المجموع : 204
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ
أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِبا غَزِلِ / وَشَمَّرَت هِمَمُ العُذّالِ في العَذَلِ
هاجَ البُكاءُ عَلى العَينِ الطَموحِ هَوَىً / مُفَرَّقٌ بَينَ تَوديعٍ وَمُحتَمَلِ
كَيفَ السُلُوُّ لِقَلبٍ راحَ مُختَبَلاً / يَهذي بِصاحِبِ قَلبٍ غَيرَ مُختَبَلِ
عاصى العَزاءَ غَداةَ البَينِ مُنهَمِلٌ / مِنَ الدُموعِ جَرى في إِثرِ مُنهَمِلِ
لَولا مُداراةُ دَمعِ العَينِ لَاِنكَشَفَت / مِنّي سَرائِرُ لَم تَظهَر وَلَم تُخَلِ
أَما كَفى البَينُ أَن أُرمى بِأَسهُمِهِ / حَتّى رَماني بِلَحظِ الأَعيُنِ النُجُلِ
مِمّا جَنى لي وَإِن كانَت مُنىً صَدَقَت / صَبابَةً خُلَسُ التَسليمِ بِالمُقَلِ
ماذا عَلى الدَهرِ لَو لانَت عَريكَتُهُ / وَرَدَّ في الرَأسِ مِنّي سَكرَةَ الغَزَلِ
جُرمُ الحَوادِثِ عِندي أَنَّها اِختَلَسَت / مِنّي بَناتِ غِذاءِ الكَرمِ وَالكِلَلِ
وَرُبَّ يَومٍ مِنَ اللَذّاتِ مُحتَضَرٍ / قَصَّرتُهُ بِلِقاءِ الراحِ وَالخُلَلِ
وَلَيلَةٍ خُلِسَت لِلعَينِ مِن سِنَةٍ / هَتَكتُ فيها الصِبا عَن بَيضَةِ الحَجَلِ
قَد كانَ دَهري وَما بي اليَومَ مِن كِبَرٍ / شُربَ المُدامِ وَعَزفَ القَينَةِ العُطُلِ
إِذا شَكَوتُ إِلَيها الحُبَّ خَفَّرَها / شَكوايَ فَاِحمَرَّ خَدّاها مِنَ الخَجَلِ
كَم قَد قَطَعتُ وَعَينُ الدَهرِ راقِدَةٌ / أَيّامَهُ بِالصِبا في اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَطَيِّبِ الفَرعِ أَصفاني مَوَدَّتَهُ / كافَأتُهُ بِمَديحٍ فيهِ مُنتَخَلِ
وَبَلدَةٍ لِمَطايا الرَكبِ مُنضِيَةٍ / أَنضَيتُها بِوَجيفِ الأَينُقِ الذُلُلِ
فيمَ المُقامُ وَهَذا النَجمُ مُعتَرِضاً / دَنا النَجاءُ وَحانَ السَيرُ فَاِرتَحِلِ
يا مائِلَ الرَأسِ إِنَّ اللَيثَ مُفتَرِسٌ / ميلَ الجَماجِمِ وَالأَعناقِ فَاِعتَدِلِ
حَذارٍ مِن أَسَدٍ ضِرغامَةٍ بَطَلٍ / لا يولِغُ السَيفَ إِلّا مُهجَةَ البَطَلِ
لَولا يَزيدُ لَأَضحى المُلكُ مُطَّرَحاً / أَو مائِلَ السَمكِ أَو مُستَرخيَ الطِوَلِ
سَلَّ الخَليفَةُ سَيفاً مِن بَنى مَطَرٍ / أَقامَ قائِمُهُ مَن كانَ ذا مَيَلِ
كَم صائِلٍ في ذَرا تَمهيدِ مَملَكَةٍ / لَولا يَزيدُ بَني شَيبانَ لَم يَصُلِ
نابُ الإِمامِ الَّذي يَفتَرُّ عَنهُ إِذا / ما اِفتَرَت الحَربُ عَن أَنيابِها العُصُلِ
مَن كانَ يَختِلُ قِرناً عِندَ مَوقِفِهِ / فَإِنَّ قِرنَ يَزيدٍ غَيرُ مُختَتَلِ
سَدَّ الثُغورَ يَزيدٌ بَعدَما اِنفَرَجَت / بِقائِمِ السَيفِ لا بِالخَتلِ وَالحِيَلِ
كَم أَذاقَ حِمامَ المَوتِ مِن بَطَلٍ / حامي الحَقيقَةِ لا يُؤتى مِنَ الوَهَلِ
أَغَرُّ أَبيَضُ يُغشى البَيضَ أَبيَضُ لا / يَرضى لِمَولاهُ يَومَ الرَوعِ بِالفَشَلِ
يَغشى الوَغى وَشِهابُ المَوتِ في يَدِهِ / يَرمي الفَوارِسَ وَالأَبطالَ بِالشُعَلِ
يَفتَرُّ عِندَ اِفتِرارِ الحَربِ مُبتَسِماً / إِذا تَغَيَّرَ وَجهُ الفارِسِ البَطَلِ
موفٍ عَلى مُهجٍ في يَومِ ذي رَهَجٍ / كَأَنَّهُ أَجَلٌ يَسعى إِلى أَمَلِ
يَنالُ بِالرِفقِ ما يَعيا الرِجالُ بِهِ / كَالمَوتِ مُستَعجِلاً يَأتي عَلى مَهَلِ
لا يُلقِحُ الحَربَ إِلّا رَيثَ يُنتِجُها / مِن هالِكٍ وَأَسيرِ غَيرِ مُختَتَلِ
إِن شيمَ بارِقُهُ حالَت خَلائِقُهُ / بَينَ العَطِيَّةِ وَالإِمساكِ وَالعِلَلِ
يَغشى المَنايا المَنايا ثُمَّ يَفرُجُها / عَنِ النُفوسِ مُطِلّاتٍ عَلى الهَبَلِ
لا يَرحَلُ الناسُ إِلّا نَحوَ حُجرَتِهِ / كَالبَيتِ يُضحي إِلَيهِ مُلتَقى السُبُلِ
يَقري المَنِيَّةَ أَرواحُ الكُماةِ كَما / يَقري الضُيوفَ شُحومَ الكُومِ وَالبُزُلِ
يَكسو السُيوفَ دِماءَ الناكِثينَ بِهِ / وَيَجعَلُ الهامَ تيجانَ القَنا الذُبُلِ
يَغدو فَتَغدو المَنايا في أَسِنَّتِهِ / شَوارِعاً تَتَحَدّى الناسَ بِالأَجَلِ
إِذا طَغَت فِئَةٌ عَن غِبِّ طاعَتِها / عَبّا لَها المَوتَ بَينَ البيضِ وَالأَسَلِ
قَد عَوَّدَ الطَيرَ عاداتٍ وَثِقنَ بِها / فَهُنَّ يَتبَعنَهُ في كُلِّ مُرتَحَلِ
تَراهُ في الأَمنِ في دِرعٍ مُضاعَفَةٍ / لا يَأمَنُ الدَهرَ أَن يُدعى عَلى عَجَلِ
صافي العِيانِ طَموحُ العَينِ هِمَّتُهُ / فَكُّ العُناةِ وَأَسرُ الفاتِكِ الخَطِلِ
لا يَعبَقُ الطيبُ خَدَّيهِ وَمَفرِقَهُ / وَلا يُمَسِّحُ عَينَيهِ مِنَ الكُحُلِ
إِذا اِنتَضى سَيفَهُ كانَت مَسالِكُهُ / مَسالِكَ المَوتِ في الأَبدانِ وَالقُلَلِ
وَإِن خَلَت بِحَديثِ النَفسِ فِكرَتُهُ / حَيى الرَجاءُ وَماتَ الخَوفُ مِن وَجَلِ
كَاللَيثِ إِن هِجتَهُ فَالمَوتُ راحَتُهُ / لا يَستَريحُ إِلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
إِنَّ الحَوادِثَ لَمّا رُمنَ هَضبَتَهُ / أَزمَعنَ عَن جارِ شَيبانٍ بِمُنتَقَلِ
فَالدَهرُ يَغبِطُ أُولاهُ أَواخِرَهُ / إِذ لَم يَكُن كانَ في أَعصارِهِ الأُوَلِ
إِذا الشَريكِيُّ لَم يَفخَر عَلى أَحَدٍ / تَكَلَّمَ الفَخرُ عَنهُ غَيرَ مُنتَحِلِ
لا تُكذِبَنَّ فَإِنَّ الحِلمَ مَعدِنُهُ / وِراثَةٌ في بَني شَيبانَ لَم تَزَلِ
سَلّوا السُيوفَ فَأَغشَوا مَن يُحارِبُهُم / خَبطاً بِها غَيرَ ما نُكلٍ وَلا وُكُلِ
الزائِدِيّونَ قَومٌ في رِماحِهِمُ / خَوفُ المُخيفِ وَأَمنُ الخائِفِ الوَجِلِ
كَبيرُهُم لا تَقومُ الراسِياتُ لَهُ / حِلماً وَطِفلُهُمُ في هَدى مُكتَهِلِ
إِسلَم يَزيدُ فَما في الدينِ مِن أَودٍ / إِذا سَلِمتَ وَما في المُلكِ مِن خَلَلِ
أَثبَتَّ سوقَ بَني الإِسلامِ فَاِطَّأَدَت / يَومَ الخَليجِ وَقَد قامَت عَلى زَلَلِ
لَولا دِفاعُكَ بَأسَ الرومِ إِذ بَكَرَت / عَن عِترَةِ الدينِ لَم تَأمَن مِنَ الثَكَلِ
وَيوسُفُ البَرمَ قَد صَبَّحتَ عَسكَرَهُ / بِعَسكَرٍ يَلفِظُ الأَقدارَ ذي زَجَلِ
غافَصتَهُ يَومَ عَبرِ النَهرِ مُهلَتَهُ / وَكانَ مُحتَجَزاً في الحَربِ بِالمُهَلِ
وَالمارِقَ اِبنَ طَريفٍ قَد دَلَفتَ لَهُ / بِعَسكَرٍ لِلمَنايا مُسبِلٍ هَطِلِ
لَمّا رَآكَ مُجِدّاً في مَنِيَّتِهِ / وَأَنَّ دَفعَكَ لا يُسطاعُ بِالحِيَلِ
شامَ النِزالَ فَأَبرَقتَ اللِقاءَ لَهُ / مُقدِّمَ الخَطوِ فيها غَيرَ مُتَّكِلِ
ماتوا وَأَنتَ غَليلٌ في صُدورِهِمُ / وَكانَ سَيفُكَ يُستَشفى مِنَ الغُلَلِ
لَو أَنَّ غَيرَ شَريكي أَطافَ بِهِ / فازَ الوَليدُ بِقَدحِ الناضِلِ الخَصِلِ
وَقُمتَ بِالدينِ يَومَ الرَّسِّ فَاِعتَدَلَت / مِنهُ قَوائِمُ قَد أَوفَت عَلى مَيَلِ
ما كانَ جَمعُهُمُ لَمّا لَقيتَهُمُ / إِلّا كَمِثلِ نُعامٍ ريعَ مُنجَفِلِ
تابوا وَلَو لَم يَتوبوا مِن ذُنوبِهِمُ / لابَ جَيشُكَ بِالأَسرى وَبِالنَفَلِ
كَم آمِنٍ لَكَ نائِيَ الدارِ مُمتَنِعٍ / أَخرَجتَهُ مِن حُصونِ المُلكِ وَالخَوَلِ
يَأبى لَكَ الذَمَّ في يَومَيكَ إِن ذُكِرا / عَضبٌ حُسامٌ وَعِرضٌ غَيرُ مُبتَذَلِ
وَمارِقينَ غُزاةٍ مِن بُيوتِهِمُ / لا يَنكُلونَ وَلا يُؤتونَ مِن نَكَلِ
خَلَّفتَ أَجسادَهُم وَالطَيرُ عاكِفَةٌ / فيها وَأَقفَلتَهُم هاماً مَعَ القَفَلِ
فَاِفخَر فَمالَكَ في شَيبانَ مِن مَثَلٍ / كَذاكَ ما لِبنى شَيبانَ مِن مَثَلِ
كَم مَشهَدٍ لَكَ لا تُحصى مَآثِرُهُ / قَسَمتَ فيهِ كَرِزقِ الإِنسِ وَالخَبَلِ
لِلَّهِ مِن هاشِمٍ في أَرضِهِ جَبَلٌ / وَأَنتَ وَاِبنُكَ رُكنا ذَلِكَ الجَبَلِ
قَد أَعظَموكَ فَما تُدعى لِهَيِّنَةٍ / إِلّا لِمُعضِلَةٍ تُستَنُّ بِالعَضَلِ
يا رُبَّ مَكرُمَةٍ أَصبَحتَ واحِدَها / أَعيَت صَناديدَ راموها فَلَم تُنَلِ
تَشاغَلَ الناسُ بِالدُنيا وَزُخرُفِها / وَأَنتَ مَن بِذَلِكَ المَعروفَ في شُغُلِ
أَقسَمتُ ما ذُبَّ عَن جَدواكَ طالِبُها / وَلا دَفَعتَ اِعتِزامَ الجِدِّ بِالهَزَلِ
يَأبى لِسانُكَ مَنعَ الجودِ سائِلُهُ / فَما يُلَجلِجُ بَينَ الجودِ وَالبُخلِ
صَدَّقتَ ظَنّي وَصَدَّقتَ الظُنونَ بِهِ / وَحَطَّ جودُكَ عَقدَ الرَحلِ عَن جَمَلي
سَرَت بِمَلامٍ حينَ هَوَّمَ عُذَّلي
سَرَت بِمَلامٍ حينَ هَوَّمَ عُذَّلي / مَلامَةَ لا قالِ وَلا مُتَبَدِّلِ
رَأَت رَجُلاً خاضَ الغِنى ثُمَّ أَعقَبَت / حَوادِثُ تُفني عِفَّةَ المُتَجَمِّلِ
كِليني إِلى هَمٍّ كَفى العَذلَ أَهلُهُ / قَرينَةِ عَزمٍ بِالهُمومِ مُوَكَّلِ
يُصيبُ أَخو العَجزِ الغِنى وَهُوَ وادِعٌ / وَيُخطِئُ جُهدَ القُلَّبِ المُتَحَيِّلِ
دَعيني أَقِف عَزمي مَعَ العُدمِ قانِعاً / وَوَجهي جَديدُ الصَونِ لَم يَتَبَذَّلِ
فَإِنَّ الفَتى ما عاشَ رَهنُ تَقَلُّبٍ / مُدالٌ بِصَرفى دَهرِهِ المُتَحَوِّلِ
أَقولُ لِمَأفونِ البَديهَةِ طائِرٍ / مَعَ الحِرصِ لَم يَغنَم وَلَم يَتَمَوَّلِ
سَلِ الناسَ إِنّي سائِلُ اللَهَ وَحدَهُ / وَصائِنُ عِرضي عَن فُلانٍ وَعَن فُلِ
إِذا رَكِبَ اللَيلُ الضِعافَ رِكبتُهُ / زَميلي السُرى وَالرِدفُ عَزمي وَمُنصُلي
وَقَد عَجَمَت مِنّي الخُطوبُ اِبنَ هِمَّةٍ / مَتى ما يُرِبهُ مَنزِلُ السوءِ يَرحَلِ
إِذا ضافَهُ هَمُّ قَراهُ عَزيمَةً / هِيَ الهَمُّ ما لَم يَغشَ وِرداً فَيَنزِلِ
أَخو العَزمِ لا يَبني عَلى الهَونِ بَيتَهُ / عَروفَ السُرى في كُلِّ بَيداءَ مَجهَلِ
إِذا شاءَ قادَتهُ إِلى حَمدِ ماجِدٍ / عَزائِمُ لَم تُزجَر بِطائِرِ أَخيَلِ
بَلَغنا بِسَهلِ ثَروَةٍ وَوَسيلَةٍ / إِلى وَفرِ مالٍ واسِعٍ وَتَفَضُّلِ
كَفى غَيرَ أَنَّ الحادِثاتِ تَخَرَّمَت / طَريفَ الغِنى وَاِستَأثَرَت بِالمُؤَثَّلِ
وَعِندَ أَبي يَحيى غِناً لا يَمُنُّهُ / وَعَودٌ مَتى ما يُدبِرِ المالُ يُقبِلِ
عَرَضتُ لَهُ عَرضَ الإِخاءِ فَرَبَّهُ / بِنِعمَةِ مَحمودِ الصَنائِعِ مُجمِلِ
جَوادٌ تَغاواهُ العَواذِلُ بَينَها / وَيُقصِرنَ عَنهُ هَيبَةَ المُتَذَلِّلِ
يَرَينَ مَكانَ اللَومِ ثُمَّ يَهَبنَهُ / فَيُمسِكنَ عَن غاوٍ لَدَيها مُعَذَّلِ
لَهُ بَدَهاتٌ مِن فِعالٍ وَقَولُهُ / هُوَ الفِعلُ إِلّا رَيثَ وَعدٍ مُعَجَّلِ
فَتى كَرَمٍ يُعطي وَإِن قَلَّ مالُهُ / وَلا يَتَّقي طُلّابَهُ بِالتَعَلُّلِ
طَليقٌ إِذا المَعروفُ أَصبَحَ أَهلُهُ / كَأَنَّ بِهِم مِن حَملِهِ مَسَّ أَفكَلِ
تَرى الجودَ يَجري في صَفيحَةِ وَجهِهِ / وَإِن كانَ في جَدبٍ مِنَ الأَرضِ مُمحِلِ
تَضَيَّفَني مَعروفُهُ فَقَرَيتُهُ / ذَخيرَةَ مَضمونِ الثَناءِ المُنَخَّلِ
هُوَ المَرءُ إِن تُرهِقهُ يَرجِعكَ شَأوُهُ / بَهيراً وَإِن تَنزِل عَلى القَصدِ يَنزِلِ
يَقولُ فَيَعلو قَولُهُ وَهوَ مُنصِفٌ / وَيَمنَعُ مَحموداً وَإِن يُعطِ يُجزِلِ
وَإِن خَصَّ لَم تَعدُ الصَنيعَةُ أَهلَها / وَإِن عَمَّ أَعطى غَيرَ نَزرٍ مُقَلَّلِ
فَجاوِر بَني الصَبّاحِ تَعقِد بِذِمَّةٍ / وَتَأوِ إِلى حِصنٍ مَنيعٍ وَمَعقِلِ
تَعَلَّم بِأَنّي لَم أُغالِكَ مِدحَةً / وَلَم أَتَعَرَّض نائِلاً مِن مُمَوَّلِ
وَلَستُ بِهَجّاءٍ إِذا السَيبُ راثَني / وَلا حامِلٍ مَدحي عَلى غَيرِ مَحمِلِ
سَبَقتَ إِلى شُكري وَكُنتَ مُفَوَّهاً / فَلَم أَجحَدِ النُعمى وَلَم أَتَقَوَّلِ
أُقَصِّرُ عَن أَشياءَ وَالشُكرُ جاهِدٌ / وَحَسبُكَ مِن شُكرِ اِمرِئٍ غَيرَ مُؤتَلِ
حَلَفتُ لَقَد أَعطَيتَني غَيرَ سائِلٍ / وَأَعذَرتُ في المَعروفِ غَيرَ مُبَخَّلِ
وَإِنّي لَمَغبوطٌ بِقُربِكَ ذو غِنىً / وَإِن عَرَكَتني الحادِثاتُ بِكَلكَلِ
مَعاريضُ لا الشَكوى يُحاوِلُ رَبُّها / وَلا أَنتَ فيها لِلثَناءِ بِمَعزِلِ
أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي
أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي / وَلا تَطلُبا مِن عِندِ قاتِلَتي ذَحلي
فَما حَزَني أَنّي أَموتُ صَبابَةً / وَلَكِن عَلى مَن لا يَحِلُّ لَهُ قَتلي
أُحِبُّ الَّتي صَدَّت وَقالَت لِتُربِها / دَعيهِ الثُرَيّا مِنهُ أَقرَبُ مِن وَصلي
أَماتَت وَأَحيَت مُهجَتي فَهيَ عِندَها / مُعَلَّقَةٌ بَينَ المَواعيدِ وَالمُطلِ
وَما نِلتُ مِنها نائِلاً غَيرَ أَنَّني / بِشَجوِ المُحِبّينَ الأُلى سَلَفوا قَبلي
بَلى رُبَّما وَكَّلتُ عَيني بِنَظرَةٍ / إِلَيها تَزيدُ القَلبَ خَبلاً عَلى خَبلِ
كَتَمتُ تَباريحَ الصَبابَةِ عاذِلي / فَلَم يَدرِ ما بي فَاِستَرَحتُ مِنَ العَذلِ
وَمانِحَةٍ شُرّابَها المُلكَ قَهوَةٍ / مَجوسِيَّةِ الأَنسابِ مُسلِمَةِ البَعلِ
رَبيبَةِ شَمسٍ لَم تُهَجنَ عُروقُها / بِنارٍ وَلَم يُقطَع لَها سَعفُ النَخلِ
تَصُدُّ بِنَفسِ المَرءِ عَمّا يَغُمُّهُ / وَتُنطِقُ بِالمَعروفِ أَلسِنَةَ البُخلِ
قَدِ اِستُودِعَت دَنّاً لَها فَهوَ قائِمٌ / بِها شَفَقاً بَينَ الكُرومِ عَلى رِجلِ
بَعَثنا لَها مِنّاً خَطيباً لِبُضعِها / فَجاءَ بِها يَمشي العِرضَنَة في مَهلِ
رَقى رَبَّها حَتّى اِحتَواها مُغالِياً / عَقيلَتَهُ دونَ الأَقارِبِ وَالأَهلِ
فَوافى بِها عَذراءَ كُلَّ فَتى نَدَىً / جَزيلَ العَطايا غَيرَ نِكسٍ وَلا وَغلِ
مُعَتَّقَةً لا تَشتَكي وَطءَ عاصِرٍ / حَرورِيَّةً في جَوفِها دَمُها يَغلي
أَغارَت عَلى كَفِّ المُديرِ بِلَونِها / فَصاغَت لَهُ مِنها أَنامِلَ كالذَّبلِ
أَماتَت نُفوساً مِن حَياةٍ قَريبَةٍ / وَفاتَت فَلَم تُطلَب بِتَبلٍ وَلا ذَحلِ
شَقَقنا لَها في الدَّنِ عَيناً فَأَسبَلَت / كَما أَسبَلَت عَينُ الخَريدِ بِلا كُحلِ
كَأَنَّ حَبابَ الماءِ حينَ يَشُجُّها / لَآلِئُ عِقدٍ في دَماليجَ أَو حِجلِ
كَأَنَّ فَنيقاً بازِلاً شُكَّ نَحرُهُ / إِذا ما اِستَدَرَّت كَالشُعاعِ عَلى البَزلِ
كَأَنَّ ظِباءً عُكَّفاً في رِياضِها / أَباريقُها أَوجَسنَ قَعقَعَةَ النَبلِ
ظَلِلنا نُناغي الخُلدَ في مَشرَعِ الصِبا / عَلَينا سَماءُ العَيشِ دائِمَةُ الهَطلِ
وَدارَت عَلَينا الكَأسُ مِن كَفِّ طَفلَةٍ / مُبتَلَّةٍ حَوراءَ كَالرَشَءِ الطَّفلِ
وَحَنَّ لَنا عودٌ فَباحَ بِسِرِّنا / كَأَنَّ عَلَيهِ ساقَ جارِيَةٍ عُطلِ
تُضاحِكُهُ طَوراً وَتُبكيهِ تارَةً / خَدَلَّجَةٌ هَيفاءُ ذاتُ شَوىً عَبلِ
إِذا ما اِشتَهَينا الأُقحُوانَ تَبَسَّمَت / لَنا عَن ثَنايا لا قِصارٍ وَلا ثُعلِ
وَأَسعَدَها المِزمارُ يَشدو كَأَنَّهُ / حَكى نائِحاتٍ بِتنَ يَبكينَ مِن ثُكَلِ
غَدَونا عَلى اللَذّاتِ نَجني ثِمارَها / وَرُحنا حَميدي العَيشِ مُتَّفِقي الشَكلِ
أَقامَت لَنا الصَهباءُ صَدرَ قَناتِها / وَمالَت عَلَينا بِالخَديعَةِ وَالخَتلِ
إِذا ما عَلَت مِنّا ذُؤابَةَ شارِبٍ / تَمَشَّت بِهِ مَشيَ المُقَيَّدِ في الوَحلِ
فَلا نَحنُ مِتنا ميتَةَ الدَهرِ بَغتَةً / وَلا هِيَ عادَت بَعدَ عَلِّ إِلى نَهلِ
وَساقِيَةٍ كَالريمِ هَيفاءَ طَفلَةٍ / بَعيدَةِ مَهوى القُرطِ مُفعَمَةِ الحِجلِ
تَنَزُّهُ طَرَفَي في مَحاسِنِ وَجهُها / إِذا اِحتُثَّتِ الطاساتُ يُغنى عَنِ النُقلِ
سَأَنقادُ لِلَّذاتِ مُتَّبِعَ الصِبا / لِأُمضِيَ هَمّي أَو أُصيبَ فَتىً مِثلي
هَلِ العَيشُ إِلّا أَن أَروحَ مَعَ الصِبا / وَأَغدوا صَريعَ الراحِ وَالأَعيُنِ النُجلى
وَساحِرَةِ العَينَينِ ما تُحسِنُ السِحرا
وَساحِرَةِ العَينَينِ ما تُحسِنُ السِحرا / تُواصِلُني سِرّاً وَتَقطَعُني جَهرا
أَبَت حَدَقُ الواشينَ أَن يَصفُوَ الهَوى / لَنا فَتَعاطَينا التَعَزِّيَ وَالصَبرا
وَكُنّا أَليفَي لَذَّةٍ شَملَ صَفوَةٍ / حَليفَي صَفاءٍ مانَخافُ لَهُ غَدرا
فَعُدنا كَغُصنَي أَيكَةٍ كُلَّما جَرَت / لَها الريحُ أَلقَت مِنهُما الوَرَقَ الخُضرا
وَزائِرَةٍ رُعتُ الكَرى بِلِقائِها / وَعادَيتُ فيها كَوكَبَ الصُبحِ وَالفَجرا
أَتَتني عَلى خَوفِ العُيونِ كَأَنَّها / خَذولٌ تُراعي النَبتَ مُشعَرَةً ذُعرا
إِذا ما مَشَت خافَت تَميمَةَ حَليها / تُداري عَلى المَشي الخَلاخيلَ وَالعِطرا
فَبِتُّ أُسِرُّ البَدرَ طَوراً حَديثَها / وَطَوراً أُناجي البَدرَ أَحسِبُها البَدرا
إِلى أَن رَأَيتُ اللَيلَ مُنكَشِفَ الدُجى / يُوَدِّعُ في ظَلمائِهِ الأَنجُمَ الزُهرا
خُذاها فَأَمّا أَنتَ فَاِشرَب وَهاتِها / لِأَسقيَها هَذا مُعَتَّقَةً بِكرا
وَهاتِ اِسقِني مِن طَرفِها خَمرَ طَرفِها / فَإِنّي اِمرُؤٌ آلَيتُ لا أَشرَبُ الخَمرا
أَرودُ بِعَيني مَنظَرَ اللَهوِ وَالصِبا / وَأَهوى ظِباءَ الإِنسِ وَالبَقَرِ العُفرا
وَبِنتَ مَجوسيٍّ أَبوها حَليلُها / إِذا نُسِبَت لَم تَعدُ نِسبَتُها النَهرا
تَجيشُ فَتُعدي جَوهَرَ الحَلي خِدرَها / وَتُغضي فَتُعدي نَكهَةَ العَنبَرِ الخِدرا
أَخَصُّ النَدامى عِندَها وَأَحَبُّهُم / إِلَيها الَّذي لا يَعرِفُ الظُهرَ وَالعَصرا
بَعَثتُ لَها خُطّابَها فَأَتوا بِها / وَسُقتُ لَها عَنهُم إِلى رَبِّها المَهرا
وَما زالَ خَوفاً مِنهُمُ في جُحودِها / يُقَرِّبُهُم فِتراً وَيُبعِدُهُم شِبرا
إِلى أَن تَلاقَوها بِخاتَمِ رَبِّها / مُخَدَّرَةً قَد عُتِقَت حِجَجاً عَشرا
إِذا مَسَّها الساقي أَعارَت بَنانَهُ / جَلابيبَ كَالجادِيِّ مِن لَونِها صُفرا
أَناخَ عَلَيها أَغبَرُ اللَونِ أَجوَفٌ / فَصارَت لَهُ قَلباً وَصارَ لَها صَدرا
قُلوبُ النَدامى في يَدَيها رَهينَةٌ / يَصيدونَها قَهراً وَتَقتُلُهُم مَكرا
أَبَت أَن يَنالَ الدُنُّ مَسَّ أَديمِها / فَحاكَ لَها الإِزبادُ مِن دونِها سِترا
إِذا ما تَحَسّاها الحَليمُ أَخو النُهى / أَسَرَّ بِها كِبراً وَأَبدى بِها كِبرا
وَدارَ بِها ظَبيٌ مِنَ الإِنسِ ناعِمٌ / تَرودُ عُيونُ الشَربِ جانِبَهُ شَزرا
فَحَثَّ مِطِيَّ الراحِ حَتّى كَأَنَّما / قَفا أَثَرَ العَنقاءِ أَو سايَرَ الخِضرا
إِذا ما أَدارَ الكَأسَ ثَنّى بِطَرفِهِ / فَعاطاهُمُ خَمراً وَعاطاهُمُ سِحرا
إِلى أَن دَعا لِلسُكرِ داعٍ فَمُوِّتوا / وَكانَ مُديرُ الكَأسِ أَحسَنَهُم سُكرا
أَدارَ عَلى الراحِ البَياتَ فَصَيَّرَت / وِساداً لَهُ مِنهُ التَرائِبَ وَالنَحرا
ظَلِلنا نَشوفُ الجِلدَ بِالجِلدِ لا نَرى / لَهُ وَلَها في طيبِ مَجلِسِنا قَدرا
سَلَكنا سَبيلاً لِلصِبا أَجنَبِيَّةً / ضَمِنّا لَها أَن نَعصِيَ اللَومَ وَالزَجرا
بِرَكبٍ خِفافٍ مِن زُجاجٍ كَأَنَّها / ثُدِيُّ عَذارى لَم تَخَف مِن يَدٍ كَسرا
عَلَينا مِنَ التَوقيرِ وَالحِلمِ عارِضٌ / إِذا نَحنُ شِئنا أَمطَرَ العَزفَ وَالزَمرا
هَلّا بَكَيتَ ظَعائِناً وَحُمولا
هَلّا بَكَيتَ ظَعائِناً وَحُمولا / تَرَكَ الفُؤادَ فِراقُهُم مَخبولا
أَمّا الخَليطُ فَزائِلونَ لِفُرقَةٍ / فَمَتى تَراهُم راجِعينَ قُفولا
أَتبَعتُهُم عَينَ الرَقيبِ مُخالِساً / لَحظاً كَما نَظَرَ الأَسيرُ كَليلا
تَاللَهِ ما جَهلَ السُرورُ وَلا الكَرى / أَنَّ الفِراقَ مِنَ اللِقاءِ أُدَيلا
فإِذا زَجَرتُ القَلبَ زادَ وَجيبُهُ / وَإِذا حَبَستُ الدَمعَ فاضَ هُمولا
وَإِذا كَتَمتُ جَوى الأَسى بَعَثَ الهَوى / نَفَساً يَكونُ عَلى الضَميرِ دَليلا
واهاً لِأَيّامِ الصِبا وَزَمانِهِ / لَو كانَ أَسعَفَ بِالمُقامِ قَليلا
سَل عَيشَ دَهرٍ قَد مَضَت أَيّامُهُ / هَل يَستَطيعُ إِلى الرُجوعِ سَبيلا
لَو عادَ آخِرُهُ كَأَوَّلِ عَهدِهِ / فيما مَضى لَم أَشفِ مِنهُ غَليلا
وَلَرُبَّ يَومٍ لِلصِبا قَصَّرتُهُ / بِالمُلهياتِ وَقَد يَكونُ طَويلا
وَسُلافَةٍ صَهباءَ بِنتِ سُلافَةٍ / صَفراءَ لَمّا تُعصَرِ التَسليلا
أُختانِ واحِدَةٌ هِيَ اِبنَةُ أُختِها / كِلتاهُما تَدَعُ الصَحيحَ عَليلا
لا تَسقِني الماءَ القُراحَ وَهاتِها / عَذراءَ صافِيَةَ الأَديمِ شَمولا
خَرقاءَ يَرعُشُ بَعضُها مِن بَعضِها / لَم تَتَّخِذ غَيرَ المِزاجِ خَليلا
سُلَّت فَسُلَّت ثُمَّ سُلَّ سَليلُها / فَأَتى سَليلُ سَليلِها مَسلولا
بَعَثَت إِلى سِرِّ الضَميرِ فَجاءَها / سَلِساً عَلى هَذَرِ اللِسانِ مَقولا
لَطَفَ المِزاجُ لَها فَزَيَّنَ كَأسَها / بِقِلادَةٍ جُعِلَت لَها إِكليلا
قُتِلَت وَعاجَلَها المُديرُ فَلَم تَفِظ / فَإِذا بِهِ قَد صَيَّرَتهُ قَتيلا
وَهَجيرَةٍ كَلَّفتُ طَيَّ مَقيلِها / ظُهراً وَقَد طَلَبَ الكَنيسُ مَقيلا
قوداً نَواجِيَ فَالحَنِيِّ ضَوامِراً / تَرَكَت عَرائِكَها المَهامِهُ ميلا
وَدُجُنَّةٌ ضَمَّنتُ هَتكَ سُتورِها / وَجناءَ صامِتَةَ البُغامِ ذَلولا
حَتّى إِذا الفَجرُ اِستَضاءَ أَنَختُها / لِأَذوقَ نَوماً أَو أُصيبَ مَليلا
وَاللَيلُ قَد رَفَعَ الذُيولَ مُواشِكاً / بِرَحيلِهِ سُلطانَهُ لِيَزولا
حَمَّلتُ ثِقلَ الهَمِّ فَاِنبَعَثَت بِهِ / نَفسي وَناجِيَةَ السِفارِ ذَمولا
حَرفاً إِذا وَنَتِ العِتاقُ تَزَيَّدَت / في سَيرِها التَنعيبَ وَالتَبغيلا
تَرمي المَهامِهَ وَالقَطيعَ بِطَرفِها / شَزراً كَأَنَّ بِعَينِها تَحويلا
لَو أَنَّ قَوماً يُخلَقونَ مَنِيَّةً / مِن بَأسِهِم كانوا بَني جِبريلا
قَومٌ إِذا حَمِىَ الهَجيرُ مِنَ الوَغى / جَعَلوا الجَماجِمَ لِلسُيوفِ مَقيلا
إِذ لا حِمى إِلّا الرِماحُ وَبَينَها / خَيلٌ يَطَأنَ بِقاتِلٍ مَقتولا
وَلَقَد وَقَعنَ بِأَرضِ كابُلَ وَقعَةً / تَرَكَت إِلَيها لِلغُزاةِ سَبيلا
طَيفَ الخَيالِ حَمِدنا مِنكَ إِلماما
طَيفَ الخَيالِ حَمِدنا مِنكَ إِلماما / داوَيتَ سُقماً وَقَد هَيَّجتَ أَسقاما
لِلَّهِ واشٍ رَعى زَوراً أَلَمَّ بِنا / لَو كانَ يَمنَعُنا في النَومِ أَحلاما
بِتنا هُجوداً وَباتَ اللَيلُ حارِسُنا / حَتّى إِذا الفَلَقُ اِستَعلى لَهُ ناما
قَد قُلتُ وَالصُبحُ عِندي غَيرَ مُغتَبِطٍ / ما كانَ أَطيَبَ هَذا اللَيلُ لَو داما
وَلائِمٍ في هَوى أَروى وَصَلتُ لَهُ / حَبلَ الخَليعِ بِحَبلِ اللَهوِ إِذ لاما
عِندي سَرائِرُ حُبٍّ ما يَزالُ لَها / تَذكارُ عَهدٍ وَما يَقرِفنَ آثاما
لَولا يَزيدُ وَأَيّامٌ لَهُ سَلَفَت / عاشَ الوَليدُ مَعَ الغاوينَ أَعواما
سَلَّ الخَليفَةُ سَيفاً مِن بَني مَطَرٍ / يَمضي فَيَختَرِقُ الأَجسادَ وَالهاما
كَالدَهرِ لا يَنثَني عَمَّن يَهُمُّ بِهِ / قَد أَوسَعَ الناسَ إِنعاماً وَإِرغاما
حَمى الخِلافَةَ وَالإِسلامَ فَاِمتَنَعا / كَاللَيثِ يَحمي مَعَ الأَشبالِ آجاما
أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ لَهُ سَلَفوا / أَبقَوا مِنَ المَجدِ أَيّاماً وَأَيّاما
تَرى العُفاةَ عُكوفاًحَولَ حُجرَتِهِ / يَرجونَ أَروَعَ رَحبَ الباعِ بَسّاما
يَقولُ لا وَنَعَم في وَجهِ حَمدِهِما / كِلتاهُما مِنهُ قَد تَمضي لِما راما
مَنِيَّةٌ في يَدَي هارونَ يَبعَثُها / عَلى أَعاديهِ إِن سامى وَإِن حاما
خَيرُ البَرِيَّةِ آباءً إِذا ذُكِروا / وَأَكرَمُ الناسِ أَخوالاً وَأَعماماً
تَظَلَّمَ المالُ وَالأَعداءُ مِن يَدِهِ / لا زالَ لِلمالِ وَالأَعداءِ ظَلّاما
أَردى الوَليدَ هُمامٌ مِن بَني مَطَرٍ / يَزيدُهُ الرَوعُ يَومَ الرَوعِ إِقداما
صَمصامَةٌ ذَكَرٌ يَعدو بِهِ ذَكَرٌ / في كَفِّهِ ذَكَرٌ يَفري بِهِ الهاما
تَمضي المَنايا كَما تَمضي أَسِنَّتُهُ / كَأَنَّ في سِرجِهِ بَدراً وَضِرغاما
أَروى بِجَدواهُ ظَمَأَ السائِلينَ كَما / أَروى نَجيعَ دَمٍ رُمحاً وَصَمصاما
لا يَستَطيعُ يَزيدٌ مِن طَبيعَتِهِ / عَنِ المَنِيَّةِ وَالمَعروفِ إِحجاما
خَيلٌ لَهُ ما يَزالُ الدَهرُ يُقحِمُها / في غَمرَةِ المَوتِ يَومَ الرَوعِ إِقحاما
إِذا بَدا رُفِعَ الأَستارُ عَن مَلِكٍ / تُكسى الشُهودُ بِهِ نُوراً وَإِظلاما
أَقسَمتُ مانِمتَ عَن قَهرِ المُلوكِ وَلا / كانَ الخَليفَةُ عَن نُعماكَ نَوّاما
أَذكَرتَ سَيفَ رَسولِ اللَهِ سُنَّتَهُ / وَبَأسَ أَوَّلَ مَن صَلّى وَمَن صاما
إِن يَشكُر الناسُ ما أَولَيتَ مِن حَسَنٍ / فَقَد وَسَعتَ بَني حَوّاءَ إِنعاما
قَطَعتَ في اللَهِ أَرحامَ القَريبِ كَما / وَصَلتَ في اللَهِ أَرحاماً وَأَرحاما
إِذا الخِلافَةُ عُدَّت كُنتَ أَنتَ لَها / عِزّاً وَكانَ بَنو العَبّاسِ حُكّاما
ما مِن عَظيمٍ قَدِ أَنقادَ المُلوكُ لَهُ / إِلّا يَرى لَكَ إِجلالاً وَإِعظاما
يُصيبُ مِنكَ مَعَ الآمالِ صاحِبُها / حِلماً وَعِلماً وَمَعروفاً وَإِسلاما
كَم بَلدَةٍ بِكَ حَلَّ الرَكبُ جانِبَها / وَما يُلِمُّ بِها الرُكبانُ إِلماما
إِذا عَلَوا مَهمَهاً كانَ النَجاءُ لَهُم / إِنشادَ مَدحِكَ إِفصاهاً وَتَرناما
لَو كانَ يَفقَهُ القَولَ طائِرُها / غَنّى بِمَدحِكَ فيها بومُها الهاما
لَو لَم تُجِبكَ جُنودُ الشامِ طائِعَةً / أَضرَمتَ فيها شِهابَ المَوتِ إِضراما
وَوَقعَةٍ لَكَ ظَلَّ المُلكُ مُبتَهِجاً / فيها وَماتَ لَها الحُسّادُ إِرغاما
رَدَدتَ فيها إِلى الإِسلامِ مظلَمَةً / سَوّى الإِلَهُ بِها فِهراً وَهَمّاما
لَو لَم تَكونوا بَني شَيبانَ مِن بَشَرٍ / كُنتُم رَواسيَ أَطوادٍ وَأَعلاما
خَيالٌ مِنَ النائي الهَوى المُتَبَعِّدِ
خَيالٌ مِنَ النائي الهَوى المُتَبَعِّدِ / سَرى فَسَرى عَنهُ عَزيمُ التَجَلُّدِ
دَعا وَطَراً حَتّى إِذا ما أَجابَهُ / أَطافَ بِمَطروفِ الجُفونِ مُسَهَّدِ
فَباتَ يُناجي النَجمَ حَتّى كَأَنَّما / يُخالِسُ عَينَيهِ الكَرى لَيلُ أَرمَدِ
إِذا أَمكَنَ السُلوانُ حَبَّةَ قَلبِهِ / ثَنى شَوقَهُ سَهمانِ ريشا بِإِثمِدِ
يُطالِعُهُ وَجهُ العَزاءِ وَتَرتَمي / بِهِ صَبوَةٌ في شَأوِ غَيرِ مُسَدَّدِ
إِذا أَلِفَ النَومُ الجُفونَ تَقَسَّمَت / كَراهُ تَباريحُ الهَوى المُتَجَدِّدِ
مَلامَكِ إِنّي لَم أُعَنِّف مَلامَةً / تَراءَت بِنُصحٍ مِن ضَميرِكِ فَاقصِدي
أَتى دونَ عَزمِ المَرءِ هَمٌّ مُبَرِّحٌ / وَقَلبٌ لَهُ إِن يَعرِضَ الشَوقُ يَكمَدِ
وَسِربٌ مِنَ الأَشجانِ يُطوى لَهُ الحَشى / عَلى شَرقٍ مَن يَلقَهُ يَتَبَلَّدِ
بَعَثنَ إِلى خُلّانِهِنَّ تَحِيَّةً / بِأَلحاظِ أَبصارٍ شَواهِدَ جُحَّدِ
فَلَمّا اِشرَأَبَّت صَبوَةٌ وَمَشى الهَوى / بِهِنَّ وَخَيَّفَت بَوحَةُ المُتَجَلِّدِ
صَفَحنَ قِياماً فَاِستَقَلَّت نُحورُها / بِمُنقَدَّةٍ عَنها الجَلابيبُ نُهَّدِ
عَشِيَّةَ وَلَّت رَوعَةُ الشَوقِ وَاِنطَوى / بِشاهِدِهِ باقي اِعتِزامي وَمَفنَدي
أَفاءَت لَهُ الأَرصادُ حِلماً فَرَدَّهُ / إِلى عَزمَةٍ مِن واجِدٍ مُتَلَدِّدِ
يَكيدُ بِهِ كِتمانَ صادِقَةِ الهَوى / غُروبٌ بِأَسرابٍ مِنَ الدَمعِ حُشَّدِ
إِلَيكَ أَمينَ اللَهِ ثارَت بِنا القَطا / بَناتُ الفَلا في كُلِّ ميثٍ مُسَرَّدِ
أَناخَت بِكَ الأَسفارُ وَالبيدُ أَينُقاً / رَمَتكَ بِها آمالُ غافينَ وُفَّدِ
أَخَذنَ السُرى أَخذَ العَنيفِ وَأَسرَعَت / خُطاها بِها وَالنَجُم حَيرانُ مُهتَدِ
فَلَمّا اِنتَضى اللَيلُ الصَباحَ وَصَلنَهُ / بِحاشِيَةٍ مِن فَجرِهِ المُتَوَرِّدِ
لَبِسنَ الدُجى حَتّى نَضَت وَتَصَوَّبَت / هَوادي نُجومُ اللَيلِ كَالدَحوِ بِاليَدِ
يَكونُ مَقيلُ الرَكبِ فَوقَ رِحالِها / إِذا مَنَعَت لَمسَ الحَصى كُلُّ صَيخَدِ
وَقاطِعَةٍ رِجلَ السَبيلِ مَخوَفَةٍ / كَأَنَّ عَلى أَرجائِها حَدَّ مِبرَدِ
عَزوفٌ بِأَنفاسِ الرِياحِ أَبِيَّةٍ / عَلى الرَكبِ تَستَعصي عَلى كُلِّ جَلعَدِ
يُقَصِّرُ قابَ العَينِ في فَلواتِها / نَواشِزُ صَفوانٍ عَلَيها وَجَلمَدِ
مُؤَزَّرَةٍ بِالآلِ فيها كَأَنَّها / رِجالٌ قُعودٌ في مَلاءٍ مُعَضَّدِ
إِذا الحَرَكاتُ هِجنَها وَقفَ الصَدى / عَلى نَبَزاتٍ مِن أَهازيجِ هُدهُدِ
تَناوَلتُ أَقصاها إِلَيكَ وَدونَهُ / مَقَصٌّ لِأَعناقِ النِجاءِ العَمَرَّدِ
بِوَجناءَ حَرفٍ يَستَجِدُّ مِراحَها / مِراحُ السُرى وَالكَوكَبِ المُتَوَقِّدِ
إِذا قَدَحَت إِحدى الحَصا قَذَفَت بِها / فَتَقذِفُ في أُخرى وَإِن لَم تَعَمَّدِ
أَقَلَّت إِلَيكَ الناجِداتُ مُعَرِّساً / عَلى أَمَلٍ جَوّابَ بَيداءَ قَردَدِ
تَراءَت لَهُ الأَحداثُ حَتّى إِذا اِقتَنى / رَجاءَكَ صَدَّت عَنهُ عَن قُربِ مَعهَدِ
وَقَفتَ عَلى النَهجِ الظُنونَ فَصَرَّحَت / وَأَدّى إِلَيكَ الحُكمَ كُلُّ مُشَرَّدِ
إِذا اِختَلَفَت أَهواءُ قَومٍ جَمَعتَهُم / عَلى العَفوِ أَو حَدِّ الحُسامِ المُهَنَّدِ
إِذا اِنجَحَروا جَلّى بِخَوفٍ عَلَيهِمُ / وَإِن أَصحَروا كانوا فَريسَةَ مُرصِدِ
بِكُلِّ سَبوحٍ في العَجاجِ كَأَنَّما / تَكَنَّفَ عِطفَيها جَناحا خَفَيدَدِ
إِذا هُنَّ غامَسنَ الدُجى بِغَنيمَةٍ / قَسَمنَ السُرى في كُلِّ سَهلٍ وَأَجلَدِ
كَأَنَّ أَكُفَّ القَومِ مَثنى وَمَوحَدا / تَعاطَينَ جادِيّاً عَلى ظَهرِ قَرمَدِ
تَحَيَّوا بِأَطرافِ القَنى وَتَعانَقوا / مُعانَقَةَ البَغضاءِ غَيرَ التَوَدُّدِ
وَفاجَأتَهُ قَبلَ الوَعيدِ بِحَتفِهِ / وَقَد عَجَزَت عَنهُ عَسى وَكَأَن قَدِ
وَخافَكَ حَتّى صارَ يَرتابُ بِالمُنى / وَيُتهِمُ نَجوى النَفسِ عِندَ التَوَحُّدِ
أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ
أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ / وَنَظرَةٌ وَكَّلَت عَينَيهِ بِالسُهُدِ
أَمُنقَضٍ عَنهُ حُزنٌ ما يُفارِقُهُ / أَقامَ بَينَ الحَشى بِالسُقمِ وَالكَمَدِ
أَم لَيسَ ناسِيَ أَيّامٍ لَهُ سَلَفَت / جَرَت عَلَيهِ بِلَذّاتٍ فَلَم تَعُدِ
أَحيا البُكا لَيلَهُ حَتّى إِذا تَلِفَت / نَفسُ الدُجى وَاِستَنارَ الصُبحُ كَالوَقَدِ
غادى الشَمولَ فَعاطَتهُ سَمادِرُها / طَيفاً بِهِ أَلَّفَت روحاً إِلى جَسَدِ
كَأَنَّها وَسِنانُ الماءِ يَقتُلُها / عَقيقَةٌ ضَحِكَت في عارِضٍ بَرِدِ
حَتّى إِذا الراحُ قامَت عَنهُ فَترَتُها / ريعَ الكَرى وَأَقامَت حَسرَةُ الخَلَدِ
يَكادُ يُسليهِ مَرُّ الحادِثاتِ بِهِ / لَولا بَقايا دَواعي قَلبِهِ الكَمِدِ
لَو ساعَفَ الدَهرُ لَاِرتَدَّت غَضارَتُهُ / وَلَاِستَرَدَّ مَوَدّاتِ المَها الخُرُدِ
ماذا تَراءى لَهُ نَأيُ الخَليطِ بِهِ / غَداةَ يَحمَدُ لَمّا أَو يَذُمُّ قَدِ
لِلَّهِ دَرُّ اللَواتي عِفنَ مَكرَعَهُ / حَتّى صَدَرنَ بِهِ ظَمآنَ لَم يَرِدِ
خافَ العُيونَ وَضَمَّتهُ عَزيمَتُهُ / إِلى اِمتِناعٍ عَلى جَولانَ مُطَّرِدِ
وَرُحنَ وَالعَينُ لِلتَّوديعِ واكِفَةٌ / إِنسانُها مِن مَسيلِ الدَمعِ في صُعُدِ
بِاللَهِ أُخلِفُ ما أَتلَفتُ مِن نَشبٍ / وَعادَةُ الجودِ في أَبياتِيَ الشُرُدِ
تَهوى بِأَشعَثَ أَعطاهُ المُنى أَمَلٌ / وَعُقدَةٌ مِن رَجاءٍ ضامِنِ العُقَدِ
فَاِستَودَعَتهُ بُطونَ البيدِ هِمَّتُهُ / وَأَودَعَتهُ السُرى في الوَعثِ وَالجَدَدِ
حَتّى إِذا قَبَضَ الإِدلاجُ بَسطَتَها / وَوُقِّفَت مِن مُنى الساري عَلى أَمَدِ
تَمَخَّضَت عَنهُ تِمّاً بَعدَ مَحمَلِهِ / شَهرَينِ بَيداءُ لَم تُضرَب وَلَم تَلِدِ
أَلقَتهُ كَالنَصلِ مَعطوفاً عَلى هِمَمٍ / يَعمَدنَ مُنتَجِعاتٍ خَيرَ مُعتَمِدِ
تَخَطَّأَت نَومَهُ عَنهُ وَشايَعَهُ / دَأبُ الجَديدَينِ وَالعيدِيَّةِ الوُخُدِ
حاشى لِطالِبِ عُرفٍ أَن يَخيبَ عَلى / نَدى يَدَيكَ وَلَو حاشاكَ لَم يَجِدِ
ظُنونُ راجي الَّذي يَرجوكَ واثِقَةٌ / أَلّا يُخَيَّبَ فيها آخِرَ الأَبَدِ
تَأتى عَطاياهُ شَتّى غَيرَ واحِدَةٍ / مُؤَمِّليهِ وَإِن كانوا عَلى بَعدِ
كَحَملَةِ السَيلِ تَأتي بَعدَ عاشِرَةٍ / لَهُ قَراقيرُ بِالآذِيِّ وَالزَبَدِ
لا يَمنَعُ العُرفُ مِن إِلحاحِ طالِبِهِ / وَلا يُقَرِّبُ مِنهُ رِفقُ مُتَّئِدِ
يَبِرُّ بِالجودِ يَحميهِ وَيَكلَؤُهُ / كَأَنَّهُ والِدٌ يَحنو عَلى وَلَدِ
أَغنى الصَديقَ فَعاشوا مِنهُ في رَغَدٍ / وَاِستَلَّ جودُ يَدَيهِ غِلَّ ذي الحَسَدِ
مُعَقِّرُ الكُومِ لِلأَضيافِ لَيسَ لَها / إِلّا المَكارِمَ مِن ذي عَقلٍ وَلا قَوَدِ
تَأتي البُدورُ فَتُفنيها صَنائِعُهُ / وَما يُدَنَّسُ فيها كَفُّ مُنتَقِدِ
لا يَعرِفُ المالَ إِلّا عِندَ سائِلِهِ / أَو يَومَ يَجمَعُهُ لِلنَهبِ وَالبَدَدِ
طَلائِعُ شَيبٍ سَيرُ أَسرَعِها رَسلُ
طَلائِعُ شَيبٍ سَيرُ أَسرَعِها رَسلُ / يُرِدنَ شَبابِيَ أَن يُقالَ لَهُ كَهلُ
نُجومٌ هِيَ اللَيلُ الَّذي زالَ تَحتَها / تَفارَطُ شَتّى ثُمَّ يَجمَعُها أَفلُ
فَإِن تُبقِني الأَيّامُ تَجنُبُني العَصا / وَإِن تُفنِني فَكُلُّ حَيٍّ لَها أَكلُ
وَما ذَمّيَ الأَيّامَ أَن لَستُ حامِداً / لِعَهدِ لَياليها الَّتي سَلَفَت قَبلُ
أَجارَتَنا ما في فِراقِكِ راحَةٌ / وَلَكِن مَضى قَولٌ فَأَنتِ بِهِ بَسلُ
فَبيني فَقَد فارَقتِ غَيرَ ذَميمَةٍ / قَضاءٌ دَعانا لِلقَطيعَةِ لا الخَتلُ
أَما وَاِغتِيالُ الدَهرِ خَلَّةَ بَينَنا / لَقَد غالَ إِلفاً ساكِناً بِهِمُ الشَملُ
فَما بي إِلى مُستَطرَفِ العَيشِ وَحشَةٌ / وَإِن كُنتُ لا مالٌ لَدَيَّ وَلا أَهلُ
بِنا لا بِكِ الأَمرُ الَّذي تَكرَهينَهُ / أَتى الحِلمُ بِالعُتبى وَقَد سَبَقَ الجَهلُ
فَلا شَوقَ إِنَّ اليَأسَ أَعقَبَ سَلوَةً / سَواءٌ نَوى مَن لا يُراجَعُ وَالثُكلُ
عَلَيكِ سَلامٌ لا تَحِيَّةَ ذي قِلىً / حَلا بَعدَكِ العَيشُ الَّذي كانَ لا يَحلو
أَلا رُبَّ يَومٍ صادِقِ العَيشِ نِلتُهُ / بِها وَنَدامايَ العَفافَةُ وَالبَذلُ
عَشِيَّةَ آواها الحِجابُ كَأَنَّها / خَذولٌ مِنَ الغِزلانِ خالِيَةٌ عُطلُ
لَعَمرُ اِبنِها لَولا اِحتِراقُ الحَشا لَهُ / لَماتَ الجَوى أَو لَاِستُفيدَ بِها مِثلُ
سَلَوتُ وَإِن قالَ العَواذِلُ لا يَسلو / وَأَقسَمتُ لا يَرقى إِلى سَمعِيَ العَذلُ
وَبايَنتُ حَتّى صِرتُ لِلبينِ راكِباً / قَرى العَزمِ فَرداً مِثلَ ما اِنفَرَدَ النَصلُ
سَعَت أَلسُنُ الواشينَ فيما يَعيبُني / وَهَل كُنتُ إِلّا ماجِداً عابَهُ وَغلُ
وَكَم عائِبٍ لي وَدَّ أَنّي وَلَدتُهُ / وَلَو كَرُمَت أَعرافُهُ وَزَكا الأَصلُ
وَأَنّي قَصِيُّ الرِحمِ مَجدي لِغَيرِهِ / فَعابَ وَما آلى وَمِن دونِهِ سَدلُ
جَزَأتَ عَنِ الفَضلِ الحَميدِ وَقَلَّصَت / لِنابَيكَ في المَرعى مَشافِرُكَ الهُدلُ
فَأُقسِمُ لَولا حاجِزُ الوُدِّ بَينَنا / وَكانَ مَعَ العُتبى المَوَدَّةُ وَالوَصلُ
وَأَنمُلَةٌ قَدَّمتَها لَكَ لا يَدٌ / لَساءَكَ مِنّي ما سُرِرتَ بِهِ قَبلُ
هَبَلتُكَ حَيّاً لَم تُصِبكَ مَنِيَّةٌ / خَلا أَنَّ وُدّاً ماتَ لَيسَ لَهُ عَقلُ
فَمَهلاً أَما لي مَذهَبٌ عَنكَ واسِعٌ / مُوَطَّأَةٌ في كُلِّ وَجهٍ لَهُ السُبلُ
أَلا رُبَّما اِقتَدتُ الرَجاءَ إِلى المُنى / بِوَعدِكَ حَتّى يَستَبِدَّ بِهِ المَطلُ
وَأَبتَعِثُ الآمالَ ثُمَّ أَرُدُّها / إِلَيكَ لِيَومٍ ما وَمَضرِبُها مَحلُ
فَلا سَلِمَ حَتّى تَستَقيدُ إِلى الرِضى / وَيَحتَرِشُ الغِلَّ المَوَدَّةُ وَالبَذلُ
لَعَمري لَقَد أَعطَيتَ لِلجودِ أُهبَةً / ثَراءً وَهَل يَجري إِذا أُضمِرَ البَغلُ
وَقَفتُ لِساني عَنكَ وَالقَولُ مُفصِحٌ / وَما بِالقَوافي عَنكَ لَو أُهمِلَت مَهلُ
عَليكَ سَلامٌ لَم أَقُل فيكَ ريبَةً / وَلَكِن ثَناءً كانَ أَفسَدَهُ البُخلُ
لَولا سُيوفُ أَبي الزُبَيرِ وَخَيلُهُ
لَولا سُيوفُ أَبي الزُبَيرِ وَخَيلُهُ / نَشَرَ الوَليدُ بِسَيفِهِ الضَحّاكا
رَضِيَت سُيوفُكَ عَنكَ يَومَ لَقيتَهُم / وَأَجَبتَ داعِيَ المَوتِ حينَ دَعاكا
وَكَأَنَّ لَيثَ الغابِ في إِقدامِهِ / يَوماً رَآكَ تُريدُهُ فَحَكاكا
إِنَّ الرِفاقَ أَتَتكَ تَلتَمِسُ الغِنى / وَالبَحرُ لَو يَجِدُ السَبيلَ أَتاكا
وَصاحِبٍ لَم يُخَيِّرني المُنى أَمَلاً
وَصاحِبٍ لَم يُخَيِّرني المُنى أَمَلاً / إِلّا جَعَلتُ لَهُ مِن أَمرِهِ الخِيَرا
مَرَّت بِهِ هَفَواتُ الأُنسِ في سَبَبٍ / لَم يَتَّرِك لِلرِضى عَيناً وَلا أَثَرا
لَم أُعطِهِ مُهلَةَ العُتبى فَيُعتِبَني / وَلا تَعَتَّبتُ حَتّى ضَيَّعَ العُذُرا
أَديري عَلى الراحِ ساقِيَةَ الخَمرِ
أَديري عَلى الراحِ ساقِيَةَ الخَمرِ / وَلا تَسأَليني وَاِسأَلي الكَأسَ عَن أَمري
كَأَنَّكِ بي قَد أَظهَرَت مُضمَرَ الحَشا / لَكِ الكَأسُ حَتّى أَطلَعَتكِ عَلى سِرّي
وَقَد كُنتُ أَقلى الراحَ أَن يَستَفِزَّني / فَتَنطِقَ كَأسٌ عَن لِساني وَلا أَدري
وَلَكِنَّني أَعطَيتُ مِقوَدِيَ الصِبى / فَقادَ بَناتِ اللَهوِ مَخلوعَةَ العُذرِ
إِذا شِئتُ غاداني صُبوحٌ مِنَ الهَوى / وَإِن شِئتُ ماساني غُبوقٌ مِنَ الخَمرِ
ذَهَبتُ وَلَم أُحَدِد بِعَينِيَ نَظرَةً / وَأَيقَنتُ أَنَّ العَينَ هاتِكَةٌ سِتري
جَعَلنا عَلاماتِ المَوَدَّةِ بَينَنا / مَصايِدَ لَحظٍ هُنَّ أَخفى مِنَ السِحرِ
فَأَعرِفُ مِنها الوَصلَ في لينِ طَرفِها / وَأَعرِفُ مِنها الهَجرَ بِالنَظَرِ الشَزرِ
وَفي كُلِّ يَومٍ خَشيَةٌ مِن صُدودِها / أَبيتُ عَلى ذَنبٍ وَأَغدو عَلى عُذرِ
وَمُلتَطِمُ الأَمواجِ يَرمي عُبابُهُ / بِجَرجَرَةِ الآذِيِّ لِلعِبرِ فَالعِبرِ
مُطَعَّمَةٍ حِيتانُهُ ما يُغِبُّها / مَآكِلُ زادٍ مِن غَريقٍ وَمِن كَسرِ
إِذا اِعتَنَقَت فيهِ الجَنوبُ تَكَفَّأَت / جَواريهِ أَو قامَت مَعَ الريحِ لا تَجري
كَأَنَّ مَدَبَّ المَوجِ في جَنَباتِها / مَدَبُّ الصَبا بَينَ الوِعاثِ مِنَ العُفرِ
كَشَفتُ أَهاويلَ الدُجى عَن مَهولِهِ / بِجارِيَةٍ مَحمولَةٍ حامِلٍ بِكرِ
لَطَمتُ بِخَدَّيها الحَبابُ فَأَصبَحَت / مُوَقَّفَةَ الداياتِ مَرتومَةَ النَحرِ
إِذا أَقبَلَت راعَت بِقُنَّةِ قَرهَبٍ / وَإِن أَدبَرَت راقَت بِقادِمَتَي نَسرِ
تَجافى بِها النوتيُّ حَتّى كَأَنَّما / يَسيرُ مِنَ الإِشفاقِ في جَبَلٍ وَعرِ
تَجَلَّجُ عَن وَجهِ الحَبابِ كَما اِنثَنَت / مُخَبَّأَةٌ مِن كِسرِ سِترٍ إِلى سِترِ
أَطَلَّت بِمِجذافينِ يَعتوِرانِها / وَقَوَّمَها كَبحُ اللِجامِ مِنَ الدُبرِ
فَحامَت قَليلاً ثُمَّ مَرَّت كَأَنَّها / عُقابٌ تَدَلَّت مِن هَواءٍ عَلى وَكرِ
أَنافَ بِهاديها وَمَدَّ زِمامَها / شَديدُ عِلاجِ الكَفِّ مُعتَمِلُ الظَهرِ
إِذا ما عَصَت أَرخى الجَريرُ لِرَأسِها / فَمَلَّكَها عِصيانَها وَهيَ لا تَدري
كَأَنَّ الصَبا تَحكي بِها حينَ واجَهَت / نَسيمَ الصَبا مَشيَ العَروسِ إِلى الخِدرِ
يَمَمنا بِها لَيلَ التِمامِ لِأَربَعٍ / فَجاءَت لِسِتٍّ قَد بَقينَ مِنَ الشَهرِ
فَما بَلَغَت حَتّى اِطِّلاحِ خَفيرِها / وَحَتّى أَتَت لَونَ اللِحا مِنَ القِشرِ
وَحَتّى عَلاها المَوجُ في جَنَباتِها / بِأَردِيَةٍ مِن نَسجِ طُحلُبِهِ خُضرِ
رَمَت بِالكَرى أَهوالُها عَن عُيونِهِم / فَباتَت أَهاويلُ السُرى بِهِمُ تَسري
تَوُمُّ مَحَلَّ الراغِبينَ وَحَيثُ لا / تُذادُ إِذا حَلَّت بِهِ أَرجُلُ السَفرِ
رَكِبنا إِلَيهِ البَحرَ في مُؤخِراتِهِ / فَأَوفَت بِنا مِن بَعدِ بَحرٍ إِلى بَحرِ
هَجَرَ الصِبا وَأَنابَ وَهُوَ طَروبُ
هَجَرَ الصِبا وَأَنابَ وَهُوَ طَروبُ / وَلَقَد يَكونُ وَما يَكادُ يُنيبُ
دَرَجَت غَضارَتُهُ لِأَوَّلِ نَكبَةٍ / وَمَشى عَلى رَيقِ الشَبابِ مَشيبُ
قَذَفَت بِهِ الأَيّامُ بَينَ قَوارِعٍ / تَأتي بِهِنَّ حَوادِثٌ وَخُطوبُ
لِلَّهِ أَنتَ إِذِ الصِبا بِكَ مُولَعٌ / وَإِذِ الهَوى لَكَ جالِبٌ مَجلوبُ
حَلَّت حُباكَ صَبابَةٌ مَكتومَةٌ / نَطَقتَ بِها مِن مُقلَتَيكَ غُروبُ
هَلّا عَجَّلتَ عَلى الدُموعِ بِعَزمَةٍ / بَل لَم يَكُن لَكَ في العَزاءِ نَصيبُ
عَطَفَتهُ بَعدُ جِماحِهِ في سَلوَةٍ / ذِكَرٌ يُعَطِّفُها هَوىً مَغلوبُ
أَغضى الزَمانُ لَهُ عَلى عَينِ الرِضى / وَعَلَيهِ حارِسٌ وَرَقيبُ
حَتّى إِذا اِتَّسَقَت لَهُ أَوطارُهُ / طَفِقَت تُطَرِّقُها إِلَيهِ نُكوبُ
خُذ مِن شَبابِكَ لِلصِبا أَيّامَهُ / هَل تَستَطيعُ اللَهوَ حينَ تَشيبُ
يا أَيُّها الرَجُلُ المُثَمِّرُ مالَهُ / وَهُوَ المُسَلَّبُ عِرضُهُ المَسلوبُ
خَلِّ المَكارِمَ قَد كَفاكَ مِراسَها / سَعدانُها وَسَليلُهُ يَعقوبُ
ذاكَ الرَجاءُ المُستَجارُ بِجودِهِ / مِن نائِباتِ الدَهرِ حينَ تَنوبُ
كَالكَهلِ مُقتَبَلُ الشَبابِ يُزِيِّنُهُ / حِلمُ التَكَهُّلِ وَالشَبابُ أَريبُ
وَإِذا الزَمانُ عَدا عَلَيكَ كَفاكَهُ / مِن آلِ سَعدانٍ أَغَرُّ نَجيبُ
غَمرُ النَدى مَغشِيَةٌ حُجُراتُهُ / سَلِسُ العَطاءِ مُؤَمَّلٌ مَرهوبُ
يُعطيكَ مُقتَدِراً عَلى أَموالِهِ / لا كَالَّذي يُعطيكَ وَهوَ هَيوبُ
مِلءُ العُيونِ مُقَلِّصٌ لِنِجادِهِ / طَبِنٌ بِأَنحاءِ الأُمورِ طَبيبُ
مُتَقَسِّمٌ إِمّا لِبَذلِ عَطِيَّةٍ / أَو نَكبَةٍ يُدعى لَها فَيُجيبُ
مُتَفاوِتٌ في الرَأيِ مُختَلِطٌ بِهِ / في أَمرِهِ التَرغيبُ وَالتَرهيبُ
قَرمٌ لِهِمَّتِهِ إِذا سَكَنَ الحَشى / قَلَقٌ يُخالِسُهُ الكَرى وَوَجيبُ
يُمضي الأُمورَ المُشكِلاتِ عُيونَها / وَمَحَلُّ مُعتَلِجِ الضَميرِ رَحيبُ
ضَمَّت قَواصيَهُ إِلَيكَ عَزيمَةٌ / تَأتي وَراءَ الأَمرِ وَهوَ غَريبُ
يُمضي الأُمورَ بِعَزمِ رَأيٍ واحِدٍ / مُعَلّىً بِهِ التَبعيدُ وَالتَقريبُ
تُلقي العِيانَ إِلى الضَميرِ أَناتُهُ / حَتّى يَبوحَ بِسِرِّهِ التَجريبُ
شِكسٌ عَلى الآراءِ مُعتَدِلُ الهَوى / شَرِسٌ بِما غَلَبَ الرِجالُ غَلوبُ
وَكَأَنَّما ذَرَفَت عَلَيكَ بِجودِهِ / دِيَمٌ تَرَنَّمَ تَحتَها شُؤبوبُ
أَنِفٌ عَنِ الوَطَرِ الجَموحِ إِلى الخَنى / يَرمي الضَميرَ بِظَنِّهِ فَيُشيبُ
مِن آلِ سَعدانَ الَّذينَ بِجِدِّهِم / نِيلَ الحِفاظُ وَأُحكِم التَأديبُ
حَلّوا مِنَ المَعروفِ في قُلَلِ العُلى / تَسمو إِلَيهِم أَعيُنٌ وَقُلوبُ
عاوَدتُ يا يَعقوبُ مِنكَ صَنائِعاً / مَحمودَةً عَهدي بِهِنَّ قَريبُ
أَعطَيتَني حَتّى مَلَكتُ مَدى الغِنى / بِنَداكَ وَالراجيكَ لَيسَ يَخيبُ
وَوَعَدتَني فَقَفَرتَ وَعدَكَ بِالَّتي / لَم يَقفُها مَنٌّ وَلا تَثريبُ
قَدِ اِطَّلَعتَ عَلى سِرّي وَإِعلاني
قَدِ اِطَّلَعتَ عَلى سِرّي وَإِعلاني / فَإِذهَب لِشَأنِكَ لَيسَ الجَهلُ مِن شاني
إِنَّ الَّتي كُنتُ أَنحو قَصدَ شِرَّتِها / أَعطَت رِضىً وَأَطاعَت بَعدَ عِصيانِ
حَسبي بِما أَدَّتِ الأَيّامُ تَجرِبَةً / سَعى عَلَيَّ بِكَأسَيها الجَديدانِ
دَلَّت عَلى عَيبِها الدُنيا وَصَدَّقَها / ما اِستَرجَعَ الدَهرُ مِمّا كانَ أَعطاني
إِما تَرَيني أُزجّي العيسَ مُنتَظِراً / وَعدَ المُنى أَرتَعي في غَيرِ أَوطاني
فَقَد أَروحُ نَديمَ الدَهرِ يَمزُجُ لي / كَأسَ الهَوى وَيُحَيِّني بِرَيحانِ
سائِل جَديدَ الهَوى هَل كُنتُ أُخلِقُهُ / إِذ لِلصِبى مُهجَةٌ تَمشي بِجُثماني
أَيّامَ لِلعَذلِ إِكثارٌ وَمَعصِيَّةٌ / وَالراحُ تُسرِعُ في عَقلي وَأَحزاني
لا أُوحِشُ الخِدرَ مِن شَخصي وَبَيضَتَهُ / وَلا أُوَحِّدُ بِالصَهباءِ نُدماني
وَلَيلَةٍ ما يَكادُ النَجمُ يَسهَرُها / سامَرتُها بِقَتولِ الدَلِّ مِفتانِ
إِذا أَطاعَت عَصاها ثِقلُ رادِفِها / كَالدِعصِ يَفرَعُهُ غُصنٌ مِنَ البانِ
كَأَنَّها بَعدَ ما قامَ الصَباحُ بِها / وَسنى تَمَشَّت بِها أَعطافُ نَشوانِ
وَلَّت كَما اِنسابَ ثُعبانٌ وَقَد نَهَضَت / إِلّا وَقيذَةَ أَردافٍ وَأَركانِ
أَدرَكتُ في الدَهرِ أَيّاماً بَلَغتُ بِها / رِضى الشَبابِ الَّذي قَد كانَ عاصاني
سَعَت عَلَيَّ لَياليها بِزائِرَةٍ / زَفَّ الكَرى طَيفَها وَهناً فَحَيّاني
باتَت تَأَبّى وَما تَدري بِما صَنَعَت / بِنائِمٍ وَرَّثَتهُ سُؤلَ يَقظانِ
فَالآنَ أَقصَرتُ إِذ رَدَّ الزَمانُ يَدي / وَنافَرَتني اللَيالي بَعدَ إِذعانِ
حاشى لِعَينَيَّ أَن تَفنى دُموعُهُما / عَلى هَوى نازِحٍ أَو نَأيَ جيرانِ
ما كُنتُ أَدَّخِرُ الشَكوى لِحادِثَةٍ / حَتّى اِبتَلى الدَهرُ أَسراري فَأَشكاني
إِلى الأَمامِ تَهادانا بِأَرحُلِنا / خَلقٌ مِنَ الريحِ في أَشباحِ ظُلمانِ
كَأَنَّ إِفلاتَها وَالفَجرُ يَأخُذُها / إِفلاتُ صادِرَةٍ عَن قَوسِ حُسبانٍ
نَستَودِعُ اللَيلَ أَسرارَ الهُمومِ إِذا / باحَ النُعاسُ بِعَجزِ الصاحِبِ الواني
تَهوى بِأَشعَثَ لَو يَسطيعُ أَعقَبَها / تَفري مَجاهِلَ غيطانٍ لِغيطانِ
قَضَت عَلى اللَيلِ بِالإِدلاجِ هِمَّتُهُ / فَقَدَّهُ بِسَؤُورِ اللَيلِ مِذعانِ
تَلَوَّمَ الصُبحُ فيهِ ثُمَّ قَوَّضَهُ / وَاِرتَدَّ وَجهُ النَهارِ الفاقِعِ القاني
يَنسابُ في اللَيلِ لا يَرعى لِهاجِسِهِ / كَأَنَّهُ راكِبٌ في رَأسِ ثُعبانِ
لَم يُغمِدِ السَيفَ مُذ نيطَت حَمائِلُهُ / يَوماً وَلا سَلَّهُ إِلّا عَلى جانِ
آثارُ أَطلالٍ بِرَومَةَ دُرَّسِ
آثارُ أَطلالٍ بِرَومَةَ دُرَّسِ / هِجنَ الصَبابَةَ وَاِستَثَرنَ مُعَرَّسي
أَوحَت إِلى دِرَرِ الدُموعِ فَأَسبَلَت / وَاِستَفهَمَتها غَيرَ أَن لَم تَنبِسِ
زَجِّ الهَوى أَو دَع دُموعَكَ تَبكِهِ / وَاِجنَح إِلى خُطَطِ المَتالِفِ وَاِحبِسِ
وَكَلَ الزَمانُ إِلى البِلى أَطلالَها / فَخَلَت مَعالِمُها كَأَن لَم تُؤنِسِ
وَلَرُبَّ صاحِبِ لَذَّةٍ نادَمتُهُ / في رَوضَةٍ أُنُفٌ كَريمُ المَعطِسِ
صَفراءَ مِن حَلَبِ الكُرومِ كَسَوتُها / بَيضاءَ مِن صَوبِ الغُيومِ البُجَّسِ
مُزِجَت وَلاوَذَها الحُبابُ فَحاكَها / فَكَأَنَّ حِليَتَها جِنِيُّ النَرجِسِ
وَكَأَنَّها وَالماءُ يَطلُبُ حِلمَها / لَهَبٌ تُلاطِمُهُ الصَبا في مَقبَسِ
جَهِلَت فَدارى جَهلَها فَتَبَسَّمَت / عَن مُشرَبٍ لَونَ الشُهولَةِ أَعيَسِ
وَالناسُ كُلُّهُمُ لِضِنيٍ واحِدٍ / ثُمَّ اِختِلافُ طَبائِعٍ في أَنفُسِ
حَتّى إِذا نَضَبَ النَهارُ وَأُدرِجَت / في اللَيلِ شَمسُ نَهارِهِ المُتَوَرِّسِ
ساوَرتُهُ فَاِمتَدَّ ثُمَّ تَقَطَّعَت / أَنفاسُهُ في صُبحِهِ المُتَنَفِّسِ
وَالعيسُ عاطِفَةُ الرُؤوسِ كَأَنَّما / يَختِلنَ سِرَّ مُحَدِّثٍ في الأَحلُسِ
يَخرُجنَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ / أَسيافُنا يَومَ العَجاجِ الأَغبَسِ
ثُمَّ اِستَقَلَّت بِالحُتوفِ رِماحُنا / وَالخَيلُ في لَيلٍ مُسَدّى مُلبَسِ
وَبَوارِقُ الأَغمادِ تَبدو تارَةً / حُمراً وَتُخفى تارَةً في الأَرؤُسِ
حَربٌ يَكونُ وَقودَها أَبناؤُها / لَقِحَت عَلى عُقرٍ وَلَمّا تَنفِسِ
مِن هارِبٍ رَكِبَ النَجاءَ وَمُقعَصٍ / جَثَمَت مَنِيَّتُهُ عَلى المُتَنَفَّسِ
غَصَبَتهُ أَطرافُ الأَسِنَّةِ نَفسَهُ / فَثَوى فَريسَةَ وُلَّغٍ أَو نُهَّسِ
إِن كُنتِ نازِلَةَ اليَفاعِ فَجَنِّبي / دارَ الرَبابِ وَخَزرَجي أَو أَوسي
وَتَجَنَّبي الخُفراءَ إِنَّ سُيوفَهُم / حُدُثٌ وَإِنَّ قَناتَهُم لَم تَضرَسِ
رَفَعَت بَنو النَجّارِ بَيتي فيهِمُ / ثُمَّ اِنتَمَيتُ فَأَفسَحوا في المَجلِسِ
هَل طَيِّئُ الأَجبالِ شاكِرَةُ اِمرِئٍ / ذادَ القَوافي عَن حِماها الأَقعَسِ
أَحمي أَبا نَفَرٍ عِظامَ حَفيرَةٍ / دَرَسَت وَباقي عِزِّها لَم يَدرُسِ
كافَأتُ نِعمَتَها بِفَضلِ بَلائِها / ثُمَّ اِنفَرَدتُ بِمَنصِبٍ لَم يُدنَسِ
وَإِذا اِفتَخَرتُ عَدَدتُ سَعيَ مَآثِرٍ / قَصَرَت عَلى الإِغضاءِ طَرَفَ الأَشوَسِ
فَاِعقِل لِسانَكَ عَن شَتائِمَ عِرضِنا / لا يَعلَقَنَّكَ خادِرٌ مِن مَأنَسِ
أَخلَقتَ فَخرَكَ مِن أَبيكَ فَجِئتَني / بِأَبٍ جَديدٍ بَعدَ طولِ تَلَمُّسِ
أَخَذَت عَلَيهِ المُحكَماتُ طَريقَها / فَغَدا يُناقِضُ أَعظُماً في أَرمُسِ
تَحَمَّلتُ هَجرَ الشادِنِ المُتَدَلِّلِ
تَحَمَّلتُ هَجرَ الشادِنِ المُتَدَلِّلِ / وَعاصَيتُ في حُبِّ الغَرايَةِ عُذَّلي
وَما أَبقَتِ الأَيّامُ مِنّي وَلا الصِبا / سِوى كَبِدٍ حَرّى وَقَلبٍ مُقَتَّلِ
وَيَومٌ مِنَ اللَذّاتِ خالَستُ عَيشَهُ / رَقيباً عَلى اللَذّاتِ غَيرَ مُغَفَّلِ
فَكُنتُ نَديمَ الكَأسِ حَتّى إِذا اِنقَضَت / تَعَوَّضتُ عَنها ريقَ حَوراءَ عَيطَلِ
نَهاني عَنها حُبُّها أَن أَسوءَها / بِلَمسٍ فَلَم أَفتُك وَلَم أَتَبَتَّلِ
أَخَذتُ لِطَرفِ العَينِ مِنها نَصيبَهُ / وَأَخلَيتُ مِن كَفّي مَكانَ المُخَلخَلِ
سَقَتني بِعَينَيها الهَوى وَسَقَيتُها / فَدَبَّ دَبيبُ الراحِ في كُلِّ مَفصَلِ
وَإِن شِئتُ أَن أَلتَذَّ نازَلتُ جيدَها / فَعانَقتُ دونَ الجيدِ نَظمَ القَرَنفُلِ
أُنازِعُها سِرَّ الحَديثِ وَتارَةً / رُضاباً لَذيذَ الطَعمِ عَذبَ المُقَبَّلِ
وَما العَيشُ إِلا أَن أَبيتَ مُوَسَّداً / صَريعَ مُدامٍ كَفَّ أَحوَرَ أَكحَلِ
وَمَمكورَةٍ رَودِ الشَبابِ كَأَنَّها / قَضيبٌ عَلى دِعصٍ مِنَ الرَملِ أَهيَلِ
خَلَوتُ بِها وَاللَيلُ يَقظانُ قائِمٌ / عَلى قَدَمٍ كَالراهِبِ المُتَبَتِّلِ
فَلَمّا اِستَمَرَّت مِن دَجا اللَيلِ دَولَةٌ / وَكادَ عَمودُ الصُبحِ بِالصُبحِ يَنجَلي
تَراءى الهَوى بِالشَوقِ فَاِستَحدَثَ البُكا / وَقالَ لِلَذَّاتِ اللِقاءِ تَرَحَّلي
فَلَم تَرَ إِلّا عَبرَةً بَعدَ زَفرَةٍ / مُوَدِّعَةٍ أَو نَظرَةً بِتَأَمُّلِ
تَداعَت خُطوبُ الدَهرِ عَن جارِ جَعفَرٍ
تَداعَت خُطوبُ الدَهرِ عَن جارِ جَعفَرٍ / وَأَمسَكَ أَنفاسَ الرَغائِبِ سائِلُه
هُوَ البَحرُ يَغشى سُرَّةَ الأَرضِ سَيبُهُ / وَتُدرِكُ أَطرافَ البِلادِ سَواحِلُه
تَصَدَّعَتِ الآمالُ عَنكَ بِأَلسُنٍ / مُحَمَّلَةٍ شُكرَ الَّذي أَنتَ فاعِلُه
لَهاجِسُ نَفسٍ تَرتَجيكَ ظُنونُها / أَرَدُّ لَها مِن عُرفِ آخَرَ بَاذِلُه
وَما ضَرَعَت لِلدَهرِ مِنكَ سَجِيَّةٌ / وَإِن طَرَقَت بِالمُفظِعاتِ بَلابِلُه
وَلِلَّهِ سَيفٌ ما عَلى الأَرضِ مِثلُهُ / مَضارِبُهُ يَحيى وَأَنتَ مُقاتِلُه
أَحَقٌّ أَنَّهُ أَودى يَزيدُ
أَحَقٌّ أَنَّهُ أَودى يَزيدُ / تَأَمَّل أَيُّها الناعي المُشيدُ
تَأَمَّل مَن نَعَيتَ وَكَيفَ فاهَت / بِهِ شَفَتاكَ كانَ بِها الصَعيدُ
أَحامى المَجدِ وَالإِسلامِ أَودى / فَما لِلأَرضِ وَيحَكَ لا تَميدُ
تَأَمَّل هَل تَرى الإِسلامَ مالَت / دَعائِمُهُ وَهَل شابَ الوَليدُ
وَهَل شيمَت سُيوفُ بَني نِزارٍ / وَهَل وُضِعَت عَلى الخَيلِ اللُبودُ
وَهَل تَسقي البِلادَ عِشارُ مُزنٍ / بِدِرَّتِها وَهَل يَخضَرُّ عودُ
أَما هُدَّت لِمَصرَعِهِ نِزارٌ / بَلى وَتَقَوَّضَ المَجدُ المَشيدُ
وَحَلَّ ضَريحَهُ إِذ حَلَّ فيهِ / طَريفُ المَجدِ وَالحَسَبُ التَليدُ
أَمّا وَاللَهِ لا تَنفَكُّ عَينَي / عَلَيكَ بِدَمعِها أَبَداً تَجودُ
فَإِن تَجمُد دُموعُ لَئيمِ قَومٍ / فَلَيسَ لِدَمعِ ذي حَسَبٍ جُمودُ
أَبَعدَ يَزيدَ تَختَزِنُ البَواكي / دُموعاً أَو تُصانُ لَها خُدودُ
لِتَبكِكَ قُبَّةُ الإِسلامِ لَمّا / وَهَت أَطنابُها وَوَهى العَمودُ
وَيَبكِكَ شاعِرٌ لَم يُبقِ دَهرٌ / لَهُ نَشَباً وَقَد كَسَدَ القَصيدُ
فَمَن يَدعو الإِمامَ لِكُلِّ خَطبٍ / يَنوبُ وَكُلَّ مُعضِلَةٍ تَؤودُ
وَمَن يَحمي الخَميسَ إِذا تَعايا / بِحيلَةِ نَفسِهِ البَطَلُ النَجيدُ
فَإِن يَهلِك يَزيدُ فَكُلُّ حَيٍّ / فَريسٌ لِلمَنِيَّةِ أَو طَريدُ
أَلَم تَعجَب لَهُ أَنَّ المَنايا / فَتَكنَ بِهِ وَهُنَّ لَهُ جُنودُ
لَقَد عَزّى رَبيعَةَ أَنَّ يَوماً / عَلَيها مِثلَ يَومِكَ لا يَعودُ
وَقائِلٍ لَيسَت لَهُ هِمَّةٌ
وَقائِلٍ لَيسَت لَهُ هِمَّةٌ / كَلّا وَلَكِن ما لَهُ مالُ
وَهِمَّةُ المُقتِرِ أُمنِيَّةٌ / عَونٌ عَلى الدَهرِ وَإِشغالُ
لا حِدَّةٌ تَنهَضُ في عَزمِها / وَالناسُ سُؤّالٌ وَبُخّالٌ
فَاِصبِر مَعَ الدَهرِ إِلى دَولَةٍ / تَحمِلُ فيها حالِكَ الحالُ
لا تَدعُ بي الشَوقَ إِني غَيرُ مَعمودِ
لا تَدعُ بي الشَوقَ إِني غَيرُ مَعمودِ / نَهى النُهى عَن هَوى الهَيفِ الرَعاديدِ
لَو شِئتُ لا شِئتُ راجَعتُ الصِبى وَمَشَت / فِيَّ العُيونُ وَفاتَتني بِمَجلودِ
سَل لَيلَةَ الخَيفِ هَل أَمضَيتُ آخِرَها / بِالراحِ تَحتَ نَسيمِ الخُرَّدِ الغيدِ
شَجَّجتُها بِلُعابِ المُزنِ فَاِغتَزَلَت / نَسجَينِ مِن بَينِ مَحلولٍ وَمَعقودٍ
كِلا الجَديدَينِ قَد أُطعِمَتُ حَبرَتَهُ / لَو آلَ حَيٌّ إِلى عُمرٍ وَتَخليدِ
أَهلاً بِوافِدَةٍ لِلشَيبِ واحِدَةٍ / وَإِن تَراءَت بِشَخصٍ غَيرِ مَودودِ
لا أَجمَعُ الحِلمَ وَالصَهباءَ قَد سَكَنَت / نَفسي إِلى الماءِ عَن ماءِ العَناقيدِ
لَم يَنهَني فَنَدٌ عَنها وَلا كِبَرٌ / لَكِن صَحَوتُ وَغُصني غَيرَ مَخضودِ
أَوفى بِيَ الحِلمُ وَاِقتادَ النُهى طَلَقاً / شَأوى وَعِفتُ الصِبا مِن غَيرِ تَفنيدِ
إِذا تَجافَت بِيَ الهِمّاتُ عَن بَلَدٍ / نازَعتُ أَرضاً وَلَم أَحفِل بِتَمهيدِ
لا تَطَّبيني المُنى عَن جَهدِ مُطَّلَبٍ / وَلا أَحولُ لِشَيءٍ غَيرِ مَوجودِ
وَمَجهَلٍ كَاطِّرادِ السَيفِ مُحتَجِزٍ / عَنِ الأَدِلّاءِ مَسجورِ الصَياخيدِ
تَمشي الرِياحُ بِهِ حَسرى مُوَلَّهَةً / حَيرى تَلوذُ بِأَكنافِ الجَلاميدِ
مُوَقَّفِ المَتنِ لا تَمضي السَبيلَ بِهِ / إِلّا التَخَلُّلَ رَيثاً بَعدَ تَجهيدِ
قَرَيتُهُ الوَخدَ مِن خَطّارَةٍ سُرُحٍ / تَفري الفَلاةَ بِإِرقالٍ وَتَوخيدِ
إِلَيكَ بادَرتُ إِسفارَ الصَباحِ بِها / مِن جِنحِ لَيلٍ رَحيبِ الباعِ مَمدودِ
وَبَلدَةٍ ذاتِ غَولٍ لا سَبيلَ بِها / إِلّا الظُنونُ وَإِلّا مَسرَحُ السيدِ
كَأَنَّ أَعلامَها وَالآلُ يَركَبُها / بُدنٌ تَوافى بِها نَذرٌ إِلى عيدِ
كَلَّفتُ أَهوالَها عَيناً مُؤَرَّقةً / إِلَيكَ لَولاكَ لَم تُكحَل بِتَسهيدِ
حَتّى أَتَتكَ بِيَ الآمالُ مُطَّلِعاً / لِليُسرِ عِندَكَ في سِربالِ مَحسودِ
مِن بَعدِ ما أَلقَتِ الأَيّامُ لي عَرَضاً / مُلقى رَهينٍ لِحَدِّ السَيفِ مَصفودِ
وَساوَرَتني بَناتُ الدَهرِ فَاِمتَحَنَت / رَبعي بِمُمحِلَةٍ شَهباءَ جارودِ
إِلى بَني حاتِمٍ أَدّى رَكائِبَنا / خَوضُ الدُجى وَسُرى المَهرِيَّةِ القُودِ
تَطوي النَهارَ فَإِن لَيلٌ تَخَمَّطَها / باتَت تَخَمَّطُ هاماتِ القَراديدِ
مِثلَ السَمامِ بَعيداتِ المَقيلِ إِذا / أَلقى الهَجيرُ يَداً في كُلِّ صَيخودِ
حَلَّت بِداوُدَ فَاِمتاحَت وَأَعجَلَها / حَذرُ النِعالِ عَلى أَينٍ وَتَحريدِ
أَعطى فَأَفنى المُنى أَدنى عَطِيَّتِهِ / وَأَرهَقَ الوَعدَ نُجحاً غَيرَ مَنكودِ
وَاللَهُ أَطفَأَ نارَ الحَربِ إِذ سُعِرَت / شَرقاً بِمُوقِدِها في الغَربِ داوُدِ
لَم يَأتِ أَمراً وَلَم يَظهُر عَلى حَدَثٍ / إِلّا أُعينَ بِتَوفيقٍ وَتَسديدِ
مُوَحَّدُ الرَأيِ تَنشَقُّ الظُنونُ لَهُ / عَن كُلِّ مُلتَبِسٍ مِنها وَمَعقودِ
تُمنى الأُمورُ لَهُ مِن نَحوِ أَوجُهِها / وَإِن سَلَكنَ سَبيلاً غَيرَ مَورودِ
إِذا أَباحَت حِمى قَومٍ عُقوبَتُهُ / غادى لَهُ العَفوُ قَوماً بِالمَراصيدِ
كَاللَيثِ بَل مِثلُهُ اللَيثُ الهَصورُ إِذا / غَنّى الحَديدُ غِناءً غَيرَ تَغريدِ
يَلقى المَنِيَّةَ في أَمثالِ عُدَّتِها / كَالسَيلِ يَقذِفُ جُلموداً بِجُلمودِ
إِذا قَصّرَ الرُمحُ لَم يَمشِ الخُطا عَدَداً / أَو عَرَّدَ السَيفُ لَم يَهمُم بِتَعريدِ
إِذا رَعى بَلَداً دانى مَناهِلَهُ / وَإِن بُنينَ عَلى شَحطٍ وَتَبعيدِ
جَرى فَأَدرَكَ لَم يَعنُف بِمُهلَتِهِ / وَاِستَودَعَ البُهرَ أَنفاسَ المَجاويدِ
آلُ المُهَلَّبِ قَومٌ لا يَزالُ لَهُم / رِقُّ الصَريحِ وَأَسلابُ المَذاويدِ
مُظَفَّرونَ تُصيبُ الحَربُ أَنفُسَهُم / إِذا الفِرارُ تَمَطّى بِالمَحاييدِ
نَجلٌ مَناجيبُ لَم يَعدَم تِلادُهُمُ / فَتىً يُرَجّى لِنَقضٍ أَو لِتَوكيدِ
قَومٌ إِذا هَدأَةٌ شامَت سُيوفَهُمُ / فَإِنَّها عُقُلُ الكومِ المَقاحيدِ
نَفسي فِداؤكَ يا داودُ إِذ عَلِقَت / أَيدي الرَدى بِنَواصي الضُمَّرِ القودِ
داوَيتَ مِن دائِها كَرمانَ وَاِنتَصَفَت / بِكَ المَنونُ لِأَقوامٍ مَجاهيدِ
مَلَأنَها فَزَعاً أَخلى مَعاقِلَها / مِن كُلِّ أَبلَخَ سامي الطَرفِ صِنديدِ
لَمّا نَزَلتَ عَلى أَدنى بِلادِهِمُ / أَلقى إِلَيكَ الأَقاصي بِالمَقاليدِ
لَمَستَهُم بِيَدٍ لِلعَفوِ مُتَّصِلٍ / بِها الرَدى بَينَ تَليينٍ وَتَشديدِ
أَتَيتَهُم مِن وَراءِ الأَمنِ مُطَّلِعاً / بِالخَيلِ تَردى بِأَبطالٍ مَناجيدِ
وَطارَ في إِثرِ مَن طارَ الفِرارُ بِهِ / خَوفٌ يُعارِضُهُ في كُلِّ أُخدودِ
فاتوا الرَدى وَظُباتُ المَوتِ تَنشُدُهُم / وَأَنتَ نَصبُ المَنايا غَيرُ مَنشودِ
وَلَو تَلَبَّثَ دَيّانٌ لَها رَوِيَت / مِنهُ وَلَكِن شَآها عَدوَ مَزؤودِ
أَحرَزَهُ أَجَلٌ ما كادَ يُحرِزُهُ / فَمَرَّ يَطوي عَلى أَحشاءِ مَفؤودِ
وَرَأسُ مِهرانَ قَد رَكَّبتَ قُلَّتَهُ / لَدناً كَفاهُ مَكانَ اللَيثِ وَالجيدِ
قَد كانَ في مَعزِلٍ حَتّى بَعَثتَ لَهُ / أُمَّ المَنِيَّةِ في أَبنائِها الصيدِ
أَجُنَّ أَم أَسلَمَتهُ الفاضِحاتُ إِلى / حَدٍّ مِنَ السَيفِ مَن يَعلَق بِهِ يودِ
أَلحَقتَهُ صاحِبَيهِ فَاِستَمرَّ بِهِم / ضَربٌ يُفَرِّقُ ضَبّاتِ القَماحيدِ
أَعذَرَ مَن فَرَّ مِن حَربٍ صَبَرتَ لَها / يَومَ الحُصَينِ شِعارٌ غَيرُ مَجحودِ
يَومَ اِستَضَبَّت سِجِستانٌ طَوائِفَها / عَلَيكَ مِن طالِبٍ وِتراً وَمَحقودِ
ناهَضتَهُم ذائِدَ الإِسلامِ تَقرَعُهُم / عَنهُ ثُلاثَ وَمَثنى بِالمَواحيدِ
تَجودُ بِالنَفسِ إِذ أَنتَ الضَنينُ بِها / وَالجودُ بِالنَفسِ أَقصى غايَةِ الجودِ
تِلكَ الأَزارِقُ إِذ ضَلَّ الدَليلُ بِها / لَم يُخطِها القَصدُ مِن أَسيافِ داودِ
كانَ الحُصَينُ يُرَجِّي أَن يَفوزَ بِها / حَتّى أَخَذتَ عَلَيهِ بِالأَخاديدِ
ما زالَ يَعنُفُ بِالنُعمى وَيَغمِطُها / حَتّى اِستَقَلَّ بِهِ عودٌ عَلى عودِ
وَضَعتَهُ حَيثُ تَرتابُ الرِياحُ بِهِ / وَتَحسُدُ الطَيرَ فيهِ أَضبُعُ البيدِ
تَغدو الضَواري فَتَرميهِ بِأَعيُنِها / تَستَنشِقُ الجَوَّ أَنفاساً بِتَصعيدِ
يَتبَعنَ أَفياءَهُ طَوراً وَمَوقِعَهُ / يَلَغنَ في عَلَقٍ مِنهُ وَتَجسيدِ
فَكانَ فارِطَ قَومٍ حانَ مَكرَعُهُم / بِأَرضِ زاذانَ شَتّى في المَواريدِ
يَومَ جُراشَةَ إِذ شَيبانُ موجِفَةٌ / يَنجونَ مِنكَ بِشِلوٍ مِنهُ مَقدودِ
زاحَفتَهُ بِاِبنِ سُفيانَ فَكانَ لَهُ / ثَناءُ يَومٍ بِظَهرِ الغَيبِ مَشهودِ
نَجا قَليلاً وَوافى زَجرُ عائِفِهِ / بِيَومِهِ طَيرَ مَنحوسٍ وَمَسعودِ
وَلّى وَقَد جَرَعَت مِنهُ القَنى جُرَعاً / حَيَّ المَخافَةِ مَيتاً غَيرَ مَوؤودِ
زالَت خُشاشَتُهُ عَن صَدرِ مُعتَدِلٍ / داني الكُعوبِ بَعيدَ الصَدرِ أُملودِ
إِذا السُيوفُ أَصابَتهُ تَقَطَّعَ في / سُرادِقٍ بِحَوامي الخَيلِ مَمدودِ
يَفدي بِما نَحَلَتهُ مِن خِلافَتِهِ / حُشاشَةَ الرَكضِ مِن جَرداءَ قَيدودِ
حَلَّ اللِواءَ وَخالَ الخِدرَ عائِذَهُ / فَعاذَ بِالخِدرِ تِربُ الكاعِبِ الرُوَدِ
وَإِن يَكُن شَبَّها حَرباً وَقَد خَمَدَت / فَنائِياً حَيثُ لا هَيدٍ وَلا هيدِ
كُلٌّ مَثَلتَ بِهِ في مِثلِ خُطَّتِهِ / قَتلاً وَأَضجَعتَهُ في غَيرِ مَلحودِ
عافوا رِضاكَ فَعاقَتهُم بِعَقوَتِهِم / عَنِ الحَياةِ مَناياهُم لِمَوعودِ
وَأَنتَ بِالسِندِ إِذ هاجَ الصَريخُ بِها / وَاِستَنفَدَت حَربُها كَيدَ المَكاييدِ
وَاِستَغزَرَ القَومُ كَأساً مِن دِمائِهِمُ / وَأَحدَقَ المَوتُ بِالكُرّارِ وَالحيدِ
رَدَدتَ أَهمالَها القُصوى مُخَيَّسَةً / وَشِمتَ بِالبيضِ عَوراتِ المَراصيدِ
كُنتَ المُهَلَّبَ حَتّى شَكَّ عالِمُهُم / ثُمَّ اِنفَرَدتَ وَلَم تُسبَق بِتَسويدِ
لَم تَقبَلِ السِلمَ إِلّا بَعدَ مَقدِرَةٍ / وَلا تَأَلَّفتَ إِلّا بَعدَ تَبديدِ
حَتّى أَجابوكَ مِن مُستَأمِنٍ حَذِرٍ / راجٍ وَمُنتَظِرٍ حَتفاً وَمَثمودِ
أَهدى إِلَيكَ عَلى الشَحناءِ أُلفَتَهُم / مَوتٌ تَفَرَّقَ في شَتّى عَباديدِ
وَفي يَدَيكَ بَقايا مِن سَراتِهِمُ / هُمُ لَدَيكَ عَلى وَعدٍ وَتَوعيدِ
إِن تَعفُ عَنهُم فَأَهلُ العَفوِ أَنتَ وَإِن / تُمضِ العِقابَ فَأَمرٌ غَيرُ مَردودِ
إِسمَع فَإِنَّكَ قَد هَيَّجتَ مَلحَمَةً / وَفَدتَ مِنها بِأَرواحِ الصَناديدِ
اِقذِف أَبا مَلِكٍ فيها يَكُنكَ بِها / وَيَسعَ فيها بِجَدٍّ مِنكَ مَجدودِ
يَمضي بِعَزمِكَ أَو يَجري بِشَأوِكَ أَو / يَفري بِحَدِّكَ كَلٌّ غَيرُ مَحدودِ
لا يَعدَمنَكَ حِمى الإِسلامِ مِن مَلِكٍ / أَقَمتَ قُلَّتَهُ مِن بَعدِ تَأويدِ
كَفَيتَ في المُلكِ حَتّى لَم يَقِف أَحَدٌ / عَلى ضَياعٍ وَلَم يَحزَن لِمَفقودِ
أَعطَيتَهُم مِنكَ نُصحاً لا كَفاءَ لَهُ / وَأَيَّدوكَ بِرُكنٍ غَيرَ مَهدودِ
لَم يَبعَثِ الدَهرُ يَوماً بَعدَ لَيلَتِهِ / إِلّا اِنبَعَثتَ لَهُ بِالبَأسِ وَالجودِ
أَجرى لَكَ اللَهُ أَيّامَ الحَياةِ عَلى / فِعلٍ حَميدٍ وَجَدٍّ غَيرِ مَنكودِ
لا يَفقِدِ الدينُ خَيلاً أَنتَ قائِدُها / يُعهَدنَ في كُلِّ ثَغرٍ غَيرِ مَعهودِ
مُحَمَّلاتٍ إِذا آبَت غَنائِمُها / وَمُقدِماتٍ عَلى نَصرٍ وَتَأيِيدِ
هُناكَ أَنَّكَ مَغدى كُلِّ مُلتَمِسٍ / جوداً وَأَنَّكَ مَأوى كُلِّ مَطرودِ
تَستَأنِفُ الحَمدَ في دَهرٍ أَوائِلُهُ / مَوسومَةٌ بِفَعالٍ مِنكَ مَحمودِ
إِذا عَزَمتَ عَلى أَمرٍ بَطَشتَ بِهِ / وَإِن أَنَلتَ فَنَيلاً غَيرَ تَصريدِ
عَوَّدتَ نَفسَكَ عاداتٍ خُلِقتَ لَها / صِدقَ الحَديثِ وَإِنجازَ المَواعيدِ