المجموع : 367
إِلى مَتى مِنكُمُ هَجري وإقْصَائي
إِلى مَتى مِنكُمُ هَجري وإقْصَائي / ويلي وجدتُ أحِبّائي كأعْدائي
هُمْ أظمؤُوني إلى ماءِ اللّمى ظمأً / تَرَحّلَ الرِّيُّ بي منهُ عنِ الماءِ
وخالفونيَ فيما كنْتُ آمُلُهُ / منهمْ وَرُبَّ دواءٍ عادَ كالداءِ
أَعيا عَليّ وعُذري لا خفاءَ بِهِ / رِياضَةُ الصعبِ مِن أَخلاقِ عذراءِ
يا هَذِهِ هَذِهِ عَيني الَّتي نَظَرتْ / تَبلّ بالدَّمْعِ إِصباحي وَإِمسائي
مِن مُقلَتَيكَ كَساني ناظِري سَقَماً / فَما لِجسميَ فَيءٌ بيْنَ أفيَاءِ
وَكُلُّ جَدْبٍ لَه الأنوَاءُ ماحِيةٌ / وَجَدْبُ جسميَ لا تمحوهُ أنْوَائي
إنّي لَجَمرُ وَفاءٍ يُستَضاءُ بهِ / وأنْتِ بالغدرِ تختارينَ إطفائي
حاشاكِ مما اقتضاهُ الذمّ في مثلٍ / قد عادَ بعد صَنَاعٍ نقضُ خرقاءِ
ما في عتابِكِ من عُتْبَى فأرقبها / هل يُسْتَدَلّ على سلمٍ بِهَيْجاءِ
ولا لوعدكِ إنجازٌ أفوزُ بهِ / وكيف يُرْوي غليلاً آلُ بيداءِ
مُؤنِّبي في رَصينِ الحلم حين هَفَا / لم يَهْفُ حلميَ إلّا عند هيفاءِ
دعْ حيلةَ البُرْءِ في تبريح ذي سَقَم / إنّ المشارَ إليه ريقُ لمياءِ
مُضنى يردّ سلامَ العائداتِ له / مثلَ الغريق إذا صلّى بإيماءِ
كأنّه حينَ يستشفيْ بغانيةٍ / غيرِ البخيلة يَرْمي الداءَ بالداءِ
ما في الكواكب من شمس الضحى عوَضٌ / ولا لأسماءَ في أترابِ أسماءِ
نَفَى همُّ شيبي سرورَ الشبابِ
نَفَى همُّ شيبي سرورَ الشبابِ / لقد أظلمَ الشيبُ لمّا أضاءَ
قضيتُ لظلّ الصبا بالزوالِ / لمّا تحوّلَ عنّي وفاءَ
أتعرفُ لي عن شبابي سُلُوّاً / ومَن يجدِ الداءَ يبغِ الدواءَ
أأكسو المشيبَ سوادَ الخضاب / فأجعلَ للصبح ليلاً غطاءَ
وكيفَ أُرَجّي وفاءَ الخضاب / إذا لم أجِدْ لشبابي وفاءَ
وريحٍ خفِيفَةٍ رَوْحِ النّسِيمِ / أطّتْ بليلاً وهبّت رُخاءَ
سرت وحياها شقيقُ الحياةِ / على مَيّت الأرض تُبكي السماءَ
فمن صَوْتِ رَعدٍ يسوق السحابَ / كما يسمعُ الفحلُ شولاً رغاءَ
وتُشْعِلُ في جانبيها البروقُ / بريقَ السيوف تُهزّ انتضاءَ
فبتّ من الليل في ظلمةٍ / فيا غُرّةَ الصبح هاتي الضياءَ
ويا ريحُ إمّا مَرَيْتِ الحيا / ورَوّيْتِ منه الربوعَ الظماءَ
فسوقي إليّ جهامَ السحاب / لأملأهنّ من الدمع ماءَ
ويسقي بكائيَ ربع الصبا / فما زالَ في المحل يسقي البكاءَ
ولا تعطِشي طللاً بالحمى / تَدَانى على مُزْنَةٍ أو تنائى
وإن تَجْهَلِيهِ فَعِيدانُهُ / لظى الشمس تلذَعُ منها الكباءَ
ولا تعجبي فمغاني الهوى / يطيّب طيبُ ثراها الهواءَ
ولي بينها مهجةٌ صَبّةٌ / تزودتُ في الجسم منها ذماءَ
ديارٌ تمشّتْ إليها الخطوبُ / كما تتمشّى الذئابُ الضراءَ
صحبتُ بها في الغياض الأسودَ / وزرتُ بها في الكناس الظباءَ
وراءَك يا بحرُ لي جَنّةٌ / لبستُ النّعيم بها لا الشقاءَ
إذا أنا حاولت منها صباحاً / تعرضتَ من دونها لي مساءَ
فلو أنّني كنتُ أُعطى المنى / إذا مَنَعَ البحرُ منها اللّقاءَ
ركبتُ الهلالَ به زورقاً / إلى أن أعانقَ فيها ذُكاءَ
إِشرَبْ على بركة نَيْلُوْفَرٍ
إِشرَبْ على بركة نَيْلُوْفَرٍ / مُحْمرّةِ النّوّارِ خضراءِ
كأنما أزهارُهَا أخرجتْ / ألسنةَ النارِ من الماءِ
زارتْ على الخوفِ من رقيبِ
زارتْ على الخوفِ من رقيبِ / كظبيةٍ رُوّعت بذيبِ
كافورةٌ في بياضِ لونٍ / ومسكةٌ في ذكيِّ طيبِ
كادت تروّي غليلَ صبٍّ / فؤاده منه في لهيبِ
من ثَغَبٍ باردٍ حصاه / منظم اللؤلؤ الشنيبِ
حتى إذا ما طمعتُ منه / بحَسْوة الطائر المُريبِ
ولّتْ فَقُلْ في طلوع شمس / قد أخذت عنه في الغروبِ
كان زمان اللقاء منها / أقصر من جلسة الخطيبِ
وَدُجُنّةٍ كالنِّقْس صُبّ على الثرى
وَدُجُنّةٍ كالنِّقْس صُبّ على الثرى / مَزّقْتُ منها بالسّرَى جلبابا
زرتُ الحبائبَ والأعادي دونها / كضراغمٍ تُذكي العيونَ غضابا
ووطئتُ دونَ الحيّ نارَ عداوةٍ / لو كان واطئَها الحديدُ لذابا
بهوىً أشابَ مفارقي ولوَ انّه / يُلْقى على شرخ الشبابِ لَشابا
في مَتْنِ ناهبَةِ المدى يجري بها / عِرْقٌ تمكّنَ في النّجار وطابا
بزَبرجديّاتٍ إذا عَلَتِ الصّفا / وَقَعَتْ بواطنُها عليه صلابا
ونكادُ نَشْرَبُ من تَسامي جيدها / ماءً تسوقُ بهِ الرّياحُ سَحَابا
ذعرتْ غرابَ الليلِ بي فكأنّني / لأصِيدَهُ منها ركبتُ عُقابا
ومُصاحبي عضبٌ كأنّ فِرْنَده / نَمْلٌ مصاحبةٌ عليه ذبابا
فكأنّ شمساً في تألّقِ مائِهِ / مَجّتْ عليه مَعَ الشّعاعِ رُضَابا
والصّبح قَد دفَعَ النّجوم عُبَابه / كأنّهُ سيلٌ يَسُوقُ حبابا
أراك ركبتَ في الأهوال بحراً
أراك ركبتَ في الأهوال بحراً / عظيماً ليس يُؤمن من خطوبهْ
تُسَيّرُ فلْكهُ شرْقاً وغَرْباً / وتُدْفَعُ من صَبَاهُ إلى جنوبه
وأصعبُ من ركوبِ البحر عندي / أُمُورٌ ألجأتكَ إلى ركوبه
فارقتُكُمْ وفراقكُمْ صَعْبُ
فارقتُكُمْ وفراقكُمْ صَعْبُ / لا الجسمُ يحمله ولا القلبُ
قُتِلَ البعادُ فما أشيرَ به / حَتّى تَمَزّقَ بَينَنا القربُ
أمقيمةٌ والرّكبُ مُرْتَحِلٌ / بالصّبرِ عنك تَرَحّلَ الركبُ
كم ذا يزورُ البحرَ بحرُ أسى / في العين منك جُمانُهُ رطبُ
ما كان نأيي عن ذراك قلىً / فيموتَ بعْد حياتِه الحبُّ
إني لأرجو السلمَ من زمنٍ / قامَتْ على ساقٍ له حرْبُ
والدهر إن يُسْعِدْ فربَّتَما / صَلُحَ الجموحُ وذلّل الصعبُ
مَن لي بطيبِ الوصلِ من غادة
مَن لي بطيبِ الوصلِ من غادة / وهي كَعابٌ عندها الشيبُ عابْ
تُسَوّدُ الحنّاءَ في كَفّهَا / عِشْقاً لمسودّ عِذارِ الشّباب
كفٌّ من الكافور هذي التي / أرى من المسك عليها خضاب
وجْدٌ عن الدمع فضّ الختم فانسكبا
وجْدٌ عن الدمع فضّ الختم فانسكبا / بهِ أرَدْتُ خمودَ الجمْرِ فالتَهَبا
وما تَيَقّنْتُ أن الماءَ قبلهما / يكونُ للنار ما بينَ الحَشَا حطبا
صبٌّ يذوبُ إلى لقاءِ مُذِيبِهِ
صبٌّ يذوبُ إلى لقاءِ مُذِيبِهِ / يَسْتعذِبُ الآلامَ مِنْ تَعْذِيبهِ
عمّى هواهُ عن الوشاةِ مُكتماً / فجرَتْ مدامعُهُ بِشَرْحِ غريبهِ
كم لائمٍ والسمعُ يدفعُ لَوْمَهُ / والقلبُ يَدْفعُ قَلْيَهُ بوجيبهِ
ملكَ القلوبَ هوى الحسان فقل لنا / كيفَ انْتفاعُ جسومنا بقلوبهِ
وبم السلوّ إذا بدا ليَ مُثْمِراً / خُوطٌ يميسُ على ارتجاجِ كثيبهِ
والشوقُ يَزْخَرُ بحرُهُ بِقَبولِهِ / ودبورِهِ وشمالِهِ وجنوبِهِ
وبنفسيَ القمرُ الذي أحيا الهوى / وأماتَهُ بطلوعِهِ وغروبهِ
قرَنوا بوَرْدِ الخدّ عقربَ صُدْغه / وذَرَوْا ترابَ المسك فوق تريبهِ
والعين حَيْرَى من تألّقِ نُورِهِ / والنفسُ سكرَى من تضَوّعِ طيبهِ
في طَرْفِهِ مَرَضٌ ملاحتَهُ التي / ألْقَتْ عليّ أنينَهُ بكروبهِ
أعيا الطبيبَ علاجُهُ يا سحرَهُ / ألَدَيْكَ صَرْفٌ عن علاجِ طبيبهِ
إني لأذكرُهُ إذا أنْسى الوغى / قلبَ المحبِّ المحضِ ذكرَ حبيبهِ
والسيفُ في ضرب السيوف بسلّةٍ / في ضحكِهِ والموت في تقطيبهِ
وأقبَّ كاليعسوبِ تركبُ مَتْنَهُ / فركوبُ مَتْنِ البحرِ دون ركوبهِ
مُتَقَمّصٌ لوناً كأنّ سَوادَهُ / غُمِسَ الغرابُ الجَوْن في غِرْبيبهِ
يرْميكَ أوّلَ وَهْلَةٍ بِنشاطِهِ / كالماءِ فُضَّ الخَتْم عن أنبوبهِ
بقديم سَبْقٍ يستقلّ ببعضه / وكريم عرْقٍ في المدى يجري بهِ
وبأرْبعٍ جاءتكَ في ترْكيبها / بالطّبْعِ مُفْرَغَةً على تركيبهِ
فكأنّ حِدّةَ طَرْفِهِ وفؤادِهِ / من أُذْنِهِ نُقلتْ إلى عرقوبهِ
ألْقى على الأرض العريضة أرضَه / ثم اشتكى ضِيقاً لها بوثوبهِ
وجرَى ففاتَ البرْق سبقاً وانتهى / من قبلِ خطفته إلى مطلوبهِ
فَلِشِبْهِ دُهمتِهِ بدُهمةِ ليله / أمْسى يُفتّشهُ بفرْطِ لهيبهِ
ويرشّ سيفي بالنجيعِ مصارِعاً / للأسْدِ يُسْكنها بذيل عسيبهِ
ومهنّدٍ مثلِ الخليجِ تَصَفّقَتْ / طُرُقُ النسيمِ عليه من تَشْطِيبهِ
ربّتْهُ في النيرانِ كَفّا قَيْنِهِ / فهو الزّنادُ لهنّ يوم حروبهِ
وكأنّما في مائِهِ وسعيرِهِ / نَمْلٌ يسير بسبحه ودبيبهِ
وإذا أصابَ قذالَ ذِمْرٍ قَدّهُ / ومشَتْ يدي معه إلى مَرْغوبهِ
وكأنّما اقتسم الكميَّ مع الردى / ليكونَ منه نصيبُه كنصيبهِ
طربتُ متى كنتُ غيرَ الطرُوبِ
طربتُ متى كنتُ غيرَ الطرُوبِ / فلم أُعْرِ طِرْفَ الصّبا من ركوبِ
فيوْماً إلى سَبْيِ زقّ رَويٍّ / ويوْماً إلى صَيْدِ ظبْيٍ ربيبِ
ومهما كبَا بي فمن نشوَةٍ / يوافِقُها بين كأسٍ وكوبِ
لياليَ بينَ المَهَا غَيْرَةٌ / عليّ تخوضُ بها في حرُوبِ
ولو أنّ قِدْحَ شبابي أُجِيلَ / على الشمس لاختارَها في نصيبِ
وتَزْحَمُني كُلّ فتّانةٍ / بتفّاحةٍ غَلّفَتْها بِطِيبِ
ويُطْلِقُني من عقالِ العناقِ / صَباحٌ يُنَبّهُ عينَ الرّقيبِ
وفي كَبِدي جرْحُ لحظٍ عليلٍ / وفي عَضُدي عضّ ثغرٍ شنيبِ
ورَيحانةٍ أُمّها كرمة / تَنَفّسُ في كفِّ غصن رطيبِ
مُعتّقة في يَدَيْ راهبٍ / على دنّها ختْمُهُ بالصّليبِ
إذا أمْرَضَتْكَ وخفتَ الصّبُوحَ / فَمُمْرِضُها لك غَيْرُ الطبيبِ
تباكرُ من صَرفها شَرْبَةٌ / فتاةَ الوثوب عجوزَ الدبيبِ
كأنّ الحبابَ لها جُمّةٌ / معممةٌ رأسَها بالمشيبِ
إذا صُبَّ ماءٌ على صرفها / رأيتَ لهُ غَوْصَةً في اللهيبِ
فتخرجُ من قعرها لؤلؤاً / يُنَظّمُ للكأسِ فوقَ التريبِ
تناولْتُها ونسيمُ الرّياضِ / ذكيّ النسيمِ عليلُ الهبوبِ
وغيدٍ لطائفُ ألحانها / تُنَغّمها لسرورِ الكئيبِ
فكلّ مُقَمّعَةٍ بالْعَقِيقِ / من الدّرِ أغصانَ كفٍّ خضيبِ
تُنَبّهُ مُطْرِقَةً في الحجور / تُغْري الأَكفّ بشقّ الجيوبِ
إذا أسْمَعَتْ حسناتِ الغناءِ / شَرِبْنا عليها كؤوسَ الذنوبِ
وَسُودِ الذوائبِ يسْحَبْنَها / كَسَعْيِ الأساودِ فوْقَ الكثيبِ
تَوَافَقُ بالرقص أقدامُهُنّ / يطأنَ بها نَغَماتِ الذنوبِ
يُشِرْنَ إلى كلّ عضْوٍ بما / يَحُلّ به في الهوى من كروبِ
بَسَطْنا لها وهي مثل الغصونِ / تميسُ بهَبّ الصّبا والجنوبِ
على الأرضِ منا خدودَ الوجوه / وبينَ الضّلوع خدودَ القلوب
ألا كمْ تُسْمِعُ الزمن العتابا
ألا كمْ تُسْمِعُ الزمن العتابا / تخاطبُهُ ولا يدري الخطابا
أتطمعُ أن يردّ عليك إلفاً / ويُبْقي ما حييتَ لك الشبابا
ألم تَرَ صرفه يُبلي جديداً / ويتركُ آهلَ الدّنْيا يَبابا
وإن كان الثواءُ عليك داءً / فبرؤك في نوىً تُمطي الركابا
وهمّكَ همّ مرتقِبٍ أموراً / تسيحُ على غرائبها اغترابا
وإن أخا الحزامةِ مَن كَراهُ / كَحَسْوِ مُرَوّعِ الطيرِ الثِّغابا
فتىً يستطعمُ البيضَ المواضي / ويستسقي اللهاذمَ لا السحابا
فصرِّفْ في العُلى الأفعالَ حزماً / وعزْمًا إن نحوْتَ بها الصّوابا
وكن في جانبِ التحريض ناراً / تزيدُ بنفحةِ الرّيحِ التهابا
فلم يُمِهِ الحسامَ القينُ إلّا / ليصرفَ عند سلَّتهِ الرّقابا
ولا ترْغبْ بنفسك عن فلاةٍ / تخالُ سَرَابَ قيْعَتها شَرابا
فكم مُلْكٍ يُنال بخوْض هُلْكٍ / فلا يُبْهِمْ عليك الخوفُ بابا
وقفتُ من التناقضِ مُستريباً / وقد يقفُ اللبيبُ إذا استرابا
كأنّ الدهرَ محْسنُهُ مُسيءٌ / فما يَجْزي على عملٍ ثوابا
ولو أخذَ الزّمان بكفّ حرّ / لكان بطبعِهِ أمْراً عُجابا
يَجُرّ عليّ شرْبُ الراحِ همّاً / ويورثُ قلبيَ الشدوُ اكتئابا
وفي خُلُقِ الزّمان طباعُ خُلْفٍ / تُمرِّرُ في فمي النُّغَبَ العذابا
وقد بُدِّلتُ بعد سَرَاةِ قومي / ذئاباً في الصّحابةِ لا صحابا
وألفيتُ الجليسَ على خلافي / فلسْتُ مجالِساً إلّا كِتابَا
وما العنقاءُ أعوزُ من صديقٍ / إذا خَبُثَ الزمانُ عليك طابا
وما ضاقتْ عليَّ الأرضُ إلّا / دَحَوْتُ مكانَها خُلُقاً رحابا
سأعتسِفُ القفارَ بِمُرْقِلاتٍ / تجاوزني سباسِبَها انتهابا
تخالُ حديث أيديها سراعاً / حثيثَ أناملٍ لقطت حسابا
وتحسبُ خافقَ الهادي وجيفاً / يظنّ زمامَ مخطمه حُبابا
وَأَسرى تَحتَ نَجمٍ من سناني / إِذا نَجمٌ عنِ الأَبصارِ غابا
وإنّ المَيْتَ في سفرِ المعالي / كمن نالَ المُنى منها وآبا
ويُنجدني على الحدثان عضْبٌ / يُذلل قرعه النوَبَ الصعابا
يمانٍ كلما استمطرْتُ صوْباً / به من عارض المهَجات صابا
كأن عليه نارَ القينِ تُذكى / فلولا ماءُ رَوْنَقِهِ لَذابا
كأنّ شُعاعَ عينِ الشمسِ فيه / وإن كان الفِرِنْدُ به ضَبابا
كأنّ الدَّهْرَ شَيّبَهُ قديماً / فما زال النجيعُ لهُ خضابا
كأنّ ذُبابَهُ شادي صَبوحٍ / يحرّكُ إن ضربتُ به رقابا
وكنّا في مواطِنِنا كراماً / تعافُ الضيمَ أنفسُنا وتابى
ونطلع في مطالعنا نجوماً / تعدّ لكلّ شيطان شهابا
صبرنا للخطوب على صُروفٍ / إذا رُمِيَ الوليدُ بهنّ شابا
ولم تَسْلَمْ لنا إلا نفوسٌ / وأحسابٌ نُكَرّمهاْ احتسابا
ولم تخْلُ الكواكبُ من سقوطٍ / ولكن لا يُبَلّغُها الترابا
هل أقْصَرَ الدهرُ عن تعنيتِ ذي أدبِ
هل أقْصَرَ الدهرُ عن تعنيتِ ذي أدبِ / أو قال حَسْبِيَ من إخمالِ ذي حسبِ
لا يلحظُ الحرَّ إلّا مثلما وَقَعَتْ / على أخي سيئاتٍ عينُ ذي غضبِ
وكيفَ يصفو لنا دَهْرٌ مَشَاربُهُ / يخوضها كُلَّ حينٍ جَحفلُ النُّوَبِ
إنّ الزمانَ بما قاسيتُ شيّبَني / ولم أُشَيّبْهُ هذا والزّمانُ أبي
ولو خلا الدّهرُ ذو الأبناءِ من عَجَبٍ / أكثرْتُ منه ومن أبنائِهِ عَجبي
قَرَأْتُ وحدي على دهري غرائِبَهُ / فما أعاشرُ قوماً غَيْرَ مغتربِ
أحَلْتُ عزمي على همّي فقَطّعَهُ / كأنّ عزميَ من صَمصَامتي الذّربِ
ما قرّ بي السيرُ في سهلٍ ولا جبلٍ / إلّا كما قرّ جاري الماء في صَبَبِ
ولم أضِقْ في السرَى ذرعاً بمعضلةٍ / قد زاحمتنيَ حتى ضاقَ مُضْطَربي
ويرْتَقِي حَرُّ أنْفاسي فَأَبْعَثُهُ / بَرداً وإن كان مُسْتبَقى من اللهبِ
وأحْرِ بالحَرّ أن تَلقاهُ ذا جَلَدٍ / وإن تَبَطّنَ داءً قاتلَ الوَصَبِ
أذبْتَ فؤادي يا فديتُكَ بالعَتْبِ
أذبْتَ فؤادي يا فديتُكَ بالعَتْبِ / ولو بتَّ صبّاً ما عَنُفْتَ على صَبِّ
وقاتلتي بينَ الغواني كأنَّها / مصوَّرةٌ بالعينِ في حبَّةِ القلبِ
حياةٌ ولكنْ طَرْفُها ذو منيّةٍ / أما يُتَوقّى الموتُ من طَرَفِ العضبِ
شكوْتُ إليها لوعةَ الحبّ فانثنَتْ / تقولُ لتربيها وما لوعةُ الحبِّ
فقيل عذابٌ لو أحطتِ بعلمِهِ / لجدتِ على الصّادي بماءِ اللّمَى العذبِ
وقاكِ الهوى إذ لم تذوقيه ضُرَّهُ / وهل تُحْدِثُ الخمرُ الخُمارَ بلا شرْبِ
وجسمٍ له من غيْرِهِ روحُ لذةٍ
وجسمٍ له من غيْرِهِ روحُ لذةٍ / سليلِ ضروعٍ أُرْضِعَتْ حَلَبَ السُّحبِ
إذا قبضَ الإبريقُ منهُ سُلافةً / تَقَسّمَها الشُرّابُ حوليْهِ بالقعبِ
شربْنا وللإصباحِ في الليلِ غُرَّةٌ / تزيدُ اندياحاً بينَ شرْقِ إلى غرْبِ
على روْضَةٍ تحيا بحيّةِ جَدْوَلٍ / يفيءُ عليه ظلّ أجنحة القضبِ
بأزهرَ يجلو اللهوُ فيه عرائساً / كراسيّها أيدي الكرامِ من الشَّربِ
كأنّ لها في الخمْرِ حُمْرَ غلائلٍ / مُزَرّرَةَ الأطواقِ باللؤلؤِ الرطبِ
وكم من كميتِ اللونِ تحسب كأسها / لها شفةٌ لعساءُ ذات لمىً عذبِ
إذا مُزِجَتْ لانَتْ لنا وتَحَوّلَتْ / بأخلاقِها عن قَسْوَةِ الجامحِ الصعبِ
جرَى في عروقِ النارِ ماءٌ كأنّما / رِضَى السلم منها يتَّقي غضَبَ الحربِ
وإن نالَ منها ذو الكآبةِ شربةً / تسرّبتِ الأرواح منها إلى القلبِ
أصبحتُ جذلانَ طيّبَ العَرَبَهْ
أصبحتُ جذلانَ طيّبَ العَرَبَهْ / والكأسُ تهدي إلى الفتى طربَهْ
وذي دلالٍ كأنّ وَجْنَتَهُ / من خَجَلٍ بالشّقيقِِ مُنْتَقِبَهْ
في حِجْرِهِ أجوفٌ له عُنُقٌ / نِيطَتْ بظهرٍ تخالُهُ حَدَبَه
يمُدّ كفّاً إليه ضاربةً / أعناقَ أحزانِنا إذا ضرَبَه
تحسبُ لفظاً بأختها نغَماً / ويودعُ المسمعينَ ما حسبَه
قلتُ ألا فانظروا إلى عجبٍ / جاءَ بِسِحرٍ فأَنْطقَ الخَشَبَه
وقهوَةٍ في الزّجاجِ تحسبُها / شُعْلَةَ برقٍ في الغيم ملتهبَه
كأنّما الدهرُ من تَقادمِها / أوْدَعَ في طول عمرها حِقبَه
ماءُ عقيقٍ إذا ارتدى زبداً / حَسِبتَ دُرّاً مجُوّفاً حَبَبَه
يُسْكِرُ من شَمّهُ بسَوْرَتِهِ / فكيف بالمنتشي إذا شربَه
وذي حنينٍ تحنّ أنفُسُنا / إليه مُنقادةً ومنجذبَه
يُفْشِيهِ ذو حكمةٍ أناملُهُ / منَغّماتٌ بِزَمْرِهِ ثُقَبَه
يرسلُ عن منخريه من فمِهِ / ريحاً لها نغمةٌ من القصَبَه
كأنّ ألحانَهُ الفصيحةَ منْ / صريرِ بابِ الجنانِ مُكْتَسَبَه
يا حُسنَ ساقِيَةٍ تمُدّ أناملاً
يا حُسنَ ساقِيَةٍ تمُدّ أناملاً / بِعَروسِ راحٍ في عقودِ حبابِ
تسقيكَ شمسَ سلافةٍ عِنبِيّةٍ / طَلَعَتْ على فَلَكٍ من العُنّابِ
ومُنبَّهٍ في حِجْرِ مَن شَدَواتُها / تَثْني الهمومَ بها على الأعْقابِ
وكأنّما الأجسامُ من إحسانها / مُلِئَتْ بأرواحٍ من الإطرابِ
وكأنّما يدُها فمٌ متكلِّمٌ / بالسحرِ فيهِ مِقْوَلُ المضرابِ
لعمري لقد ظَنّوا الظنونَ وأيقَنوا
لعمري لقد ظَنّوا الظنونَ وأيقَنوا / ببعضِ إشاراتٍ تنِمّ على الصبِّ
وقالوا اكشفوا بالبحثِ عن أصل وَجْدِهِ / فلا فَلَكٌ إلا يدور على قُطْبِ
سَلُوهُ وراعوا لفظةً من خِطابهِ / لتُعْلَمَ من نجواه ناجيةُ الحبِّ
أناسٌ رأوْا مني مخادعةَ الهَوى / أشدّ عليهم مِن مخادَعَةِ الحرْبِ
جعلتُ وُشاتي مثلَ صحبي مخافةً / فلم يطّلِعْ سرّي وشاتي ولا صحبي
يَقَرّ قَرارُ السرّ عندي كأنّهُ / غريبُ ديارٍ قال في وطنٍ حسبي
ألا بأبي من جُمْلَةِ الغيدِ واحدٌ / فهل علموا ذاك الغزال من السربِ
قُتِلْتُ ولا واللَّه أذكرُ قاتلي / لأخْذِ قصاصٍ منه بينَ يدَيْ ربّي
إذا قيل لي قلْ من هويت وما اسمه / وما سببُ الشكوى وما علّةُ الكربِ
ضربتُ لهم قوماً بقوْمٍ فصدّقوا / ولفظُ لساني غيرُ معناهُ من قلبي
وهل يطمع الواشونَ في سرِّ كاتمٍ / يريدُ السّهى إمّا أشارَ إلى الترْبِ
عَذّبْتِ رِقّةَ قلبي
عَذّبْتِ رِقّةَ قلبي / ظلماً بقسْوَةِ قَلْبِكْ
وَسِمْتِ جسميَ سقماً / وما شفيتِ بطبّك
أسخطْتُ كلّ عدُوٍّ / رَضِيْتِهِ لمُحِبّك
من لي بصبْرٍ جميلٍ / على رياضة صعبك
فيا تَشَوّقَ بُعْدي / إلى تَنَسّمِ قُربك
أمَا ومُرْسَلٍ وَحْفٍ / يُغْري بتقبيلِ كعبك
وَوَجْنَةٍ غَمَسَتْها / في الوَرْد صبغة ربك
لَقَدْ جنحتُ لسلمي / كما جنحتِ لحربِك
فبالدّلالِ الذي زا / دَ في ملاحةِ عُجْبك
فُكّي من الأسرِ قلباً / عليه طابَعُ حُبّك
ونَعّمِيني بعُتبى / فقد شقيتُ بِعَتْبِك
وباقةٍ مُسْتَحْسَنٌ نَوْرُهَا
وباقةٍ مُسْتَحْسَنٌ نَوْرُهَا / وقد خلتْ في الشمّ من كل طيبْ
كمعشرٍ راقَتْكَ أثوابُهُمْ / وليسَ في جُملتهم من أديب