
فلقد جُزْتَ بالفَخارِ مَقاماً / شيّدَتْهُ الرِماحُ فوقَ العبورِ
ذلّتِ الكائناتُ منكَ إلى أنْ / صارَ منها العزيزُ كالمُستجيرِ
وعمَمْتَ العِبادَ منكَ بفَيضٍ / صيّرَ الزّاخراتِ مثلَ السُتورِ
دمتَ بالدهرِ ما بَدا البدرُ كَنزاً / لِفَقيرٍ وجابِراً لكَسيرِ
ما حُرِّكَتْ سَكَناتُ الأعيُنِ النُجُلِ
ما حُرِّكَتْ سَكَناتُ الأعيُنِ النُجُلِ / إلّا وقد رشقَتها أسهمُ الأجَلِ
رَنَتْ إلينا عُيونُ العِينِ من مُضَرٍ / فاِستهدَفَتنا رُماةُ النَّبْلِ من ثُعَلِ
وهزّتِ الخُرَّدُ الهيفُ الحِسانُ لَنا / قاماتهِنّ فخِفنا دولةَ الأسَلِ
بمُهجتي رَبْرَب السّربِ المُخيّم في / قلبي هِلالَ نُجومِ الحيّ من ذُهلِ
تاللَّهِ لم أنسَ بالزّوراءِ زَورتَه / والليلُ خامرَ عينَ الشمس بالكَحَلِ
أمَا وزَنْجِ لَيالينا الّتي سلَفتْ / والسادةِ الغُرِّ من أيّامنا الأُوَلِ
لولا هوى ثغرِه الدُرّيّ ما اِنتشرتْ / تلك اليواقيتُ من عيني على طلَلِ
ولا شجانِيَ برقٌ في تبسُّمه / ولا جَنَيْتُ بسمعي شهدَةَ الغزَلِ
إنّا لَقومٌ تقُدُّ البيضَ أنصُلُنا / وما لَنا في لقاءِ البيضِ من قِبَلِ
نَغشى النِصال من الأجْفانِ إن برزَتْ / ونَختَشيها إذا اِنسلّت من المُقَلِ
ويَصدرُ النّبْلُ عنّا ليس يَنفذُنا / إلّا إذا كان مطبوعاً من الكحَلِ
وشَمسِ خِدرٍ بأوجِ الحُسنِ مَطلِعُها / في دارةِ الأسدِ الضّرغامِ لا الحَمَلِ
شمسٍ من الذهب الروميّ قد حُرِست / بأنجُمٍ من حَديد الهِندِ لم تَحُلِ
مخمورةَ الجَفنِ لا تنفكّ مُقلَتُها / يردّدُ الغُنجُ فيها حيرةَ الثَمِلِ
تَحولُ من دونِها لجُّ النِصال فلو / رامَ الوصولَ إليها الطّرْفُ لم يصِلِ
خَرَقْتُ سَجْفَ الضِيا عنها وجُزتُ إلى / كِناسِها فوقَ هاماتِ القَنا الذُبُلِ
حتّى إذا ما لَثَمتُ الوردَ واِنفتحَتْ / من مُقلتَيْها جُفونُ النرجسِ الكَسَلِ
قامتْ فعانَقَني ظبيٌ فقبّلَني / برقٌ ومال عليّ الغُصنُ في الحُلَلِ
واِستقبلَتني ببِشرٍ وهيَ قائلةٌ / والذُعرُ يصبُغُ منها وردةَ الخجَلِ
أمَا خشيتَ المنايا من مَناصلِها / فقلتُ والقلبُ لا يُطوى على وَجلِ
لو أتّقي الرّجْمَ من شُهبِ النِصالِ لَما / في الليلِ نلتُ عِناقَ الشمسِ في الكُلَلِ
لا يُدرك الأملَ الأسنى سوى رجلٍ / يشقُّ بحرَ الرّدى عن جوهرِ الأملِ
ولا ينالُ المعالي الغُرَّ غيرُ فتًى / يدوسُ شوكَ العَوالي غيرَ مُنتعِلِ
يولي النُضارَ إذا ضنّ الحيا كرَماً / ويعصِمُ الرأيَ أن يُفضي إلى الزّلَلِ
متوَّجُ السُمْر عالي البيضِ مجتمعٌ / مفرَّقُ الطّعمِ بين الصّابِ والعسلِ
قِرنٌ إذا ما اِكفهرّ الخطبُ سلَّ له / رأياً كمُنصُلِ منصورِ اللّوا البطلِ
قاني الصّوارمِ مُسودُّ الملاحمِ مُبْ / يَضُّ المَكارمِ مخضَرُّ الندى الخَضلِ
قُطبُ الفَخارِ شِهابُ الرّجم يوم وَغىً / بدرُ الممالك شمسُ الأرضِ والحللِ
الخائضُ الغَمراتِ السودِ حيثُ به / فَوقَ النواصي المواضي البيضُ كالظُّلَلِ
عِقدٌ تقلّدَ جيدُ الدّهرِ جوهرَهُ / فأصبحَ الدّهرُ فيه حاليَ العَطَلِ
قرّتْ به مُقَلُ الأيّامِ واِبتَسمتْ / به الثّغورُ وزانت أوجُهَ الدولِ
هو الجوابُ الّذي ردّ السؤالَ به / لسائلٍ مَن كعبدِ اللَّهِ أو كعَلي
معرَّفُ البأسِ لا ينفكّ يبرزُ في / ضميرِ جَفنٍ بقلبِ القِرن متّصلِ
يا مَنْ يشبَّهُ بالأمطار نائِلُهُ / أقصِرْ فما لُججُ الأبحارِ كالوَشَلِ
اِنظُرْ إليه ترى ليثاً وشمسَ عُلاً / وبحرَ جودٍ بَراها اللَّهُ في رجلِ
هيهاتَ يَلقى العُلا قِرناً يماثلُه / إلّا إذا غضَّ عينيهِ على حوَلِ
إذا أعدَّ قِسيُّ الجودِ يومَ ندىً / رمى بسهمِ العطايا مهجةَ البُخُلِ
منَ الألى المُكرِمي الجارِ الملمِّ بهمْ / والمُنزليهِ هِضابَ العزِّ والجَذَلِ
أمَا وبارقِ هنديٍّ وطلعتهِ / بعارِضٍ من نجيع القومِ منهمِلِ
لولاك حلّتْ بأرض الحَوزِ زلزلةٌ / ترمي دعائمَ دينِ اللّهِ بالخذَلِ
أتيتَها بعد أن كادتْ تَميدُ بنا / وكاد يُقرعُ سنُّ الأمرِ بالخبَلِ
قرّتْ بحُكمكَ حتّى قال قائلُها / قُدِّسْتَ يا عرَفات المجدِ من جبَلِ
ثقّفْتَ ميلَ قناةِ المُلكِ فاِعتدلتْ / قسراً وقوّمْتَ ما بالحقِّ من مَيَلِ
كم قد رمى إِذ نفى الأعرابُ مجدَك في / قوسِ الخِلاف سِهامَ الغيّ والجدَلِ
فلم تُصِبْكَ وما أشوَتْ سهامُهُمُ / بل أثخنَتهُمْ جِراحُ الخِزْيِ والفشَلِ
سلّوا من البغي سيفاً فانتضَيْتَ لهم / حِلماً أعادَ حُسامَ البغي في الخلَلِ
ألقيتَ فيهم عصا الرّأي المُسَدَّد إذ / ألقَوْا إليكَ حِبالَ المَكرِ والحِيَلِ
تاللّهِ لو لم يُردّوا عن ضَلالَتِهم / لأصبحَ الجيشُ فيهم أوّلَ السَّفَلِ
فاِصْلِحْ بتَدبيركَ السامي فسادَهمُ / واِسْدُدْ برأيكَ ما تَلقى من الخَلَلِ
أنت الرّجاءُ لرفعِ النازلاتِ بنا / إذ يَكشِرُ الدهرُ عن أنيابه العُضَلِ
قد خصّنا اللَّهُ من تقديس ذاتِك في / سَمحٍ يجلُّ عنِ الأندادِ والمثَلِ
مولايَ لا برِحتْ يُمناكَ هاميةً / على المُوالينَ في غَيثِ الندى الهَطِلِ
أمطرْتَنا خِلَعاً حتّى ظننْتُ بِها / قد أمطرَتْنا عُيونُ الوَبْلِ بالبَدَلِ
شُكراً لِصُنعِكَ من غَيثٍ هَمى فَبدا / روضُ الحرير على الأجسامِ والمُقَلِ
لقد كفى العِيدَ فخراً أن يُقال به / هُنّيتَ يا سيّدَ الأيّامِ والأزَلِ
العيدُ في العامِ يومٌ عُمْرُ عودتِه / وأنت عيدٌ مدى الأيّام لم تزَلِ
إن كان يُدعى بعيدِ الفِطرِ تسميةً / فأنتَ تُدعى بعيدِ الجود والخَوَلِ
فلتَهْنَ غرّتُهُ من بِشرِ وجهكَ في / هِلال تِمٍّ بنورِ الفضل مكتَملِ
واِستَجْلِها حرّة الألفاظِ واحدةً / بالحُسن تَسمو جمال السّبعةِ الأُوَلِ
فلا بَرحْتَ بأوج العزّ مرتَفِعاً / تجرّ ذيلَ المعالي من على زُحَلِ
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري / وفَرَتْ برُمح القدِّ دِرعَ تصبُّري
وجلَتْ لنا من تحت مِسكةِ خالِها / كافورَ فجرٍ شقَّ ليلَ العنْبرِ
وغدَتْ تذُبُّ عن الرُضابِ لِحاظها / فحمَتْ علينا الحورُ وِردَ الكوثرِ
ودنتْ إلى فمِها أراقِمُ فرعِها / فتكلّفتْ بحِفاظِ كَنزِ الجوهري
يا حاملَ السيفِ الصّحيح إذا رَنَتْ / إياكَ ضربةَ جفنِها المُتكسِّرِ
وتَوقَّ يا ربَّ القناةِ الطّعنَ إنْ / حملَتْ عليكَ من القَوامِ بأسْمَرِ
برزَتْ فشِمْنا البرقَ لاحَ ملثّماً / والبدرَ بين تقَرطُقٍ وتخمُّرِ
وسعَتْ فمرّ بنا الغزالُ مطوّقاً / والغُصنُ بين موشّحٍ ومؤزّرِ
بأبي مَراشِفها الّتي قد لُثِّمتْ / فوق الأقاحي بالشّقيقِ الأحمرِ
وبمُهجَتي الروضُ المُقيمُ بمُقلةٍ / ذهبَ النُعاسُ بها ذهابَ تحيّري
تاللَّهِ ما ذُكرَ العقيقُ وأهلُه / إلّا وأجراهُ الغرامُ بمِحجَري
لولاهُ ما ذابتْ فرائدُ عَبرَتي / بعدَ الجمودِ بحرِّ نارِ تذكّري
كم قد صَحِبْتُ به منَ اِبْناءِ الظبا / سِرباً ومن أسُدِ الشّرى من معشَرِ
وضَللتُ من غسَقِ الشعورِ بغيهبٍ / وهُديتُ من تلك الوجوهِ بنيّرِ
يا لَلعشيرةِ مَنْ لمهجةِ ضَيغمٍ / كمنَتْ منيّتُه بمقلةِ جُؤذرِ
روحي الفِداءُ لظبيةِ الخِدرِ الّتي / بُنِيَ الكِناسُ لها بغابِ القَسْوَرِ
لم أنسَ زَورَتَها ووجناتُ الدُجى / تنباعُ ذِفْراها بمسكٍ أذْفرِ
أمّتْ وقد هزّ السِماكُ قناتَه / وسَطا الضياءُ على الظلامِ بخنجرِ
والقوسُ معترضٌ أراشَتْ سَهمَه / بقوادِم النَسرَينِ أيدي المُشتري
وغدَتْ تُشنّف مسمعيَّ بلُؤلؤٍ / لولاهُ ناظمُ عَبرَتي لم ينثُرِ
وتضمُّ منّي في القميص مهنّداً / وأضمّ منها بالنصيفِ السّمهري
طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً / منها أرى الكفّ الخضيبَ بمِسْوَرِ
حتّى بَدا كِسرى الصّباح وأدبرَتْ / قومُ النّجاشي عن عَساكر قيصَرِ
لمّا رأتْ روضَ البنفسجِ قد ذوى / من ليلِنا وزهَتْ رياضُ العُصفُرِ
والنجمُ غارَ على جوادٍ أدهمٍ / والفجرُ أقبل فوقَ صهوةِ أشقرِ
فزعَتْ فضرّسَتِ العقيقَ بلؤلؤٍ / سكنَتْ فرائِدُه غديرَ السُّكّرِ
وتنهّدتْ جزَعاً فأثّرَ كفُّها / في صَدرِها فنظرْتُ ما لم أنظُرِ
أقلامَ مَرجانٍ كتَبْن بعنبَرٍ / بصحيفةِ البِلّورِ خمسةَ أسطُرِ
ومضَتْ وحُمرةُ خدِّها من أدْمِها / لبسَتْ رَمادَ المِسكِ بعد تستُّرِ
للّهِ دَرُّ جَمالِها من زائرٍ / رسمَ الخيالُ مثالَها بتصوّري
لم ألقَ أطيبَ بهجةً من نَشرِها / إلّا البشارةَ في إيابِ الحَيدَري
ابنُ الهُمامِ أخو الغَمامِ أبو النّدى / بركاتُ شمس نهارنا المَولى السّري
الخاطبُ المعروف قبلَ فِطامِه / والطالبُ العلياء غيرَ مُقدّرِ
مِصباحُ أهلِ الجود والصُبحُ الّذي / ما اِنجابَ لَيلُ البُخلِ لو لمْ يُسفِرِ
قِرنٌ إذا سلَّ الحُسام حسِبتَهُ / نهراً جرى من لُجّ خمسةِ أبحُرِ
قرَن البراعةَ بالشجاعةِ والنّدى / والرأيَ في عَفوٍ وحُسنِ تدبّرِ
آباؤهُ الغُرُّ الكِرامُ وجدّهُ / خيرُ الأنام أبو شُبيرَ وشَيْبرِ
لو أنّ موسى قد أتى فرعَونَه / في آي ذاتِ فقاره لم يَكفُرِ
أو لو دَعا إبليسَ آدمُ باِسْمهِ / عندَ السُجودِ لديه لم يستكْبِرِ
أو كان بالبَدرِ المُنير كمالُه / ما غار أو بالشمسِ لم تتكوّرِ
أو في السماء تكون قوّةُ بأسهِ / في الروعِ يومَ البعثِ لم تتفطّرِ
سمحٌ أذلَّ الدرَّ حتّى أنّه / خَشيَتْ ثُغورُ البيضِ فيها يزدري
ومَحا سَوادَ الجَورِ أبيض عدلِه / حتّى تخوّف كلُّ طَرفٍ أحوَرِ
يجدُ الظِباءَ البيضَ كالبيضِ الظُبا / وصَليلها بالكَعْمِ نغمةَ مِزْمَرِ
بعد المشقّة نال لذّاتِ العُلى / لا يستلذّ الغُمضَ مَنْ لم يَسْهَرِ
قُلْ للّذي في الجودِ يطلبُ شأوَه / أربيْتَ في الغُلواءِ ويحكَ فاِقصِرِ
بُدِئَ النّدى منه فأفعالُ السّخا / عن غيرِ مصدرِ ذاته لم تَصْدُرِ
فالناسُ من ماءٍ مَهينٍ وهوَ من / ماءٍ مَعينٍ طاهِرٍ ومُطَهِّرِ
يا مَنْ بكُنيتهِ نريدُ تيمُّناً / وبه يُزالُ تشاؤُمُ المتطيّرِ
إنْ عُدَّ قبلَك في المكارم ماجدٌ / قد كان دونَك في قديم الأعْصُرِ
فكذلك الإبهامُ فهوَ مقدَّمٌ / عند الحِساب يُعدُّ بعد الخِنصرِ
بالفخرِ ساد أبوكَ سادات الورى / وأبوك لولاكَ ابنُه لم يفخَرِ
كالعين بالبصرِ المُنير تفضّلتْ / والعينُ لولا نَجلُها لم تُبصِرِ
قسَماً ببارقِ مُرهفٍ قُلِّدتَهُ / وبعارِضٍ من مُزنِ جودِك مُمطِرِ
لولا إيابُك للجزيرة ما صفَتْ / منها مشارِعُ أمنِها المتكدِّرِ
أسكَنْتَ أهليها النّعيمَ وطالما / شهدوا الجحيمَ بها وهَولَ المَحْشَرِ
وكسَوْتَها حُلَلَ الأمان وإنّها / لولاك أضحتْ عَورةً لم تُسْتَرِ
بوركْتَ من شهمٍ قدِمتَ مشمّراً / نحو العُلى إذ يُحجِم الليثُ الشّري
وقطعْتَ أنوار الفَخار بأنمُل ال / فِتيان من روضِ الجديد الأخضرِ
فليَهْنِكَ المجدُ التّليد وعادكَ الْ / عيدُ الجديد بنبلِ سعدٍ أكبرِ
واِلبَس قميصَ المُلكِ يا طالوتَه / واِسحبْ ذيولَ الفضل فخراً وأجْرُرِ
واِستَجل بِكرَ ثَنا فصاحةِ لفظها / عبثَتْ بحِكمتِها بسِحرِ البُحتُري
لو يعلمُ الكوفي بها لم يزدَري / أو يشعرُ الطائي بها لم يشعرِ
لا زِلتَ تاجَ عُلىً وحِليةَ مَنصِب / وطرازَ مَكرُمةٍ وزينةَ منبَرِ
نبتَتْ رَياحينُ العِذارِ بوردِهِ
نبتَتْ رَياحينُ العِذارِ بوردِهِ / فكسَا زمُرُّدُها عَقيقةَ خدِّهِ
وبَدا فَلاحَ لنا الهِلالُ بتاجِه / وسعى فمرّ بنا القضيبُ ببُردِهِ
واِستلَّ مرهفَ جفنِه أوَ ما ترى / بصفاءِ وجنتهِ خيالَ فرِنْدِهِ
وسرَتْ أساورُ طرَّتَيْهِ فغوّرَتْ / في الخصرِ منه وأنْجدَتْ في نَهدهِ
واِفْترّ مَبسِمُهُ فشوّفنا سَنا / برْقِ العقيقِ إلى العُذَيب ووِردِهِ
رُوحي فدا الرّشأ الّذي بِكناسِهِ / أَبداً تظلِّلُه أسنّةُ أُسْدِهِ
ظبيٌ تكسّبَتِ النِصالُ بطَرفِه / شَرَفاً إذا اِنتسبتْ لِفتكةِ جدِّهِ
حازَتْ نضارةُ خدّه روضَ الرُبا / فثنَتْ شقائِقَها أعنّةُ رندِهِ
وسطَتْ على حربِ الرِماح مَعاشِرُ الْ / أغصانِ فاِنتصرَتْ بدولةِ قدِّهِ
قِرنٌ أشدُّ لدى الوغى من لحظهِ / نَبلاً وأفتكُ صارمٍ من صدِّهِ
فالشُّهْبُ تغرُبُ في كنانةِ نَبلهِ / والفجرُ يَشرُقُ في دجُنّةِ غِمدِهِ
تهوى مهنّدَهُ النُفوسُ كأنّه / برقٌ تألّق من مَباسِم رَعدِهِ
وتودُّ أسهُمه القُلوبُ كأنّما / صيغَتْ نِصالُ نِباله من وِرْدهِ
يَسطو فيُشهِدُنا السِماكَ بسرجِه / والبدرَ مكتملاً بنثرة سردهِ
فإلى مَ يطمعُ في جِنانِ وِصالِه / خلَدٌ تخلّد في جهنّمِ بُعدِهِ
ومتى يؤمِّلُ راحةً من حُبّهِ / دَنِفٌ يكلّفُهُ مشقّةَ وَجدِهِ
ومُقَرطَقٍ كافورُ فجرِ جَبينه / ينشقُّ عنه ظلامُ عنبرِ جَعدِهِ
متمنّعٍ للفتكِ جرّد ناظراً / حُرِسَتْ قلائِدُهُ بصارِمِ هندِهِ
بادَرْتُه والغَربُ قد ألقى على / وَردِ الأصيل رمادَ مِجمَر ندِّهِ
واللّيلُ قد سحبَتْ فُضولَ خِمارِها / ليلاهُ واِنسدلَتْ ذَوائِبُ هِندِهِ
لمّا ولَجْتُ إليهِ خِدراً ضمّ في / جَنَباته صنَماً فُتِنْتُ بوردِهِ
ونظرْتُ وجهاً راقَ منظرُ وردهِ / وشهدْتُ ثغراً طاب مَوردُ شهدِهِ
نهضَ الغزالُ إليّ منه مُسلّماً / فزعاً وطوّقَني الهِلالُ بزَندِهِ
وغَدا يزُفُّ إليّ كأسَ مُدامةٍ / تهدي الحَليمَ إلى ضلالةِ رُشدِهِ
نارٌ يَزيدُ الماءُ حرَّ لَهيبِها / لمّا يُخالطُها المِزاجُ ببرْدِهِ
شمطاءُ قد رأتِ الخليلَ وخاطبتْ / موسى وكلّمتِ المسيحَ بمهدِهِ
روحٌ فلو ولجَتْ بأحشاءِ الدُجى / لتلقّبَتْ بالفجرِ طلعةَ عَبدهِ
فظلَلْتُ طوراً من خلاعةِ هَزلِه / أجني العُقودَ وتارةً من جدِّهِ
حتّى جلَتْ شفقَ الدُجى وتوقّدتْ / في أبنُسيّ الليلِ شُعلةُ زَندِهِ
يا حبّذا عيشٌ تقلّص ظِلُّه / هَيهاتَ أن سمح الزمانُ بردِّهِ
للّهِ مغنىً باليمامةِ عاطلٌ / خلعَ الغَمامُ عليه حِليةَ عِقدهِ
وسَقى الحَيا حيَّ العقيقِ وباعدَتْ / بعَروضها الأعراضُ جوهرَ قدِّهِ
وغدا المحصَّبُ حاصِبَ البَلوى ولا / خفرَتْ عِهادَ العزّ ذمّةَ عهدِهِ
رَعياً لمألَفِها القديم وجادَها / كفُّ ابنِ منصورَ الكريمِ برَفدِهِ
برَكاتُ لا برِحَ العُلا بوجودهِ / فرِحاً ولا فجِع الزّمانُ بفَقْدهِ
بحرٌ تدفّق بالنُضارِ فأغرقَ الس / سَبعَ البِحارَ بلجِّ زاخرِ مدّهِ
أسدٌ تشيّعُه النُسورُ إذا غَزا / حتّى وَثِقْنا أنّها من جُندِهِ
لو رامَ ذو القَرنين بعضَ سَدادِه / لم يَمضِ ياجوجٌ غَداً من سَدِّهِ
أو حازَ قوّتَه الكَليمُ لما دَعا / هارونَه يوماً لشدّةِ عَضْدِهِ
ملِكٌ يريك نَدى مَبارِك عمِّه / وعَفافَ والدِه وغيرةَ جدِّهِ
لولاه ما عُرِف النوالُ ولا اِهتدى / أهلُ السؤالِ إِلى معالِم نَجدهِ
قد خصّنا الرحمنُ منه بماجدٍ / ودَّ الهِلالُ حُلولَ هامةِ مجدهِ
أَفنى وأغنى بالشجاعةِ وَالندى / فمماتُنا وحياتُنا من عِندهِ
الرّزْقُ يُرجى من مَخايل سُحبِه / والموتُ يُخشى من صواعِقِ رَعدِهِ
يَجزي الّذي يُهدي المَديحَ ببرّه / كرَماً فيعطي وَسْقَهُ من مدِّهِ
بَغيُ العدوِّ عليه مصلحةٌ له / والمِسكُ تُصلحُه مَفاسِدُ ضدِّهِ
هجَمَتْ على الأمم الخُطوبُ وما نَشا / ذهبتْ كما ذهبَ الأسيرُ بقَيدِهِ
فالحتْفُ يهجُم فوقَ قائم سَيفه / والنصرُ يخدِم تحت صَعدَة بَندِهِ
قنَصَتْ ثَعالِبُه البُزاةَ وصادتِ الْ / أُسْدَ الكُماةَ قَشاعِمٌ من جُرْدِهِ
ما زال يُعطي الدُرَّ حتّى خافتِ الش / شُهبُ الدّراري من مَسائِلِ وَفدِهِ
ويسيرُ نحو المَجدِ حتّى ظنّهُ / نهرُ المَجرّةِ طامِعاً في عَدّهِ
هل من فَريسةِ مَفخرٍ إلّا وقد / نشبَتْ حُشاشَتُها بمخلَبِ ورْدِهِ
فضحَ العُقودَ نِظامُ ناظِم فَضلِه / وسَما النُضارَ نِثارُ ناثِرِ نَقدِهِ
سارا إلى مُهَجِ العِدا فتَسابَقا / في الفتكِ أسمَرُهُ وأبيَضُ جدِّهِ
قمرٌ به صُغْتُ القريضَ فزُيّنَتْ / آفاقُ نَظمي في أهلّة حَمدِهِ
حسُنَتْ به حالي فواصلَ ناظري / طيبُ الكرى وجَفَتْهُ زَورةُ سُهدِهِ
فهو الّذي بِنَداهُ أكْبَتَ حاسِدي / وأذابَ مهجتَهُ بجَذوةِ حِقدِهِ
يا أيّها الرُكنُ الّذي قد شُرِّفَتْ / كلُّ البريّة من تيمُّنِ قَصدِهِ
والماجدُ البطلُ الّذي طلبَ العُلا / فسَرى إليه فوقَ صهوةِ جَدِّهِ
المُلكُ جيدٌ أنتَ حِليةُ نَحرِه / والمجدُ جسمٌ أنت جنّةُ خُلدِهِ
هُنِّئتَ في عيدِ الصّيامِ وفِطرِه / أبداً وقابلَك الهِلالُ بسَعدِهِ
العيدُ يومٌ في الزمان وأنت للْ / إسلامِ عيدٌ لم تزَلْ من بَعدِهِ
لو تُنصِفُ الدُنيا وقَتْكَ بنفسِها / وفداكَ آدمُ في بقيّة وُلْدِهِ
لا زالتِ الأقدارُ نافذةً بما / تَنوي ومتّعَك الزمانُ بخُلدِهِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ / فأزِلْ بخَمْرَتِها خُمارَ البينِ
واِستَجْلِها مثلَ العَروس توقّدَتْ / بعُقودِها وتخلْخَلَتْ بِبُرينِ
واِقْطِفْ بثغرِك وَرْدَ وَجنَتِها على / خدِّ الشقيقِ ومَبسمِ النِسرينِ
واِلثِم عَقيقةَ مِرشَفَيْها راشِفاً / منها ثَنايا اللؤلُؤِ المَكنونِ
روحٌ إذا في فيكَ غابَتْ شمسُها / بزَغَتْ منَ الخدّينِ والعَينينِ
قبَسٌ يُغالِطُنا الدُجى رأدَ الضُحى / فيها ويَصدقُ كاذِبُ الفَجْرَينِ
ما زفّها السّاقي بطائرِ فضّةٍ / إلّا وحلّقَ واقِعَ النّسْرَيْنِ
حاكَتْ زُجاجةُ كأسِها القنديلَ إذ / مِشكاتُها اِتّقدَتْ بلا زَيتونِ
تبدو فيبدو الأفْقُ خدَّ عشيقةٍ / واللّيل لمّة عاشقٍ مَفتونِ
مبنيّةٌ بفَمِ النّزيفِ مَذاقُها / كرُضابِ لَيلى في فم المجنونِ
بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهبَ بَرْدَها / صاغَ الحُبابُ لها سِوارَ لُجينِ
لو كان في حوضِ الغمام محلُّها / لجرى العقيقُ من السحابِ الجونِ
أو لو أُريقَتْ فوقَ يَذبُلَ جرعةٌ / منها لأصبحَ معدِنَ الراهونِ
ومُضارِعٍ للبَدرِ ماضٍ لحظُه / متستّرٌ فيه ضَميرُ فُنونِ
رشأٌ غدَتْ حركاتُ كَسرِ جُفونِه / تَبني على فتحِ السُهادِ جُفوني
روحي له وقْفٌ وألْفُ يَمينِه الْ / مَمْدود مَقصورٌ عليه حَنيني
مهموزُ صُدغٍ كم صحيحِ جوىً غدا / بلَفيفِه يَشكو اِعتِلال العينِ
متفقّهٌ بوِصالِه متوقّفٌ / ويرى القطيعةَ من أصولِ الدينِ
رُؤياهُ مِفتاحُ الجمال وخَصرُهُ / تلخيصُ شرحِ مطوّلِ التّحسينِ
حيّا بزَورَتِه خُلاصةَ صُحبةٍ / وبَدا فأبرزَ مَشرِقَ الشمسينِ
واِفتَرَّ مُحتسياً لها فأبانَ عن / بَرقَينِ مُبتسمين عن سِمطينِ
وشَدا وطافَ بها فأحيا ميّتَ الْ / عُشاقِ في راحَين بل روحَينِ
مَنْ لي بوصلِ مَهاةِ خِدرٍ فارَقَتْ / عيني وظبيٍ أفْلَتَتْهُ يَميني
للّهِ أيّامُ الوِصالِ وحبّذا / ساعاتُ لهوٍ في رُبى يَبرينِ
مَغنىً بحبِّ الساكنين يَسوغُ لي / نظْمُ النسيبِ ونثرُ دُرّ شُؤوني
لا زال يبتسمُ الأقاحُ به ولا / برِحَ الشقيقُ مضرَّجَ الخدّينِ
أحوى كأنّ مياههُ ريقُ الدُمى / وهَواهُ أنفاسُ الحِسانِ العِينِ
ضاهى عُيونَ الغانياتِ بنَرْجِسٍ / وسَما على قاماتِها بغُصونِ
فلكَمْ رشَفْتُ على زُمُرُّدِ رَوضِهِ / زمَنَ الشّبابِ عقيقةَ الزّرجونِ
وأمِنْتُ بأسَ النّائِباتِ كأنّما / برَكاتُ أمسى كافلِي وضَميني
سامي الحقيقة لا يحسُّ نزيلُه / بحوادثِ التّقديرِ والتّكوينِ
بَشَرٌ يريكَ البحرَ تحت رِدائِه / والبدرَ فوقَ سريرهِ المَوضونِ
غيثٌ بنوّارِ الشقيق إذا سَما / تزهو رياضُ المُقتِر المَديونِ
قاضٍ بأحكام الشريعة عالِمٌ / بقواعدِ الإرشادِ والتبيينِ
عدلٌ تحكّم في البلاد فقامَ في / مَفروضِ دينِ اللَّه والمَسنونِ
بلغَ الكمالَ وما تجاوزَ عُمرُه / عشراً وحاز المُلْكَ بالعِشرينِ
خطبَ المعالي بالرِّماحِ فزُوّجَتْ / بكرُ العُلا منه بلَيثِ عرينِ
تلْقى العِدا والوفْدُ منه إذا بدا / تِيهَ العزيزِ وذلّةَ المِسكينِ
سمْحٌ لمن طلبَ الإفادة باسطٌ / ببنانِه وبيانهِ كنزَيْنِ
ما مدَّ راحتَهُ وجادَ بعِلمِه / إلّا اِلتقَطنا لُؤلُؤَ البَحرينِ
لو بالبلاغةِ للنبوّةِ يدّعي / لَغدا وما قُرآنُه بعِضينِ
من مَعشرٍ لهمُ على كلِّ الوَرى / شرَفُ النجومِ على حصى الأرضينِ
سامٍ لمُنصُلِه وشِسْعَيْ نَعلِه / فخرُ الهِلال ورِفعةُ الشّرطينِ
همسَتْ بأصوات الطُغاة فكاد أنْ / لا يستهلَّ بهم لِسانُ جَنينِ
وتيقّنتْ بالثُّكلِ بيضُهمُ فلو / قدرَتْ لما سمَحَتْ لهم ببَنينِ
غضّتْ جلالتُه العيونَ وربّما / نظرتْ إليه فحِرْنَ في أمرَينِ
قبَسٌ جرى بيَدَيْهِ جدولُ صارمٍ / وغَمامةٌ حملَتْ شِهابَ رُدَيْني
عفُّ المآزِر كم ذُكورُ نِصالِه / فيه اِستباحتْ من فُروجِ حُصونِ
قَيلٌ يُصان لديه جوهرُ عِرضِه / والجوهرُ العِرضيُّ غيرُ مَصونِ
لو أنّ كعباً جاءَ يطلبُ ثأرَهُ / لكَبا بسابقةٍ عِثارَ حَرونِ
يُمسي الفقيرُ إذا أتاه كأنّما / غَصَبَ الغِنى من راحتَيْ قارونِ
مَولىً يلوذُ المُذنِبونَ بعَفوِه / ويفُكُّ قيدَ المُجْرمِ المَسجونِ
يا حاديَ العَشرِ العُقولِ وثاني الد / دهرِ المَهولِ وثالث القمَرَينِ
والثابتَ المِغوارَ والقِرْنَ الّذي / لا تستقرّ سُيوفُه بجُفونِ
فلقد أنارَ اللَّه فيكَ نهارَنا / وجَلا الظلامَ بوجهِك المَيمونِ
وكَسا بك الدنيا الجمالَ وزيّن ال / أيّامَ من علياكَ في عِقدَيْنِ
وأبانَ رُشدَ عِبادِه بك فاِهتدَوا / بعد الضّلالِ بأوضحِ النّجدَينِ
فتهنَّ بالعيدِ المُبارك واِغتَنِمْ / أجرَ الصيام وبهجةَ الفِطرَينِ
واِلبَس جَلابيبَ العُلا وتدرّعِ الن / نصْرَ العزيزَ وحلّةَ التّمكينِ
واِستجلِ من فكري عَروساً ما لَها / كُفُؤٌ سواكَ بسائِرِ الثَّقَلَيْنِ
وأبيكَ يا مَنْ حُكِّمَتْ بيَمينه / بيضُ العَطايا في رِقابِ العينِ
لولا حيا كفّيكَ ما حيّا الحَيا / رَوضي ولا ساحَتْ بطاحُ مَعيني
كلّا ولا نِلتُ النّعيمَ ولا نجَتْ / روحي العزيزةُ من عذابِ الهُونِ
بلغَتْ مدى الأقصى لديكَ مطالبي / وأصابتِ الغرَضَ البَعيدَ ظُنوني
لي في معانيكَ اِعتقادُ وِلاً فلَو / كُشِفَ الغِطا ما اِزدادَ فيك يَقيني
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ / سيفاً عليهمْ ذِمامُ البيضِ يخفِرُهُ
وماسَ تيهاً فثنّى في غلالتِه / قدّاً بحُمرِ المَنايا سالَ أسمَرُهُ
واِفترَّ عن لُؤلُؤٍ ما لاحَ أبيضُهُ / إلّا وياقوتُ دمعي سالَ أحمرُهُ
يا غَيرةَ البانِ إذ يُثنى مُوشّحُهُ / وخَجلةَ البرقِ إذ يَبدو مؤشّرُهُ
بمُهجَتي دَعجاً يجري بمُقلته / لا أعرفُ الموتَ إلّا حين أنظرُهُ
وبالجُفونِ جَمالاً تحت بُرقُعِهِ / لا يُسفِرُ الصبحُ إلّا حين يَسفِرُهُ
في بيعةِ الحُسنِ منه ينجلي صنمٌ / دينُ المسيح به يَقوى تنصّرُهُ
له مُحيّاً لِحاظي إنْ تُعَندِمهُ / ثوبُ الدُجُنّةِ من لَوني يُعَصْفِرُهُ
قاسَمْتُه الوردَ لَونَيهِ فأحمرُه / في وجنتَيْهِ وفي خدَّيَّ أصفَرُهُ
مُهفْهَفُ القدِّ لَغويُّ النِطاقِ حَوى / معنىً كمَحذوفِ نحويٍّ يقدّرُهُ
مجرّدُ الخدِّ من شعرٍ يدبُّ به / خالٌ إلى المِسكِ منسوبٌ مصغّرُهُ
للحتفِ في جفنهِ السّاجي مُضارعةٌ / لذلك اِشتُقَّ من ماضيهِ مَصدَرُهُ
متوّجٌ بنهارِ الشيبِ عمّمني / لمّا تقنّع بالدّيجورِ نيّرُهُ
ما كرَّ في جيشهِ مِهْراجُ طرّته / على سَنا البدرِ إلّا فرّ قيصَرُهُ
ولا اِستثارَ دُخانَ النّدِّ عارضُه / إلّا وشَيبُ قَذا لي شبَّ مِجمَرُهُ
تشبّهَ الطّيبُ في خدّيْه إذ نَبتا / فَاِبيضّ كافورُه واِسودّ عنبرُهُ
فسِحرُ عَينيهِ عن هاروتَ يسنُدُه / وخطُّ خدّيهِ عن كافورَ يَسطُرُهُ
تستودعُ الدّرَّ من ألفاظهِ أذُني / نظْماً فتَسرِقُه عَيني فتنْثُرُهُ
أمَا وقُضبانِ مَرجانٍ بجنَّتِها / من فوقِ أُنبوبِ بلّورٍ يُسوِّرُهُ
وشينِ شَهدةِ معسولٍ بمَلثمِه / وقافِ قامةِ عسّالٍ يُزنّرُهُ
لولا حَريرُ عِذارَيه لمَا نسجَ الد / ديباجَ شِعري ولا فِكْري يُصوّرُهُ
إلى مَ يا قلبُ تُصفي الودَّ ذا مَلَلٍ / لا يستقرُّ ولا يَصفو مُكدِّرُهُ
إنّ المَلولَ وإن صافاكَ ذو عجَبٍ / إن حالَ مُسْكِرُه أو مُجَّ سُكَّرُهُ
يا خَيبةَ السّعيِ قد ولّى الشبابُ ولا / أدرَكْتُ سُؤلي وعُمري فاتَ أكثَرُهُ
فما وَفى لي حبيبٌ كنتُ أعشَقُه / ولا صَفا لي خليلٌ كنتُ أُوثِرُهُ
ولا اِختَبرْتُ صديقاً كنتُ أمنحُه / صفوَ السريرةِ إلّا صِرْتُ أحذَرُه
يا دَهرُ ويحكَ إنّ الموت أهونُ من / مُذمَّمٍ بكَ يؤذيني وأشْكُرُهُ
ما لي وما لَك لا تنفكّ تُقعِدُني / إن قُمتُ للمجدِ أو حَظّي تُعثِّرُهُ
لقد غَدا البُخلُ شخصاً نَصْبَ أعيُننا / فأصبحَ الجودُ عهداً ليس نَذكرُهُ
وعاد يطوي لِواءَ الحمدِ رافعُه / لولا بَدا بَركاتِ المجدِ تنشُرُهُ
ربُّ النّوالِ الذي لولا مواهبُه / سِمطُ القَوافي لدينا بارَ جوهرُهُ
المُتْبِعُ الهِبةِ الأولى بثانيةٍ / وأكرمُ المُزنِ ما يوليكَ مُمطِرُهُ
سرُّ الإله الذي للخَلْقِ أبرزَهُ / لُطفاً وكادَ فؤادُ الغَيبِ يُضمِرُهُ
مملَّكٌ يركبُ الأمرَ المَخُوفَ ومنْ / فوق الأفاعي به يَمشي غضَنْفَرُهُ
كأنّما الموتُ مَلزومٌ بطاعَتِه / في كلِّ ما هو يَنْهاهُ ويأمرُهُ
يضمُّ منهُ غديرُ الدِرْع بحرَ نَدىً / ويحتوي منهُ بدرَ التِّمِّ مِغْفَرُهُ
سمحٌ تحرّج نهرَ السائلينَ ولا الْد / دُرُّ اليتيمُ عنِ الرّاجينَ يقهَرُهُ
يُعطي الجزيلَ فلا عُذراً يقدّمُه / للطّالبينَ ولا وَعْداً يؤخِّرُهُ
تملّك الحَوْزَ فلْتَهرُب ثَعالبُهُ / فقد تكفّلَ جيشَ المُلكِ قَسْوَرُهُ
مهذّبٌ فطِنٌ كادت فراستُه / عمّا بقلبِكَ قبلَ القولِ تُخبرُهُ
لا يلحَقُ الذُلُّ جاراً يستعزُّ به / ولا يرى الأمنَ مرعوبٌ يُذعِّرُهُ
بعدلِه الظالمُ المَرهوبُ يخذُلُه / وجانبَ البائِسِ المَظلومِ ينصُرُهُ
إنْ زارَهُ سائِلٌ عافٍ يعظّمُه / وإن تآتاهُ جبّارٌ يحقّرُهُ
لُفَّتْ على الهامةِ العُليا عِمامتُه / وشُدَّ فوقَ عَفافِ الفرْجِ مئْزَرُهُ
لا نَعرِفُ الجَدْبَ إلّا عندَ غَيبَتِه / ولا نرى الغَيثَ إلّا حين نُبصِرُهُ
قد حالَف السيفُ منه أيَّ داهيةٍ / كُبرى وصافَح يُمنى المَوتِ خنْجَرُهُ
كم قد أغارَ وشُهبُ الليلِ غائرةٌ / والفجرُ ينبَتُّ بالكافورِ عَنبَرُهُ
فآبَ والأُسْدُ في الأغلالِ خاضعة / وعاد بالنُّجْحِ والأنفالُ عسكَرُهُ
والدُّهْمُ كُمْنٌ وسُمرُ الخطّ تحمَدُه / والبيضُ صُفرٌ مَصوناتٌ تكبِّرهُ
والجوّ كالغسقِ المُسودِّ أبيضُهُ / والسيفُ كالشّفق المُحمَرِّ أخضَرُهُ
هوَ الهُمامُ الّذي صحّت سيادتُه / واِشْتُقَّ من أنبياءِ اللَّهِ عُنصرُهُ
همَّ العِدا بذهابِ النورِ منه وما / يُطْفونَ نوراً يُريدُ اللّهُ يُظهِرُهُ
يبغونَ محوَ اِسمِه من صُحْفِ مَنصِبِه / واللَّهُ في لوحِه المحفوظِ يَزبُرُهُ
بغَوْا عليه ومَن يجعلْ تجارَتَهُ / بضاعةَ البغي يوماً خابَ متجَرُهُ
وحاوَلوا الغدْرَ فيهِ وهْو أمنُهُم / وصاحبُ الغَدرِ يكفي فيه مُنكَرُهُ
ودبّروا الأمرَ سرّاً وهوَ متّكِلٌ / وربّهُ فوقَ أيديهم يدبّرُهُ
فأدركوا الوَيلَ والحُزنَ الطويل وما / رأوا من الأمرِ شيئاً سرّ منظرُهُ
فكم عزيزٍ له ولّت ضراغِمُه / وكم كِناسِ خِباً قد فرّ جُؤذرُهُ
مولاي فلتَهْنكَ الدنيا وعودتُها / إليكَ والعبدُ قد وافى مُبشِّرُهُ
وليهنِنا حجُّ بيتٍ منك دار على / شعائرِ البرِّ والمعروفُ مَشْعَرُهُ
واِرْمِ العِدا بجمارِ النّبْلِ واِسْعَ إلى / مِنى وغىً يرهبُ الضرغامَ منحَرُهُ
وبشِّرِ الخصمَ أنّ البغيَ يصرعُه / وماردَ الجورِ أنّ الظُلمَ يَدحَرُهُ
واِسْتَجلِ دُرَّ قَريضٍ كاد في حِكَمٍ / نظمُ البَديعِ بيانُ المرءِ يسحَرُهُ
ودُمْ مَدى الدهر في عزٍّ وفي شرفٍ / يسمو على الفلَكِ الدّوّارِ مفخَرُهُ
تلثّمَ بالعقيقِ على اللآلي
تلثّمَ بالعقيقِ على اللآلي / فغشّى الفجرَ من شفَقِ الجمالِ
وقنّعَ بالدُجى شمسَ المُحيّا / فبرقَعَ بالضُحى ليلَ القَذالِ
وهزّ قَوامَهُ فثَنى قضيباً / إليهِ تنقّلتْ دولُ العوالي
ودبّ عِذارُهُ فسعتْ إلينا / أفاعي الموتِ في صُوَر النِّمالِ
بَدا فتقطّعتْ مُهَجُ الغواني / وخاضَتْ فيه أحداقُ الرجالِ
وخُتِّمَ بالعقيقِ فزان عندي / بمعصَمِ وعدِه حَليَ المِطالِ
لقد جرَحَتْ نواظِرُه فؤادي / فما لَك يا صَوارمَها وما لي
عمِلْتِ الجزْمَ بي وخفضْتِ منّي / محلّ النّصبِ ثمّ رفَعْتِ حالي
بروحي منه شخصاً جُؤذَريّاً / يَصيدُ الأُسْدَ في فعلِ الغَزالِ
تَزاوَر عن خِباهُ فثمَّ شمسٌ / تبلّجَ حولَها فجرُ النِّصالِ
وخُذْ عن وجنتَيْهِ فثمَّ وردٌ / حَماهُ الهُدْبُ من شوكِ النِّبالِ
إلامَ أُلامُ فيه ولا أُحاشي / ويرقُبُني الحِمامُ ولا أُبالي
أورّي عنْ هواهُ بحبِّ ليلى / وفيه تغزُّلي وبهِ اِشتغالي
وليلٍ كالبنفسجِ باتَ فيهِ / ينشّقُني رَياحينَ الوِصالِ
دخلْتُ عليه والظُلُماتُ تُرخي / ذَوائِبَها على صَلْتِ الهِلالِ
فقدّم لي العَقيقَ قِرىً لعَيني / وقرّطَ سَمعي الدُرَرَ الغَوالي
وبات ضجيعهُ الضرغامُ منّي / ومنهُ مُضاجعي ريمُ الحِجالِ
وقام لديهِ من وَرَعي وعيظٌ / يعرّفُني الحَرامَ من الحَلالِ
إذا اِمتدّتْ إليه يَمينُ نَفسي / ثنَيْتُ عنانَها بيَدي الشِّمالِ
وإنّي فتىً أميلُ بلحْظِ طَرْفي / لمَنْ أهوى ويُغْضي عنهُ بالي
وإنْ قامتْ إلى الفَحْشاءِ يوماً / بي الشّهواتُ تُقعِدُني خِصالي
أحبُّ الكِذْبَ في التشبيهِ هَزْلاً / وأهوى الصِّدقَ في جِدِّ المَقالِ
فلي وَعْظٌ أشدُّ من الرّواسي / ولي غزَلٌ أرقُّ من الشَّمالِ
أنا الهادي إذا الشُعراءُ هامُوا / بوادي الشِّعرِ في ليلِ الضّلالِ
مُجَلّي السابقين إلى المَعاني / وفارسُ بحثِها يومَ الجِدالِ
تدلُّ لدى النّشيدِ بناتُ فِكري / على أذُني وتُنسيني فِعالي
ويشهدُ لي بدعْوى الفضلِ قُربي / لدى برَكاتِ نقّادِ المعاني
تملّكَني هواهُ فزِدْتُ فضلاً / وفضلُ العبدِ من شرَفِ المَوالي
جمالُ الفضلِ مركزُ نيّرَيْهِ / كمالُ بُدورِ أبناءِ الكَمالِ
رفيعُ عُلاً إلى هامِ الثُريّا / رَقي بسلالِم الهِمَمِ العَوالي
موقّى العِرضِ في سَنَنِ السّجايا / مُبيدُ المالِ في سَبْقِ النّوالِ
شُجاعٌ فيه تتّسعُ المنايا / إذا ما كرّ في ضيقِ المجالِ
إذا بدُجى القَتامِ بَدا بدِرْعٍ / أرانا الشمسَ في ثوبِ الهِلالِ
هو العدلُ الّذي بالوَصْفِ يعنو / له العلَمُ المعرَّفُ بالجَلالِ
فكمْ لعِداهُ فيه منَ الصّياصي / بُروجٌ من كَواكبِها خوالِ
غَوامضُ فِكرِه تَحكي الدَّراري / وطيبُ ثَناهُ يَرخُصُ بالغوالي
يرى الدُنيا وإنْ عظُمَتْ وجلّت / لديه أقلَّ من شِسْعِ النِّعالِ
به اِنطلقَ السّماحُ وكان رَهْناً / وأضحى البُخْلُ مَشدودَ العِقالِ
تَزينُ به عواطِلها القوافي / كما تتزيّنُ البيضُ الحوالي
فلوْ مسّ الصّخورَ الصُّمَّ يوماً / لفجَّرَهُنَّ بالعَذْبِ الزُلالِ
كَميٌّ لا تُقاتِلُهُ الأعادي / بأمضى من سُيوفِ الإبتهالِ
إذا رَويَتْ صَوارِمُهُ نَجيعاً / ورَتْ بحُدودِها نارَ الوَبالِ
كأنّ دَمَ القُرونِ لها سَليطٌ / وحُمرَ شِفارِها شُعَلُ الذُبالِ
منَ القومِ الّذين سَمَوْا وسادوا / على العَرَبِ الأواخِرِ والأوالي
مُلوكٌ كالملائكِ في التّلاقي / عَفاريتٌ جِيادُهُمُ السّعالي
أثيلُ المجدِ منصورٌ عليهمْ / وصارَ العزُّ مَمدودَ الظِلالِ
تبيّن لي الحِجى والجودُ فيه / ونورُ المجدِ من قبلِ الفِصالِ
غَنيتُ عن الكِرامِ به جميعاً / وصُنْتُ الوجهَ عن بذْلِ السّؤالِ
أأسْتَسقي السّحائِبَ نازِحاتٍ / وهذا البحرُ معترِضاً حِيالي
وألقَيْتُ السِلاحَ وما اِحتِياجي / وفيه تدرُّعي وبه اِعتِقالي
ألا يا أيُّها البطَلُ المُرَجّى / لدَفعِ كتائِبِ النوَبِ العُضالِ
ويا سَيفَ المَنونِ وساعِدَيْها / وباري قَوسِها يومَ النِّضالِ
ويا قمَر الزّمانِ ولا أُكَنّي / وشمسَ ضُحى المُلوكِ ولا أغالي
لقد غُبِطَ العُلا بخِتانِ شِبلٍ / أبوهُ أنت يا ليثَ النِّزالِ
شَقيقُ الرُشْدِ تَسمِيةً وفألاً / سَليلُ المجدِ خيرُ أبٍ وآلِ
نشا فنَشا لنا منه سُرورٌ / يكادُ يهزُّ أعطافَ الجِبالِ
وحَمْحَمَتِ الجِيادُ مهلِّلاتٍ / وصالَ مكَبِّراً يومَ القِتالِ
وقرّتْ أعيُنُ البيضِ المواضي / ومِسْنَ معاطِفُ السُّمرِ الطِوالِ
هو الولَدُ الّذي بأبيهِ نالَتْ / خُلودَ الأمْنِ أفئِدَةُ الرّجالِ
فدامَ ودُمْتَ ما اِكتَسَبَتْ ضِياءً / نُجومُ الليلِ من شمسِ النّوالِ
ولا زالَتْ لك الأيّامُ تَدعو / ولا بَرِحَتْ تُهنّيكَ اللّيالي
نِصالٌ من جُفونِكِ أم سِهامُ
نِصالٌ من جُفونِكِ أم سِهامُ / ورُمحٌ في الغِلالةِ أم قَوامُ
وبلّورٌ بخدِّكِ أم عَقيقٌ / وشهدٌ في رُضابِكِ أم مُدامُ
وشمسٌ في قِناعِكِ أم هِلال / تزيّا فيكِ أو بدرٌ تَمامُ
وجيدٌ في القِلادةِ أم صَباحٌ / وفرْعٌ في الفَقيرةِ أم ظَلامُ
أمَا وَصَفاءِ ماءِ غديرِ ماءٍ / تلهَّبَ في جَوانبِه الضِّرامُ
وبيضِ صِفاحِ سودٍ ناعِساتٍ / لنا بجُفونِها كمنَ الحِمامُ
لقد كسَرَ الغرامُ لُهامَ صَبري / فهِمْتُ وحبّذا فيكِ الهيامُ
وأسقَمَني اِجْتِنابُكِ لي فجسْمي / كطَرْفِكِ لا يُفارقُه السّقامُ
بروحي البارقُ الواري إذا ما / تزحْزَحَ عن ثَناياكِ اللِّثامُ
وبالدُّرِّ الشّنيبِ عُقودُ لَفظٍ / ينظّمُها بمنطقِكِ الكَلامُ
سقى غيثُ السُرورِ حُزونَ نَجدٍ / وجادَ على مرابِعِها الغَمامُ
ديارٌ تكفُلُ الآرامَ فيها / عِتاقُ الخيلِ والأُسْدُ الكِرامُ
بُروجٌ تُشرِقُ الأقمارُ فيها / بأطواقٍ وتحجُبُها خِيامُ
إذا نشَرَتْ غَوانيها الغَوالي / تعطّرَ في مَغانيها الرَّغامُ
أَلا رَعياً لأيّامٍ تقضّتْ / بها والبَيْنُ مُنْصُلُهُ كَهامُ
وأحزابُ السُرورِ لَها قُدومٌ / إلينا والهُمومُ لَها اِنهِزامُ
ومَمشوقِ القَوامِ إذا تثنّى / يكادُ عليهِ أن يقعَ الحَمامُ
إذا ما قيسَ بالأغصانِ تاهَتْ / غُصونُ البانِ واِفتحرَ البشامُ
تبيتُ لديهِ أجفانُ المَواضي / مشرّعةَ النّواظِرِ لا تنامُ
هجَمْتُ عليه والآفاقُ لُعْسٌ / مراشِفُها وللشُّهْبِ اِبتِسامُ
وهِندُ الليلِ في قُرْطِ الثُريّا / تقرّطَ والهِلالُ له خِزامُ
فلمْ أرَ قبْلَهُ بَدراً بخِدْرٍ / ولا شَمساً يُستِّرُها لِثامُ
ولا من فوقِ أطرافِ العَوالي / سعى قَبلي محبٌّ مُستهامُ
فهل ذاكَ الوِصالُ له اِتّصالٌ / وهل هذا البِعادُ له اِنصِرامُ
عجِبْتُ من الزّمانِ وقد رَمانا / ببَيْنٍ ما لشِعبَيْهِ اِلتِئامُ
فكيف تُصيبُنا منهُ سِهامٌ / وجُنّتُنا ابنُ منصور الهُمامُ
وكيف يُشتُّ أُلْفَتَنا وإنّا / لنا في سِلكِ خِدمتِه اِنتظامُ
عزيزٌ لا يَذِلُّ له نَزيلٌ / ولا يُخشى لديهِ المُسْتَضامُ
وحيدٌ في الفَخارِ بلا شَريكٍ / وفي جَدواهُ تشترِكُ الأنامُ
هُمامٌ قد بَكى الأعناقُ منه / إذا بأكُفِّهِ ضحِكَ الحُسامُ
لئنْ في الخَلْقِ حاكَتْهُ جُسومٌ / فسُحْبُ الوَدْقِ تُشبِهُها الجَهامُ
سعى نحو العُلا فأشادَ بيتاً / سما فيهِ إلى العرشِ الدِّعامُ
جَوادٌ كلُّ عُضوٍ منه غَيثٌ / يَجودُ وكلُّ جارحةٍ لُهامُ
رعى الرحمنُ عَصراً حلّ فينا / بهِ برَكاتُ سيّدنا الهُمامُ
أخو المعروفِ نجلُ المجدِ حرٌّ / نمَتْهُ السادةُ الغُرُّ العِظامُ
تولّى دولةَ المَهدي فأحيا / مناقبَهُ وقد عفَتِ العِظامُ
يَتيهُ صريخُ مَطْلَبِه المُرجّي / بسيرَتِهِ ويفتخِرُ الزِّحامُ
يَفوقُ المُزنَ إن هي ساجَلَتْهُ / ويُفني اليمّ مَورِدُهُ الجمامُ
كريمٌ في أناملِ راحَتَيْه / حياةُ الخَلقِ والموتُ الزّؤامُ
ومُعتَرَكٌ به ودْقُ المَنايا / على الأقرانِ والسُحْبُ القَتامُ
تَسيلُ من النفوسِ له بحارٌ / ونيرانُ الوَطيسِ لها اِضطِرامُ
ثُغورُ البيضِ فيه باسِماتٌ / وقاماتُ الرِّماحِ بها قِيامُ
تجسّم ضَنْكُه فرداً فولّى / جموحُ الأُسْدِ واِنفرجَ الزِّحامُ
هو البطلُ الّذي لو رامَ يوماً / بُلوغَ الشمسِ ما بَعُدَ المَرامُ
ألا يا أيّها الأسَدُ المُحامي / عن الإسلامِ والمَولى الإمامُ
ويا اِبْنَ القادِمينَ على المَنايا / إذا ما الصّيدُ أحجَبَها الصِدامُ
ومَنْ زانتْ وجوهُ النثرِ فيه / وفي تَقريضِهِ حسُنَ النِّظامُ
لقد أمِنَتْ بمَولدِك اللّيالي / وخافَتْ بأْسَكَ النّوَبُ الجِسامُ
وتاهَ العيدُ فيك هوىً وباهى / بكَ الأقطارَ واِفتخرَ الصّيامُ
فما ذا العيدُ إلّا مُستَهامٌ / دعاهُ إلى زيارتِكَ الغَرامُ
فلا عدِمَ اِزديارَكَ كلَّ عامٍ / يمرُّ ولا عَداكَ له سَلامُ
ويا وَميضَ بُروقِ المُزنِ إن سفَرتْ
ويا وَميضَ بُروقِ المُزنِ إن سفَرتْ / عن الثّنايا فغُضَّ الطَّرْفَ واِستَتِرِ
ويا وَجيزَ عِبارات البيان لقد / أطْنَبتَ في وصف ذاك الخَصْر فاِختصِرِ
هذا الأُبَيرِقُ في فِيها فَيا ظمئي / إلى عُذَيبِ عَقيق المَبسمِ العَطِرِ
وذا الغوَيرُ تراءى في الوشاح فَوا / شوقي إليه وهذا الجزعُ في الأزُرِ
بمهجَتي نارُ حسنٍ فوق مِرشفِها / تشَبُّ من حولِ ذاك المنظرِ الخَضِرِ
مرّت بنا وهْي تُبدي نونَ حاجِبها / والصُّدغُ يلثم منها وردةَ الخفَرِ
ففوّقَ القوسُ نبلَ العين وا حزَني / وقاربَ العقرَبُ المِرّيخَ وا حذَري
وحدّثتْنا فخِلنا أنّها اِبتسَمَتْ / زُهْرُ النجومِ حديثاً في فمِ القمرِ
أمَا وبلّورَتي فَجرٍ تلثّم في / ياقوتَتي شفقٍ يفترُّ عن دُرَرِ
ما خِلتُ قبلَك أنّ الحتْف يَبرزُ في / زِيّ العُيونِ من الآرامِ والعُفُرِ
لولا اِبتسامُكَ لم تجرِ العيونُ دَماً / والمُزْنُ لم تبكِ لولا البَرقُ بالمطَرِ
لو بِيعَ وصلُك للعاني بمُهجتِه / هانَتْ عليه ومَن للعُمي بالبصَرِ
أفنَيْتُ ماءَ عيوني بالصّدودِ بُكاً / وجذوةُ الصيفُ تُفني لجّةَ الغُدُرِ
خُلوُّ قلبك من نارِ الهوى عجَبٌ / ومكمَنُ النارِ لا ينفَكُّ في الحَجَرِ
لا تمقُتي أثراً بي في الخُطوبِ بَدا / فزينَةُ الصّارم الهِنديّ بالأثرِ
ولا تذُمّي بياض الشّيب إن شُعِلَتْ / شموعُه في سواد الليل من شَعَري
فالمرءُ كالجمرِ في حالِ الخُمودِ يُرى / فيه السّوادُ ويبدو النورُ في السَّعَرِ
للَّه دَرُّ لَيالٍ بالحِمى سلَفتْ / بيضٌ تُرى في جِباه الدّهر كالغُررِ
وكم عَشَوْنا بجنّاتِ النّعيم إلى / سَناءِ نارَينِ من جَمْرٍ ومن قُطُرِ
وبَدرِ خِدر بِشبهِ الليل مُنتَطِقٍ / مُبَرقعٍ بسناءِ الفَجرِ مُعتَجِرِ
لا أصبح الليلُ من فَودَيهِ ما بزَغَتْ / شمسُ المُدامة بالآصالِ والبُكَرِ
ولا عَدا اللّثْمُ ذاك البدرَ ما قذَفَتْ / أيدي اِبنِ منصور للعافين بالبُدَرِ
سوادُ عينِ المَعالي نَقْشُ مِعصَمِها / بياضُ صَلْتِ العَطايا مَبسِم السّتَرِ
سهمُ المنيّة دِرعُ المُلكِ جُنّتُه / سِنانُ رمحِ الليالي صارمُ القدَرِ
ممَلّكٌ ساس أحوالَ الرعيّة في / عَدْلٍ يؤلّفُ بين الأُسْدِ والبَقَرِ
لو ذاقتِ النَحْلُ مَرعى سَوطِ نِقمَتِه / لَمُجَّ منها مَسيلُ الشّهدِ بالصّبرِ
لو جاد صيّبُه العِينَ المَها نَبتَتْ / جُلودها بالحرير المَحْضِ لا الوَبَرِ
له جِبالُ حُلومٍ لو شوامخُها / رسَتْ على السّبعة الأفلاكِ لم تَدُرِ
قِرْنٌ تقنّص بالبيضِ الجوارِح منْ / أعلى غُصونِ العَوالي طائرَ الظّفَرِ
يا عُصبةَ الحاجِ هذا لُجُّ راحتِه / فيَمّمي اليمّ تستغني عن الحجَرِ
ويا شُموسَ الكُماة الشوسِ إن طلَعت / نجومُه في ظلامِ النّقع فاِنكَدري
بَدا لنا فبدا في ضمن جوهَره الْ / فَردِ الكِرام بجمعٍ غيرِ منحصِرِ
فكان في الحِلم كالمرآة حين يُرى / يُعَدّ فرداً وما فيها من الصّورِ
وِتْرُ البريّة شفعُ الدّهر جُملَتُه / جمْعُ الفخارِ مُثنّى النّفْع والضّررِ
فالحربُ تُثني عليه لُسْنُ أنصُلِها / والحتفُ يَثني عليه عِطفَ مؤتَمِرِ
لو فاضَ طوفانُ نوحٍ من ندى يدِه / لما نَجا منهُ بالألواحِ والدُّسُرِ
أو شاهدَ الملْكُ شدّادٌ جلالَته / لعفّر الذُعْرُ منه خدَّ مُحتقرِ
دعِ الروايات في الماضي فرؤيتُه / أقوى فليس عِيانُ الأمر كالخبَرِ
فأشرقَ النّقعُ منها واِنجلى شفقٌ / من الدِماءِ على الهامات والطُّرَرِ
يا ناظمَ المجدِ يا سِمْطَ الفضائلِ بل / يا حِليةَ المَدْح بل يا زينةَ البَشرِ
ثمَنْتَ في سيفكَ السّبْعَ الزّواخرِ والس / سبعَ الكواكبَ لا بل سبعة الكِبَرِ
وزِدْتَ في المُلك إجلالاً ومقدرةً / حتّى جلَلْتَ عن التحديد والقدرِ
مولاي يا واحِدَ الدُنيا وسيّدَها / والماجِدَ المُحسِنَ المُزْري بكلّ سَري
سَمعاً لدعوةِ عبدٍ تحت رِقّكُمُ / يرجو لديكَ ينالُ الفوزَ بالوَطَرِ
قد فرّ من عبدِك الدهرُ المُسيءُ إلى / حُسنى صَنيعِك يا ذا العِزِّ والخَطَرِ
فأنتَ إن خانتِ الأيّامُ معتمَدي / وأنتَ إن قلّ وَفْري خيرُ مدَّخَرِ
روَتْ عن تَراقيها العُقودُ عن النّحْرِ
روَتْ عن تَراقيها العُقودُ عن النّحْرِ / محاسِنَ تَرويها النُجومُ عن الفَجْرِ
وحدّثَنا عن خالِها مسكُ صُدغِها / حديثاً رواهُ الليلُ عن كُلفةِ البَدْرِ
وركّب منها الثّغرُ أفرادَ جُملةٍ / حكاها فمُ الإبريقِ عن حَبَبِ الخَمْرِ
بصحّة جِسمي سُقْمُ ألفاظِها التي / روى المِسكُ عن إسنادها خبرَ النّشْرِ
وبالخدِّ وردٌ نارُ موسى بصحنِه / وميمُ فمٍ من عينه جُرعةُ الخُضْرِ
عَذيريَ من عذراءَ قبل تمائمي / خلعْتُ على العُذّالِ في حبّها عُذري
ولي مدمَعٌ في حبّها لو بكى الحَيا / به نبتَ الياقوتُ في صدَفِ الدُرِّ
بروحيَ منها جؤذراً في غلائلٍ / وجيدَ مَهاةٍ قد تلفّع بالجمْرِ
لقد غصبَتْ منها القُرون لَيالياً / من الدهرِ لولا طُولُها قلتُ من عُمري
أمَا وسُيوفٍ للحُتوف بجَفْنِها / تجرَّدُ عن غِمدٍ وتُغمدُ في سحْرِ
وهُدبٍ تسقّى نبلُه سُمَّ كُحلِها / فذبّ بشوكِ النّحلِ عن شَهْدةِ الثّغرِ
وصمتَةِ قلبٍ غصّ منها بمعصَمٍ / ووَسواسُهُ الخنّاسُ ينفثُ في صدري
لَفي القلب منّي لوعةٌ لو تُجِنّها / حَشا المُزنِ أمسى قَطرُها شَرَر الجَمرِ
ممنّعةٌ غير الكرى لا يزورُها / وتُحجَبُ عن طَيْفِ الخيال إذا يسْري
وطوقِ نُضارٍ يستَسرُّ هِلالُه / مع الفَجرِ تحت الشمسِ في غَسَقِ الشّعْرِ
إذا مرّ في الأوهام معنى وِصالِها / رأيتُ جِيادَ الموتِ تعثُر بالفِكْرِ
رَفيعةُ بيتٍ هالةُ البدرِ نورُه / وقَوسُ مُحيطِ الشمسِ دائرةُ السِتْرِ
يُرى في الدُجى نهرُ المَجرّة تحتَه / على درِّ حَصباءِ النُجومِ به تجري
فأطنابُه للفرقَدَين حَمائلٌ / وأستارُه في الحِنج أجنحةُ النّسْرِ
وليلٍ نُجومُ القَذفِ فيه كأنّها / تَصولُ علينا بالمهنّدةِ البُتْرِ
رَكِبْتُ به مَوجَ المَطايا وخُضْتُ في / بِحارِ المَنايا طالِباً دُرّةَ الخِدرِ
فعانَقْتُ منها جُؤذرَ القَفرِ آمِناً / وصافحْتُ منها بالخِبا دُميةَ القَصْرِ
فلمّا دَنا منّا الوداعُ وضمّنا / قميصُ عِناقٍ بزّنا ملبسَ الصّبْرِ
بكَتْ فضّةً من نرجِسٍ مُتناعِسٍ / وأجرَيْتُ تِبراً من عقيقٍ أخي سَهْرِ
فأمسَتْ عُيونُ البَدرِ في شفَق الضُحى / تسيلُ وعينُ الشمسِ بالأنجُم الزُهْرِ
وقُمْتُ وزَنْد الليثِ منّي مطوّقٌ / لها ويَمينُ الظّبي قد وشّحَتْ خَصري
فكادَتْ لِما بي أن تُذيبَ سِوارَها / ضُلوعي وإن كانت حَشاهُ من الصّخْرِ
وكاد فَريدُ العِقدِ منها لِما بها / يَذوبُ ويجري كالدّموعِ ولا تَدْري
سَقى اللَّهُ أكْنافَ العقيقِ بَوارِقاً / تُقطّعُ زَندَ الليلِ في قُضُبِ التّبرِ
ولا زال محمَرُّ الشّقائقِ موقَداً / به شُعَلُ الياقوتِ في قُضُب الشّذْرِ
حِمىً تتحامى الأُسْدُ آرامَ سِرْبِه / وتَصْرَعُهُم من عَينه أعيُنُ العُفْرِ
تُحيطُ الظُّبا أقمارَه في أهلّةٍ / وتَحمي نُجومَ البيضِ في أنجُمِ السُّمْرِ
ألا حَبّذا عصْراً مضى ولَيالياً / عرائسُ أُنسٍ يبتَسِمْنَ عن البِشْرِ
وأيّامُنا غُرٌّ كأنّ حُجولَها / أيادي عليٍّ في رِقابِ بَني الدّهْرِ
أيادٍ عن التّشبيهِ جلّتْ وإنّما / عبَثْنَ بعَقلي ساحِراتٍ رُقى السِّحْرِ
بَوادٍ يُزانُ المجدُ منها بأنجُمٍ / هَوادٍ لمن يَسري إلى موضِع اليُسْرِ
مَواضٍ لمُرّانِ المَعالي أسنّةٌ / وقُضْبٌ بها العافونَ تَسطو على الفَقْرِ
نبَتْنَ بكفّيْهِ نَباتَ بَنانِه / فدلّت قُطوفَ الجُودِ في ثمَرِ الشُّكْرِ
هو العَدَدُ الفرْدُ الّذي يجمَعُ الثّنا / وتصدُرُ عنهُ قِسمةُ الجَبْرِ والكَسْرِ
صنائِعُه عِقدٌ على عاتِقِ العُلا / ومَعروفُهُ تاجٌ على هامةِ الفَخرِ
ربيعٌ إذا ما زُرْتَهُ زُرْتَ روضةً / يفتّحُ فيها رُشدُه حدَقَ الزّهْرِ
تَهيمُ به عِشقاً لخُلقٍ كأنّه / يهُبُّ علينا في نَسيمِ الهوى العُذْري
أيا وارِدي لُجَّ البِحار اِكْتَفوا به / فسَبْعَتُها في طيِّ أُنمُلِهِ العَشْرِ
إذا يَدُه البيضاءُ أخرَجَها النّدى / فيا وَيلَ أمّ البيضِ والورقِ الصُّفْرِ
أخُو هِمَمٍ يستغرِقُ الدِّرعُ جِسمَه / ومن عجَبٍ أن يغرَقَ البحرُ بالكَرِّ
تكادُ الرّماح السّمرُ وهي ذَوابلٌ / براحتِهِ تهتزّ بالوَرَقِ الخُضرِ
فكم من بُيوتٍ قد رماها بخَطبِه / فأضْحَتْ ومنها النّظمُ كالخُطَبِ النّثرِ
فلِلّه يومُ الكَرخِ موقِفُه ضُحىً / وقد سالتِ الأعرابُ بالجحفَل المَجْرِ
أتَوهُ يمدّون الرِقابَ تطاوُلاً / فأضحوا ومنهم ذلك المدُّ للجَزرِ
رَمَوْهُ بحربٍ كلّما قام ساقُها / ركضْنَ المَنايا في القلوبِ من الذُعرِ
يبيعُ الرّدى في سوقِها صفقةَ المُنى / بنَقدِ النُفوسِ الغالِيات لمَن يَشْري
سَطَوْا وسَطا كاللّيثِ يَقدُمُ فِتيةً / يَرَونَ عَوانَ الحربِ في صورِة البِكرِ
وفُرسانَ موتٍ يُقدِمون إلى الوغى / إذا جمحَتْ أُسْدُ النِزالِ عن الكَرِّ
وخَيلاً لها سُوقُ النّعامِ كأنّها / تطيرُ إذا هبّتْ بأجنِحةِ الكُدْري
فزوّجَ ذُكرانَ الظُبى في نُفوسِهمْ / وأنقدَهُم ضَربَ الحديدِ عن المَهْرِ
وأضحتْ وُحوشُ البرِّ ممّا أراقَهُ / من الدّمِ كالحيتان في لجّة البَحرِ
بَنى بِيَعاً من هامِهم وصَوامِعاً / تبوّأ منها مسجِداً راهِبُ النَّسْرِ
لَقوهُ كأمثال البُزاةِ جَوارِحاً / وولّوْا كما تمضي البُزاةُ عن الصّقْرِ
فمنْ واقعٍ في الأرض في شبَكِ الرّدى / ومن طائرٍ عنه بأجنحةِ الغُرِّ
وأنّى لهمُ جُندٌ تُلاقي جُنودَه / وأين رِماحُ الخَطِّ من خشَبِ السِّدْرِ
بغَوْا فبغَوْهُ بالّذي لو تعمّدَتْ / له الشُهْبُ لاقَتْ دونَه حادِثَ الكَسْرِ
وبانت عن الكفّ الخضيبِ بنانُه / وضاقَ به ذَرْعُ الذِراعِ عن الشّبْرِ
فراعِنُه همّتْ به فتلقّفَتْ / عَصا عزمِه ما يأفكون من المكْرِ
بهمْ مرضٌ من بُغضِه في قُلوبِهم / وسيفِ عليٍّ ذي الفقارِ الّذي يَبري
فيا ابْنَ رسولِ اللّهِ والسيّدَ الّذي / حَوى سُؤدُداً يَسمو به شرفُ العَصْرِ
أرادتْ بك الأسْباطُ كَيْداً فكِدْتَهُم / وأكرَمَ مثواكَ العزيزُ من النّصرِ
ترجّوْا لديهم لو تَبورُ بِضاعةٌ / فقادَهُمُ راعي البَوارِ إلى الخُسْرِ
لِيَهْنِكَ نصرٌ عزُّهُ يخذُلُ العِدا / وفتحٌ يحلُّ المُغلَقاتِ من الأمرِ
وحسبُك فخراً كفُّكَ الموتَ عنهمُ / وحسبهُمُ ذاك الخُضوعُ من الأسْرِ
ألا فاِعْفُ عنهم إنّهم لَعبيدُكُمْ / وإنّ سَجايا العَفْوِ من شِيَمِ الحُرِّ
أمَا ومَواضي مُقلتَيْها الفواصِلِ
أمَا ومَواضي مُقلتَيْها الفواصِلِ / لَتَشبيهُها بالبدرِ تَحصيلُ حاصِلِ
وياقوتِ فِيها إنّ جوهرَ جِسمِها / لَكَالماءِ إلّا أنّه غيرُ سائلِ
ووَردِ مُحيّاها النّضيرِ لقدّها / هو الرُمحُ إلّا أنّه غيرُ ذابلِ
من العِين إلّا أنّها في كِناسِها / تُظلّلُها أُسْدُ الشّرى بالمَناصِلِ
كَعابٌ تمدّ الحَتفَ في أيّ ناظرٍ / منَ الغُنْجِ إذ ترنو لمُقلةِ خاذِلِ
ذكاءٌ حمَتْها الشمسُ وهْي أسنّةٌ / وقامت لديْها نَيّراتُ المَشاعِلِ
تظنّ رُغاءَ الرّعدِ زفرَة مُدنَفٍ / فترشُقُه حُرّاسُها بالمَعاسِلِ
وتحرُسُ عن مرِّ النّسيم توهّماً / بأنّ الصَّبا تُهدي إليها رَسائلي
بروحيَ منها حاجباً غُنجُ قوسِه / تسلَّمَه من طَرْفِها أيُّ نابِلِ
وقُضبانَ بلّورٍ بدَتْ في خَواتِم / وأعمدةً من فضّةٍ في خَلاخِلِ
وزَنْدَينِ لو لم يُمسَكا في دَمالجٍ / لَسالا من الأكمامِ سَيلَ الجَداوِلِ
فَما اِختالَ ظبيٌ قبلَها في مَدارِعٍ / ولا مالَ غُصنٌ يانعٌ في غَلائِلِ
أحنّ لمرأى خدِّها وهْو مصرَعي / وأعشَقُ منها الطَّرْفَ والطّرفُ قاتِلي
فوَا عجَبا أشقى بها وهْي جنّتي / ولم أقتنِصْها والظُّبى من حَبائِلي
وليلٍ غُرابيّ الخِضابِ كفَرْعِها / طويل كحَظّي لونُه غيرُ ناصِلِ
كأنّ الدّياجي منهُ سودٌ عَوابسٌ / وأنجمُه بيضُ الحِسانِ الثّواكلِ
قضى فجرُه نحباً فأحيَتْهُ فِكرَتي / وتَرمي الحَصى باليَعْملاتِ الذّوابلِ
وبتُّ وصَحبي كالقِسيّ من السُّرى / تجافَى الكَرى ميلُ الطُّلى والكَواهِلِ
وظِلْنا نُساقي في زُجاجاتِ ذِكرِها / حُميّا هَواها في نديِّ الرّواحِلِ
فمنْ مُدنفٍ صاح بنا مثل شارِبٍ / ومن معشرٍ منّا له زيُّ ذاهِلِ
فلَولا هَواها ما صبَوْتُ إلى الصّبا / ولا رحِمَتْ دَمعي رُعاةُ المَنازلِ
ولا قنَصَتْ أختُ الغَزالِ جوارِحي / ولا هيّجَتْ وُرْقُ الحَمامِ بَلابِلي
ولَولا رُقى السِحرِ المُبينِ بلَفظِها / لَما اِلتَذّ سَمْعي في أحادِيث بابِلِ
أيَلحَقُني في حُبِّها نقصُ سَلْوةٍ / إذاً فارَقَتْني نِسبَتي للفَضائِلِ
ولا صافَح الخطّيُّ منّي يَدَ النّدى / ولا عانَقَتْ جِيدَ المَعالي حَمائِلي
ولا نصَبَ البيضُ الجَوازِمُ رُتْبَتي / ولا رفعَتْها هِمّتي بالعَوامِلِ
وإنّي لظَمآنٌ إلى عذبِ منهَلٍ / حمَتْ شهدَهُ نُجْلُ الرِماحِ النّواهلِ
بحيثُ تَحوطُ الأُسْدُ مربَضَ باغِمٍ / وتوقِظُ طرْفَ المَوتِ دعوَةُ صاهِلِ
وما مَوْرِدي عذْبٌ إذا لم أرَ الظُّبى / تَشوبُ نُضاراً في لُجَينِ المَناهِلِ
سقى اللّه قوماً خيّموا أيمنَ الحِمى / وحيّا بشَرقيِّ الغَضا كُلَّ وابِلِ
وللّهِ أيّامُ السُرورِ وحبّذا / مَواسِمُ لذّاتِ الليالي الأوائِلِ
أمَا آنَ أن تَدنوا الديارُ فينجَلي / ظلامُ التّنائي في صباحِ التّواصُلِ
فحتّام تستَجْدي النّوى يمَّ مُقلَتي / فيرفِدُها دُرُّ الدُموعِ الهَوامِلِ
أكانَتْ جُفوني كلّما اِعترَض النّوى / بَنانَ عليٍّ والنّوى كفَّ سائِلِ
جَوادٌ إذا ضنّ الغَمامُ على الوَرى / تَوالَتْ يَداهُ بالغُيوثِ الهَواطِلِ
شريفٌ مُحلّى التّاجِ في حَلْي فضلِهِ / تُزانُ صُدورُ المَكْرُماتِ العَواطِلِ
له راحةٌ لو تَرضَع المُزنُ دَرَّها / سمَتْ باللآلي مُعْصِراتُ الحَوامِلِ
أحاطَتْ بأوساط الدُهورِ ووشّحَتْ / حُظوظَ الوَرى منها خُطوطُ الأنامِلِ
تلَذُّذُه بالبأسِ والعَفْو والتُقى / وبَذْلِ العَطايا لا بطِيبِ المآكِلِ
يهزّ اِفعُوانَ الرُمحِ في كفِّ ضيغَمٍ / ويُمسِكُ هزَّ السيفِ في بحرِ نائِلِ
يُقلِّبُ فيه الدّهْرُ أجفانَ حائِرٍ / ويرنو إليه الغيثُ في طَرْفِ آمِلِ
هُمامٌ يَصيدُ الأُسْدَ ثعلبُ رُمحِه / إذا الرُّبْدُ زُفَّتْ في بِرازِ الجحافِلِ
فما صارَ شيءٌ من عِداهُ بأرضِه / سِوى ما سَرى من لحمِهم في الحَواصِلِ
لطاعَتِه قامَتْ على ساقِها الوَغى / ونكّسَ ذُلّاً رأسَه كلُّ باسِلِ
وشُدّت على الأوساطِ من خدَمِ القَنا / لدَيْهِ زنانِيرُ الكُعوبِ العَوامِلِ
وليس اِضطِرابُ الريحِ خُلْقاً وإنّما / رمَتْها دَواعي ذُعْرِه بالأفاكِلِ
يرى زَورَة العافي ألَذَّ منَ الصَّبا / وأحسنَ من وَصْلِ الحبيبِ المُماطِلِ
هو المِصقَعُ اللَّسْنُ الّذي لبَيانِه / بنَظْمِ القَوافي مُعجِزاتُ الفَواصِلِ
وموضوعُ علمِ الفضلِ والعَلَمُ الّذي / عليهِ وُجوباً صحّ حملُ الفَواضِلِ
يُعدّي فِعالَ المَكرُمات بنَفسِها / إلى آملِيه لا بجَرِّ الوَسائلِ
مضى فعلُه المُشتَقُّ من مصدَر العُلا / فصحّ له منهُ اِشتِقاقُ اِسمُ فاعِلِ
تكادُ القَنا قَسراً بغيرِ تثقّفٍ / يقوّمُ منها عدلُه كلَّ مائِلِ
وإنْ تنحَني حَنيَ الأساوِر قُضبُه / لِما أثقلَتْها من دُخولِ القَبائِلِ
فلا تطلبوا يا حاسِدِيه اِغتيالَه / فتخطفكُم غُولُ الخُطوبِ الغَوائِلِ
ولا تنزِلوا أرضاً بها حلّ سُخطُه / فتنزِلَ فيكم صاعِقاتُ النّوازِلِ
تولّى بلادَ الحَوْزِ فلْيَخْلُ بالُها / وتفْرَغَ من بعدِ الهُمومِ الشّواغِلِ
لقد قرّ طُورُ المَجدِ فيها مكانَهُ / وقد كان دكّاً قبلَهُ بالمَنازِلِ
وفكّ عن المُلْكِ الوِثاقَ فأصبحَتْ / شَياطينُه من قَهرِه في سَلاسِلِ
وزال ظلامُ الغَيّ عن نيّر الهُدى / وحُكّمَ سيفُ الحقِّ في كلّ باطِلِ
فحسبُك يا بِكْرَ العُلا مَفخراً فقدْ / تزوّجْتَ منه بالكِرامِ الحلائِلِ
فَيا اِبْنَ حُسام المَجد والعامِلِ الّذي / به اِنصرفَتْ قَسْراً جميعُ القَبائِلِ
لقد فُقْتَ آباءَ الكِرامِ بوالِدٍ / به خُتِمَتْ غُرُّ الكِرامِ الأفاضِلِ
محلُّ سِماكِ الفَضْلِ مركزُ شمسِهِ / مقرُّ دَراري غامِضاتِ المَسائِلِ
صَفوحٌ صَدوقٌ حاكمٌ متشرّعٌ / عَفيفٌ شريفٌ ما له من مُماثِلِ
فقيهٌ حكيمٌ عالمٌ متكلّمٌ / ينصُّ على أحكامِه بالدّلائِلِ
مَناقِبُ فخرٍ حُزْتَها يا اِبنَهُ / وحسبُكَ فخراً ما به من شَمائِلِ
فلا زِلْتَ قُطباً ثابتاً في العلا ولا / برِحْتَ هِلالاً كاملاً غيرَ آفِلِ
يَلوحُ فتستَدْعي الفِراشَ وتَبْسُمُ
يَلوحُ فتستَدْعي الفِراشَ وتَبْسُمُ / فيفتَرُّ ثَغرُ الصُبْحِ والليلُ مُظلِمُ
وتُبدي ثَناياها لنا كَنْزَ جَوْهرٍ / فترصُدُها في فرعِها وهْوَ أرقَمُ
وتقضي فيَمشي السحرُ في غِمدِ فِتنةٍ / وترنو فيُضحي مُصْلَتاً وهْوَ مُحرِمُ
وتَسعى فتخشى الطّعْنَ من عِطفِ قدِّها / ورُبّ قَوامٍ وهْو رُمحٌ مُقوَّمُ
إمَا وحبابٍ وهو ثغرٌ مُفلَّجٌ / وجامِدِ خمرٍ وهْو خدٌّ معَنْدَمُ
لصِنوان مَسموم السِّهامِ ولحظُها / ومَبْسِمُها والجوهَرُ الفردُ توأمُ
وقامتُها والسّمهريُّ وإنّها / لأعدَلُ منه وهو في الفتكِ أظلَمُ
هي البدرُ في الإشراقِ لولا حِجالُها / وشمسُ الضُحى لولا السِجافُ المخيّمُ
وبيضُ الدُمى لولا البراقِعُ والحَيا / وظبيُ الحِمى لولا الثّوى والتكلّمُ
مَهاةٌ لديها السُمرُ في حرَمِ الهَوى / تُحلُّ دِماءَ الصَّيْد والبِيضُ تحرُمُ
تحفُّ الظِّباءُ العِينُ فيها إذا شدَتْ / وتزأرُ آسادُ الشّرا حينَ تَبغُمُ
فكمْ حوْلَها ليثٌ بحُلّة أرقَمٍ / يطوفُ وكم خِشفٍ بعينيهِ ضيغَمُ
تحامَى حِماها واِحْذَرِ الموتَ دونَها / فليس الحِمى إلّا الحِمامُ المرخّمُ
وما الحِبُّ إلّا أن يكون مزارُه / عَزيزاً إليه لا يَجوزُ التوهّمُ
بحيثُ الدمُ المحظورُ فيه محلَّلٌ / على السيف والماءُ المُباحُ محرَّمُ
وإنّا لَقومٌ قد نَشا في قُلوبِنا / بحبِّ الدِما والمَكرُماتِ التسَنُّمُ
ففي الدُرّ رُخْصٌ عندَنا وهْو جَوهَرٌ / ويغلو لدَينا قيمةً وهْو مَبسِمُ
نفِرُّ إذا يرنو غزالٌ مقنَّعٌ / ونسطو إذا يرنو هِزَبرٌ معمَّمُ
نُضاحِكُ ضوءَ البرقِ وهو مهنّدٌ / ونبكي نجيعاً وهْو ثغرٌ ملثّمُ
ونحذرُ من نَبلِ الرّدى وهْو أعيُنٌ / ونلْقاهُ في لَبّاتِنا وهْو أسهُمُ
ومحجوبةٍ لو ينظُرُ البدرُ وجهَها / لخرّ صريعاً واِنثَنى وهْوَ مُغرَمُ
إذا حدّثَتْ في بُقعةٍ أو تنفّسَتْ / ففي بابلٍ أو باِسْمِ دارِينَ تُوسَمُ
سَقى دارَها ماءَ الطُلى بارقُ الظُّبا / ففي التُربِ منها لا يَسوغُ التيمّمُ
ممنّعةٌ لا يُمكنُ الطّيفَ نحوَها / صُعودٌ ولو أن المجرّة سُلَّمُ
تأتّيْتُها والنّسرُ في الأفْقِ واقعٌ / وبيضُ حَمامِ الأنجُمِ الزُهْرِ تُرجَمُ
وبتْنا كِلانا في العَفافةِ والتُقى / أنا يوسُفٌ وهْي الكريمةُ مَريمُ
وما أنا ممّنْ يتّقي الحتْفَ إن بغى / مَراماً ولا يثنيهِ في الحُبِّ لوَّمُ
ورَكْبٍ تعاطَوا في الدُجى دلَجَ السُّرى / يميلونَ منْ سُكرِ الكَرى لم يهوّموا
سِهاماً على مثلِ القِسيّ اِرْتَمَتْ بهِم / يَؤمّون نَجداً والهَوى حيثُ يمّموا
تَراءَى لهُم قلبي أماماً فغرّهُم / وأوهمَهُم نارَ الغَضا فتوهّموا
أروحُ ولي رَوْحٌ إلى نحوِ رامةٍ / وآرامُها شوقاً تحِنُّ وترأمُ
وقلبٌ إلى نحوِ الحِجازِ وأهلِه / يغورُ به الوُدُّ الصّحيحُ ويُتْهِمُ
إذا مرّ ذكرُ الخَيفِ لو لم يكن به / ولاءُ عليٍّ كادَ بالنّارِ يُضرَمُ
جَوادٌ هَوى المعروفَ قبل رَضاعِه / ومال إلى حُبِّ العُلا قبلَ يُفطَمُ
هُمامٌ إذا قامتْ وغىً فهو ساقُها / وإنْ شمّرَتْ عن زَنْدِها فهْو مِعصَمُ
فتىً حُبُّه للمجدِ أفقدَهُ الغِنى / كما فقد السُّلوانَ صبٌّ متيّمُ
يلَذُّ دُعاءُ السامعين بسمعِه / كما لذّ في سمعِ الطَّروبِ الترنُّمُ
كَسا العِرضَ من حُسنِ الثّنا خيرَ حُلّةٍ / لها الفخرُ يُسدي والمَكارِمُ تُلحِمُ
له الطّعَناتُ النُّجْلُ تبكي كأنّها / عُيونٌ رأتْ يومَ النّوى فهْيَ تَسْجُمُ
ولا عجباً يَجري حَياً وهْو شُعلةٌ / ويَضرمُ ناراً في الوغى وهْو خِضْرِمُ
يَصولُ بفجرٍ كاذبٍ وهو صارمٌ / ويسطو بنجمٍ ثاقبٍ وهْو لهذَمُ
دنانيرُه صُفْرُ الوجوهِ لعِلمِها / بأنّ النّوى في شَملهِنّ محكَّمُ
إذا زارَه العافونَ يوماً تشتّتَتْ / كأدمُعِ صَبٍّ قد دعتْهُنّ أرسُمُ
فلو جلسَ الأقمارُ من حولِه دُجىً / دَرَوا أنّه المَولى وإنْ كان منهُمُ
ولو أنفقَتْها في الهِباتِ يَمينُه / لقلَّ لدَيها بَدرُها وهْوَ دِرْهَمُ
ولو كفِلَتْ أهلَ الهوى دِرعُ أمنِه / لردّتْ سِهامَ الأعيُنِ النُجْلِ عنهُمُ
حطَمْنَ عَواليهِ قَنا كُلِّ فتنةٍ / فكِدْنَ لِقاماتِ الدُمى البِيضِ تُحطَمُ
ورُدَّتْ سُيوفُ الجَورِ وهي كليلةٌ / فأوشَكْنَ حتّى أنصُلُ الغُنجِ تكْهَمُ
له بَيتُ مجدٍ شامخٌ في صعيدِه / تعفَّرُ آنافُ المُلوكِ وتُرغَمُ
تُطنِّبُه شمسُ الضُحى في حِبالِها / وتسمُكُه أيدي السِّماكِ وتدعَمُ
يودّ حَصاهُ الدهرُ لو أنّه غَدا / على جِيدِه عِقْداً يُناطُ ويُنظَمُ
وحسبُ الدُجى فخراً بحَصباءِ أرضِه / لو اِنتثرَتْ من فوقِه وهْي أنجُمُ
تُقبِّلُها الأفواهُ حتّى كأنّها / ثُغورُ الغَواني فهْي تُهوَى وتُلثَمُ
نجيبٌ نمَتْهُ الغُرُّ من آلِ حيدَرٍ / مُلوكٌ على كلِّ المُلوكِ تقدّموا
جِنانُ نَعيمٍ غير أنّ سُيوفَهُم / لتعذِيبِ أرواح الطُغاةِ جهنّمُ
مُزانونَ في حَلْي العُلا منذُ خلعِهم / تمائِمَهمْ بالمَكرُماتِ تختّموا
مَصاليتُ يومَ الكَرِّ من شِئتَ منهمُ / به يُصدَم الجيشُ اللُّهامُ ويُهزَمُ
مَضوا وأتى من بعدِهم فأعادَهُم / إلى أن رأى كلَّ الوَرى إنّهم هُمُ
تحدّر في الأصلابِ حتّى أتَتْ به / فكان هو السرُّ الخفيّ المُكتّمُ
أبوهُ ذُكاءٌ أعقبَتْ خيرَ أنجُمٍ / ولكنّه نجمٌ هو البدرُ فيهمُ
كريمٌ لديه زِدْتُ قدْراً ورِفعةً / وتكرمةً والحُرُّ للحُرِّ يُكرمُ
فلي كلَّ حينٍ منه لُطفٌ مجدَّدٌ / ولي كلَّ يومٍ من أيادِيه أنعُمُ
أمَولايَ يا مولايَ دعوةَ مُخلصٍ / حليفِ ولاً في وُدّه لا يُجَمْجِمُ
لقد أوجبَتْ نُعماكَ حجّاً وعُمرةً / على ذمّتي والحجُّ فرضٌ محتّمُ
فهل إذن لي أقضي حُقوقَ مناسكٍ / تُشاركُني فيها الثّوابَ ونَغنَمُ
ليَهنكَ صومُ الشهرِ وُفّيتَ أجرَهُ / وبالعزِّ عُقباهُ لك اللَّهُ يختمُ
وعودةُ عيدٍ قد تزيّن جيدُه / بطَوقِ هِلالٍ نُونُه ليس تُعجَمُ
هِلالٌ إذا قابلْتَه زال نقصُه / فيشرقُ ليلاً وهو بدرٌ متمَّمُ
يصوغ لوِردِ الليلِ مِخلبَ فضّةٍ / ولولاك أمسى وهْو ظُفرٌ مقلَّمُ
فلا زِلتَ تَكسو وجههُ مَنْ سَنا العُلا / ولا زال بالإقبالِ نحوكَ يخدُمُ
لعينيكَ يبدو وهْو قلبُ حَبيبِه / ويَلقى الأعادي وهْو سيفٌ مصمِّمُ
هذا الحِمى فاِنزِلْ على جَرعائِهِ
هذا الحِمى فاِنزِلْ على جَرعائِهِ / واِحْذَرْ ظُبا لَفَتاتِ عِينِ ظِبائِهِ
واِنشُدْ به قلباً أضاعَتْه النّوى / من أضلُعي فعَساهُ في وَعْسائِهِ
وسَلِ الأراكَ الغضَّ عن روحٍ شكَتْ / حَرَّ الجَوى فلجَتْ إلى أفيائِهِ
واِقصِد لُباناتِ الهَوى فلعلّنا / نَقضي لُباناتِ الفؤادِ التّائِهِ
واِضمُم إليكَ خُدودَ أغصانِ النّقا / واِلثِمْ ثُغورَ الدُرِّ من حَصبائِهِ
واِسْفَحْ بذاكَ السّفْحِ حول غَديرِه / دمعاً يعسجِدُ ذَوبَ فضّةِ مائِهِ
سَقياً له من ملعبٍ بعُقولِنا / وقُلوبِنا لعِبتْ يَدا أهوائِهِ
مغنىً به تهوى القُلوبُ كأنّما / بالطّبعِ يجذبُها حصى مَغنائِهِ
أرجٌ حكى نفَسَ الحَبيبِ نَسيمُهُ / يُذكي الهَوى في الصّبِّ بَردُ هَوائِهِ
نفَحاتُهُ تُبري الضّريرَ كأنّما / ريحُ القميص تهبّ من تلقائِهِ
فلتحْذَرِ الجَرحى به أن يسلكوا / يوماً فيشتاقوا ثَرى أرجائِهِ
عهدي به ونُجومُ أطرافِ القَنا / والبِيضُ مشرقَةٌ على أحيائِهِ
والأُسْدُ تزأرُ في سُروجِ جِيادِه / والعِينُ تبغَمُ في حِجالِ نِسائِهِ
والطّيفُ يَطرقُه فيعثُرُ بالرّدى / تحت الدُجى فيصدُّ عن إسرائِهِ
والظلُّ تقصرُه الصَّبا وتمدُّهُ / والطيرُ يعرِبُ فيه لحن غِنائِهِ
لا زالَ يَسقي الغَيثُ غُرَّ مَعاشرٍ / تَسقي صوارِمُهم ثَرى بَطحائِهِ
لا تُنكِرَنْ يا قلبُ أجرَك فيهِمِ / هُمْ أهل بَدرٍ أنت من شُهدائِهِ
لولا جُمودُ الدُرِّ بين شِفاهِهم / ما ذابَ في طَرْفي عقيقُ بُكائِهِ
للَّهِ نفسُ أسىً يصعِّدها الأسى / ويردّها في العَيْنِ كفُّ قَذائِهِ
حُبِسَتْ بمُقلتِه فلا من عَينه / تجري ولم تَرجعْ إلى أحشائِهِ
مَنْ لي بخِشفِ كِناسِ خِدرٍ دونَه / ما يُحجِمُ الضرغامُ دون لِقائهِ
أحوى حوى إلْفَ الجآذِر في الفَلا / والشيءُ منجذبٌ إلى نُظرائِهِ
حسنٌ إذا في ظُلمةِ اللّيلِ اِنْجلى / تعشو الفراشُ إلى ضياءِ بَهائِهِ
يُلقي شعاعُ الخدِّ منه على الدُجى / شفقاً يعصفِرُ طيْلَسانَ سمائِهِ
فالبرقُ منه يلوحُ تحت لِثامِه / والغصنُ منه يَميلُ تحت ردائِهِ
لا غَرْوَ إن زارَ الهلالُ محلّهُ / فشقيقُهُ الأسنى برُحْبِ سنائِهِ
أو نحوَهُ نسرُ النجومِ هَوى فلا / عجباً فبَيضتُهُ بخِدرِ خِبائهِ
أنيابُ لَيثِ الغابِ من حُجّابهِ / ولواحظُ الحرباءِ من رُقَبائِهِ
كم قد خلوْتُ به وصِدقُ عَفافِنا / يجلو دُجى الفحشاءِ فجرُ ضِيائهِ
ما لي وما للدّهرِ ليسَ ذُنوبُه / تفْنى ولا عُتبى على آنائهِ
يجني على فضلي الجَسيمِ بفضلِه / وكذا الجَهولُ الفضلُ من أعدائهِ
فكأنّما هو طالبي بقِصاصِ ما / صنعَتْهُ آبائي إلى أرْزائهِ
شِيَمُ الزّمانِ الغدرُ وهو أبو الوَرى / فمتى الوفاءُ يُرام من أبنائهِ
لحِقوهُ في كلِّ الصفاتِ لأنّهم / ظُرِفوا به والماءُ لونُ إنائِهِ
فعَلامَ قلبي اليومَ يجرَحُه النّوى / ولقد عهِدْتُ الصّبرَ من حُلَفائهِ
وإلى مَ نَدبي للديارِ كأنّه / فرضٌ عليّ أخافُ فَوْتَ أدائِهِ
يا حبّذا عيشٌ على السّفحِ اِنقضى / والدّهرُ يلحظُنا بعَينِ وفائِهِ
والشملُ منتظِمٌ كما اِنتظمَ العُلا / بِندى عليٍّ أو عُقودِ ثنائهِ
وليالياً بيضاً كأنّ وجوهَها / من فوقِها سحّت أكفُّ عطائِهِ
بحرٌ إذا ما مدّ فاِبنُ سحابِنا / يدري بأنّ أباهُ لجُّ سخائهِ
ذو فتكَةٍ إن كان باللّيثِ الفَتى / يُدعى مجازاً فهو من أسمائِهِ
وأنامِلٍ إن كان يُعرَفُ بالحَيا / فيضُ النّوالِ فهنّ من أنوائِهِ
ملكٌ يعوذُ الدينُ فيه من العِدى / فيَصونُ بيضتَهُ جناحُ لِوائِهِ
كالزَّنْدِ يُلهِبُه الحديدُ بقَرْعِهِ / فيكادُ يوري البأس من أعضائِهِ
يسطو بعزْمَتِه الجبانُ على العِدى / كالسّهمِ يحمِلُه جناحُ سوائِهِ
بالفضلِ قلّد فيه جِيدَ متوّجٍ / تُمسي الثُريّا وهْي قُرطُ علائهِ
مَنْ للهِلالِ بأن يَصوغَ سِوارَهُ / نَعْلاً فيمشي وهْو تحت حِذائِهِ
بل مَنْ لنعْشٍ أن تكونَ بناتُه / تُضحي لديه وهْيَ بعضُ إمائهِ
فطنٌ تكادُ العُميُ تُبصرُ في الدُجى / لو أنّها اِكتحلَتْ بنورِ ذكائِهِ
يرمي العيوبَ بذهنِ قلبٍ قُلَّبٍ / فتلوحُ أوجهُها له بصفائهِ
لو أنّ عينَ الشمسِ عن إنسانِها / سُئِلتْ لأهدَتْنا إلى سَودائِهِ
أو قِيلَ للمِقدارِ أين سهامُه / كانت إشارتُه إلى آرائهِ
يا طالبَ الدُرِّ الثّمينِ لحَلْيِهِ / لا تشتريه من سوى شُعرائهِ
أينَ اللآلي من لآلئ مَدحِه / ظفِرَتْ بها الأفكارُ من دأمائهِ
إنْ كُنتَ تجهلُ يا سَؤل صِفاتِه / فعليكَ نحنُ نقصُّ من أنْبائهِ
العدلُ والرأيُ المسدَّدُ والتُقى / والبأسُ والمعروفُ من قُرَنائِهِ
ذاتٌ مجرّدةٌ على كلّ الورى / صدقَتْ كصدقِ الكُلّ في أجزائهِ
انظُرْ مَغاضَتَهُ تَرى عجباً فقدْ / شملَ الغديرَ البحرُ في أثنائِهِ
فهْو ابنُ مَنْ سادَ الأنامَ بفضلِه / خلَفُ الكِرامِ الغُرِّ من أبنائهِ
صلّى ووالدُه المُجلّي قبلَه / فأتى المدى فخراً على أكفائِهِ
سِيّانِ في الشرفِ الرفيع فنَفْسُه / من نفسِه وعُلاهُ من عَليائِهِ
من آل حيدرةَ الألى ورثوا العُلا / من هاشمٍ والضّربَ في هيجائهِ
آلُ الرسولِ ورهطُه أسباطُه / أرحامُه الأدْنَوْنَ أهلُ عبائهِ
نسبٌ إذا ما خُطَّ خِلْتَ مِدادَهُ / ماءَ الحياةِ يفيضُ في ظَلْمائِهِ
نسبٌ يَضوعُ إذا فضَضْتَ خِتامَه / فيُعطِّرُ الأكوانَ نَشرُ كِبائِهِ
أينَ الكرامُ الطالبونَ لحاقَهُ / منهُ وأين ثَنايَ من نَعمائِهِ
يا أيّها المَولى الّذي بيمينِه / في المال قد فتكَتْ ظُبى آلائِهِ
سَمعاً فدَيْتُك من حَليفِ مودّةٍ / مدْحاً يَلوحُ عليهِ صِدقُ ولائِهِ
مدحاً تَميلُ له الطِباعُ كأنّني / أتلو عليهِ السحرَ في إنشائِهِ
بصفاتِك اللّاتي بهرْنَ مزَجتُه / فعبِقْن كالأفواهِ في صَهبائِهِ
فاِستَجلِه نظماً كأنّ عروضَه / زهَرُ الرُبا ورويّهُ كرُوائِهِ
واِسْرُرْ هِلالَ العيدِ منكَ بنظرةٍ / تكفيهِ نقْصَ التِمِّ من لألائِهِ
فجبينُك المَيمونُ يمنحُه السّنا / وعُلاكَ يرفعُه لأوجِ سنائِهِ
طلب الكمالَ وليس أوّلَ طالبٍ / وأتى إلى جَدواكَ باستجدائِهِ
واِظْهَرْ لهُ حتّى يراكَ فإنّه / صبٌّ كساهُ الشوقُ ثوبَ خَفائِهِ
ولَيَهْنِكَ الصّومُ المُباركُ فِطرُهُ / واللَّهُ يختِمُه بحُسنِ جزائِهِ
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا
مِيلوا بنا نحوَ الحجونِ ونكّبوا / حيثُ الهوى منه فثمّ المَطلَبُ
أُمّوا بنا أُمَّ القُرى فلعلّنا / ندنو إلى لَيلى الغَداةَ ونقرُبُ
وَصِفوا لسُكّانِ الصّفا كدَري عسى / أن يُنصِفوا يوماً فيَصفو المشرَبُ
وذَروا القُلوبَ الواجباتِ برَبْعِه / تقضي الحُقوقَ الواجبات وتندُبُ
وقِفوا على الجمَراتِ نسألُ مَنْ بها / عمّن لها بصُدورِنا قد ألهَبوا
واِرْعوا الجوارِحَ أن تصيّدَها المَها / فمنَ العُيونِ لها شِراكٌ تُنصَبُ
وتجسّسوا قلبي فإنْ لم تظفَروا / فيهِ بها وأنا الضّمينُ فحَصِّبوا
واِنحوا يَمينَ منىً فثمَّ منَ المُنى / سرٌّ بأحشاءِ المَنونِ محجَّبُ
واِهْوُوا سُجوداً في ثَراهُ وصدّقوا الر / رُؤيا بنحرِكُمُ القلوبَ وقرّبوا
يا ساكني جمعٍ وحقِّ جميعكُم / لَهوايَ بين شِعابِكم متشعِّبُ
أظَنَنْتُم أنّي أمَلُّ عذابَكُم / وعذابكُم يحلو لديّ ويعذُبُ
وجّهْتُمُ تِلقاءَ مَدْيَنِ حبّكم / قلبي فأصبحَ خائِفاً يترقّبُ
وأخذتُموهُ في قِصاص خُدودِكم / وهو البَريُّ وطَرفُ عَيني المُذنِبُ
إنّي لأعجَبُ من كِلام ظِبائِكُم / وطلوعُ أنجُمِكم ضُحىً هو أعجَبُ
أستغربُ الأسنان تُنبتُ لؤلؤاً / وتصوّرُ الألفاظَ دُرّاً أغرَبُ
والقلبُ تحرُسُهُ مَعاصمُ ريمِكُم / ويزيدُ في نُطقِ الوشاحِ الرَبرَبُ
يبدو بحبّكُمُ الغزالُ مبرقعاً / ويميلُ غصنُ البان وهو معصَّبُ
أقمارُكم فوقَ الأهلّةِ طُلَّعٌ / وشُموسُكُمْ تحت الأكِلّة تَغرُبُ
صُنتُم ثُغورَ الحُسنِ عن جُندِ الهَوى / فحميتُموها في جُفونٍ تضربُ
للَّه مغنىً في الحِمى بخدورِه / يكفُلْنَ بيضاتِ النّعامِ الأعقُبُ
مغنىً تُشاهَدُ في مواقف حيّه ال / آسادُ تمرَحُ والجآذِرُ تلعبُ
نُزُلاً يُضيءُ كأنّ ملعَبَ سربِه / فلَكٌ بأقمارِ الظّلامِ مُكَوكَبُ
أفدي بُدورَ سَراةِ حيٍّ فوقَه / ضربوا القِبابَ على الشموسِ وطنّبوا
ونُجومَ حُسنٍ تحتمي بأهلّةٍ / أجرَتْ ضِياها في الشّبيبةِ أقضُبُ
ومعاشِرٍ فضلاتُ قصدِ رماحِهم / يومَ القِرى تكفيهِم أن يخطُبوا
نصبوا السّحابَ الصاعِقاتِ فقلّدوا / منها ومن فوقِ البُروقِ تنقّبوا
يا حبّذا عصرٌ مضى لا عَيبَ في / عُقباهُ إلّا أنّه لا يُعقبُ
أزكى وألطَفُ من رسائِل عاشقٍ / آصالُه وأرقُّ ممّا يُنسَبُ
فإلى مَ يمطُلُني الزّمانُ بعَوْدِه / هيهاتَ ليس بعائِدٍ ما يذهَبُ
وعْدُ الزّمانِ إذا تحقّق صِدْقُه / فعساهُ من فلَقِ الدُّجنّة أكذَبُ
عجباً لهذا الدّهرِ يغدُر بالفتى / ويَسوءُ نفسَ المرءِ وهْو محبَّبُ
لم يُرْوِ منتجِعاً رَشاشُ سحابةٍ / لولا نوالُ أبي الحُسينِ الصيّبُ
ملكٌ تَزينُ الدّهرَ حِليةُ فضلِه / ويفوزُ بالشّرفِ الرفيعِ المنصبُ
حرٌّ إذا نسبوا الكِرامَ يَفوحُ من / أنسابِه عبَقُ النّبيّ الأطيَبُ
نسبٌ لوَ اِنّ الفجرَ حاز ضياءَهُ / عاش الضُحى أبداً ومات الغَيهَبُ
أو في الدُجى عن نورِه كُشِفَ الغطا / قامت له الحِرباءُ ليلاً ترقُبُ
من آلِ حيدرَةَ الغطارفةِ الأُلى / فرضوا على الذِمَمِ النّوالَ وأوجَبوا
قومٌ همُ الأمطارُ إن فُقِدَ الحَيا / وهمُ الصّواعقُ في الورى إن حُوربوا
الناثرو عِقدَ الطُلى إن قوتِلوا / والناظِمو دُرَّ العُلا إن خُوطِبوا
بشرٌ تكوّن من ندىً وسماحةٍ / فلِذا جوانبُه تَلينُ وتصعُبُ
ليثٌ يهزُّ يَداهُ شُعلةَ صارِمٍ / ماءُ المَنونِ يكادُ منها يشربُ
نهرٌ من الفولاذ أصبح جارياً / منهُ الفرِندُ وشبّ منه المضرِبُ
عدلٌ له صفةُ الزّمانِ إذا قضى / بالسيف يخفِضُ من يَشاءُ وينصِبُ
يقضي بصرْفِ الجمعِ عادلُ رُمحِه / ولدَيه يَبني المجدَ ماضٍ مُعرَبُ
هذا وحيدُ العصر فاضلُه فإن / شكّكْتُمُ فاِبْلوا الأنام وجرّبوا
لا يُشكَرُ النادي ويعبَقُ طيبُه / إلّا إذا غنّى ثناهُ المُطرِبُ
بحرٌ إذا سُئِلَ النّوالَ فدُرُّه / يطفو ودُرُّ البحرِ فيه يَرسُبُ
تَقفوهُ من فتحِ العقابِ عِصابةٌ / ويحفّ فيه من الضّراغِم موكِبُ
غازٍ إذا في اللّيل صلّتْ قُضبُه / غنّى الحمامُ به وصاح الحُندَبُ
يفترّ مُبتسماً فيُصبحُ مالُه / يبكي ويرضى السيفُ لمّا يغضبُ
فطنٌ لفكرتِه بكلّ بديعةٍ / لفٌّ ونشْرٌ في الأمورِ مرتّبُ
يصفرُّ وجهُ التّبرِ خيفةَ بذلِه / فيكادُ جامدُه يسيلُ ويذهَبُ
لو كان شمساً لم يسعْهُ مشرقٌ / ولَضاقَ عن كتمِ الشُعاعِ المَغرِبُ
أو حازَ وجهُ الدّهْر أدنى بشْرِهِ / ما بان فيه من الخُطوبِ تقَطُّبُ
يا اِبْنَ الّذي في عِلمِه وحُسامِه / عُرِفَ الإله وبان فيه المذهبُ
لم تتّخذْ غيرَ المهنّدِ في الوغى / إلْفاً ولا غيرَ المثقَّفِ تَصحَبُ
ولَرُبَّ معترَكٍ كأنّ قَتامَهُ / والبيضُ تلمعُ فيه نورٌ أشيَبُ
تبكي بموقفِه الطُلى وفمُ الرّدى / بالضّربِ يبسِمُ منه ثغرٌ أشنَبُ
صامَتْ صوارمُه وصلّتْ قُضبُه / فالهامُ تسجدُ والمنايا تخطُبُ
كم فيه ألقى من غديرِ مُفاضةٍ / يبدو عليه من صَداها الطّحْلُبُ
أورَدْتَ فيه السيفَ وهْو حديدةٌ / وصدرْتَ وهْو من النّجيع مذهّبُ
وتركْتَ فيه من الرؤوس صوامِعاً / صلّى عليها القشْعَمُ المترهِّبُ
وركبْتَ تلحقُك النسورُ وإنّما / يسري وراها في حشاها المقنَبُ
للّه دَرُّك من فتىً لم تترُكَنْ / شيئاً من المجدِ المؤثّلِ يُطلَبُ
صيّرْتَ سيفَك يا عليُّ إلى العُلا / فركِبْتَ منه غضنْفَراً لا يُركَبُ
ما فوّق المِقدارُ سهماً صائِباً / فرمى به إلّا ورأيُكَ أصوَبُ
مولايَ سَمعاً من رقيقٍ مُخلصٍ / مدْحاً له الودُّ الصحيحُ يهذِّبُ
مدحاً غَدا هاروتُ عندَ نشيدِه / للسّحرِ من ألفاظِه يتكسّبُ
تَحكي فرائِدُه العُقودَ وإنّما / أبكارُها مكنونةٌ لا تُثقَبُ
فأجِلْ بها فِكراً ولا تغترَّ في / برقٍ سواهُ فإنّ ذلك خُلَّبُ
وتَهَنَّ بالعيد الّذي لولاكَ ما / عادَ الأنامُ فكرّروه ورحّبوا
وتوفَّ أجْرَ صيامِه وفِطارِه / قلبَ العِدا واِلْبَسْ عَلالاً يُسلَبُ
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه / وصحا فحيّاهُ النسيمُ بخمرِهِ
وصغى إلى رجعِ الحمام بسجعِهِ / فأهاجَتِ البَلوى بلابِلُ صدرِهِ
وسقَتْهُ ممرَضَةُ الجُفونِ فقلبُه / صاحٍ يرقّصُهُ الخُفوقُ لسُكرِهِ
ونسجْنَ ديباجَ السّقامِ لجسمِه / بيضُ الخُصورِ فسربَلَتْهُ بصُفْرِهِ
ووشَتْ له سُودُ العيونِ بهديها / وشيَ الحَمامِ فقمّصَتْهُ بحُمْرِهِ
وحَلا له في الحبِّ خلعُ عِذارِه / فجَلا ظلامَ العدل نيّرُ عُذرِهِ
ودنا الفِراقُ وكان يبخلُ قبلَهُ / بلُجَين مدمَعِه فجادَ بتِبرِهِ
وبَدا له برقُ العَقيق فظنّه / بيضَ الثّنايا وهْيَ لمعةُ تِبرِهِ
ورأى بها شِبهَ النجومِ فخالَها / قبَساتِ نارٍ وهْي أوجُهُ غُرِّهِ
للَّه أيّامُ العقيقِ وحبّذا / أوقاتُ لذّاتٍ مضَتْ في عصرِهِ
ثغرٌ يُجابُ صهيلُه بصهيلِه / ويُجيبُ باغِمَهُ الهزَبرُ بزأرِهِ
تَحمي أسودُ الغاب خِشفَ كِناسِه / ويضُمُّ ريشُ النّبْلِ بيضةَ خِدرِهِ
لا فرقَ بين وصولِ طوقِ قَناتِه / للطّالبين وبينَ هالةِ بَدْرِهِ
أقمارُه حملَتْ أهلّةَ بِيضِه / وشُموسُه حُرِسَتْ بأنجُم سُمرِهِ
حرمٌ مَنيعُ الحيّ قد كمن الرّدى / بجُفونِ شادِنه ونابِ هِزَبْرِهِ
هو ملعبُ البيضِ الحوالي فاِلتقِطْ / منه اللآلي واِنتشِقْ من عِطرهِ
إيّاكَ تقربُ ورْدَ منهلِ حيّه / فالموتُ ممزوجٌ بجرعةِ خُصْرهِ
تهَبُ الظُماةُ به لطالوت الرّدى / بحرَ النّجيع بغرفةٍ من نهرهِ
سلْ يا حَماكَ اللَّهُ عن خبَر الحِمى / نفَسَ الشِّمالِ فقد طَواهُ بنَشْرِهِ
واِستَخبِر البَرْقَ الضحوكَ إذا اِنْبرى / شطرَ اللّوى عمّن حكاه بثغرِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإنّهُم / سلَبوا فؤادَ الصّبِّ ملبَسَ صبرِهِ
لولا اِنتظامُ الدُرِّ بين شفاهِهم / ما جادَ ناظمُ عَبرَتي في نثرِهِ
وبمهجَتي الرَّكْبُ المعرَّضُ للحِمى / وبُدورُ تِمٍّ في أكلّةِ سِفرِهِ
جعلوا عليَّ بقاءَ روحي منّةً / أوَ ما رآها ركبُهمْ في إثرِهِ
كيفَ البَقاءُ وفي غفائِر بيضِهم / ساروا عن المُضنى بألْيَلِ عُمرهِ
لا تطلبنّ القلبَ بعد رحيلهم / منّي فقد ذهبَ الأسيرُ بأسْرهِ
قالوا الفِراقُ غداً فلاح لناظري / صُوَرُ المَنايا في سُحيّرِ فَجرِهِ
يا ليتَ يوم البينِ من قبلِ النّوى / لم تسمحِ الدُنيا بمولِدِ شهرِهِ
يوماً علينا بالكآبةِ والأسى / شهدَتْ جَوارحُنا بموقفِ حَشرِهِ
كيف السُّلوُّ وليس صبرُ أخي الهَوى / إلّا كحظِّ أخي النُهى في دهرِهِ
فإلى مَ أرجو الدّهرَ يُنجزُ بالوَفا / وعدي فتعرِضُ لي مكايِدُ غَدرِهِ
لا شيءَ أوهى من مواعِدِه سوى / دعوى شريكِ أبي الحُسين بفخرِهِ
ملكٌ إذا حدَثُ الزّمان لنا قَضى / أمضى مُضارعَهُ بصيغةِ أمرِهِ
فرعٌ إلى نحوِ العُلا يسمو به / أصلٌ رَسا بين النبيّ وصهرِهِ
نورٌ إذا ما بالوصيّ قرَنتَه / أيقَنْتَ أنّ ظُهورَه من ظهرِهِ
حرٌّ لو اِنتظَمَتْ مفاخِرُ هاشمٍ / بقِلادةٍ لرأيتَها في نحرِهِ
لا يُدركنَّ مديحَهُ لسِنٌ ولو / نظمَ الكواكبِ في قلائِدِ شِعرِهِ
للّه بينَ بيانهِ وبنانِه / كنزٌ أفادَ السائِلينَ بدُرّهِ
لو كان للبحرِ الخضَمِّ سماحُه / لم يخزُنِ الدُرَّ اليتيمَ بقَعرِهِ
سمحٌ لو اِنّ النيّراتِ جواهرٌ / قذفَتْ بها للوَفدِ لجّةُ بحرِهِ
يعطي ويحتقر النّوالَ وإنْ سَما / فيرى الثُريّا في أصاغِرِ صِرِّهِ
خطب العُلا فتطلّقَتْ أموالُه / منه وزوّجَه النّوالُ ببِكرهِ
تاللَّهِ ما سيفُ الرّدى بيدِ القَضا / يوماً بأفتَكَ من نَداهُ بوَفرِهِ
لو تلمِسُ الصّخرَ الأصمّ يَمينُه / لتفجّرَتْ بالعَذْبِ أعيُنُ صخرِهِ
قتلَتْ مهابتُه العدوَّ مخافةً / فكفَتْ صوارِمَهُ أسنّةُ ذُعرِهِ
بطلٌ إذا في الضّربِ ألهبَ مارِقاً / خِلْتَ الكواكبَ من تَطايُر جَمرهِ
فسلاحُ ليلِ الحتْفِ مِخلَبُ سيفِه / وجَناحُ طيرِ النُّجْحِ رايةُ نصرِهِ
بحرٌ إذا خاضَتْهُ أفكارُ الوَرى / غرِقَتْ به قبلَ البلوغُ لعِبْرِهِ
فطِنٌ يكادُ الليلُ يُشرِقُ كالضُحى / لو أنّ فكرَتَه تمرُّ بفِكرِهِ
آيُ الفَصاحةِ إن يخُطَّ يَراعُهُ / لم تَبدُ أنجمُها بظُلمةِ حِبرِهِ
ترك المواكبَ كالكواكِبِ فاِهتدى / فيهنّ مَنْ يَسْري لمَشرِقِ يُسْرِهِ
غيثٌ يكادُ التِّبرُ ينبُتُ بالرُبى / كالنورِ لو وُسِمَتْ بلؤلؤِ قَطْرِهِ
لو أنّ للأعناقِ منها ألسُناً / نطَقَتْ بأفواهِ الجُيوبِ بشُكرِهِ
لم يغشَ وجهَ الأفْقِ حتّى ينطوي / كلَفُ الدُجى لو حاز رونَق بِشرِهِ
سامٍ يمُدُّ إلى العُلا باعاً طوتْ / مجرى الدّراري السبْعِ خُطوةُ بِشرهِ
من آلِ حيدرَةَ الأُلى اِزدانَ العُلا / فيهم كما اِزْدانَ الرّبيعُ بزَهرِهِ
غُرٌّ إذا منهم تولّدَ كوكَبٌ / حسدَتْ شُموسُ الأفْقِ مفخَرَ ظِئْرِهِ
قفرٌ لوَ اِنّهُمُ جلَوْا أحسابَهم / في اللّيل لاشتبَهَتْ بأضوإِ زَهرِهِ
من كلِّ أبلَجَ في ذُيولِ قِماطِه / علقَ العُلا ونَشا السّماحُ بحِجْرِهِ
لم يبكِ وهْوَ على حَشيّةِ مهدِه / إلّا لحُبِّ ركوبِ صهوَة مُهرِهِ
للَّه دَرُّك يا عليُّ ففضلُهُم / بك فُصِّلَتْ آياتُ مُحكَمِ ذِكرِهِ
اللّهُ حَسبُك كيف سِرْتَ إلى العُلا / ما بينَ أنيابِ الحِمامِ وظُفْرِهِ
لولاكَ قُدْسُ المجدِ أصبحَ طورُه / دكّاً يموجُ وخرَّ موسى قدْرِهِ
قامت بنجدتِه سيوفُك فاِغْتدَتْ / بالنّصرِ تبسِمُ كالثّغورِ بثغرِهِ
جرّدْتَها فرجَمْتَ شيطانِ العِدا / بنُجومِها ودحَرْتَ ماردَ شرِّهِ
قُضُبٌ إذا رأتِ الأسودُ فرِنْدَها / شهِدَتْ مَناياها بأيدي ذرِّهِ
مولايَ سمعاً من رَقيقِك مِدحةً / هي بنتُ فكرتِه ودُميةُ قَصْرِهِ
بِكرٌ يحجِّبُها الجَمالُ وإنْ بدَتْ / ويصونُها خفرُ الدّلالِ بسَتْرِهِ
لو كان تخطِبُها النُجومُ لبَدرِها / حاشاكَ لم تُعْطِ القَبولَ لمَهْرِهِ
فاِستجلِها عذراءَ هذّبَ لفظَها / طبعٌ أرقُّ من النّسيمِ بمرّهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ المباركُ صومُه / وجزاكَ ربُّك عنه أفضلَ أجرِهِ
شهرٌ لوَ اِنّ من الوَرى أوقاتُه / عُدّتْ لرُحْتَ وأنت ليلَةُ قَدْرِهِ
واِسْعَدْ بعِيدٍ أنت فينا مِثلُه / واِفْطُرْ قُلوبَ المعتَدين بفِطرِهِ
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا / فمَحَوا بأنجُمِها مصابيحَ المُنا
وبَنوا الحِجالَ على الشّموسِ فوكّلوا / شُهْبَ السُّهاءِ برَجْمِ زوّارِ البِنا
وجلَوْا بتيجانِ التّرائِبِ أوجُهاً / لو قابلَتْ جيشَ الدُّجنّةِ لاِنْثَنا
وجرَوْا إلى الغايات فوقَ سوابِقٍ / لو خاضَ عِثيَرَها النهارُ لأوهَنا
للّهِ قومٌ في حبائِلِ حُسنِهم / قنصوا الكَرى لجفونِهم من عِندنا
غُرٌّ رَبارِبُهُم وأُسْدُ عرينِهم / سلّوا المَنونَ وأغمدوها الأجفُنا
إن زارَهُم خصْمٌ عليه نضوا الظُّبا / أو مُدنفٌ سلّوا عليهِ الأعيُنا
لم تلقَهُم إلّا وفاجاكَ الرّدى / من جَفنِ غُصْنٍ هُزَّ أو ريمٍ رَنا
تُثْنى الظُّبا تحتَ السّوابِغِ منهُمُ / سُمرَ الرِّماحِ وفي الغلائِلِ أغصُنا
من كلِّ محتجِبٍ تبرّجَ في العُلا / أو كُلِّ سافِرةٍ يحجِّبُها السّنا
نُهدى بلَمعِ نُصولِهم لوصولِهم / ونرى ضِياءَ وجوهِهم فتصُدَّنا
قسَماً بقُضْبِ قُدودِهم لخُدودِهم / كالوردِ إلّا أنّها لا تُجتَنى
كم مات خارجَ حيّهم من مُدنَفٍ / والروحُ منه لها وجودٌ في الفَنا
أسكنْتُهُم بأضالِعي فبُيوتُهم / بطُوَيلعٍ وشُموسُهُم بالمُنْحَنا
يا صاحِ إن جِئتَ الحجازَ فمِلْ بِنا / نحو الصّفا فهَوايَ أجمعُهُ هُنا
فتّشْ عَبيرَ ثَراهُ إن شِئتَ الثّرى / فالدُّرُّ حيثُ به نثَرْنا عتْبَنا
واِنشُدْ به قلبي فإنّ مُقامَه / حيثُ المَقامُ به الحجونُ إلى مِنى
وسلِ المضاجِعَ إن شكَكْتَ فإنّها / منّا لَتَعْلَمُ عفّةً وتديُّنا
يا أهلَ مكّةَ ليت مَنْ فلَقَ النّوى / قسمَ المحبّةَ بالسّويّةِ بينَنا
أطلقْتُمُ الأجسامَ منّا للشّقا / ولديكُمُ الأرواحُ في أسرِ العَنا
أجفانُكُمْ غَصَبَتْ سَوادَ قُلوبِنا / وخُصورُكم عنهُ تعوِّضُنا الضّنا
عن رِيّ غُلَّتِنا منعتُم زمزَماً / ورمَيتُمُ جَمَراتِ وجدِكمُ بِنا
ظبياتُكُم أظمأنَنا وأُسودُكم / بجداوِلِ الفولاذِ تمنعُ وِرْدَنا
ما بالُ فجرِ وصالِكُم لا ينجلي / وقُرونُكم سلبتْ ليالي بُعدِنا
أبِزَعْمِكُم أنّا يغيّرُنا النّوى / فوَحقِّكُم ما زالَ عنكمُ عهدُنا
أنخونُكُم بالعَهدِ وهْو أمانةٌ / قبضَتْ خَواطِرُنا عليهِ أرهُنا
أُخفي مودَّتَكُم فيظهَرُ سرُّها / والرّاحُ لا تَخفى إذا لَطُفَ الإنا
بِكُمُ اتّحدْتُ هَوىً ولو حيَّيْتُكُمْ / قلتُ السلامُ عليّ إذ أنتمْ أنا
للّه أيّامٌ على الخَيْفِ اِنقضَتْ / يا حبّذا لو أنّها رجعَتْ لنا
أيّامُ لهْوٍ طالما بوُجوهِها / وضَحَتْ لنا غُرَرُ المحبّةِ والهَنا
وسَقى الحيا غدَواتِ لذّاتٍ غدَتْ / فيها غُصونُ الأُنسِ طيّبةَ الجَنا
وظِلالَ آصالٍ كأنّ نسيمَها / لأبي الحسينِ يهُبُّ في أرَجِ الثَنا
ملِكٌ جلالتُه كَفَتْهُ وشأنُه / عن زينةِ الألقابِ أو حَلْيِ الكنى
سمْحٌ إِذا أثنى النّباتُ على الحيا / قصدَ المَجازَ بلفظِهِ ولهُ عَنا
قِرْنٌ لديه قِرى الجُيوشِ إذا به / نزلوا فُرادى الظّعنِ أو حِزبٍ ثُنا
للفخرِ جَرْحاهُ تلَذُّ بضَرْبه / والبُرُّ يُرضي الجُرْبَ في ألَم الهَنا
تُمسي بأفواهِ الجِراحِ حرابُه / تُثْني عليه تظنُّهُنَّ الألسُنا
سجدَتْ لعزْمتِه النِصالُ أمَا تَرى / فيهنّ من أثَرِ السُجودِ الإنحِنا
وهوَتْ عواليه الطِعانَ فأوشَكَتْ / قبلَ الصّدورِ زجاجُها أن تطعَنا
بيتُ القصيد من المُلوكِ وإّما / يأبى عُلاه بوزنِهم أن يُوزَنا
يَصبو إلى نُجُبِ الوفودِ بسَمْعِه / طَرَباً كما يَصبو التّريفُ إلى الغِنا
متسرِّعٌ نحو الصّريخِ إذا دعا / مترفِّقٌ فيه عن الجاني وَنا
فالوُرْقُ تُشفِقُ منه يُغرِقُها النّدى / فلِذاكَ نلجأُ في الغُصونِ لتأمَنا
والنارُ من فزَعِ الخُمودِ بصوبِه / فزِعَتْ إلى جوفِ الصخورِ لتكْمُنا
والمُزْنُ من حسدٍ لجودِ يَمينه / تَبكي أسىً وتظنُّها لن تَهتِنا
بطلٌ تكادُ الصّاعِقاتُ بأرضِه / حذَراً لصوتِ الرّعدِ أن لا تُعلِنا
لو أكرَمَ البحرُ السّحابَ كوَفدِه / للدُّرِّ عنّا كادَ أن لا يخْزُنا
أو يَقتَفيهِ البدرُ في سعي العُلا / لم يرضَ في شرفِ الثُريّا مَسكنا
أو بِعْنَ أنفُسَها الأهلّةُ صفقةً / منه بنعلِ حذائِه لن تُغبَنا
حُرِسَتْ عُلاهُ بالظُّبا ففُروجُها / تحكي البُروجَ تحصُّناً وتزيُّنا
لا يُنكِرَنّ الأفْقُ غبطَتَهُ لها / أوَ ليسَ قد لَبسَ السّوادَ تحزُّنا
تقفُ المنيّةُ في الزّحامِ لديه لا / تسعى إلى المهجاتِ حتّى يأذَنا
نفذَتْ إرادَتُه وألقَتْ نحوَهُ الد / دُنيا مقاليدَ العُلا فتمكّنا
فإذا اِقتضى إحداثَ أمرٍ رأيُه / لو كان ممتنِعَ الوجودِ لأمكَنا
يا مَنْ بطَلعَتِهِ يَلوحُ لنا الهُدى / وبيُمنِ رؤيتِه نَزيدُ تيمُّنا
ما الروحُ منذُ رحلْتَ إلّا مُهجةٌ / بكَ تُيِّمَتْ فخُفوقُها لن يَسْكُنا
أضناهُ طولُ نَواكَ حتّى أنّه / دلّ النحولُ على هَواهُ وبرهَنا
أخفى الهُدى لمّا اِرتحَلْتَ منارُه / فحلَلْتَ فيه فلاحَ نوراً بيّنا
قد كنتَ فيه وكان صُبحاً مشرِقاً / حتّى اِرتحلْتَ فعاد ليلاً أدكَنا
سلبَ البلا مُذ غِبْتَ ملبَسَ أرضِه / فكسَتْهُ أوبَتُكَ الحريرَ ملوَّنا
فارَقْتَه فأباحَ بعدَك للعِدى / منهُ الفُروجَ وجِئتَه فتحصّنا
أمسى لبُعدِكَ للصّبابةِ مَحزَناً / والآن أصبحَ للمسرّةِ مَعْدِنا
لا أوحشَ الرحمنُ منكَ رُبوعَهُ / أبداً ولا برحَتْ لمجدِكَ موطِنا
مولاي لا برِحَ العِدى لكَ خُضَّعاً / رَهَباً ودانَ لك الزّمانُ فأذْعنا
هبْ أنّهم سألوكَ فاِحسِنْ فيهم / لِرِضا الإلهِ فإنّه بكَ أحسَنا
لا تعجبنّ إذا اِمتُحِنْتَ بكَيدِهم / فالحُرُّ ممتَحَنٌ بأولادِ الزِّنا
فاِغضُضْ بحِلمِكَ ناظراً متيقّظاً / واِجْمَعْ لرأيكِ خاطِراً متفطِّنا
واِغفِرْ خطيئَةَ مَنْ إذا عُذْراً بَغى / وهْو الفَصيحُ غَدا جباناً ألْكَنا
إنّي لأعْلَمُ أنّ عنكَ تخلُّفي / ذَنْبٌ ولكنّي أقولُ مُضمِّنا
أضحى فراقُك لي علَيْهِ عُقوبةً / ليس الّذي قاسَيْتُ منه هيّنا
لا زالَ فيكَ المجدُ مبتهِجاً ولا / فَجعَتْ بفُرقَتِكَ العُلا نُوَبُ الدُّنا
عرّج على البانِ واِنُشُدْ في مَجانِيهِ
عرّج على البانِ واِنُشُدْ في مَجانِيهِ / قلباً فقد ضاعَ منّي في مَغانيهِ
وسَلْ ظِلالَ الغَضا عنه فثَمَّ لهُ / مثوىً بها فهَجيرُ الهَجْرِ يُلْجيهِ
أو لا فسَلْ منزلَ النّجوى بكاظمةٍ / عن مُهجَتي وضَماني إنّها فيهِ
واِقْرَ السلامَ عُرَيبَ الجِزع جمعَهُمُ / واِخضَعْ لهم وتلطّفْ في تأدّيهِ
وحيّ أقمارَ ذاك الحيّ عن دنَفٍ / يُميتُه الليلُ فِكراً وهْو يُحييهِ
واِنْحُ الحِمى يا حَماكَ اللّهُ مُلتَمِساً / فكّ القلوبِ الأسارى عندَ أهليهِ
للَّه حيٌّ إذا أقمارُهُ غربَتْ / أغنَتْكَ عنها وُجوهٌ من غَوانِيهِ
مغنىً إذا اِرْتادَ طَرْفي في ملاعِبِه / حسِبتُهُنّ عُقوداً في تَراقيهِ
جَمالُ كلِّ أسيلِ الخدِّ يجمعُه / وقلبُ كلِّ أسيرِ الوجهِ يَحْويهِ
تمشي كُنوزُ الثّنايا من عقائِلِه / مرصودةً بالأفاعي من عَواليهِ
لولا النّوى وجليُّ البَيْنِ لاِلتَبَسَتْ / عواطِلُ السِّربِ حُسناً في حَوالِيهِ
إذا بمَجرى الظِبا تَجري ضراغِمُهُ / أثارَتِ الخيلُ نقْعاً من عَواليهِ
قد يكتفي المُجرمونَ النّاكِسونَ إذا / هبّ النّسيمُ عليهِمْ من نَواحيهِ
مذ حرّمَتْ قُضبُه مسَّ الصّعيدِ على / باغي الطّهورِ ودَمعي ماءُ وادِيهِ
سَقى الحَيا عزَّ أقوامٍ صَوارمُهُم / عن مِنّةِ الغيثِ عامَ الجدبِ تُغنيهِ
يا نازِحينَ وأوهامي تقرّبُهُم / حُوشِيتُم من لَظى قَلبي وحُوشِيهِ
عسى نسيمُ الصّبا في نشرِ تُربتِكُم / يعودُ مَرضاكُمُ يوماً فيَشْفيهِ
مَن لي به من ثَراكُم أن يحدّثني / بِما عليه ذُيولُ العَين ترويهِ
وحقِّكمْ إن رضيتُم في ضَنى جَسَدي / بحبِّكُم لوجودي في تفانِيهِ
أفري الجُيوبَ إذا غِبتُم فكيفَ إذا / بِنتُم فمِنْ أينَ لي قلبٌ فأفريهِ
بالنَفسِ دُرّاً بسَمعي كُنتُ ألفِظُه / منكم وَوَرْداً بعَيني كُنت أجنِيهِ
اللّهَ يا ساكِني سَلعٍ بنفسِ شجٍ / على الطّلولِ أسالَتْها مآقِيهِ
عانٍ خُصورُ الغواني البيضِ تُنحِلُه / وبيضُ مَرضى الجُفونِ السودِ تَبريهِ
يَرعى السُها بعُيونٍ كلّما اِلتفتَتْ / نحو العقيقِ غدَتْ في الخدِّ تُجريهِ
يهزّهُ البانُ شوقاً حين تَفهَمُه / معنى الإشارة عنكمْ في تَثَنّيهِ
تبدو بُدورُ غوانيكُم فتوهِمُه / بأنّهنّ ثَناياكُم فتُصبيهِ
هَوى فأضحى بمَيدانِ الهَوى هدَفاً / فعينُكُم بسِهامِ الغُنْجِ تَرميهِ
يوري النّوى أيَّ نارٍ في جوانحِه / أمَا تَرَوْنَ سَناها في نَواصِيهِ
رَعْياً لمنزلِ أُنسٍ بالعَقيقِ لنا / لا زالَ صوبُ الحيا بالدُّرِّ يوليْهِ
وحبّذا عصرُ لَذّاتٍ عرَجْتُ به / نحوَ البُدورِ ببيضٍ من لَيالِيهِ
أكرِمْ بِها من لُوَيلاتٍ لو اِنْتسَقَتْ / لكُنّ في السِلكِ أبهى من لآلِيهِ
غُرٌّ كأنّ عليَّ المجدِ خوّلَها / فزُيّنَتْ ببُدورٍ من أياديهِ
شمسٌ بها زانَ وجهَ الدّهرِ واِنكشفتْ / عن أهلِه ظُلُماتٌ من مَساويهِ
حَليفُ حزْمٍ له في كلِّ مَظلمةٍ / نُورٌ من الرأيِ نحو الفَتْحِ يَهديهِ
سيفاً لو الحِلْمُ لم يُغمِدْهُ كادَ بِه / أن تهلكَ الناسُ حين العزمُ يُنضيهِ
غيثٌ هَما وسَما في المَجْدِ فاِشترَكَتْ / في جودِه الخَلْقُ واِختصّتْ مَعالِيهِ
يُمْنُ العُلا والأماني البيض في يده الْ / يُمنى وحُمرُ المَنايا في أمانيهِ
فلو أراعَ غُرابَ البَين صارمُه / لَشابَ فَوْداهُ واِبْيَضّتْ خَوافيهِ
ولو أتَتْهُ النجومُ الشُّهْبُ يومَ ندىً / لم يرضَ بالشّمسِ ديناراً فيُعطيهِ
تهوى الأهلّةُ أن تسعى لخِدمتِه / ولو بها اِشتعلَتْ يوماً مَذاكِيهِ
وا فرحةَ الليثِ فيه لو يُسالِمُه / وغِبطةَ الغيثِ فيه أن يؤاخيهِ
مِقدارُه عن ذوي الأقدارِ يرفعُهُ / وجودُه لذَوي الحاجاتِ يُدْنيهِ
هو الأصمُّ إذا تدعوهُ فاحِشةٌ / وهو السّميعُ إذا التّقوى تُناديهِ
إن يحمِلِ الحَمدُ ورداً فهْو قاطِفُه / أو يُجتَنى منه شهدٌ فهْو جانِيهِ
هامَ الزّمانُ به حبّاً فأوشكَ أنْ / يعودَ شوقاً إلى رُؤياهُ ماضِيهِ
إذا الحُظوظُ مَحاها اليأسُ أثبتَها / رجاؤهُ بحُظوظٍ مِلء أيديهِ
دَوحُ الفَخارِ الّذي مُزنُ الإمامةِ لا / تنفكّ في رشَحاتِ البِرِّ تَسقيهِ
من حولِه نسَبٌ يَغشى بصائِرَنا / نورُ النّبوّةِ منه حينَ يُغريهِ
منَ المُلوكِ الأُلى لولا حُلومُهُمُ / تزَلْزَلَ المجدُ واِندَكّت رَواسيهِ
من كلِّ أبلَجَ مأمونٍ مناقِبُه / بجنّةِ الحَمدِ يلقى طعنَ شانِيهِ
نَشا ونفْسُ النّدى منه نشَتْ فغَدا / كلٌّ لصاحبِه الأدنى يُربّيهِ
الحيدَريُّ الّذي دانَ الزّمانُ له / حتّى اِستكانَ وخافَتْهُ دَواهِيهِ
قِرنٌ إذا ما غَديرُ الدُرِّ أغرقَهُ / خاضَ الرّدى فيكادُ البأسُ يوريهِ
بدْرُ الحُسامِ إذا في الرّوعِ أضحكَهُ / فإنّه بالدّم الجاري سيُبكيهِ
والهامُ تدري وإنْ عزّت سيلزَمُها / ذلُّ السُّجودِ إذا صلّتْ مَواضيهِ
ساسَ الأمورَ فأجْرى في أوامرِه / حُكمَ المُنى والمَنايا في مناهِيهِ
تعشّقَ المجدَ طِفلاً واِستَهامَ بهِ / فهانَ فيهِ عليه ما يُقاسِيْهِ
سلِ الحَيا حينَ يَهْمي عن أناملِه / أهُنّ أندى بَناناً أم غَوادِيهِ
لهُ خِصالٌ بخيطِ الفَجرِ لو نُظِمَتْ / لم ينتظِمْ سبَجُ الدّاجي بثانِيهِ
شمائِلٌ لو حَواها الليلُ واِفتقدَتْ / بودِّه لَفداها في دَرارِيهِ
قِلادةُ المجدِ والعُليا صنائِعُه / وزينةُ الدّينِ والدُّنيا مَساعِيهِ
مَولىً كأنّك تَتلو في مجالِسِنا / آيَ السُّجودِ علَينا إذ تُسمّيهِ
يا ساعِدَ الجودِ بل يا نَفْسَ حاتِمه / يا نقْشَ خاتَمِه يا طوقَ هادِيهِ
لا زِلْتَ يا غَوثُ لي غَوثاً ومُنتجَعاً / ولا برِحْتُ إليكَ المَدْحَ أُهدِيهِ
لولا تملُّكُكُمْ رِقّي بأنعُمِكم / ما راقَ شِعري ولا رقّتْ مَبانِيهِ
واِستجْلِ من آيِ نَظْمي أيَّ مُعجزةٍ / تخلِّدُ الذِكرَ في الدُنيا وتُبقيهِ
مدحٌ تَسيرُ إذا ما فيكَ فُهْتُ به / سيرَ الكَواكِبِ في الدّنيا قَوافيهِ
بُيوتُ شِعْرٍ بَناها الفِكرُ من ذهَبٍ / سكّانُها حُورُ عِينٍ من مَعانيهِ
واِغْنَمْ بصومٍ عسى بالخيرِ يختُمُه / لكَ الإله وبالرُّضوانِ يجزيهِ
هِلالُ سَعدٍ تَراءى فيه منك عُلاً / فعادَ صبّاً يكادُ الشّوقُ يُخفيهِ
وليَهْنِكَ العيدُ في تجديدِ عودتِه / بل فيكَ يا بهجةَ الدُّنيا نُهنّيهِ