القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : التِّهامي الكل
المجموع : 105
قولا لَهُ هَل دارَ في حَوبائِهِ
قولا لَهُ هَل دارَ في حَوبائِهِ / أَنَّ القُلوبَ تَجولُ حَولَ خِبائِهِ
ريمٌ إِذا رَفَعَ السَتائِرَ بَينَنا / أَعشانيَ اللَألاءُ دونَ رُوائِهِ
نمَّ الضِياءُ عَلَيهِ في غَسَقِ الدُجى / حَتّى كَأَنَّ الحُسنَ مِن رُقَبائِهِ
أَهدى لَنا في النَومِ نَجداً كُلَّهُ / بِبُدُوره وَغُصونِهِ وَظِبائِهِ
وَسَفرنَ في جُنحِ الدُجى فَتَشابَهَت / بِاللَيلِ أَنجُم أَرضِهِ وَسَمائِهِ
وَجَلا جَبيناً واضِحاً كالبَدرِ في / تَدويرِهِ وَبِعادِهِ وَضِيائِهِ
حَتّى كَأَنَّ سَنا الصَباحِ لِثامُهُ / وَمَضى الظَلامُ يَجُرُّ فَضلَ رِدائِهِ
وَالزَهرُ كالحَدقِ النَواعِسِ خامَرَت / نَوماً وَما بَلَغت إِلى استِقصائِهِ
حَيّا بِكاسِ رُضابِهِ فَرَدَدُّتها / نَفسي فِداءُ رُضابِهِ وَإِنائِهِ
وَرأى فَتىً لم يَبقَ غَيرُ غَرامِهِ / وَكَلامِهِ وَعِظامِهِ وَذَمائِهِ
قَلبي فِداؤكَ وَهوَ قَلبٌ لَم يَزَل / يُذكي شِهابَ الشَوقِ في أَثنائِهِ
جاوَرتُهُ شَرَّ الجِوارِ وَزُرتُهُ / لما حَلَلتُ فِناءَهُ بِفَنائِهِ
حَرِّق سِوى قَلبي وَدَعه فَإِنَّني / أَخشى عَلَيكَ وَأَنتَ في سَودائِهِ
فَمَتى أُجازي من هَويتُ بِهَجرِهِ / وَصُدودِهِ وَالقَلبُ من شُفعائِهِ
ما أَبصَرَت عَينايَ شَيئاً مونِقاً / إِلّا وَوَجهِكَ قائِمٌ بإِزائِهِ
إِنّي لأَعجَبُ مِن جَبينِكَ كَيفَ لا / يُطفي لَهيبَ الوَجنَتَينِ بِمائِهِ
لا يُطمعنَّك نورُ كَوكَبِ عامِرٍ / فَوَراءُ قُربِ سَناهُ بِعدُ سَنائِهِ
حَتّى سُيوفٌ رِجالِهِ وَهيَ القَضا / أَشوا جِراحاً مِن عُيونِ نِسائِهِ
لِلَهِ عَزمٌ مِن وَراءِ تِهامَةٍ / نادى فَثرتُ مُلَبِياً لِندائِهِ
حَتّى ظفَرتُ مِنَ المُظَفَّرِ بِالمُنى / عَفواً وتهتُ عَلى الزَمانِ التائِهِ
بِمُهَذَّبٍ لَولا صَفيحَةُ وَجهِهِ / لَجَرى عَلى الخَدَّينِ ماءَ حَيائِهِ
لا خَلقَ أَعظَمُ مِنهُ عِندي مِنَّة / إِلّا زَماناً جادَ ليَ بِلِقائِهِ
يُنبيكَ رَونَقُ وَجهِهِ عَن بِشرِهِ / وَالسَيفُ يُعرَفُ عِتقَهُ في مائِهِ
سَمحَ الخَليقَةِ وَالخَلائِق وَجهَهُ / بِشرٌ يُبَشِّرُ وَفدَهُ بِعَطائِهِ
زانَ الرِئاسَةَ وَهيَ زَينٌ لِلوَرى / فازدادَ رَونَقُ وَجهِها بِعَلائِهِ
كالدُرِّ يَحسِنُ وَحدَه وَبَهاؤهُ / في لِبَّةِ الحَسناء ضِعفُ بَهائِهِ
ما زالَ يَطرُدُ مالَهُ بِنَوالِهِ / حَتّى حَسِبنا المالَ مِن أَعدائِهِ
يَبني مَآثِرَهُ وَيَهدِمُ مالَهُ / وَالمَجدُ ثالِثٌ هَدمِهِ وَبِنائِهِ
وَتَرى العُلاء يَحفُّه لِيمينه / وَشِمالِهِ وَأَمامهِ وَوَرائِهِ
وَتَرى لَهُ حُلماً أَصَمَّ وَنائِلاً / نَدُساً يُجيبُ الوَفدَ قَبلَ دُعائِهِ
مَن لِلكِرامِ بِأَن تَرى أَبواعَهُم / كَذِراعِهِ وَمَديحَهُم كَهِجائِهِ
هَيهاتَ يَشرَكُهُ الوَرى في مَجدِهِ / أَبَداً وَإِن شَرَكوهُ في أَسمائِهِ
حُلو الثَناءِ مُمدَّحٌ يُلهيكَ عَن / حُسنِ الثَنايا الغُرُّ حُسنُ ثَنائِهِ
نَطَقَ العِداةُ بِفَضلِهِ لُظُهورِهِ / كُرهاً وَقَد حَرِصوا عَلى إِخفائِهِ
لَمّا تَزايَدَ في العُلوِّ تَواضُعاً / لِلَّهِ زادَ اللَهُ في إِعلائِهِ
يَعِدُ الفَتى الصَيادي إِلى مَعروفِهِ / بالرَيِّ ماء حُبابِهِ وَحِبائِهِ
إِن حَلَّ حَلَّ الجود في أَفنائِهِ / أَو سار سارَ النَصرُ تَحتَ لِوائِهِ
بِعَساكِرٍ مِن جُندِهِ وَعَساكِرٍ / مِن بَأسِهِ وَعَساكِرٍ مِن رائِهِ
يُخفي النَوالَ بِجَهدِهِ فَيُذيعُهُ / وَإِماتَةُ المَعروفِ مِن إِحيائِهِ
وَكَأَنَّما في كُلِّ مَنبَتِ شَعرَةٍ / مِن جِسمِهِ قَلبٌ لَفَرَطَ ذَكائِهِ
سَلبَت خَلائِقُهُ الرِياضَ أَريجَها / وَالماءَ طيبَ مَذاقِهِ وَصَفائِهِ
أَعدى أَنابيبَ اليَراع بِفَهمِهِ / وَنَفاذِهِ فمَضَينَ مِثلَ مَضائِهِ
إِنَّ المَخالِبَ في يَدي ليثِ الشَرى / تَمضي وَتَنبو في يَمينِ سِوائِهِ
يُرضي الكَتيبَةَ وَالكِتابَةَ وَالنَدى / بِفعالِهِ وَمَقالِهِ وَسَخائِهِ
يَجلو الخطابَة وَالخُطوبَ بِكَفِّهِ / قَلَمٌ يُرَجّى الرِزقَ في أَثنائِهِ
وَكَتيبَةٍ قَرأت مِنكَ فانفضَّ / ت كَما فَضَّت خِتام سِحائِهِ
لما تَأمَّل ما حَواهُ كَمَيُّهُم / رَقَصَت بَناتُ الرُعبِ في أَحشائِهِ
وَكَأَنَّ أَسطُرَهُ خَميسُ عَرمومٍ / وَهِلالُ رايَتِهِ استدارَةُ رائهِ
كَذِبَ المَبخِّل لِلزَّمانِ وَأَنتَ من / جَدوى أَنامِلِهِ وَمِن إِهدائِهِ
زانَ البِلادَ وَأَهلَها بِكَ فاستَوى ال / أَمواتُ وَالأَحياءُ في آلائِهِ
أَمِنَ الزَمانُ وَإِن أَساءَ مَلامَتي / أَلَومُ دَهراً أَنتَ مِن أَبنائِهِ
فاسلَم وَعِش لِلمُلكِ مَوصولِ البَقا / فَلِلَهُ يَحفَظُهُ وَحيدُ سَمائِهِ
ما سَحَّ مزنٌ دفعة في رَوضَةٍ / وَتَضاحَكَت في صَوِّها بِبُكائِهِ
لأبي العَلاءِ فَضائِلٌ مَشهورَةٌ
لأبي العَلاءِ فَضائِلٌ مَشهورَةٌ / حَلَّت مَحَلَّ الفَرقَدَينِ عَلاءَ
فَلِذاكَ قَدَّمَهُ الأَميرُ عَلى الأُلى / كانوا لَهُ لَولا الإله رُعاءَ
جَزلَ المَواهِبِ وَالفَضائل قَد حَوى / جوداً وَرَأياً ثاقِباً وَغَناءَ
يا مَن إِذا ذُكِرَ الكِرامُ فَأَنَّهُ / فيها المُقَدَّم نَجدَةً وَعَطاءَ
وَإِذا الأَماكِنُ أَظلَمَت أَقطارُها / بِالبُخلِ كانَ لِمُعتَفيهِ ضِياءَ
إِنّي دَعَوتُكَ لِلنَّوائِبِ دَعوَةٍ / لَمّا رَأَيتُكَ للأنامِ لَجاءَ
وَإِذا الزَمانُ نَبا بحر نَبوَةً / قَصَدَ الأَكارِمَ غُدوَةً وَعِشاءَ
وَلَقَد ظَنَنتُ بِكَ الجَميل فَكُن كَما / أَمَّلتُ تَغنَم مِدحَةٌ وَثناءَ
فُؤادي الفِداءُ لَها مِن قُبَب
فُؤادي الفِداءُ لَها مِن قُبَب / طَوافٍ عَلى الآلِ مِثلَ الحَبَب
يَعُمنَ مِنَ الآلِ في لُجَّةٍ / إِذا ما علا الشَخصُ فيها رَسب
تُولّينَ عَنّي وولّى الشَبابُ / وَلَم أَقضِ مِن حَقِّهِ ما وَجَب
وَلَولا التُقى لَبَردتُ الغَليلَ / بِماء الرِضابِ وَماءِ الشَنب
وَأَدرَكتُ مِن عيشَتي نُهبَة / فَلَم أَجِدُ العيشَ إِلّا نُهب
أَعفُّ وَلي عِندَ داعي الهَوى / دُموعٌ تُجيبُ وَقَلبٌ يَجِب
وَلي نَفَسٌ عِندَ تِذكارِهِ / يُقَوِّمُ عوجَ الضُلوعِ الحُدُب
أَيا مَن لِلَيلٍ ضَعيفُ الهَرَب / حَرونٍ وَصُبحٍ بَطيء الطَلَب
كَأَنَّ عَلى الجَوِّ فَضَفاضَةً / مَساميرُها فِضَّةٌ أَو ذَهَب
كَأَنَّ كَواكِبَهُ أَعيُنٌ / تُراعي سَنا الفَجرِ أَو تَرتَقِب
فَلَمّا بَدا طَفِقتُ هَيبَة / تُستِّرُ أَحداقَها بِالهَدَب
وَشُقَّت غَلائِلُ ضوءِ الصَباحِ / فَلا هوَ بادٍ وَلا مُحتَجِب
وَمَيثاءُ خَيَّم وَسَمِيِّها / فَأَلقى عَلى كُلِّ أُفُقٍ طَنَب
وَلما بَدا نَبتُها بارِضاً / شَكيراً تَراهُ كَمِثلِ الزَغب
تَخَطّاهُ واستَرضِعَ المُعصِرات / لَهُ مِن غَوادي الوَليّ الهدب
فَأَصبَح أَحوى كَحوِّ اللِثاتِ / عَلَيهِ مِنَ النَور ثَغرٌ شنب
فَمَن شامَهُ قال ماءٌ يرفُّ / وَمن شَمَّهُ قال مِسكٌ يشب
أَنخنا بِهِ وَنَسيمُ الصَبا / يُناغي ذَوائِبَنا وَالعَذَب
فَأَلقَت ثغورُ الأقاحي اللِثامَ / وَشَقَّت خُدودٌ الشَقيقِ النُقب
وَبتنا نُرشِّفُ أَنضاءَنا / رِضابَ ثَنايا أَقاحٍ عَجَب
لِقَلبي في كُلِّ أُكرومَةٍ / شُجونٌ وَفي كُلِّ مَجدٍ شُعَب
وَلا بُدَّ في المَجدِ مِن غُربَةٍ / تَباعدُ في الأَرضِ أَو تَقتَرِب
أُحاوِلُ أَبعدَ غاياتِهِ / بِكُلِّ بَعيدِ الرِضى وَالغَضَب
بِأُسدِ شَرىً فَوقَ أَكتافِها / مِنَ السَمهرية غاب أَشب
إِذا طارَدوا خاطَروا بِالرِماح / وَإِن نازَلوا خطروا بِالقُضُب
بِبَيضٍ ترفرف ماء الفِرن / د فيهن بَينَ سَواقي الشطب
بِخوض الرِماحِ وَكَم قَد وَصَلَت / بِما لا أُحِبُ إِلى ما أُحِب
إِذا الطعن في ضَربات السُيوف / مِثلَ الخنادِق فيها القلب
ولون الأَسنة مِمّا خضبن / كلون الدُخان عَلَيهِ اللَهَب
أَلا هَل لِنَيل المُنى غايَةٌ / فَأَنا إِلى غير قصد نَخُب
عَسى اللَهَ يظفرنا بِالَّتي / يُحاوِلُ ذو أَدَب أَو حَسَب
وَيُسعدنا باعتمار الوَزير / كَما أَسعَد اللَهَ جَدَّ الكَذِب
فَتىً يَقَع المدح مِن دونِهِ / وَإِن قيلَ جاوَزَ حَدَّ الكَذِب
وَيقصر عنهُ رِداء الثَناء / وَلَو يَرتَديهِ سِواهُ انسَحب
فَتىً نالَ أَقصى مَنالَ العُلا / صَغيراً وَعارِضُهُ لَم يَشِب
وَيَركَبُ في طَلَبِ المُكرِماتِ / جَواداً يَنالُ إِذا ما طَلَب
وَمَن كانَ يَبلَغُه قاعِداً / فَكَيفَ يَكونُ إِذا ما رَكِب
وَقَد كَتَبَ الدَهرُ مدحَ الكِرام / فَلَمّا رآهُ مَحا ما كَتَب
مَعينُ النَدى ماء مَعروفه / يَجِمُّ إِذا ماءَ عُرفٍ نَضَب
بَعيدُ المَدى أَبَداً يَبتَغي / مِنَ الضُرِ وَالنَفعِ أَعلى الرُتَب
صَريحُ المَقالِ صَريحُ الفِعالِ / صَريحُ النَوالِ صَريحُ النَسَب
صِفاتٌ يَدورُ عَلَيها المَديحُ / مَدارَ الكَواكِبِ حَولَ القُطُب
دَعَوناهُ بِالجودِ مِن بَعدِ ما / بَلَوناهُ في كُلِ بَدءٍ وَغِب
فَقَد يَمنَعُ القَذُّ مِن لا يَشَحُّ / وَقَد يَهَبُ البَدَنُ مَن لا يَهَب
وَلَيسَ الكَريمُ الَّذي يَبتَدي / بِنَعماهُ لَكِنَّهُ مَن يَرِب
فَتىً يَفعَلُ المكرُماتِ الجِسامِ / وَيَستُرُهُنَّ كَسِترِ الريب
تَوَسَّط مَجدُ بني المَغربيِّ / كَما وَسَطَ القَلبُ بَينَ الحُجُب
هُم أَورَثوا الفضل أَبناءهم / وَغابوا وَفضلُهُم لَم يَغِب
كَذا الشَمسُ تَغشى البِلاد الضِياء / فأن غربت أَودعته الشُهب
مَلوا بِالنَوال أَكف الرِجال / وَبِالمأثرات بطون الكُتُب
أَبا قاسِم حزت صَفوٍ الكلامِ / وغادَرَت ما بَعدِهِ للعَرَب
وَلَيسَ كَلامك إِلّا النُجومَ / علون فَناثرتها من كَثب
رَأيت الفَصاحَة حَيث النَدى / وَهَل ينظم الرَوض إِلّا السُحب
وَقَد شرف الغيث إِذ بَينَهُ / وَبَينَ بنانك أَدنى نَسَب
وَأَرعَن أَخرٍ من كَثرَةِ اللُ / غاتِ بِأرجائِهِ وَاللَجَب
يُلاقي النجوم بِأَمثالِها / مِنَ البيضِ مِن فَوقِهِ وَاليلب
إِذا واجه الشَمسُ رد الشعاع / أَو اعترَض الريحُ سَد المهب
ثنيت بأرقش ذي ريقَةٍ / تَجَلّى الخطوب بِها وَالخطب
يبين لَهُ القَلبُ عَمّا أَجنَّ / وَيُسعِدُهُ الدَهر فيما أَحَب
أَشَدُّ مَضاءً مِن المُرهَفاتِ / إِذا حَثَّها أَجَلٌ مُقتَرِب
إِذا ما جعلت لَهُ لهذماً / مِنَ النِقس طال الرِماح السَلب
وَطالَت بِهِ مَفخَراً أَنَّها / وَإِياهُ في الأَصلِ بعض القَصَب
تقلِّم أَقلامَك الحادِثا / تِ قَسراً وتهشم ناب النوب
فَمن مبلغٌ مِصرَ قَولاً يَعمُّ / وَيَختَصُّ بِالمَلِكِ المُعتَصِب
لَقَد كُنتَ في تاجِهِ دُرَّة / فعوض موضعها المحشلب
إِذا سُدَّ موضعَها لَم يُسَدُّ / وَإِن نيب عن فعلها لم ينب
إِذا اغتَرب اللَيثُ عن خدرِهِ / غَدا الشاء يَرتَع فيهِ العشب
أَتَيتُكَ مُمتَدِحاً لِلعَلاءِ / وَلَم آتِ مُمتَدِحاً لِلنشب
وَلَو شئتَ أَدركت أَن الجَوا / د في السلم غَير منيع السلب
وَقَد كُنتَ أَثني عَنان المَديح / عَن الناسِ أَجذبه ما انجَذِب
أَأَعطي المُهَنَّد من لا يُمَيِّزُ / بَينَ الفرند وَبينَ الحَرَب
الآن قَد صَحَّ لي حَقاً بِلا كَذِب
الآن قَد صَحَّ لي حَقاً بِلا كَذِب / مِن كَثرَةِ الحُرفِ أَنّي مِن ذَوي الأَدَبِ
لأَنَّ لِلدَّهرِ أَحوالاً تَدُلُّ عَلى / أَنَّ الَّذي نابِهٌ مِنهُ بِمُنقَلبِ
كَم قائل قَد رأى حالي وَقَد رَزَحَت / مَقالة صَدَرَت عَن قلب مُكتَئِبِ
حَتّى مَتى أَنتَ لا تنفَكُّ مُغتَرِباً / تَعتاض مُرتَغِباً بِالبؤسِ وَالتَعبِ
فَقلت ذر عَنكَ لَومي لا تَفندني / يَكفيكَ ما قَد أَقاسيهِ مِن النوَبِ
عَجائِب الدَهر لا تَفنى عَجائِبُها / ما الدَهر في فِعلِهِ إِلّا أَبو العَجَبِ
كَم مِن أَديبٍ غَدا وَالدَهرُ يعركه / عرك الأَديم بِما يَلقى مِن النَكبِ
وَكَم حمار غَدا وَالدَهرُ يَرفَعه / قَد داسَ أَعلى ذَرى كيوانَ بِالعَقِبِ
وَنالَ مِن دَهرِهِ ما لَم تَكُن خَطَرَت / بِهِ أَمانيهِ مِن جاهٍ وَمِن نَشَبِ
يا صاحِبَيَّ ذرا عتب الزَمان لِما / يأتي فَلَيسَ تَرى عَنهُ بِمُقتَضِبِ
أَظن لِلدهر ثأراً فَهوَ يطلبه / مِنّي فَلَيسَ لَهُ شغل سِوى طلبي
إِذا ظَنَنتُ بِأَنّي قَد ظفرت بِما / أَبغي يقصِّرُني عَنهُ بِلا سَبَبِ
وَإِن عتبتُ عَلَيهِ قال لي أَنِفاً / أَلَستُ في عذلِهِ عَن جاهِل دَرِبِ
قَد حُزت مِن فاخر الآدابِ ما عَجِزَت / عَن نَيلِ أَمثالِهِ نَفس لِمطَّلبِ
مِنَ الحِسابِ وَمن علم الغَريب مَعاً / وَالنَحوِ ما لَم يَكُن فيهِ بِمُكتَسِبِ
ما لَو سَألتَ يَسيراً من تنقصه / بِنَيل نفسك ما تَهوى وَلَم تطبِ
فَقُلتُ قول امرىء أَضحى لِعُسرَتِهِ / بَينَ البَريَّةِ مِن عَدم كمُجتَنبِ
قَد كنت أَختار حَظاً استرِق بِهِ / مَن كانَ في حالَتي في العلم والأدَبِ
فَذاكَ أَروح لي من أَن أَرى نعماً / عَلى طغام بِها تَعلوا إِلى الحَسَبِ
ماذا أُؤمِّلُ يُحييني بِهِ أَدبي / إِذا غَدَت راحَتي صفراً مِن الأَدَبِ
ما نِلتُ مِن أَدبي حالاً حَظيتُ بِها / إِلّا ارتِسامي بِتَهذيبي لعقل صبي
أَظَل أَكسِبه عِلماً وَيكسبني / جَهلاً وُصِمتُ بِه في العجم والعَرَبِ
فأن قعدنَ ربيَ الأَيامُ عَن دَرَكٍ / حَظاً أَنالُ بِهِ العالي مِن الرُتَبِ
فالعُتبُ في ذا لِغَيري لَيسَ يَلزَمني / لأَنَّني قَد بلغت الجهد في الطَلَبِ
لي هِمّة كَضِياء الصبح مشرقة / في حِندِسٍ وَجِناني لَيسَ بِالنَخبِ
وَلَيسَ لِلمَرءِ في الأَقدارِ من طمع / وَالحرص في فائِتٍ يُدني إِلى التَعَبِ
حلبَت أَخلاف هَذا الدَهرُ مُنتَصِراً / فَلَم أَدَع فيهِما حَظاً لِمُحتَلِبِ
وَكَم تدرعت مِن بَيداء مُقفِرَة / في لَيلَة خِلتُ أَن الصبح لَم يؤُبِ
مِن طولِها وَرواق اللَيل مُنسَدِل / وَسحبها بركام الوَبلِ كالقُرَبِ
لا يَهتَدي الريح فيها من مسالكها / بَينَ الضَحا ضح من وهد ومن كثبِ
لا تَهتَدي الجنُّ فيها من تفاوتها / ولا يتم الصَبا بالوبل وَالحرب
الجنّ قَد هجَرت أَكنافها فَرَقاً / وَالوحش قَد نفرت مِنها إِلى العُشُبِ
خلقت خَيفانَة صَوصاء قَد ذبلت / لقطع مهمها وَالنَجم لَم يغب
يَظلُّ يَهوي بِها وَالريحُ قَد عجزَت / عَنها اللحاق بِها وَالسيل في الصيب
وَكَم عسفت جِبالاً طالَما عجزت / عَنها الوعول من الأدغال وَالشُعَبِ
أَهوي إِلَيها بِنَفسٍ غَيرَ خائِفَةٍ / صرف المنون وَلَو صارَت إِلى الهيبِ
أَحتَلُّها وَالمَنايا في مَساكِنَها / مِثلَ ابن قفرة إِذ يَهوي إِلى سَربِ
وَكَم قطعت بِحاراً لَيسَ يَقطعها النَي / رانِ وَلا العالي مِنَ السُحُبِ
وَمؤنسي عَزمَةٌ كالصُبحِ مُشرِقَةٌ / وَصارِمٌ مُرهفُ الحدَينِ ذو شطبِ
مالي إِلى الدَهر ذنب أَستَحِقُّ بِهِ / ما نالَني مِنهُ مِن خَوف وَمِن شَغبِ
إِلّا لأَنّي لال المُصطَفى تَبَعٌ / وَبَعدَ ذا أَنَّني من سادة نُجُبِ
إِذا التَضت نار حَربٍ ثار قسطلها / واحلولكت أَوجه الأَبطالِ للقضبِ
وَإِن رَأيتَ رحاً لِلحرب دائِرَةً / كانوا لها دون هَذا الخلق كالقُطُبِ
وَإِن خبت نارها فاعلم بِأَنَّهموا / بِحَدِّ أَسيافهم يَطفون للهبِ
كانوا على الدهر حكاماً بصولِهِم / وَالدَهر من خوفهم في ذل مُغتَصبِ
حَتّى إِذا ما فَنَوا أَخنى بِكَلكَلِهِ / عَليَّ مُستَوفياً لِلثأر كالغضَبِ
في الجَوِّ زهر علت لي همة سَبَقَت / لَكِن حَظّي بِها في عقدة الذَنَبِ
أَتَيت مصر أَرجّي نَيل ثروتها / فرحتُ مِنها بأَفلاس مَع الجَرَبِ
فَلي بِها تِسع أَحوالٍ قَد اكتَمَلَت / أَرتادُ فيها مَعاشاً لي فَلَم أَصبِ
يا نَفسُ صَبراً عَلى ما قَد حُييت بِهِ / فاستَسلِمي لِلقَضاء الحتم واحتَسِبي
فَلَيسَ يَفديكَ وَالأَقدار جاريِة / وَالوَقتُ مُقتَرِب أَو غير مُقتَرِب
لما تَخافي وَما تُرجى لما سَبَقَت / بِهِ المقادير عَمّا خُطَّ في الكُتُبِ
لا بُدَ مِن فرجٍ يأتي عَلى قنطٍ / تَحظي بِهِ فاصبري يا نَفسُ وارتَقبي
إِمّا بلوغَ أَمانٍ تَنعَمينَ بِها / أَو نَيلَ منزلة تَشفي من الرِيب
أَولا فَمَوتٌ مُريح لا مَردَّ لَهُ / فَأنَّ إِحداهُما يُعفي مِنَ التَعَبِ
وَاللَهُ أَولى بِما يَأَتي وَلَيسَ لَهُ / معارض في الَّذي يَختار من أَرب
لَكِنَّني أَسأل الرحمَن لي فرجاً / مِمّا أقاسيه مِن كَدِّ وَمِن نَصَبِ
فَهوَ المُجيب لما نَدعوهُ عَن كَرَمٍ / إِن لَم يُجِبنا لما نَهوى فمن يُجِبِ
إِنَّ الحُمولَ غَداة غربة غرَّب
إِنَّ الحُمولَ غَداة غربة غرَّب / وَلَّت بِأَحسَن سافِر وَمنقبِ
فخلست مِنها لحظة فَكَأَنَّني / أَبصَرت لمعة كَوكب مُتَصَوِّب
وَلحظنني فَكَأَنَّما انفَرجَت لَنا / تِلكَ البَراقِع عَن جآذِر رَبرَبِ
ونثرنَ مِن صدفِ الجُفونِ لبيننا / درين بَينَ مضرَّس وَمُحَبَّبِ
دانين غُزلان الصريمة فالتَقى / في الرَوضِ غَير مربربٍ بمربربِ
وَإِذا ارتَقين إِلى عَوارِض تلعةٍ / بسمت بِدُرٍ مِن أَقاحٍ أَشنَبِ
ولثمن نَوّار الأَقاحي غدوة / بِأَلَذ في الأَفواهِ مِنه وَأَعذَبِ
وَالطَلُّ يُجري كُلَّ مقلة نرجسٍ / مِن فَوق خد شَقائقٍ لَك معجَبِ
أَبصَرَت ملعبها القديم فَدَلَّني / نشر العَبير الورد نَحو المَلعَبِ
فَوَقَفت فيها ذا لِسان أَعجَمٍ / عَن ذِكر ما أَلقى وَدَمعِ معربِ
أَبكي وَيَبكي من يَعنف في الهَوى / حَتّى أَؤَنِّب في البُكاء مُؤَنِّبي
وَدموعنا صَنفان دمع ساكِب / يَجري وآخر حائِر لَم يُسكَبِ
عَذُبَ المِطال لأَنَّهُ مِن عندها / وَلَو أَنَّهُ من غيرِها لَم يعذبِ
إِن يُخطِني كلف بِه فإلى جوىً / أَو يخطها بَينٌ فنَحو تَجَنُّبِ
إِنَّ الحجاز على تَنائي أَهله / ناهيكَ مِن بلَدٍ إِليَّ مُحَبَّبِ
فَسقاهُ مُنهَمِرُ الرَباب كَأَنَّهُ / يَد جَعفر بن محمد بن المَغربي
فَردٌ يرد شعاع وجهك ضوؤه / فَيظَل محتجباً وَإِن لَم يُحجبِ
هوَ نهبة للمعتفين فإِن بَدا / لك ماله وَأَطقت نَهباً فانهَبِ
سمح الخَلائِقِ حَظَّهُ / مَمّا حَواهُ دونَ حظ الأَجنَبي
فالجود مِن فَضلٍ لَدَيهِ مُشرِّق / أَبَداً وَمال في البِلادِ مغربِ
لَهِجَ اللِسانُ لِزائريه بِمَرحبٍ / إِنَّ النَدى عنوانه في مرحَبِ
قَد أَخصَبت هممي بِهِ وَلرُبَّما / أَنزَلَت طارِقها بِوادٍ مجدبِ
غربت خَلائقه وَأغرب واصِفٌ / فيهِ فأَغرَب مغرب في مغرب
وَكَأَنَّهُ في كُل معرَكَةٍ لَهُ / ليث لَهُ في فعلِهِ المتغضِّبِ
طابَت مَحائِدُهُ وَكابَ فَأَنَّما / تَزهى العُلى بالطَيِّبِ بن الطَيِّبِ
لَيسَ الدَخيل إِلى العُلى كمعرقٍ / ورث العُلى بأبٍ كَريمٍ عَن أَبِ
تَبدو أَبوته بغرة وجهِهِ / وَعَلى شَمائِلِهِ وَإِن لَم يُنسَبِ
يَفتَضُّ أَبكار المَعاني قائِلاً / أَو كاتِباً وَيديم هجر الثيبِ
متَيقظ أَخشى عَلَيهِ إِذا ارتأى / مِن رأيهِ المتوقد المُتَلَهِّبِ
لما كملت نطقت فيك بِمَنطِقٍ / حق فَلَم آثم ولَم أَتحَوَّبِ
حَتّى لَو أَنَّ الدَهر ظل مُصادِمي / لهددت منكبه الشديد بِمنكبي
في كَفه قلم يَنوبُ بِحَدِّهِ / عَن حد كل مثقَّفٍ وَمشطَّبِ
قلم أَقام وَلفظه مُتداوِلٌ / ما بَينَ مشرقِ شَمسَها وَالمغربِ
وَيَفضُّ ختم كِتابِهِ عن كُتبهِ / كالدُرِّ إِلّا أَنَّهُ لَم يثقَبِ
لِلَهُ آل المغربي فَأنَّهُم / كَنز الفَقير وَنجعة المتأدِّبِ
وَإِلَيهمُ لَو أَنصف الناس انتهت / شُعَبُ الفَصاحة وابتَدت في يَعربِ
أَهل الفَصاحة وَالصباحة وَالرجا / حة وَالسماحة وَالكَلام المعرَّبِ
شَهَروا بِفضلهم وَهَل يَخفى على / ذي ناظِرٍ شِيَةَ الصَباحِ الأَشهَبِ
لَو يَستَرون نفوسهم قال النَدى / لِشَواهِدِ العَلياء قَومي فاخطُبي
قَوم لَهُم صدر الدسوتِ إِذا هَمّوا / جَلَسوا وَإِن رَكبوا فصدر الموكَبِ
لَم تَخلُ أَرض مِنهُمُ مِن صَيبٍ / وَسماء مُجدٍ منهُمُ مِن كَوكَبِ
وَمهذَّبون مُهَذَّبون وَلَن تَرى / في النائِبات مُهَذِّباً كمهذَّبِ
كهف اللَهيفِ وَروض مرتاد النَدى / وَغِنى الفقير وَأوبة المتغَرِّبِ
وَأَبوا عبيد اللَهِ درةُ تاجِهِم / وَسوادُ ناظِرِهِم وَقلبُ المُقَنِبِ
وَلَو أَنَّ إِنساناً مِنَ الناس ادَّعى / لَهُم الفَضائل كُلَّها لَم يكذبِ
هُم حُلَّة المَجدِ القَديم وَجعفر / ما بينهم مثل الطرازِ المذهَّبِ
يا طالِب الرِزقِ الجَزيلَ ومن غَدا / في الناس راجي الفضلِ مِن مُتَطَلِّبِ
لا تطلبنَّ الرِزقَ إِلّا مِنهُموا / فَإِن استربت بِما أَقولُ فجرِّبِ
كَيفَ التأخُّر عَنهم وَلقاؤهم / مِن بَعدِ تَقوى اللَهِ أَنجَحُ مطلَبِ
فلأكسونَّهُم المَدائِحَ مِثلَ ما / قَد البَسوني مِن نَوالٍ مُقِثبِ
مَدحاً تُناشِدُهُ الشيوخُ إِذا خَلوا / طَرباً وَيُنشده الفَتى في المكتَبِ
داموا ودام العز يخدمُ جَدّهم / وَيسُدُّ عنهم كل خطب مُنكِبِ
ما لاحَ ضوء البَدرِ في أُفُقِ العُلى / وَبَدا الصَباحُ فَشَقَّ دِرعُ الغَيهَبِ
أَلَمَّ وَلَيلي بِالكَواكِبِ أَشيب
أَلَمَّ وَلَيلي بِالكَواكِبِ أَشيب / خَيالٌ عَلى بُعدِ المَدى يَتأوَّبُ
أَلَم وَفي جفني وَجفن منصلي / غَراران ذا نوم وَذاك مشطَّبُ
أَعاصي الهَوى في حال نَومي وَيقظَتي / فَسَيّان عِندي وَصلها وَالتَجنُّبِ
لَحا اللَهَ قَلبي مالَه الدَهرَ عاكِفاً / عَلَيها ومن شأنِ القلوبِ التَقلُّبِ
ثوى برهة في ثاية الحيِّ وانبروا / فَوَلَّوا بِهِ في جانِب الظَعنِ يَجنُبُ
لَها مقلة في رؤيةِ العَينِ مُقلَةٌ / وَإِن جَرِّبت فَهي الحُسامُ المُجَرَّبُ
وَأَسودها في القَلبِ أَسود سالِخٍ / وَأَبيضها في الجسم أَبيَضُ مقضَبُ
وَما سُقمُ جفنيها بِضائِرِ طرفها / إِذا صَحَّ غرب السَيف فالجفن يَعطُبُ
وَتصمي قلوب العاشِقين إِذا رَمَت / فَلَيسَ لَها سَهمٌ إِذا مَرَّ يَكذب
وَيرشقها الرامي بِلحظَةِ طرفِهِ / وَيحسب أَنَّ السهمَ يَنمي فَيُنكَبُ
فَيرجَع عَنها ناكِصاً غَيرُ صائِبٍ / وَهَيهاتَ أَن يُردى الجَبانُ المُهَيَّبُ
وَلَم أَنسها تصفرُّ من غربة النَوى / كَما اصفرَّ وجه الشَمس ساعَة تغربُ
فَقَد شفَّ مِن تَحتِ البَراقِعِ وجهها / كَما شَفَّ مِن تَحتِ الجَهامَةِ كَوكَبُ
يبين وَيخفي في السَرابِ كَأَنَّها / سَنا دُرَّة في البَحرِ تَطفو وَتَرسُبُ
وَوَلَّت وَقَد حف الحسانَ بِها كَما / أَخاط بِسَفعاء المَلاطِمِ ربرَبُ
فَلَمّا أَتوا رَوضاً يَرُفُّ تَبَسَمَّت / أَقاحيه فيهِ استَبشَروا ثُمَّ طَّنُبوا
وَضاحكن نَّوار الأَقاحي فَقالَ لي / خليليَّ أَي الأَقحوانين أَعجَبُ
فَقُلتُ لَهُ لا فَرق عِندي وَإِنَّما / ثغور الغَواني في المَذاقَة أَعذَبُ
أَلَم ترني أَصبَحتُ مِمَّن يَروقُهُ / سِنانٌ خَضيب لا بِنان مُخَضَّبُ
يُساعِدني في الرَوع أَبيَض صارِمٍ / وَفي ثغر المَوماة وَجناء ذَعلبُ
أَظَلُّ بِأَجواز الفَلاة كَأَنَّني / عَلَيها عِقاب وَهيَ تَحتيَ مرقب
وَتشكل أَغفال الطَريقِ بحمرَةٍ / مِنَ الدَمِ في أَخفافها حينَ تَنقُبُ
وَإِنّي وَإِن أَصبَحتُ بِالشامِ ثاوِياً / أَحِنُّ إِلى أَرضُ الحِجازِ وَأَطرَبُ
إِذا شَبَّ نار الوَجدِ ما بَينَ أَضلُعي / فَأنّي بِسلوان القَريضِ أَشبِبُ
محبَّبة نَحوي تِهامَةَ مِثلَما / إِلى هبة اللَهِ العَلاء مُحبِبُ
ديار يَطيب العَيش فيها وَإِنَّهُ / لَدى ابن عَليِّ إِن تَأملَت أَطيَبُ
حُسام لَهُ مِن حيث ما شيم مضربُ / غَمام لَهُ من حيث ماشيم صَيِّبُ
لَقَد أَنجبتُ أَباؤُهُ إِذ أَتَت بِهِ / وَكَم مِن نَجيبٍ سَيِّد لَيسَ يُنجِبُ
الأئِمَّةُ في الجودِ لا تعدَلَّنه / عَلى طَبعِهِ فَالطَبعُ أَولى وَأَغلَبُ
لَهُ غِرَّة لِلبشر فيها تَرَقرُق / ترحب بِالعافين قَبلَ يرحِّبُ
وَلَم يَستَفِد بِالمَدحِ ما لَيسَ عِندَهُ / وَهَل يَنفَعُ التَجميل من هو أَشهَبُ
بَل المَدحُ يَنبو عَنهُ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاه يُهجى بِالمَديح وَيُثلَبُ
يَنوطُ نَجادي رَأيه وَحُسامِهِ / بصدر كَمِثلِ البَرِّ بَل هوَ أَرحَبُ
فَيفري بِسَيفِ البأسِ وَهوَ مُجَرَّدٌ / وَيفري بِسَيفِ الرأيِ وَهوَ مُغَيَّبُ
وَيرهِبُ حالي عَبسَهُ وابتسامُهُ / إِذا ابتَسَم الصِمصام فَهوَ مُقَطِّبُ
يَرُدُّ أَديم الأَرضِ أَشقَر مِن دَمٍ / إِذا لَفَّهُ بِالخَيلِ أَشقَر مُغرَبُ
أَغَرَّ كَأَنَّ الوَجهَ مِنهُ مُفضَّضٌ / وَما قارب الأرساغِ وَالكُلُّ مذهَبُ
يَعومُ بِهِ في غمَرةِ الحَربِ سابِحٌ / يُقَرِّبُ بُعدَ الهم حينَ يقربُ
وَيصدق في الهامات إِيماض سَيفِهِ / عَلى أَنَّ إِيماض الصَوارِم خُلَّبُ
كَأَنَّ سِنان الرُمح سِلكٌ بِكَفِّهِ / وَجمع أَعاديهِ الجُما المثقَّبُ
وَيَكشف غَمّاءَ الخطوبِ بِنَفسِهِ / لَدى النَقعِ وَالهَيجاء بالهامِ تحصُبِ
فَتَنظُرُهُ كالنَجم في حَومَةِ الوَغى / وَقَسطلها مِن شِدة الرَكضِ غيهبُ
وَتَشكره أَقلامه ساعَة الرِضى / وَتشكره أَرماحِهِ حينَ يغضبُ
لَهُ قَلمٌ فيهِ المَنِيَّةُ وَالمُنى / وَمِنهُ العَطايا وَالرَزايا تشعُبُ
إِذا كانَ في يُمناهُ نابَ عَن الظُبى / وَهَل يَنثَني في أصبع اللَيثِ مِخلَبُ
تريك المَعالي أَنَّ وفدك مُحسِنٌ / إِلَيكَ وَما تَحوي يَمينك مُذنبُ
فَكَم طَيبٍ تُغني وَعَلياء تَقتَني / ومكرمة تؤوي وَمال تُغرِّبُ
أَبا قاسم قلدتني مِنكَ أَنعُماً / أُقصِّرُ عَن شُكري لَها حينَ أَطنَبُ
وَلَو كانَ لي في كُلِّ مَنبَتِ شَعرَةٍ / لِسانٌ فَصيحٌ عَن مَديحك يُعرَبُ
فَعِش عمرَ هَذا فيكَ فَأَنَّهُ / سَيَبقى إِلى يَوم المَعادِ وَيكتب
يا لَيلَةً شكر الهَوى أَحبابُها
يا لَيلَةً شكر الهَوى أَحبابُها / رَقَّت حَواشيها وَطابَ جنابُها
ما كانَ أَقرَب شَرقَها مِن غَربِها / وَأَقَلُّ ما حجب الصَباح حِجابُها
أَهدَت لَنا أَسماء وَرداً زاهِراً / فيها وَغُصناً يَزدَهيهِ شَبابُها
فَالغُصنُ مِنها ما حَواهُ وشاحها / وَالوَردُ مِنها ما يَضُمُّ نِقابُها
ظَلَّت وَقَد حلت ذَوائب شعرها / بِبنانها فَتَهَدَّلَت أَورابُها
كالجَنَّةِ الزَهراء طافَ بكرمِها / عنابها فَتَناثَرَت أَعنابُها
وَتَبَسَّمَت وَالكأس حَشو بَنانِها / فَرَأَيتُ مِثلَ الكَأس طابَ رضابُها
فَلثغرها وَلريقِها وَلطيبِها / نَفحاتِها وَحبابِها وَشَرابُها
وَالأَقحوان عَلى الشَقائق ناثِرٌ / أَوراقه نثر القُطار سحابها
فَتَراهما كالكأس عِندَ طُلوعِها / هَذا لَهُ راحٌ وَذاكَ حُبابُها
لِلَهِ كاساتٌ ثَلاثٌ جَمَّعَت / لِذاتِها فَتَناسَبَت أَسبابُها
وَلَقَد نعمت بِها لَياليَ لَمّتي / تَعزي إِلى أَهل الضَنى أَنسابُها
حَتّى إِذا لَعِبَ المَشيب بِحُسنِها / عزَفَت لَهُ نَفسي وَزالَ لُعابُها
لي عِندَ أَيامي تُراث لَو غَدَت / مَحسوبَة أَعيا عَليَّ حِسابُها
صاحبتها عشرين حَولاً كامِلاً / سَيراً وَقَد مَلَّ السُرى أَصحابُها
طوراً أَغورُ وَتارَةً أَعلو الذُرى / وَتمُجُّني أَهضامُها وَهِضابُها
وَكَأَنَّني في الغَورِ سِرٌّ ضائِعٌ / وَكَأَنَّني فَوقَ العِقاب عِقابُها
في حَيث لا يَلقى الغَريب غُرابها / أَبَداً وَلا يَرجو الأَياب ذُبابُها
يَرمي الوجوهَ سِهامِها وَالشَم / سُ يَلعَبُ في الفجاج لعابُها
أَلقى بِحُرِّ الوَجه حُرَّ هجيرها / وَكَذاكَ دأبي في الأَصيلِ وَدابُها
في كُلِّ ذَلِكَ أَبتَغي حُرّاً لَهُ / نَفس تَميل إِلى العُلى آدابُها
حَتّى رَأيتُ الكامِل العَلَم الَّذي / عطفت إِلَيهِ مِنَ الأَنامِ رِقابُها
لَمّا أَنخَت إِلى ذراه مؤمِّلاً / هانَت عَليَّ مِنَ الأُمورِ صِعابُها
لِلَّهِ دَرُّكَ أَيُّ كاشِفٍ كُربَةٍ / كثر الجَوابُ بِها وَقَلَّ صَوابُها
يَهديهمُ طُرُقَ الأَصابة بَعدَما / حارََت بِهِ مِن مَعشَر البابُها
رَفَعتُ بِهِمَّتِكَ المَمالِك عَهدَها / وَتَمَسَّكتُ أَقوى العرى أَطنابُها
تَتَساقَطُ الأَعداء حَولَكَ رَهبَةً / وَتَظَلُّ تَرمي بِالدَنيّ غِضابِها
يَبدون عِندَكَ ذِلَّةً وَمَهابَةً / وَإِذا بعد تَكَشَّرَت أَنيابُها
مِثلَ الكِلاب السائِماتِ وَإِنَّما / مِثلَ الكِلاب مِنَ الأنامِ كِلابُها
يَنبَحنَ مِن شَمِّ الهَزبَر وَصَوتِهِ / وَإِذا رَأَتهُ تَحَرَّكَت أَذابُها
لَست الَّذي يَثني عَزائِم بأسِهِ / كيد العداةِ وَلَن يَطنَّ ذُبابُها
زهرت بِكَ الدُنيا وَقر قَرارها / وَصَفَت مَدائِنُها وَطابَ تُرابُها
وَكَشَفَت عَن مَلِكِ المُلوكِ نَوائِباً / يَنتابُ دَولتِهِ وَلا تَنتابُها
فاهتَزَّ مِن بِعدِ الهمودِ عَمودها / وَأَنارَ مِن بَعدِ الخُمودِ شِهابُها
فَمَتى يَكُن أَمن فَأَنَّكَ بابها / وَمَتى يَكُن خَطبٌ فَأنَّكَ نابُها
جاسَت كَتائِبُها الدِيار وَأَوجَفَت / بِالأمنِ فيها خَيلِها وَرِكابُها
وَتَطأطأت هِمَمُ المُلوكِ وَأَسمَحَت / بَعدَ الخَرابِ وَقادَها إِرهابُها
يا ذا الجَلالَةِ والأَصالَةِ وَالَّذي / ضاقَت بِهِمَّتِهِ الدنا وَرِحابُها
عَمَّت أَياديكَ الأَنامِ وَخَصَّني / مِنها بِجودكَ صَفوَها وَلُبابُها
فَلَئن كفرتكها فأنّي كافِرٌ / وَلَئِن جَحدت فَأَنَّني كَذّابُها
وَوَعَدتُ بِالعَملِ الَّذي نَفسي بِهِ / تَصبو وَتَنمي نَحوَهُ أَوصابُها
شيرازُ ضَدٌّ لِلغَريبِ فَأَنَّها / في البَردِ مَصبوب عَلَيهِ عَذابُها
ثَلجٌ يَدومُ فَلا يَقومُ لِبأسِهِ / عِندَ الهُجومِ لبودِها وَجِبابُها
أَنا ضائِنٌ في الناسِ لَيسَ مُوافِقاً / لي مِن شُهورِ الرومِ إِلّا آبُها
فَمَتى أَتى تَشرين فيها عاطِلاً / ذَهَبَت بِهِ نَفسي وَهانَ ذَهابُها
فانظُر إِليَّ بِرحمَةِ أَو فارمِ بي / بَعضَ الفجاج أَلَم تَجي إِخصابُها
قَد كانَ لي في الأَرضِ أَلفُ مَعيشَةٍ / لَو شِئتَ لَم تصعب عَلَيك صِعابُها
لَكِن علمت بِأَنَّ أَكثَرَ مُنِيَّتي / عقدت بِوجهك ذي العَلاءِ رِغابُها
وَالرّأي أَجمَع في الَّذي تَنوي لَها / أَو تَهتَدي لِرَشادِها أَلبابُها
أَرى الشِعبَ فانظر دونَهُ هَل هَوَ الشِعبُ
أَرى الشِعبَ فانظر دونَهُ هَل هَوَ الشِعبُ / وَذا السرب فانظُر عِندَهُ هَل هيَ العُرُبُ
فأن أَنتَ آنَستَ الأَوانِس فاحتَرِز / لَهُنَّ فَكَم صالَت عَلى اللَتم الصَعب
وَحد عَن مَجال اللَحظِ بِاللحظ إِنَّها / إِذا عاهَدَت غَدرٌ وَإِن سالَمتَ حَربُ
ظِباءٌ إِذا شمنَ الظُبى مِن جُفونِها / تَعوَّدَ قَبلَ الضَربِ فيها الفَتى الضَربُ
صَوارِم وَالألحاظُ مِنها صَوارِم / فَهَذي بِلا وَصل وَهاتَيك ما تَنبو
وَما دامَ ذاكَ الحيُّ جارٌ لِحَيِّنا / فَدونَ حِجاب القَلبِ ما ضَمَّت الحُجُبُ
أَأَحبابنا في وَصلِكُم وَبِعادكم / رَجاء وَخَوف هام بَينَهُما القَلبُ
وَإِنّي لألتَذُّ التَجَنّيَ في الهَوى / واعتَدُّ للأسعاف ما ساعف القَربُ
عَلى أَنَّهُ لا يَدخُل البَينُ بَينَنا / فَتَعذيبكم إِلّا بِهِ في الهَوى عَذبُ
وَقَد كُنتُ أَعطَيتُ الهَوى فَصل مَقودي / وَأَسخَطَت عَذّالي فَهَل رَضي الحِبُّ
إِلّا أَيهذا الراكِبُ المزمِعُ الَّذي / دَعاهُ المُحَيّا الطَلقُ وَالموضِعُ الرَحبُ
أَراكَ رَجوتُ العرف مِن حيث تَرتَجي / لَهُ فَهَداكَ العَرف حَيثُ اهتَدى الرَكبُ
عَلى لاحب لَم يَعرِفوا نَصَبَ السُرى / بِحَيث ابن مَحمود حَميد لَهُم نُصُبُ
بِحيث الجَواد الجعد يَستَرفِد النَدى / بِما لَم يَرد معن عَلَيهِ وَلا كَعبُ
بِحَيث الأَمير السالميُّ الَّذي غَدَت / تَذُلُّ لَهُ صَعَب الجَماجِمِ وَالقُضُبُ
بِحيث النَدى لَو جادَت السُحب جودَهُ / عَلى الأَرضِ لَم يذكر بِساحتِها جدبُ
وَيَحتَقِر الهول الَّذي لَو تَمَثَّلَت / لَهُ الأَرض حَرباً ما ثَنَت شأوه الحَربُ
فَتىً حَلَّ مِن قَحطان مَجداً تَلألأت / كواكِبُهُ فاشتاقها الشَرقُ وَالغَربُ
وَما طيىء الأَجيال إِلّا صَواعِقٌ / لِذا الفلك الدَوار وَهوَ لَها قُطبُ
وَآل أَبي الذَوّادِ حسبك أَنَّهُم / إِذا استَنفَروا حَرب أَو انتَجَعوا سُحُبُ
أَو استرفَدوا أَعطوا أَو استَغفِرواعفوا / أَو استُنهُضوا قاموا أَو استَصرَخوا هَبّوا
أَكفهم سبط وأَعراضِهِم حمىً / وَأَحلامهم طود وَأَموالهم نَهبُ
وَأوجههم سعد وَلَكن سيوفهم / إِذا امتَشَقَت أَودَت بِسَطوَتِها الغُلُبُ
شُموسٌ كأَنَّ الأَرضَ حَيثُ تَدَبَّرَت / لَها أُفُقٌ وَالشَرقُ إِذ شَرَقَت غَربُ
لِشبّانِهِم حلم الكهول وَشيبهم / عَلى كُل جَد مُقبِل في العُلى رتبُ
وَتلقى المَعالي وَالسماحُ وَليدَهم / فَيَسمو كَما يَسمو وَيَحبو كَما يَحبو
وواسِطة العقد اليَمانيِّ في النَدى / حميد بن مَحمود وَنائِله العَذبُ
أَيا طيباً غَوث العُفاة دعاكَ مَن / مَوارده رتقٌ وَأَيَّامُهُ إِلبُ
وَمِن كُل ما قَلَّ امرىء شكر نِعمة / حَداه لِسان بِالثَنا فيكِم رَطبُ
تَركتُ بِلادَ الشام رَهن مَكارِمٍ / أَضاءَت لَها تِلكَ السَباسِبُ وَالهضبُ
فَلَو أَنَّها اسطاعَت أَتَتكَ وَأَهلِها / فَقَد شفها شَوقاً إِلى ربعك الحُبُّ
وَلَكِنَّها تَطوي مِن الشَوقِ مُهجَة / عَلى زَفَراتٍ ما زَوَت نارَها تَخبو
فَيَقدِم بِالمثنى إِلَيكَ هَدِيَّةً / كَما يَتَهادى الراتِعَ الماءُ وَالعُشبُ
قفوا جددوا عَتباً عَلى مَن لَهُ العَتبُ
قفوا جددوا عَتباً عَلى مَن لَهُ العَتبُ / فَكَم راغِب في الصَفحِ مِمَّن لَهُ ذَنبُ
قفوا عَرِّجوا عُوجا عَلى ذي صَبابَةٍ / بِأَحشائِهِ نارٌ تأَجَّجُ لا تَخبو
حمى النَومَ عَن عَينيَّ ذكرُ ظِبا الحِمى / فَبانَ الكَرى عَنها وَلَم يَبِن السَكَبُ
ألا في سبيل اللَهِ دَهرٌ فُجعتَه / تُباكِرُني فيهِ المُدامَةُ وَالشُربُ
وَعَيرانَةٍ زَيّافَةٍ تَحذف الحَصى / غَريرية يَغتالها القيد وَاللَصبُ
طَواها الرَدى واجتاحها لازم السُرى / فَلَم يُبقِ فيها لا عَنيقٌ ولا جَذبُ
قطعت عَليها بالدياجي وَبالضُحى / وَفي حومَةِ التَهجيرَ والآلِ مُنصَبُّ
إِلى بَلَدٍ عزت لِعز مُلوكِهِ / مُلوك البَرايا وَالأَعاجِمُ وَالعربُ
بِهِ طيىء طالَت عَلى مُضَرٍ وَلَن / يَقوم لَها في الحَربِ تَغلبها الغلبُ
أَشادَ لَها مَجداً تَليداً مؤَيَّداً / وَشرفهُ الخِرصانُ وَالمرهف العَضبُ
وُجوداً نسينا حاتِم الجود عِندَهُ / وَعَمرو وَلَو تُحصيهِ لَم تَسَع الكُتب
إِذا فَزِعَت أَفراسه نَحوَ جَحفَلٍ / تُقدَّمها الأقبالُ وَالخَوفُ وَالرُعبُ
وَإِن بَّيَتَ الأَعداء أَمراً رَماهُمُ / صَباحاً بَخيلٍ لا تُرَدُّ وَلا تَكبو
عَلَيها رِجالٌ طَيئونَ إِذا اعتَزوا / فَمعنٌ أَخاً وَالخال أَكرِم بِهِ كَعبُ
سَرى بِهُمُ نَحوَ السَراةِ وَقَد طَغوا / وَساقوا إِمام الدينَ وَهوَ لَهُم قطبُ
فَصَبَّحهُم في دارِهِم شَرَّ صُبحَة / عَلَيهم وَقَد وآلاهُمُ الطَعن وَالضَربُ
أَبادَ حُماةَ القَومِ وَاجتاحَ أَرضَهُم / وَلَولاهُ لَم يَطرِق لمعقلِهِم خَطب
وَقَد عَلِمَ المَولى الإِمام بِأَنَّهُ / أَخو عزمة خدامها السبعة الشُهُبُ
بِحَبلِ أَبي الذواد أَصبَحتُ مُمسِكاً / وَحَسبي بِهِ أَن كانَ يَنفَعَني الحَسبُ
أَذادَ الرَدى عَنّي تتابع رفده / وَأَرغَم حُسّادي حباه الَّذي يَحبو
فَأَصبَحت في نُعماهُ غادٍ وَرائح / تَروحُ بيَ الوجنا وَتَغدو بيَ الصُهُبُ
أَمّا آن يُغنيني عَنِ الناسِ كُلِّهِم / فَلَم يَبقَ فيهِم مِن بِجُثمانِهِ قَلب
وَلا سُلكت سُبلُ السَماحِ وَلا اهتَدى / إِلى نَهجِ الأَفضالِ في شامنا نَدبُ
فَكُن أَوحَداً في المَجدِ يا نَجلُ دُغفُلِ / فَأَنتَ وَحيدٌ لا تَضَلُّ وَلا تَصبو
بَقيتَ أَبا الذَوادِ لِلملك وَالعُلى / ومن كنت تَشناه يباكِرُهُ الصَلب
فَدونكها مِن شاعِرٍ لَكَ ناشِر / مناقِب طي حَيثُ لا ينشر الثَلبُ
قَوافٍ زَهَت لَمّا بِمَدحِكَ وُشِّحَت / عَلى الدُرِّ وَالياقوتِ فَهيَ لَها قُلُبُ
إِذا أَنشَدَت في نادِ قَومٍ أَكارِمٍ / يَخِرّونَ للأَذقانِ إِن ذكر الرَبُّ
خَليليَّ قَد طالَ الكَرى بِكُما هُبّا
خَليليَّ قَد طالَ الكَرى بِكُما هُبّا / فَقَد مَرَّ ريعان القطا بِكُما سِربا
وَرَقَّت حَواشي اللَيل واعتَلَت الدُجى / وَعادَ النَدى تندى مَدامِعه صَبّا
كَأَنَّ السُرى وَالصُبحُ يَرقُصُ بِالفَتى / فُؤاد جَبانٍ فوجىء الخَوفُ وَالرُعبا
كَأَنَّ السَما خَرقاء ضوعف زَهرُها / فَفَرَّت كماماً عَن تَرائِبها كَربا
أَثائِرَة بِاللَيلِ أَم هوَ ثائِرٌ / فَقَد سَلَّ في أَعلى مَفارِقِهِ عضبا
أَطيف خَيال العامِريّة خَلِّني / فأن المَعالي ظل أَقسامها نَهبا
وَرُبَّة عسف كان أَنجَح لِلفَتى / وَما عَزَّ أَنف اللَيثِ إِن لَم يَنَل غَصبا
وَقائِلَةٍ ما أَنسَ لا أَنسَ قَولها / وَقَد نَثَرَت مِن جِفنها لؤلؤاً رَطِبا
عذيرك مِن مَفجوعَة قَد تَرَكتُها / لِصَرف الرَدى مِن غَيرِ جُرمٍ لَها نَصبى
أَما ملك مِن دونِ قُرواش في الوَرى / تَنالُ بِهِ مِن عتب أَيّامِكَ العَتبا
فَقُلتُ وَقَد قامَت وَأَطراف جَفنِها / بردني وَدَمعي مِثلَ أَدمعها سَكبا
ذريني أَشِمُّ أَنواءه ثُمَّ كاثِري / بِمالِك حاشا جودِهِ القطر وَالسُحبا
هِمام مَعاذ اللَهِ لَو مد العِدى / إِلى الشَمسِ إِكراماً لَها لَزَهَت عُجبا
تَرى حَولَهُ بيض اللَهى وَدَمِ العِدى / وَسُمرَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القَبا
تَلاقي المَنايا الحُمرُ مِنهُ مَنيَّةً / وَتَجلوا الخُطوبُ الرَبد مِن نابِهِ خُطبا
جِسمي نَحيل بِالحَبِّ وَالحُبِّ
جِسمي نَحيل بِالحَبِّ وَالحُبِّ / ذا مِن رَبيبي وَذاكَ مِن رَبّي
نارانِ نارٌ بِالطِبِّ إِن ظَهَرَت / تَخفى وَنارٌ تَخفى عَن الطِبِّ
مَولايَ مَهلاً فَلَيسَ يَحمِلُ أَن / أَعتَبُ في غَيرِ مَوضِع العَتَبِ
بي جَرَبٌ واقِعٌ مَضاريهِ / أَمضى مِنَ المُرهِفاتِ في النَقبِ
أَغزَر مِن ماء دَمعَتي فَإِذا / يَئِستُ مِنهُ أَحَرّ مِن قَلبي
حرمت مِن لبسة الثِيابِ فَقَد / عُرِّيتُ إِلّا مِن لُؤلُؤٍ رَطبِ
غَيرَ مَتين جِسمي عَلَيهِ إِذا / هاجَ وَصُلبي فَلَيسَ بِالصَلبِ
كَأَنَّ كَفيَّ في اشتِباكِهِما / جَيشانِ حَفا بِالصَعن وَالضَربِ
وَلَيسَ غَيرَ الأَظفارِ بَينَهُما / مِن أَسمَرٍ ذابِلٍ وَمِن عَضَبِ
كَأَنَّما أَنمُلي إِذا سَرَحَت / في صَخرِ جِسمي الخُيول في الحَربِ
فَتارَةً في اليَمينِ معكسه / وَتارَةً في الشِمالِ وَالقَلبِ
حَتّى إِذا اللَيلُ زارَ كنت بِهِ / مُلقىً عَلى الظَهرِ أَو عَلى الجُنُبِ
كَأَنَّ جِسمي غَنيمَة وَيَدي / بِالحَكِّ فيهِ تَجوبُ في نَهبِ
فَكُن عذري أَما مُحمَد المَأمو / ل واعفوا عَن مُذنِبٍ صَبِّ
فَما عَلى ما شَكَوتُ مُحتَمَل العَت / بِ فاصفَح وَعدِّ عَن ذَنبي
الحِلمُ أَولى بِمَن شابَت ذَوائِبُهُ
الحِلمُ أَولى بِمَن شابَت ذَوائِبُهُ / وَالحَمدُ أَحرى بِمَن دامَت تَجارِبُهُ
وَالمَرءُ مَن لَم يَضِق ذَرعاً بِنائِلِهِ / وَلا يَرى الهَول إِلّا وَهوَ راكِبُهُ
فَإِن تَعَذَّرَ مطريه وَمادِحه / أَتى إِلَيهِ مرجِّيهِ وَنادِبُهُ
أَبا العَلاء الَّذي جَلَّت مآرِبُهُ / مِن قبل قَصدي لَهُ دَرَّت سَحائِبُهُ
لَولا المطهَّر ما تَهدي أَنامِلُهُ / إِلى العُفاةِ يعافُ الشعر صاحِبُهُ
يَجودُ بِدءاً وَعوداً قَبلَ تسأَلَهُ / فَإِن سَأَلتَ فَنَل ما أَنتَ طالِبُهُ
إِن أَخلَف المُزنَ لَم تَخلِف أَنامِلُهُ / أَو أَمسِك الغَيثَ لَم تُمسِك مَواهِبُهُ
مباركُ الوَجهِ مَيمونُ النَقيبَةِ / وَهّابُ الرَغيبَة مَعدومُ ضَرائِبُهُ
يُريكَ في بدءآتِ الرأي أَحسَن ما / يأتي بِهِ بَعدَ أَحوالٍ عَواقِبُهُ
يا كاتِباً جَرَتِ الأَقدارُ حينَ جَرَت / أَقلامُهُ في الوَرى شاعَت مَناقِبُهُ
قَضَت عَلى المالِ لِلعافي أَنامِلُهُ / كَما قَضَت في أَعاديهِ قَواضِبُهُ
وَواجِد طرقاً لِلحَمدِ واصِفُهُ / وَعادِمٍ طُرُقات الذَمّ عائِبُهُ
لا يَغفَل الخَير ما لاقيتَ غُرَّتُهُ / بِحَيثُ حَلَّ وَلا تَدجو غَياكِهبُهُ
وَكَم مِن أَخٍ لَو حَرَّمَ الماء لَم أَكُن
وَكَم مِن أَخٍ لَو حَرَّمَ الماء لَم أَكُن / لَهُ وَلَو أَنّي مُتَّ ظَمآن شارِبا
فَظَنَّ بِهَذا وِدَّهُ لي تَطَوعَاً / وَودّي لَهُ فَرضاً عَليَّ وَواجِبا
فاعتَقَني ذا الظن مِن سوءِ مُلكِهِ / وَكُنتُ لَهُ عَبداً فَأَصبَحتُ صاحِبا
وَمَن ظَنَّ ألّا بُدَّ مِنهُ أَرَيتَهُ / بِصَبري عَنهُ ذَلِكَ الظَنُّ كاذِبا
أَبيحَ لِخلّي مِن فُؤادي جانِباً / وَأَترُك لِلهُجرانِ إِن كانَ جانِبا
عَلى أَنَّني أَلقاهُ بِالبِشرِ حاضِراً / وَأَحفظه بِالغَيبِ إِن كانَ غائِباً
وَتِلكَ سَجايا لي أَعَمُّ بِها الوَرى / وَأَشرُك فيهن العِدى وَالأَقارِبا
مَقدودة غَضَّة الشَباب
مَقدودة غَضَّة الشَباب / أَرَق مِن رِقَّةِ الشَرابِ
خافَت عَلى الوَردِ وَجَنَتاها / فَغَطَّت الوَردَ بِالنِقابِ
وَعاتَبتني وَأيُّ شَيءٍ / في الحُبِّ أَحلى مِن العِتابِ
وَلَيل كَسا الآفاقُ ثَوبَ ظَلامِهِ
وَلَيل كَسا الآفاقُ ثَوبَ ظَلامِهِ / وَآلى يَميناً في الإِقامَةِ يَمكُثُ
ثَويَت وَقَلبي فيهِ لِلهَمِّ حَلقَةٌ / أَكابِدُهُ وَالخَوفُ بِالنَفسِ يَعبَثُ
أُصَبِّرُ روحي لا تُراعي واصبِري / سَيدركه نور الصَباح فَيحنَث
أَبى زَمَني مَذ شِبتُ أَلّا تَعَوُّجا
أَبى زَمَني مَذ شِبتُ أَلّا تَعَوُّجا / وَأَهل وِدادي فيهِ أَلّا تبهرُجا
كَأَن لَم يَشِب فيهِ سِوايَ وَلَم يَكُن / عِذاري وَرَأسي حالك اللَون أَدعَجا
وَلَم أَكُ كالخَطّي أَو غصن بانَةٍ / كَساها بِها فَصل الرَبيع وَدَبَّجا
بِنوّار نَورٍ يَطَّبي أَعيُن المَها / وَيَفتن ذا الأَلباب بِالشَكل وَالشَجا
سَقى مَعهَداً كُنّا بِهِ زَمَن الصِبا / مقربة سَحاً وَهاداً وَأَمرَجا
وَعَهدي بِهِ قَبلَ افتراق فَريقنا / وَأَنداؤُهُ كالبَحرِ لَمّا تَموَّجا
بِأَقيال قَحطان وَأساد عامِر / وَفُرسان كَلب كالوَشيج الموشَّجا
خَفاف إِذا اِستَصرَختُهُم عَن جِنايَة / إِلى النَقع لا يَلوون عَنها تعرجا
يَمدون بِالخُطِّ الذَوابِل أَيدياً / مَعودة طَعن الكميِّ المدجَّجا
عَلى كُلِّ خَنذيذٍ طِمَرِّ نخاله / إِذا مزعت يَوم الكَريهة أَعوَجا
يَعفُّونَ عَن أَسلاب مَن رام حربهم / وَيَقتَسِموا الأَرواح قَسماً مَلهوجا
أَسائلتي عَن مَشهَدٍ جَلَّ ذِكرِهِ / قَضى كُلَّ نَيل أَو ذِمامٍ فَأَثلَجا
أَتَتنا كِلابٌ في تَميم وَتَغلِب / وَأَحيا نميراً وَالقشيريَّ عَرفَجاء
يؤمهم عطّاف يَطلُب ثأرُهُ / فَأَوردهم وَرداً وَبيّا موهَّجا
سَقاهُم حياض المَوت بدر عَلى ظَماً / بِهندِيَّة تَفري الحَديد المنسَّجا
إِذا أَغمَدَت عَن مَعشَر عاد مِنهُما / وَإِن جرِّدَت في جَحفَل عاد منفجا
بِأَيدي كِرامٍ مِن ذَؤابة طيىء / وَبحتر مَع رَهط الوَليد وَدعلجا
يؤمهم البَدر الفَتى ابن رَبيعة / وَقَد صَمَّمَ الرمح الأَصم وَأَرهَجا
عَلى هَيكَلٍ وَردٍ كَأقطم تَلَّةٍ / سَليم الشَظا لا ذي نَساءٍ وَلا وَجا
يُنادي كِلاباً وَالقَبائِل كُلها / وَهُم سامِعوه مفصحاً ما تلجلجا
أَنا ابن الَّذي لا يَخمِد الدَهر ناره / ولا أَوقَدت إِلّا لِتَهدي إِلى النَجا
إِلى راسِيات ما تَنام طُهاتُها / وَمقراة نُبلٍ ما تَغِب المودَّجا
ملكنا جَميع الأَرض مِن بَعدِ جُرهم / وَكانَ لَنا مِن غار فيها وَهملجا
وَجاءُوا إِلَينا يَطلُبون ذِمامَنا / مِنَ الشَرقِ وَالغَربِ المُمَنَّعِ وَالنَجا
فَنَحنُ رؤوسٌ وَالخَلائِقُ كُلَّها / لَنا تبعٌ إِلّا النَبيَّ المُتَوَّجا
وَأَبناؤُهُ مِن فاطِم وَعَليّة / أَئمتنا الهادونَ أَوضَح مَنهَجا
وَكَرَّ عَلَيهِم كَرَّة حميرية / أَبادهمُ بالسَيفِ طراً فَأَزعَجا
فَكُنّا كَبازيِّ هَوى نَحوَ دَردَقٍ / مِنَ الطَير مُنقضٍ فَكُلٌ تَثَبَّجا
وَخَلَّفهم بِالقاعِ صَرعى تنوشهم / وَحوش الفَيافي ما لَهُم مِنهُ مُلتَجا
وَأَشبَع ذِئباً جائِعاً مِن جُسومِهِم / وَضَبعاً وَنِسراً قَشعَمياً وَزَمَّجا
حَكَمَت عَلَيهم بَدر أَعدَل حاكِم / بِقَتلِكَ مِن زَمَّ المَطيّ وَأَسرَجا
جَعلتَ رَحا الحَربِ العَوان عَلَيهِم / تَدور فَما في القَومِ مِن فيهِ مُرتَجى
مَلأت بروج الحَربِ مِنهُم مع الرُبى / فَلَستَ تَرى إِلّا قَتيلاً مُضَرَّجا
وَأَلحَقت مِنَ أَلفَيتَ مِنهُم نَزاهَة / كَتائِب رَوعٍ أَلحَقَتهُم بِمَن نَجا
فَمَن كانَ حلي السَيف مِنهُم مآبَهُ / كَأنّ حَليَّ السَيفَ قُلباً وَدُملجا
فَيَلبِس مَصبوغ الغَواني وَيَبتَغي / مِنَ التِبر خَلخال يَروق مدملجا
أَبا النِجمِ يا بَدِر الدُجى ابن رَبيعَة / ليهنك فَتح في الكِلابينَ أَفلَجا
فَما بَعدَ هَذا الحَرب لِلحَربِ عَودة / فَمَن عادَ عُدناهُ إِلى الحيِّ أَعرَجا
إِلَيكَ رَماها الصدق مِن قَبل مادِحٍ / غَدافية يَضحى بِها الشعر مدرجا
إِذا أَنشَدَت في نادِ قَومٍ تَضَوَّعَت / بيومهم نَدّاً وَفاحَت بنفسَجا
عَفى طَلَلٌ بِالرّامَتينِ وَمنهَجُ
عَفى طَلَلٌ بِالرّامَتينِ وَمنهَجُ / يَجودُ لِعَينٍ لا تَفيضُ وَتَنهَجُ
وَبُعداً لِقَلبٍ لا يَذوبُ صَبابَةً / وَلا كَبدٍ إِلّا وَتُكوى وَتُنضَجُ
تَناوحَتِ الوَرَق الحَمامُ فَهِجنَ لي / وَساوِس وَجدٍ في الفُؤادِ تَهيَّج
وَقَفَت بِهِ وَالمقلَتانِ كَأَنَّما / أَفادهما صَوبٌ مِنَ الغَيث زَيرَجُ
تَذَكَّرتُ عَيناً كُنَّ فيها بِعَينها / عَشِيَّة تَدنو كُلَّ عَيناء تَحرجُ
وَرامَ العَزا لَمّا تَذَكَّرَت ريمها / لِرَبّاتِ أَجيادِ الغَلاصِم تولَجُ
فَقُلتُ وَقَد كانَ الفُؤادُ يطيره / بَلابِل أَحياهُنَّ شَوق يُؤَجَّجُ
لتهنَ رياض الحُزنِ لَمّا حلِلنَها / كَرائِمَ بِكرٍ جادَهُنَّ المُثَجَّجُ
عَزائِزَ لَم يَخدمنَ بَعلاً ولا أَباً / يُجاذِبهنَّ العَبقَريُّ المدَلَّجُ
وَيُخجِلنَ إِن باسمنُ مُبتَسِم الرُبى / أَقاحيهِ مِنهُنَّ الأَقاحِ المُفَلَّجُ
وَيكسبها نَشراً ذَكياً كَما كَسا / مَجاسِدهُنَّ العَنبرَ المُتأرِّجُ
خَليليَّ هَذا مَنهل الهزل فارشُدا / فَلي في طَريق الجَدِّ وَالهَزَل مَنهَجُ
وَقائِلَة لَمّا رَأتني مُشَمِّراً / وَقَد رابني ريب الزَمانِ المُسَرِّجُ
أَفي أَيِّ وَجهٍ تَبتَغي لَكَ ناصِراً / أَما تَرعوي عَمّا عزمت وَتفرج
أَفي الحَقِّ أَن تَعدو عَلى الدهر إن سَطا / فَقُلتُ لَها مَهلاً فَأَينَ المفرجُ
بِمَنهَجٍ بيت اللَهِ وَالحَرَم الَّذي / تقاد لَهُ البَدَنُ العُلاكِم تَبلجُ
وَحَيثُ اِلتَقَت شُحب المطي بَعدَها / سَواجِم ما بَينَ الضَعائِن وَلَّجوا
لَئِن بلغتنيه اللَيالي وَجادَ لي / نِداهُ الَّذي في جودِهِ لا يُهَجهِجُ
لِيَرجِعُ دَهري صاغِراً عَن مَساءَتي / وَيَرجِع مِنَ بعد الهَرير يُحشَرِجُ
وَأَنّي يَطيقُ الدَهر إِذ حَشَّ مَن رَجا / بِظِلِّ أَبي الذَوّادِ يَزهى وَيَهدُجُ
يكشفه عَن ذي الغَرارين عزمة / وَمِن درعِهِ بدر الذُجى يتبلَّجُ
إِذا الرّأي مِن ذي التاجِ هامَ بِمُلكِهِ / فَأَرواهُ في المكرمات تَبلُّجُ
فَتىً قَلَدَّتهُ المكرمات تَمائِماً / مِنَ الحَمدِ تَنمو كُلَّ يَوم وَتبهَجُ
وَمَلَّكهُ بيض الأُمورِ وجوهها / يَداهُ وَرأيٌ في المُلِمّاتِ مُسرَجُ
حَوى طُرقات المَجدِ في كُلِّ مَشهَدٍ / فَلَيسَ لَهُ إِلّا إِلَيهِ معرَّجُ
فَلَولا إِمرؤ نالَ الثُرَيّا بِسؤدد / لأَصبحَ ما بَينَ السماكين يَعرُجُ
إِلَيكَ أَبا الذَوّادِ رَمَت مِن الرَجا / رِكابٌ هَداها واضِحٌ لَكَ أَبلَجُ
قطعت بِها حَرَّ الهُمومِ فَأَصبَحَت / بِبَحر نَدىً مِن راحتَيكَ تأجُجُ
وَلَم تَكُ حَتّى استَيقَنَت أَنَّ قصدها / مَنازِل رَوّاد العُلى تَتأَرجُ
وَعَزوى لِدَهرٍ يا ابن جَرّاحَ ساءَني / وَأَنتَ بِقُربي لا تَغار وَتحرجُ
أَرحَت نَفسي مِن عداة الملاح
أَرحَت نَفسي مِن عداة الملاح / لِليأسِ روح مِثلِ روحِ النَجاح
وَرُبَّما حَكَّمَت في مُهجَتي / نَشوان مِن ماء الصِبا وَالمراح
وَكَيفَ لا تُدرِكُهُ نَشوَةٌ / وَاللَحظُ راحَ وَجَنى الريق راح
لَو لَم تَكُن ريقَتُهُ خَمرَةٌ / لَمّا تَثنىَّ عطفه وَهوَ صاح
يَبسِمُ عَن ذي أَشَرٍ مِثلَما / يَلتَقِط الظَبيُ بِفيه الأَقاح
تُهدي الصَبا رَيّاهُ مِن رَوضَة / تَظَلُّ أَحياناً وَحيناً تراح
أَنيقَةٍ يَجمَعُ أَرجاؤُها / بيضُ المَقاصيرِ وَبيضُ الأَداحِ
وَلَو دَرى مسرى الصَبا نَحوَها / سَد مِنَ البُخلِ مَهَبِ الرِياح
كَم مَرَّةٍ أَعجَزَنا حِلَّهُ / فَساقَهُ النَوم إِلَينا سِفاح
أَفلَتَهُ مِنّي وَقَد صِدتُهُ / بِرَقدَةٍ صَوت مُنادي الفَلاح
تُسلِبنا اليَقظة ما زَفَّهُ / لَنا الكَرى مِن كُلِّ خود رَداح
فَنَحنُ في نَومٍ وَفي يَقَظَةٍ / بَينَ دَنوٍ مِنهُمُ وانتِزاح
وَمَوقِفٌ لَولا التَقى لالتَقى / فيهِ نَجادي ونظّام الوشاح
قُلتُ لِخلي وَثغور الرُبى / مُبتَسِماتٍ وَثغور المِلاح
أَيُهُما أَحلى تَرى مَنظَراً / فَقالَ لا أَعلَم كُلُّ أَقاح
كَيفَ رَجوعي في الهَوى بَعدَما / خَلَعته خَلع رِداء فطاح
وانجاب عَن فوديَّ لَيل الصِبا / لِكُلِّ لَيلٍ مُدلَهِمٍّ صَباح
فازوَرَّت البيضُ بِأَبصارِها / مَطروفَةً عَنّي وَكانَت صِحاح
مَن كانَ يَهواكَ لِشَيءٍ مَضى / إِذا مَضى عَنكَ تَوَلّى وَراحَ
وَخَلَّهُ أَظهَرَ ما أَضمَرَت / سَيري فَقالَت أَقلىً وَاطِّراح
فانحَلَّ سِلكَ الدَمعِ في ثَغرِها / فَشَجَّت الخَمرُ بِماءٍ قراح
وَلَيسَ يُمضي عَزمَتي لَو دَرَت / مُغرٍ وَلا يَعطِفها قَولَ لاح
لَو علمَت أَن العلى في السُرى / قالَت عَلى الرَشد انحَ ما أَنتَ ناح
آلَيت استَسقي سِوى مَنصِلي / إِن الغَوادي بِمُرادي شحاح
المَجد شرب لَم يَزَل ماؤُهُ / مُرَقرِقاً فَوقَ صفاح الصفاح
لِكُلِّ مُعتادٍ ضراب العدى / مِن فَوق مُعتاد ضَريب اللِقاح
يُديرُ وَالمَوت لَهُ فاغرٌ / طَرَفاً فَوقَ طرف وَقاح
يَنصُل في الطَعنِ حراب القَنا / كَأَنَّها أَلسِنَة في الجِراح
يَعتَصِبُ المَجد عَلى نَفسِهِ / وَقَد يُبيحُ الطَعن غَيرَ المُباح
وَمجهل مُشتَبِه طرقه / كَأَنَّما هُنَّ خُطوط بِراح
يُسعِدُني فيهِ وَفي غَيرِهِ / ذو صُدورٍ كفلاة فِساح
كَأَنَّما أَشباح أَنضائنا / قِسيٌّ نَبع وَكَأنّا قداح
حَتّى اجتَلَينا بَعدَ طولِ السُرى / بغرَّة الكامِل وَجه الصَباح
فَقالَ لي صاحِبي أَبدَرُ السَما / فَقُلتُ لا بَل هوَ بَدرُ السَماح
ينبيك عَن سؤددٍ بشره / مَخائِل السُؤدَدِ خَرس فَصاح
صَعب إِباء النَفس سَهل النَدى / إِنَّ المَعالي شَدَّةٌ في سَماح
هَل يَقبَل الضَيم فَتىً حَيَّهُ / في الكُفرِ والإِسلامِ حَيُّ لِقاح
يَذكُر التيجان آباءُهُ / بِهِ وَتِلكَ القَسمات المِلاح
إِذا رَأتهُ قلقَت هَزَّةٌ / كَأَنَّما في كُلِّ تاج جناح
تَبكي لكَسرى وَتَرا آي ابنَهُ / فَيَستَحيل الأرتياع ارتِياح
فَهَل تَرى التيجان مِنهُ عَلى / بَدرٍ لِبَدرٍ التَمِّ مِنهُ افتِضاح
يَختِم ما استَفتَح آباؤهُ / وَلِلعُلى خاتِمَة وافتِتاح
قَد عدل الدَهرُ بإِعلائِهِ / وَكُلُّ ما في الدهر ظلم صِراح
واصطَلَحَ الناس عَلى فَضلِهِ / واختَلِفوا بَعدُ فَلَيسَ اصطِلاح
شَرَّفتُ نَفسي باِمتِداحي لَهُ / فَقَد تَعَجَّلَت ثَوابُ امتِداح
لَمّا أَناخ الجودَ في كَفِّهِ / نادى بِأَعلى صَوتِهِ لا بَراح
في كَفِّهِ أَحيا وَمِن كَفِّهِ / أَحشَر إِن حُمَّ القَضاءَ المُتاح
مُقَسَّم الخاطِرِ مَكدوده / في تَعب مِن مَجدِهِ لا استِراح
يَطمَح مِن عِزٍ إِلى آخَرٍ / دامَ لَهُ العِزُّ وَدامَ الطِماح
في عَسكَرٍ مِن نَقسِهِ رأيهِ / رايَتِهِ إِن عَلِم الحَربُ لاح
يَهزِم مَن زاحَمَ عَن أَنفُسٍ / مُكَلَّمات وَجُسوم صِحاح
قَد يَغلِبُ المَرءُ بِتَدبيرِهِ / أَلفاً وَلا يَغلِبهُمُ بِالسِلاحِ
وَلِلمُعادي رُتَبٌ في العِدى / الرأي ثُمَّ الكيد ثُمَّ الكِفاح
وَلَيسَ بَعدَ الحَربِ مِن غايَةٍ / هُنَّ حُظوظ مِثلَ ضَربِ القِداح
وَلا يُبالي عِندَ فَلِّ العِدى / أَهيبَة فلتهمُ أُمَ رِجاح
حامى عَن المُلكِ فَأَضحى حِمىً / مِن بَعدِ ما شارَف أَن يُستَباح
فَصارَ عَريناً لِلَيث الشَرى / وكانَ مَرعىً لِلسوام المراح
يُوَفِّر الأَمر أَلا إِنَّما / رَأسان في تاج خِلاف الصَلاح
ثُمَّ اِنثَنى إِذ كَفَروا سَعيَهُ / لكل مطواعٍ ذَلول جِماح
ذو سَحب تنبت أَعداءَهُ / وَحاسديه في جَميع النَواح
وَالفَضلُ مَحسودٌ وَقَد حازَه / فَما عَلى حاسدِهِ مِن جُناح
كَم ناقِصٍ ترجم عَن فاضِلٍ / دَلَّ عَلى بَيت كَريم نُباح
وَمَن رأى تاج المَعالي عَلى / مَفرق لَيث فَوقَ طَرَف النَجاح
قَد نالَ بِالأَقلام ما قَصَّرت / أَو قَصُرَت عَنهُ طوال الرِماح
مِثلَ الأَفاعي الرَقش أَقلامُهُ / فَهُنَّ دُرياق وَسُمٌّ ذباح
إِن لمس الطرس بِأَطرافِها / فاضَ نَوالاً وَبَياناً وَساح
وَشمت مِن أَنمله أَبحراً / لؤلؤهنَّ الكَلِمات الفِصاح
حكمة آبائك مِن فارِسٍ / كَسَوتها لَفظ قُرَيش البِطاح
يُظهِر آلأوكَ إِخفاؤها / إِنَّ النَدى مِسك إِذا صين فاح
وَالعُرف بَدر كُلَمّا اسدَفَت / لَهُ لَيالي الجحد زادَ اتِضاح
قُل لِبَني الآمال هَبوا فَقَد / هَبَّت بِكُم بابن عَلي رِياح
مَحا بِهِ الدَهر إِساءآتِهِ / تَنَصُّلاً وَالدَهر واحٍ وَماح
يا ابن علي أَعدني بِالغِنى / كَمِثلِ ما أَعديتَني بِالسَماح
طارَ إِلى العَلياء قَوم وَما / قَصَّرتُ لَكِن كَيفَ لي بِالجَناح
دونَ العُلى ملحمة صَعبَة / سِلاحُها المال وَمالي سِلاح
آن لِجادي الغَيث أَن يَجتَدي / وَمُستَميح البَحر أَن يُستَماح
فاسلم وَعِش في رفعَة نَجمها / في فلك العِز حليفَ النَجاح
وَدَم كَما أَنتَ فَما بَعد ذا / لِمَن دَرى كَيفَ المَعالي اقتِراح
في عَزِّ إِقبال وَيُمنٍ وَفي / ظِل سُعودٍ يَقتَدي بِالصَلاح
ما شَق نور الفَجر درَع الدُجى / وَما دَعا في الأَيك طَيرٌ وَناح
لَو جادَهَنَّ غَداةَ رَمَن رواحاً
لَو جادَهَنَّ غَداةَ رَمَن رواحاً / غَيث كَدَمعي ما أردن بَراحا
ماتَت لِفَقد الظاعِنينَ دِيارهم / فَكَأَنَّهُم كانوا لَها أَرواحا
وَلَقَد عَهِدتَ بِها فَهَل عوَ عائِد / مَغدىً لِمُنتَجَع الصِبا وَمَراحا
بِالنافِثاتِ النافِذاتِ نَواظِراً / وَالنافِذينَ أَسِنَّة وَصِفاحا
وَأَرى العُيونَ وَلا كَأَعيُن عامِرٍ / قَدراً مَع القَدر المُتاح مُتاحا
مُتَوارِثي مَرَض الجُفون وَإِنَّما / مَرَض الجُفونَ بِأَن يَكُنَّ صِحاحا
مَن كانَ يكلف بالأَهِلة فَليَزُر / وَلدي هِلالٍ رَغبَة وَرِباحا
لا عَيب فيهِم غَيرَ شُحِّ نِسائِهِم / وَمِن السَماحَة أَن يَكُنَّ شِحاحا
طرقته في أَثوابِها فجلَت لَهُ / وَهناً مِنَ الغُرَرِ الصِباح صَباحا
وَبَسمن عَن بَرد تَآلف نظمه / فَرَأيت ضوءَ البَرقِ مِنهُ لآحا
أَبرَزنَ مِن تِلكَ العُيون أَسِنَّة / وَهَززن مِن تِلكَ القُدود رماحا
يا حَبَّذا ذاكَ السِلاح وَحَبَّذا / وَقت يَكون الحسن فيهِ سِلاحا
بيضٌ يَلحَفها الظَلام بُجُنحِهِ / كالبَيضِ لَحَّفَها الظَليم جِناحا
ما عِندَهُنَّ العَيشُ إِلّا رَوضَة / صَنع الوَلي لِنورِها مُفتاحا
يَلثَمن فيها الأُقحُوانَ بِمثلِهِ / عَبثاً وَإِعجاباً بِهِ وَمَراحا
وَيَميلهن مِنَ الصبا أَنفاسِها / فَتَخال أَنفاس الرِياح الراحا
يَترُكنَ حَيثُ حَلَلن وَهي لَطيمَة / مِمّا نَثرنَ بِهِ العَبيرَ فَطاحا
يَهدي ثَراهُ إِلى البِلادِ وَرُبَّما / حَيَّت بِرَيّاهُ الرِياح رِياحا
عَجنا بِهِ هَلكى فاهدَت ريحَهُ / أُصُلاً إِلى أَجسادِنا الأَرواحا
أَبصَرتُ وَصل الغانِيات وَغِبَّهُ / فَرأَيتَهُنَّ وَإِن حَسُنَّ قِباحا
واعتَضتُ مِن طَرفي الجموحِ إِلى الصِبا / طَرفاً إِلى فلك العُلى طَمّاحا
أَهوى الفَتى يُعلي جِناحاً لِلعُلى / أَبَداً وَيَخفضُ لِلجَليسِ جَناحا
وَأَحبّ ذا الوَجهَينِ وَجهاً في النَدى / نَدياً وَوَجهاً في اللِقاء وَقاحا
وَفَلاً كَأعمار النسور مسحتها / بيد المَطِيَّة أَعيَت المُسّاحا
خاضَت غِمار سَرابها فَكَأَنَّها اب / ن الماءِ خاضَ لِصَيدِهِ الضَحضاحا
وَإِلى ابن عَبد الواحد القاضي اغتَدَت / بَلَداً كَساحَة صَدره فَيّاحا
شكلت مَناسِمها الطَريق بِحُمرَةٍ / نُقطاً فَأَوضَحَت الفَلا إِيضاحا
فَأَتَتهُ قَوساً فَوقَها مِن رَبِّها / قِدح إِذا كانَ الرِجال قداحا
مَغبوطَة بِهِزالِها في قَصدِهِ / وَمِن المَفاسِد ما يَعُدنَ صَلاحا
فَرأيت مِنهُ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ / سَعد لأيام الإِمامَةِ لاحا
وَالحاكِم المَنصور أَسعَدَهُم بِهِ / عُمراً وَأَكثَرَهُم بِهِ إِنجاحا
قَد صيغ مِن كَرَمٍ فلويد باخِلٍ / لَمسته فاضَت بِالنَوال سماحا
وَكَذاكَ يَنقَلِب الظَلام بِأَسرِهِ / نوراً إِذا ما جاوَرَ المِصباحا
لَو مَسَّ مِن إِقبالِهِ حَجَراً جَرى / ماءً عَلى ظَهرِ الثَرى طَفّاحا
فازرَع رَجاءَك كله بِفنائِهِ / فَإِذا زَرَعَت فَقَد حَصَدَت نَجاحا
يَرمي الكَتيبَة بِالكِتاب إِلَيهِم / فَيَرون أَحرفه الخَميس كِفاحا
مِن نِقسِهِ دُهماً وَمِن ميماتِهِ / زَرَداً وَمِن أَلفاتِهِ أَرماحا
ساسَت أَقاليم الوَرى أَقلامه / فأَجَمَّ أَطراف القَنا وَأَراحا
يَمجُجنَ ريقاً إِن أَردت جَعلته / شُهداً وَإِن أَحبَبت كانَ ذُباحا
ما زالَ هَذا الثغر لَيلاً دامِساً / حَتّى طَلعتَ لِلَيلِهِ إِصباحا
فَجلت لَهُ الأَيام بَعد عُبوسِها / وَجهاً كَوجهِكَ مُشرِقاً وَضّاحا
وَحَكَمتَ في مَهجِ العَدُوِّ بِحكمَةٍ / قُرِنَت بِرأيك غدوَةً وَرواحا
فَسفكت ما كانَ الصَلاح بِسَفكِهِ / وَحقنتَ بَعضَ دِمائِهِ استِصلاحا
فوفود شكر المُسلمين وَغيرهم / تأتي إِلَيكَ أَعاجِماً وَفِصاحا
غادَرَت أَسَد بَني كِلاب أَكلبا / إِذ زرتهم وَزئيرهن نباحا
قبسوا غُداةَ أَبي قَبيسٍ جمرة / لِلحَرب لاحَ لَهُم بِها ما لاحا
فَنَسوا النِساءَ وَدَمَّروا ما دَمَّروا / وَرأوا بقا أَرواحِهِم أَرباحا
يَتلو هَزيمَهُمُ السِنانُ كَأَنَّهُ / حَرّان يَطلب في قِراه قراحا
وَالسُمر قَد لفتهمُ أَطرافِها / لفاً كَما اكتَنَف البنان الرّاحا
فَمُعَفِّر جَسَد الحَياة وَهارِب / جَسَد الرُفات القبر وَالصّفاحا
حَتّى إِذا اقتَنَت القنا أَرواحهم / قَتلاً وَفَرَّقَت الصفاح صفاحا
رَفعوا أَصابِعَهُم إِلَيكَ وَنَكَّسوا / أَرماحهُم فَثنين مِنكَ جِماحا
وَتَركت أَعينَهُم بصورٍ في الوَغى / صوراً وَقَد جاحَ الوَرى ما جاحا
فَغَدوت قَد طَوّقتك حمدك حامِداً / وَمُقَلِداً قلدت مِنهُ وِشاحا
شاءَ المُهَيمِن أَن تَسير مُشرِفاً / حلباً فَقيض ما جَرى وَأَتاحا
وَأَرَدتَ إِصلاح الأُمور فَأُفسِدَت / فَنهضت حَتّى استَحكَمَت إِصلاحا
كانوا يَرونكَ مُفرَداً في جَحفَلٍ / وَوَراء صور إِن نَزَلتَ بَراحا
إِنَّ النَفيس وَلَو أَبيحَ أَبى لَهُ / عِزُّ النَفاسَة أَن يَكون مُباحا
أَنّى تَروم الروم حَربُكَ بَعدَما / صَلِيَت بِحَربِكَ محرباً مِلحاحا
لَم يَرم قَطُّ بِكَ الإِمام مُراده / إِلّا جَلَوتَ عَن الفَلاح فَلاحا
وَلَقَد غَدَوتَ أَبا الحُسَين لِجَيشِهِ / لِلقَلبِ قَلباً وَالجَناح جَناحا
يا مانِح الأَعراض مانِع عَرضِهِ / نَفسي فُداؤُكَ مانِعاً مَنّاحا
وَإِذا أَتَيتَ فَضيلَة أَخفيتَها / حَتّى كَأَنَّكَ قَد أَتَيتَ جُناحا
لِلعُرف عَرف نَشرِهِ في سَيرِهِ / كالمِسكِ مَهما ازدادَ صَوناً فاحا
وَأخ دعوتك بَعدَ طولِ نُعاسِهِ / فازتاع نَحو الجَرسِ ثُمَّ ارتاحا
نازَعتُهُ فيكَ القَوافي فانتَشى / فَكَأَنَّما نازَعته الأَقداحا
مَدحاً يُصَدقه فَعالَك آنِفاً / إِنَّ الكَريمَ يُصَدِّق المدّاحا
فَلَو ارتَقى شَخص امرىءٍ كَمحلِّهِ / يَوماً لَصافَحَت النُجوم صِفاحا
لَست في بَينِها الغُداةَ بِلاحِ
لَست في بَينِها الغُداةَ بِلاحِ / ما عَلى النَفسِ في التُقى مِن جُناحِ
تَبعتها أَرواحنا فَتَوَلَّت / بِقِطارٍ يُحَدى مِنَ الأَرواحِ
وَاِستَقَلَّت يَومَ النَوى فرمتها / أَعيُنُ القَوم مِن جَميع النَواحي
طرفها سائِف اللَواحِظ رامٍ / رامح عامِلٌ بِكُلِّ السِلاحِ
أَقرَح الدَمع خَدَّها فَرَأَينا / خَمرَةً شَعشَعَت بِماءٍ قِراحِ
فترشفت ريقها فَكَأَنّي / أَرشَفُ الطَلَّ مِن رِياض الأَقاحي
ثُمَّ أَبقَ النِجادَ بِالضَمِّ مِنها / في مَجالِ الوِشاح مِثلَ الوِشاحِ
كُلَّ يَومٍ حداتها تقصد الرَو / ضَ بِرَوضٍ مِنَ الوُجوهِ الصِباح
فَتَراهن في الهَوادِج يَلمَع / نَ كَمِثلِ السُلافِ في الأَقداحِ
إِنَّما هَذِهِ العُيونَ السَقيما / ت بَلاء لِذي القُلوبِ الصِحاحِ
لا يَغُرَّنكَ لين صَعَب قِيادي / فَعَلى قَدرِهِ يَلوح جِماحي
كَم هَوىً قَد تَرَكتِهِ مِثلَ سَطرٍ / قَد مَحاه مِن الصَحيفَة ماحي
وَظَلام قَطَعتُهُ بِظَليمٍ / كَوره قائِم مَقام الجَناحِ
فاجتَلَينا بِنور وَجهِ أَبي القا / سِم وَجهَ المُنى وَوَجهَ الصَباحِ
ثُمَّ صافحت أَنمُلاً نَشأت بَي / نَ صَريرِ الأَقلامِ وَالأَرماحِ
فَكَفاني صَرفَ الزَمان بِكَفٍ / عُجِنَت مِنَ مَكارِمٍ وَسَماحِ
وُصِلَت بِالنَدى بَنان أَبي القا / سِم قَبلَ اتِّصالِها بِالراحِ
لا تَلُمهُ في الجودِ فالجود عضو / مِن يَدَيهِ فَمالَهُ مِن بَراحِ
مَرِحٌ بِالنَوالِ نَشوان مِنهُ / إِنَّ لِلجود نَشوَة كالرّاحِ
فَهوَ في سَكرَةٍ مِنَ الجودِ صَرفاً / لَيسَ مِنها إِلى القِيامَةِ صاحي
لَم يَخِب ظَنُّ آمِلٍ فيهِ إِلّا / أَن تَكونَ الظُنونَ غَيرَ النَجاحِ
لَو أَتَتهُ الرُكبانُ تَمتاحَهُ النَف / س وَحاشاهُ مِنهُ قالَ امتاحي
ما رَأَينا في الجودِ كاِبنِ عَليٍّ / أَحَداً يَشتَهي صفاح الصِفاحِ
وَيَزور الوَغى بِطَرفٍ حَييٍّ / أَن يُرى هائِباً وَوَجهَ وقاحِ
وَيَرِد الراياتِ مِن الدمِّ تَحكي / لَهَب النارِ في نَسيم الرَياحِ
ثَمَّ أَيدٍ لَهُ طُوالٍ إِذا ما / خَطَرَت بِالرِماحِ مِثلَ الرِماحِ
في قَبيل تَراهُم في مُتونِ ال / خَيلِ كَالرِيشِ في مُتونِ القِداحِ
سَبطَة سَمحة عَلى المالِ تَحكي / فَيضَها بِالسَماحِ قَبلَ السِلاحِ
فَهوَ يَختالُ بَينَ عِرضٍ مَنيع / مِن مَقال العِدى وَمالَ مُباحِ
مِن أَياديهِ رائِحات اغتَباقي / وَمِنَ الغادِيات مِنهُ اصطِباحي
مِنهُ مالي ورحلَتي وَعدادي / وَجُوداي وَحُلَّتي وَسِلاحي
وَلَهُ مُهجَتي وَشُكري وَنَشري / وَاِعتِدادي بِفَضلِهِ وَاِمتِداحي
دامَ في رفعة وَفي طيب عَيشٍ / يَسحَبُ الذَيلَ في التُقى وَالصَلاحِ
ما دَجى عَسكَر الظَلامُ وَوَلّى / يَطلُبُ الفَرَّ مِن جُيوشِ الصَباحِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025