القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الأَبِيوَرْدي الكل
المجموع : 393
خاض الدُّجى ورِواقُ الليل مَسدول
خاض الدُّجى ورِواقُ الليل مَسدول / بَرقٌ كما اهتزَّ ماضي الحدِّ مَصقولُ
أَشيمُهُ وضجيعي صارمٌ خَذِمٌ / ومِحمَلي بِرَشاشِ الدَّمعِ مَبلولُ
فحَنَّ صاحبُ رَحْلي إذ تأمَّلَهُ / حتى حَنَنْتُ ونِضْوي عنهُ مَشغولُ
يَخْدي بأرْوَعَ لا يُغْفي وناظِرُهُ / بإثْمِدِ اللّيْلِ في البَيْداء مَكحولُ
ولا يَمُرُّ الكَرَى صَفْحاً بمُقْلَتِهِ / فَدونَهُ قاتِمُ الأرْجاءِ مَجهولُ
إذا قضَى عُقَبَ الإسراءِ لَيلَتَهُ / أناخَهُ وَهْوَ بالإعْياءِ مَعْقولُ
واعْتادَهُ مِنْ سُلَيمى وَهْيَ نائِيَةٌ / ذِكرٌ يُؤرِّقُهُ والقَلبُ مَتبولُ
رَيَّا المَعاصِمِ ظَمأى الخَصْرِ لا قِصَرٌ / يَزوي عَليها ولا يُزْري بِها طولُ
فَالوجْهُ أبلَجُ واللّبَّاتُ واضِحةٌ / وفَرعُها وارِدٌ والمَتْنُ مَجدولُ
كأنّما ريقُها والفَجْرُ مُبتَسِمٌ / فيما أظُنُّ بِصَفْوِ الرّاحِ مَعلولُ
صَدَّتْ ووقَّرَني شَيبي فما أرَبي / صَهْباءُ صِرفُ ولا غَيداءُ عُطبولُ
وحَال دونَ نَسيبي بالدُّمى مِدَحٌ / تَحبيرُها بِرضى الرّحمنِ مَوصولُ
أُزيرُها قرَشيّاً في أسِرَّتِهِ / نُورٌ ومِنْ راحتَيْهِ الخَيْرُ مأمولُ
تَحكي شَمائلُهُ في طِيبِها زَهَراً / يَفوحُ والرّوضُ مَرهومٌ ومَشمولُ
هُوَ الذي نَعَشَ اللهُ العِبادَ بهِ / ضَخْمَ الدَّسيعَةِ مَتبوعٌ ومَسؤولُ
فكُلُّ شيءٍ نَهاهُمْ عنهُ مُجتَنَبٌ / وأمرُهُ وهْوَ أمرُ اللهِ مَفعولُ
مِنْ دَوحةٍ بَسَقَتْ لا الفَرْعُ مؤْتَشَبٌ / مِنها ولا عِرقُها في الحَيِّ مَدخولُ
أتى بمِلَّةِ إبراهيمَ والدِهِ / قَرْمٌ على كَرَمِ الأخلاقِ مَجبولُ
والناسُ في أَجَّةٍ ضَلَّ الحَليمُ بها / وكُلُّهُمْ في إسارِ الغَيِّ مكبلولُ
كأنَّهم وعوادي الكُفرِ تُسلِمُهم / إِلى الرَّدى نَعَمٌ في النَّهبِ مَشلولُ
يا خاتَمَ الرُّسْلِ إنْ لَم تُخشَ بادِرَتي / على أعادِيكَ غالَتْني إذنْ غولُ
والنّصْرُ باليَدِ مِنِّي واللِّسانِ معاً / ومَنْ لَوى عنكَ جِيداً فهْوَ مَخذولُ
وساعِدي وهْوَ لا يُلوي بهِ خَوَرٌ / على القَنا في اتِّباعِ الحقِّ مَفتولُ
فَمُرْ وقُلْ أَتَّبِعْ ما أنتَ تَنهَجُهُ / فالأمرُ مُمتَثَلٌ والقولُ مَقبولُ
وكُلَّ صَحْبِكَ أهوى فالهُدى مَعَهُمْ / وغَرْبُ مَن أبغَضَ الأخيارَ مَفلولُ
وأقتدي بضَجيعَيْكَ اقتِداءَ أبي / كِلاهُما دَمُ مَن عاداهُ مَطلولُ
ومَن كعُثمانَ جُوداً والسّماحُ لهُ / عِبءٌ على كاهِلِ العَلياءِ مَحمولُ
وأينَ مِثلُ عَليٍّ في بَسالَتِهِ / بمَأزِقٍ مَن يَرِدْهُ فهْوَ مَقتولُ
إني لأعْذُلُ مَن لم يُصْفِهِمْ مِقَةً / والناسُ صِنفانِ مَعذورٌ ومَعذولُ
فمَنْ أحبَّهمُ نالَ النّجاةَ بِهمْ / ومَن أبى حُبَّهُمْ فالسّيفُ مَسلولُ
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا / عَشيّةَ شامَ الحيُّ بَرقاً يَمانِيا
وإن كُنتُما لا تُسْعِدانِ على البُكا / فلا تَعذُلا صَبّاً يُحيّي المَغانِيا
وما خِلْتُ أنّ البَرقَ يَكْلَفُ بالنّوى / ولَمْ أتّهِمْ إلا القِلاصَ النّواجِيا
ونحنُ رَذايا الحُبِّ لمْ نَلْقَ حادِثاً / مِنَ الخَطْبِ إلا كان بالبينِ قاضِيا
وصارَ الهوى فينا على رَأيِ واحِدٍ / إذا ما أمِنَّا عَذْلَهُ عادَ واشِيا
فما يَبْتَغي فينا الهَوادَةَ كاشِحٌ / ولا نَعرِفُ الإخْوانَ إلا تَماريا
كأنَّ بِنا مِنْ رَوعةِ البَينِ حَيرَةً / نُحاذِرُ عَيناً أو نُصانِعُ لاحِيا
تُرَدُّ على أعقابِهنَّ دُموعُنا / وقد وَجدَتْ لولا الوُشاةُ مَجاريا
لكَ اللهُ مِنْ قَلبٍ عَزيزٍ مَرامُهُ / إذا رُعْتَهُ استَشْرى على الضَّيْم آبِيا
دعاهُ الهَوى حتى استُلين قِيادُهُ / وأيُّ مُجيبٍ لَو حَمِدْناهُ داعِيا
ونَشوانَةِ الألْحاظِ يَمْرَحْنَ بالصِّبا / مِراضاً فإنْ ولّى خَلَقْنَ التّصابيا
أباحَتْ حِمىً كانَتْ مَنيعاً شِعابُهُ / فما لِسِواها فَضْلَةٌ في فُؤادِيا
ورَكْبٍ كخيطانِ الأراكِ هَدَيْتُهُمْ / وقد شغَلَ التّهْويمُ مِنهُمْ مآقِيا
إذا اضطَربوا فَوقَ الرِّحالِ حَسِبتَهُمْ / وقد لفظَ الفَجرَ الظّلامُ أفاعِيا
وإنْ عَرَّسُوا خَرُّوا سُجوداً على الثَّرى / عَواطِفَ مِنْ أيدٍ تَطولُ العَوالِيا
حَدَوْتُ بِهمْ أُخرى المَطيِّ ولمْ أكُنْ / لِصَحْبيَ لولا حُبُّ ظَمياءَ حادِيا
ولكنَّ ذِكْراها إذا الليلُ نُشِّرَتْ / غَدائِرُهُ تُملي عليَّ الأغانِيا
وإنَّ دُوَيْنَ القاعِ من أرضِ بِيشَةٍ / ظِباءً يُخاتِلْنَ الأُسودَ الضَّوارِيا
إذا سَخِطَتْ أُزْرٌ عليْهِنَّ تَلتَوي / وَجَدْنا إزارَ العامريّةِ راضِيا
وما مُغْزِلٌ فاءتْ إِلى خُوطِ بانَةٍ / نَأتْ بِمجانِيها عَنِ الخِشْفِ عاطِيا
تَمُدُّ إليها الجِيدَ كَيما تَنالَهُ / ويا نُعْمَ مَلفَى العَيشِ لو كانَ دانِيا
فَناشَتْ بِغُصْنٍ كالذُّؤابَةِ أصبَحَتْ / تُقَلِّبُ بالرَّوقَيْنِ فيها مَدارِيا
بِرابيةٍ والرّوْضُ يَصْحو ويَنْتَشي / يظَلُّ علَيها عاطِلُ التُربِ حالِيا
فمالَتْ إِلى ظِلِّ الكِناسِ وصادَفَتْ / طَلاً تَتَهاداهُ الذِّئابُ عَوادِيا
فوَلّتْ حِذاراً تستَغيثُ من الرّدى / بأظْلافها والليلُ يُلْقي المَراسِيا
فلمّا استنارَ الفَجرُ يَنفُضُ ظِلَّهُ / كَما نَثَرَتْ أيدي العَذارى لآلِيا
وَفاهَ نَسيمُ الرّيحِ وهْيَ عَليلَةٌ / بَنَشْرِ الخُزامَى تَرضَعُ الغَيثَ غادِيا
قَضَتْ نَفَسا يَطغى إذا رَدَّ غَرْبَهُ / إِلى صَدرِهِ الحَرَّانُ رامَ التَّراقِيا
بأبْرَحَ مني لوْعَةً يومَ ودَّعَتْ / أمَيمَةُ حُزْوى واحتَلَلْنا المَطالِيا
أتَتْ بَلَداً يَنسى به الذِّئْبُ غَدْرَهُ / وإنْ ضَلَّ لمْ يَتبَعْ سوى النّجمِ هاديا
فيا جَبَلَ الرَّيانِ أينَ مَوارِدٌ / تَرَكْتُ لها ماءَ الأُنَيْعِمِ صادِيا
وقد نَبَذَتْ عَيني إِلى الناسِ نَظْرَةً / كما يَتّقي الظَّبْيُ المُرَوَّعُ رامِيا
كِلا ناظِرَيْهِ نَحْوَهُ مُتَشاوِسٌ / يُعاتِبُ لَحْظاً رَدَّهُ الرُّعْبُ وانِيا
فلمْ تَرْضَ إلا مَنْ يَحُلُّكَ مِنهُمُ / أظُنُّ أَديمَ الأرضِ بَعدَكَ عارِيا
تَغَيّرَتِ الأحياءُ إلا عِصابةً / سقاها الحَيا قَوماً وحُيِّيَتَ وادِيا
ذَكَرتُ لهمْ تِلكَ العُهودَ لأنَّني / نَسيتُ بِهِمْ رَيْبَ الزّمانِ لَيالِيا
وعَيْشاً نَضا عَنْ مَنْكِبيَّ رِداءَه / فِراقٌ يُعاطي الحادِثاتِ زِمامِيا
تَذَكّرْتُهُ والليلُ رَطْبٌ ذُيولُهُ / فَما افْتَرَّ إلا عَن بَنانِيَ دامِيا
وقَد أستَقيلُ الدَّهْرَ مِنْ رَجْعَةِ الغِنى / إذا لمْ يُعِدْ تِلكَ السنينَ الخَوالِيا
وأذعَرُ بالعِزِّ الإِمامِيِّ صَرْفُهُ / مَخافَةَ أنْ يَقتادَ جاريَ عانِيا
بأَروعَ مِن آلِ النَّبيِّ إذا انْتَمى / أفاضَ على الدُّنيا عُلاً ومساعِيا
تُسانِدُ أدناها النّجومَ وتَنْثَني / إذا رُمْنَ أقصاهُنَّ شأواً كوابِيا
أضاءَتْ مَساري عِرقِهِ حين فُتِّشَتْ / مَناسِبُ قومٍ فانتعَلْنَ الدَّياجِيا
إذا افْتَخَرَتْ عُليا كِنانَةَ والْتَقَتْ / على غايةٍ في المَجْدِ تُعْيِي المُسامِيا
دَعا الحَبْرَ والسَّجَّادَ فابْتَدَر المَدى / وخاضَ إِلى ساقي الحَجيج النّواصِيا
وحازَ مِن الوادي البِطاحِيِّ سِرَّهُ / وحَلّتْ قريشٌ بعدَ ذاكَ المَحانِيا
مِنَ القَومِ يُلفي الرّاغِبونَ لَدَيهِمُ / مَكارِمَ عبّاسِيَّةً وأيادِيا
يَروحُ إليهمْ عازِبُ الحَمْدِ وافياً / ويَغْدو عَليهمْ طالِبُ الرِّفْدِ عافِيا
إذا عَدَّ تلكَ الأوّليَّةَ فاخِرٌ / أرَتْهُ مَساعي الآخِرينَ مساوِيا
ومُحتَجِبٍ بالعزِّ مِن خَيرِهمْ أباً / زَجَرْتُ إليه المُقْرَباتِ المَذاكِيا
إِلى المُقتدِي بالله والمُقتَدى بهِ / طَوَيْنَ بِنا طيَّ الرِّداء الفَيافِيا
وَلُذْنا بأطرافِ القَوافي وحَسْبُنا / مِنَ الفَخرِ أنْ نُهدي إليه القَوافِيا
ولَم نتَكلَّفْ نَظْمَهُنَّ لأنّنا / وجَدْنا المعالي فاخْتَرعْنا المَعانِيا
أيا وارِثَ البُرْدِ المُعَظَّمِ رَبُّهُ / بَلغْنا المُنى حتى اقْتَسَمْنا التَّهانِيا
هَنيئاً لذُخْرِ الدّينِ مَقْدَمُ ماجِدٍ / سَيُصْبِحُ ذُخْراً للخِلافةِ باقِيا
تَبلَّجَ مَيمونَ النّقِيبةِ سابِقاً / يُراقبُ مِن عِرْقِ النُّبوَّةِ تالِيا
فَكُل سَريرٍ يَشْرَئِبُّ صَبابةً / إليه وَيثني العِطْفَ نَشوانَ صاحِيا
وتَهْتَزُّ مِن شوقٍ إليهِ منابِرٌ / أطالَتْ بِه أعوادُهُنَّ التَّناجِيا
فَلا بَرِحَتْ فيكمْ تَنوءُ بخاطِبٍ / ولا عَدِمَتْ مِنكمْ مَدى الدَّهْرِ راقِيا
نظَرتُ خِلالَ الرَّكْبِ والمُزْنُ هَطّالُ
نظَرتُ خِلالَ الرَّكْبِ والمُزْنُ هَطّالُ / إِلى الجِزْعِ هَل تَروى بِواديهِ أطْلالُ
وأخْفَيتُ ما بي من هَوًى ومَطِيُّنا / يُلَبِّسُ أُخْراهُ بأُولاهُ إعْجالُ
وقُلتُ لهُمْ جُرْتُمْ فَميلُوا إِلى اللِّوى / وما القومُ لولا حُبُّ عَلْوَةَ ضُلاّلُ
فَحُيِّيتَ رَبْعاً كادَ يَضْحَكُ رَسْمُهُ / ونَمَّ بما أُخْفي مِن الوَجْدِ إعْوالُُ
وقَدْ عَلِموا أنّي أجَرْتُ رِكابَهُمْ / فقالوا وهُم مِمّا يُعانونَ عُذّالُ
أراكَ الحِمى وادي الأراكِ فَزُرْتَهُ / وضَلَّ بنا مِمّا نُوافِقُكَ الضّالُ
وقد نَفعَتْني وَقْفَةٌ في ظِلالِه / فلَمْ أُرْعِهِمْ سَمْعي ولا ضَرَّ ما قالوا
وقَلَّ لِذاكَ الرَّبْعِ مِنّا تَحيَّةٌ / كما خالطَتْ ماءَ الغَمامَةِ جِريالُ
تَعَثَّرُ في أذيالِهِنَّ خَمائِلٌ / إذا انْسَحَبَتْ فيهِ مِن الرّيحِ أذْيالُ
لَيالِيهِ أسحارٌ وفيهِ هَواجِرٌ / كما خَضِلَتْ والشّمسُ تَنعَسُ آصالُ
فلم يَبقَ إلا غُبَّرٌ مِن تَذَكُّرٍ / إذا لاحَ مَغْنًى لِلْبَخيلةِ مِحْلالُ
وقد خَلَفَ الدّهْرُ الغَواني فصَرْفُهُ / كألحاظِها في مَنزِلِ الحَيّ مُغْتالُ
ولَم أدْرِ مَنْ أدنى إِلى الغَدْرِ صاحِبي / أمِ الدّهْرُ أم مَهْضومَةُ الكَشْحِ مِكْسالُ
منَ العَربيَّاتِ الحِسانِ كأنَّها / ظِباءٌ تُناغِيها بِوَجْرَةَ أطفالُ
يُباهي بها الليْلُ النّهارَ فشُبْهُهُ / عُقودٌ ومِن عَيْنِ الغَزالَةِ أحْجالُ
فلا وصْلَ حتّى يَذْرَعَ العِيسُ مَهْمَهاً / إذا الجِنُّ غَنّتْنا بهِ رَقَصَ الآلُ
نَزورُ إماماً يَعلَمُ الله أنّهُ / مُطيقٌ لأعْباءِ المَكارِمِ مِفْضالُ
يَضيقُ على قُصّادِهِ كُلُّ مَنهَجٍ / فَقد مَلأَتْ أقطارَهُ عَنه قُفَّالُ
إليكَ ابن عَمِّ المُصْطَفى تَرتَمي بِنا / رَكائِبُ أنْضاهُنَّ وَخْدٌ وإرْقالُ
لَئِنْ لوَّحَتْنا الشّمسُ والبُرْدُ مُنْهِجٌ / فَقَد يَبلُغُ المَجْدَ الفَتى وهْوَ أسْمالُ
ولَم يَبْقَ منّي في مُهاواتِنا السُّرى / ومِنْ صاحِبي إلا نِجادٌ وسِرْبالُ
أضاءَتْ لنا الأيّامُ في ظِلِّ دَولَةٍ / بِعَدْلِكَ فيها للرّعِيَّةِ إهْلالُ
وما الأرْضُ إلا الغَابُ أنتُمْ أُسودُهُ / وهَلْ يُستَباحُ الغابُ يَحْميهِ رِئبالُ
وإنَّ امرأً ولَّيْتَهُ الحَرْبَ لاقِحاً / قَليلٌ لهُ في مُعْضِلِ الخَطْبِ أمثالُ
تتَبَّعَ أهواءَ النُفوسِ فصرَّحَتْ / بحُبِّكَ أقوالٌ لَهنَّ وأفعالُ
وسكَّنَ رَوْعَ النّائِباتِ بِعَزْمَةٍ / يَذِلُّ لَها في حَوْمَةِ الحَرْبِ أبْطالُ
فَلَمْ يَسْتَشِرْ حَدَّيْهِ أبيضُ صارِمٌ / ولا هَزَّ مِن عِطْفَيْه أسْمَرُ عَسّالُ
ورُدَّتْ صُدورُ الخَيلِ وهْيَ سليمةٌ / كما سَلِمَتْ في الرّوْعِ منْهُنَّ أكْفالُ
على حينِ صاحَتْ بالضَّغائنِ فِتنةٌ / ومَدَّتْ هَوادِيها إِلى القَومِ آجالُ
ولَو لَمْ توَقِّرْها أناتُكَ لالْتَقَتْ / بمُعْتَرَكِ الهَيجاءِ هامٌ وأوْصالُ
فأنت اللّبابُ المَحْضُ مِن آل هاشمٍ / بِذِكْرِكَ أعوادُ المَنابِرِ تَختالُ
عليْكَ التَقَى بالفَخْرِ عَمْروٌ وعامِرٌ / فلِلَّهِ أعمامٌ نَمَوْكَ وأخوالُ
أغَرُّ كِنانيٌ عَلَتْ مُضَرٌ بهِ / وأروعُ مِن عُلْيا رَبيعةَ ذَيّالُ
هُمُ القوْمُ يَقْرُونَ الرَّجاءَ عَوارِفاً / على ساعةٍ فيها السَّمَاحَةُ أقوالُ
بِمُستَمطِراتٍ مِن أكُفٍّ كَريمَةٍ / تَزاحَمُ آجالٌ علَيها وآمالُ
إذا أنعَموا أغْنَوْا وإنْ قَدَرُوا عَفَوْا / وإنْ ساجَلوا طالُوا وإنْ حاوَلوا نالوا
وتلكَ مَساعِيهِمْ فلَو شِئْتُ حَدّثَتْ / بما استُودِعَتْ منها شُهورٌ وأحوالُ
ولِلشِّعْرِ منها ما أؤَمِّلُ فالعُلا / إذا لَم أسِمْها بالقَصائِدِ أغْفالُ
ورُبَّ مُغالٍ في مَديحي نَبَذْتُهُ / ورائي فخَيْرٌ مِن أيادِيهِ إقْلالُ
وعِفْتُ ثَراءً دونَه يَدُ باخِلٍ / إذا لَم أصُنْ عِرضي فلا حَبّذا المالُ
ولم أرضَ إلا بالخَلائِفِ مَطلَباً / فما خاملٌ ذِكري ولا النّاسُ أشكالُ
وأعتَقْتُ إلا من نَوالِكَ عَاتِقي / على أنَّ أطواقَ المَواهبِ أغلالُ
أهذه خَطَراتُ الرَّبْرَبِ العِينِ
أهذه خَطَراتُ الرَّبْرَبِ العِينِ / أمِ الغُصونُ على أنْقاءِ يَبْرينِ
رَمَيْنَ إيماءَ مَطْويٍّ على وجَلٍ / عَن ناظِرٍ لا يُقِلُّ الجَفْنَ مَوهونِ
كأنَّهُنَّ مَهاً تَهفو بأعيُنِها / لِبارِقٍ بهَوادي الرِّيحِ مَقْرونِ
عَرَضْنَ والعِيسُ مُرخاةٌ أزِمَّتُها / يَرتاحُ مِنهُنَّ مَعقولٌ لمَرْسونِ
بمَوقِفٍ لا تَرى فيه سِوى دَنِفٍ / دامي الجُفونِ طليحِ الشّوقِ مَحزونِ
فلَستُ أدري وقد أتْبَعْتُهُنَّ ضُحىً / طَرْفي ولَيسَ على قلبي بمأمونِ
قُدودُها أم رِماحُ الحَيِّ تُحدِقُ بي / وأعيُنٌ أم سِهامُ القَوْمِ تُصْميني
مِنْ كُلِّ مالِئَةِ الحِجْلَينِ ما بَخِلَتْ / إلا لِتَمْطُلَني دَيْني وتَلْويني
يا لَيتَ شِعري ولَيتٌ غَيرُ مُجديةٍ / والدّهرُ يَعْدِلُ بي عمّا يُمنِّيني
هَل أورِدَنَّ رِكابي وهْيَ صادِيَةٌ / ماءَ العُذَيبِ فيُرويها ويُرْويني
ونَفْحةُ الشِّيحِ إذ فاحَ النسيمُ بها / مِن غُلَّةٍ أضْمَرَتْها النَّفسُ تَشفيني
أوْ أطْرُقَنَّ القِبابَ الحُمْرَ يَصْحَبُني / أغَرُّ مِن كُلِّ ما أخشاهُ يُنْجيني
والخَطْوُ أَطويهِ أحياناً وأنشُرُهُ / والرُعْبُ يَنشُرني طَوْراً ويَطْويني
إذا الحِجى ردَّني عمَّا أهُمُّ بهِ / رَنا إليَّ الشَّبابُ الغَضُّ يُغْريني
وعُصبةٍ لا تُطيفُ المَكرُماتُ بها / ولا تُليحُ مِنَ الفَحشاءِ والهُونِ
تَريشُها ثَروةٌ لا أستَكينُ لَها / وإنْ ألَحَّ عَليَّ الدَّهْرُ يَبريني
هَيهاتَ أن يَطَّبيني شَيْمُ بارِقَةٍ / في مُستَحيرٍ يَسُدُّ الأُفْقَ مَدْجونِ
ولإمامِ أبي العبَّاسِ عارِفَةٌ / تُروي الصَّدى والندىً المَنزورُ يُظْميني
إذا دَعَوتُ لها المُستَظهِرَ ابتدَرَتْ / مِن كفِّهِ سُحُبُ الجَدْوى تُلَبّيني
ذو هِمّةٍ بالعُلا مَشغوفَةٍ جَمَعَتْ / مِنَ المَكارِمِ أبكاراً إِلى عُونِ
لَم يَرْضَ بالأرضِ فاختارَ السّماء لها / حتى اطمأنَّتْ بِرَبْعٍ غَيرِ مَسكونِ
تَعتادُهُ هَيبَةٌ في طَيِّها كَرَمٌ / وشِدّةٌ شابَها الأحلامُ باللّينِ
ويوطِئُ الخَيْلَ والهَيجاءَ لاقِحةٌ / هامَ العِدا بينَ مضروبٍ ومَطعونِ
وتَحتَ راياتِهِ آسادُ مَلحَمَةٍ / في ظَهرِ كُلِّ أقَبِّ البَطنِ مَلبُونِ
سودٌ كحائِمَةِ العُقبانِ يَكْنُفُها / عِزٌّ تَبَلَّجَ عن نَصْرٍ وتَمكينِ
إذا استَنامَتْ إِلى العِصيانِ مارِقةٌ / يَأبى لها الحَيْنُ أن تَبقى إِلى حِينِ
مَشَوْا إليها بأسيافٍ كما انكَدَرَتْ / شُهْبٌ ثواقِبُ في إثْرِ الشّياطينِ
إذا انْتَضى الرأيَ لم تضْجَعْ غُمودُهُمُ / بكلِّ أبيضَ ماضي الحدِّ مَسنونِ
يا خيرَ مَن ألقَحَ الآمالَ نائِلُهُ / بموعدٍ يَلِدُ النَّعماءَ مَضمونِ
ولَّى الصّيامُ وقد أوْقرْتَهُ كَرَماً / أفضى إليكَ بأجرٍ غَيرِ مَمنونِ
وأقبَلَ العيدُ مُفْترّاً مَباسِمُهُ / بِطائرٍ هزَّ مِن عِطفَيْكَ مَيمونِ
ومُقْرَباتٍ خَطَتْ عَرْضَ الفَلاةِ بنا / قُبٍّ سَراحيبَ أمثالَ السّراحينِ
إليكَ والخَيرُ مطلوبُ ومُتَّبَعٌ / زَجَرْتُها كأضاميمِ القَطا الجُونِ
والعِيسُ هافِيَةُ الأعناقِ من لَغَبٍ / كالنخْلِ كانتْ فعادَت كالعَراجينِ
يَحمِلْنَ مَدحَكَ والرَّاوي يُنَشِّرهُ / عَن لؤلؤٍ بمَناطِ العِقْدِ مَوضونِ
يُصغِي الحَسودُ لهُ مَلآنَ مِن طَرَبٍ / ومِنْ جَوىً بمَقيلِ الهَمِّ مكْنونِ
والحَمْدُ لا يَجْتَنيهِ كُلُّ مُلْتَحِفٍ / باللُّؤمِ مِن صَفْقَةِ العَلياءِ مَغبونِ
ومَن نُرجّيهِ للدُنيا ونَمدَحُهُ / فأنتَ تُمدَحُ للدُّنْيا وللدينِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ / والليلُ يَنشُرُ وَفْرَةَ الظَّلماءِ
فرَأَتْ رَذايا أنْفُسٍ تُدْمي بِها / أيدي الخُطوبِ غَوارِبَ الأنْضاءِ
وإذا النّوى مَدّتْ إلينا باعَها / سُدّتْ بِهِنَّ مَطالِعُ البَيْداءِ
أأُمَيمَ كيفَ طوَيتِ أروِقَةَ الدُجى / في كلِّ أغْبَرَ قاتِمِ الأرجاءِ
هلا اتَّقَيتِ الشُّهْبَ حين تَخاوَصَتْ / فرَنَتْ إليكِ بأعيُنِ الرُّقَباءِ
خُضْتِ الظَّلامَ ومِن جَبينِكِ يُجْتَلى / صُبْحٌ يَنِمُّ عليكِ بالأضواءِ
فطَرَقْتِ مَطْويَّ الضلوعِ على جوًى / أغضَى الجُفونَ بهِ على الأقذاءِ
مِن أرْيَحيَّاتٍ إذا هَبَّتْ بِها / ذِكرى الحَبيبِ نهَضْنَ بالأحشاءِ
قَسَماً بثَغْرٍ في رُضابِكِ كارِعٍ / فكأنَّهُ حَبَبٌ على صَهْباءِ
وجُفونِكِ المَرضَى الصَّحيحةِ لا دَرَتْ / ما الدّاءُ بل لا أفْرَقَتْ مِن داءِ
لأُخالِفَنَّ هوى العَذولِ فَطالما / أفضى المَلامُ بهِ إِلى الإغراءِ
وإذا القُلوبُ تَنَقَّلَتْ صَبَواتُها / في الغانِياتِ تنَقُّلَ الأفْياءِ
لمْ تَتِّبِعْ عَيني سِواكِ ولا ثَنى / عَنْكِ الفُؤادَ تَقَسُّمُ الأهواءِ
وأقلُّ ما جَنَتِ الصّبابَةُ وَقْفَةٌ / مَلَكَتْ قِيادَ الدَّمعِ بالخَلْصاءِ
وبَدا لنا طَلَلٌ لرَبْعِكِ خاشِعٌ / تَزدادُ بَهجَتُهُ على الإقواءِ
وأَبِي الدِّيارِ لقد مشى فيها البِلى / وعَفَتْ معالِمُها سِوى أشْلاءِ
يَبكي الغَمامُ بها ويَبْسِمُ رَوضُها / لا زِلْنَ بينَ تَبَسُّمٍ وبُكاءِ
وقَفَتْ مَطايانا بِها فعَرَفْنَها / وكَفَفْنَ غَرْبَيْ مَيْعَةٍ ونَجاءِ
وهزَزْنَ مِن أعطافِهنَّ كأنَّما / مُلِئَتْ مَسامِعُهُنَّ رَجْعَ غِناءِ
ونَزَلْتُ أفتَرشُ الثَّرى مُتَلوِّياً / فيهِ تلوِّيَ حيَّةٍ رَقْشاءِ
وبنَفْحَةِ الأرَجِ الذي أودَعْتِهِ / عَبقَتْ حَواشي رَيْطَتي وردائي
وكأنني بِذَرا الإمامِ مُقَبِّلٌ / مِن سُدَّتَيْهِ مُعَرَّسَ العَلياءِ
حيثُ الجِباهُ البِيضُ تَلْثِمُ تُرْبَهُ / وتَحُلُّ هَيبَتُهُ حُبا العُظَماءِ
وخُطا المُلوكِ الصِّيدِ تَقْصُرُ عِندَهُ / وتَطولُ فيهِ ألْسُنُ الشُّعَراءِ
مَلِكٌ نَمَتْ في الأنبياءِ فروعُهُ / وزَكَتْ بهِ الأعْراقُ في الخُلَفاءِ
بلغَ المَدى والسِّنُّ في غُلَوائِها / خَضِلَ الصِّبا مُتكَهِّلَ الآراءِ
فغَدا الرَّعيَّةُ لائِذينَ بظِلِّهِ / يَرْجُونَ غَيْثَ حَياً ولَيْثَ حَياءِ
ومَرابِضُ الآسادِ في أيَّامِهِ / بالعَدْلِ مثْلُ مَجاثِمِ الأطْلاءِ
مَلأَ البِلادَ كَتائِباً لَمْ يَرضَعوا / إلا لِبانَ العِزَّةِ القَعْساءِ
يتَسَرَّعونَ إِلى الوَغى بِصَوارِمٍ / خَلَطَتْ بنَشْرِ المِسكِ ريحَ دِماءِ
لم تَهجُرِ الأغمادَ إلاّ رَيْثَما / تَعرى لِتُغْمَدَ في طُلَى الأعداءِ
مِن كُلِّ مَشْبوحِ الأشاجِعِ ساحِبٍ / في الرَّوعِ ذَيْلَ النَّثْرةِ الحَصْداءِ
يَنسابُ في الأدْراعِ عامِلُ رُمْحِهِ / كالأَيْمِ يَسبَحُ في غَديرِ الماءِ
أخذَ الحُقوقَ بِهِمْ وأعطاها مَعاً / والحَزْمُ بَينَ الأخْذِ والإعطاءِ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا وقدِ اكْتَسَتْ / شَمَطاً فُروعُ الروضَةِ الغنَّاءِ
فَدنا الغَمَامُ وكاد يَمْري المُجْتَدِي / بِيَدَيْهِ خِلْفَ المُزْنَةِ الوَطْفاءِ
لَولاهُ لَم تَشِمِ الرِّياضُ بأعْيُنٍ / مِن زَهرِهِنَّ مَخايِلَ الأنْواءِ
خُلِقَتْ طِلاعَ القَلْبِ هَيْبَتُكَ التي / خَلفَتْ غِرارَ السَّيفَ في الهَيجاءِ
ونَضا وَزيرُكَ دونَ مُلْكِكَ عَزْمَةً / تَكْفيهِ نَهْضَةَ فَيلَقٍ شَهباءِ
وتَرُدُّ مَن قَلِقَتْ بهِ أضْغانُهُ / حَيَّ المَخافَةِ مَيِّتَ الأعضاءِ
وتُصيبُ شاكِلَةَ الرَّمِيِّ إذا بَدَتْ / رِيَبٌ تُهيبُ بِمُقْلَةٍ شَوْساءِ
فكأنَّ أسرارَ القُلوبِ تُظِلُّهُ / بغُيوبِهنَّ جَوائِبُ الأنباءِ
يَسعى ويَدْأبُ في رِضاكَ وإنْ غَلَتْ / مُهَجُ النفوسِ عَلَيهِ بالشَّحْناءِ
وإذا الزَّمانُ أتى بخَطْبٍ مُعْضِلٍ / ولِيَ افتِراعَ الخُطَّةِ العَذْراءِ
وإصابَةُ الخُلَفاءِ فيما حاوَلوا / مَقْرونَةٌ بِكِفايَةِ الوُزَراءِ
لا زِلْتُما مُتَوَشِّحَيْنِ بِدَوْلَةٍ / مُرْخًى ذَوائِبها عَلى النَّعماءِ
أثِرْها وهْيَ تَنتَعِلُ الظِّلالا
أثِرْها وهْيَ تَنتَعِلُ الظِّلالا / وإنْ ناجَتْ مَناسِمُها الكَلالا
فليسَ بمُنحَنى العَلَمَيْنِ وِرْدٌ / يُرَوّي الرَّكْبَ والإبِلَ النِّهالا
وهَبْها فارَقَتْهُ فأيُّ وادٍ / تُصادِفُ في مَذانِبهِ بِلالا
كأنّكَ حينَ تُزْجرُها وتُرخِي / أزِمَّتَها تَروعُ بها رِئالا
فكَم تُدمي أخِشَّتَها بِسَيرٍ / يُحَكِّمُ في غَوارِبِها الرِّحالا
وتُسري في ضَميرِ اللَّيلِ سِرّاً / وتَخْطِرُ في جَواشِنهِ خَيالا
وتَفْري الأرضَ أحياناً يَميناً / على لَغَبٍ وآوِنَةً شِمالا
فتُوطِئُها وإنْ حَفِيَتْ جِبالاً / وتُغْشيها وقد رَزَحَتْ رِمالا
بآمالٍ تُلَقِّحُهُنَّ عُجْبا / بِهِنَّ وهُنَّ يُسرِرْنَ الحِيالا
ولَو خَبِرَ البَرِيّةَ مَنْ رَجاهُمْ / لَشَد على مَطِيَّتِه العِقالا
إذا لم يَسْتَفِدْ مِنهمْ نَوالاً / فَلِمْ يُزجي على ظَلَعٍ جِمالا
طلائِحَ كالقِسيِّ فإنْ تَرامتْ / على عَجَلٍ به حَكَتِ النِّبالا
وأينَ أغَرُّ إنْ يَفزَعْ كَريمٌ / إليهِ يَجِدْهُ لِلْعافي ثِمالا
إذا التفَتَتْ عُلاهُ إِلى القوافي / وفَدْنَ على مَكارِمهِ عِجالا
مَتى تُرِدِ الثّراءَ فلسْتَ منّي / وخِدْني غَيرُ مَنْ سألَ الرِّجالا
فلا تَصْحَبْ مِنَ اللُّؤَماءِ وغْداً / يكونُ على عَشيرتِهِ عِيالا
وشايِعْنِي فإنّي لسْتُ أُبْدي / لِمَن يَنوي مُخالَصَتي مَلالا
ومَنْ أعْلَقْتُهُ أهْدابَ وعْدٍ / بِما يَهْواهُ لَم يَخَفِ المِطالا
أنا ابنُ الأكرَمينَ أباً وأمّاً / وهُمْ خَيْرُ الوَرى عمّاً وخالا
أشَدُّهُمُ إذا اجتَلَدوا قِتالاً / وأوثَقُهُمْ إذا عَقَدوا حِبالا
وأرجَحُهُمْ إذا قَدَروا حُلُوماً / وأصْدَقُهُمْ إذا افتَخَروا مَقالا
وأصْلَبُهُمْ لدى الغَمَراتِ عُوداً / إذا الخَفِراتُ خَلَّيْنَ الحِجالا
غَنُوا في جاهِليَّتِهمْ لَقاحاً / ونارُ الحَربِ تَشْتَعِلُ اشتِعالا
ويُسمَعُ للكُماةِ بها ألِيلٌ / إذا خَضَبَتْ ترائِبُهُمْ إلالا
وإنْ دُعِيَتْ نَزالِ مَشَوا سِراعاً / إِلى الأقْرانِ وابْتَدَرَوْا النِّزالا
يكَبُّونَ العِشارَ لمُعْتَفيهِمْ / ويَرْوونَ الأسِنَّةَ والنِّصالا
ويَثْنونَ المُغيرَةَ عن هواها / إذا الوادي بِظَعْنِ الحَيِّ سالا
ويَحتَقِبونَ أعماراً قِصاراً / ويعتقِلونَ أرماحاً طِوالا
على أثباجِ مُقرَبَةٍ تمطَّتْ / بِهمْ ورِعالُها تَنْضوا الرِّعالا
فجَرُّوا السُّمْرَ راجِفَةً صُدوراً / وقادوا الجُرْدَ راعِفةً نِعالا
بأيْدٍ يُسْتَشَفُّ الجودُ فيها / تُفيدُ مَحامِداً وتُفيتُ مالا
وأوجُهُهُمْ إذا بَرِقَتْ تجلَّتْ / عَليها هَيْبةٌ حَضَنَتْ جَمالا
وإنْ أشرَقْنَ فاكْتَحَلَتْ عُيونٌ / بها لمْ تَرْضَ بالقَمَرِ اكْتِحالا
وقدْ مُلِئَتْ أسِرَّتُها حَياءً / وأُلْبِسَتِ المَهابَةَ والجَلالا
وفي الإسلامِ ساسوا النّاسَ حتّى / هُدوا للحَقِّ فاجْتَنَبوا الضَّلالا
وهُمْ فتَحوا البِلادَ بِباتِراتٍ / كأنَّ على أغِرَّتِها ثِمالا
ولولاهُمْ لَما دَرَّتْ بِفَيءٍ / ولا أرْغى بها العَرَبُ الفِصالا
وقَدْ عَلِمَ القبائِلُ أنَّ قَومِي / أعزُّهُمُ وأكرَمُهُمْ فَعالا
وأصْرَحُهُمْ إذا انْتَسَبوا أصُولاً / وأعظَمُهُمْ إذا وَهَبوا سِجالا
مَضَوا وأزالَ مُلْكَهُمُ اللّيالي / وأيَّةُ دَولَةٍ أمِنَتْ زَوالا
وقَد كانوا إذا رَكِبوا خِفافاً / وفي النَّادي إذا جَلَسوا ثِقالا
ولَمْ يَسْلُبْهُمُ سَفَهٌ حُباهُمْ / وكيفَ تُزعْزِعُ الرِّيحُ الجِبالا
وفيمَنْ خَلَّفوا أسْآرَ حَرْبٍ / كأُسْدِ الغابِ تقتحِمُ المَصالا
يُراميهِمْ أراذِلُ كُلِّ حَيٍّ / وهُمْ نَفَرٌ يُجيدونَ النِّضالا
ويَدْنو شأوُ حاسدِهِمْ ويَنْأى / عليهِ مَناطُ مَجدِهمُ مَنالا
وها أنا مِنهُمُ والعِرْقُ زاكٍ / أشُدُّ لمَنْ يَكيدُهُمُ القِبالا
نَماني مِنْ أمَيَّةَ كُلُّ قَرْمٍ / تَرُدُّ البُزْلَ هَدْرَتُهُ إفالا
أُشَيِّدُ ما بَناهُ أبي وجَدّي / وأحْمي العِرْضَ خِيفَةَ أن يُذالا
بِعارِفةٍ أريشُ بِها كَريماً / إذا طَلبَ الغِنى كرِهَ السُّؤالا
وكابي اللّونِ يغْمُرُهُ نَجيعٌ / فَيَصْدَأُ أو أُجِدَّ لهُ صِقالا
وكُلّ مَفاضَةٍ تَحْكي غَديراً / يُعانِقُ وهْوَ مُرتَعِدٌ شَمالا
وقَدْ أهْدى الدَّبى حَدَقاً صِغارا / لها فتحوَّلَتْ حَلَقاً دِخالا
وأسْمَرَ في نُحولِ الصَّبِّ لَدْنٍ / كقَدِّ الحِبِّ لِيناً واعْتِدالا
تَبِينُ لهُ مَقاتِلُ لمْ تُصِبْها / بَسالَةُ أعْزَلٍ شَهِدَ القِتالا
وكيفَ يَضِلُّ في الظَّلْماءِ سَارٍ / ويَحمِلُ فوْقَ قِمَّتِهِ ذُبالا
فإنْ أفْخَرْ بِآبائِي فإنّي / أراهُمْ أشْرَفَ الثَّقَلَيْنِ آلا
وفِيَّ فَضائِلٌ يُغْنينَ عَنْهُمْ / بِها أوْطَأتُ أخمَصِيَ الهِلالا
تَريعُ شَوارِدُ الكَلِمِ البَواقي / إليَّ فَلا اجْتِلابَ ولا انتِحالا
فإنْ أمْدَحْ إماماً أو هُماماً / فَلا جاهاً أرومُ ولا نَوالا
وأنْظِمُ حينَ أفخَرُ رائِعاتٍ / تَكونُ لكُلِّ ذي حَسَبٍ مِثالا
وأعْبَثُ بالنَّسيبِ ولَسْتُ أغْشى ال / حَرامَ فيَقْطُرُ السِّحْرَ الحَلالا
إذا وسِعَ التُّقى كَرَمي فأهْوِنْ / بِخَوْدٍ ضاقَ قُلْباها مَجالا
ومَنْ عَلِقَ العَفافُ بِبُرْدَتَيْهِ / رَأى هُجْرانَ غانِيَةٍ وِصالا
فلَمْ أسَلِ المَعاصِمَ عنْ سِوارٍ / ولا عَنْ حَجْلها القَصَبَ الخِدالا
ولَولا نَوْشَةُ الأيَّامِ منِّي / لَما نَعِمَ اللِّئامُ لَدَيَّ بالا
ولكنّي مُنِيتُ بِدَهْرِ سَوْءٍ / هوَ الدَّاءُ الذي يُدْعَى عُضالا
يُقَدِّمُ مَنْ يَنالُ النَّقْصُ مِنْهُ / ويَحرِمُ كُلَّ مَنْ رُزِقَ الكَمالا
بَدَتْ عَقِداتُ الرّمْلِ والجَرَعُ العُفْرُ
بَدَتْ عَقِداتُ الرّمْلِ والجَرَعُ العُفْرُ / فَمِسْنا كما يَعْتَنُّ في المَرَحِ المُهْرُ
ودُسْنا بأخْفافِ المَطيِّ بِها ثَرًى / يَنُمُّ على مَسْرى الغَواني بهِ العِطْرُ
كأنَّ دِيارَ الحَيِّ في جَنَباتها / صَحائِفُ والرَّكْبَ الوُقوفَ بِها سَطْرُ
تَزيدُ على الإقْواءِ حُسْناً كأنّهُمْ / حُلولٌ بِها والدّارُ مِنْ أهلِها قَفْرُ
مَحا آيَها صَرْفُ اللّيالي وقَلَّما / يُرَجَّى لِما تَطْويهِ أيدي البِلى نَشْرُ
بِما قَدْ ترى مُخْضَرَّةً عَرصاتُها / يُجيب صَهيلَ الأعْوَجِيِّ بِها الهَدْرُ
ويأْوي إلَيها مِنْ لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ / إذا شَبَّتِ الهَيْجاءُ ذو لَجَبٍ مَجْرُ
وكُلُّ فتًى يَرْدي بهِ الطِّرْفُ في الوَغى / مُشيحاً كَما أوفى على المَرْقَبِ الصَّقْرُ
وأرْوَعُ وافي اللُّبِّ والسِّلْمِ جامعٌ / وفي الحَرْبِ إن حكَّتْ بهِ بَرْكَها غَمْرُ
وكَمْ في هَوادي سِرْبِهِم مِنْ مُهَفْهَفٍ / إذا خَطَرَ استَعْدى على الكَفَلِ الخَصْرُ
يَميسُ اهْتِزازَ الخُوطِ غازَلَهُ الصَّبا / ويَنْظُرُ عنْ نَجلاءَ أضْعَفَها الفَتْرُ
ومِنْ رَشأٍ يَثْني عليَّ وِشاحَهُ / بِما حدَّثَتْهُ عنهُ مِنْ عِفَّتي أُزْرُ
لهُ ريقَةٌ ما ذُقْتُها غيرَ أنَّنِي / أظُنُّ وظنِّي صادِقٌ أنَّها خَمْرُ
ووَجْهٌ يَرُدُّ اللّيلَ صُبْحاً بهِ السَّنا / وفَرعٌ يُريكَ الصُّبْحَ لَيْلاً بهِ الشَّعْرُ
وجِيدٌ كما يَعْطُو إِلى البَانِ شادِنٌ / تُفيءُ علَيه الظِّلَّ أفْنانُهُ الخُضْرُ
وعَينٌ كما تَرْنو المَهاةُ إِلى طَلاً / إذا غابَ عَنها اغْتالَ خَطْوَتَهُ الذُّعْرُ
أقولُ لهُ والليلُ واهٍ عُقودُهُ / كأنَّ تَوالي شُهْبِهِ اللُّؤلُؤُ النَّثْرُ
أتَهْجُرُ مَن غادَرْتَ بينَ ضُلوعِهِ / جَوًى يتلظّى مثلَما يَقِدُ الجَمْرُ
وتُلْزِمُهُ أنْ يَكتُمَ السِّرَّ بَعدَما / أُطِيعَ له الواشي فسِرُّ الهَوى جَهْرُ
وتَزْعُمُ أن الهَجرَ لا يُعْقِبُ الرَّدى / وهَل حادِثٌ يخْشى إذا أُمِنَ الهَجْرُ
وَقَفْنا بِمُسْتَنِّ الوَداعِ وراعَنا / بِحُزْوى غُرابُ البَيْنِ لا ضَمَّهُ وكْرُ
وألَّفَ ما بينَ التَّبَسُّمِ والبُكا / سُلُوٌّ ووَجْدٌ عِيلَ بَينُهُما الصَّبْرُ
فواللهِ ما أدري أثَغْرُكِ أدْمُعي / غَداةَ تَفَرَّقْنا أمِ الأدْمُعُ الثَّغْرُ
تبَرَّمَتِ الأجفانُ بَعدَكِ بِالكَرى / فَلا تَلتَقي أو نَلْتقي ولها العُذْرُ
تَغيبُ فلا يَحلى بِعَيني مَنظَرٌ / ويَكثُرُ منّي نحوَهُ النّظَرُ الشَّزْرُ
ويلفِظُ سَمْعي مَنطِقاً لمْ تَفُهْ بهِ / على أنّهُ كالسِّحْرِ لا بل هو السّحْرُ
فَفيهِ وما كُلُّ الكَلامِ بِمُشْتَهى / سوى مَدْحِ فَخْرِ الدّينِ عن مِثْلِهِ وَقْرُ
خَطا فوقَ أعناق الأعادي إِلى عُلاً / لَها بَينَ أطرافِ القَنا مَسْلَكٌ وعْرُ
بِماضي الشَّبا رَطْبِ الغِرارَيْنِ لمْ يَزَلْ / يُراعُ بهِ صِيْدُ الكُماةِ أوِ الجُزْرُ
ومُرتَعِدِ الأُنْبوبِ يُرْوي سِنانَهُ / دَمٌ مائِرٌ والدُّهْمُ مِن نَضْحِهِ شُقُ
لهُ طَعَناتٌ إنْ سُبِرْنَ تَخاوَصَتْ / إِلى مَن يُداويهِنَّ أعْيُنُها الخُزْرُ
إذا ما دَعا لَبّاهُ كُلُّ سَمَيْدَعٍ / تُعَلُّ بِكَفَّيهِ الرُّدَيْنيَّةُ السُّمْرُ
يَظلُّ وفي ظَهْرِ الحِصانِ مَقيلُهُ / ويُمْسي وبَطْنُ المَضْرَحِيِّ لهُ قَبْرُ
مِنَ المَزيَديّينَ الذينَ نَداهُمُ / لِمُسْتَمطِريهِ لا بَكِيٌّ ولا نَزْرُ
أكُفٌّ سِباطٌ تُمْتَرى نَفَحاتُها / إذا لمْ يكُنْ في دَرِّ جاذِبةٍ غَزْرُ
وخَيْرٌ مِن المالِ الثَّناءُ لِماجِدٍ / يُراقِبُ أعقابَ الأحاديثِ والذِّكرُ
ولِلجارِ فيهمْ ذِمَّةٌ لَم يُهِبْ بها / وقَد أطْفأَ المُثْرونَ نارَ القِرى غَدْرُ
يَحِلُّ يَفاعاً يَخْزَرُ النَّجْمُ دونَهُ / ويَعْتَنِقُ الجَوْزاءَ في ظِلِّهِ الغَفْرُ
أذَلُّوا بِسَيفِ الدّولةِ ابنِ بَهائِها / رِقاباً فأرْخَى مِن عَلابِيِّها القَسْرُ
أغَرُّ إذا ما النِّكْسُ أرْتَجَ بابَهُ / فما دونَ ناديهِ حِجابٌ ولا سِتْرُ
وإن شامَ مَنْ ألوى بهِ المحْلُ بَرْقَهُ / تَيَقَّنَ أنَّ العُسْرَ يتْبَعَهُ اليُسْرُ
تُبيدُ يَداهُ ما يُفيدُ بِبَأسِهِ / فلَيسَ سِوى الذِّكْرِ الجَميلِ لهُ ذُخْرُ
عَليه رِداءٌ لمْ يَشِنْ صَنِفاتِهِ / أثامٌ ولَمْ يَعْلَقْ بأذْيالِهِ وِزْرُ
إذا القُبَّةُ الوَقصاءُ مالَ عَمودُها / وقصَّرَ مِن أطْنابِها نُوَبٌ تَعْرو
ولَمْ يَسْرِ مَرقوعُ الأظَلِّ على الوَجى / رَذِيّ مَطايا حَطَّ أكْوارَها السَّفْرُ
رَجا البَدْوُ مِنهُ ما يُرَجَّى مِنَ الحَيا / وأمَّلَهُ تأميلَ وابِلِهِ الحَضْرُ
لهُ نِعَمٌ تَنْمي على الشُّكْرِ في الوَرى / وإنْ جَحدَوها لمْ يَحُلْ دونَها الكُفْرُ
هو العُرْفُ إنْ يُشْكَرْ يُضاعَفْ وإنْ يُثَبْ / يُتابَعْ وإنْ يُكفَرْ ففي بَذْلِهِ الأجْرُ
وحَرْبٍ عَوانٍ لمْ يَخُضْ غَمَراتِها / سِوى أسَدِيٍّ هَمُّهُ الفَتْكَةُ البِكْرُ
إذا ورَدَتْها البِيضُ يَلْهَثْنَ مِنْ صدًى / رَجَعْنَ رِواءً وهْيَ قانِيَةٌ حُمْرُ
يَئِنُّ لها الأبطالُ مِنْ حَذَرِ الرَّدى / أنينَ هَوامي العِيسِ أضْجَرَها العِشْرُ
ويَزْأَرُ في حافاتِها كُلُّ ضَيْغَمٍ / إذا كَلَّ فيها نابُهُ خَدَشَ الظُّفْرُ
سَما نَحوها في غِلْمَةٍ ناشِرِيَّةٍ / لهَمْ في صَهيلِ الخَيلِ أو نَقْعِها نُذْرُ
يَفوتونَ بالأوْتارِ مَنْ عَلِقوا بِهِ / وتَأبى العَوالي أنْ يَفوتَهُمُ وِتْرُ
إذا صِيحَ بالشَّعْواءِ في الحَيِّ أُسْرِجَتْ / نَزائِعُ مَعْصوبٌ بأعْرافها النَّصْرُ
يَنُمُّ على أعراقِها مِنْ رُوائِها / تَباشِيرُ عِتْقٍ قَبلَ أن يُخْبَرَ الحُضْرُ
فما راعَهُمْ جَرْسُ الخَلاخيلِ والبُرى / ولا زالَ رُعْباً عنْ مَعاقِدِها الخُمْرُ
بَني أسَدٍ أنتُمْ مَعاقِلُ خِنْدِفٍ / إذا ما شَحا فاهٌ لَها حادِثٌ نُكْرُ
ولا خَيْرَ إلا في نِزارٍ وخَيْرُها / إذا حُصِّلَ الأحْسابُ دُودَانُ والنَّضْرُ
وفَرْعُ بني دُودانَ سَعدُ بنُ مالِكٍ / وكَهْفُ بني سَعْدٍ سُواءَةُ أو نَصْرُ
وناشِرَةٌ أعلى سُواءَةَ مَحْتِداً / إذا قيل أينَ العِزُّ والعَدَدُ الدَّثْرُ
وأثْبَتُها في حَومَةِ الحَرْبِ مالِكٌ / وعَوفٌ وذو الرُّمْحَينِ جَدُّكُمُ عَمْرو
ومَنْ كَحُيَيٍّ أو كَجِلْدٍ ومَرْثَدٍ / ورَيّانَ والآفاقُ شاحِبةٌ غُبْرُ
وأرْحَبُهُمْ باعاً عَليٌّ ومَزْيَدٌ / إذا السّنَواتُ الشُّهْبُ قَلَّ بها القَطْرُ
ومَن كَدُبَيْسٍ حينَ تُفْتَرَشُ القَنا / إذا النَّقْعُ لَيلٌ والظُّبَى أنجُمٌ زُهرُ
وما زالَ مَنصورٌ يُنيفُ على الوَرى / بهِ الشَّرَفُ الوَضَّاحُ والحَسَبُ الغَمْرُ
فسِرْتَ على آثارِهِ مُتَمهِّلاً / ولمْ يَختَلِفْ في السَّعْي بَيْنَكُما النَّجْرُ
ومِنْ أيِّ عِطفَيْكَ التَفَتَّ تَعَطَّفَتْ / عَليكَ بِهِ الشَّمْسُ المُضيئَةُ والبَدْرُ
ومَجدٌ مُعَمٌّ في العَشيرةِ مُخْوَلٌ / أحَلَّ أبا المِظْفارِ ذِرْوَتَهُ كِسْرُ
خَلفْتَهمُ في المَكْرُماتِ وفي العُلا / كما تَخْلُفُ السُّمْرَ المُهَنَّدَةُ البُتْرُ
ولو لم يَكُنْ فيهمْ مُؤَثَّلُ سُؤدَدٍ / كَفَتْهُم مساعِيكَ المُحَجَّلةُ الغُرُّ
وكَم شَيّدَتْ أيّامُكُمْ مِن مَناقِبٍ / يُحَدِّثُ عَنها في مَجالِسِها فِهْرُ
نشأنَ وظِئْراها القَواضِبُ والقَنا / لَديْكُمْ وتِرْباها الكَواكِبُ والدَّهْرُ
وقائِعُ رَدّتْ في قُضاعةَ مَذْحِجاً / يَهَشُّ لِذِكْراها ذُؤالةُ والنَّسْرُ
وقَد شارَكَتْ غسّانَ فيهنَّ حِمْيَرٌ / وما سَلِمَتْ مِنهُنَّ قَيْسٌ ولا بَكْرُ
وهانَ على حَيَّيْ خُزَيمَةَ أن ثَوى / عُتَيْبَةُ أو ذاقَ الرَّدى صاغِراً حُجْرُ
فإنَّ سُيوفاً أغْمَدَتْها حلومُهُمْ / لَتَفْري طُلى يَلْوي أخادِعَها الكِبْرُ
وآثارُها مَشهورَةٌ وغُمودُها / إذا جُرِّدَتْ هامُ المُلوكِ ولا فَخْرُ
عُرِفْنَ بحَيْثُ الشّمْسُ تُلقِي جِرانَها / وفي حَيْثُ يَجلو عن مَباسِمِهِ الفَجْرُ
وفي أيِّ عَصْرِ الجاهِليّةِ لمْ يَسُدْ / لكُمْ سَرَواتِ العُرْبِ مَن أمرُهُ الأمْرُ
ولمّا أتى الإسلامُ قُمتُمْ بنَصْرهِ / فلَمْ يُفتَتَحْ إلا بأسيافِكُمْ مِصْرُ
وأنتُمْ إذا عُدَّتْ مَعَدٌّ بمَنْزِلٍ / يُجاوِرُ أحْناءَ الفُؤادِ بهِ الصَّدْرُ
ومُنتَعِلاتٍ بالنَّجيعِ زَجَرْتُها / وهُنَّ بقايا هَجْمَةٍ سَوْطُها الزَّجْرُ
عَدا نَسَلانَ الذِّئْبِ في أخْرَياتِها / أُشَيْعِثُ مَشدودٌ بأمثالِهِ الأُزْرُ
رَحيضُ حواشي البُرْدِ ما شانَهُ الخِنَى / خَفيضُ نَواحي النُّطْقِ ما شابَهُ الهُجْرُ
نَهوضٌ بأعباءِ الرّفيقِ وإنْ غَلا / على مُنحَنى الأضْلاعِ مِنْ صَحْبِهِ غِمْرُ
إذا ما سِراجُ اليَومِ أطْفأَهُ الدُّجى / مَشى كَنَزيفِ القَومِ رنَّحَهُ السُّكْرُ
يَجوبُ بِها والنّومُ حُلْوٌ مَذاقُهُ / أديمَ الفَلا وهْناً وإسْآدُها مُرُّ
لَواغِبُ يُحْذَيْنَ السَّريحَ مِنَ الحَفا / وأوساطُها يَشكُو بِها القلَقَ الضُّفْرُ
أُنِخْنَ وقَد دانى خُطاها كَلالُها / إليكَ فأدْنَتْها البَشاشةُ والبِشْرُ
وقَد شَمِلَتْ عَدْنانَ نِعْمَتُكَ التي / نَعَشْتَ بِها قَحْطانَ إذْ خانَها الوَفْرُ
أرى كُلَّ قَيْسِيٍّ يَنالُ بكَ الغِنى / فَما لخُزَيْمِيٍّ يُحالِفُهُ الفَقْرُ
ولَو لمْ أُجاوِرْ تَغْلِبَ بْنَةَ وائِلٍ / قَرعْتُ ظَنابيبَ النَّوى ويَدي صِفْرُ
وحَولي أناسٌ تُنْفَضُ الرَّاحُ مِنهُمُ / كثيرونَ إلا أن يُقَلِّلَهُمْ خُبْرُ
وقد ساءَني طُولُ الصُّدودِ فلمْ أبُحْ / بِذاكَ وأعناقُ العِدا دونَنا صُعْرُ
وعيَّرْتَني تأخيرَ مَدْحِكَ بُرهةً / ومِنْ أينَ يَستوفي مَناقِبَكَ الشِّعْرُ
وفضُلُكَ لا يستوعبُ الحَصْرُ وصْفَهُ / ومجْدُكَ يَكبو دونَ غاياتِهِ الفِكْرُ
ومِنْ شِيَمي أن أُبليَ العُذْرَ فاسْتَمِعْ / ثَناءً كما يُثْني على الوابِلِ الزَّهْرُ
فإنّكَ بَحْرٌ والقَوافي لآلئٌ / ولا غَرْوَ أن يُستَوْدَعَ اللُّؤلُؤَ البَحْرُ
وكُلُّ مَديحٍ فيكَ يخلُدُ ذِكرُهْ / فمجْدُكَ والمَدْحُ القِلادَةُ والنَّحْرُ
وخَيْرُ قَريضِ القوْمِ ما طالَ عُمْرُهُ / على عُقَبِ الأيامِ طالَ لكَ العُمْرُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ / والسَّيفُ يَلمَعُ والصَّدى يَتضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِماءِ لِينَةَ فاحْتَمى / بِشَبا أسِنِّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ ألبَسَهُ الرَّبيعُ وشَائِعاً / عُنِيَ السِّماكُ بِوَشْيِها والمِرْزَمُ
تُثْني رُباهُ على الغَمامِ إذا غَدا / عافِي النَّسيمِ بِسِرِّها يتكَلَّمُ
حَيْثُ الغُصونُ هَفا بِها ولَعُ الصَّبا / وخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يترَنَّمُ
وأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إلَيهِ مَسامِعاً / يَشكو لَجاجَتَها إليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى ولَم أرَ عَبْرَةً مَسْفوحَةً / أكذاكَ يَبْخَلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ
ولَقَد بَكَيْتُ فلَو رأيتَ مَدامِعي / لعَلِمْتَ أيُّ الباكِيَيْنِ مُتَيَّمُ
شَتّانَ ما وَجْدي ووَجْدُ حَمامَةٍ / تُبْدي الصَّبابَةَ في الحَنينِ وأكْتُمُ
وأزورُ إذْ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً / نَحِلَتْ بِهِنَّ كما نَحِلْتُ الأرْسُمُ
كَمْ وَقْفَةٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها / شَوْقٌ إِلى طَلَلٍ بِرامَةَ يُرْزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إِلى عَرَصاتِهِ / وعلى الجُنَينَةِ نَهْجُهُنَّ المُعْلَمُ
وذَكَرْتُ عَصْراً أسْرَعَتْ خُطُواتُهُ / والعَيْشُ أخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أنَّ شَبيبتي ودَّعْتُها / وأقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يتَصَرَّمُ
لفَظَتْ أحِبَّتَنا البلادُ فَمُعْرِقٌ / تُدمي جَوانحَهُ الهُمومُ ومُشْئِمُ
أزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طلَبِ العُلا / أدْنى صَحابَتِهِ الحُسامُ المِخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغَرَ الفَيافي والدُّجَى / خُوصٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدْقَمُ
يَجْتابُ أرْدِيَةَ الظّلامِ بِمَهْمَهٍ / يَنْسى الصَّهيلَ بهِ الحِصانُ الأدْهَمُ
ويَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي / لَيلٌ بأذْيالِ الصَّباحِ يُلَثَّمُ
ولَهُ إِلى الغَرْبِ التِفاتَةُ وامِقٍ / يُمْري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فتَسْجُمُ
وكأنَّهُ مِمَّا يُميلُ بِطَرْفِهِ / قِبَلَ المَغارِبِ بالثُّريَّا مُلْجَمُ
عَتَقَتْ علَيَّ ألِيَّةٌ سَيُبِرُّها / هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النُّجومِ مُخَيِّمُ
والليلُ يوطِئُ مَن تُؤرِّقُهُ المُنى / خَدّاً بأيدي الأرْحَبِيَّةِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بيَ المَوامي أيْنُقٌ / هُنَّ الحَنِيُّ ورَكْبُهُنَّ الأسْهُمُ
وأُفارِقَنَّ عِصابَةً مِنْ عامِرٍ / يَضْوَى بِصُحبَتِها الكَريمُ ويَسْقَمُ
فسَدَ الزَّمانُ فليسَ يأمَنُ ظُلْمَهُ / أهْلُ النُّهى وبَنوهُ مِنهُ أظْلَمُ
أينَ التَفَتَّ رأيتَ مِنهُمْ أوْجُهاً / يشقى بهنَّ النّاظِرُ المُتَوسِّمُ
وأضَرُّهُمْ لكَ حينَ يُعضِلُ حادِثٌ / بالمَرْءِ مَنْ هوَ في الصّداقَةِ أقْدَمُ
ومَتى أسَأْتَ إليهِمُ وخَبِرتَهُمْ / أُلْفِيتَ بعدَ إساءَةٍ لا تَندَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ معَ الحَياءِ وراءَهُمْ / فهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبْلَى بِهِ / فبَليَّتي مِمَّنْ أُصاحِبُ أعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ فَوَجْهُهُ مُتَهلِّلٌ / لِمكيدَةٍ وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبدي الهَوى ويَسُورُ إنْ عَرَضَتْ لهُ / فُرَصٌ عليَّ كَما يَسورُ الأرْقَمُ
ويَرومُ نَيلَ المَكْرُماتِ ودونَها / أمَدٌ بهِ انْتَعَلَ النَّجيعَ المَنْسِمُ
فزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إِلى مَدًى / يَعْنو لِحاسِرِ أهْلِهِ المُسْتَلئِمُ
ورَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَةٍ مَغْصوبَةٍ / حتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَمُ
ولَوِ اسْتَطَعْتُ رَدَدْتُ مَن يَعْيَى بهِ / عنهُ مَخافَةَ أنْ يُلَجْلِجَهُ فَمُ
لا تُخْلِدَنَّ إِلى الصّديقِ فإنّهُ / بِكَ مِنْ عَدوِّكَ في المَضَرَّةِ أعْلَمُ
يَلقاكَ والعسَلُ المُصَفَّى يُجْتَنَى / مِن قَولِهِ ومنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا ورُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بهِ / شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فحَلُمْتُ عنهُ وباتَ يَشْرَبُ غَيظَهُ / جُرَعاً ولُزَّ بمِنخَرَيهِ المَرْغَمُ
وأنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ / ويَرُدُّ غَرْبَ الجَهلِ وهْوَ مُثَلَّمُ
فلقد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ / حيثُ السّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
والخَيْلُ شُعْثٌ والرِّماحُ شوارِعٌ / والنّقْعُ أكْدَرُ والخَميسُ عَرَمْرَمُ
فرأيتُهُ يَسَعُ العُداةَ بِعَفْوِهِ / وتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَليهِ فَيَحْلُمُ
ويَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَومٍ أنَّهُ / مِمّا يَمُنُّ بهِ عليْهِمْ مُجرِمُ
وأفَدْتُ مِنْ أخلاقِهِ ونَوالِهِ / مِنَحاً يَضِنُّ بها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أغامَ الخَطْبُ جابَ ضَبابَهُ / شَمْسُ الضُّحى وسَطا عَليهِ الضَّيْغَمُ
ومَتى بَدا واللّيلُ ألْمَى رَدَّهُ / بِالبِشْرِ فهْوَ إذا تبلَّجَ أرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداةَ يُطلَبُ شَأوُهُ / مُقَلاً يُصافِحُها العَجاجُ الأقتَمُ
بشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينِها / كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
ومَناقِبٍ لا تُرتَقَى هَضَباتُها / نَطَقَ الفَصيحُ بفَضْلِها والأعْجَمُ
إنْ لُحْنَ والشُّهْبُ الثّواقِبُ في الدُّجى / لمْ يَدْرِ سارٍ أيُّهُنَّ الأنْجُمُ
يا بْنَ الإِلى سَحَبوا الرِّماحَ إِلى الوغَى / ولدَيْهِ يَغْدرُ بالبَنانِ المِعْصَمُ
يتَسرَّعونَ إِلى الوغَى فجِيادُهُمْ / تُزْجَى عَوابِسَ والسُّيوفُ تَبَسُّمُ
وإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فاكْتَسى / فضَلاتِ نُورِهِمُ الزّمانُ المُظلِمُ
أوْضَحْتَ طُرْقَ المَجْدِ وهْيَ خَفِيّةٌ / فبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبهَمُ
وغَمَرْتَ بالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهُمْ / لمّا شَرَعْتَ لهُ الندىً يتكرَّمُ
وبَسَطْتَ كفّاً بالمَواهِبِ ثَرَّةً / سَدِكَ الغَنيُّ بِسَيْبِها والمُعْدَمُ
ومَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاً وارِفاً / يتوشَّحُ الضّاحِي بهِ والمُعتِمُ
كلُّ الفَضائِلِ مِن خِلالِكَ يُقْتَنى / ولدَيْكَ يُجْمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
ولِمِثْلِها أعْدَدْتُ كُلَّ قصيدَةٍ / نَفَرَتْ فَآنَسَها الجَوادُ المُنعِمُ
والشِّعْرُ صَعْبٌ مُرتَقاهُ وطالَما / شمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
والمَدْحُ يَسهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ / فنَداكَ يُمْليهِ عليَّ وأنْظِمُ
ولَرُبَّما غَطَّ البِكارُ وإنّما / رفَعَ الهَديرَ بهِ الفَنيقُ المُقْرَمُ
بَدا والثُّريّا في مَغارِبِها قُرْطُ
بَدا والثُّريّا في مَغارِبِها قُرْطُ / بُرَيْقٌ شَجاني والدُّجى لِمَمٌ شُمْطُ
كأنَّ خِلالَ الغَيْمِ مِن لَمَعانِهِ / يَدَيْ قادِحٍ يَرفَضُّ مِن زَنْدِهِ سِقْطُ
تَناعَسَ في وَطْفاءَ إن حَلَّتِ الصَّبا / عَزالِيَها بالوَدْقِ عَيَّ بِها الرَّبْطُ
فَلا بَرِحَتْ تُروي الغَميمَ بِوابِلٍ / يَدُرُّ على رَوضٍ أزاهِيرُهُ تَغْطو
إذا نَشِيَتْ أرواحَهُ العِيسُ مَوْهِناً / دَعاها القَصيصُ الجَعْدُ والنَّفَلُ السَّبْطُ
هوَ الرَّبْعُ لا قَوْسي عَلى مَيْعَةِ الصِّبا / مُعَطَّلةٌ فيهِ ولا أسْهُمي مُرْطُ
عَهِدْتُ بهِ غَيداءَ تُلقي على الثّرى / أَساوِدَ فَرْعٍ في القُلوبِ لها نَشْطُ
إذا نَظَرَتْ أو أتْلَعَتْ قُلْتُ جُؤْذَرٌ / رأى قانِصاً فارْتاعَ أو ظَبْيَةٌ تَعْطو
وبَيْضاءَ تَرْوى دونَها السُّمْرُ مِن دَمٍ / وكَمْ حَصَدَ الأرواحَ ما أنْبَتَ الخَطُّ
تَبَسَّمُ عن أحْوى اللِّثَاتِ يَزينُهُ / جُمانٌ يُباهيه على جِيدِها السِّمْطُ
ترَدَّدَ فيهِ الظَّلْمُ حتّى كأنّهُ / على الشَّيْمِ مِن ظَنّي إذا ذِيقَ إسْفِنْطُ
وتُرْخي على المَتْنَينِ أسْحَمَ وارِداً / يَمُجُّ فَتيتَ المِسْكِ من نشْرِهِ المِشْطُ
إذا اللّيلُ أدناها إليَّ نأَى بِها / صَباحٌ كَما أوْفى على اللِّمَّةِ الوَخْطُ
وعُدْتُ أكُفُّ المَشْيَ مِن حَذَرِ العِدا / على قَدَمٍ يُخْفي مَواطِئَها المِرْطُ
وكُنّا شَرَطْنا الوَصْلَ لولا ثلاثَةٌ / إذا ماتَوَاصَوْا بالنَّوى انْتقَضَ الشَّرْطُ
مُهيبٌ بأُخرى النّاجِياتِ وناعِبٌ / وغَيرانُ يَقضي بالظُّنونِ ويَشْتَطُّ
جَلَوْا مِن عَذارَى الحَيِّ لِلْبَيْنِ أوْجُهَاً / شَرِقْنَ بِدَمْعٍ يَمْتَري خِلفَهُ الشَّحْطُ
كأنّ الرِّياضَ الحُوَّ يَنفُضْنَ فوقَها / شَقائِقَ فِيها مِن دُموعِ الحَيا نَقْطُ
ولَيلٍ طَوَتْ كِسْرَيْهِ بي أرْحَبيّةٌ / على نَصَبِ المَسْرى بآمالِنا تَمْطُو
أقولُ لها غِبَّ الوَجى وكأنّها / فُوَيْقَ سِنانِ الزّاعِبيِّ بِنا تَخطُو
خِدي بي رَعاكِ اللهُ إنَّ أمَامَنا / أغرَّ بهِ في كُلِّ حادِثَةٍ نَسْطو
فَسيري إليهِ واهْجُري أجْرَعَ الحِمى / يَرِفُّ عليْكِ العِزُّ لا الأثْلُ والخَمْطُ
إِلى مُستَقِلٍّ بالنّوائِبِ والوَغى / تُرِمُّ مَذاكيهِ فأصواتُها النَّحْطُ
وتَصُدُرُ عَنْ لَبَّاتِهِنَّ نَواهِلاً / صُدورُ العَوالي وهْيَ مُزْوَرَّةٌ تَقْطو
أخو مأْقِطٍ إن طاوَلَ القِرْنَ قَدَّهُ / وضَرْبَتُهُ إنْ عارَضَ البَطَلَ القَطُّ
تُخاطُ علَيْهِ مِن عَجاجٍ مُلاءَةٌ / ولكنّها بالسّمهَرِيّةِ تَنْعَطُ
ويَطوي على البَغْضاءِ جَنْبَيْهِ كاشِحٌ / تخطّى بهِ رَهْواً إِلى الحَسَدِ الغَبْطُ
يُحاولُ أدنى شأْوِهِ فهْوَ جاهِدٌ / على الأيْنِ كالعَشْواءِ أجْهَدَها الخَبْطُ
إليكُمْ فَدونَ المَجدِ مَن لا يَخونُهُ / شَبا نابِهِ المَذْروبُ والمِخْلَبُ السَّلْطُ
يلَذُّ بأفواهِ المُلوكِ بِساطُهُ / فقَدْ كادَ أن تَبْلى مِنَ القُبَلِ البُسْطُ
منَ القومِ عدَّ النّاسِبونَ بيوتَهُمْ / فلَم يُنْكِروا أن النّجومَ لَهمْ رَهْطُ
مَغاويرُ والهَيجاءُ تُلقي قِناعَها / مَغازيرُ والغَبْراءُ يُلْوي بِها القَحْطُ
لهُمْ قَسِماتٌ تَسْتَنيرُ طَلاقَةً / بِها لأديمِ اللّيلِ عَنْ فَجْرِهِ كَشْطُ
هُمُ في الرِّضى كالماءِ يُسْتَنُّ في الظُّبا / وكالنّارِ فيها حينَ يَسْتَلُّها السُّخْطُ
فإنْ يَغْضَبوا مِن سَوْرَةِ العِزِّ يَحلُموا / وإن يَقدِروا يعْفوا وإن يُسألوا يُعْطوا
وكَمْ لكَ يا عَدنانُ عِنديَ منْ يَدٍ / كما أنهَرَتْ أطْباءَها اللّقْحَةُ البِسْطُ
وقد أنِسَتْ بالمُسْتَحِقِّ فأُنْمِيَتْ / ولمْ يَحْبُ كُفرانٌ إلَيها ولا غَمْطُ
يَراني الذي عاداكَ مِلْءَ جُفونِهِ / قَذًى وقَتاداً لا يُشذِّبُهُ الخَرْطُ
تأبّطَ شَرّاً مِن حُقودٍ قَديمةٍ / وتِلكَ لعَمري شَرُّ ما ضَمَّهُ الإبْطُ
فقالَ تَميميٌّ هَواهُ وهَلْ لهُ / أبٌ كَتَميمٍ أو كأبْنائِهِ سِبْطُ
تَمُدُّ حِفافَيْكَ القَوافي جَناحَها / وهنَّ أفاعٍ يَحتَوِشْنَ العِدا رُقْطُ
شوارِدُ أمثالَ اللآلِئِ ما لَها / إذا انتَثَرَتْ إلاَّ بِناديكُمُ لَقْطُ
كأني قَسيمُ الفَخْرِ فيما بَنَيْتُمُ / مِنَ المَجدِ أو لي مِنْ مَناقِبِكُمْ قِسْطُ
أيَبْغي عُلاً تَسمو إليهنَّ صاعِداً / ضَجيعُ هَوَيْنَى مِنْ سَجيَّتهِ الهَبْطُ
وأنَّى يكونُ المُلتَقى عِندَ غايةٍ / وأنتَ غداةَ السَّبْقِ تَعلو ويَنْحَطُّ
فلا زال مَعصوباً وإنْ رَغِمَ العِدا / بِكَ النّقْضُ والإبرامُ والقَبْضُ والبَسْطُ
بُشْراكَ قَدْ ظَفِرَ الرّاعي بِما ارْتادا
بُشْراكَ قَدْ ظَفِرَ الرّاعي بِما ارْتادا / وبَثَّ في جَنَباتِ الرَّوضِ أذْوادا
فاسْتَبْدَلَتْ بمُجاجِ الغَيْمِ أذْنِبَةً / مِنْ ماءِ لِيْنَةَ لا يُخْلِفْنَ وُرَّادا
يُرْوي بعَقْوَتِهِ العَبسيُّ جِيرَتَهُ / إذا الفَزاريُّ عنْ أحواضِهِ ذادا
أورَدْتُهُ العِيسَ والظَّلْماءُ وارِسَةٌ / يَحمِلْنَ مِن سَرَواتِ العُرْبِ أمجادا
فَما حُرِمْنَ بهِ والماءُ مُقْتَسَمٌ / رِيّاً ولا مُنعَتْ رُكْبانُها الزّادا
بحيثُ تَمْري أفاوِيقَ الغَمامِ صَباً / إذا أبَسَّتْ بشُؤْبوبِ الحَيا جادا
كَمْ قَعْقَعَتْ لانْتِجاعِ الغَيثِ مِنْ عَمَدٍ / أرْسَتْ لَهنَّ جَواري الحَيِّ أوْتادا
بِيضٌ سَلَبْنَ المَها لَحْظاً تُمرِّضُهُ / ثمّ استَعرْنَ منَ الغِزلانِ أجْيادا
مِنهُنَّ لَيلى ولا أبغِي بِها بَدَلاً / تَجْزي المُحبِّينَ بالتَّقريبِ إبْعادا
إنّي لأذكُرُها بالظَّبْيِ مُلْتَفِتاً / والشّمسِ طالِعَةً والغُصْنِ مَيّادا
وقد رَضِيتُ منَ المَعْروفِ تَبذُلُهُ / أنْ يُنْجِزَ الطَّيْفُ في مَسْراهُ مِيعادا
وَوَقْفَةٍ بجَنوبِ القاعِ مِن إضَمٍ / تُجاذِبُ الرَّكْبَ تأْويباً وإسْآدا
رَدَّتْ عَذولي بغَيظٍ وهْوَ يُظْهِرُ لي / نُصْحاً يظُنُّ بهِ الإغْواءَ إرْشادا
إذا سَرى البَرْقُ مُجتازاً لطيَّتِهِ / وهَزَّتِ الرِّيحُ خُوطَ البانِ فَانآدا
هاجَ الحَنينُ رِكاباً كُلَّما غَرِضَتْ / خَفَّتْ مِنَ الشَّوقِ واستَثْقَلْنَ أَقْيادا
لا وَضْعَ للرَّحْلِ عَن أصْلابِ ناجيَةٍ / أو تَشْتَكي أضْلُعاً تَدْمَى وأعْضادا
إذا بَلَغْنا أبا مَرفوعَةَ ارْتَبَعَتْ / بحيثُ لا يألَفُ المَهْرِيُّ أقْتادا
يُلقي الزِّمامَ إِلى كَفٍّ مُعَوَّدةٍ / في نَدْوَةِ الحيِّ تَقبيلاً وإرْفادا
مُحَسَّدُ المَجْدِ لمْ تُطْلَعْ ثَنيَّتُهُ / إنَّ المكارِمَ لا يَعْدَمْنَ حُسّادا
ذُو همّةٍ بنَواصي النّجْمِ سافِعَةٍ / بثَّتْ على طُرُقِ العَلْياءِ أرْصادا
تَتْلو الكَواكِبُ في المَسْرى وما عَلِقَتْ / إلا بأبْعَدِها في الجوِّ إصْعادا
منْ مَعْشَرٍ يُلْبِسونَ الجارَ فَضْلَهُمُ / ويُحْسِنونَ على اللأواءِ إسْعادا
ويوقِدونَ غَداةَ المَحْلِ نارَ قِرًى / لا يستطيعُ لها الأيْسارُ إيقادا
ويَنحَرونَ مَكانَ القَعْبِ مِنْ لَبَنٍ / للطّارِقِ المُعْترِي وَجْناءَ مِقْحادا
بَنو تَميمٍ إذا ما الدّهْرُ رابَهُمُ / لمْ تُلْفِهِمْ لنَجيِّ القَومِ أشْهادا
لكنّهُم يَستَثيرونَ الظُّبا غَضَباً / ويَجعَلونَ لها الهاماتِ أغْمَادا
تُكْسى إذا النَّقْعُ أرْخى مِنْ مُلاءَتِهِ / في باحَةِ المَوْتِ أرْوحاً وأجْسادا
لا يَخْضَعونَ لخَطْبٍ إن ألمَّ بِهمْ / وهَلْ تَهُزُّ الرِّياحُ الهُوجُ أطْوادا
يَجلو النَّدِيُّ بِهمْ أقمارَ داجِيَةٍ / والحَرْبُ تحتَ ظِلالِ السُّمْرِ آسادا
إذا الرَّدى حَكَّ بالأبْطالِ كَلْكَلَهُ / في مأْقِطٍ لَفَّ بالأنجادِ أنْجادا
جَرُّوا الذُّيولَ منَ الأدْراعِ في عَلَقِ / لا يَسْحَبُ المَرِحُ الذَّيَّالُ أبْرادا
وكاشِحٍ رامَ منْهُمْ فُرصَةً ضَرَبَتْ / مِنْ دونِها شَفَراتُ البيضِ أسْدادا
ينامُ والثَّائِرُ الحَرَّانُ يُقْلِقُهُ / سَحابَةَ الليلِ رَعْيُ النَّجْمِ إسْهادا
حتّى انْتَضَتْ يَقَظاتِ العَيْنِ جائِفَةٌ / كطُرَّةِ البُرْدِ لا تأْلوهُ إزْبادا
لمّا طوى الكَشْحَ منْ حِقْدٍ على إِحَنٍ / وظلَّ يَهْرِفُ إبْراقاً وإرْعادا
مَشى لهُ عَضُدُ المُلْكِ الضَّراءَ وقدْ / أرخَى بهِ اللَّبَبَ المِقْدارُ أو كادا
فأوْهَنَ البَغْيُ كفّاً كان يُلْمِسُها / قلباً يُرَشِّحُ أضْغاناً وأحْقادا
يا خَيْرَ مَنْ وَخَدَت أيدي المَطِيِّ بهِ / مِن فرْعِ خِنْدِفَ آباءً وأجْدادا
رَحَلْتَ فالمَجدُ لمْ تَرْقَأْ مَدامِعُهُ / ولَمْ تَرِقَّ عَلَيْنا المُزْنُ أكْبادا
وضاعَ شِعْرٌ يضِيقُ الحاسِدونَ بِهِ / ذَرعاً وتُوسِعُهُ الأيَّامُ إنشادا
فَلمْ أُهِبْ بالقَوافي بعدَ بينِكُمُ / ولا حَمِدْتُ وقَدْ جَرَّبْتُ أجْوادا
هَفا بِهوادي الخَيلِ والليْلُ أسْحَمُ
هَفا بِهوادي الخَيلِ والليْلُ أسْحَمُ / نَبيلُ حَواشي لَبَّةِ الزَّوْرِ ضَيْغَمُ
وأدْنى رَفيقَيْهِ من الصَّحْبِ مَارِنٌ / يُباريهِ فَيْنانُ السَّبيبَةِ أدْهَمُ
إذا ما الدُّجى ألْقَتْ علَيهِ رِداءَها / بَدا الفَجْرُ مِنْ أطْرافِه يتَبَسَّمُ
رَمَيْتُ بهِ الدّارَ التي في عِراصِها / عِتاقُ المَذاكي والخَميسُ العَرَمْرَمُ
فزُرْتُ وحاشا المَجْدِ جُؤْذَرَ رَمْلَةٍ / حَبا دونَهُ رَطْبُ الغِرارَيْنِ مِخْذَمُ
وما نِلْتُ إلا نَظْرَةً منْ ورائِها / عَفافي وذَيَّاكَ الحَديثُ المُكَتَّمُ
ولو شِئْتُ إِرهاقَ الحُلِيِّ أجَارَني / مُسَوَّرُهُ منْ جَرْسِها والمُخَدَّمُ
ولكنَّنِي أصْدَى وفي الوِرْدِ نُغْبَةٌ / وأكْرِمُ عِرْضي والظُّنونُ تُرَجَّمُ
وبِيدٍ على بِيدٍ طَوَيْتُ ولَيلةٍ / سَرَيْتُ وتَحْتَ الرَّحْل وجْناءُ عَيْهَمُ
فقَدَّتْ أَدِيمَ الأرضِ تَخْتَلِسُ الخُطا / مُحاذَرَةً أنْ يَلْثُمَ التُّربَ مَنْسِمُ
وتَكْرَعُ في مثْلِ السّماءِ تألّقَتْ / منَ الحَبَبِ الطّافي بحِضْنَيْهِ أنْجُمُ
وتَسْبِقُ خُوصاً لَو مَرَرْنَ على القَطا / لمَا رِيعَ بالتَّسْهيد وهْوَ مُهَوِّمُ
وتَلْمَعُ منْ أخفافِهنَّ على الثَّرى / نَظائِرُ مِرآةٍ يُضَرِّجُها الدَّمُ
إذا غَرَّدَ الحادي تَخايَلْنَ في البُرى / ونَحْنُ على أكْوارِها نَتَرنَّمُ
ولَمَّا بَدا التَّاجُ المُطِلُّ تَشاوَسَتْ / إلَيْهِ القَوافي والمَطِيُّ المُخَرَّمُ
وقلْتُ أريحُوها فبَعْدَ لِقائِهِ / حَرَامٌ عليْهِنَّ القَطيعُ المُحَرَّمُ
ومُقْتَدِريّ منْ ذُؤابَةِ هاشِمٍ / بهِ يَصْغُرُ الخَطْبُ المُلِمُّ ويَعْظُمُ
إذا حدَّثَتْ عنهُ الأباطِحُ منْ مِنًى / أصاخَ إليْهنَّ الحَطيمُ وزَمزَمُ
تَزَعْزَعُ أعوادُ المَنابِرِ باسْمِهِ / فتَحْسَبُها منْ هِزَّةٍ تتكلَّمُ
أطلَّ على أعدائِهِ بكَتائِبٍ / أظلَّ حِفافَيْها الوَشيجُ المُقَوَّمُ
ومَوضونَةٍ قدْ لاحَكَ السَّردُ نَسْجَهَا / حَكَتْ سَلَخاً ألقاهُ بالقاعِ أرقَمُ
وخَيْلٍ سَليماتِ الرَّوادِفِ والقَنا / تُقَصَّدُ في لَبّاتِها وتُحَطّمُ
يَسيرُ على آثارِها الذِّئْبُ عافِياً / وأفْتَخُ يَجْتابُ الأهابيَّ قَشْعَمُ
إليْكَ أميرَ المؤمِنينَ زَجَرْتُها / طلائِحَ يَنْميهَا الجَديلُ وشَدْقَمُ
وإنِّي لنَظَّارٌ إِلى جانِبِ العُلا / ولا يَطَّبيني الجانِبُ المُتَجهِّمُ
ولَولاكَ لمْ أُكْرِهْ على الشِّعْرِ خاطِراً / بِذِكرِكَ يُغْرَى بَل بمَجدِكَ يُغْرَمُ
فلا حُمِلَتْ إلا إليْكَ مَدائِحٌ / ولا استُمْطِرَتْ إلاّ بِواديكَ أنْعُمُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ / واللّيلُ تَخْطِرُ في حَشاهُ النُّوقُ
والنَّجْمُ يَعْثُرُ بالظَّلامِ فيَشْتَكي / ظَلَعاً ليَجْذِبَ ضَبْعَهُ العَيُّوقُ
فاسْتَيقَظَ النَّفَرُ الهُجودُ بمَنزِلٍ / للقَلْبِ منْ وَجَلٍ لدَيْهِ خُفوقُ
والرُّعْبُ يَسْتَلِبُ الشُّجاعَ فؤادَهُ / ويَغُصُّ منْ كَلِماتِهِ المِنْطيقُ
نَزَلَتْ بِنا واللّيلُ ضافٍ بُرْدُهُ / ثمّ انْثَنَتْ وقَميصُهُ مَخْروقُ
والأفْقُ مُلتَهِبُ الحَواشي يَلتَظي / والأرضُ ضاحِيَةُ الوشُومِ تَروقُ
لِلهِ ناضِرَةُ الصِّبا يَسْرِي لَها / طَيْفٌ إذا صَغَتِ النُّجومُ طَروقُ
طَلَعَتْ عَلينا والمُعَرَّسُ عالِجٌ / والعِيسُ أهْوَنُ سَيْرِهِنَّ عَنيقُ
واللّيلُ ما سَفَرَتْ لَنا عَجِلُ الخُطا / والرَّملُ ما نَزَلَتْ بهِ مَوْموقُ
هَيفاءُ نَشْوى اللَّحْظِ يُقْصِرُ طَرْفَها / خَفَرٌ ويَسْكَرُ تارَةً ويُفيقُ
فكَأنَّهُ والبَيْنُ يُخضِلُ جَفْنَهُ / بالدَّمْعِ منْ حَدَقِ المَها مَسْرُوقُ
يا أُختَ مُقتَنِصِ الكُماةِ بمَوقِفٍ / للنَّسْرِ تحتَ عَجاجِهِ تَرنِيقُ
أتَرَكْتِنا بلِوى زَرودَ وقد صَفا / عَيشٌ كحاشِيَةِ الرِّداء رَقيقُ
والرِّيحُ أيقَظَتِ الرِّياضَ وَلِلْحَيا / فيها إذا رَقَدَ العَرارُ شَهيقُ
وطَلَبْتِنا وعلى المُضَيَّحِ فالحِمى / مَغْدى النّجائِبِ والمَراحُ عَقيقُ
هَلاّ بَخِلْتِ بِنا ونحْنُ بغِبْطَةٍ / والدَّهْرُ مَصْقولُ الأدِيمِ أنيقُ
وعلَيَّ مِن حُلَلِ الشَّبابِ ذَوائِبٌ / عَبِقَتْ بِرَيَّا المِسْكِ وهْوَ فَتيقُ
وهَوايَ تِلوُ هَواكِ في رَوْقِ الصِّبا / حتّى كأنّ العاشِقَ المَعْشوقُ
وتَصَرَّمَتْ تِلكَ السِّنونَ وشاغَبَتْ / نُوَبٌ تَفُلُّ السَّيفَ وهْوَ ذَليقُ
عَرَضَتْ على غَفَلاتِ ظَنِّيَ عَزْمَةٌ / لمْ يُسْتَشَفَّ وراءَها التَّوفيقُ
واسْتَرْقَصَ السَّمْعَ الطَّروبَ رَواعِدٌ / واستَغْوَتِ العَينَ الطَّموحَ بُروقُ
وأُشِبَّ لي طَمَعٌ فلَيتَ ركائِبي / عَلِمَتْ غَداةَ الجِزْعِ أينَ أَسوقُ
فعَرَفْتُ ما جَنَتِ الخُطوبُ ولم أُطِلْ / أمَلاً فما لِمَخِيلَةٍ تَصديقُ
ونَجَوتُ مُنصَلِتاً ولَم أكُ ناصِلاً / سِيمَ المُروقَ فلَم يُعِنْهُ الفُوقُ
وإذا اللّئيمُ تَغَضَّنَتْ وَجَناتُهُ / بُخلاً وجَفَّ بماضِغَيْهِ الرِّيقُ
فالعَرْصَةُ الفَيحاءُ مَسرَحُ أيْنُقٍ / لمْ يَنْبُ عَنْ عَطَنٍ بهِنَّ الضِّيقُ
وعلى ندىً المُستَظهِرِ بنِ المقتَدِي / حامَ الرَّجاءُ يُظِلُّهُ التَّحقيقُ
ورِثَ الإمامَةَ كابِراً عن كابِرٍ / مُتَوكِّليٌّ بالعَلاءِ خَليقُ
كَهلُ الحِجى عَرُضَتْ مَنادِحُ رأيِهِ / والغُصْنُ مُقتَبِلُ النَّباتِ وَريقُ
خَضِلُ البَنانِ بِنائِلٍ منْ دونِهِ / وَجهٌ يَجولُ البِشْرُ فيهِ طَليقُ
تَجري على ظَلَعٍ إِلى غاياتِهِ / هَوجاءُ طائِشَةُ الهُبوبِ خَريقُ
ويُخلِّفُ المُتَطَلِّعينَ إِلى المَدى / في الفَخْرِ مُنْجَذِبُ العِنانِ سَبوقُ
ويُقيمُ زَيغَ الأمرِ ناءَ بعِبْئِهِ / ذو الغارِبِ المَجْزولِ وهْوَ مُطيقُ
وعَلَيهِ مِن سيماءِ آلِ مُحمَّدٍ / نُورٌ يُجيرُ على الدُّجى مَرموقُ
والبُرْدُ يَعلَمُ أنَّ في أثنائِهِ / كَرَماً يَفوقُ المُزْنَ وهْوَ دَفوقُ
أفْضَتْ إليهِ خِلافَةٌ نَبَويَّةٌ / منْ دونِها للمَشْرَفِيِّ بَريقُ
فاخْتالَ مِنبرُها بهِ وسَريرُها / وكِلاهُما طَرِبٌ إليه مَشوقُ
فالآنَ قَرَّتْ في مُعَرَّسِها الذي / كانتْ على قَلَقٍ إليهِ تَتُوقُ
لكَ يا أميرَ المؤْمِنينَ تُراثُها / وبِهِ استَتَبَّ لَها إليكَ طَريقُ
ولكَ الأيادي ما يزالُ بذِكْرِها / يَطْوي الفَلا مَرِحُ النَّجاءِ فَنيقُ
ومَناقِبٌ يَزْدادُ طولاً عِندَها / باعٌ بتَصْريفِ القَناةِ لَبيقُ
شَرَفٌ مَنافِيٌّ ومَجدٌ أتلَعٌ / يَسمو بهِ نَسَبٌ أغَرُّ عَتيقُ
وشَمائِلٌ طَمَحَتْ بهِنَّ إِلى العُلا / في سُرّةِ البَلَدِ الأمينِ عُروقُ
وبَلَغْتَ في السِّنّ القَريبَةِ رُتْبَةً / نهَضَ الحَسودُ لَها فعَزَّ لُحوقُ
ونَضا وَزيرُكَ عَزْمةً عَرَبيّةً / نَبَذَتْ إليكَ الأمرَ وهْوَ وَثيقُ
ودَعا لِبَيعَتِكَ القُلوبَ فلَمْ يَمِلْ / مِنها إِلى أحَدٍ سِواكَ فَريقُ
يَرمي وَراءَكَ وهْوَ مَرْهوبُ الشَّذا / وعَليكَ مُلتَهِبُ الضَّميرِ شَفيقُ
رأيٌ يُطِلُّ على الخُطوبِ فتَنْجَلي / عنهُ وكَيْدٌ بالعَدوِّ يَحيقُ
لا زالَ مَمدودَ الرِّواقِ علَيكُما / ظِلٌّ يَقيلُ العِزُّ فيهِ صَفيقُ
مَنْ رامَ عِزّاً بغَيرِ السَّيفِ لم يَنَلِ
مَنْ رامَ عِزّاً بغَيرِ السَّيفِ لم يَنَلِ / فارْكَبْ شَبا الهُندُوَانِيَّاتِ والأسَلِ
إنّ العُلا في شِفارِ البِيضِ كامِنَةٌ / أو في الأسِنَّةِ منْ عَسَّالَةٍ ذُبُلِ
فَخُضْ غِمارَ الرّدى تَسْلَمْ وثِبْ عَجِلاً / لِفُرْصَةٍ عَرَضَتْ فالحَزْمُ في العَجَلِ
ما لِلجَبانِ أَلاَنَ اللهُ جانِبَهُ / ظَنَّ الشَّجاعَةَ مِرْقاةً إِلى الأجَلِ
وكَمْ حَياةٍ جَنَتْها النّفْسُ منْ تَلَفٍ / ورُبَّ أمْنٍ حَواهُ القَلْبُ منْ وجَلِ
مَتى أرى مَشْرَفِيَّاتٍ يُضَرِّجُها / دمٌ رَسَتْ فيهِ أيدي الخَيْلِ والإبِلِ
يُزيرُها عِصمَةُ الدِّينِ الطُّلَى فَبِها / يُقامُ ما مَسَّ لِيتَ القِرْنِ منْ مَيَلِ
فقَدْ نَزَتْ بِطَنٌ ما تَحتَها فِطَنٌ / بالعاجِز الوَغْدِ والهَيَّابَةِ الوَكَلِ
وطبَّقَ الأرضَ خَوفٌ لا يُزَحْزِحُهُ / ذو ضَجْعَةٍ لاثَ بُردَيْهِ على فَشَلِ
وخالَفَتْ هاشِماً في مُلكِها عُصَبٌ / صاروا مُلوكاً وكانوا أرذَلَ الخَوَلِ
حَنَّتْ إلَيْهِمْ ظُبا الأسْيافِ ظامِئَةً / حتى أبَتْ صُحْبَةَ الأجْفانِ والخِلَلِ
إذا جَرى ذِكرُهُمْ باتَتْ على طَرَبٍ / مُتونُهُنَّ إِلى الأعْناقِ والقُلَلِ
ودونَ ما طَلَبوهُ عِزّةٌ عَقَدَتْ / أيْدي المَلائِكِ فيها حُبْوَةُ الرُّسُلِ
ومُرْهَفٌ أنحَلَ الهَيجاءُ مَضرِبَهُ / لا يَألَفُ الدَّهرَ إلا هامَةَ البَطَلِ
وذابِلٌ يَنثَني نَشوانَ منْ عَلَقٍ / كالأيْمِ رَفَّعَ عِطْفَيهِ منَ البَلَلِ
بِكَفِّ أرْوَعَ يُرخي مِن ذَوائِبِهِ / جِنُّ المِراحِ فَيَمْشي مِشْيَةَ الثَّمِلِ
يَهيمُ بالطَّعَناتِ النُّجْلِ في ثُغَرٍ / تُطْوى على الغِلِّ لا بالأعْيُنِ النُّجُلِ
فلَيْتَ شِعري أحَقٌّ ما نَطَقْتُ بهِ / أم مُنْيَةُ النّفْسِ والإنسانُ ذو أمَلِ
يبدو ليَ البَرْقُ أحياناً وبي ظَمَأٌ / فَلا أُبالي بصَوْبِ العارِضِ الهَطِلِ
وفي ابتِسامَةِ سُعْدى عنهُ لي عِوَضٌ / فلَمْ أشِمْ بارِقاً إلا مِن الكِلَلِ
هَيفاءُ تَشْكو إِلى دَمعي إذا ابتَسَمَتْ / عُقودُها الثَّغْرَ شَكوى الخَصْرِ لِلْكَفَلِ
يُغْضي لها الرّيمُ عَينَيهِ على خَفَرٍ / ولا يَمُدُّ إليها الجِيدَ مِنْ خَجَلِ
طَرَقْتُها وسَناها عادَ يَغدِرُ بي / لو لَم يُجِرْني ذِمامُ الفاحِمِ الرَّجِلِ
وإنْ سَرَتْ نَمَّ بالمَسْرى تَبَرُّجُها / فالمِسْكُ في أرَجٍ والحَلْيُ في زَجَلِ
أشكو إِلى الحَجْلِ ما يأتي الوِشاحُ بهِ / وأُلزِمُ الرّيحَ ذَنْبَ العَنْبَرِ الشَّمِلِ
إذْ لِمَّتي كَجَناحِ النَّسْرِ داجِيَةٌ / والعَيْشُ رَقَّتْ حَواشي رَوضِهِ الخَضِلِ
واهاً لذلكَ مِن عَصْرٍ مَلَكْتُ بِها / على الجَآذِرِ فيهِ طاعَةَ المُقَلِ
لوْ رُمْتُ بابْنِ أبي الفِتْيانِ رَجعَتَهُ / لَعادَتِ البيضُ مِنْ أيَّامِهِ الأُوَلِ
فَفي الشَّبيبَةِ عَمَّا فاتَنا بَدَلٌ / وليسَ عَنها سِوى نُعْماهُ منْ بَدَلِ
رَحْبُ الذِّراعِ بكَشْفِ الخَطْبِ في فِتَنٍ / كأنَّنا مِنْ غَواشيهِنَّ في ظُلَلِ
أضْحَتْ بها الدَّولَةُ الغَرَّاءُ شاحِبَةً / كالشّمْسِ غَطّتْ مُحَيَّاها يَدُ الطَّفَلِ
فَصالَ والقَلْبُ كَظَّتْهُ حَفيظَتُهُ / تَوَثُّبَ اللّيْثِ لمْ يَهلَعْ إِلى الوَهَلِ
وأغمَدَ السَّيْفَ مَذْروبَ الشَّبا ونَضَا / رأْياً أَبَى الحَزمُ أن يُؤتَى مِنَ الزَّلَلِ
ومهَّدَ الأمرَ حتى هزَّ مِنْ طَرَبٍ / إليهِ عِطْفَيهِ ما ولَّى مِنَ الدُّوَلِ
ساسَ الوَرى وهَجيرُ الظُّلمِ يَلفَحُهُمْ / فأعْقَبَ العَدْلُ فِيهمْ رِقَّةَ الأُصُلِ
أغَرُّ تَنشُرُ جَدْواهُ أنامِلُهُ / وقَد طَوى الناسُ أيديهمْ علَى البَخَلِ
مُقَبَّلٌ تُرْبُ نادِيهِ بكُلِّ فَمٍ / لا يَلفِظُ القَوْلَ إلا غَيرَ ذي خَطَلِ
كأنّهُ والمُلوكُ الصِّيدُ تَلثِمُهُ / خَدٌّ تَقاسَمَهُ الأفْواهُ بالقُبَلِ
ورُبَّ مُعتَرَكٍ ضَنْكٍ فَرَغْتَ لهُ / حتى تَرَكْتَ بهِ الأرواحَ في شُغُلِ
تَرنو خِلالَ القَنا حَيْرى غَزالتُهُ / عن ناظِرٍ بِمُثارِ النّقْعِ مُكتَحِلِ
بحَيثُ لا يَملِكُ الغَيرانُ عَبْرَتَهُ / حتى مَشَيْتَ بِها في مَسْلَكٍ وَحِلِ
والأعوَجِيّةُ مُرخاةٌ أعِنَّتُها / تَسْتَنُّ في لَهَواتِ السَّهْلِ والجَبَلِ
والبِيضُ تَبْسِمُ والأبطالُ عابِسَةٌ / ما بَينَ مُودٍ ومَكْلومٍ ومعتَقَلِ
حتى تَرَكْتَ بهِ كِسْرى وأُسرَتَهُ / أتباعَ راعِيَةِ الحَوْذانِ والنَّفَلِ
وانْصاعَ بَأْسُكَ بابْنِ الغابِ تُجْشِمُهُ / أن يَستَجيرَ حِذاراً بِابْنَةِ الوَعِلِ
وأيُّ يَومَيْكَ مِن نارَيْ قِرًى وَوَغىً / في السِّلْمِ والحَربِ لمْ يَفتَرَّ عنْ شُعَلِ
نَماكَ من غالِبٍ بِيضٌ غَطارِفَةٌ / بَثُّوا الندىً فإلَيهِمْ مُنتَهى السُّبُلِ
لا يَشْتَكي نَأْيَ مَسْراهُ أخو سَفَرٍ / تُدنِيهِ مِنهُمْ خُطا المَهْريَّةِ الذُلُلِ
مِنْ كلِّ أبلَجَ مَيمونٍ تَفيئَتُهُ / يَغشى حِياضَ المَنايا غيرَ مُحتَفِلِ
فلَيسَ يَرضى بغَيرِ السَّيفِ منْ وَزَرٍ / ولا يُعِدُّ سِوى الماذيِّ مِنْ حُلَلِ
يُصغي إِلى الحَمدِ يَقْريهِ مَواهبَهُ / بمَسمَعٍ ضاقَ فيه مَسرَحُ العَذَلِ
فَشِدْتَ ما أَسَّسَ الآباءُ مِن شَرَفٍ / حتى تحَلَّتْ بهِ الأيّامُ مِنْ عَطَلِ
فُقْتَ الثَّناءَ فلمْ أبْلُغْ مَداكَ بهِ / حتى توهَّمْتُ أنَّ العَجْزَ منْ قِبَلي
والعِيُّ أن يَصِفَ الوَرْقاءَ مادِحُها / بالطَّوْقِ أو يَمدَحَ الأدْماءَ بالكَحَلِ
تَبَلَّجَ العِيدُ عنْ سَعدٍ يُصافِحُهُ / جَدٌّ عَواقِبُهُ تُفْضي إِلى الجَذَلِ
فانْحَرْ ذوي إحَنٍ تَشْجى أضالِعُهُمْ / بهِنَّ نَحْرَ هَدايا مَكَّةَ الهَمَلِ
وَفُرَّ عَنْها بأطرافِ الرِّماحِ تَشُبْ / دِماءَهُمْ بدِماءِ الأيْنُقِ البُزُلِ
وأصْدِرِ البِيض حُمراً عَنْ جَماجِمِهمْ / إذا رَوِيْنَ بِها عَلاً على نَهَلِ
وامْشِ الضَّراءَ تَنَلْ ما شِئْتَ من فُرَصٍ / ولا تَمُدَّ لمَنْ عاداكَ في الطِّوَلِ
فالدَّهْرُ مُنتَظِرٌ أمْراً تُشيرُ بهِ / فمُرْ بما يَقْتَضيهِ الرَّأيُ يَمْتَثِلِ
سَرى والنَّسيمُ الرَّطْبُ بالرَّوْضِ يَعْبَثُ
سَرى والنَّسيمُ الرَّطْبُ بالرَّوْضِ يَعْبَثُ / خَيالٌ بأذيالِ الدُّجَى يَتَشَبَّثُ
طوى بُردَةَ الظَّلْماءِ واللّيلُ ضارِبٌ / بِرَوْقَيْهِ لا يَلوي ولا يتَلَبَّثُ
فيَمَّمَ عَنْ عُفْرٍ طَليحَ صَبابَةٍ / وللفَجْرِ داعٍ باليَفاعِ يُغَوِّثُ
مُتَوَّجُ أعلى قِمَّةِ الرّأسِ ساحِبٌ / جَناحَيْهِ في العَصْبِ اليَماني مُرَعَّثُ
إذا ما دَعا لبَّاهُ حُمْشٌ كأنَّها / تُفَتِّشُ عن سِرِّ الصَّباحِ وتَبحَثُ
لَكَ الله منْ زَوْرٍ إذا كَتَمَ السُّرى / فلا ضَوْؤُهُ يَخفى ولا اللَّيلُ يَمكُثُ
ينُمُّ علَيْنا الحَلْيُ حتى إذا رَمى / بهِ باتَ واشِي العِطْرِ عنّا يُحدِّثُ
لهُ لَفْتةُ الخِشْفِ الأغَنِّ ونَظْرَةٌ / بأمثالِها في عُقدَةِ السِّحْرِ يُنفَثُ
وَقَدٌّ كخُوطِ البانِ غازَلَهُ الصَّبا / يُذَكَّر أحياناً وحِيناً يؤَنَّثُ
وقد كادَ يَشكو حَجْلَهُ وسِوارَهُ / إليهِ وِشاحٌ يَشبَعانِ ويَغْرَثُ
ومنْ بَيِّناتِ الشَّوقِ أنِّي على النَّوى / أموتُ لذِكراهُ مِراراً وأُبعَثُ
وحَيْثُ يَقيل الهَمُّ والحُبُّ جَذْوَةٌ / على كَبِدٍ منْ خَشيةِ البَيْنِ تُفرَثُ
بَقايا جَوًى تحتَ الضُّلوعِ كأنّها / لَظىً بِشآبيبِ الدّموعِ يُؤَرَّثُ
أمَا والعُلا واهاً لَها منْ ألِيّةٍ / لَحى الله مَنْ يولي بِها ثُمَّ يَحْنَثُ
لأبتَعِثَنَّ العِيسَ شُعْثاً وراءَها / أُسَيْمِرُ جَوّابُ الدّياميمِ أشْعَثُ
طَوى عنْ مَقَرِّ الهُونِ كَشْحَ ابنِ حُرَّةٍ / لهُ جانِبٌ شأَزٌ وآخَرُ أوعَثُ
وأعتَقَ مِنْ رِقِّ المطامِعِ عاتِقاً / بِثِنْيَيْ نِجادِ المَشْرَفِيَّةِ يُولَثُ
يَبيتُ خَميصاً منْ طَعامٍ يَشينُهُ / ويَشرَبُ سُمَّاً في الإناءِ يُمَيَّثُ
فلَيْتَ الذي يُغضي الجُفونَ على القَذى / لَقىً أُجْهِضَتْ عنهُ عَوارِكُ طُمَّثُ
أُخَيَّ إِلى كمْ تَتْبَعُ الغَيْثَ رائِداً / وفي غير أرضٍ تُنْبِتُ العِزَّ تَحْرُثُ
فخَيِّمْ بحَيْثُ الدَّهرُ يُؤْمَنُ كَيدُهُ / فلا صَرْفُهُ يُخشى ولا الخَطْبُ يُكْرَثُ
بِآلِ قُصَيٍّ حاوِلِ المَجْدَ تَنصرِفْ / على لَغَبٍ عن شأْوِكَ الرّيحُ تَلهَثُ
جَحاجِحَةٌ بِيضُ الوُجوهِ أكُفُّهُمْ / سِباطٌ مَتى تُستَمطَرِ الرِّفْدَ يُقعِثوا
إذا نَحنُ جاورْنا زُهَيرَ بنَ عامِرٍ / فلا جارُهُ يُقْصَى ولا الحَبْلُ يُنْكَثُ
هُمَامٌ يَرُدُّ المُعضِلاتِ بمَنكِبٍ / تَسَدَّاهُ عِبْءٌ للمَكارِمِ مُجْئِثُ
مَهيبٌ فلا رائِيهِ يَملأُ طَرْفَهُ / لَدَيهِ ولا نادِيهِ يَلْغو ويَرْفُثُ
أخو الكَلِماتِ الغُرِّ لا يَستَطيعُها / لِسانُ دَعِيّ في الفَصاحَةِ ألْوَثُ
إذا انْتَسَبَتْ ألْفَيْتَها قُرَشِيَّةً / تُشابُ بعُلْويِّ اللُّغاتِ وتُعْلَثُ
تَريعُ هَواديها إليهِ ودُونَها / مَدًى في حَواشِيهِ المُقَصِّرُ يَدْلِثُ
ويَهفو بِعِطْفَيْهِ الثّناءُ كَما هَفا / نَزيفٌ يُغَنّيهِ الغَريضُ وعَثْعَثُ
فلا خَيْرُهُ يُطْوى ولا الشّرُّ يُتَّقَى / ولا المُعتَفِي يُجْفَى ولا العِرضُ يُمْغَثُ
ويَومٍ تَظَلُّ الشّمْسُ فيهِ مريضَةً / لِنَقْعٍ بجلْبابِ الضُحى يتَضَبَّثُ
رَمى طَرَفَيْهِ بالمَذاكي عَوابِساً / وخَبَّ إليهِ صارِخُ الحَيِّ يَنْجُثُ
فَما بالُ لاحِيهِ يَلومُ على الندىً / بِفيهِ إذا ما تابَعَ العَذْلَ كِثْكِثُ
هو البَحْرُ لا راجِيهِ يَرتَشِفُ الصَّرَى / ولا مُجتَديهِ بالمَواعيدِ يُمْلَثُ
ورَكْبٍ يَزُجُّونَ المَطايا كأنّهُمْ / أثاروا بِها رُبْدَ النَّعامِ وحَثْحَثوا
سَرَوْا فأناخوها لَدَيْكَ لَواغِباً / يَشِمْنَ بُروقاً وَدْقُها لا يُرَيَّثُ
وفارَقْنَ قَوْماً لا تَبِضُّ صَفاتُهُمْ / هُمُ وَرِثوا اللُّؤْمَ التَّليدَ وأورَثوا
فَسِيَّانِ مَنْ لاحَ القَتيرُ بِفَوْدِهِ / وطِفْلٌ يُناغي وَدْعَتَيْهِ ويَمْرُثُ
لهمْ صَفَحاتٌ لا يَرِقُّ أديمُها / علَيها رُواءٌ كاسِفُ اللّونِ أبْغَثُ
وغِلْظَةُ أخلاقٍ يوَلِّدُها الغِنى / على أنّها عندَ الخَصاصَةِ تَدْمُثُ
لَئِنْ قَدُمَتْ تلكَ المَساوي وأُكْبرَتْ / فما صَغُرَتْ عَنها مَعايِبُ تَحدُثُ
كَثيرونَ لو يَنْمِيهِمُ ابنُ كَريهَةٍ / حَليفُ الوَغى أو ناسِكٌ مُتحَنِّثُ
أسَفَّ بِهمْ عِرْقٌ لَئيمٌ إِلى الخَنى / وكيفَ يَطيبُ الفَرْعُ والأصلُ يَخبُثُ
وأنتَ الذي تُعطِي المَكارِمَ حَقَّها / وتَفحَصُ عن أسوائِهنَّ وتَنبِثُ
إذا قدَحَ العافي بزَنْدِكَ في الندىً / فلا نارُهُ تَخْبو ولا الزَّنْدُ يَغْلَثُ
أهاجَكَ شَوقٌ بَعدما هَجعَ الرّكْبُ
أهاجَكَ شَوقٌ بَعدما هَجعَ الرّكْبُ / وأُدْمُ المَطايا في أزِمَّتِها تَحْبُو
فأَذْرَيْتَ دَمْعاً ما يَجِفُّ غُروبُهُ / وقَلَّ غَناءً عَنْكَ وابِلُهُ السَّكْبُ
تَحِنُّ حَنينَ النِّيبِ شَوْقاً إِلى الحِمى / ومَطْلَبُهُ مِنْ سَفْحِ كاظِمَةٍ صَعْبُ
رُوَيْدَكَ إنّ القَلبَ لَجَّ بهِ الهَوى / وطالَ التّجَنّي منْ أُمَيمَةَ والعَتْبُ
وأهوَنُ ما بي أنّ ليلةَ مَنْعِجٍ / أضاءَتْ لَنا ناراً بِعَلياءَ ما تَخْبو
يَعُطُّ جَلابيبَ الظّلامِ التِهابُها / ويَنفَحُ منْ تِلْقائِها المَنْدَلُ الرَّطْبُ
فَجاءَتْ بِريّاها شَمالٌ مَريضةٌ / لها مَلعَبٌ ما بَينَ أكبادِنا رَحْبُ
وبَلَّتْ نِجادَ السّيْفِ منّيَ أدْمُعٌ / تُصانُ على الجُلَّى ويَبْذُلُها الحُبُّ
فكادَ بِتَرْجيعِ الحَنينِ يُجيبُني / حُسامي ورَحْلي والمَطِيَّةُ والصَّحْبُ
ونَشْوانَةِ الأعْطافِ منْ تَرَفِ الصِّبَا / تُغيرُ وِشاحَيْها الخَلاخِيلُ والقُلْبُ
إذا مَضَغَتْ غِبَّ الكَرى عُودَ إسْحِلٍ / وفاخَ عَلِمْنا أنّ مَشْرَبَهُ عَذْبُ
أتى طَيفُها واللّيلُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ / ووَدَّعَنا والصُّبْحُ تَلفِظُهُ الحُجْبُ
وللهِ زَوْرٌ لَمْ يُغَيِّرْ عُهودَهُ / بِعادٌ ولا أهْدَى المَلالَ له قُرْبُ
تَمَنَّيتُ أنّ الليلَ لمْ يَقْضِ نَحْبهُ / وإنْ بَقِيَتْ مَرضَى على أُفْقِهِ الشُّهْبُ
نَظَرنا إِلى الوَعْساءِ مِن أيْمَنِ الحِمى / وأيُّ هَوًى لمْ يَجْنِهِ النَّظَرُ الغَرْبُ
ونَحْنُ على أطرافِ نَهْجٍ كأنّهُ / إذا اطَّرَدَتْ أدْراجُهُ صارِمٌ عَضْبُ
يَؤُمُّ بِنا أرْضَ العِراقِ رَكائِبٌ / تَقُدُّ بأيْديها أديمَ الفَلا نُجْبُ
فَشَعْبُ بَني العَبَّاسِ للمُرْتَجي غِنًى / وللمُبْتَغي عِزّاً وللمُعْتَفي شِعْبُ
أولئكَ قَومٌ أسْبَلَ العِزُّ ظِلَّهُ / عَلَيهمْ ولَم يَعْبَثْ بأعْطافِهمْ عُجْبُ
هُمُ الرَّاسِياتُ الشُّمُّ ما أُبْرِمَ الحُبا / وإنْ نُقِضَتْ هاجَتْ ضَراغِمَةٌ غُلْبُ
بِهمْ تُدفَعُ الجُلَّى وتُسْتَلْقَحُ المُنى / وتُسْتَغْزَرُ الجَدْوى وتُسْتَمْطَرُ السُّحْبُ
يُحَيُّونَ مَهدِيّاً بَنَى اللهُ مَجْدَهُ / على باذِخٍ تأْوي إِلى ظِلِّهِ العُرْبُ
لهُ الذِّرْوَةُ العَيْطاءُ في آلِ غالِبٍ / إذا انْتَضَلَتْ بالفَخْرِ مُرَّةُ أو كَعْبُ
يَسيرُ المُلوكُ الصِّيدُ تَحتَ لِوائِهِ / ويَسْري إِلى أعدائِهِ قَبْلَهُ الرُّعْبُ
إذا اعتَقَلوا سُمْرَ الرِّماحِ لِغارَةٍ / وجُرْدُ الجيادِ الضابِعاتِ بِهمْ نُكْبُ
أبَوْا غَيرَ طَعْنٍ يَخْطِرُ الموتُ دونَهُ / ويَشفي غَليلَ المَشْرَفيِّ بِها الضَّرْبُ
كَتائِبُ لَولا أنّ للسَّيْفِ رَوْعَةً / كَفاها العِدا الرّأيُ الإمامِيُّ والكُتْبُ
تُدافِعُ عَنها البِيضُ مُرهَفَةَ الظُّبا / وتَفْتَرُّ عن أنيابِها دونَها الحَرْبُ
إلَيكَ أمينَ اللهِ أُهدي قَصائِداً / تَجوبُ بها الأرضَ الغُرَيْرِيَّةُ الصُّهْبُ
فَما لِلمَطايا بَعدَما قَطَعَتْ بِنا / نِياطَ الفَلا حتّى عَرائِكُها حُدْبُ
مُعَقّلَةً والبَحْرُ طامٍ عُبابُهُ / على الخَسْفِ لا ماءٌ لَدَيْها ولا عُشْبُ
يَصُدُّ رِعاءُ الحَيِّ عَنْها وقد بَرى / بِحَيثُ الرُّبا تَخْضَرُّ أشباحَها الجَدْبُ
لكَ الخَيرُ هلْ في لَفْتةٍ منْ مُتيَّمِ
لكَ الخَيرُ هلْ في لَفْتةٍ منْ مُتيَّمِ / مَجالٌ لعَتْبٍ أو مَقالٌ لِلُوَّمِ
وما نظَري شَطْرَ الدِّيارِ بنافِعٍ / وأيُّ فَصيحٍ يَرتَجي نَفْعَ أعجَمِ
كأنّ ارْتِجازَ السُّحْبِ واهيَةَ الكُلى / جَلا في حواشيهِنَّ عنْ متْنِ أرْقَمِ
وما مَنَحَتْها العَيْنُ إذ عَثَرَتْ بِها / سوى نَظْرَةٍ رَوعاءَ منْ مُتَوَهِّمِ
وفي الرَّكْبِ إذ مِلْنا إِلى الرّبْعِ زاجِرٌ / يُقوِّمُ أعناقَ المَطِيِّ المُخَزَّمِ
ويعلمُ أن الشوقَ أهدى فما لَهُ / يُشيرُ بأطرافِ القَطيعِ المُحَرَّمِ
وهَلْ يَستَفيقُ الوَجْدُ إلا بِوَقْفَةٍ / مَتى يَستَجِرْ فيها بدَمْعِكَ يَسْجُمِ
بمَغْنىً أَلِفْناهُ وفي العَيشِ غِرَّةٌ / وعَصْرُ الشّبابِ الغَضِّ لمْ يتَصرَّمِ
ذَكَرْتُ بهِ أيَّامَ وصْلٍ كأنَّنِي / عَلِقْتُ بها ذَيلَ الخَيالِ المُسَلِّمِ
وبالهَضَباتِ الحُمْرِ منْ أيْمَنِ الحِمى / ظِباءٌ بألْحاظِ الجَآذِرِ تَرتَمي
وتُومي إلَينا بالبَنانِ وقد أبَتْ / مَحاجِرُها أنْ لا يُخَضَّبَ بالدَّمِ
ودُونيَ لولا أنّ للحُبِّ رَوْعَةً / يَدٌ ضَمِنَتْ رِيَّ الحُسامِ المُصَمِّمِ
إذا اسْتَمْطَرَ العافونَ منْ نَفَحاتِها / تَثَنَّتْ إلَيْهنَّ الغَمائِمُ تَنْتَمي
وإنْ مَدَّ عَبدُ اللهِ للفَخْرِ باعَها / أُريحَتْ إلَيْها بَسْطَةُ المُتَحكِّمِ
بِحادِثِ عِزٍّ في ذُؤابَةِ عامِرٍ / أُضيفَ إِلى عادِيِّهِ المُتقَدِّمِ
منَ القَوم لا المُزْجي إلَيهمْ رَجاءَهُ / بِمُكْدٍ ولا المُثني عَلَيْهمْ بمُفْحَمِ
همُ يَمنعونَ الجارَ والخَطْبُ فاغِرٌ / إذا رَمَزَتْ إحدى اللّيالي بِمُعْظَمِ
فيَرْحَلُ عَنهُمْ والمُحَيَّا بِمائِهِ / يُلاعِبُ ظِلَّ الفائِزِ المُتَغَنِّمِ
أتاهم وأحْداثُ الزَّمانِ سَفيهَةٌ / وعادَ وفيها شِيمَةُ المُتَحلِّمِ
وخَفَّتْ عليهِ وطْأَةُ الدّهْرِ فيهِمُ / عشيّةَ ألقى عِندهُمْ ثِقْلَ مَغرَمِ
حلَفْتُ بأشباهِ الأهِلَّةِ في البُرى / رَثى كُلُّ دامٍ منْ ذُراها لِمَنسِمِ
فَلَيْنَ بأيديهِنَّ ناصِيَةَ الفَلا / وعِفْنَ السُّرى في مَخْرِمٍ بَعْدَ مَخرِمِ
إذا راعَها غَولُ الطّريقِ هَفَتْ بِها / أغاريدُ حادٍ خَلْفَها مُتَرَنِّمِ
يُمارِينَ بالرُّكْبانِ وهْماً كأنّهُ / يُحاذِرُ صِلاًّ آخِذاً بالمُخَطَّمِ
فَزُرْنَ بِنا البَيتَ الحَرامَ وخُلِّيَتْ / تَرودُ بمُسْتَنِّ الحَطيمِ وزَمزَمِ
لَجِئْتَ مَجيءَ البَدرِ مَدَّ رِواقَهُ / على أفُقٍ وحْفِ الدائِرِ مُظْلِمِ
وزُرْتَ كما زارَ الرّبيعُ مُطَبِّقاً / نَداهُ فأحْيا كُلَّ مُثْرٍ ومُعْدِمِ
برأْيٍ تَمشَّى المُشْكِلاتُ خِلالَهُ / على حَدِّ مَصقولِ الغِرارَيْنِ مِخْذَمِ
وعَزْمٍ إذا ما الحَرْبُ حَطّتْ لِثامَها / يُلَوِّي أنابيبَ الوَشيجِ المُقَوَّمِ
فأيّامُكَ الخُضْرُ الحَواشي كأنّها / منَ الحُسْنِ تَفْويفُ الرِّداءِ المُسَهَّمِ
وأنتَ إذا أوغَلْتَ في طَلَبِ العُلا / كقَادِحِ زَندٍ تحتَهُ يَدُ مُضْرِمِ
وحَسْبُ المُباري أنْ تَلُفَّ عَجاجَةً / على المُنتَضى منْ طَرْفِهِ المُتَوسِّمِ
ورُبَّ حَسودٍ باتَ يَطوي على الجَوى / حَشًى باكِياً عن ناظِرٍ مُتَبَسِّمِ
لكَ الشَّرفُ الضَّخْمُ الذي في ظِلالِهِ / مُعَرَّسُ حَمْدٍ في مَباءَةِ مُنْعِمِ
ومَجْدٌ مُعَمٌّ في كِنانةَ مُخْوَلٌ / تَنوسُ حَوالَيْهِ ذَوائِبُ أنْجُمِ
وها أنا أرجو منْ زَمانِكَ رُتْبةً / لها غارِبٌ في المَجْدِ لمْ يُتَسَنَّمِ
وعندي ثَناءٌ وهْو أرجى وَسيلةٍ / إليكَ كتَفْصيلِ الجُمانِ المُنَظَّمِ
وكَمْ منْ لِسانٍ يَنظِمُ الشِّعْرَ فَلَّهُ / شَبا كَلِمي والصّارِمُ العَضْبُ في فَمي
وقد مَرَّ عَصْرٌ لم أفُزْ فيهِ بالمُنى / فما لِيَ إلا زَفرَةُ المُتَندِّمِ
وليسَ لآمالي سِواكَ فإنّها / تُهيبُ بأقوامٍ عنِ المَجْدِ نُوَّمِ
بَقيتَ لمَجْدٍ يتَّقِي دونَهُ العِدا / تَناوُشَ رَقَّاصِ الأنابيبِ لَهْذَمِ
ولا بَرِحَتْ فيكَ الأمانِيُّ غَضَّةً / تَرِفُّ على إنعامِكَ المُتَقَسِّمِ
هوَ الطّيفُ تُهديهِ إِلى الصَّبِّ أشجانُ
هوَ الطّيفُ تُهديهِ إِلى الصَّبِّ أشجانُ / ولَيسَ لسِرٍّ فيكَ يا لَيلُ كِتْمانُ
يُحدِّثُ عنْ مَسراهُ فجرٌ وبارِقٌ / أفَجْرُكَ غَدّارٌ وبَرقُكَ خَوّانُ
إذا ادَّرَعَ الظَّلْماءَ نمَّ سَناهُما / عَليهِ فلَمْ يُؤْمَنْ رَقيبٌ وغَيْرانُ
ولَيلةِ نَعمانٍ وَشى البَرقُ بالهَوى / ألا بِأبي بَرْقٌ يَمانٍ ونَعْمانُ
سَرى والدُّجى مُرْخىً عَلينا رِواقُها / يُلَوِّي المَطا وَهْناً كَما مارَ ثُعْبانُ
ونَحنُ بحَيثُ المُزْنُ حَلَّ نِطاقَهُ / ورَفَّ بحِضْنَيْهِ عَرارٌ وحَوْذانُ
ولِلرَّعْدِ إعْوالٌ ولِلرّيحِ ضَجّةٌ / وللدَّوْحِ تَصْفيقٌ وللوُرْقِ إرْنانُ
فللّهِ حُزْوى حينَ أيقَظَ رَوْضَها / رَشاشُ الحَيا والنَّجْمُ في الأفْقِ وَسْنانُ
إذا ما النّسيمُ الطَّلْقُ غازَلَ بانَهَا / أمالَ إليهِ عِطْفَهُ وهْوَ نَشوانُ
ولَو لمْ يكُنْ صَوْبُ الغَمامِ مُدامَةً / تُعَلُّ بِها حُزْوى لَما سَكِر البانُ
وكَمْ في مَحاني ذلك الجِزْعِ مِنْ مَهاً / تُجاذِبُها ظِلَّ الأراكَةِ غِزْلانُ
يَلُذْنَ إذا رُمْنَ القِيامَ بطاعَةٍ / مِن الخَصْرِ يَتلوها منَ الرِّدْفِ عِصْيانُ
ويُخْجِلنَ بالأغصانِ أغصانَ بانَةٍ / وتَهزَأُ بالكُثبانِ منهُنَّ كُثبانُ
سَقى الله عَصْراً قصَّرَ اللّهْوُ طُولَهُ / بِها وعلَينا للشَّبيبةِ رَيعانُ
يَهَشُّ لذِكراهُ الفُؤادُ ولِلهَوى / تَباريحُ لا يُصْغي إليهِنَّ سُلْوانُ
وتَصْبو إِلى ذاكَ الزّمانِ فقَد مَضى / حَميداً وذُمَّتْ بعْدَ رامَةَ أزمانُ
إذِ العَيش غَضٌّ ذُلِّلتْ لي قُطوفُهُ / وفوقَ نِجادي للذَّوائِبِ قِنْوانُ
أروحُ على وَصْلٍ وأغدو بمِثْلِهِ / وَوِرْدُ التّصابي لمْ يُكَدِّرْهُ هِجرانُ
وأصْحَبُ فِتياناً تَراهُمْ منَ الحِجى / كُهولاً وهُمْ في المأْزقِ الضَّنْكِ شُبَّانُ
يَخُبُّ بِنا في كُلِّ حَقٍّ وباطِلٍ / أغَرُّ وَجيهيٌّ ووَجناءُ مِذْعانُ
كأني بِهمْ فوْقَ المَجَرّةِ جالِسٌ / ليَ النّجْمُ خِدْنٌ وابنُ مُزنَةَ ندْمانُ
وكأسٍ كأنّ الشّمسَ ألقَتْ رِداءَها / علَيها بحَيثُ الشُّهْبُ مَثْنى ووحدانُ
إذا اسْتَرْقَصَ السّاقي بمَزْجٍ حَبابَها / تَرَدّى بمِثْلِ اللُّؤلُوِ الرَّطْبِ عِقْيانُ
فيا طِيبَها والشَّرْبُ صاحٍ ومُنْتَشٍ / تَخِفُّ بها أيْدٍ وتَثْقُلُ أجْفانُ
دَعاني إليها مِنْ خُزَيمَةَ ماجِدٌ / يَزُرُّ على ابنِ الغابِ بُرْدَيْهِ عَدنانُ
كَثيرٌ إليهِ النّاظِرونَ إذا بَدا / قَليلٌ لهُ في حَوْمَةِ الحَربِ أقرانُ
رَزينُ حَصاةِ الحِلْمِ لا يَسْتَزِلُّهُ / مُدامٌ ولا تُفْشي لهُ السِّرَّ ألحانُ
إذا رنَّحَتْهُ هِزَّةُ المَدْحِ أخْضَلَتْ / سِجالُ أيادِيهِ وللحَمْدِ أثْمانُ
تُرَوِّي غَليلَ المُرْهَفاتِ يَمينُهُ / إذا التَثَمَتْ في الرَّوْعِ بالنَّقْعِ فُرسانُ
ومُلتَهِباتٍ بالوَميضِ يُزيرُها / مَوارِدَ يهديها إلَيهنَّ خِرْصانُ
تَحومُ على اللَّبّاتِ حتى كأنّها / إذا أُشْرِعَتْ للطَّعْنِ فيهنَّ أشْطانُ
بيوْمٍ تَرى الرّاياتِ فيهِ كأنَّها / إذا ساوَرَتْها خَطْرةُ الرّيح عِقبانُ
إذا ما اعْتَزى طارَتْ إِلى الجُرْدِ غِلْمَةٌ / نَماهُمْ إِلى العَلياءِ جِلْدٌ ورَيَّانُ
سأَلتُهُمُ مَنْ خَيرُ سَعدِ بنِ مالِكٍ / إذا افْتَخَرَتْ في نَدْوةِ الحَيِّ دُودانُ
فَقالوا بسَيفِ الدَّولةِ ابنِ بَهائِها / تُناضِحُ عَدنانٌ إذا جاشَ قَحطانُ
قَريعَا نِزارٍ في الخُطوبِ إذا دَجَتْ / أضاءَتْ وُجوهٌ كالأهِلَّةِ غُرَّانُ
يَلوذُ بَنو الآمالِ في كَنَفَيْهِما / على حِينِ لا تَفْدي العَراقِيبَ ألْبانُ
بلَيْثَيْ وَغىً غَيثَيْ ندىً فكِلاهُما / لَدى المَحْلِ مِطْعامٌ وفي الحَرْبِ مِطْعانُ
هُما نَزَلا منْ قَلبِ كُلِّ مُكاشِحٍ / بحَيثُ تُناجي سَوْرَةَ الهَمِّ أضْعانُ
منَ المَزْيَدِيّينَ الإِلى في جَنابِهمْ / لمُلتَمِسي المَعْروفِ أهلٌ وأوطانُ
نَماهُمْ أبو المِظْفارِ وهْوَ الذي احتَمى / بهِ حاتِمٌ إذْ شُلَّ للحَيِّ أظْعانُ
لَهُمْ سَطَواتٌ يَلمَعُ المَوْتُ خَلفَها / وظِلٌّ حَبا مِنْ دُونِهِ الأمْنُ فَينانُ
وأفْنِيَةٌ مُخضَرَّةٌ عَرَصاتُها / تَزاحَمَ سُؤَّالٌ عَلَيها وضِيفانُ
ذَوُو القَسَماتِ البِيضِ والأُفْقُ حالِكٌ / منَ النّقْعِ كاسٍ والمُهَنَّدُ عُريانُ
وأهلُ القِبابِ الحُمْرِ والنَّعَمِ التي / لَها العِزُّ مَرْعىً والأسِنَّةُ رُعْيانُ
وخَيلٍ علَيها فِتْيَةٌ ناشِرِيَّةٌ / طَلائِعُهُمْ مِنْها عُيونٌ وآذانُ
هُمُ مَلَؤوا صَحْنَ العِراقِ فَوارِساً / كأنّهُمُ الآسادُ والنَّبْلُ خَفَّانُ
يَخوضُ غِمارَ الموْتِ منْهُمْ غَطارِفٌ / رِزانٌ لَدى البيضِ المَباتيرِ شُجْعانُ
بكُلِّ فَتىً مُرْخَى الذُّؤابَةِ باسِلٍ / عَلى صَفْحَتَيْهِ للنَّجابَة عُنوانُ
يُجَرِّرُ أذْيالَ الدُّروعِ كأنّهُ / غَداةَ الوَغى صِلٌّ تُواريهِ غُدْرانُ
ويُكْرِمُ نَفْساً إنْ أُهينَتْ أراقَها / بمُعتَرَكٍ يُروي القَنا وهْو ظَمآنُ
لَهُ عِمَّةٌ لَوْثاءُ تَفْتَرُّ عنْ نُهىً / عَلِمْنا بِها أنَّ العَمائِمَ تيجانُ
إذا ما رمَى تاجُ المُلوكِ بهِ العِدا / تَوَلَّوْا كَما يَنْصاعُ بالقاعِ ظِلْمانُ
أغَرُّ إذا لاحَتْ أسِرَّةُ وجْههِ / تبَلَّجْنَ عنْ صُبْحٍ ولِلَّيْلِ إجْنانُ
مَنيعُ الحِمَى لا يَخْتِلُ الذِئبُ سَرْحَهُ / ومنْ شِيَمِ السِّرْحانِ خَتْلٌ وعُدْوانُ
لهُ هَيبَةٌ شِيبتْ بِبشْرٍ كَما التَقَتْ / مِياهٌ بمَتْنِ المَشْرَفيِّ ونيرانُ
وبَيْتٌ يَميسُ المَجْدُ حولَ فِنائِهِ / وجيرانُهُ للأنْجُمِ الزُّهْرِ جيرانُ
فأطْنابُهُ أسيافُهُ وعِمادُهُ / رُدَيْنِيَّةٌ مُلْسُ الأنابيبِ مُرّانُ
ولَو كانَ في عهْدِ الأحاليفِ أعْصَمَتْ / بهِ أسَدٌ يومَ النِّسارِ وذُبْيانُ
أيا خَيرَ مَنْ يَتلوهُ في غَزَواتِهِ / على ثِقَةٍ بالشَّبْعِ نَسْرٌ وسِرْحانُ
دَعَوْتُكَ للجُلَّى فكَفْكَفَ غَرْبَها / هُمامٌ أيادِيهِ على الدَّهْرِ أعْوانُ
رَفَعْتَ صَحْبي ضَوءَ نارٍ عَتيقةٍ / بِها يَهتَدي السّارونَ والنَّجْمُ حَيرانُ
وَفاءَ عَلَيْهِمْ ظِلُّ دَوْحَتِكَ الَّتي / تُناصي السُّها مِنها فُروعٌ وأفْنانُ
فلَمْ يَذْكُروا الأوطانَ وهْي حَبيبَةٌ / إلَيْهمْ ولا ضاقَتْ على العِيسِ أعطانُ
وما المَجْدُ إلا نَبْعَةٌ خِنْدِفِيَّةٌ / لهَا العُرْبُ جِيرانٌ ودودانُ أغْصانُ
سَرَتْ وظَلامُ اللّيلِ سِتْرٌ على السّاري
سَرَتْ وظَلامُ اللّيلِ سِتْرٌ على السّاري / وقَدْ عَرَّجَ الحادي بِبَطْحاءَ ذي قارِ
بحَيْثُ هَزيزُ الأرْحَبيِّ أوِ الكَرى / يَميلُ بأعناقٍ ويَهْفو بأكْوارِ
ألَمَّتْ بِرَكْبٍ منْ قُرَيشٍ تَطاوَحَتْ / بهمْ عُقَبُ المَسْرَى وأنضاءُ أسْفارِ
فَقالَتْ وقدْ عَضَّتْ عَلَينا تَعجُّباً / أنامِلَ بَيْضاءَ التَّرائِبِ مِعْطارِ
سَقى ورَعى اللهُ المُعاوِيَّ إنهُ / حُشاشةُ مَجْدٍ تالِدٍ بينَ أطْمارِ
وإني بِما مَنَّى الخَيالُ لَقانِعٌ / وإنْ لَم يَكُنْ في ذاكَ حَظٌّ لمُخْتارِ
فعِفَّتيَ اليَقظَى سَجِيَّةُ ماجِدٍ / وضَمَّتُهُ الوَسْنَى خَديعةُ غَدَّارِ
يَجوبُ إليَّ البيدَ والليلُ ناشِرٌ / على مُنحَنى الوادي ذَوائِبَ أنوارِ
وأفْديهِ منْ سارٍ على الأيْنِ طارِقٍ / وأهْواهُ منْ طَيفٍ على النّأْيِ زَوَّارِ
فَحيَّاهُ عَنِّي كلَّ مُمْسَى ومُصبَحٍ / تَهَزُّمُ وَطْفاءِ الرَّبابَيْنَ مِدْرارِ
إذا ضَجَّ فيها الرَّعْدُ أُلْبِسَتِ الرُّبا / حَياً وألاحَ البَرْقُ بالمِنْصَلِ العاري
على أنّ سَلمى حالَ دونَ لِقائِها / رِجالٌ يخوضونَ الرَّدى خَشيَةَ العارِ
مَتى ما أزُرْها ألْقَ عِندَ خِبائِها / أُشَيْعِثَ يَحمي بالقَنا حَوزَةَ الدّارِ
وكمْ طَرَقَتْنا وهْيَ تَدَّرِعُ الدُّجى / وتَمشي الهُوَيْنى بينَ عُونٍ وأبْكارِ
ولمَّا رأيْنَ اللَّيلَ شابَتْ فُروعُهُ / رجَعْنَ ولمْ يَدْنَسْ رِداءٌ بأوزارِ
مَضى وحَواشيه لِدانٌ كأنَّما / كَساهُ النّسيمُ الرَّطْبُ رِقَّةَ أسْحارِ
وهُنَّ يُجَرِّرْنَ الذُّيولَ على الثَّرى / مَخافَةَ أن يَستَوضِحَ الحَيُّ آثاري
ومِمَّا أذاعَ السِّرَ وَرْقاءُ كلَّما / أمَلْتُ إلَيها السَّمْعَ نَمَّتْ بأسْراري
إذا هيَ ناحَتْ جاوَبَتْها حَمائِمٌ / كَما حَنَّ وَلْهَى في رَوائِمِ أظْآرِ
كأنّ رُواتي عَلَّموهُنَّ مَنطِقي / فهُنَّ إذا غَرَّدْنَ أنشَدْنَ أشعاري
أتَتْكَ القَوافي يا بْنَ عَمْرٍو ولمْ تَرِدْ / مُعَرَّسَ نُوَّامٍ عنِ الحَمدِ أغْمارِ
وقلَّدْتَنا نَعماءَ كالرَّوض عانَقَتْ / أزاهيرَهُ ريحُ الصَّبا غِبَّ أمْطارِ
أيادِيكَ نُهْبَى الحَمْدِ في كُلِّ مَوطِنٍ / تَميلُ بأسْماعٍ إليْكَ وأبْصارِ
وأنتَ الذي قلَّمْتَ أظْفارَ فِتْنَةٍ / ألَحَّتْ بأنْيابٍ علَينا وأظْفارِ
ومَلْحَمةٍ دونَ الخِلافَةِ خُضْتَها / بعَزْمَةِ أبَّاءٍ على القِرْنِ كَرَّارِ
إذا الحَرْبُ حَكَّتْ بَرْكَها بِابْنِ حُرَّةٍ / مُهيبٍ بأولى كُبَّةِ الخَيْلِ مِغْوارِ
تأَلَّى يَميناً لا يُفرِّجُ غَمْرَةً / بهِ السَّيفُ إلا عَنْ ذُحولٍ وأوتارِ
سَيعلَمُ راعي الذَّوْدِ أنَّكَ قادِحٌ / بزَنْدٍ تَفَرَّى عَنْ شَرارَتِهِ وارِ
ودُون الذي يَبْغيهِ أرْوَعُ ساحِبٌ / أنابيبَ رُمْحٍ في الكَريهَةِ أكْسارِ
إذا الشّرَفُ الوضّاحُ أظْلَمَ أُفْقُهُ / تَوشّحَ منْ فَرعَيْ تَميمٍ بأقْمارِ
يُراعُ العِدا مِنهُمْ إذا ما تحدَّبُوا / على كُلِّ رَقّاصِ الأنابيبِ خَطّارِ
بِكُلِّ طَويلِ الباعِ فَرَّاجِ كُرْبَةٍ / ووَهَّابِ أموالٍ ونَهَّابِ أعْمارِ
يُدِرُّون أخْلافَ الغَمامِ بأوْجُهٍ / شَرِقْنَ بسَلْسالِ النَّضارَةِ أحْرارِ
وأنتَ إذا ما خالَفَ الفَرْعُ أصْلَهُ / شَبيهُ أبيكَ القَرْمِ عَمْرو بنِ سَوَّارِ
تُلاثُ عُرا الأحداثِ منكَ بماجِدٍ / لَدى السِّلْمِ نَفَّاعٍ وفي الحَرْبِ ضَرّارِ
إذا ما انْتَضيتَ الرّأيَ أغمَدَ كَيْدُهُ / ظُبا كُلِّ مَعْصوبٍ بهِ النّقْعُ جَرّارِ
وأصْدَرْتَ ما أوْرَدْتَ والحَزْمُ باسِطٌ / يَدَيْكَ ولا إيرادَ إلا بإصْدارِ
ولمَّا انْزَوَتْ عَنَّا وُجوهُ مَعاشِرٍ / يَصُدُّونَ في المَشْتى عنِ الضَّيْفِ والجارِ
رَفَعْتَ لنا نارَ القِرى بعدَما خَبَتْ / عَداكَ الرَّدى أُكْرِمْتَ يا مُوقِدَ النَّارِ
على حينِ أخْفى صَوتَهُ كُلُّ نابِحٍ / وبَرَّحَ تَعطيلُ القِداحِ بأيْسارِ
فَلا مَجْدَ إلا ما حَوَيْتَ وقد بَنى / سِواكَ عُلاً لكنْ على جُرُفٍ هارِ
وواللهِ ما ضَمَّ انتِقادُكَ نَبْعةً / إِلى غَرَبٍ تُلْوي بهِ الرّيحُ خَوّارِ
وفي الخَيْلِ ما لَمْ تَخْتَبرْهُنَّ مَغْمَزٌ / أبَى العِتْقُ أن يَخفَى لدى كُلِّ مِضْمارِ
فعَدِّ عنِ الذِّئْبِ الذي شاعَ غَدرُهُ / ولا تَسْتَنِمْ إلا إِلى الضّيغَمِ الضّاري
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ / واستَمطَرَ العَبَراتِ وهْيَ دِماءُ
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبصارُها / مِيلُ الرُّؤوسِ صَليلُهُنَّ بُكاءُ
والبِيضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما الْتَوى / رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ
والسُّمْرُ راجِفَةٌ كأنَّ كُعوبَها / تَلوي معاقِدَها يَدٌ شَلاّءُ
والشَّمسُ شاحِبةٌ يَمورُ شُعاعُها / مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بهِ النَّكْباءُ
والنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى / نُفِضَتْ على صَفَحاتِها الظَّلْماءُ
يَنْدُبْنَ أحْمَدَ فالبِلادُ خَواشِعٌ / والأرضُ تُعْوِلُ والصّباحُ مَساءُ
والعينُ تنْزِفُ ماءَها حُرَقُ الجَوى / والوجْهُ تُضمِرُ نارَهُ الأحشاءُ
فأذَلَّ أعناقاً خَضَعْنَ لفَقْدِهِ / وهْيَ التي طَمَحَتْ بها الخُيَلاءُ
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صاغتْ حُلَى / أطواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ
ما لِلْمَنايا يَجْتَذِبْنَ إِلى الرَّدى / مُهَجاً فهُنَّ طلائِحٌ أنْضاءُ
تُدْهى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها / وتُحَطُّ عنْ وُكُناتِها الشّغْواءُ
عُونٌ تَكَدَّسَ بالنّفوسِ وعِندَها / في كُلِّ يومٍ مُهجَةٌ عَذْراءُ
دُنيا تُرَشِّحُ للرَّدى أبْناءَها / أُمٌّ لَعَمْرُ أبيهِمُ وَرْهاءُ
فالنّاسُ منْ غادٍ علَيهِ ورائِحٍ / ولِمَنْ تأخَّرَ عنهُما الإسْراءُ
لا شارِخٌ يَبْقى ولا ذو لِمَّةٍ / ألْوَتْ بعَصْرِ شَبابِها العنْقاءُ
ولكَمْ نَظَرْتُ إِلى الحياةِ وقدْ دَجَتْ / أظْلالُها فإذا الحَياةُ عَناءُ
لا يَخْدَعَنّكَ مَعْقِلٌ أشِبٌ ولَو / حلَّتْ علَيْهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ
واكْفُفْ شَبا العَينِ الطّموحِ فَدونَ ما / تَسْمو إليهِ بلَحْظِها أقْذاءُ
ولَوِ اسْتُطيلَ على الحِمامِ بعِزَّةٍ / رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّةُ السَّمْراءُ
لَتَحدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ على القَنا / حَيثُ القُلوبُ تُطيرُها الهَيْجاءُ
يَطَؤونَ أذيالَ الدُّروعِ كأنّهُمْ / أُسْدُ الشّرَى وكأنّهُنَّ إضاءُ
والخَيْلُ عابِسَةُ الوُجوهِ كأنّها / تَحْتَ الكُماةِ إذا انْجَرَدْنَ ضِراءُ
يَفْدونَ أحمَدَ بالنُّفوسِ وقلَّما / يُغْني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ
قادَ الكَتائِبَ وهْوَ مُقتَبِلُ الصِّبا / حتَّى اتّقَتْ غَزَواتِهِ الأعْداءُ
ورَمى المَشارِقَ بالمَذاكِي فارْتَدى / بِعَجاجِها المَلْمومَةُ الشَّهْباءُ
ولهُ بأطرارِ المَغارِبِ وَقْعَةٌ / تُرضي السُّيوفَ وغارَةٌ شَعْواءُ
لمْ يَدْفَعِ الحَدَثانِ عَن حَوبائِهِ / مَجْدٌ أشَمُّ وعِزّةٌ قَعْساءُ
وصَوارِمٌ مَشْحوذَةٌ وأسِنَّةٌ / مَذروبَةٌ وكَتيبَةٌ جَأواءُ
لَقِحَتْ بهِ الأرضُ العَقيمُ وأُسْقِيَتْ / سَبَلَ الحَيا فكأنَّها عُشَراءُ
والصّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزيَّةٍ / تَقِصُ الجَوانِحَ عَزْمَةٌ بَزْلاءُ
ولِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى / إلا إلَيهِ الآلَةُ الحَدْباءُ
للِّهِ ما اعتْتَنَقَ الثَّرى من سُؤْدَدٍ / شَهِدَتْ بهِ أُكْرومَةٌ وحَياءُ
وشَمائِلٍ رقَّتْ كَما خَطَرتْ على / زَهرِ الرَّبيعِ رُوَيْحَةٌ سَجواءُ
عَطِرَتْ بهِ الأرضُ الفَضاءُ كأنَّما / نُشِرَتْ علَيها الرَّوضَةُ الغنَّاءُ
لا زال يَنْضَحُ قبْرَهُ دَمُ قارِحٍ / يَحْبو لدَيْهِ وديمَةٌ وَطْفاءُ
والبَرْقُ يختلِسُ الوَميضَ كأنّهُ / بَلْقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأفْلاءُ
جَرَّ النَّسيمُ بهِ فُضولَ عِطافِهِ / وبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأنواءُ
حَنَانَيْكَ إنَّ الغَدْرَ ضَرْبةُ لازِبِ
حَنَانَيْكَ إنَّ الغَدْرَ ضَرْبةُ لازِبِ / فيا لَيتَ للأحبابِ عَهدَ الحَبائِبِ
شَكَوْتُهُمُ سِرّاً شِكايَةَ مُشْفِقٍ / وحَيَّيْتُهمْ جَهراً تحيّةَ عاتِبِ
أُقَلِّبُ طَرْفي في عُهودٍ وراءَها / خَبيئَةُ غَدرٍ في مَخيلَةِ كاذِبِ
وأعْطِفُ أخلاقي على ما يَريبُها / إلَيْهِم فقد سَدَّ الوَفاءُ مَذاهِبي
ولي دونَهُمْ منْ سِرِّ عَدنانَ فِتيةٌ / نِزاريّةٌ تَهفو إليهِمْ ضَرائبي
إذا ما حَدَوْتُ الأرْحَبيَّ بِذِكْرِهمْ / عَرَفْتُ هَواهُم في حَنينِ الرّكائِبِ
ولكِنْ أبَتْ لي أن أُوارِبَ صاحِباً / سَجيَّةُ شَيْخَيْنا لُؤَيٍّ وغالِبِ
فللّهِ قَوْمٌ بالعُذَيْبِ إليهِمُ / نَضَوْتُ مِراحَ الرَّازِحاتِ اللَّواغِبِ
طَرَقْتُهُمُ والليلُ مَرْضى نُجومُهُ / كأنَّ تَواليها عُيونُ الكَواعِبِ
وثاروا إِلى رَحْلي تَحُلُّ نُسوعَهُ / أنامِلُ صِيغَتْ للظُّبا والمَواهِبِ
وهَبَّ الغُلامُ العَبْشَميُّ بسَيفِهِ / إِلى جُنَّحِ الأضلاعِ مِيلِ الغَوارِبِ
بأبْيَضَ مَصقولِ الغِرارَيْنِ حَدُّهُ / نَجِيُّ عَراقيبِ المَطيِّ النّجائِبِ
كأنّ الحُسامَ المَشرَفيَّ شَريكُهُ / إذا سَنَحَتْ أُكْرومَةٌ في المَناقِبِ
وما هي إلا شِيمَةٌ عربيّةٌ / تَنَقَّلُ من أيْمانِنا في القَواضِبِ
فما ليَ في حَيَّيْ خُزَيمَةَ بَعدَهُمْ / أُريغُ أماناً من رِماحِ الأجارِبِ
وتَغدو إِلى سَرْحي أراقِمُ وائِلٍ / وقَد كان تَسْري في رُباهُمْ عَقاربي
أفي كُلِّ يومٍ من مُشايَحةِ العِدا / أُعالِجُ رَوعاتِ الهُمومِ الغَرائِبِ
كأنِّيَ لمْ أسفَحْ بتَيماءَ غارَةً / تُفرُّقُ ما بينَ الطُّلى والكَواثِبِ
ولمْ أرْدِفِ الحَسناءَ تَبكي منَ النّوى / وتَشكو إِلى مُهْري فِراقَ الأقارِبِ
فَغادَرَني صَرْفُ الزَّمانِ بمَنْزِلٍ / أطأطِئُ فيهِ للخَصاصَةِ جانِبي
وأذْكُرُ عَهدي من غُفَيْلَةَ بَعدَما / طَوَيْتُ على أسرارِ حُزْوى تَرائِبي
وما كُنتُ أخشى أنْ أوَكِّلَ ناظِري / ببَرْقٍ كَنارِ العامِريّةِ خالِبِ
ولا أمْتَطي وَجْناءَ تَختَلِسُ الخُطا / وتَشْكو أظلَّيْها عِراصُ السّباسِبِ
وتوغِلُ في البَيْداءِ حتى كأنّها / خَيالٌ أُناجيهِ خِلالَ الغَياهِبِ
عليها غُلامٌ من أميّةَ شاحِبٌ / يُنادِمُ أسْرابَ النّجومِ الثّواقِبِ
فَما صَحْبُهُ الأدْنَوْنَ غيرَ صَوارِمٍ / ولا رَهْطُهُ الأعْلَوْنَ غيرَ كَواكِبِ
يلُفُّ وإنْ كَلَّ المَطِيُّ مَشارِقاً / على هِمَّةٍ مَجنونَةٍ بمَغارِبِ
ويُطبِقُ جَفْنَيهِ إذا اعْتَرَضَ السَّنا / مَخافَةَ أنْ يُمْنَى بِنارِ الحُباحِبِ
دَعاهُ ابنُ مَنصورٍ فَقارَبَ قَيْدَهُ / على البَحْرِ في آذِيَّهِ المُتَراكِبِ
وألْقَى بمُسْتَنِّ الأيادي رِحالَهُ / فنَكَّبَ أذْراءَ الخَليطِ الأشائِبِ
أغَرُّ إذا انْهَلَّتْ يَداهُ تَواهَقَتْ / مَنايا أعاديهِ خِلالَ الرّغائِبِ
تَبَرَّعَ بالمعْروفِ حتّى كأنّهُ / يَعُدُّ اقْتِناءَ المالِ إحْدى المَثالِبِ
منَ القَوْمِ لا يَسْتَضْرِعُ الدّهْرُ جارهُمْ / ولا يَتحاماهُ حِذارَ النّوائِبِ
عِظامُ المَقاري والسَّماءُ كأنَّها / تَمُجُّ دَمَاً دونَ النُّجومِ الشَّواحِبِ
مَساميحُ للعافي ببيضٍ كَواعِبٍ / وصُهْبٍ مَراسيلُ وجُرْدٍ سَلاهِبِ
وأفياؤهُمْ للمُجْتَدي في عِراصِها / مَجَرُّ أنابيبِ الرِّماحِ السّوالِبِ
ومَلْعَبُ فِتيانٍ ومَبْرَكُ هَجْمَةٍ / ومَسْحَبُ أطْمارِ الإماءِ الحَواطِبِ
إليكَ أمينَ الحَضرَتَيْنِ تَناقَلَتْ / مَطايا بأنضاءٍ خِفافِ الحَقائِبِ
وهُنَّ كأمثالِ القِسِيِّ نَواحِلٌ / مَرَقْنَ بأمثالِ السِّهامِ الصّوائِبِ
فإِنَّ يَداً طَوَّقْتَني نَفَحاتُها / لَمُرْتَقِبٌ منها بُلوغَ المآرِبِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025