القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صَفِيّ الدِّين الحِلّي الكل
المجموع : 899
لَئِن ثَلَمَت حَدّي صُروفُ النَوائِبِ
لَئِن ثَلَمَت حَدّي صُروفُ النَوائِبِ / فَقَد أَخلَصَت سَبكي بِنارِ التَجارِبِ
وَفي الأَدَبِ الباقي الَّذي قَد وَهَبنَني / عَزاءٌ مِنَ الأَموالِ عَن كُلِّ ذاهِبِ
فَكَم غايَةٍ أَدرَكتُها غَيرَ جاهِدٍ / وَكَم رُتبَةٍ قَد نِلتُها غَيرَ طالِبِ
وَما كُلُّ وانٍ في الطِلابِ بِمُخطِئٍ / وَلا كُلُّ ماضٍ في الأُمورِ بِصائِبِ
سَمَت بي إِلى العَلياءِ نَفسٌ أَبِيَّةٌ / تَرى أَقبَحَ الأَشياءِ أَخذَ المَواهِبِ
بِعَزمٍ يُريني ما أَمامَ مَطالِبي / وَحَزمٍ يُريني ما وَراءَ العَواقِبِ
وَما عابَني جاري سِوى أَنَّ حاجَتي / أُكَلِّفُها مِن دونِهِ لِلأَجانِبِ
وَإِنَّ نَوالي في المُلِمّاتِ واصِلٌ / أَباعِدَ أَهلِ الحَيِّ قَبلَ الأَقارِبِ
وَلَيسَ حَسودٌ يَنشُرُ الفَضلَ عائِباً / وَلَكِنَّهُ مُغرىً بِعَدِّ المَناقِبِ
وَما الجودُ إِلّا حِليَةٌ مُستَجادَةٌ / إِذا ظَهَرَت أَخفَت وُجوهَ المَعائِبِ
لَقَد هَذَّبَتني يَقظَةُ الرَأيِ وَالنُهى / إِذا هَذَّبَت غَيري ضُروبُ التَجارِبِ
وَأَكسَبَني قَومي وَأَعيانُ مَعشَري / حِفاظَ المَعالي وَاِبتِذالَ الرَغائِبِ
سَراةٌ يُقِرُّ الحاسِدونَ بِفَضلِهِم / كِرامُ السَجايا وَالعُلى وَالمَناصِبِ
إِذا جَلَسوا كانوا صُدورَ مَجالِسٍ / وَإِن رَكِبوا كانوا صُدورَ مَواكِبِ
أُسودٌ تَغانَت بِالقَنا عَن عَرينِها / وَبِالبيضِ عَن أَنيابِها وَالمَخالِبِ
يَجودونَ لِلراجي بِكُلِّ نَفيسَةٍ / لَدَيهِم سِوى أَعراضِهِم وَالمَناقِبِ
إِذا نَزَلوا بَطنَ الوِهادِ لِغامِضٍ / مِنَ القَصدِ أَذكَوا نارَهُم بِالمَناكِبِ
وَإِن رَكَزوا غِبَّ الطِعانِ رِماحَهُم / رَأَيتَ رُؤوسَ الأُسدِ فَوقَ الثَعالِبِ
فَأَصبَحتُ أُفني ما مَلَكتُ لِأَقتَني / بِهِ الشُكرَ كَسباً وَهوَ أَسنى المَكاسِبِ
وَأَرهُنُ قَولي عَن فِعالي كَأَنَّهُ / عَصا الحارِثِ الدُعمِيِّ أَو قَوسَ حاجِبِ
وَمَن يَكُ مِثلي كامِلَ النَفسِ يَغتَدي / قَليلاً مُعاديهِ كَثيرَ المُصاحِبِ
فَما لِلعِدى دَبَّت أَراقِمُ كَيدِهِم / إِلَيَّ وَما دَبَّت إِلَيهِم عَقارِبي
وَما بالُهُم عَدّوا ذُنوبي كَثيرَةً / وَما لِيَ ذَنبٌ غَيرَ نَصرِ أَقارِبي
وَإِنّي لَيُدمي قائِمُ السَيفِ راحَتي / إِذا دَمِيَت مِنهُم خُدودُ الكَواعِبِ
وَما كُلُّ مَن هَزَّ الحُسامَ بِضارِبٍ / وَلا كُلُّ مَن أَرى اليَراعَ بِكاتِبِ
وَما زِلتُ فيهِم مِثلَ قِدحِ اِبنِ مُقبِلٍ / بِتِسعينَ أَمسى فائِزاً غَيرَ خائِبِ
فَإِن كَلَّموا الجُسومَ مِنّا فَإِنَّها / فُلولُ سُيوفٍ ما نَبَت في المَضارِبِ
وَما عابَني أَن كَلَّمَتني سُيوفُهُم / إِذا ما نَبَت عَنّي سُيوفُ المَثالِبِ
وَلَمّا أَبَت إِلّا نِزالاً كُماتُهُم / دَرَأتُ بِمُهري في صُدورِ المَقانِبِ
فَعَلَّمتُ شَمَّ الأَرضِ شُمُّ أُنوفِهِم / وَعَوَّدتُ ثَغرَ التُربِ لَثمَ التَرائِبِ
بِطَرفٍ عَلا في قَبضِهِ الريحُ سابِحٌ / لَهُ أَربَعٌ تَحكي أَنامِلَ حاسِبِ
تَلاعَبَ أَثناءَ الحُسامِ مُزاحُهُ / وَفي الكَرِّ يُبدي كَرَّةً غَيرَ لاعِبِ
وَمَسرودَةٍ مِن نَسجِ داوُدَ نَثرَةٍ / كَلَمعِ غَديرٍ ماؤُهُ غَيرُ ذائِبِ
وَأَسمَرَ مَهزوزَ المَعاطِفِ ذابِلٍ / وَأَبيَضَ مَسنونِ الغِرارَينِ قاضِبِ
إِذا صَدَفَتهُ العَينُ أَبدى تَوَقُّداً / كَأَنَّ عَلى مَتنَيهِ نارَ الحُباحِبِ
ثَنى حَدَّهُ فَرطُ الضِرابِ فَلَم يَزَل / حَديدَ فِرِندِ المَتنِ رَثِّ المَضارِبِ
صَدَعتُ بِهِ هامَ الخُطوبِ فَرُعنَها / بِأَفضَلِ مَضروبٍ وَأَفضَلِ ضارِبِ
وَصَفراءُ مِن رَوقِ الأَواري نَحيفَةٍ / إِذا جُذِبَت صَرَّت صَريرَ الجَنادِبِ
لَها وَلَدٌ بَعدَ الفِطامِ رَضاعُهُ / يُسِرُّ عُقوقاً رَفضُهُ غَيرُ واجِبِ
إِذا قَرَّبَ الرامي إِلى فيهِ نَحرَهُ / سَعى نَحوَهُ بِالقَسرِ سَعيَ مُجانِبِ
فَيُقبِلُ في بُطءٍ كَخُطوَةِ سارِقٍ / وَيُدبِرُ في جَريٍ كَرَكضَةِ هارِبِ
هُناكَ فَجَأتُ الكَبشَ مِنهُم بِضَربَةٍ / فَرَقتُ بِها بَينَ الحَشى وَالتَرائِبِ
لَدى وَقعَةٍ لا يُقرَعُ السَمعُ بَينَها / بِغَيرِ اِنتِدابِ الشوسِ أَو نَدبِ نادِبِ
فَقُل لِلَّذي ظَنَّ الكِتابَةَ غايَتي / وَلا فَضلَ لي بَينَ القَنا وَالقَواضِبِ
بِحَدٍّ يَراعي أَم حُسامي عَلَوتُهُ / وَبِالكُتبِ أَردَيناهُ أَم بِالكَتائِبِ
وَكَم لَيلَةٍ خُضتُ الدُجى وَسَماؤُهُ / مُعَطَّلَةٌ مِن حَليِ دُرِّ الكَواكِبِ
سَرَيتُ بِها وَالجَوُّ بِالسُحبِ مُقتِمٌ / فَلَمّا تَبَدّى النَجمُ قُلتُ لِصاحِبي
أَصاحِ تَرى بَرقاً أُريكَ وَميضَهُ / يُضيءُ سَناهُ أَم مَصابيحَ راهِبِ
بِحَرفٍ حَكى الحَرفَ المُفَخَّمَ صَوتُها / سَليلَةِ نُجبٍ أُلحِقَت بِنَجائِبِ
تَعافُ وُرودَ الماءِ إِن سَبَقَ القَطا / إِلَيهِ وَما أَمَّت بِهِ في المَشارِبِ
قَطَعتُ بِها خَوفَ الهَوانِ سَباسِباً / إِذا قُلتُ تَمَّت أَردَفَت بِسَباسِبِ
يُسامِرُني في الفِكرِ كُلُّ بَديعَةٍ / مُنَزَّهَةِ الأَلفاظِ عَن قَدحِ عائِبِ
يُنَزِّلُها الشادونَ في نَغَماتِهِم / وَتَحدو بِها طَوراً حُداةُ الرَكائِبِ
فَأَدرَكتُ ما أَمَّلتُ مِن طَلَبِ العُلا / وَنَزَّهتُ نَفسي عَن طِلابِ المَواهِبِ
وَنِلتُ بِها سُؤلي مِنَ العِزِّ لا الغِنى / وَما عُدَّ مَن عافَ الهِباتِ بِخائِبِ
أَلَستَ تَرى ما في العُيونِ مِنَ السُقمِ
أَلَستَ تَرى ما في العُيونِ مِنَ السُقمِ / لَقَد نَحَلَ المَعنى المُدَفَّقُ مِن جِسمي
وَأَضعَفُ ما بِيَ بِالخُصورِ مِنَ الضَنا / عَلى أَنَّها مِن ظُلمِها غَصَبَت قِسمي
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّ يَومَ وَداعِنا / لَقَد غَفَلَت عَينُ الرَقيبِ عَلى رُغمِ
ضَمَمتُ ضَنا جِسمي إِلى ضُعفِ خِصرِها / لِجِنسِيَّةٍ كانَت لَهُ عِلَّةَ الضَمِّ
رَبيبَةُخِدرٍ يَجرَحُ اللَحظُ خَدَّها / فَوَجنَتُها تَدمى وَأَلحاظُها تُدمي
يُكَلِّمُ لَفظي خَدَّها إِن ذَكَرتُهُ / وَيُؤلِمُهُ إِن مَرَّ مَرآهُ في وَهمي
إِذا اِبتَسَمَت وَالفاحِمُ الجَعدُ مُسبَلٌ / تُضِلُّ وَتَهدي مِن ظَلامٍ وَمِن ظَلمِ
تَغَزَّلتُ فيها بِالغَزالِ فَأَعرَضَت / وَقالَت لَعَمري هَذِهِ غايَةُ الذَمِّ
وَصَدَّت وَقَد شَبَّهتُ بِالبَدرِ وَجهَها / نِفاراً وَقالَت صِرتَ تَطمَعُ في شَتمي
وَكَم قَد بَذَلتُ النَفسَ أَخطُبُ وَصلَها / وَخاطَرتُ فيها بِالنَفيسِ عَلى عِلمِ
فَلَم تَلِدِ الدُنيا لَنا غَيرَ لَيلَةٍ / نَعِمتُ بِها ثُمَّ اِستَمَرَّت عَلى العُقمِ
فَيا مَن أَقامَتني خَطيباً لِوَصفِها / أُرَصِّعُ فيها اللَفظَ في النَثرِ وَالنَظمِ
خُذي الدُرَّ مِن لَفظي فَإِن شِئتِ نَظمَهُ / وَأَعوَزَ سِلكٌ لِلنِظامِ فَها جِسمي
فَفيكِ هَجَرتُ الأَهلَ وَالمالَ وَالغِنى / وَرُتبَةَ دَستِ المُلكِ وَالجاهِ وَالحُكمِ
وَقُلتِ لَقَد أَصبَحتَ في الحَيِّ مُفرِداً / صَدَقتِ فَهَلّا جازَ عَفوُكِ في ظُلمي
أَلَم تَشهَدي أَنّي أُمَثَّلُ لِلعِدى / فَتَسهَرَ خَوفاً أَن تَرانِيَ في الحُلمِ
فَكَم طَمِعوا في وِحدَتي فَرَمَيتُهُم / بِأَضيَقَ مِن سُمٍّ وَأَقتَلَ مِن سُمِّ
وَكَم أَجَّجوا نارَ الحُروبِ وَأَقبَلوا / بِجَيشٍ يَصُدُّ السيلَ عَن مَربَضِ العُصمِ
فَلَم يَسمَعوا إِلّا صَليلَ مُهَنَّدي / وَصَوتَ زَئيري بَينَ قَعقَعَةِ اللُجمِ
جَعَلتُهُمُ نَهباً لِسَيفِيَ وَمِقوَلي / فَهُم في وَبالٍ مِن كَلامي وَمِن كَلّمي
تَوَدُّ العِدى لَو يُحدِقُ اِسمُ أَبي بِها / وَأَلّا تُفاجا في مَجالِ الوَغى بِاِسمي
تُعَدَّدُ أَفعالي وَتِلكَ مَناقِبٌ / فَتَذكُرُني بِالمَدحِ في مَعرِضِ الذَمِّ
وَلَو جَحَدوا فِعلي مَخافَةَ شامِتٍ / لَنَمَّ عَلَيهِم في جِباهِهِمُ وَسمي
فَكَيفَ وَلَم يُنسَب زَعيمٌ لِسِنبِسٍ / إِلى المَجدِ إِلّا كانَ خالِيَ أَو عَمّي
وَإِن أَشبَهَتهُم في الفَخارِ خَلائِقي / وَفِعلي فَهَذا الراحُ مِن ذَلِكَ الكَرمِ
فَقُل لِلأَعادي ما اِنثَنَيتُ لِسَبِّكُم / وَلا طاشَ في ظَنّي لِغَدرِكُمُ سَهمي
نَظَرنا خَطاياكُم فَأَغرَيتُمُ بِنا / كَذا مَن أَعانَ الظالِمينَ عَلى الظُلمِ
أَسَأتُم فَإِن أَسخَط عَلَيكُم فَبِالرِضى / وَإِن أَرضَ عَنكُم مِن حَيائي فَبِالرَغمِ
لَجَأتُ إِلى رُكنٍ شَديدٍ لِحَربِكُم / أَشُدُّ بِهِ أَزري وَأُعلي بِهِ نَجمي
وَظَلتُ كَأَنّي أَملِكُ الدَهرَ عِزَّةً / فَلا تَنزِلُ الأَيّامُ إِلّا عَلى حُكمي
بِأَروَعَ مَبنِيٍّ عَلى الفَتحِ كَفُّهُ / إِذا بُنِيَت كَفُّ اللَئيمِ عَلى الضَمِّ
مَلاذي جَلالُ الدينِ نَجلُ مَحاسِنٍ / حَليفُ العَفافِ الطَلقِ وَالنائِلِ الجَمِّ
فَتىً خُلِقَت كَفّاهُ لِلجودِ وَالسَطا / كَما العَينُ لِلإِبصارِ وَالأَنفُ لِلشَمِّ
لَهُ قَلَمٌ فيهِ المَنِيَّةُ وَالمُنى / فَديمَتُهُ تَهمي وَسَطوَتُهُ تُصمي
يَراعٌ يَروعُ الخَطبَ في حالَةِ الرِضى / وَيُضرِمُ نارَ الحَربِ في حالَةِ السِلمِ
وَعَضبٌ كَأَنَّ المَوتَ عاهَدَ حَدَّهُ / وَصالَ فَأَفنى جِرمُهُ كُلَّ ذي جِرمِ
فَيا مَن رَعانا طَرفُهُ وَهُوَ راقِدٌ / وَقَد قَلتِ النُصّارُ بِالعَزمِ وَالحَزمِ
يَدُ الدَهرِ أَلقَتنا إِلَيكَ فَإِن نُطِق / لَها مَلمَساً أَدمى بِراجِمِها لَثمي
أَطَعتُكَ جُهدي فَاِحتَفِظ بي فَإِنَّني / لِنَصرِكَ لا يَنفَلُّ جَدّي وَلا عَزمي
فَإِن غِبتَ فَاِجعَل لي وَلِيّاً مِنَ الأَذى / وَهَيهاتَ لا يُغني الوَلِيُّ عَنِ الوَسمي
سَلي الرِماحَ العَوالي عَن مَعالينا
سَلي الرِماحَ العَوالي عَن مَعالينا / وَاِستَشهِدي البيضَ هَل خابَ الرَجا فينا
وَسائِلي العُربَ وَالأَتراكَ ما فَعَلَت / في أَرضِ قَبرِ عُبَيدِ اللَهِ أَيدينا
لَمّا سَعَينا فَما رَقَّت عَزائِمُنا / عَمّا نَرومُ وَلا خابَت مَساعينا
يا يَومَ وَقعَةِ زَوراءِ العِراقِ وَقَد / دِنّا الأَعادي كَما كانوا يَدينونا
بِضُمَّرٍ ما رَبَطناها مُسَوَّمَةً / إِلّا لِنَغزو بِها مَن باتَ يَغزونا
وَفِتيَةٍ إِن نَقُل أَصغَوا مَسامِعَهُم / لِقَولِنا أَو دَعَوناهُم أَجابونا
قَومٌ إِذا اِستُخصِموا كانوا فَراعِنَةً / يَوماً وَإِن حُكِّموا كانوا مَوازينا
تَدَرَّعوا العَقلَ جِلباباً فَإِن حَمِيَت / نارُ الوَغى خِلتَهُم فيها مَجانينا
إِذا اِدَّعَوا جاءَتِ الدُنيا مُصَدِّقَةً / وَإِن دَعَوا قالَتِ الأَيّامُ آمينا
إِنَّ الزَرازيرَ لَمّا قامَ قائِمُها / تَوَهَّمَت أَنَّها صارَت شَواهينا
ظَنَّت تَأَنّي البُزاةِ الشُهبِ عَن جَزَعٍ / وَما دَرَت أَنَهُ قَد كانَ تَهوينا
بَيادِقٌ ظَفِرَت أَيدي الرِخاخِ بِها / وَلَو تَرَكناهُمُ صادوا فَرازينا
ذَلّوا بِأَسيافِنا طولَ الزَمانِ فَمُذ / تَحَكَّموا أَظهَروا أَحقادَهُم فينا
لَم يُغنِهِم مالُنا عَن نَهبِ أَنفُسِنا / كَأَنَّهُم في أَمانٍ مِن تَقاضينا
أَخلوا المَساجِدَ مِن أَشياخِنا وَبَغَوا / حَتّى حَمَلنا فَأَخلَينا الدَواوينا
ثُمَّ اِنثَنَينا وَقَد ظَلَت صَوارِمُنا / تَميسُ عُجباً وَيَهتَزُّ القَنا لينا
وَلِلدِماءِ عَلى أَثوابِنا عَلَقٌ / بِنَشرِهِ عَن عَبيرِ المِسكِ يُغنينا
فَيا لَها دَعوَةً في الأَرضِ سائِرَةً / قَد أَصبَحَت في فَمِ الأَيّامِ تَلقينا
إِنّا لَقَومٌ أَبَت أَخلاقُنا شَرَفاً / أَن نَبتَدي بِالأَذى مَن لَيسَ يُؤذينا
بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُنا / خُضرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضينا
لا يَظهَرُ العَجزُ مِنّا دونَ نَيلِ مُنىً / وَلَو رَأَينا المَنايا في أَمانينا
ما أَعوَزَتنا فَرامينٌ نَصولُ بِها / إِلا جَعَلنا مَواضينا فَرامينا
إِذا جَرَينا إِلى سَبقِ العُلى طَلَقاً / إِن لَم نَكُن سُبَّقاً كُنّا مُصَلّينا
تُدافِعُ القَدَرَ المَحتومَ هِمَّتُنا / عَنّا وَنَخصِمُ صَرفَ الدَهرِ لَو شينا
نَغشى الخُطوبَ بِأَيدينا فَنَدفَعُها / وَإِن دَهَتنا دَفَعناها بِأَيدينا
مُلكٌ إِذا فُوِّقَت نَبلُ العَدُوِّ لَنا / رَمَت عَزائِمَهُ مَن باتَ يَرمينا
عَزائِمٌ كَالنُجومِ الشُهبِ ثاقِبَةً / ما زالَ يُحرِقُ مِنهُنَّ الشَياطينا
أَعطى فَلا جودُهُ قَد كانَ عَن غَلَطٍ / مِنهُ وَلا أَجرُهُ قَد كانَ مَمنونا
كَم مِن عَدُوٍّ لَنا أَمسى بِسَطوَتِهِ / يُبدي الخُضوعَ لَنا خَتلاً وَتَسكينا
كَالصِلِّ يُظهِرُ ليناً عِندَ مَلمَسِهِ / حَتّى يُصادِفَ في الأَعضاءِ تَمكينا
يَطوي لَنا الغَدرَ في نُصحٍ يُشيرُ بِهِ / وَيَمزُجُ السُمَّ في شَهدٍ وَيَسقينا
وَقَد نَغُضُّ وَنُغضي عَن قَبائِحِهِ / وَلَم يَكُن عَجَزاً عَنهُ تَغاضينا
لَكِن تَرَكناهُ إِذ بِتنا عَلى ثِقَةٍ / إِنَّ الأَميرَ يُكافيهِ فَيَكفينا
لِمَنِ الشَوازِبُ كَالنَعامِ الجُفَّلِ
لِمَنِ الشَوازِبُ كَالنَعامِ الجُفَّلِ / كُسِيَت حِلالاً مِن غُبارِ القَسطَلِ
يَبرُزنَ في حُلَلِ العَجاجِ عَوابِساً / يَحمِلنَ كُلَّ مُدَرَّعٍ وَمُسَربَلِ
شِبهَ العَرائِسِ تُجتَلى فَكَأَنَّها / في الخِدرِ مِن ذَيلِ العَجاجِ المُسبَلِ
فَعَلَت قَوائِمُهُنَّ عِندَ طِرادِها / فِعلَ الصَوالِجِ في كُراتِ الجَندَلِ
فَتَظَلُّ تَرقُمُ في الصُخورِ أَهِلَّةً / بِشَبا حَوافِرِها وَإِن لَم تُنعَلِ
يَحمِلنَ مِن آلِ العَريضِ فَوارِساً / كَالأُسدِ في أَجَمِ الرِماحِ الذُبَّلِ
تَنشالُ حَولَ مُدَرَّعٍ بِجِنانِهِ / فَكَأَنَّهُ مِن بَأسِهِ في مَعقِلِ
مازالَ صَدرَ الدِستِ صَدرَ الرُتبَةِ ال / عَلياءِ صَدرَ الجَيشِ صَدرَ المَحفَلِ
لَو أَنصَفَتهُ بَنو مَحاسِنَ إِذ مَشَوا / كانَت رُؤوسُهُمُ مَكانَ الأَرجُلِ
بَينا تَراهُ خَطيبَهُم في مَحفَلٍ / رَحبٍ تَراهُ زَعيمَهُم في جَحفَلِ
شاطَرتُهُ حَربَ العُداةِ لِعِلمِهِ / أَنّي كِنانَتُهُ الَّتي لَم تُنثَلِ
لَمّا دَعَتني لِلنِزاِلِ أَقارِبي / لَبّاهُمُ عَنّي لِسانُ المُنصُلِ
وَأَبَيتُ مِن أَنّي أَعيشُ بِعِزِّهِم / وَأَكونَ عَنهُم في الحُروبِ بِمَعزِلِ
وافَيتُ في يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ / أَغشى الهِياجَ عَلى أَغَرَّ مُحَجَّلِ
ثارَ العَجاجُ فَكُنتُ أَوَّلَ صائِلٍ / وَعَلا الضِرامُ فَكُنتُ أَوَّلَ مُصطَلِ
فَغَدا يَقولُ كَبيرُهُم وَصَغيرُهُم / لا خَيرَ فيمَن قالَ إِن لَم يَفعَلِ
سَل ساكِني الزَوراءَ وَالأُمَمَ الَّتي / حَضَرَت وَظَلَّلَها رِواقُ القَسطَلِ
مَن كانَ تَمَّمَ نَقصَها بِحُسامِهِ / إِذ كُلُّ شاكٍ في السِلاحِ كَأَعزَلِ
أَو مَن تَدَرَّعَ بِالعَجاجَةِ عِندَما / نادى مُنادي القَومِ يا خَيلُ اِحمِلي
تُخبِركَ فُرسانُ العَريكَةِ أَنَّني / كُنتُ المُصَلّي بَعدَ سَبقِ الأَوَّلِ
ما كانَ يَنفَعُ مَن تَقَدَّمَ سَبقُهُ / لَو لَم تُتَمِّمها مَضارِبُ مُنصُلي
لَكِن تَقاسَمنا عَوامِلَ نَحوِها / فَالإِسمُ كانَ لَهُ وَكانَ الفِعلُ لي
وَبَديعَةٍ نَظَرَت إِلَيَّ بِها العِدى / نَظَرَ الفَقيرُ إِلى الغَنِيِّ المُقبِلِ
وَاِستَثقَلَت نُطقي بِها فَكَأَنَّما / لَقِيَت بِثالِثِ سورَةِ المُزَّمِّلِ
حَتّى اِنثَنَت لَم تَدرِ ما تَتَّقي / عِندَ الوَقائِعِ صارِمي أَم مِقوَلي
حَمَلوا عَلَيَّ الحِقدَ حَتّى أَصبَحَت / تَغلي صُدورُهُمُ كَغَليِ المِرجَلِ
إِن يَطلُبوا قَتلي فَلَستُ أَلومُهُم / دَمُ شَيخِهِم في صارِمي لَم يَنصُلِ
ما لي أُسَتِّرُها وَتِلكَ فَضيلَةٌ / الفَخرُ في فَصدِ العَدُوِّ بِمِنجَلِ
قَد شاهَدوا مِن قَبلِ ذاكَ تَرَفُّعي / عَن حَربِهِم وَتَماسُكي وَتَجَمُّلي
لَمّا أَثاروا الحَربَ قالَت هِمَّتي / جَهِلَ الزَمانُ عَلَيكَ إِن لَم تَجهَلِ
فَالآنَ حينَ فَلَيتُ ناصِيَةَ الفَلا / حَتّى تَعَلَّمَتِ النُجومُ تَنَقُّلي
أَضحى يُحاوِلُني العَدُوُّ وَهِمَّتي / تَعلو عَلى هامِ السِماكِ الأَعزَلِ
وَيَرومُ إِدراكي وَتِلكَ عَجيبَةٌ / هَل يُمكِنُ الزَرزورَ صَيدَ الأَجدَلِ
قُل لِلَّيالي وَيكِ ما شِئتِ اِصنَعي / بَعدي وَلِلأَيّامِ ما شِئتِ اِفعَلي
حَسبُ العَدُوِّ بِأَنَّني أَدرَكتُهُ / لَمّا وَليتُ وَفُتُّهُ لَمّا وَلي
سَأَظَلُّ كُلَّ صَبيحَةٍ في مَهمَهٍ / وَأَبيتُ كُلَّ عَشِيَّةٍ في مَنزِلِ
وَأَسيرُ فَرداً في البِلادِ وَإِنَّني / مِن حَشدِ جَيشِ عَزائِمي في جَحفَلِ
أَجفو الدِيارَ فَإِن رَكِبتُ وَضَمَّني / سَرجُ المُطَهَّمِ قُلتُ هَذا مَنزِلي
لا تَسمَعَنَّ بِأَن أُسِرتُ مُسَلَّماً / وَإِذا سَمِعتَ بِأَن قُتِلتُ فَعَوِّلِ
ما الاِعتِذارُ وَصارِمي في عاتِقي / إِن لَم يَكُن مِن دونِ أَسري مَقتَلي
ما كانَ عُذري إِن صَبَرتُ عَلى الأَذى / وَرَضيتُ بَعدَ تَدَلُّلي بِتَذَلُّلي
فَإِذا رُميتَ بِحادِثٍ في بَلدَةٍ / جَرِّد حُسامَكَ صائِلاً أَو فَاِرحَلِ
فَلِذاكَ لا أَخشى وُرودَ مَنِيَّتي / وَأَرى وُرودَ الحَتفِ عَذبَ المَنهَلِ
فَإِذا عَلا جَدّي فَقَلبي جُنَّتي / وَإِذا دَنا أَجَلي فَدِرعي مَقتَلي
ما تِهتُ بِالدُنيا إِذا هِيَ أَقبَلَت / نَحوي وَلا آسى إِذا لَم تُقبِلِ
وَكَذاكَ ما وَصَلَت فَقُلتُ لَها اِقطَعي / يَوماً وَلا قَطَعَت فَقُلتُ لَها صِلي
صَبراً عَلى كَيدِ العُداةِ لَعَلَّنا / نَسقي أَخيرَهُمُ بِكَأسِ الأَوَّلِ
يا عُصبَةً فَرِحوا بِمَصرَعِ لَيثِنا / ماذا أَمِنتُم مِن وُثوبِ الأَشبُلِ
قَومٌ يُعِزّونَ النَزيلَ وَطالَما / بَخِلَ الحَيا وَأَكُفُّهُم لَم تَبخَلِ
يَفنى الزَمانُ وَفيهِ رَونَقُ ذِكرِهِم / يَبلى القَميصُ وَفيهِ عَرفُ المَندَلِ
وَلَمّا مَدَّتِ الأَعداءُ باعا
وَلَمّا مَدَّتِ الأَعداءُ باعا / وَراعَ النَفسَ كُرُّهُمُ سِراعا
بَرَزتُ وَقَد حَسَرتُ لَها القِناعا / أَقولُ لَها وَقَد طارَت شَعاعا
مِنَ الأَبطالِ وَيحَكِ لا تُراعي /
كَما اِبتَعتُ العَلاءَ بِغَيرِ سَومِ / وَأَحلَلتُ النِكالَ بِكُلِ قَومِ
رِدي كَأسَ الفَناءِ بِغَيرِ لَومِ / فَإِنَّكِ لَو سَأَلتِ بَقاءَ يَومِ
عَلى الأَجَلِ الَّذي لَكِ لَم تُطاعي /
فَكَم أَرغَمتُ أَنفَ الضِدِّ قَسرا / وَأَفنَيتُ العِدى قَتلاً وَأَسرا
وَأَنتِ مُحيطَةٌ بِالدَهرِ خُبرا / فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبرا
فَما نَيلُ الخُلودِ بِمُستَطاعِ /
إِذا ما عِشتِ في ذُلٍ وَعَجزٍ / فَهَل لِلنَفسِ غَيري مِن مُعِزِّ
وَلَيسَ الخَوفُ مِن أَجَلٍ بِحَرزِ / وَلا ثَوبُ البَقاءِ بِثَوبِ عِزِّ
فَيُطوى عَن أَخي الخَنَعِ اليَراعِ /
وَلا أَعتاضُ عَن رُشدٍ بِغِيِّ / وَثَوبُ العِزِّ في نَشرٍ وَطَيِّ
لَقَد حُتِمَ الثَناءُ لِكُلِّ شَيِّ / سَبيلُ المَوتِ غايَةُ كُلِّ حَيِّ
وَداعيهِ لِأَهلِ الأَرضِ داعي /
فَجاهِد في العُلى يا قَلبَ تُكرَم / وَلا تَطلُب صَفاءَ العَيشِ تُحرَم
فَمَن يَظفَر بِطيبِ الذِكرِ يَغنَم / وَمَن لا يَغتَبِط يَبرَم وَيَسأَم
وَتُسلِمُهُ المَنونُ إِلى اِنقِطاعِ /
أَأَرغَبُ بَعدَ قَومي في نَجاةِ / وَأَجزَعُ في الوَقائِعِ مِن مَماتِ
وَأَرضى بِالحَياةِ بِلا حُماةِ / وَما لِلعُمرِ خَيرٌ في حَياةِ
إِذا ما كانَ مِن سَقَطِ المَتاعِ /
سَلوا بَعدَ تَسآلِ الوَرى عَنكُمُ عَنّي
سَلوا بَعدَ تَسآلِ الوَرى عَنكُمُ عَنّي / فَقَد شاهَدوا ما لَم يَرَوا مِنكُمُ مِنّي
رَأوني أُراعي مِنكُمُ العَهدَ لي بِكُم / وَأَحسَنَ ظَنّاً مِنكُمُ بي بِكُم ظَنّي
وَقَد كُنتُ جَمَّ الخَوفِ مِن جَورِ بُعدِكُم / فَقَد نِلتُ لَمّا نالَني جَورُكُم أَمني
خَطَبتُ بِغالي النَفسِ وَالمالِ وُدَّكُم / فَقَد عَزَّ حَتّى باتَ في القَلبِ وَالذِهنِ
وَلَمّا رَأَيتُ العِزَّ قَد عَزَّ عِندَكُم / وَلا صَبرَ لي بَينَ المَنِيَّةِ وَالمَنِّ
ثَنَيتُ عِناني مَع ثَنائي عَلَيكُمُ / فَأَصبَحتُ وَالثاني العِنانَ هُوَ المُثني
وَلَيسَ أَنيسي في الدُجى غَيرُ صارِمٍ / رَقيقِ شِفارِ الحَدِّ مُعتَدِلِ المَتنِ
كَأَنَّ دَبيبَ النَملِ في جونِ مَتنِهِ / وَلَم يَرَ قَومٌ نَجلَ مازِنَ في المُزنِ
وَطَرفٍ كَأَنَّ المَوجَ لاعَبَ صَدرَهُ / فَيُسرِعُ طَوراً في المِراحِ وَيَستَأني
أَميلُ بِهِ بِالسَهلِ مُرتَفِقاً بِهِ / فَيُحزِنُهُ إِلّا التَوَقُّلَ في الحَزنِ
وَما زالَ عِلمي يَقتَفيني إِلى العُلى / فَيَسبُقُ حَتّى جاهَدَ الأَكلَ بِالأُذنِ
وَزُرتُ مُلوكاً كُنتُ أَسمَعُ وَصفَهُم / فَيُنهِضُني شَوقي وَيُقعِدُني أَمني
فَلَمّا تَلاقَينا وَقَد بَرِحَ الجَفا / رَأَت مُقلَتي أَضعافَ ما سَمِعَت أُذني
خَطَبتُ بِوُدّي عِندَهُم لاهِباتِهِم / فَأَصبَحتُ بِالعِزِّ المُمَنَّعِ في حِصنِ
إِذا ما رَأَوني هَكَذا قيلَ هاكَ ذا / وَلَو شاهَدوني راغِباً رَغِبوا عَنّي
إِذا ما أَقَمتُ الوَزنَ في نَظمِ وَصفِهِم / تَجودُ يَداهُم بِالنُضارِ بِلا وَزنِ
تُعَيِّرُني الأَعداءُ بِالبَينِ عَنهُمُ / وَما كانَ حُكمُ الدَهرِ بِالبَينِ عَن إِذني
وَتَزعُمُ أَنَّ الشِعرَ أَحنى فَضائِلي / وَتُنكِرُ أَفعالي وَقَد عَلِمَت أَنّي
وَقَد شاهَدَت نَثري وَنَظمِيَ في الوَغى / لِهامِ العِدى وَالنَحرِ بِالضَربِ وَالطَعنِ
وَإِن كانَ لَفظي يَخرُقُ الحُجبَ وَقعُهُ / وَيَدخُلُ أُذنَ السامِعينَ بِلا إِذنِ
وَرُبَّ جَسيمٍ مِنهُمُ فَإِذا أَتى / بِنُطقٍ حَمَدتُ الصَمتَ مِن مَنطِقِ اللُكنِ
وَمُستَقبَحٍ حَتّى خَبَرتُ خِلالَهُ / فَأَيقَنَ قَلبي أَنَّهُ يوسُفُ الحُسنِ
فَإِن حَسَدوا فَضلي وَعابوا مَحاسِني / وَذَلِكَ لِلتَقصيرِ عَنها وَلِلضِغنِ
وَتِلكَ لَعَمري كَالنُجومِ زَواهِرٌ / تُقِرُّ بِها الحُسّادُ رَغماً عَلى غَبنِ
مَحاسِنُ لي مِن إِرثِ آلِ مَحاسِنٍ / وَهَل ثَمَرٌ إِلّا عَلى قَدَرِ الغُصنِ
أَظَلُ وَأُمسي راقِدَ الجارِ ساهِراً / سَوامِيَ في خَوفٍ وَجارِيَ في أَمنِ
كَأَنَّ كَرى عَينَيَّ سَيفُ اِبنِ حَمزَةٍ / إِذا اِستُلَّ يَوماً لا يَعودُ إِلى الجَفنِ
فَتىً لَم تَزَل أَقلامُهُ وَبَنانُهُ / إِذا نابَ جَدبٌ نائِباتٍ عَنِ المُزنِ
وَلَو خَطَّ صَرفُ الدَهرِ طِرساً لِقَصدِهِ / لَخَطَّ عَلى العُنوانِ مِن عَبدِهِ القِنِّ
فَتىً جَلَّ يَوماً أَن يُعِدَّ بِظالِمٍ / لِغَيرِ العِدى وَالمالِ وَالخَيلِ وَالبُدنِ
وَلا عُدَّ يَوماً في الأَنامِ بِغاصِبٍ / سِوى بَأسِ عَمروٍ وَالسَماحَةِ مِن مَعنِ
وَلا قيلَ يَوماً أَنَّهُ غَيرُ عالِمٍ / بِغَيرِ عُيوبِ الجارِ وَاللَومِ وَالجُبنِ
أَعادَ الأَعادي في الحُروبِ تَجارِباً / جِبالاً غَدَت مِن عاصِفِ المَوتِ كَالعِهنِ
فَإِن فَلَّتِ الأَيّامُ في الحَربِ حَدَّهُ / فَما زالَتِ الأَيّامُ في أَهلِها تَجني
وَإِن أَكسَبَتني بِالخُطوبِ تَجارِباً / فَقَد وَهَبَت أَضعافَ ما أَخَذَت مِنّي
وَعَدتَ جَميلاً وَأَخلَفتَهُ
وَعَدتَ جَميلاً وَأَخلَفتَهُ / وَذَلِكَ بِالحُرِّ لا يَجمُلُ
وَقُلتَ بِأَنَّكَ لي ناصِرٌ / إِذا قابَلَ الجَحفَلَ الجَحفَلُ
وَكَم قَد نَصَرتُكَ في مَعرَكٍ / تَحَطَّمُ فيهِ القَنا الذُبَّلُ
وَلَستُ أَمُنُّ بِفِعلي عَلَيكَ / فَأُعجِبُ بِالقَولِ أَو أُعجِلُ
بِذا يَتَفاوَتُ قَدرُ الرِجا / لِ فَتَعلَمُ أَيُّهُمُ الأَكمَلُ
كَما قالَهُ الصَقرُ في عِزَّةٍ / بِهِ حينَ فاخَرَهُ البُلبُلُ
وَقال أَراكَ جَليسَ المُلوكِ / وَمِن فَوقِ أَيديهِمُ تُحمَلُ
وَأَنتَ كَما عَلِموا أَخرَسٌ / وَعَن بَعضِ ما قُلتُهُ تَنكُلُ
وَأُحبَسُ مَع أَنَّني ناطِقٌ / وَقَدرِيَ عِندَهُمُ مُهمَلُ
فَقالَ صَدَقتَ وَلَكِنَّهُم / بِذاكَ دَروا أَنَّني الأَفضَلُ
لِأَنّي فَعَلتُ وَما قُلتُ قَطُّ / وَأَنتَ تَقولُ وَلا تَفعَلُ
قَليلٌ إِلى غَيرِ اِكتِسابِ العُلى نَهضي
قَليلٌ إِلى غَيرِ اِكتِسابِ العُلى نَهضي / وَمُستَبعَدٌ في غَيرِ ذَيلِ التُقى رَكضي
فَكَيفَ وَلي عَزمٌ إِذا ما اِمتَطَيتُه / تَيَقَّنتُ أَنَّ الأَرضَ أَجمَعَ في قَبضي
وَمالِيَ لا أَغشى الجِبالَ بِمِثلِها / مِنَ العَزمِ وَالأَنضاءِ في وَعرِها أُنضي
عَلى أَنَّ لي عَزماً إِذا رُمتُ مَطلَباً / رَأَيتُ السَما أَدنى إِلَيَّ مِنَ الأَرضِ
أَبَت هِمَّتي لي أَن أَذُلَّ لَنا كِثٍ / عَرى العَهدِ أَو أَرضى مِن الوِرد بِالبَرضِ
وَأُصبِحُ في قَيدِ الهَوانِ مُكَبَّلاً / لَدى عُصبَةٍ تُدمي الأَنامِلَ بِالعَضِّ
وَلَكِنَّني أَرضى المَنونَ وَلَم أَكُن / أَغُضُّ عَلى وَقعِ المَذَلَّةِ أَو أُغضي
أَقي النَفسَ بِالأَموالِ حَيثُ إِذا وَقَت / كُنوزُ اللُهى نَفسي وَقيتُ بِها عِرضي
وَلا أَختَشي إِن مَسَّني وَقعُ حادِثٍ / فَتِلكَ يَدٌ جَسَّ الزَمانُ بِها نَبضي
فَواعَجَبا يَسعى إِلى مِنَنِ العِدى / لِيُدرِكَ كُلّي مَن يُقَصِّرُ عَن بَعضي
وَيَقصِدُني مَن لَو تَمَثَّلَ شَخصُهُ / بِعَينِ قَذىً ما عاقَ جَفني عَنِ الغَمض
نَصَبتُ لَهُم صَدرَ الجَوادِ مُحارِباً / لِأَرفَعَ ذِكري عِندَما طَلَبوا خَفضي
إِذا ما تَقَلَّدتُ الحُسامَ لِغارَةٍ / وَلَم تُرضِهِ يَومَ الوَغى فَلِمَن تُرضي
سَأَلبَسُ جِلبابَ الظَلامِ مُنَكِّباً / مَرابِضَ أَرضٍ طالَ في غابِها رَبضي
فَإِن أَحيَ أَدرَكتُ المُرامَ وَإِن أَمُت / فَلِلَّهِ ميراثُ السَمَواتِ وَالأَرضِ
صَبِرنا عَليهِم وَاِقتَضَبنا بِثارِنا / وَنَصبِرُ أَيضاً لِلجَميعِ وَنَستَقضي
غَزاهُم لِساني بَعدَ غَزوِ يَدي لَهُم / فَلا عَجَبٌ أَن يَستَمِروا عَلى بُغضي
فَإِن أَمِنوا كَفّي فَما أَمِنوا فَمي / وَإِن ثَلِموا حَدّي فَما ثَلِموا عِرضي
وَإِن قَصَّروا عَن طولِ طَولِهِمُ يَدي / فَما أَمِنوا في عَرضِ عِرضِهِمُ رَكضي
تَقولُ رِجالي حينَ أَصبَحتُ ناجِياً / سَليماً وَصَحبي في إِسارٍ وَفي قَبضِ
حَمِدتُ إِلَهي بَعدَ عُروَةَ إِذ نَجا / خَراشٌ وَبَعضُ الشَرِّ أَهوَنُ مِن بَعضِ
وَأَصبَحتُ في مُلكٍ مُفاضٍ وَنِعمَةٍ / مَنيعاً وَطَرفُ الدَهرِ عَنِّيَ في غَضِّ
لَدى مَلِكٍ فاقَ المُلوكَ بِفَضلِهِ / وَطالَهُمُ طَولَ السَماءِ عَلى الأَرضِ
هُوَ المَلِكُ المَنصورُ غازي اِبنُ أُرتُقٍ / أَخو النائِلِ الفَيّاضِ وَالكَرَمِ المَحضِ
مَليكٌ يَرى كَسبَ النُضارِ نَوافِلاً / بِعَينٍ تَرى بَذلَ الهِباتِ مِنَ الفَرضِ
حَباني بِما لَم يوفِ جُهدي بِشُكرِهِ / وَأَنجَدَني وَالدَهرُ يَجهَدُ في رَفضي
فَبُعداً لِأَمنٍ صَدَّني عَن جِنابِهِ / وَيا حَبَّذا خَوفٌ إِلى قَصدِهِ يُفضي
صَبراً عَلى وَعدِ الزَمانِ وَإِن لَوى
صَبراً عَلى وَعدِ الزَمانِ وَإِن لَوى / فَعَساهُ يُصبِحُ تائِباً مِمّا جَنى
لا يُجزِ عَنَّكَ أَنَّهُ رَفَعَ العِدى / فَلَسَوفَ يَهدِمهُ قَليلٌ ما بَنى
حَكَموا فَجاروا في القَضاءِ وَما دَروا / أَنَّ المَراتِبَ تَستَحيلُ إِلى فَنا
ظَنّوا الوِلايَةَ أَن تَدومَ عَليهِمُ / هَيهاتَ لَو دامَت لَهُم دامَت لَنا
قَتَلوا رِجالي بَعدَ أَن فَتَكوا بِهِم / في وَقعَةِ الزَوراءِ فَتكاً بَيِّنا
كُلُّ الَّذينَ غَشوا الوَقيعَةَ قُتِّلوا / ما فازَ مِنهُم سالِماً إِلّا أَنا
لَيسَ الفِرارُ عَلَيَّ عاراً بَعدَما / شَهِدوا بِبَأسي يَومَ مُشتَبَكِ القَنا
إِن كُنتُ أَوَّلَ مَن نَأى عَن أَرضِهِم / قَد كُنتُ يَومَ الحَربِ أَوَّلَ مَن دَنا
أَبعَدتُ عَن أَرضِ العِراقِ رَكائِبي / عِلماً بِأَنَّ الحَزمَ نِعمَ المُقتَنى
لا أَختَشي مِن ذِلَّةٍ أَو قِلَّةٍ / عِزّي لِساني وَالقَناعَةُ لي غِنى
جُبتُ البِلادَ وَلَستُ مُتَّخِذاً بِها / سَكَناً وَلَم أَرضَ الثُرَيّا مَسكِنا
حَتّى أَنَختُ بِمارِدينَ مَطِيَّتي / فَهُناكَ قالَ لي الزَمانُ لَكَ الهَنا
في ظِلِّ مَلكٍ مُذ حَلَلتُ بِرَبعِهِ / أَمسى لِسانُ الدَهرِ عَنّي أَلكَنا
نَظَرَ الخُطوبَ وَقَد قَسَونَ فَلانَ لي / وَرَأى الزَمانَ وَقَد أَساءَ فَأَحسَنا
شَفَّها السَيرُ وَاِقتِحامُ البَوادي
شَفَّها السَيرُ وَاِقتِحامُ البَوادي / وَنُزولي في كُلِّ يَومٍ بَوادِ
وَمَقيلي ظِلَّ المَطِيَّةِ وَالتُر / بُ فِراشي وَساعِداها وِسادي
وَضَجيعي ماضي المَضارِبِ عَضبٌ / أَصلَحَتهُ القُيونُ مِن عَهدِ عادِ
أَبيَضٌ أَخضَرُ الحَديدَةِ مِمّا / شَقَّ قِدماً مَرائِرَ الآسادِ
وَقَميصي دِرعٌ كَأَنَّ عُراها / حُبُكُ النَملِ أَو عُيونُ الجَرادِ
وَنَديمي لَفظي وَفِكري أَنيسي / وَسُروري مائي وَصَبري زادي
وَدَليلي مِنَ التَوَسُّمِ في البي / دِ لِبادي الأَعلامِ وَالأَطوادِ
وَإِذا ما هَدى الظَلامُ فَكَم لي / مِن نُجومِ السَماءِ في السُبلِ هادي
ذاكَ أَنّي لا تَقبَلُ الضَيمَ نَفسي / وَلَوَ اَنّي اِفتَرَشتُ شَوكَ القَتادِ
هَذِهِ عادَتي وَقَد كُنتُ طِفلاً / وَشَديدٌ عَلَيَّ غَيرُ اِعتِيادي
فَإِذا سِرتُ أَحسَبُ الأَرضَ مِلكي / وَجَميعَ الأَقطارِ طَوعَ قِيادي
وَإِذا ما أَقَمتُ فَالناسُ أَهلي / أَينَما كُنتُ وَالبِلادُ بِلادي
لا يَفوتُ القُبولُ مَن رُزِقَ العَق / لَ وَحُسنَ الإِصدارِ وَالإيرادِ
وَإِذا صَبَّرَ القَناعَةَ دِرعاً / كانَ أَدعى إِلى بُلوغِ المُرادِ
لَستُ مِمَّن يَدِلُّ مَع عَدَمِ الجَد / دِ بِفِعلِ الآباءِ وَالأَجدادِ
ما بَنَيتُ العَلياءَ إِلّا بِجِدّي / وَرُكوبي أَخطارَها وَاِجتِهادي
وَبِلَفظي إِذا نَطَقتُ وَفَضلي / وَجِدالي عَن مَنصِبي وَجَلادي
غَيرَ أَنّي وَإِن أَتَيتُ مِنَ النَظ / مِ بِلَفظٍ يُذيبُ قَلبَ الجَمادِ
لَستُ كَالبُحتَرِيَّ أَفخَرُ بِالشِع / رِ وَأَثني عِطفَيَّ في الأَبرادِ
وَإِذا ما بَنَيتُ بَيتاً تَبَختَر / تُ كَأَنّي بَنَيتُ ذاتَ العِمادِ
إِنَّما مَفخَري بِنَفسي وَقَومي / وَقَناتي وَصارِمي وَجَوادي
مَعشَرٌ أَصبَحَت فَضائِلُهُم في ال / أَرضِ تُتلى بِأَلسُنِ الحُسّادِ
أَلبَسوا الآمِلينَ أَثوابَ عِزٍّ / وَأَذَلّوا أَعناقَ أَهلِ العِنادِ
كَم عَنيدٍ أَبدى لَنا زُخرُفَ القَو / لِ وَأَخفى في القَلبِ قَدحَ الزَنادِ
وَرَمانا مِن غَدرِهِ بِسِهامٍ / نَشِبَت في القُلوبِ وَالأَكبادِ
فَسَرَينا إِلَيهِ في أَجَمِ السُم / رِ بِغابٍ يَسيرُ بِالآسادِ
وَأَتَينا مِنَ الخُيولِ بِسيلٍ / سالَ فَوقَ الهِضابِ قَبلَ الوِهادِ
وَبَرَزنا مِنَ الكُماةِ بِأَطوا / دِ حُلومٍ تَسري عَلى أَطوادِ
كُلَّما حاوَلوا الهَوادَةَ مِنّا / شاهَدوا الحَيلَ مُشرِفاتِ الهَوادي
وَأَخَذنا حُقوقَنا بِسُيوفٍ / غَنِيَت بِالدِما عَنِ الأَغمادِ
فَكَأَنَّ السُيوفَ عاصِفُ ريحٍ / وَهُمُ في هُبوبِها قَومُ عادِ
حاوَلَت روسُهُم صُعوداً فَنالَت / هُ وَلَكِنَّ مِن رُؤوسِ الصِعادِ
فَلَئِن فَلَّتِ الحَوادِثُ حَدّي / بَعدَما أَخلَصَ الزَمانُ اِنتِقادي
فَلَقَد نِلتُ مِن مُنى النَفسِ مارُم / تُ وَأَدرَكتُ مِنهُ فَوقَ مُرادي
وَتَحَقَّقتُ إِنَّما العَيشُ أَطوا / رٌ وَكُلٌّ مَصيرُهُ لِنَفادِ
قَبيحٌ بِمَن ضاقَت عَنِ الأَرضِ أَرضُهُ
قَبيحٌ بِمَن ضاقَت عَنِ الأَرضِ أَرضُهُ / وَطولُ الفَلا رَحبٌ لَدَيهِ وَعَرضُهُ
وَلَم يُبلِ سِربالَ الدُجى فيهِ رَكضُهُ / إِذا المَرءُ لَم يَدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ /
إِذا المَرءُ لَم يَحجُب عَنِ العَينِ نَومَها / وَيُغلي مِنَ النَفسِ النَفيسَةِ سَومَها
أُضيعَ وَلَم تَأمَن مَعاليهِ لَومَها / وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها
فَلَيسَ إِلى حُسنِ الثَناءِ سَبيلُ /
وَعُصبَةِ غَدرٍ أَرغَمَتها جَدودُنا / فَباتَت وَمِنها ضِدُّنا وَحَسودُنا
إِذا عَجِزَت عَن فِعلِ كَيدٍ يَكيدُنا / تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا
فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ /
رَفَعنا عَلى هامِ السَماكِ مَحَلَّنا / فَلا مَلِكٌ إِلّا تَفَيّأَ ظِلَّنا
فَقَد خافَ جَيشُ الأَكثَرينَ أَقَلَّنا / وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا
شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ /
يُوازي الجِبالَ الراسِياتِ وَقارُنا / وَتُبنى عَلى هامِ المَجَرَّةِ دارُنا
وَيَأمَنُ مِن صَرفِ الزَمانِ جِوارُنا / وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا
عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ /
وَلَمّا حَلَلنا الشامَ تَمَّت أُمورُهُ / لَنا وَحَبانا مَلكُهُ وَأَميرُهُ
وَبِالنَيرَبِ الأَعلى الَّذي عَزَّ طورُهُ / لَنا جَبَلٌ يَحتَلُّهُ مَن نِجيرُهُ
مَنيعٌ يَرُدُّ الطَرفَ وَهوَ كَليلُ /
يُريكَ الثَرَيّا مِن خِلالِ شِعابِهِ / وَتُحدِقُ شُهبُ الأُفقِ حَولَ هِضابِهِ
وَيَعثُرُ خَطوُ السُحبِ دونَ اِرتِكابِهِ / رَسا أَصلُهُ تَحتَ الثَرى وَسَما بِهِ
إِلى النَجمِ فَرعٌ لا يُنالُ طَويلُ /
وَقَصرٍ عَلى الشَقراءِ قَد فاضَ نَهرُهُ / وَفاقَ عَلى فَخرِ الكَواكِبِ فَخرُهُ
وَقَد شاعَ ما بَينَ البَرِيَّةِ شُكرُهُ / هُوَ الأَبلَقُ الفَردُ الَّذي شاعَ ذِكرُهُ
يَعُزُّ عَلى مَن رامَهُ وَيَطولُ /
إِذا ما غَضِبنا في رِضى المَجدِ غَضبَةً / لِنُدرِكَ ثَأراً أَو لِنَبلُغَ رُتبَةً
نَزيدُ غَداةَ الكَرِّ في المَوتِ رَغبَةً / وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّةً
إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ /
أَبادَت مُلاقاةُ الحُروبِ رِجالَنا / وَعاشَ الأَعادي حينَ مَلّوا قِتالَنا
لَأَنّا إِذا رامَ العُداةُ نِزالَنا / يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا
وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ /
فَمِنّا مُعيدُ اللَيثِ في قَبضِ كَفِّهِ / وَمورِدُهُ في أَسرِهِ كَأسَ حَتفِهِ
وَمِنّا مُبيدُ الأَلفِ في يَومِ زَحفِهِ / وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ
وَلا ضَلَّ يَوماً حَيثُ كانَ قَتيلُ /
إِذا خافَ ضَيماً جارُنا وَجَليسُنا / فَمِن دونِهِ أَموالُنا وَرُؤوسُنا
وَإِن أَجَّجَت نارَ الوَقائِعِ شوسُنا / تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا
وَلَيسَت عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ /
جَنى نَفعَنا الأَعداءُ طَوراً وَضَرَّنا / فَما كانَ أَحلانا لَهُم وَأَمَرَّنا
وَمُذ خَطَبوا قِدماً صَفانا وَبِرَّنا / صَفَونا وَلَم نَكدُر وَأَخلَصَ سِرَّنا
إِناثٌ أَطابَت حَملَنا وَفُحولُ /
لَقَد وَفَتِ العَلياءُ في المَجدِ قِسطَنا / وَما خالَفَت في مَنشَأِ الأَصلِ شَرطَنا
فَمُذ حاوَلَت في ساحَةِ العِزِّ هَبطَنا / عَلَونا إِلى خَيرِ الظُهورِ وَحَطَّنا
لِوَقتٍ إِلى خَيرِ البُطونِ نُزولُ /
تُقِرُّ لَنا الأَعداءُ عِندَ اِنتِسابِنا / وَتَخشى خُطوبُ الدَهرِ فَصلَ خِطابِنا
لَقَد بالَغَت أَيدي العُلى في اِنتِخابِنا / فَنَحنُ كَماءِ المُزنِ ما في نِصابِنا
كَهامٌ وَلا فينا يُعَدُّ بَخيلُ /
نُغيثُ بَني الدُنيا وَنَحمِلُ هَولَهُم / كَما يَومُنا في العِزِّ يَعدِلُ حَولَهُم
نَطولُ أُناساً تَحسُدُ السُحبُ طَولَهُم / وَنُنكِرُ إِن شَيئاً عَلى الناسِ قَولَهُم
وَلا يُنكِرونَ القَولَ حينَ نَقولُ /
لِأَشياخِنا سَعيٌ بِهِ المُلكَ أَيَّدوا / وَمِن سَعيِنا بَيتُ العَلاءِ مُشَيَّدُ
فَلا زالَ مِنّا في الدَسوتِ مُؤَيَّدُ / إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدُ
قَؤولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعولُ /
سَبَقنا إِلى شَأوِ العُلى كُلَّ سابِقِ / وَعَمَّ عَطانا كُلَّ راجٍ وَوامِقِ
فَكَم قَد خَبَت في المَحلِ نارُ مُنافِقِ / وَما أُخمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقِ
وَلا ذَمَّنا في النازِلينَ نَزيلُ /
عَلَونا مَكانَ النَجمِ دونَ عُلُوِّنا / وَسامَ العُداةَ الحَسفَ فَرطُ سُمُوِّنا
فَماذا يَسُرُّ الضِدَّ في يَومِ سَوَّنا / وَأَيّامُنا مَشهورَةٌ في عَدُوِّنا
لَها غُرَرٌ مَعلومَةٌ وَحُجولُ /
لَنا يَومَ حَربِ الخارِجِيِّ وَتَغلِبٍ / وَقائِعُ فَلَّت لِلظُبى كُلَّ مَضرِبِ
فَأَحسابُنا مِن بَعدِ فِهرٍ وَيَعرُبِ / وَأَسيافُنا في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبِ
بِها مِن قِراعِ الدارِعينَ فُلولُ /
أَبَدنا الأَعادي حينَ ساءَ فِعالُها / فَعادَ عَلَيها كَيدُها وَنِكالُها
وَبيضٌ جَلا ليلَ العَجاجِ صِقالُها / مَعَوَّدَةٌ أَلا تُسَلَّ نِصالُها
فَتُغمَدَ حَتّى يُستَباحَ قَبيلُ /
هُم هَوَّنوا في قَدرِ مَن لَم يُهِنهُمُ / وَخانوا غَداةَ السِلمِ مَن لَم يَخُنهُمُ
فَإِن شِئتِ خُبرَ الحالِ مِنّا وَمِنهُم / سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ
فَليسَ سَواءً عالِمٌ وَجُهولُ /
لَئِن ثَلَمَ الأَعداءُ عِرضي بِسَومِهِم / فَكَم حَلِموا بي في الكَرى عِندَ نَومِهِم
وَإِن أَصبَحوا قُطباً لِأَبناءِ قَومِهِم / فَإِنَّ بَني الرَيّانِ قُطبٌ لِقَومِهِم
تَدورُ رَحاهَم حَولَهُم وَتَجولُ /
تَوَسَّدَ في الفَلا أَيدي المَطايا
تَوَسَّدَ في الفَلا أَيدي المَطايا / وَقَدَّ مِنَ الصَعيدِ لَهُ حَشايا
وَعانَقَ في الدُجى أَعطافَ عَضبٍ / يَدِبُّ بِحَدِّهِ ماءُ المَنايا
وَصَيَّرَ جَأشَهُ في البِيدِ جَيشاً / وَمِن حَزمِ الأُمورِ لَهُ رَبايا
فَمُذ بَسَمَت ثَنايا الأَمنِ نادى / أَنا اِبنُ جَلا وَطَلّاعُ الثَنايا
أَبِيٌّ لا يُقيمُ بِأَرضِ ذُلٍّ / وَلا يَدنو إِلى طُرُقِ الدَنايا
إِذا ضاقَت بِهِ أَرضٌ جَفاها / وَلو مَلأَ النُضارُ بِها الرَكايا
غَدا لِأَوامِرِ السُلطانِ طَوعاً / وَلَكِن لا يُعَدُّ مِنَ الرَعايا
تَرَكتُ الحُكمَ يُسعِفُ طالِبيهِ / وَيورِدُ أَهلَهُ خُطَطَ الخَطايا
وَعِفتُ حِسابَهُم وَالأَصلُ عِندي / وَفي كَفَّيَّ دَستورُ البَقايا
وَسِرتُ مُرَفَّهاً في حُكمِ نَفسٍ / تَعُدُّ خَمولَها إِحدى البَلايا
وَلَيسَ بِمُعجِزٍ خَوضُ الفَيافي / إِذا اِعتادَ الفَتى خَوضَ المَنايا
فَلي مِن سَرجِ مُهري تَختُ مُلكٍ / مَنيعٍ لَم تَنَلهُ يَدُ الرَزايا
وَإيوانٌ حَكى إيوانَ كِسرى / تُدارُ عَلَيهِ مِن نَبعٍ حَنايا
يُقيمُ مَعَ الرِجالِ إِذا أَقَمنا / وَإِن سِرنا تَسيرُ بِهِ المَطايا
يَسيرُ بِيَ البِساطُ بِهِ كَأَنّي / وَرِثتُ مِن اِبنِ داوُدٍ مَزايا
يُخالُ لِسَيرِهِ في البيدِ خِلواً / وَكَم فيهِ خَبابا في الزَوايا
تُباريهِ مَعَ الوِلدانِ قودٌ / مُضَمَّرَةُ الأَياطِلِ وَالحَوايا
وَتَخفُقُ دونَ مَحمِلِهِ بُنودٌ / كَأَنّي بَعضُ أَملاكِ خَطايا
فَأَيُّ نَعيمِ مُلكٍ زالَ عَنّي / وَأَبكارُ المَمالِكِ لي البَرايا
إِذا وافَيتُ يَوماً رَيعَ مُلكٍ / لِيَ المِرباعُ فيهِ وَالصَفايا
تُلاحِظُني المُلوكُ بِعَينِ عِزٍّ / وَتُكرِمُني وَتُحسِنُ بي الوَصايا
أُجاوِرُهُم كَأَنَّ بَينَ أَهلي / وَكُلُّ مِن سَراتِهِمُ سَرايا
وَما لِيَ ما أَمُتُّ بِهِ إِلَيهِم / سِوى الآدابِ مَع صِدقِ الطَوايا
وَوُدٍّ شَبَّهَتهُ لَهُم بِنُصحٍ / إِذا شورِكتُ في فَصلِ القَضايا
وَإِنّي لَستُ أَبداهُم بِمَدحٍ / أَرومُ بِهِ المَواهِبَ وَالعَطايا
وَلَكِنّي أُصَيِّرُهُ جَزاءً / لِما أَولَوهُ مِن كَرَمِ السَجايا
فَكَم أَهدَيتُ مِن مَعنىً دَقيقٍ / بِهِ وَصَلَ الدَقيقُ إِلى الهَدايا
فَقُل لُمسَفِّهٍ في البُعدِ رَأيِي / وَكُنتُ بِهِ أَصَحَّ الناسِ رايا
عَذَرتُكَ لَم تَذُق لِلعِزِّ طَعماً / وَلا أَبدى الزَمانُ لَكَ الخَفايا
وَلا أَولاكَ ضَوءُ الحُسنِ نوراً / كَما عَكَسَت أَشِعَّتَها المَزايا
فَما حُرٌّ يَسيغُ الضَيمِ حُرّاً / وَلَو أَصمَت عَزائِمَهُ الرَمايا
لِذَلِكَ مُذ عَلا في الناسِ ذِكري / رَمَيتُ بِلادَ قَومي بِالنَسايا
وَلَستُ مُسَفِّهاً قَومي بِقَولي / وَلَكِنَّ الرِجالُ لَها مَزايا
لا يَظُنَّنَّ مَعشَري أَنَّ بُعدي
لا يَظُنَّنَّ مَعشَري أَنَّ بُعدي / عَنهُمُ اليَومَ موجِبٌ لِلتَراخي
بَل أَبَيتُ المُقامَ بَعدَ شُيوخي / ما مُقامُ الفِرزانِ بَعدَ الرَخاخِ
أَينَما سِرتُ كانَ لي فيهِ رَبعٌ / وَأَخٌ مِن بَني الزَمانِ أُؤاخي
وَإِذا أَجَّجوا الكِفاحَ رَأوني / تابِعاً في مَجالِها أَشياخي
رُبَّ فِعلٍ يَسمو عَلى شامِخِ الشُم / مِ وَقَولٍ يَسمو عَلى الشَمّاخِ
حاوَلَتني مِنَ العُداةِ لُيوثٌ / لا أَراها بَعوضَةً في صِماخي
قَد رَأوا كَيفَ كانَ لِلحَبِّ لَقطي / وَفَراري مِن قَبلِ فَقسِ الفِخاخِ
إِن أَبادوا بِالغَدرِ مِنّا بُزاةً / وَيلَهُم مِن كَمالِ ريشِ الفِراخِ
سَوفَ تَذكو عَداوَةٌ زَرَعوها / إِنَّها أُلقِيَت بِغَيرِ السِباخِ
مُذ تَسامَت بِنا النُفوسُ السَوامي
مُذ تَسامَت بِنا النُفوسُ السَوامي / أَصغَرَت قَدرَ مالِنا وَالسَوامِ
فَلَنا الأَصلُ وَالفُروعُ النَوامي / إِنَّ أَسيافَنا القِصارِ الدَوامي
صَيَّرَت مُلكَنا طَويلَ الدَوامِ /
كَم فِناءٍ بِعَدلِنا مَعمورِ / وَمَليكٍ بِجودِنا مَغمورِ
وَأَميرٍ بِأَمرِنا مَأمورِ / نَحنُ قَومٌ لَنا سَدادُ أُمورِ
وَاِصطِدامُ الأَعداءِ مِن وَسطِ لامِ /
كَم فَلَلنا شَبا خُطوبٍ جِسامِ / بِيَراعٍ أَو ذابِلٍ أَو حُسامِ
فَلَنا المَجدُ لَيسَ فيهِ مُسامِ / وَاِقتِسامُ الأَموالِ مِن وَقتِ سامِ
وَاِقتِحامُ الأَهوالِ مِن وَقتِ حامِ /
سَوابِقُنا وَالنَقعُ وَالسُمرُ وَالظُبى
سَوابِقُنا وَالنَقعُ وَالسُمرُ وَالظُبى / وَأَحسابُنا وَالحِلمُ وَالبَأسُ وَالبِرُّ
هُبوبُ الصِبا وَاللَيلُ وَالبَرقُ وَالقَضا / وَشَمسُ الضُحى وَالطودُ وَالنارُ وَالبَحرُ
لَئِن لَم أَبَرقِع بِالحَيا وَجهَ عِفَّتي
لَئِن لَم أَبَرقِع بِالحَيا وَجهَ عِفَّتي / فَلا أَشبَهَتهُ راحَتي في التَكَرُّمِ
وَلا كُنتُ مِمَّن يَكسُرُ الجَفنَ في الوَغى / إِذا أَنا لَم أَغضُضهُ عَن رَأيِ مَحرَمِ
لا يَسمَعُ العودَ مِنّا غَيرُ خاضِبِهِ
لا يَسمَعُ العودَ مِنّا غَيرُ خاضِبِهِ / مِن لَبَّةِ الشوسِ يَومَ الرَوعِ بِالعَلَقِ
وَلا يَزُفُّ كُمَيتاً غَيرُ مُصدرِهِ / يَومَ الطِرادِ بَليلَ الطَفِّ بِالعَرَقِ
لَقَد نَزَّهَت قَدري عَنِ الشِعرِ أُمَّةٌ
لَقَد نَزَّهَت قَدري عَنِ الشِعرِ أُمَّةٌ / وَلامَ عَلَيهِ مَعشَري وَبَنو أَبي
وَما عَلِموا أَنّي حَمَيتُ ذِمارَهُ / عَنِ العارِ لَم أَذهَب بِهِ كُلَّ مَذهَبِ
وَما عابَني نَظمُ القَريضِ وَمَذهَبي / رَفيعٌ وَقَلبي في الوَغى غَيرُ قُلَّبِ
أَقولُ وَفي كَفّي يَراعٌ وَتارَةً / أَقولُ وَسَيفي في مَفارِقِ أَغلَبِ
وَما كُنتُ أَرضى بِالقَريضِ فَضيلَةً
وَما كُنتُ أَرضى بِالقَريضِ فَضيلَةً / وَإِن كانَ مِمّا تَرتَضيهِ الأَفاضِلُ
وَلَستُ أُذيعُ الشِعرَ فَخراً وَإِنَّما / مُحاذَرَةً أَن تَدَّعيهِ الأَراذِلُ
وَلَقَد أَسيرُ عَلى الضَلالِ وَلَم أَقُل
وَلَقَد أَسيرُ عَلى الضَلالِ وَلَم أَقُل / أَينَ الطَريقُ وَإِن كَرِهتُ ضَلالي
وَأَعافُ تَسآلَ الدَليلِ تَرَفَّعاً / عَن أَن يَفوهَ فَمي بِلَفظِ سُؤالِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025