القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 316
يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ
يَرْمي فؤاديَ وَهْوَ في سَوادئهِ / أتُراهُ لا يخْشَى على حَوْبائه
ومنَ الجهالةِ وهْوَ يَرشُقُ نفسه / أنْ تَطْمعَ العشّاقُ في إبقائه
تاهَ الفؤادُ هوى وتاهَ تعَظُمّاً / فمتى إفاقةُ تائهٍ في تائه
رَشَأٌ يُريك إذا نَظْرتَ تَثنيِّاً / تُسْبى قلوبُ الخَلْقِ في أثنائه
عَلقَ القضيبُ معَ الكثيبِ بقدهِ / مُتجاذبَيْنِ لحُسنه وبَهائه
حتّى إذا بلَغا الخِصامَ تَراضيَا / للفَصْلِ بينهما بَعقْدِ قبَائه
ذُو غُرةٍ كالنّجمِ يلمَعُ نورُه / في ظلمةٍ أخْفَتْهُ من رُقبَائه
بيضاءُ لمّا آيسَتْ من وصْلِها / وبدَتْ بُدُوَّ البَدْرِ وَسْطَ سمَائه
أَترَعْتُ في حِجْري غديراً للبُكا / فعسى يلوحُ خيَالُها في مائه
ومُسّهدٌ حَلّ الصبًّاحُ بفرْعِهِ / من طُولِ ليلته ومن إعيائه
شُقّتَ جيوبُ جفونهِ عن ناظرٍ / من طيَفْهم خالٍ ومن إغفائه
مُتَطاوِلٌ أسفارُه مُتَوسِّدٌ / وَجَناتُه إحدى يَدَيْ وَجنْائه
طَوراً يُرَى زَوْرَ الجِبالِ وتارةً / يَرْمي العراقُ به إلى زَوْرائه
والدَّهرُ أتعَبُ أهِله مِن أهلِه / منْ حاول التّقويم من عوجائه
مالي وما للدّهر ما من مطلَبٍ / أُدنيه إلاَّ لجَّ في إقصائه
دَهرٌ لعَمرُك هَرَّمتْه كَبْرةٌ / حتْى غدا يَجْني على أبنائه
يُبدِى التَعجّبَ من كثير عَنائه / فيه اللّبيبُ ومن قليلِ غَنائه
مُتَقلّبٌ أيامَه تَجِدُ الفتى / حيرانَ بين صباحهِ ومَسائه
كدَرَتْ فليس يَبينُ آخرُ أمرها / وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صَفائه
مَنْ لي بذي كرَمٍ أقرّطُ سَمْعَهُ / شَكوْى زمانٍ مَرَّ في غُلوَائه
إنّ الزمان إذا دهَى بصُروفه / شُكِيَتْ عَظائمُه إلى عُظَمائه
الدينُ والدُّنيا كُفيتَ مُهمّها / مهما جَلْوتَ ظلامَها بضيائه
ولأحمدَ بنِ علّي اجتمعَتْ عُلاً / لم تَجتمعْ من قَبله لسِوائه
فَرْدٌ بألفِ فضيلةٍ فيه فما / في العَصْرِ رّبُّ كفايةٍ بكِفائه
لا تنجِلي ظُلَمُ الخطوبِ عن الفتَى / إلاّ برؤيةِ وَجهْهِ وبرائه
مَلَك المُروءةَ دون أهلِ زمانه / مُلْكَ المَواتِ لمُبتْدِي إحيائه
ماضي العزيمةِ لا يُطاقُ سُؤالُه / أبدَ الزّمان لَسبقِه بَعَطائه
يُفْنِي ذخائَرَهُ ويبُقى ذكْرَه / إفناؤها نَهْجٌ إلى إبقائه
وإذا أمات المالَ أصبحَ وارثاً / من آمِلٍ أحياهُ حُسْنَ ثَنائه
ذُخْرانِ مَوْروثانِ قد بَقيا له / حَمْدٌ ومَجدٌ طال فَرْعُ بنائهِ
من ذاهبَيْنِ تَصرَّما فالحَمْدُ من / أموالهِ والمَجْدُ من آبائه
وأجَلُّ من آلائه عندَ الورّى / منه احتقارُ الغُرِّ من آلائه
فيظَلُّ يَحْبوُ مُستميحَ نَوالهِ / وكأنّما هو طالِبٌ من لحبائه
وترى له كرماً يغالط نفسه / ويصحف المسطور من أبنائه
يَحْبو ويَقْرأ أنه يَجنْى فَعن / دَ حِبائه يتَغْشاهُ فَضْلُ حيَائه
فَتَراهُ مُعْتَذِراً بغيرِ جنايةٍ / عُذْرَ الجُناةِ إلى أخي استِجْدائه
إنّي لأُفكِرُ كيف أنظمُ شُكْرهُ / فلقد تَملّكني كريمُ إِخائه
لكنْ أُؤمِّلُ أن يَظَلَّ على الورى / في أُفْقه المحسودِ من عَلْيائه
هو و الأعزّةُ من بَنيه دائماً / كالبَدْرِ وَسْطَ الشُهْبِ في ظَلمْائه
وطالعٍ من مشرِقِ القَباء
وطالعٍ من مشرِقِ القَباء / في ليلةٍ من صُدْغه لَيلاءِ
مثْلَ طلوع البدر في الظَلماء / ينظُرُ من صادقةٍ دعجاء
كشَقّةٍ في شَعْرةٍ سوداء / لَقيتُه في غِلْمةٍ أكفاء
تَلاعَبوا في عَرْصةٍ فَيْحاء / فثارَ مثْلَ الظبيةِ الأدْماء
عاطِفَ فَضْلِ الذَّيل ذي الإرخاء / ومُبدِياًعن وجْنةٍ حمراء
فخاضَ في فَنٍّ منَ الرماء / إصماؤه يكونُ في الإشْواء
مُنْفَتِلاً بقامةٍ مَيْلاء / وعابِثاً بكُرَةٍ شَعْراء
عَجيبةٍ تُضرَبُ في الهواء / بصَولَجَانٍ صادقِ الإيماء
يُصانُ للإغرازِ في الغِشاء / لم يُبْرَ من أيكتِه الخضراء
كلاّ ولم يَعْرَ من اللّحاء / فَيَنْثَني يَبْساً بلا انثناء
بلْ هو رَطبٌ كلسانِ الماء / أنعَمُ ساقَىْ بانةٍ غَنّاء
يختلسُ الخَطْفةَ في وَحاء / مثْلَ اختلاسِ العينِ للإغضاء
أو مثْلَ نَصْبِ الأُدْنِ للإصغاء / فَمَرَّ في ضَرْبٍ لَها وِلاء
يَقْسِمُ طَرْفَ المُقلةِ الخَوصاء / في اللِّعْبِ بين الأرضِ والسّماء
تَخْبِطُ رِجْلاه على العراء / مَع الصّوابِ خبَطْةَ العَشْواء
يَسرِقُ من شمائل الظباء / نَقْراً يُواليهِ على أنحاء
أبطَؤُها يَخطِفُ عينَ الرائي / ويُتْبِعُ الأعدادَ بالإحصاء
كسَوقِكَ الأذْواد بالحُداء / يَستقبلُ الدَّفعةَ من تِلقاء
ورُبما آثَرَ في الأثناء / أن يَتلقّى الرَمْيَ من وراء
فنظْمُهُ مُستَحسَنُ الإقواء / يَهتَزُّ مثْلَ الصَّعدةِ السّمراء
وقَدُّه من شِدةِ الْتواء / كالغُصْنِ تحتَ العاصفِ الهَوجاء
تَراهُ من تَمَدُّ الأَعضاء / كأنّه كوَكِبُ الجَوزاء
له خُطاً قليلةُ الاِخطاء / حكيمةُ الإسراعِ والإبطاء
لو لم يكنْ مَسٌ منَ الإعياء / لَوَصَلَ الصّباحَ بالمَساء
مُستَغْرَبُ الإخطاء كالعَنْقاء / وزائدُ العود على الإبداء
يالك من مركوضة ملساء / رافعة لخصلة دهماء
من ذنَبٍ في جَبْهةٍ شَهْباء / تُطيعُ مَولاها بلا استعْصاء
وهوْلَها مُواصِلُ الجَفاء / مُبَدِّلُ الإدناء بالإقصاء
يُوسعُها ركْلاً بلا اتّقاء / وكلّما عادتْ عن اسِتعْلاء
قَبّلتِ الرِجْلَ بلا إباء / وجازتِ الجَفاء بالوفاء
خُذْها وإنْ لم تُهْدَ من صَنعْاء / حَبيكةً كالوَشْيِ من إهْدائي
واصفةً للُعْبةٍ عَجْماء / ولَفْظُها للعَربِ العَرْباء
وعَدتْ باستراقةٍ للّقاء
وعَدتْ باستراقةٍ للّقاء / وبإهداء زوْرةٍ في خفَاءِ
وأطالَتْ مَطْلَ المُحب إلى أنْ / وجَدتْ خُلْسَةً من الأعداء
ثم غارتْ من أن يُماشيَها الظلْ / لُ فزارتْ في ليلةٍ ظَلماء
ثُمّ خافَتْ لمّا رأتْ أنجمَ الّلي / لِ شَبيهاتِ أعيُنِ الرُّقبَاء
فاستنَابَتْ طيفاً يُلمُّ ومَن يَمْ / لكُ عَيْناً تَهُمُّ بالإغفاء
هكذا نَيْلُها إذا نوَّلتْنا / وعَناءٌ تَسَمُّحُ البُخلاء
يَهْدِمُ الإنتهاءُ باليأسِ منها / ما بناه الرّجاءُ بالإبتداء
وقليلُ الإحسانِ عندي كثيرٌ / لو تَوقَّعْتُه من الحَسناء
فمتى للغليلِ يا صاح يَشْفي / مَن شكا ظَمْأةً إلى ظَمياء
هو جَدّى المَوسومُ بالغَدْرِ في الحُبْ / بِ متى ما اتَّهمْتُه بالوفاء
كلّما مال مَن أُحبُّ لادُنا / ئىَ لَجّ الزّمانُ في إقصائي
ولَعَهْدي واسْمي إلى أُذْنِ أسما / ء لحُبّي كالقُرْطِ في الإسماء
قبلَ تَعتادُ من عِذارى طُلوعاً / كُلَّ يومٍ بَيضاءُ في سَوداء
حين أغدو لا للحبيبةِ من ده / رِي ولا للشّبيبةِ استخْفائي
لست أُنسىَ يومَ الرّحيلِ وقد غَرْ / رَدَ حادي الرّكائبِ الأنضاء
وسُليَمْى مَنَّتْ بِردِّ سلامي / حين جَدَّ الوداعُ بالإيماء
سفَرتْ كي تُزوِّدَ الصَّبَّ منها / نظْرةً حين آذنتْ بالتّنائي
وأَرتْ أنها من الوَجْدِ مثْلي / ولها للفراقِ مثْلُ بُكائي
فَتباكَتْ ودمعُها كسقيطِ الطْ / طلِ في الجُلَّنارةِ الحَمراءِ
وحكى كُلّ هُدْبةٍ لي قَناةً / أنهَرتْ فَتْقَ طعنةٍ نَجلاء
فتَرى الدمعتين في حُمرةِ اللّوْ / نِ سَوداءً وما هُما بسَواء
خَدها يَصْبُغُ الدّموعَ ودمْعي / يَصبُغُ الخَدَّ قانياً بالدِماء
خَضَب الدّمعَ خَدَّها باحمرارٍ / كاختضابِ الزجاجِ بالصّهباء
يا صَفيّي من الأخلاِّء والعَي / شُ حَرامٌ إلاّ مَع الأصفياء
لا تَسَلْني من أين أقبلَ سُقْمي / وأَبِنْ لي من أين أبغي شِفائي
مَن عذيري وهل عَذيرٌ من الأيْ / يامِ مهما أَفرطْنَ في الإلتواء
من زمانٍ جَفا فأضحَتْ ولم تَظْ / لِمْ بنوهُ أشباهَه في الجَفاء
وكرامٍ مثْلِ الأهِّلةِ أيا / مَ سِرارٍ فما لَها من تَراء
وقَرَاري على وُعودِ الأماني / وارتقابي لها صباحَ مَساء
واعتِلاقي بعَزْمةٍ ثُمّ لا أدْ / ري أمامي خيرٌ لها أم ورائي
ومَبيتي مؤُرَّقاً طُولَ لَيلي / واقتْضائي مَدائحَ الكُبَراء
وهُمُ مُعرِضون عنّي وآبى / أنا إلاّ أُكرومَتي وحَيائي
ذا امتعاضٍ أُخفي اختلالي عنِ الرَّا / ئي كإخفاءِ واصلٍ للرّاء
فأَعِد نَظْرةً بعَينكّ تُبصرْ / عَجَباً إنْ عَرَفْتَ عُظْمَ ابتلائي
كيف حالي ما بينَ دَهْرٍ وشِعْرٍ / ذاك والى هَدْمي وهذا بنائي
في زمانٍ لم يُبْقِ في قَرْضِ شعْرٍ / طائلاً من غنىً ولا مِن غَناء
ما عدا غَيْظَ حاسدٍ كلّما استُح / سِنَ شعري معْ قلّة الإجداء
ما تَرى اليومَ والمُعسكرُ يا صا / حِ مَضَمَّ للنَّاس رَحْبُ الفناء
أنّني منه في ذُرا مَعشرٍ غُرْ / رٍ وأبناء دولةٍ غَرّاء
نازِلاً وسْطَهم وإن كنتُ منهم / عند قَصْدِ التّقريبِ والإدناء
مثْلَ ما في القرآنِ من سورةِ النّا / سِ يُرَى بعدَ سُورةِ الشُعراء
لا التفاتٌ ولا سؤالٌ عنِ الحا / لِ ولا نَظْرةٌ من الإرعاء
ذو انكسارٍ في كسْرِ مُخلقةٍ طَلْ / ساءَ مَحطوطةِ المطا وقصْاء
وهْي غبَراءُ مَن رآني وصَحبي / تحتها خالَنا بني غَبراء
وأُراها ما طنَّبتْ مثْلَ ذي الغَب / راء كَفُّ امرىءٍ على الغَبراء
شاب منهم سَوادهُا غيرَ مَظْلو / مٍ بطُلِ الإصباح والإمساءِ
تَركتَهْا الأيامُ لو نصعَ الّلو / نُ كآلٍ يلوُج في بَيْداء
تَتَراءى للناظرِينَ خيالا / فهْي وسَطَ الهواء مثْلُ الهواء
كلّما مَسّها من الشّرقِ ضّوءٌ / خِفْتُ وشْك اختلاطِها بالهَباء
هذه حالتي وفي مثْلِ هذي / حَلّتي إن حلَلْتُ معْ نُظرَائي
ولكَم ناقصٍ قصيرِ يدِ الفَضْ / لِ وحاشا معاشرَ الكُرماء
حاجِبٌ دون حاجِبِ الشمسِ عنه / ظِلُّ مَبنيّةٍ له قَوراء
لائقٌ أن يقالَ فيه وفيها / واللّيالي مُعتادَةُ الإعتداء
ما حَكَوا في النّواةِ والمَعقليّ ال / مُبْتَنى عن حُرَيبٍ الفَأفاء
كلُّ قومٍ أفاضَ قومٌ عليهم / خِلعاً ذاتَ بهجةٍ وبَهاء
كنسيجِ الرياضِ وشّتْه بالأن / وا رِ صُبْحاً أناملُ الأنواء
غيْرَ أنّا من كلِّ ما خَلَع النّا / سُ وأسنَوا من بُردَةٍ ورِداء
قد قنَعِنا بخِلعةٍ ذاتِ تَلْمي / ع قليل أوخرقة بيضاء
حُلوةِ القَدِّ رَحْبةِ الذَّيْلِ بَرد الصْ / صَيفِ في حِضنِها وحَرُّ الشِّتاء
جَيبُها في ضلوعِها والعُرَا في الذْ / ذيْلِ إن نُشِرّتْ غداةَ اكتِساء
ثُمّ من بعدِ أن تُزرَّرَ يُكسا / ها الفتَى وهو أظرَفُ الأشيْاء
مَلْبَسٌ للحُلولِ يُخلَعُ للرِح / لةِ عند استماعِ رَجْع الحُداء
إن أقامُوا عَلا الرؤوسَ وإن را / موا مَسيرا عَلا على الأمطاء
رَكّبتْه الأيدي كَتركيبِ بَيْتٍ / من قَريضٍ مُناسبِ الأجْزاء
ذو عَروضٍ وذو ضُروبٍ ولا عَي / بَ لَها لاحِقٌ من الإقواء
وهْى حَدْباءُ في فَتاءٍ منَ السِنْ / نِ قريبٍ لافي أوانِ فَتاء
حَدِبٌ قَلْبُها علينا وقد يُمْ / تع أيضاً تَحَدُّبُ الحَدباء
غيرَ أنْ لا تقومُ إن هي لم تُمْ / سِكْ بشُعْثٍ مَشْجوجةِ الأقفاء
عَوْجةٌ لي على الجبالِ أُتيحَتْ / بعدَ عَهْدٍ قد طالَ بالزَّوراء
تَرَكتْني مُعانِياً لمَعانٍ / وأعادتْ أعادياً أصدقائي
رَنّقت مَشْربي وقد كان عَيْنٌ الشْ / شَمْسِ والماء دونه في الصّفاء
بعد عهْدي بعِيشتي وهْي خَضْرا / ءُ تثَنّى كالبانةِ الغَنّاء
وأموري كأنّها أَلفِاتٌ / خَطّهُنّ الوَلىُّ في الاستواء
لِوليّ الدينِ المُقدَّمِ سَبْقٌ / إنْ تبَارَتْ خيْلُ العُلا في الجِراء
لنجيبٍ في دَهْرِه ابنِ نجيبٍ / وبلوغُ الغاياتِ للنُّجباء
صارمُ الرّأي يُخجِلُ البيضَ والسُّم / رَ بحَدِّ اليراعةِ الرَّقْشاء
طالعٌ في ثَنّيةٍ رحبَةِ الذِر / وةِ للفضلِ صَعْبةِ الرَّقْشاء
ناثرٌ ما يزالُ في الطِّرس دُرّاً / حَسدَتْ حُسنَها نجومُ السّماء
فحَنتْ قَدَّها لِلَقْطٍ منَ الأُفْ / قِ إليها كوَاكبُ الجوزاء
لو بنو مُقلةٍ رأوْهُ لأضحَى / ولَقَلّوا لمَجْدهِ من فِداء
بعزيزَيهمُ السّمَّيينِ يُفْدَى / من عيونٍ لهم ومن آباء
ولآلَى أبو عَليٍ يَميناً / مُظهراً للوليّ صِدْقَ الوَلاء
لا إلى مُقْلةٍ أبى لو عَلمْتُم / بل إلى مُقلةٍ تَراهُ انتمائي
دَرَجوا ثمّ جاءَ مَن هو أعلَى / دَرَجاً فلْيدُمْ قرينَ العَلاء
ولنا في الوَليِّ مُسْلٍ عن الوَسْ / ْمىِّ فلْيبقَ عادِم الأكفاء
كفْؤُكّفِ الولِيِّ لم يُرَ للكُت / تابِ يوماً في الحُدْث والقدماء
يا ولياً يرَوِّضُ الطرسَ طُولَ الدْ / دَهْرِ فَضلاً بَقِيتَ للأولياء
هكذا ماطِرَ الأناملِ طَلّاً / للقراطيس وابِلاً للرّجاء
نعْمَ ذُخرُ الآمالِ عمْرُك فابقَ الدْ / دَهرَ للمُرتجي أَمَدَ البقاء
زِنتَ وجهَ الدّهرِ الذي شانَهُ النّق / صُ فلا زلْتَ غُرّةَ الدَّهماء
أنت لولاك كان للناسِ في الأف / واهِ ذِكْرُ الكريمِ كالعَنقاء
لك منّي في الصّدْرِ حُسنُ ولاءٍ / رَشْحُه ما بقيتُ حُسْنُ ثناء
دُرُّ لَفْظٍ في تبْرِ مَعْنىً مَصوغٍ / فتقرَّطْهُ يا أخا العلياء
فَحُلِيُّ الرّجالِ صَوْغُ يدِ الفكْ / رِ وصَوغُ الأيدي حُلِيُّ النِّساء
عَفْوَ طبْعٍ جاءتْك فاجْتلِها حس / ناء بكراً فالحُسنُ للاجتلاء
من مُواليك للفضائلِ حُبّاً / وموُالي أسلافِك السُّعَداء
ووِدادُ الأحرارِ في الدّهرِ من أش / رَفِ إرْثِ الآباء للأَبْناء
يَذخرُ الدّهرُ منك في خَللِ الأي / ْيامِ عَضبْاً ذا رَوْنَق ومَضاء
وليِومٍ يُعِدُّك المُلْكُ ذي جَدْ / دٍ وجِدِّ وذي سناً وسَناء
قُلْ لَمنْ ظَلَّ فضُلهُ وهْو جَمٌ / عن مديحٍ يُصاغُ ذا اسِتغناء
فإذا ما بَعْثتُ بابنةِ فكْري / لك جاءتْ تَمشي على استِحيْاء
إن كَساكَ المديحَ فِكري فكم قد / أمطَرتْ ديمةٌ على الدأْماء
كيف أُهدِي لكُ الثّناءَ وأوصا / فُك فُتْنَ الأوهامَ عُظْمَ اعتلاء
وأنا منك في القياسِ وإنْ فا / قَ بني الدّهرِ خاطري في الذَّكاء
مثْلَما في الحسابِ من واضعِ الشّط / رنْجِ بالبُعْدِ تابِعُ السِيَماء
نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ
نَزلَ الأحبّةُ خِطّةَ الأعداءِ / فغدا لقاءٌ منهمُ بلِقاءِ
كم طعنةٍ نَجْلاءَ تَعرِضُ بالحِمىَ / من دون نَظْرةِ مُقلةٍ نَجْلاء
يا مَعْهدَ الرَشأ الأغَنّ كعَهْدِنا / بالجْزعِ تحت البانةِ الغَنّاء
بك أصبَحتْ سَمْراءُ وهي منَ القنا / في ظلِّ كلِ طويلةٍ سَمْراء
هل تُبلِغانِ ليَ الغداةَ تحيّةً / تُهدَى على حَذَرٍ منَ الأحياء
إنْ تبلُغا شَرَفَ العُذَيبِ عشيةً / فَتيامناَ عنه إلى الوعساء
وقِفا لصائدةِ الرّجال بدَلّها / فَصفا جِنايةَ عينها الحوراء
وتَحدَّثا سِرّاً فحولَ قبابها / سُمرُ الرّماحِ يَمِلنَ للإصغاء
من كلِّ باكيةٍ دماً من دُونها / يومَ الطّعان بمُقلةٍ زرقاء
وسميعةٍ صوتَ الصّريخِ وإن غدَتْ / مَدعوَّةً بالصعدة الصمّاء
يا دُميةً من دونِ رَفعِ سُجوفها / خوْضُ الفتى بالخيلِ بحْرَ دِماء
خَوفي لإقصاءِ الرّقيبِ لوَ أنّني / أَجدُ الحبيبَ يَهُمُّ بالإدناء
لو ساعدَ الأحبابُ قلتُ تجلُّداً / أَهوِنْ عليّ برِقبةِ الأعداء
ولئن صدَدْتِ فلستُ أوّلَ خاطيءٍ / يَتوقَّعُ الإحسانَ من حسناء
هل تأذنين لمُغرمٍ في زَورةٍ / فلعلّها تَشفي من البُرحاء
فلقد ملكْتِ عنِ السُّلوِّ مقادتي / وحشوت من نارِ الجوى أحشائي
وصبَرْتُ عَشراً عنكِ مُذْ شَطَّ النّوى / والعِشْرُ أقصى غايةِ الإظماء
ولقد كَتَمتُ عنِ العَذول صَبابتي / لكنّ دَمْعيَ لَجَّ في الإفشاءِ
فلْيهنأِ الغَيرانَ أنّ صدودَها / مِمّا يُروّحُ مَعشراً وبكائي
قُولا لخائفةٍ علينا رِقْبةً / ووِشايةً من معشرٍ بُعَداء
دَمْعي وبُخْلُكِ يَسلُكانِ طريقةً / تُغْنِي عنِ الواشينَ والرُّقَباء
وبمَسْقِطِ العلَمَيْنِ من طُررِ الَّلوى / دِمَنٌ شكَوْنَ تَطاوُلَ الإقواء
كَررّتُ ألحاظي إلى عَرَصاتها / وذكَرتُ عهْدَ أولئك القُرناء
وسقَيْتُ صاديَ تُرْبِها بمَدامعٍ / تَنهلُّ مثْلَ الدِيمةِ الوطْفاء
والدّمعةُ البيضاءُ قَلّتْ عندَها / فمَطرتُها بالدّمْعةِ الحَمراء
فكَمِ التجَرُّعُ للتّحسُّرِ أن خلا / من ساكنيهِ مُنحنَى الجَرْعاء
صبْراً وإنْ رحَل الخليطُ فإنّما / ذُخِرَ العَزاءُ لساعة الأرزاء
واسألْ عِتاق العيسِ إن ثَوّرْتَها / سَيراً يمزّقُ بُردةَ البيداءِ
فعَسى المطايا أن يُجدِّدَ وخْدُها / لك سَلوةً بزيارةِ الزَّوراءِ
فوسَمتُ أغفالَ المهامةِ واطئاً / وجَناتِها بمناسمِ الوجنْاء
حتّى أُنيخَ بشّطِّ دجلةَ أَينُقى / والجَوُ في سمْكٍ من الظّلماء
والجسْرُ تَحسَبُه طِرازاً أسْوداً / قد لاح فوق مُلاءةٍ بيضاء
والّليلُ قد نَسخ الكواكبَ نُسخةً / للأرضِ غير سقيمةِ الأضواء
والأصل للخضراء فهْوَ بِكَفّها / وبهِ تُقابِلُ نُسخةَ الغَبراء
فكأنّما الفَلَك المُدار بمَشْقِها / أبدى كتابتَه لعَيْنِ الرائي
أًمسى وقد نسخَ السّماءَ جميعَها / من حِذْقِه في صَفحةٍ للماء
كي يَخْدُمَ المولَى المُعين لو ارتضَى / بالنسْخِ في ديوانِ الاستيفاء
ولو ارتَضاه خادماً لرأى له / ماذا يُضاعَفُ من سناً وسنَاء
مَن ظَلَّ بين يدْيهِ أدنى كاتبٍ / تَلْقاه واطىء هامةِ الجوزاء
مَن بلَّغ الأقلامَ فوق مدى القنا / للمُلْكِ يومَ تَطاعُنِ الآراءِ
مَن حَلَّ من درَجِ الكِفاية غايةً / أَعيا تَمَنّيها على الأكْفاء
بخلائقٍ خُلِقَتْ لإدْراك العُلا / وطَرائقٍ حَظيَتْ بكُلّ ثناء
ويدٍ تَشِحُّ بذرّةٍ إن حاسبَتْ / وببذرةٍ منها أقَلُّ سَخاء
إنْ لم ُيُسامِحْ ثَمّ فاطْلُبْ رِفْدَه / لِيُريك كيف سَماحةُ السَّمحاء
مَلِكٌ يَشُبُّ لبأَسِه ولجودِهِ / ناريْنِ في الإصباح والإمساء
قَسمتْ يَداه عُداتَه وعُفاتَه / قسمْينِ للإغْناء والإفناء
ذو هِمّةٍ تَلْقى معَالمَ دارِهِ / مَعمورةً أبداً من العُلماء
تتناثَرُ الدُّررُ الثّمينةُ وسْطَها / قُدّامَهُ بتَناظُرِ النُّظراء
وكأنّ بدراً في أسرّة وجْهِه / للنّاظرِين يُمدُّهم بضياء
تَتزعزع الأعطافُ منه هِزّةً / عند استماع تلاوِة القُرّاء
فمسائل الفقهاء مُنشَدةٌ على / آثارهنَّ مدائح الشُّعراء
هذي المكارمُ والمعالي الغُرُّ لا / شدو القيان وضجّة الندماء
لله مختص الملوك فلم تزل / تَختَصُّ هِمَّتُه بكُلِّ علاء
من دوحةٍ للمجدِ عاليةِ الذُّرا / يوم الفخارِ مديدةَ الأفياء
كلٌّ رأى كَسْبَ الثّراء غنيمةً / فأَبتْ يداه غير كَسْبِ ثنَاء
ولأحمدَ بنِ الفضلِ شيمةُ سُؤْددٍ / وقفَتْ عليه مَحامِد الفُضلاء
قد أصبح ابنَ الفضل فهْو يبرُّه / برَّ البنين لما جِدِ الآباء
ويَظَلُّ يكرِم مَن إليه يَنتحي / مِن زائريه كرامَةَ النُّسباء
فالفضلُ قَرَّتْ عَينُه بك يا ابنَه / إذ كنتَ من أبنائه النجباء
يا مُحسناً بيَدِ النّدى بين الورى / تَقليد جيدِ الهمّةِ العَلياء
للهِ درُّك من فتَىً علْياه في / وجهِ الزّمان كغُرّةِ الدَّهْماء
يا مَن إلى بيتٍ تَحُلُّ فناءه / يُمسى ويُصبح حَجُّ كُلِّ رجاء
أضحَى الرّجاءُ إلى ذُراك وجُوهه / مَصروفَةً من سائر الأرجاء
ومن العجائبِ أنَّ كَفَّك لم تزلْ / كالبحرِ يومَ الجُودِ فَرْطَ عطاء
والبحر أسماء له معروفة / والكَف لم تَكُ قطُّ في الأسماء
أمّا جَداكَ فمِن فِنائك قد سَرى / حتّى أتاني نازلاً بِفنائي
وأنا بأرضِي للمُقامِ مُخَيمٌ / وركائبي مَعقولةٌ بإزائي
فَبِكَمْ على صِلَةٍ أجيءُ وراءها / تُربِي إذا صلةٌ تَجِىء ورائي
والذِّكْرُ منك على المغيبِ مُفرِّحى / والمالُ أصغَرُ نائلِ الكُبَراء
فلأَشكُرنّكَ ما صنَعْتَ مُواصِلاً / شُكْرَ الرّياضِ صنائعَ الأنواء
ولأّحبُوّنّكَ من حِبائكَ جازياً / بسَماعِ كُلّ قصيدةٍ غَناء
غَنّى بها راوٍ وأغنى مُنِعمٌ / فاستُطرِبَتْ لِغنىً لها غَرّاء
أنا ألأمُ اللُّؤماء إن لم أجتهِدْ / في حُسْنِ مدحةِ أكرمِ الكرماء
يا بادِئاً بالمكرماتِ وفعْلُه / في العَوْدِ أكرَمُ منه في الإبداء
ما فوقَ يَومكَ في الجَلالِ لدى الوَرى / إلاّ الغَدُ المأمُولُ للعلياء
فاسلَمْ لأبناء الرّجاء سلامةً / مَوْصولةً بتَظاهُرِ النّعْماء
أرضَيْتَ بالنُّصْحِ الإمامَ وإنّما / يُرضِي الأئمّةَ طاعةُ النُّصَحاء
وبَلاكَ سلطانُ الأنامِ فما رأى / لك مُشْبِها يا أَعظَمَ الأُمَناء
ولئن غدوْتَ وأنت مالك دولةٍ / فلقد سَبقْتَ لها إلى الإحياءِ
المُلْك مَغْنىً أنت آهِلُ رَبْعهِ / لامَلَّ يوماً منك طُولُ ثَواء
والدّهرُ كالعِقْدِ المُفصَّلِ نَظمُه / نَسَقاً من البيضاءِ والسّوداءِ
فبَقيِتَ واسطةً له لتَزينَه / ولكَيْ تُحاكِيَه امتدادَ بَقاء
صدَرَ الرِّعاءُ وما سَقَيْتُ ظَمائي
صدَرَ الرِّعاءُ وما سَقَيْتُ ظَمائي / أفلا يَخورُ جَنانُ هذا الماءِ
يا ماءُ ها أنا عن فِنائك راحِلٌ / فلقد أطَلْتُ ولم يَنَلْكَ رِشائي
حتّى متى صَدَري وَوِرْدي واحدٌ / وإلامَ أشكو حُرقةَ الأحشاء
مِن جَمْعِ قَطْرِ حياً أراك مُصوَّراً / أفليس يُوجَد فيك قَطْرُ حَياء
تُروِى أخا نَهَلٍ وتَتركُ صادياً / أغديرُ رِيٍّ أم غَديرُ رِياء
إنّي أرَى يا ماءُ وجهَك صافياً / لكنّ نفسَك غيرُ ذاتِ صَفاء
ما الفضلُ فيك لشاربيكَ بمُعْوِزٍ / بل ليس عندَك حُرمةُ الفُضلاء
بَخِلَ الغمامُ عليك بُخْلَك ظالماً / وجفا ذُراك كما أَطلْتَ جَفائي
وإذا تَفروَزَتِ المياهُ بخُضْرةٍ / فَبقيِتَ غيرَ مُدبَّجِ الأرجاء
وإذا الرَّبيعُ كسا البلادَ بُرودَهُ / فتَجاوزَتْك نَسائجُ الأنواء
لأُنادِينَّ بسُوء فِعْلِك مُعلِناً / بالشّرقِ والغربِ القَصي ندائي
ولأنَظِمنَّ أَرقَّ منك لسامعٍ / كَلِماً وأحسَنَ في الكتابِ لراء
ولأمَلأنَّ الأرضَ أنَّ مَزاودي / أُصدِرنَ عنك وهُنّ غيرُ مِلاء
ولأُخْبِرنَّ الناسَ حتّى يعلم الدْ / داني القريبُ معَ البعيدِ النائي
ما كان ضَرَّكَ لو كسبْتَ مدائحي / بل ما انتِفاعُكِ باكتسابِ هجائي
من كُلِّ سائرةٍ بأفواه الورى / تَحدو مطايا الرّكبِ أَيَّ حُداء
أنا أشعَرُ الفُقهاء غيرَ مُدافَعٍ / في العَصْرِ أو أنا أَفقَهُ الشعراء
شِعْري إذا ما قلتُ يَرويه الورى / بالطّبْعِ لا بتَكلفِ الإلقاء
كالصّوتِ في ظُلَلِ الجبالِ إذا علا / للسّمْع هاجَ تجاوبَ الأصداء
سَواءٌ تَدانٍ منهمُ وتَناء
سَواءٌ تَدانٍ منهمُ وتَناء / إذا عَزَّ نَيْلاً وصْلُهم وعَزائي
أفي القُرْبِ هِجران وفي النأي صَبوةٌ / كِلا يَوْمَيِ المشتاقِ يَوْمُ عَناء
وإنّي لأستَشفي بسُقْمِ جُفونها / وهل عند سُقْمٍ مَطْلَبٌ لِشفاء
ولمّا تلاقَيْنا وللعَيْنِ عادةٌ / تثيرُ وشاةً عند كلِّ لِقاء
ولولا سَناها لم يَروْني من الضَّنَى / ولا أَصبَحوا من أَجلِها خُصَمائي
ولكنْ تَجلّت مثل شمسٍ مُنيرةٍ / فَلحْت خلال الضّوء مثْلَ هبَاء
بدتْ أَدمُعي في خَدِّها من صِقالِه / فغاروا وظنّوا أنْ بكتْ لبكائي
ولمّا رأَيتُ الحَيَّ سَفْراً مُودِّعاً / ولم أر غَيْر اللّحظِ من سُفَرائي
نَظرْتُ إلى الأظعانِ نظرةَ مُمْسكٍ / على قَلْبِه من شِدَّةِ البُرحاء
عشيّةَ لا غادٍ يَعوجُ لرائحٍ / ولا ذاهبٌ يَقضي لُبانةَ جاء
فليت مطايا الحيِّ يومَ تحمّلوا / وهُنَّ سِراعٌ بُدّلتْ بِبطاء
مطيّةُ معشوقٍ منيّةُ عاشقٍ / فمَنْ مُبدلٌ نُونَ اسمِهنَّ بِطاء
ومقسومةُ العينَينِ من دَهَشِ النّوى / وقد راعَها بالعيسِ رَجْعُ حُداء
تُجيب بإحدى مُقلتَيها تَحيّتي / وأخرى تُراعي أعيُنَ الرُّقباء
تَلقّيتُ عَمْداً بالفؤادِ سهامَها / غداة أجدَّتْ باللّحاظِ رِمائي
وأتبعتُهم عَيني وقد جعَل النّوى / يُزَيِّل بين الجِيرةِ الخُلطاء
إلى أنْ خَطوا عَرْضَ السّرابِ كأنّهم / سوادُ طِرازٍ في بَياضِ مُلاء
وممّا شَجاني والزّمانُ مُقوّضٌ / حَمائمُ غَنّتْ في فروعِ أشاء
وما خلْتُ ألحانَ الأعاجمِ قبلَها / تَشوقُ وتَشجو عِليةَ الفُصحاء
وما ذكرّتنْي ما نسيت من الهوى / بحالٍ ولكنْ طَرْبةٌ لغِناء
فلا بَرحَتْ كفَ الثُريّا لرَبعها / إذا انتُجعتْ بالقطر ذاتَ سخاء
لعمْري لقد أَبلَيْتُ بُرْدَ شَبيبتي / وأَنضَيْتُ ظَهرَيْ شِدّةٍ وَرَخاء
وطالتْ بيَ الرَّوعاتُ حتى أَلِفْتُها / فقد عادَ ذاك السّمُّ وهْو غذائي
ولو أنَّ هذا الدّهرَ في أَمْرِ نَفْسه / يُشاورُ ما استَشفَى برأيِ سوائي
مَلأتُ وعاءَ الصّدْرِ عِلماً بسِرِّه / ولم أر غيرَ الصّمت خَتْمَ وعائي
وطالعتُ في مرآةِ رأيي بناظرٍ / يَرى من أمامي ما يَجيءُ ورائي
فلا تُهدِيا نُصْحاً إليَّ فإنّني / كَفتْنيَ طاعةَ النُّصحاء
ألم تَعْلَما أني صحَوتُ وأَنّه / تَكشّفَ عن عَينيَّ أَيُّ غِطاء
وأدراجِ بيدٍ قد ملأتُ بَياضَها / حُروفَ نَجاءِ لا حُروفَ هِجاء
سِهامُ سُرىً يَمرُقْنَ من جِلْدَة الدُّجى / وإن لم تُسَدَّدْ عن قِسّيِ سراء
أَقول وقد أنسانيَ الأرضَ منزلاً / صباحي على أكوارِها ومسائي
أما حانَ لي من أَرحُلِ العيسِ رحلةٌ / فقد طال فيها يا أُميمُ ثوائي
أُطوِّفُ في شَرقِ البلادِ وغربها / نَجِيَّ المُنَى في رَحْلِ ذاتِ نَجاء
ولا أُنسَ إلاّ بالذي إنْ نظَمتُه / تَهاداهُ دانٍ في البلادِ وناء
جلا الفْكرُ منّي كل بِكْرٍ أَقوله / وليس لنُقْبِ الشِّعرِ مثْلُ هِنائي
وإنّي لأُعْطي الشِّعْرَ أَوْفىَ حقوقِه / وإن لم يَقِفْ بي مَوقِفَ الشُّعراء
ومنّي اقتباسُ المُحَدثينَ معانياً / ولم أقتبِسْ معنىً من القُدَماء
عضْلتُ ابنةَ الفِكْرِ المصونةَ خَوْفَ أن / تُزَفَّ إلى مَن ليس كُفْؤَ ثَنائي
وآليتُ لا زارتْ كريمةُ مِدْحتي / من النّاس إلاّ أكرَمَ الوزراء
فلمّا مدَحْتُ الماجِدَ ابنَ مُحّمدٍ / وفَيتُ لِذي العلياء أيَّ وفاء
وما بَرحَتْ حتّى أَبَرَتْ يَمينُه / يَميني وأعطَى فوق كُلِّ عطاء
غدا شرَفُ الإسلامِ سائسَ دولةٍ / لها أبداً منه رَبيبُ وَلاء
صَفِيُّ الإمامِ المُرتَجى وظَهيرُه / أعَزَّ ظهُورٍ في أَجَلّ صَفاء
أغرُّ تُطيفُ العَينُ من نُورِ وجهِه / بشَمْسِ سماحسٍ لا بشَمسِ سَماء
وتزْخَرُ للعافِينَ أنمُلُ كَفِّه / بأبحُرِ مالٍ لا بأبحرِ ماء
سَلِ العيسَ عنه هل وَردْنَ فِناءه / فأَصدَرْنَ عنه الوَفْدَ غيرَ رِواء
وهل يَنظِمُ الأقرانَ في سِلْك رمحهِ / بطَعْنٍ كتَفْصيلِ الجُمان ولاء
فللهِ ما ضَمّتْ حَمائلُ سَيفِه / لداعي النَّدى من هِزّةٍ ومَضاء
مهيبٌ وَهُوبٌ ما يزالُ بكَفِّه / لكلِّ زمانَيْ خشَية وَرَجاء
تَنكَّسُ أبصارُ الكماةِ مَهابةً / لديه وتَعْيا ألسُنُ البُلَغاء
له بسطتاكف ببأس ونائل / وسجلا معال من لُها وَدِماء
وَعدلٌ أضاء الخافقَيْن شموُله / إضاءةَ شَمسٍ عندَ رأْدِ ضَحاء
وفَضْلٌ كساهُ اللهُ سِربالَ فَخْرِه / لِيَفْضُلَ عن عِلْمٍ على الفُضَلاء
مَليكٌ تَسامَى في ذُرا المجِد راقياً / مَراقِيَ أعيَتْ ناظِرَ النُظَراء
وزارتُه أزْرَتْ بقومٍ تَقدَّموا / ولم يكُ أكفاهُم له بكِفاء
وكم من خليلٍ قد يَغُرُّ خليلَه / لهُ رُؤْيةٌ مَحْفوفةٌ برِياء
يُريكَ شِعاراً ظاهراً وبِسِرِّهِ / شعارٌ سِواهُ راحَ تحتَ خفَاء
ولكن نصيرُ المِلّة اليومَ كاسْمهِ / غدا وهْو من أنصارِها الأُمَناء
حَمى مِلّةَ الإسلام ظِلُّ مُجيرها / فَحَلّتْ لدَيهِ في سَناً وَسَناء
أيا ماجداً لم يَسمَع الدّهرَ سامعٌ / بمثْلٍ له مَجْداً ولم يَرَ راء
أبوك الّذي أبدى وقد جَمَعَ التُّقَى / إلى المُلْك نَقْصَ المَعْشَرِ العُظماء
يَدٌ حَمَتِ الدنيا وأُخرى رَمَتْ بها / فأصبَح من أملاكِها السُّعداء
ومال إلى قَبْرِ النَبيِّ مُهاجراً / لحُسْنِ ثوابٍ بعدَ حُسْنِ ثنَاء
فجاوَرَ مَيْتاً أكرَمَ الرُّسْلِ كُلّهم / وجاوَرَ حَيّاً أعظَمَ الخُلفاء
وأنت ابنهُ تَكْفيِ ابنهُ اليوم ما كفىَ / أبوك أباهُ ذا غِنىً وغنَاء
فدُوما دوامَ الشّمس والبدرِ تَمْلآ / نهارَ الورى والنّيلَ فَضْلَ ضياء
أيا مَن دَعاني رائدُ السّعْدِ نَحْوَهُ / فأَلقيتُ رَحْلِي في أعَزّ فِناء
ومَن صدِئَتْ عيَنْي بناشئة الورَى / فلمّا رأَتْهُ حُودِثَتْ بجِلاء
فدتْكَ ملوكُ الأرضِ من طارقِ الرَّدى / وذلك إن قِسْنا أَقَلُّ فِداء
فما أنتَ إلاّ خَيرُ مَن وَسَمَ الثّرى / بجَرّ قناةٍ أو بجّرّ رِداء
وأحلمُ ذي بُرْدٍ لدى عَقْدِ حُبْوةٍ / وأكرَمُ ذي رِفْدٍ غَداةَ حِباء
وأحسنُ خلقِِ الله وجْهاً إذا بدا / على مَتْنِ طِرْفٍ تحت ظِلَ لواء
ولا فَخْرَ عندي في وجُوهٍ وضيئةٍ / إذا كانتِ الأخلاقُ غيرَ وِضاء
تَواضَعُ عن عُظْمٍ ونلقاكَ لُقْيةً / فلا نَمْلِكُ الأعطافَ من خُيلاء
وأروَعُ يَهْوى الحمدَ في الجودِ كلهِّ / فلا يُلجِىءُ العافي إلى الشُّفعاء
هِلالٌ نَماءً وهْو في النورِ كاملٌ / وَبدْرٌ كَمالاً وهو حِلْفُ نَماء
لياليه بيضٌ كاللآلي بِعدْلِه / فدامتْ كذا في سِلْكِ طُولِ بَقاء
لكَ اللهُ مِن خِرْقٍ إذا سالَ غَيْثُه / فما عَذَلُ العُذّالِ غيرُ غُثاء
كأنّ مديحي فيك عِقْدُ مليحةٍ / يَزيدُ بها حُسناً لدى البُصَراء
إذا كان مَدْحُ المرء فوق مَحلِّهِ / فما هوَ إلاّ فوقَ كُلِّ هِجاء
ومَن يلبسِ السّيفَ الطّويلَ نِجادُه / على قِصَرٍ يُسلَبْ لباسَ بَهاء
وقد كنتُ أَرْخَصْتُ القريضَ فقد أبَتْ / عَطاياك إلاّ بَيْعَهُ بغَلاء
أزَرْتُ نظامَ الدين نَظْمَ مَدائحٍ / لنَيْلِ عطاءٍ بعدَ لَيْل عَلاء
حِسانٌ منَ البِيض الّلواتي لصَقلِها / وللطّبْعِ أَذْكَى اللهُ نارَ ذكائي
على أنّني يا مَعدِنَ الفَضْل لا أرى / لديكَ ادِّعاءً غيرَ نَظْمِ دُعائي
وقد عَلمَ الأقوامُ أنّك طالما / تَجاوَزْتَ أقصَى غايةِ العُلَماء
فلا عَقُمَ الدَّهرُ الكثيرُ رِجالُه / ومثْلُك من أبنائهِ النُّجبَاء
وقد طالَبوني مُرهِقينَ بِرَدِّهِ
وقد طالَبوني مُرهِقينَ بِرَدِّهِ / فقلتُ لدهرٍ لَجَّ في غُلَوائه
بِرَدِّ عطاءِ الصَدرِ ذُلّيَ تَبتغِي / ألم يَكْفِني ذُلاً بأَخْذِ عَطائه
هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ
هل في عتابِ الحادثاتِ غَناءُ / أم هل لعيشٍ في الزمانِ صفاءُ
بَيْنا يُديرُ المرءُ كأسَ سُروره / كَرّتْ عليه ومِلْؤها أقذاء
فأبَى لنا إلاّ التَحَوُّلَ دائماً / أحوالُنا فكأنّها أفياء
ما إن يَزالُ يُشرِّقُ الإصباحُ في / نَهْجٍ بها ويُغَرِّبُ الإمساء
فاصحَبْ على الأَودِ الزّمانَ مُدارياً / فَطِلابُ تَقويمِ الزّمانِ عَناء
ملأَتْ لنا الأسماعَ داعيةُ الردى / وكأنّما أنا صَخْرةٌ صَمّاء
والموتُ للأقوامِ داعٍ مُسْمِعٌ / ما من عُمومِ ندائه استْثناء
والمرءُ في عِطفَيْهِ ينظُرُ نَخوةً / وإليه شزراً تنظر الأدواء
ومساحب الأذيال أجداث لنا / فَسَلُوا إذنْ ما هذهِ الخُيلاء
نَحدو مطايانا العِجالَ وخَلفَنا / أيضاً لسائقةِ المَنون حُداء
ونُنيخُ في البيداء نَعلَمُ أنّهُ / يوماً تَعوُدُ تُنيخُنا البيداء
لا بُدّ من ليلٍ يَمُرُّ على الفتى / لا تَنْجلي عن ضوئهِ الظّلْماء
أو من نهارٍ ليس خَلْفَ صباحِه / مِمّا يُعاجِلُه الحِمامُ مَساء
وكأنّما داعي المَنيّةِ قابِضٌ / كَبِدَ الحَنّيةِ رَمْيُه إصماء
والموتُ سِتْرٌ خَلْفَه من فِعْلنا / حَسناءُ تُرضِي المرءَ أو شَوهاء
بعدَ الفَناء بقاءٌ اعترفَتْ به / نَفْسي كما قبلَ الفَناءِ بقاء
ولقد خلا فِكْري بدَهْري عاذلاً / يَلْحاهُ كيف طغَتْ به الغُلواء
فأجابَ مُعتِذراً وقال مُخاطباً / ولسَمْعِ قلبي نحوَه إصغاء
إنّي ومَن سَمَك السّماءَ بقُدْرةٍ / واقتادَني قَدَرٌ لهُ وقَضاء
لَمُبرّأ من كُلّ ما اعتادَتْ له / نسباً إليّ لجهلها السفهاء
إن كنت سالب والداً له / فرجَعْتُ عنه ولي يَدٌ شَلاّء
وتَقطّعتْ أقرانُ عُمْري فانقضىَ / إن شئِتُ أن تَتَفرّقَ القُرناءُ
مَن قال قلبي ليس فيه رِقّةٌ / أو قال وَجْهي ليس فيه حَياء
فأنا الخصيمُ له بذاك غداً إذا / قامَتْ ليفصلَ بينها الخُصماء
أنا أشتهِي يا قومُ أن يُعطَى الغِنىَ / ذو النَقصِ فِيَّ ويُحْرَمَ الفُضلاء
أنا أرتضِي أن يُثْرَى اللُّومَاءُ في الدْ / دُنْيا ويَشكو الخِلّةَ الكُرماء
أنا مُلْصِقٌ للكَفِّ إمّا بالثّرى / أو بالثُّريّا إنْ أعانَ ثَراء
فِعْلاَي أخْذٌ فاجِعٌ وعَطيّةٌ / ويَدايَ هَدْمٌ فاحِشٌ وبِناء
لِيُساقَ من كلٍّ إليّ ملامةٌ / ويُساءَمن كُلٍّ عَلَيّ ثَناء
فاقْصُرْ ملامَك لي فما إنْ للفتى / بيدَيّ إسعادٌ ولا إشْقاء
أنا مثلُ قلبٍ فيه سِرٌّ مُودَعٌ / للهِ ما لِمَصونهِ إفْشاء
لا شَيءَ فِيَّ به تَعيبُ مَشيئتي / لكنْ مشئةُ مَن له الأشياء
ما الأمرُ فِيّ كما أشاءُ بحاةٍ / لا بل أَدورُ كما سِوايَ يَشاء
لو كان لي أَمْرٌ يُطاعُ وقُدْرةٌ / يوماً يُسَرُّ بها امْرؤ ويُساء
ما رُعْتُ صدْرَ الدّينِ قَطُّ برائع / ومن العِدا والحاسدينَ فِداء
كلاّ ولا لاقَيْتُه بمُلمّةٍ / من بَعْدِ أُخْرى والقلوبُ مِلاء
بل كنتُ واقيَ مَن عُلاه ومَجْدُه / لي دائماً مِمّنْ أذُمُّ وِقاء
أوَ ليس أصبحَ وحدَه ليَ غُرّةً / وجميعُ أهلي جِلْدَةٌ دَهماء
ما كان أكمَلَ فَرْحَتي لو أنّه / ما نالَ تلكَ الشُّعلة الإطفاء
لو أنّ هذا الهلالُ وقد بدا / للنّاظرين ليَستَتِمَّ نَماء
قد كانَ أزهرَ غابَ أُفُقِِ العُلا / فتبَادَرْت في إثْرِه زَهراء
جُرْحٌ على جُرْحٍ قريبٌ عَهْدُه / وكؤوسُ أشجانٍ حُثِثنَ وِلاء
وكأنّ ساقي الحُزْنِ أنكرَ فَضلةً / في الكأسِ أسْأَرَها له النُدَماء
فأدارَ ثانيةً علينا كأسَهُ / لتُنالَ تلك الجُرْعةُ الكَدْراء
والدّهرُ أنعُمهُ أُحادٌ إن أتَتْ / منه وأبؤسُه الشِّدادُ ثُناء
لا يَهنأِ الأعداءَ ما شَهِدوا وهل / لِعداكَ من خَطْبٍ عَداك هَناء
إن مَرًّ منك نَجيبُ مَجْدٍ راحلاً / فاسلَمْ لِتُخْلفَ بعدَه نُجَباء
ما ضَرّ أصلاً ثابتاً من دَوحةٍ / أنْ كان فرعٌ غَيّبتْهُ سَماء
أبدَتْ على يدِهِ الصعَادُ تأسُّفاً / فكأنَّ هَزّ مُتونِها صُعَداء
وأكبّتِ الأقلامُ تَبكي حَسْرةً / ولها عليه دَمعةٌ سَوداء
ولطَمْنَ بالغُرَرِ الجيادُ وُجوهَها / من حيثُ كان لَهُنّ فيه رَجاء
واعتَدَّ دينُ اللهِ عندَ نَعيّه / أنْ مَرَّفيه فَيْلقٌ شَهباء
أمُودِّعي طَوْعَ المنَونِ ومُودِعي / ناراً بها تَتَحَرَّقُ الأحشاء
أعزِزْ عليَّ بأن تُفارقَ فُرقةً / ما بعدها حتّى المَعادِ لِقاء
لادَرَّدَرُّ الموتِ ماذا ضَرَّهُ / لو كان عنك لطَرْفهِ اِغضاء
شَغفَتْ صفاتُكَ كُلَّ مُستَمعٍ لها / حتّى استَوى القُرَباءُ والبُعَداء
كم مقلةٍ نجلاءَ قد سفَحتْ دماً / فكأنّما هي طَعْنةٌ نَجلاء
كم أمّلَتْ يُمناكَ أنْ سَتُمِرُّها / دون الهُدى يَزَنيّةٌ سَمْراء
وصحيفةٌ فَيضاءٌ تَملأُ بَطْنَها / دُرّاً بها وصحيفةٌ بَيضاء
فشفَى غليلَ ثَراكَ كُلَّ صبيحةٍ / كنَدى أبيكَ سحابةٌ وَطفَاء
وأقام مَنكِبَ أرضٍ استَبْطنتَها / وعليه من وَشْيِ الرّياض رِداء
قد كان أَولْى مَن تَجنّبه الردى / لو حُوبِيَتْ في بَيتِه حَوباء
ولكان لو نَفع البُكا لَجَرى لنا / بَدَلَ الدُّموعِ من العيون دِماء
فتَعزَّ عنه وإن أمَضَّ مُضِيُّه / فإلى العَزاء تَردُّنا العَزّاء
ولئن تَقدَّم نحو ربِّك فارطاً / فالفارطون همُ لنا شُفَعاءُ
فَتصرُّمُ ابنِ ذُكاءَ خَطْبٌ هَيّنٌ / ما أشرقَتْ للعالمينَ ذُكاء
لا سِيّما ولك الشهّابُ المُنجلِي / عن وَجْههِ للأعيُنِ الظَلماء
وأخوهُ سَعْدٌ أكبرٌ وله إذا / أمسَى مُقارِنُ أصغرٍ لاْ لاء
فإذا بدا سَعْدانِ معْ بَدْرٍ كفَى / أن يَغْمُرَ الدُّنيا سناً وسَناء
إن أَجزعَ الأحبابَ وَشكُ رحيله / عنّا فلا تُسْرَرْ به الأعداء
قٌل للإمام ابنِ الإمامِ مَقالةً / حَقّاً لَعمرُك ليس فيه مِراء
بأبيكَ عَزّتْ أصفهانٌ مثْلما / شَرُفَتْ بَوْطءِ قُريشٍ البَطحاء
قد جاء جَيّاً والسُعودُ تَحُّفهُ / مُطِرتْ على عُلَمائها النَعماء
بأبيك ثمّ أخيك ثمّ بك أَبتتْ / للدّين فيه وأهلِها عَلْياء
أظهَرتُمُ في نَصرِ دينِ مُحَمّدٍ / ما ليس فيه على الأنام خَفاء
إن أَنكرتْ آثاركُم زُمَرُ العِدا / فَلكُم بها كُلُّ الورى شُهَداء
وجُحودُ مَن جَحَد الصباحَ إذا بدا / من بعدِ ما انتشرَتْ له الأضواء
ما دَلّ أنّ الصُبحَ ليس بطالعٍ / بل إنّ عيناً أنكَرْتَ عَمياء
خُذْها مُحَّبرةً تَخالُ بُيوتَها / حِبراً أجادَتْ صُنْعَها صَنْعاء
وَيقِلّ عن إهداءِ تَسليتي بها / لفتىً أغَرّ قصيدةٌ غَرّاء
ومِثالُ مَوعظتي لِمثلِكَ قَطْرةٌ / من ديمةٍ تُسقَى بها دَأماء
عيدانِ عيدُ مَسَرةٍ ومَساءةٍ / طَرَفان لا طافَتْ بك الأسواءُ
فأعِدَّ من صَبْرٍ وشُكْرٍ عُدّةً / فبمثْلِها تَتضاعَفُ الآلاء
كي تَرحلَ الضَّراءُ عنك إلى العِدا / وتُقيمَ خالصةً لك السّرّاء
لازلتَ تَبْقَى في ظلالِ سعادةٍ / فَبقاءُ مْثِلك للزّمان بَهاء
لا تَستَشِرني في مُحالٍ ظاهِرٍ
لا تَستَشِرني في مُحالٍ ظاهِرٍ / إنّ المُحالَ مَضِلّةُ الآراءِ
إنّ المُشاوِرَ في المُحالِ مِثالُه / كُمطالعِ المِرآةِ في الظّلْماء
يَرْعَى الرّجاءَ بنو أبيه فَبَينَه
يَرْعَى الرّجاءَ بنو أبيه فَبَينَه / أبداً وبينهمُ وَكِيدُ إِخاءِ
ولئن دَعونا من كرامتِه فلا / عجَبٌ ونحن له من الأبناء
أبنى الهُمام أبى الرّجاء بَقيِتُمُ / في دولةٍ محْسودةِ النَعْماء
حتّى تكونوا في ثلاث خصائصٍ / بينَ الورى من قِلّةِ النُظرَاء
مِثْلَ الثُريّا في اجتماع كواكبٍ / وَعُلوّ منزلةٍ وطُول بَقاء
وعُداتُكم مثلُ الثّرى فكَمِ المَدى / بين الثريّا والثّرى مُتَناء
أشتْاقُ إليك يا بعيداً ناءٍ
أشتْاقُ إليك يا بعيداً ناءٍ / شَوْقَ الظّامي إلى زُلالِ الماءِ
مَوْتي أو داوِ بالتداني دائي / الموتُ ولا شَماتهُ الأعداء
ألم يَأنِ يا صاح أم قد أَنَى
ألم يَأنِ يا صاح أم قد أَنَى / بأمر المُتَيَّم أن يُعتَنى
فعُجْ بالمطيّة لي عَوجةً / على العَلَمِ الفَرْدِ بالمُنْحنى
وحَيِّ مِن الحَيِّ مَن عندَه / فؤادي أسيرٌ ولا يْفْتَدى
مضَى العُمْرُ أجمعه في البِعادِ / فَموْعُدَنا للتّداني متى
ولم يُبْقِِ مُفتَرقُ الظّاعني / نَ باقيةً فِيّ للملْتقى
فأهْدِ ولو رَدّةً للسلامِ / وأَوْلِ ولو زَوْرةً في الكرَى
عَذيرِيَ من شادنٍ عَهدُهُ / قضى بالصّبابةِ لي وانقضَى
يُعَذِّبُ أحبابه ظالماً / وما ذا على غادرٍ لو وَفى
وحَلَّ الغضا فهْو في نارِهِ / إذا شاءيُضرِم لي في الحشا
ولم يتَعلّمْ سوىالهجرِ قط / فلو شاء وَ صْلَ فتىً مادَرى
فَدَى سحْرَ عينيْك ظبيُ الصّريمِ / وغُرّةَ وجهك شمسُ الضُّحى
ولو لم تكنْ أنت نَفْسي هوىً / جعلْتُ إذَنْ لك نَفْسي فِدى
وكم مَوعدٍ بات طَرْفي عليه / لَطيْفِك مُرتَقباً لو سَرى
وليلٍ تَسربَلْتُ منه الجديدَ / إلى أن تَمزَّقَ عنّى بِلى
فلم يَعرَ خَدّي من الدّمعِ فيه / ولا ناظري بالجفونِ اكتسى
تَذكّرتُ عهدَ الحمى فاستَهل / فللّهِ ذِكريَ عهْدَ الحِمى
ولم يعُدِ الصُّبْحُ لكنّني / غَسلْتُ بدَمْعيَ ثوبَ الدُّجى
وفتّانةٍ سلَبتْني الفؤادَ / بعَيْنٍ لها سلَبْتها المَها
كما يَنتضِي سيفَه غاضبٌ / وأوّلُ ما غَضِب المُنتضى
تَمَنّيتُ عَودةَ أيامِها / وهل راجعٌ زمَنٌ قد مضى
نظرتُ إلى أخْرَياتِ الشّبابِ / وقد كاد أن يتَناهَى المَدى
وعهدُ التّصابي كأنّي به / يَمُرُّ كما مَرَّ عهدُ الصِّبا
أقولُ لرَكْبٍ غَدَوا مُعرِقينَ / على العيسِ نافخةٌ في البُرى
قِفوا لي أُسايرْكُمُ وَقْفَة / فَعَنْسيَ مرحولةٌ للنّوى
وضُمُّوا إليكم صغيراً كما / بَنو النّعْشِ يَستصحبونَ السُّها
وإنْ طَوَّفوا حولَ قُطْبِ السّماءِ / فَسِيروا نطُفْ حولَ قٌطْبِ العُلا
وما هو إلاّ حريمُ الإمام / فقد ظَلَّ مَقْصدَ كُلِ الورى
فلمّا أملْنا إليه الرِّكابَ / مُواصلةً سَيْرَها بالسرى
ذَرَعْنَ بنا البِيدَ ذَرْعَ الرِّداءِ / بأيدٍ سريعةِ رجَعِ الخُطا
فلمّا بدا من سوادِ العراقِ / لأعيُنهنَّ بَياضُ الصَّوى
وغَنّى الحُداةُ وراء المَطِي / وقالوا وصلْتَ فماذا تَرى
تَنَفّسَ في الجَوِّريحَ الجَنوبِ / بُكوراً معَ الصُّبْح لمّا بَدا
بناشئةٍ من رقيقِِ الغَمامِ / بها الأفْقُ عند الصّباح احتَبى
فلم تُطْرفِ العين حتّى استطار / سَناها وحتّى استدارَالرَّحا
وراقَ العيونَ لها عارِضٌ / إذا ضَحِك البرق فيه بكَى
فظَلَّ كأنَّ ارتقاصَ القِطارِ / بوَجْهِ الصّعيدِ افْتِحاصُ القَطا
وحارَ له الرَّكبُ فوقَ الرَكابِ / وقد أصبحَ السّيل ُ مِلءَ المَلا
فقلتُ وقد حالَ دونَ المَسيرِ / ألا ما أقَلَّ حياءَ الحيا
ألم تَدْرِياغيثُأم قد درَيْتَ / بأنّا وفودُ إمامِ الهُدى
نسيرُ إلى ابْنِ الّذي أطلقَتْكَ / يَداهُ لدى المَحْلِ لمّا دَعا
رأى زمَناً حبسَ اللهُ في / ه قَطْر الغمامِ بما قد جَنى
على حينَ ضَجّتْ بلادُ الحِجازِ / إلى رَبِّها ضَجّةً من ظَما
فقام إلى القطْرِ فافتكَّهُ / من الأَسْرِ صِنْوُ أبى المُصطَفى
بأنْ يَلِيَ الأرضَ أبناؤه / إلى الحَشْرِ يَرْوونَها بالنّدى
فما الغيثُ مثْلَكَ في شِيمةٍ / ولكنّه عَبْدُك المُفْتَدى
وما يَنْزِلُ الغيثُ إلا لأنْ / يُقَبِلَ بين يَديْك الثّرى
فللّهِ دولةُ مُستَخلَفٍ / به راحَ مسظهِراً واغتَدى
غدا الدّينُ والملكُ في ظِلِّه / وكُلٌّ مَنيعٍ رفيعٌ الذُرا
يُشافُ ويُشْفَى بآرائه / إذا مَسّه صَدأُ أو صَدى
أعارَ الاعاديَ هاماً متى / أبَوا شُكْرَهُ ارتجعَتْها الظُّبى
وأعطَتتْ زكاةَ النّدَى كفُّه / فنالَتْ يَدُ البحر منها الغِنى
وأُقسِمُ ما مثْلُه في السّخا / ءِ إلا زمانٌ به قد سَخا
وَلاؤك أوفَى أبٍ لامْرىءٍ / فَخاراً إذا ما إليه اعتَزى
وما جعل الدّهْرَ صَعْبَ الإباءِ / سوى أنَّه بذُراكَ احتمى
وما جاد بالطّبعِ كفُّ السحا / بِ بلْ بمِثالِ يدَيْكَ احتذى
فلله مَلْكٌ بكِلْتا يدَيْهِ / يُحيِي الهُدَى حينَ يُردي العِدا
كإلْفِ مَواهبِه للأكُفْ / ف إلْفُ قَواضبِه للطُلى
فلو ضافَه كُلُّ وَحْشِ الفلاة / تَكَفّلَ صَمصامُه بالقِرى
ولو قَلَستْ سُمْرُه ما احتسَتْ / بَلغْنَ سُيولُ الدماء الزُّبى
ولو وَرِثَ النّسرُ عُمْرَ القتيلِ / لما حَلّ بالفُتْخ صرْفُ الرَّدى
فأجدِرْ بنوركَ أن يُستضاءَ / وأكبَرْ بنارِك أن تُصطلَى
بأدنَى الرِضا منك مَن يَرتجيك / ينالُ من الدَّهرِ فوقَ الرِضا
وما برِحَتْ بالوفود المَطِيْ / يُ تَفْلِي إليك نواصي الفَلا
حَملْنَ إليْك جميل الثّناء / وَيحمِلْنَ عنك جزيلَ اللُّها
وقد كادَ يَعْيا على النّاطقينَ / إلى مَدْحِ مثْلِكَ أن يُهتدَى
فَعلّتَ بنا بمعاني عُلا / كَ كيفَ الثّناءُ على مَنْ عَلا
هلِ العِلْمُ شَيءٌ سوى ما وَرِثْتَ / ومَن قال غيرَ مَقالي اعتدَى
أما نشأ الوحيُ في بيِتكم / فهل سرّه لسِواكُم فَشا
ألم يَرَ جِبريلَ عند النّبِيّ / بِهْيئتهِ الحَبْرُ لَمّا هَوى
أما قالَ فَقِّهْهُ في الدّينِ رَبّ / وعلّمْهُ تأويلَه المُبتَغى
أيُرتابُ أنّ دُعاءَ الرّسولِ / به حقَّق اللهُ ما قد رَجا
أخصَّ سِواهُ بعِلْمِ الكتاب / كما خَصَّ كُلاً بما قد رأى
أما كّلُّ شيءٍ بهذا الكِتا / ب ما فرط الله فيما حوى
وجدكم ترجمان الكتاب / فهل فوق ذلك من مُرتقى
وهل باطِنٌ بعد هذا العُمو / مِ باق فُيكشَفَ عنه تُرى
سوى أنَّه مَرقَتْ فرقةٌ / من الدّينِ حين هَوتْ في الهوى
لتَشْرعَ دِيناً بلَهْوِ الحديثِ / فأولى لها لو نَهاها النُّهى
بدا الحقُّ يفترُّ للناظرين / فمالُوا إلى باطلٍ يُفْترى
وما بحثوا عن هُدىً للنفوسِ / ولكنّهم بحثُوا عن مُدى
وكم مُحَنقٍ من ولائي لكم / يَراني فيُطرَفُ بي من قلى
وعِبْءٌ على جَفْنِ عينِ الجَهولِ / لِقاءُ أخى العلم مهما رأى
سَلوا إن جَهِلتُم فإنّ السّؤا / ل يجلو عن النّاظرينَ العَمى
أكانَ النّبِيُّ وراء السُّجو / ف يرمُز بالدّين لمّا أتى
ويأخُذُ أَخْذَ المُريبِ العُهودَ / بكَتْمِ العقيدةِ إذ تُبتلَى
أمِ الحَقُّ أبلَجُ مِثْلُ الصّباحِ / من مُبتداً وإلى مُنتَهى
دعا الخَلْقَ دَعْوتَه ظاهراً / وليس سوى الله من مُتّقى
وطاف بها عارضاً نفسَه / على كُلِّ حيٍّ نأى أو دَنا
يُنادي بها مِلْءَ أذْنِ القَريبِ / ويُوصِي بتَبليغ مَن قد نأى
كذا عُهِدَ الشّرْعُ في بَدْئه / وما عُهِدَ الدهرَ إلاّ كَذا
إليك ابنَ ساقِي الحجيجِ الذي / به الله للخَلْق طُرّاً سقَى
دعاني الوَلاءُ وما زلتُ من / ه مُستَمْسِكاً بوَثيق العُرا
وما قلتُ من كلِمٍ تُستَجاَ / د صِدْقاً ومن مِدّحٍ تُرتَضى
من الدُّررِ الرّائقاتِ الّتي / خلِقْنَ لجِيد المعالي حُلى
سَوائغَ كالماء لكنّها / بمَسْلَكِ أنفاسِ قومٍ شَجا
سَوائرَ تَزهَرُ مثْلَ النُّجومِ / يَنالُ بها طالبٌ ما ابتغَى
فإن لم يكُنَّ نجومَ الدُّجَى / فما هُنّ إلا نجومُ الحِجا
فدُمْ للنّدى ما جرَى للرَّيا / ض في حَدَقِ النَّورِ دَمْعُ النَّدى
تَضوَّعُ مِسكاً مُتونُ البلاد / إذا ذِكْرُ مُلْككَ يوماً جَرى
فعَدْلُك أحسنُ حَلْيَ الزّمانِ / وحبُّكَ أنفَسُ ذُخْر الفتى
وجهُكِ عند الشّموسِ أَضَوَؤها
وجهُكِ عند الشّموسِ أَضَوَؤها / وفُوكِ بين الكؤوس أَهْنَؤها
وما رأى النّاسُ قبلَ رؤيتها / لآلئاً في العَقيقِ مَخْبؤها
كم ظمأةٍ لي إلى مراشِفها / كما يشاءُ الغَيورُ أظمؤها
ذو ريقةٍ لو أبى شِرايَ لها / إلاّ بِروحي لَقَلَّ مَسْبَؤها
يُبْدي عتابي والرّاحُ صافيةٌ / أمرُّها للنديمِ أمْرَؤها
لم تَخْلُ عَيْنَي من نورِ غُرَّتهِ / إلاّ وفَيْضُ الدّموعِ يَملَؤها
عين إذا ما الفراقُ أظمأها / كان بطَيفِ الخيالِ مَجزؤها
ليلةُ حُزني لا تَنقضِي أبداً / في مُنتهاها يعودُ مَبْؤها
كِتْبةُ ليلٍ من عَكْسِ أحرفها / يأتيك ليلٌ إن عُدْتَ تَقْرؤها
لمّا اقتسَمْنا العيونَ أُعطِيتُ أب / كاها وخَصّ الخَلِيّ أبكؤها
أَغرقتُ خَدّي دّمعاً وفي كبِدي / جمرةُ وَجْدٍ قد عزَّ مَطْفؤها
ماليَ لا يَهتدي الطّريقُ إلى / ناري وبَرْحُ الغرام يَحْضَؤها
لكنّه يهتدي إلى قَرْح أَس / راري فما إن يزالُ يَنكَؤها
دَمعةُ عَيْني ظَمياءُ كاهنةٌ / يَصْدُقُ عند الورى مُنبؤها
فليس تَخْفى على كهانتِها / خبيئةُ من هَواكَ أَخبَؤها
أَبعْدَ هَدءٍ زارَ الخيالُ لها / للصّبِّ عَيْناً قد حان مَهْدَؤها
في فتيةٍ هَوّمَتْ وبات لها / كَلوءُ ليلٍ في البِيدِ يَرْبؤها
وقام طالي الجَرباء مُنكمِشاً / وهْوبقارِ الظّلامِ يَهْنؤها
واللّيلُ تَحكي نجومُه سُرُجاً / قد حان عند الصّباح مَطْفؤها
باتتْ تَهادَى أيدي عياهبِه / كأسَ الثُّريَا والطرّفُ يَكْلؤها
يَملؤها شَرقُها ويَشربُها / جُنْحُ دُجاها والغَرْبُ يَكفْؤُها
قد هَزِئَتْ جارتي لما نَكرَتْ / فزادَ ما في الفؤادِ مَهْزؤها
وأكبَرتُ شَيْبتي وقد فُجئَتْ / وأكبرُ الحادثات أفجَؤها
مِرآةُ خَدّ بيضاءُ قد صُقلَتْ / أصبحَ عينُ الفتاةِ تَبذَؤها
عُطِّل مَصقولُها وما بَرحتْ / نَصْبَ عيون الحسانِ مُصْدؤها
أشهبُ خيلٍ خَلَّ المجالَ له / أدهمُها صاغراً وأصدَؤها
عافتْ عَيوفاً نَفْسي الغداةَ ولم / يَرْوَ بلُقْيا ظَمياءَ مظمؤها
قُلوبُنا اليومَ كالعيونِ لكم / أَمرَضُها إن نظَرْتَ أبرَؤها
دِينُ المعالي إليه نَفْسيَ مِن / دِين التّصابي أُتيحَ مَصْبَؤها
فاعتَضْتُ أنْساً بالسُّهْدِ أكحُلُه / عَيْني وعِيساً بالبيدِ أنسَؤها
في فتيةٍ فُرْشُهم إذا هَجَعوا / تُمسي وَرَمْلُ الفلاةِ أَوْطؤها
شَجّعتهم والليوثُ عاديةٌ / أَجَرُّها للصُّيودِ أَجرَؤها
فقاتَلُوا البِيدَ وانتضَوا أيدي ال / عيسِ لِلَبّاتِها تَوَجُّؤها
حتى استقادَ الفلا فعادَ عنِ ال / عظام منها الِلّحامُ يَكْفَؤها
أَنجابُ قومٍ خدَتْ بهم نجبٌ / يسبق طرفَ الفتى مبطؤها
سروا بسفن في البيد مسبحها / وعند شطي بغداد مرفؤها
شاموا على البُعدِ للنّدى سُحُباً / كَفُّ عمادِ الإسلامِ مَنْشَؤها
فانتَجَعوا العِزَّ في ذُرا مَلِكٍ / عافوه في جّنّةٍ تَبَوَّؤها
وطَّأَ أكنافَ جُوده لهمُ / وخيرُ أكنافِهم مُوَطَّؤها
مَولىً غدا الدَوْلتان من عِظَمِ الشْ / شَأْن وكُلٌّ إليه مَلْجَؤها
يَوماهُ يومٌ للنَّيْل يَنضحُه / جُوداً ويومٌ للخيلِ يَعبَؤها
هامٌ لِبيضٍ أضحى يُتوِّجُها / مُلْكاً وهامٌ بالبيضِ يَفْطَؤها
يُشرَعُ في بَطْنِ كَفِّه قَلمٌ / يَستَهْزِمُ الخَطْبَ حينَ يَفْجَؤها
إذا ثلاثٌ تأثّفَتْهُ له / لم يُخْشَ في المُشكلاتِ مَنْهَؤها
وإن غَدتْ بالنّوالِ فائزةً / فلا يَدٌ للمَلامِ تَفْثَؤها
عِينُ سماحٍ يَطيبُ مَنبعُها / بُعْداً وقُرْباً يَطيبُ مَنْبؤها
كُلُّ وفودِ الأنامِ واردُها / فما سِوى عاذلٍ مُحَلَّؤها
قَرْمٌ نَماه أعْلىَ بُيوتِ علاً / وُسّطَ في هاشمٍ مُبوّؤها
والزيّنبِيونَ في الملوك هُمُ / بصَيْد وَحشِ العلياء أبسَؤها
دَوحةُ مَجِدٍ من فَرْطِ رِفعتِها / كُلُّ بنى دَهْرِها تَفَيَّؤها
آراؤهم عند كُلِّ نازلةٍ / سهامُ غَيبٍ لم تَخْشَ تُخْطِؤها
فمِن لُباب التّنزيلِ مَنْبِتُها / وفي حُجور التآويلِ منْشؤها
ثابتُ جأْشٍ عند الحِفاظِ إذا / قلقَلَ نَفْسَ الجبَانِ مَجشؤها
إذا رأتهُ عَينُ الحسودِ غدا / سَناهُ مِثلَ السِّنان يَفقؤها
يَسهرُ مُستَرقداً رَعيَّتَه / بالعَدْلِ حتّى يَقِرَّ مّهْدَؤها
رَبَّ البرايا كأنّه ثقةٌ / برَعْيهِ ما يَزالُ يَبْرَؤها
شِراكُ نَعْلٍ له الهلالُ عُلاً / ما مِن سماء إلا يُوَطَّؤها
إنْ يَمضِ منْ قَبلَه فكم فُقدتْ / نَفْسُ كريم وساءَ مَرْزؤها
فاسْعَدْ بأيامهِ فأحْرَى أيا / دي الله مناّ بالشُكرِ أطْرؤها
إنْ يَكُ صُبْحٌ مضىَ ففي الأثَرِ الشْ / شَمسُ بدا للعيون مَرْجَؤها
كذلك اللهُ ذو المَواهِبِ ما / يَنْسَخُ من آيةٍ ويَنْسَؤها
يأتِ بَخْيرٍ منها فَيقْصُر عن / مُعادِها في الجلالِ مُبْدَؤها
هُنِّئْتَها رُتْبةً بِنَيِلِكَ إيْ / ياها حَقيقٌ منّا مُهنَّؤها
وزارةٌ تُشرِكُ الخِلافةُ في النْ / نِسبةِ عالٍ في النّجْمِ مَربؤها
آخِرةٌ في الزمانِ سابقة / فلا يَزلْ رَبُّها يُمَلَّؤها
لم يكُ إبطاؤها بمنْقَصةٍ / خيْرُ النّبواتِ كان أبْطؤها
دعا إمامُ الهُدَى بها فأتتْ / أسبابُها مُسعِداً مُهيَّؤُّها
دُعاءَ موسى هارونَ مُعتضِداً / بعُقْدةٍ منه شُدَّ مَحكَؤها
يا شَرَفَ الدّينِ دَعوةً ضمِنَتْ / نهايةَ النُّجْح حين يَبْدَؤها
كم من حُدودٍ على الزّمانِ لنا / أصبحَ بالقُرب منك نَدْرؤها
كم وعَدتْني فيك المُنَى عدةً / قد آن أنْ يُجتلَى مُخّبؤها
وكيفَ أخشى خُلْفاً لِمَا وعدَتْ / وأنت أوفى الورى وأملَؤها
أصبح يُمناك ليس يَرزؤها / في النّاس إلا مَن ليس يَزرَؤها
يَصفرُّ وجْهُ النضارِ يَرْهَبُها / صُفْرةَ وَجْهِ الحسودِ يشنَؤها
فدام للاصفرَيْن مُغْنيةً / كَفُّك في نعمة تَمَلَّؤها
ذا دولةٍ للهُدَى تُدبِرُها / وعيشةٍ في العُلا تُهَنّؤها
هجر الرَّاءَ واصلُ بنُ عَطاءِ
هجر الرَّاءَ واصلُ بنُ عَطاءِ / في خِطابِ الورى من الخُطَباءِ
وأنا سوف أَهجُرُ القافَ والرّا / ءَ معَ الضّادِ من حُروفِ الهِجاء
كلُّ هذا لبُغْضِيَ القَرْضَ إذْ أحْ / وجَ مثْلي إليك بعدَ غَناء
يا ابنَ حَمْدٍ وما سعَيْتَ لحَمْد / ما أعَقَّ البنينَ للآباء
قد طَلْبنا قَرْضاً من المالِ نَزْراً / ما طلَبْنا قَرْضاً من الأعضاء
فماذا وقد أَعدْتَ رسولي / بانكسارٍ يَمْشي على استِحياء
ومطَلْتَ المَطْلَ الشّديدَ وآنَي / تَ وآذيتَ أيّما إيذاء
كنتَ تَجْزِي مثْلاً بمثْلٍ منَ الما / ل ويَبْقى عليك رِبْحُ الثّناءَ
عجَباً منك ما نَشِطتَ لهَذا / وهْو أيضاً من نَفْسِ بابِ الرِّباء
قال لم آمَنِ الحوادثَ فيه / فتراني مُخاطراً بالثّراء
صدَقَ الشّيخُ دون أن يُخرِج الفلْ / سَين من كفِه سُقوطُ السّماء
فاستُرِ الرقْعة الرّقيعةَ إمّا / لا وإلاّ فَرُدَّها في خفَاء
فكأنّي قَطّعتُ من حُرِّ وجْهي / ثُمّ سَطَّرتُها بماء بُكائي
قد بذلْنا فيها الحياء ولم تَنْ / جَحْ وهذا نهايةٌ في الشّقاء
كان فيما مضَى حَيائيَ منكم / فأنا اليوم من حيَائيَ حاء
قد كَتبنا إليكَ نَطلُبُ دِينا / رَيْن والرَّهْنُ قائمٌ بالإزاء
فعسى ما تَبيّنُ الياءُ والنُّو / نُ فَصحّفْتَها بلا استِقصاء
قلتَ هذا قد جاء يَطْلُبُ دارَيْ / نِ ومَن لي أنا بدُور العطاء
وتَحيّرتَ ثمّ قلتَ لعَمْري / إنّ ذا في حماقةِ الشُّعراء
فانتبِذْ باباً للخواطرِ واعَلمْ / أنّنا عارفون بالأشياء
ربّما كنتَ تُنزِلُ الضيّف في الدّا / رِ ولكنّه نور في الكِراء
لولا رجائي ثانياً للقائهِ
لولا رجائي ثانياً للقائهِ / ما كنتُ أحيا ساعةً في نائه
سَكَنٌ له أبداً فؤادي مَسْكَنٌ / ما مَلَّ يوماً فيه طُولَ ثوائه
ريمٌ إذا رِيم السُّلُوّ لمُغْرَمٍ / عن حُبّه أعيا عِلاجُ عَيائه
ومُقَرطَقٌ لو مَدَّ حلقةَ صُدْغهِ / من فَتْلها تَمّتْ لعَقْدِ قَبائه
غُصُنٌ إذا ما مادَ في مَيدانهِ / أسدٌ إذا ما هاجَ في هَيْجائه
في جَفْن ناظِره وجفْنِ حُسامهِ / سَيْفانِ مختلفانِ في أنحائه
فبواحدٍ يَسطو على أحبابهِ / وبواحِد يَسْطو على أعدائه
قَمَرٌ غدا روحي وراح مُفارِقي / والجسمُ بالرّوح امتساكُ بقائه
فَتَعَجُّبي أن عشتُ بعد فِراقه / وتَحسُّري أن متُّ قبل لِقائه
مالي وما للدهر ما من مطلبٍ / أُدنيه ألاّ لَجَّ في إقصائه
تُضحى وتُمسي حادثاتُ خُطوبِه / تَتْرى تُمِلُّ المرءَ من حَوبائه
كَدَرَتْ فليسَ يَبينُ آخرُ أمرِها / وظُهورُ قَعْرِ الماء عند صفائه
إلاّ رئيس الدّين إن أبدَى لنا / عن وجْههِ أو سيفِه أو رائه
فليكْشفَنَّ عنِ الورى غَمّاءها / أيُّ الثّلاثةِ كان من أضوائه
إنْ حَطّ ثِنْىَ لِثامِه أو هَزَّ حَدْ / دَ حُسامِهِ أو شَبَّ نارَ ذكائه
مَلِكٌ إذا عَمَّ البلاد بعدْلِه / عَمَر البلادَ بِبَأْسِه وسَخائه
إنَّ اللّياليَ أصبحَتْ بأساؤها / مَغْمورةً للخَلْقِِ في نَعْمائه
ما إن يُصيب الحُرَّ منها نازِلٌ / إلاّ ومنه نائلٌ بإزائه
ففَدى العُداةُ مِنَ الحِمامِ ورَيْبِه / وهمُ وإن رغمِوا أقلُّ فِدائه
مَنْ ليس يَثْنى طَبْعَه عن حِلْمه / سَعْيُ العِدا بَغياً على عَليْائه
أفليس أَشقَى النّاسِ مَن جاز المدى / في البَغْي حتّى خاب من إبقائه
يَغْترُّ حاسِدُهُ بأنْ أملَى له / والبأسُ كُلُّ البأسِ في إملائه
كم راقدٍ مَلَّ الجفونَ جَهالةً / ما دام ليلُ الشّكِ في ظَلْمائه
لا بُدَّ أنْ سَيعودُ صُبْحٌ ساطعٌ / فَيهُبُّ فيه المَرءُ من إغفائه
يومٌ يجازَى المَرءُ فيه وواجِبٌ / أن يُذكَرَ الإنسانُ يومَ جَزائه
هو عَفْوُه اعتَصِموا بحَبْلِ ذمامه / وعِقابُه اجتَنِبوا حُلولَ فَنائه
يُغْني ويُفْني فاطلُبوا إغناءه / وتَعوَّذوا باللهِ من إفنائه
سبب النجاة ولاؤه ورجاءه / فتمسكوا بولائه ورجائه
قُلْ للعُداةِ انْوُوا له ما شئِتُمُ / فلَكَم يقيهِ اللهُِ من إسوائه
أفبَعْدَ هذا للخلائقِ ريبة / في أنَّ سِرَّ اللهِ في إعلائه
هيهات إنَّ اللهَ يأبى نُوُره / أن تَعمَلَ الأفواهُ في إطفائه
اليومَ عاد السّعْدُ بعد مَغيبهِ / عنّا وبان الرشْدُ بعدَ خفَائه
وسعَى لهذا الملْكِ في تَجْديدِه / من بَعْدِ سَعْيِ الدَّهرِ في إبلائه
ذو غُرةٍ كالبَدْرِ عند طُلوعِه / بَهَر الورى بسَناه أو بسَنائه
لكنْ إذا نظَروا إليه تَبَيّنوا / أنْ ليس بَدْرُ الأفْقِ من نُظرائه
فكمَالُه أنْ ساس فوق كَمالِه / وعَلاؤه أنْ قاس فوق عَلائه
مَلِكٌ إشارةُ كَفّهِ أو طَرْفهِ / لنعيمِ شَطْرٍ للورى وشَقائه
ربُّ الكتابةِ والكتيبةِ صاحبٌ / تَسْرِي جيوشُ النّصرِ تحت لوائه
وإذا رأيت السّودَ من راياتهِم / سارتْ أمام البيضِ من آرائه
فتَرقّبِ الفَتْحَ القريبَ لمن غدا / بين الملوكِ وأنت من وزرائه
يا طالعاً سَعْدَ السّعودِ لناظري / من بَعدِ طُولِ سُهادِه وبكائه
لو لم أُرِدْ بصَري لِرؤيةِ وجْههِ / ما كنتُ ذا حرْصٍ على استِبقائه
لِمحَبَّتي نَظرِي إليك صيانَتي / بَصَرِي وإمساكي عنِ استبكائه
ما كنتُ أصنْعُ لو طلعْتَ بمُقلتي / والدَّمعُ أطفأ نارَها في مائه
يا كعبةً سارتْ إلى حُجاجِها / وكَفتْ مَسيرَ النَّضْوِ في بَيدائه
وأهلَّ زائرُها برَجْع دُعائه / من قبلِ جادِيهم برَجْع حُدائه
خذْها كعِقْدِ الدُّرِّ ثنى لثامه / والكوكب الدريِّ في لألائه
فلأ شكُرنَّ على دُنُوِّ الدراما / توليه من حظٍ ومن إسنانه
شُكْري أميرَ المؤمنين على النّوى / لمّا سقَى أرضي حَبِيُّ حِبائه
قرَّطتْهُ أنا والمهامِهُ بيننا / دُرّى وَقرَّطني كذا بعَطائه
وأجَلُّ من تقليدِه لنوالِه / ما كان من تقليدِه لقضائه
وقد استَنبْتُ ابني فوَّقع مُمضياً / والفَخْرُ كُلُّ الفخْرِ في إمضائه
فمَنِ المُخالِفُ للخليفةِ أمرَه / في عَوْدهِ يوما وفي إبدائه
ووُرودُ أمرٍ جاء من رَبِّ الوَرى / كوُرودِ أمرٍ جاء من خُلفائه
فأعدْ لنا نظرا فهمُك صائبٌ / لا يطمَعُ الجُهّالُ في إخطائه
وانظُرْ إلى استحسانِ واستقباح ما / سيُقالُ بعْدَ المرءِ من أنبائه
فتعّلمَ الأدبَ السَّموألُ ومن صدى / جبَلٍ دعا فغدا مُجيبَ دُعائه
يا صاحباً ما شام برقَكَ آمِلٌ / إلا وجاد ثَراه سُحْبُ ثَرائهِ
لم أرْجُ نُجْحاً عاجِلاً في مَطلَبٍ / إلا وبِشْرُك كان من بُشَرائه
لكنّ دهراً رائعاتُ صُروفُه / كَرَّتْ بشِدَّتهِ بُعَيدَ رخائه
كان اعتناؤك بي يَراه ويَستحي / وأراه قد ألقَى لثامَ حَيائه
فلقد مَلِلتُ اليومَ من أكداره ال / مُلْقاةِ في شُرْبي ومن أقذائه
فأعنْ على هَربي إذن من منزلٍ / فَنِيَ اصطبارِي من طويل بَلائه
بِمُهْملَجٍ كالماء عند مَسيره / لكنّه كالبَرْقِ في تَعْدائه
فَرسٌ إذا ملكَتْه كَفّي لم أُرعْ / من بُعْدِ مُنتجَعٍ ومن عُدَوائه
وعليه إنْ أك في صباحِيَ فارساً / أَو فارساً إن سرتُ قبلَ مَسائه
وبسابقٍ لي منكَ وَعْدٌ سابقٌ / فتُرى إلامَ تَلِجُّ في إبطائه
وأبو الفُتوح وليس يُنْكِرُ ضامِنٌ / فَبقيتُ في وطَني أسيرَ جَفائه
فعسى أرى طِرْفي بطَرْفي مَرّةً / يُزْهى أمام الخيلِ من خُيلائه
وعلى السِفارِ عسى أصيرُ بظَهْرِه / مُستظهراً فأهزَّ عِطْفَ التّائه
مَنعتْ موانعُ أنْ أمُرَّ لِطيَّتي / فبقيِتُ في وطني أسيرَ جَفائه
قَيّدْتني وَسَطَ الدّيار ومَن نَبَتْ / دارٌ به فَنجاتُه بنَجائه
حتّى لجْأتُ إلى ربيبِ رئاسةٍ / إفضالُه وقْفٌ على فُضَلائه
وشَكوتُ للزّمنِ المُسىء حوادِثاً / وفؤادِيَ العاني أسيرُ عَنائه
فأزال أقيادَ الخطوبِ ورَدَّني / مُتقيّداً بالغُرِّ من آلائه
فبقيتُ لا أدري أمن أُسَرائهِ / أصبحتُ بين النّاس أم طُلَقائه
عاش الرّجاءُ لكلِّ قَلْبٍ آيسٍ / لمَا قَدِمْتَ وكنتَ من أبنائه
وكذاك دينُ اللهِ زاد جلالةً / لمّا رآك وأنت من رُؤسائه
فَالْحَقْ بحُسْنِ الرّأى مُهجةَ خادمٍ / لم يَبق للحدثانِ غيرُ ذَمائه
واسَتْبقِ فيك ثناءه وَولاءه / فَيقِلُّ مثْلُ ثنائه وَولائه
لا زلتَ مثْلَ النّجمِ تَطلُعُ للورى / في عُمْرهِ طولاً وفي استِعلائه
في ظلّ مُلْكٍ كاملٍ نامٍ معاً / يَجْلو ظلامَ الظّلمِ بَثُّ ضيائه
فكَما لهُ للبدْرِ إلاّ أنّه / كهلالِ أوَّلِ ليلةٍ لنَمائه
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء / وبجَمْع الدّهرِ شَمْلَ القُرناءِ
وبتأميلِيَ منهم عودةً / لا أطعْتُ الشّوقَ في طُولِ البكاء
إنمّا أَذْخرُ عيْني لغَدٍ / إنْ قَضى اللهُ بوَشْك الالتقاء
ليسَ يشفى غيرُ عيني عِلَلي / إنْ تدانى الحَيُّ من بعدِ التّنائي
خَلِّها تَثْنِ إليهم نّظْرةً / ثمّ هَبْها عندهم للبُشَراء
لو يُفادّون بعُمْري منهمُ / يومَ وصلٍ لم يكنْ غالِي الفداء
أصفياءٌ كَدَّروا عيَشْي نوى / كيف يصْفو العيشُ دونَ الأصفياء
كم تجلَّدْتُ وما بي جَلَدٌ / وتصنّعْتُ وقد عَزَّ عزائي
جاحِداً وَجْدي بهم من حَذَرٍ / حين تَرميني عيونُ الرُّقَباء
وإذا ما سَبقتْني عَبرةٌ / عندهم غطَّيتُ وجْهي برِدائي
وإذا اليأسُ أَعَلَّ القلبَ لي / قلتُ للقلبِ تَعَلّلْ بالرّجاء
فأدالَ اللهُ من جَورِ النَّوى / بدُنُوِّ الدّارِ بعد العدواء
وانتَهى الحالُ إلى أن واصَلوا / فتَواهَبْنا بِداياتِ الجفَاء
سال من عَطْفِهمُ أوديةٌ / حَملَتْ كُلَّ جَفاءٍ كالجُفاء
لستُ أنسى يومَ بانوا جيرتي / ووُقوفي واجِماً في خُلَطائي
وسؤالي كُلَّ رَكبٍ عَنَّ لي / عنهمُ عند رَواحٍ واْغتداء
وانتِظاري لخيالٍ منهمُ / زَورةً بين صباحي ومسائي
ومَبيتي ساهراً مُرتفِقاً / بالفلا والنِّضْو مَعقولٌ إزائي
ونجومُ اللَّيلِ يَجْلو بينها / غُرةَ البدرِ لنا فَضْلُ الضياء
كبني هاشمٍ الغُرِّ وقد / أحدقُوا حول نقيبِ النُّقَباء
وبدا بدْرَ سماحٍ كاملٍ / بالعُلا إن لم يكنْ بَدْرَ سَماء
مَن رأى يوم تَجَّلى والورى / ناِصبُو أَعناقهم للاجتلاء
وعليه حُلّةٌ مَنسوجةٌ / من أَناسِيِّ عيونِ الأولياء
فوقَ طِرْفٍ يَسْرِقُ الطَّرفُ له / عزّةً كُلَّ عظيمِ الكِبْرياء
مُرْتَدٍ عَضْباً يُحاكِي رأْيَه / إن نضاهُ عند خَطْبٍ في المَضاء
ومن اللهِ عليه هَيبةٌ / في عيونِ النّاسِ شِيبَتْ ببهاء
والفتى من دَهَشٍ مُقْتَسَمٌ / حيث للخلْق ضجيجٌ بالدُّعاء
فيدٌ تُومي وقلبٌ فرِحُ / وفمٌ داعٍ وَطرْفٌ منه راء
يُبصِرون الغيثَ واللّيثَ معاً / والحَيا والشّمسَ من غيرِ امتراء
ويُحَيّون هُماماً ماجداً / بِشْرُه للوَفْدِ عُنوانُ السَّخاء
سابَقَ الآباءَ في شوْطِ العُلا / فهْو إن خاشَنْتَه صَعْبُ الإباء
قَسَّمَتْ أفئدةَ النّاسِ له / راحتاهُ بين خوفٍ وارْتجاء
هاشِمي عاقد حبوتَه / في ذُرا بيتٍ رَبوبِيِّ البِناء
يهبطُ الوحْيُ على سُكّانِه / فهمُ للهِ أهلُ الاصطفاء
بالهُداةِ الأُمناء انتظمَتْ / حافَتاهُ والملوكِ العُظماء
أيَّ سبْقٍ سبقُوا نحو العُلا / واقتفى آثارَهم أيَّ اقتفاء
ملِكٌ أصبح مَحذورَ السُّطا / مُرتجَى النّائلِ مأهولَ الفِناء
قد نَمتْه دَوحة من فَرْعها / شُعبةٌ مُثمِرةٌ بالخُلفَاء
من أبيهِ الحَبْرِ فيه شَبَهٌ / في بيانٍ وسَماح ودَهاء
يَضَعُ الأشياء في مَوضِعها / مِثْلما باشَرْتَ نُقباً بِهناء
شارعُ ديِنَ ندىً إعجازُهُ / أنمُلٌ تَنبَعُ فينا بالعَطاء
ذوُ بُدُو بعضُ أسابِ الّذي / ظَلّ يأتيهِ وبعض ذو خَفاء
ليس بالمسؤولِ عن أفعاله / بل على الأقوامِ حُسْنُ الاقتداء
ليس يَعْرى من جلابيبِ العُلا / عند مَيْلٍ منه أو عنْدَ استواء
وكذاك النّجمُ في أفلاكه / كيفما دار قَرينٌ للعلاء
كعبةٌ للمجدِ يُومي نحوَها / كُلُّ مَن في الأرضِ من دانٍ وناء
إنْ تَزُرْهُ تَر كفّاً كالحَيا / حين يُمتاحُ ووجْهاً ذا حَياء
هو كالطَّودِ وقاراً في الحُبا / وهْو كالجَودِ بِداراً بالحِباء
تَقْصُرُ الأنجُمُ عن آرائه / إن حكَتْها في سناً أو في سَناء
وبذاك النّطَرِ السّامي له / فاق في الآفاقِ كُلَّ النّظراء
وأميرُ المؤمنين اختَصَّه / من بنى الدّهرِ بقُرْبٍ واجتِباء
يحَمد النّاصحُ مَن كان ولا / مثْلَ حَمْدِ النصَحاء النُّسَباء
لم يَنَلْ ما قد تَمنّى كاشحٌ / داخلٌ ما بين عُودٍ ولِحاء
وإذا الأحبابُ بالوَصْلِ اكتَفَوا / نُبِذ الواشون نَبْذاً بالعَراء
إن تَسلْني عن زماني وأنا / ذو اخْتبارٍ لبنيهِ وابتلاء
فَعليٌّ لك يا عَمْرو العُلا / منتهَى بحرِ بنيك النُّجباء
هاكَها من رائق الشِّعرِ وإن / لم يكَدْ يَسلُكُ نهْجَ الشعَراء
يَشعَرُ الدّهْرَ ويَقْضي مُبدعاً / ما لشعرٍ منه قدْحٌ في قَضاء
مَدْحُه الدّهْرَ لقومٍ مَدْحُهم / مَحْضُ صدقٍ لم يِشِنْهُ بافْتراء
بكُمُ يا آل عبّاسٍ يُرى / من صُروفِ الدّهر ما عشتُ احتمائي
لم أزَلْ أشْفعُ فيكم طارِفاً / من مَديحي بتليدٍ من وَلائي
إنْ نشَرْتُم فعَنِ الشُّكرِ لكُم / أو طَويتُم فعلَى الوُدّ انطوائي
وإذا المَدْحُ سَرى في جَحْفلٍ / فأنا الحاملُ فيهِ للّواء
بقَريضٍ كلّما حَبرتُه / هزّ أعطافَ المُلوكِ الكُرَماء
قلتُ والرّكْبُ بأجوازِ الفَلا / عيسُهمُ مُنتعلاتٌ بالنَّجاء
بَكّروا والصُّبْحُ في طَيِّ الدُّجَى / وجْهُ حسناءَ حَييٌ في خباء
وحُداةُ العيسِ يَنفون الكَرى / ويُطيرون المَطايا بالحُداء
كُلُّ وجناءَ إذا ما طَرِبوا / عَطّتِ البيدَ بهم عَطَّ المُلاء
وإذا ما ادّرعَتْ هاجِرةً / جُعِلَ الظِّلُّ لها مثْلَ الحذاء
الرِّضَا يا حاديَ العيسِ الرِّضا / فَلَقَصْديهِ من النّاس ارتضائي
هو أكفَى الخَلْقِ للوفْدِ ندىً / وبه أيضاً عنِ الخَلْقِ اكتفائي
بل لذي الفَخْريْنِ نفسٌ كبُرتْ / منه عِزّاً في جُدودٍ كُبَراء
حَضْرةٌ منك تَحَلَّى جِيدُها / بنظامٍ هو مأْمون الوَهاء
وارتقَتْ في دَرَجِ العِزّ إلى / حيثُ لا يُوجدُ فَضْلٌ لارتقاء
إن يكن فَخْرُكَ في الوهْم انتَهى / فلْيَطُلْ عُمْرُك من غير انتهاء
عِشْ لطُلاب المعالي قُدوةً / بك يُبدون اقتداءً لاهتداء
هذه دولةُ مَجْدٍ وعُلاً / جَمعتْ بالجودِ شَمْلَ الفُضَلاء
أصْبَحَتْ مَنصورةً راياتُها / إذْ رَعتْها منك عَيْنُ الاعتناء
وبك استغنَتْ فلم تُبقِ لها / حاجةً يوماً إلى غيرِ اكتفاء
فلها فابْقَ يَميناً أبَداً / مُغْنياً في نَصْرِها كُلَّ الغناء
يا يميناً لو دعتْ كُل الورى / بشِمالٍ لغَدوا دونَ الوفاء
لا يَزلْ جوُدك يَجلوك لنا / في سوارٍ صيغَ من حُسْنِ الثّناء
سَيفُ عَينَيك عازمُ الانتضاء
سَيفُ عَينَيك عازمُ الانتضاء / ما يُرَى قاتلاً سوى الأبرياء
ولهذا تَضرَّجَتْ وجناتٌ / لك أضحَتْ مصَبَّ تلك الدّماء
إنَّ تَقبيلَ صُحْنِ خَدّك نُسْكٌ / فهْو إحدى مصارعِ الشهداء
يا غلاماً أضحى دليلَ وجودِ ال / خَصْرِ منه ثَباتُ عَقْدِ القَباء
عاقِداً من دلالهِ طَرَفَ الأص / داغِ يرنُو بمقلةٍ كحلاء
كلّما سَدَّ طعنةً في فؤاد / قال خُذها نَجلاءَ من خَوصاء
صادِقُ الفَتْكِ من بني التُرك مايطْ / مَعُ منه العُشّاقُ في الإبقاءِ
يَكسِرُ الجَفْنَ كلّما رام قتلى / وكذاك الأبطالُ يومَ اللِّقاء
أَيُّ ذمٍ لو كان فِعْلُك بالأح / بابِ هذا يا ريمُ بالأعداء
كيف يَسخو لنا بفعْلِ وفاءٍ / ذو لِسانٍ خالٍ من اسْمِ الوفاء
قاسم طول دهره القول ما بي / ن جفاء للصب واستجفاء
غير أنْ لا يزالُ سَيْلُ دُموعي / حاملاً للجَفاءِ حمل الجفاء
كيف يَصحو من سَكْرةِ التّيهِ بدرٌ / ما خلا فُوهُ قَطُّ من صَهْباء
قَمَرٌ لا أُطيقُ أُقمرُ منه / نظْرةٌ خوفَ أعيُنِ الرُّقَباء
ما يحاذيه زُجُّ طَرفيَ إلا / لم يَقُمْ كفُّ من الأعداء
أيّها الآمرِي بصّدِيَ عنه / كيف صدُّ العطشانِ عن صَدّاء
كم مُقامٍ تكادُ نارُ حياتي / تَنطفِي عنده بماء حيائي
هِمْتُ في واديَيْ عتابٍ وعِشْق / مذْ أُتيحَتْ عيناهُما لبلائي
رقَّ قلبي بحيث جامدُ خدٍّ / يَتَرَامَى إليه بالأهواء
أبداً بالحسانِ أهذِي ولا حسْ / وَ إذا ما تأمَّلوا في ارتِغائي
وإنِ ارتَبْتَ يا غلامُ بأمري / فاتْلُ وصْفي في سُورة الشُعَراء
لي لسانٌ عنانهُ بيدِ اللّهْ / وِ وقلْبٌ قد ذلَّ بعد إباء
لا تُكِذِّبْ إنِ ادّعيتُ سُلْواً / فصحيحٌ إلى العزاءِ اعتزائى
لم يدعْ في فؤادِيَ الدَّهرُ سُؤْراً / لهوى أغَيدٍ ولا غَيدْاء
أنا قِرْنُ الزّمان ما بَرِحَتْ نَفْ / سي مع النّائباتِ في هَيجْاء
قائداً عسكرَ القوافي إلى سُل / طان دهرٍ قد لجَّ في الاعتداء
طالباً للغنى وحَسْبُ غنىً في الدْ / دَهْرِ يُرجى منَالُه بعناء
كُلَّ يومٍ مُصَبَّحٌ أنا منه / بكؤوسٍ من الهمومِ مِلاء
واقفٌ حائرٌ وقُوفَ أخي العلْ / لَةِ بين الشِّفاء والإشفاء
حاقرُ الابتداءِ لو كنتُ منه / عارفاً ما يكونُ في الانتهاء
جَهَّلتَنْي الأكدارُ والماءُ ممّا / يُبْصَرُ القَعْرُ منه عند الصّفاء
كم إلى كم تُرى أُطوّفُ في الآ / فاق فوق الرّكائبِ الأنضاء
قَلقاً أُسرِعُ التّحوُّلَ في الآ / فاقِ والارتماءَ في الأرجاء
مثْلَ ظلِّي مُشرِّقاً في رواحٍ / كُلَّ يومٍ مُغرِّباً في اغتداء
مُمْسياً بين ناقةٍ ونَقاةٍ / من فَلاةٍ دَوّيّةٍ يَهْماء
مُبدلاً ساعدَ المليحةِ عَبْلاً / بذِراعِ المَطيّةِ الفَتْلاء
وطنُ قد عَمْرتُه من ظُهورِ ال / عيسِ ما إن أَمَلُّ فيه ثَوائي
وتَرْكتُ الأوطانَ تَهْوي لكي تظ / فَر بي إن عُدِدْن في الإفلاء
غيرَ أنّي قدِ اقتَنْيتُ من الغُرْ / بةِ يا صاحِ من خليلٍ صَفائي
كلّما غَيّبَ الحوادثُ عنّي / وجْهَ رأْيٍ ولم تُقمْه إزائي
عَرَّفَاني عواقبي وبمْرآ / تَين يُسطاعُ رؤيةُ الأقفاء
فأشارا عليّ نُصْحاً وقالا / ومن الرُّشدِ طاعةُ النُّصحاء
صاحِ إن أصبح الزّمانُ وأمسى / مائلاً ليس عُودُه ذا استواء
فارْجُ خيراً فكلُّ سَهْمٍ سديدٍ / خارجٌ من حنيّةٍ عوجاء
يُلصقُ الكفَّ بالثرى والثّريا / فَقْدُها أو وجودُها للثّراء
فارتَدِ اللّيلَ واسحَبِ الذَّيل منه / فوق صحْنِ الفلاةِ سحْبَ الرداء
إن سَئمتَ الأسفار يا صاحِ بُهْماً / فاخنَتمْها بسَفرةٍ غَرّاء
سائراً في عِصابةٍ لم يُلاموا / إن تحاشَوا مَنازلَ اللؤماء
كلُّ سارٍ سَرى لمعْراج سُؤْلٍ / يَبتغيه على بُراقِ رجاء
بمطايا مثْلِ الحنايا لها الرَّكْ / بُ سهامٌ قد سُدّدَتْ للمَضاء
والأكفُّ الأفواقُ والجدُلُ أو / تارُ منها والسّيرُ مثْلُ الرِماء
وسَعيدٌ لها هو الغَرضُ الأقْ / صى لنيلِ الغِنى ونيْلِ الغَناء
ماجدٌ تُصبحُ الوفودُ إليه / كلما استُقبلوا سدادَ الفضاء
فإذا توخّوا الركائب حلّوا / في فسيحٍ رحْبٍ من الأفناء
فهمُ يشتكون ضِيقَ الفلا عن / هم ولا يَشتْكون ضِيقَ الفِناء
حاوَلُوا الكَسْبَ من جزيلِ ثراء / فيه فاستبضَعوا جميلَ ثَناء
ويسيرٌ على نَداهُ لوفْدِ ال / حمْدِ جوداً تَبديلُ نُونٍ براء
أصبُحُوا عامدِينَ من عمْدةِ الدّي / ن كريماً فرْداً من الكُرماء
اسْمُهُ وصْفُ مَن يَراهُ وما الأو / صافُ إلاّ تَوابعُ الأسماء
أصبح الأصلُ طاهراً فغدا الفَرْ / عُ سَعيداً من ذلك الانتماء
وإذا ما الأطهارُ كانتْ أُصولاً / لم تُفرّعْ منها سوى السعَداء
أيُّها الأوحَدُ الّذي مثْلُه العن / قاءُ في العزّ لا بَنو العَنقاء
طبْت فَرْعاً إذ طاب أصْلاً أبوك ال / قْرمُ ذو المكرُماتِ والآلاء
وبلوغُ العلياء امتَعُ للأب / ناء في ظلّ عيشةِ الآباء
فاسْلمَا أسبغَ السلامةِ في ظلْ / لِ العُلا وابْقيا أمَدَّ البَقاء
أنتُما ذلك الذي نَطق القُرْ / آنُ عنه من دَوحةِ العلياء
أصلُها ثابتٌ كما ذكَر اللّ / هُ تعالى وفَرعُها في السّماء
من قَبيلٍ بالشّرْعِ يُدْلُون سَجْل ال / حَقِّ عَزْماً بلا رِشاءِ ارْتشاء
هُم أَجَلُّ الحُكّام في دولةِ الإس / لامِ والجاهليّةِ الجَهْلاء
هَرِمٌ كان قبل أن هَرِم الدّه / رُ له في العبادِ فَضلُ القَضاء
قبل ذا الدّينِ كان ذلك دِيناً / لَهمُ ظاهراً بغَيرِ خَفاء
فنَشأتُم عليه طَبْعاً ولا يُشْ / بِهُ طَبْعاً تَكلُّفُ الأشياء
مَن رأى ما رأيتُ في ليلة العي / د وهُم واقفون عند التّرائي
عقَدتُ في الشروق كفُّ الثريّا / ستّةً قد طلعْنَ عند العشاء
حين خطَّ الهلالُ في المغرب نوناً / من ثلاثينَ قد سَبقْن ولاء
قلتُ هذا لصَوْمِ ستّةِ شَوّا / لٍ مُثيراً قد بان بالإيماء
أيْ إذا صُمْتَها فقد صُمْتَ عاماً / كاملَ النُّسك بينَ ماضٍ وجاء
هِيَ عِيرٌ مقْطورةٌ فَصَلَتْ لِلْ / لهِ مَذخورةٌ ليومِ الجزّاء
فتغَنّمْ عِلاوةً لرسولِ اللْ / لهِ نيطَتْ من سُنْةٍ بَيضاء
فقْه دهْرٍ أبداهُ من طُولِ ما عِنْ / دك يُلفَى تَناظُرُ الفُقَهاء
واللّيالي ما أهلّتْ في زمانٍ / قبلَ هذا لولاك للإفتاء
أنت أهدَيتَها بزُهْرِ مَعالي / كَ فأبدَتْ أمثالَها للرّائي
إنّما أنتَ مُذْ طلَعْتَ عليها / غُرّةٌ أُهدِيَتْ إلى دَهْماء
صُمْ وأفطِرْ ما كُرِّرَ الصّوم والفِطْ / رُ عزيزاً تَعيشُ في النَّعْماء
ما سَقَتْ خدَّ روضةٍ دّمْعَ قَطْرٍ / ساجمٍ عَينُ دِيمةٍ وَطْفاء
يا أبا الفَتْحِ دعوهٌ تَملأ الأرْ / ضَ فُتوحاً من يُمْنِ ذاك النّداء
لك فَتْحانِ للَّهى بالْلُها جوُ / داً وللمُشكلات بالآراء
فابْق في العزّ مُغْنياً حُلَلَ الأيْ / يامِ بين الإجدادِ والإبلاءِ
نائباً عن أبيك في بَثِ نورٍ / يَمْلأُ الأرضَ دائماً بالضّياء
ما رأى النّاسُ هكذا كُلَّ يومٍ / عن ذُكاءٍ نيابة بن ذُكاء
عشْ لِنْصرِ الهُدى بخَفْضِ الهَوادي / من أعادٍ والرّفعُ للأولياء
في نعيمٍ باقٍ بغَيرِ انقطاعٍ / وقَضاءٍ عَدْلٍ بغَيرِ انقضاء
جَذلاً في بني أبيك مُقيماً / في الذي شئْتَ من سناً وسَناء
فلأنتُم ولا افترقْتُم نُجومٌ / وُضعوا منه في سماءِ عَلاء
قد تَعالَتْ تلك الأكُفُ عنِ الأك / فاء بل عن نَواظرِ النّظراء
لا ينالُ الأقوامُ إلاّ نُزولَ الرْ / رزِق منها أو ارتقاءَ الدُّعاء
قُل لذُخْرِ الإسلامِ يا أيها الفا / رِجُ عنه للكُرْبةِ السّوداء
يا غماماً من الندى وهْو بالرَيْ / يِ وبالبِشْرِ كاشفُ الغَمّاء
طودُ حِلم لكن يهبُّ هُبوبَ الرْ / رِيح جوداً إذا احتَبى للحِباء
كاملُ الفَضْلِ والنهى وهْو ينْمى / هل رأَيتُم تكاملاً في نماء
وأخو سيرةٍ إذا وصَفوها / للرّعايا حَسناءَ لا خَشْناء
أوْطأته عُليا فزارةَ من قَب / لِ حَصى الأرض مفرِقَ الجوزاء
ورِعُ النّفسِ ما رأى اللهُ حُوباً / قطّ منه يدورُ في حَوباء
كأُويسٍ إذا دعا في تُقاه / وإياسٍ إذا قضىَ في الذّكاء
جفانيَ مولايَ الكريمُ كما تَرى
جفانيَ مولايَ الكريمُ كما تَرى / فما ازدَدْتُ إلا بالعُهودِ وَفاءَ
وما أنا إلا كالمُدامِ لصاحبي / يَزيدُ على طول الجفاءِ صفاء
تَغيّبَ عنّي البيضُ إذ شابَ عارضي
تَغيّبَ عنّي البيضُ إذ شابَ عارضي / فأضحى بعيني دُونَهُنّ غطاءُ
سوادُ الشُعورِ والعيونِ كلاهُما / إذا ما بدا فيه البياضُ سواء
رأينا عجيباً والزّمانُ عجيبُ
رأينا عجيباً والزّمانُ عجيبُ / رجالاً ولكنْ مالَهُنَ قلوبُ
تَماثيلُ في صَخْرٍ نَحيتٍ كأنّها / بنو زمنٍ لم يُلفَ فيه أريب
نَزْلنا وُفوداً في حِماها ولم يكن / لنا من قِراها في الوفود نَصيب
وَمَنْ يكُ مُلْقَى رَحْلِهِ عند سُوقةٍ / له وَرِقٌ للزّائرينَ رطيب
فنحن لدى كِسرى أبَرويزَ غُدوةً / نُزولٌ ولكنّ الفِناءَ جَديب
بظاهرِ قَرميسينَ والرَّكبُ مُحدقٌ / حَوالَيْهِ فيهم جَيئةٌ وذهُوب
لدى مَلِكِ من آلِ ساسانَ ماجدٍ / وَقورٍ عليه التّاجُ وهْو مَهيب
وقد ظَلّ بينَ المُوبذان مكانَه / وشِيرينَ للأبصارِ وهْو قريب
مكانَ المُناجي من خليلَيْهِ واقفاً / وإن عّزَّ منهم سامعٌ ومجيب
يرُونَكَ من تحتِ الحوادثِ أَوجُهاً / بها من تصاريف الزمان شُحوب
وقاموا على الأقدامِ لا يَعتَريهمُ / مَدى الدهرِ من طول القيام لُغوب
عليهم ثيابٌ لَسْنَ مُجتابَ لابسٍ / ولكنْ من الصَخْر الأصَمِّ مَجوب
تُعُجِّبَ منها كيف جُرَّ لِمثْلها / ذيولٌ لهم أم كيفَ زُرَّ جُيوب
وقد شَخَصتْ للناظِرين بَوادياً / صُدورٌ لهم من تحتها وجنُوب
كما تَصِفُ الأعضاءَ يوماً غلائلٌ / إذا كان فيها للرياحِ هُبوب
ومن تحته شَبْديزُ ناصِبُ جِيدهِ / ومُنتَفِضٌ في الوجهِ منه سَبيب
ومُسبَلُ ضافٍ بين حاذَيْهِ مُرسَلٌ / له خُصَلٌ مالتْ به وعَسيب
ثنى سُنْبُكاً منه عنِ الأرض صافناً / وهيهاتَ منه أن يكونَ خبيب
تُؤُمّلَ منه كيف نسْجُ حِزامه / فيَصعَدُ فيه ناظِرٌ ويَصوب
وقد بان حتّى عِرقُه تحت جِلْدهِ / وإن لم تَبِنْ في صَفْحَتْيهِ نُدوب
تَرى كلَّ عُضْوٍ منه أُكملَ صُنعْهُ / فلا شيءَ إلاّ الروحَ منه تَغيب
وفارِسُه شاكي السلاحِ مُدَرَّعٌ / على الأرضِ للرُمْحِ الأصحِّ سَحوب
يُخَيّلُ للرائي زمانُ حياته / فيَعلَقُ منه بالفؤادِ وَجيب
ومِن حَوْله من كلِّ ما اللهُ خالقٌ / تَماثيلُ ما في نَحْتِهنَّ عُيوب
سَماءٌ ذُراها بالنجومِ مُنيرةٌ / وأرضٌ ثَراها بالرِياضِ خَصيب
ومُقتَنَصٌ فيه الجوارحُ سُرَّبٌ / تَطير وتَعدو والوحوشُ سُروب
ومن كلِّ أَنواع الأنامِ مُصوَّرٌ / شبَابٌ وشُمْطٌ يَمرحونَ وشِيب
ومَجلسُ أُنْسٍ يُفْسِحُ الطَرفَ مِلْؤه / قيانٌ تُغنِّي وَسْطَهُ وشُروب
وصَرْعَى وقَتْلَى في قتالِ عساكرٍ / تَحولُ حصونٌ دُونَهم ودُروب
فمِن جانبٍ أَضحتْ تُصَبُّ مُدامةٌ / ومن جانبٍ أَضحَتْ تُشَبُّ حروب
خَليطانِ هذا للقراعِ مُعَبَسٌ / يَصولُ وهذا للسّماع طَروب
وقد حققَّوا التصويرَ حتّى وجوهُهم / يَبينُ لنا بِشْرٌ بها وقُطوب
وكلٌّ يُعاني شُغْلَه غيرَ أنّه / على فَمِه دونَ الكلام رَقيب
مَلاعبُ فيها المَلْكُ رامٍ بطَرْفِه / وكلُّ ابْنِ دُنْيا إن نَظرْتَ لعوب
وعاشوا طويلاً ثُمَّ فّرَّقَ شَمْلَهم / زَمانٌ أكولٌ للأنامِ شَروب
فلولا مَكانُ الدِينِ قَلَّ لفَقدِهم / بُكاءٌ لنا في إثْرهم ونَحيب
مُلوك أقاموا ما أقاموا أعزّةً / وقد شعَبتْهم بعد ذاكَ شَعوب
وُخيّل للرّائي ليذكُرَ عهْدَهم / خيالٌ لعمري إن رأيتَ عجيب
خيالٌ لهم يُهْدَى إلى كُلِّ أُمَةٍ / لقصْد اعتبارٍ إن رآه لَبيب
وما هو بالطّاوي السُّهوب وإنّما / لكي يُجتلَى تُطوىَ إليه سُهوب
سَيبْقَى ويَفْنَى الناظِرون وتنقضي / قبائلُ حتّى ينقضي وشعوب
ولا بُدّ يوماً من فَناءٍ مُقَدّرٍ / سَنُدْعَى إليه دَعوةً فَنُجيب
أُحِبُّكَ يا كسرى لعدْلك وحدَه / ودينُكَ مَشنوءٌ إلى مَعيب
ومَعْبودُكم نارٌ ومَورِدُكم غداً / فسوفَ تَرَى العُبّادَ كيف تُنيب
ونحن سَبقْنا الأعجَميِنَ بمُلكها / وما كان منهم للبلادِ وثُوب
بَدأنا وعُدْنا فانتزَعْناهُ ثانياً / فللمُلْكِ فينا سابِقٌ وجَنيب
مُلوكٌ من العُرْب الكرامِ إذا انتموا / تَبلّجَ منهم مالِكٌ وعَريب
وما في بنى ماءِ السماء أُشابَةٌ / تُعَدُّ وهل ماءُ السّماءِ مَشوب
فلاحظْ غداةَ الافتخارِ نصابَنا / أمن مثلِه للأعجَمين نَصيب
هُمُ عَمروا الدُنيا ولادين عندهم / زماناً وإهمال الديانة حوب
ونحن عمرنا الدين أوَّل ما بدا / ولم تكُ دُنْيا للرِّجالِ خَلوب
وذا زَمَنٌ ما منهما فيه عامرٌ / فصْبراً وغيَري يا أُميمَ كذوب
فإن ساءنا ذا الأمرُ إذ هو مُبْهَجٌ / فقد سَرَّنا ما شئْت وهْو قَشيب
عسى زمنٌ يثْنِي لنا العِطفَ مُنجِبٌ / فما في بني هذا الزّمانِ نَجيب
تَناهى بيَ الإيحاشُ منهم فكلُّهم / وإن أظهر الودَّ الكثير مُريب
وآنَسني نَحتٌ من الصْخرِ ماثلٌ / مُقيمٌ عن الأبصار ليس يَغيب
عَديمُ الأذى طَبْعاً ولا عيشَ للفتى / بقُرْبِ امرىءٍ يُخشَى أذاه يَطيب
غَدا قائماً يَقري الرّجالَ تأسّياً / إذا ضافَه نائي الدّيارِ غَريب
فلولا الذي خلْفَ النّوى من علائقٍ / أقمتُ لديه ما أقام عَسيب
وهل مُنْكِرٌ إن كان بالنّاس قاسه / أخو نَظْرةٍ يرْمي بها فَيُصيب
وأبناءُ هذا العصرِ أيضاً جلامدٌ / تُريك جسوماً مالهنَّ قلوب
وقد مُسِخوا فاسَتحْجَروا حين أصبحوا / عُصاةَ المعالي والعِقابُ ضُروب
فإن خُلِقوا في الخيرِ صَخْراً فإنّهم / إلى الشرِّ سَيلٌ إن أهابَ مُهيب
وأسعَدُ عند العقلِ شَخْصٌ مُمَثّلٌ / وكُلٌّ إلى عُقْبَى الفَناء يَؤوب
أقامَ خليّاً ما أقامَ مُعمَّراً / ومَرَّ ولم تُكْتَبْ عليه ذُنوب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025