المجموع : 393
خاض الدُّجى ورِواقُ الليل مَسدول
خاض الدُّجى ورِواقُ الليل مَسدول / بَرقٌ كما اهتزَّ ماضي الحدِّ مَصقولُ
أَشيمُهُ وضجيعي صارمٌ خَذِمٌ / ومِحمَلي بِرَشاشِ الدَّمعِ مَبلولُ
فحَنَّ صاحبُ رَحْلي إذ تأمَّلَهُ / حتى حَنَنْتُ ونِضْوي عنهُ مَشغولُ
يَخْدي بأرْوَعَ لا يُغْفي وناظِرُهُ / بإثْمِدِ اللّيْلِ في البَيْداء مَكحولُ
ولا يَمُرُّ الكَرَى صَفْحاً بمُقْلَتِهِ / فَدونَهُ قاتِمُ الأرْجاءِ مَجهولُ
إذا قضَى عُقَبَ الإسراءِ لَيلَتَهُ / أناخَهُ وَهْوَ بالإعْياءِ مَعْقولُ
واعْتادَهُ مِنْ سُلَيمى وَهْيَ نائِيَةٌ / ذِكرٌ يُؤرِّقُهُ والقَلبُ مَتبولُ
رَيَّا المَعاصِمِ ظَمأى الخَصْرِ لا قِصَرٌ / يَزوي عَليها ولا يُزْري بِها طولُ
فَالوجْهُ أبلَجُ واللّبَّاتُ واضِحةٌ / وفَرعُها وارِدٌ والمَتْنُ مَجدولُ
كأنّما ريقُها والفَجْرُ مُبتَسِمٌ / فيما أظُنُّ بِصَفْوِ الرّاحِ مَعلولُ
صَدَّتْ ووقَّرَني شَيبي فما أرَبي / صَهْباءُ صِرفُ ولا غَيداءُ عُطبولُ
وحَال دونَ نَسيبي بالدُّمى مِدَحٌ / تَحبيرُها بِرضى الرّحمنِ مَوصولُ
أُزيرُها قرَشيّاً في أسِرَّتِهِ / نُورٌ ومِنْ راحتَيْهِ الخَيْرُ مأمولُ
تَحكي شَمائلُهُ في طِيبِها زَهَراً / يَفوحُ والرّوضُ مَرهومٌ ومَشمولُ
هُوَ الذي نَعَشَ اللهُ العِبادَ بهِ / ضَخْمَ الدَّسيعَةِ مَتبوعٌ ومَسؤولُ
فكُلُّ شيءٍ نَهاهُمْ عنهُ مُجتَنَبٌ / وأمرُهُ وهْوَ أمرُ اللهِ مَفعولُ
مِنْ دَوحةٍ بَسَقَتْ لا الفَرْعُ مؤْتَشَبٌ / مِنها ولا عِرقُها في الحَيِّ مَدخولُ
أتى بمِلَّةِ إبراهيمَ والدِهِ / قَرْمٌ على كَرَمِ الأخلاقِ مَجبولُ
والناسُ في أَجَّةٍ ضَلَّ الحَليمُ بها / وكُلُّهُمْ في إسارِ الغَيِّ مكبلولُ
كأنَّهم وعوادي الكُفرِ تُسلِمُهم / إِلى الرَّدى نَعَمٌ في النَّهبِ مَشلولُ
يا خاتَمَ الرُّسْلِ إنْ لَم تُخشَ بادِرَتي / على أعادِيكَ غالَتْني إذنْ غولُ
والنّصْرُ باليَدِ مِنِّي واللِّسانِ معاً / ومَنْ لَوى عنكَ جِيداً فهْوَ مَخذولُ
وساعِدي وهْوَ لا يُلوي بهِ خَوَرٌ / على القَنا في اتِّباعِ الحقِّ مَفتولُ
فَمُرْ وقُلْ أَتَّبِعْ ما أنتَ تَنهَجُهُ / فالأمرُ مُمتَثَلٌ والقولُ مَقبولُ
وكُلَّ صَحْبِكَ أهوى فالهُدى مَعَهُمْ / وغَرْبُ مَن أبغَضَ الأخيارَ مَفلولُ
وأقتدي بضَجيعَيْكَ اقتِداءَ أبي / كِلاهُما دَمُ مَن عاداهُ مَطلولُ
ومَن كعُثمانَ جُوداً والسّماحُ لهُ / عِبءٌ على كاهِلِ العَلياءِ مَحمولُ
وأينَ مِثلُ عَليٍّ في بَسالَتِهِ / بمَأزِقٍ مَن يَرِدْهُ فهْوَ مَقتولُ
إني لأعْذُلُ مَن لم يُصْفِهِمْ مِقَةً / والناسُ صِنفانِ مَعذورٌ ومَعذولُ
فمَنْ أحبَّهمُ نالَ النّجاةَ بِهمْ / ومَن أبى حُبَّهُمْ فالسّيفُ مَسلولُ
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا
بِعَيشِكُما يا صاحِبَيَّ دَعانِيا / عَشيّةَ شامَ الحيُّ بَرقاً يَمانِيا
وإن كُنتُما لا تُسْعِدانِ على البُكا / فلا تَعذُلا صَبّاً يُحيّي المَغانِيا
وما خِلْتُ أنّ البَرقَ يَكْلَفُ بالنّوى / ولَمْ أتّهِمْ إلا القِلاصَ النّواجِيا
ونحنُ رَذايا الحُبِّ لمْ نَلْقَ حادِثاً / مِنَ الخَطْبِ إلا كان بالبينِ قاضِيا
وصارَ الهوى فينا على رَأيِ واحِدٍ / إذا ما أمِنَّا عَذْلَهُ عادَ واشِيا
فما يَبْتَغي فينا الهَوادَةَ كاشِحٌ / ولا نَعرِفُ الإخْوانَ إلا تَماريا
كأنَّ بِنا مِنْ رَوعةِ البَينِ حَيرَةً / نُحاذِرُ عَيناً أو نُصانِعُ لاحِيا
تُرَدُّ على أعقابِهنَّ دُموعُنا / وقد وَجدَتْ لولا الوُشاةُ مَجاريا
لكَ اللهُ مِنْ قَلبٍ عَزيزٍ مَرامُهُ / إذا رُعْتَهُ استَشْرى على الضَّيْم آبِيا
دعاهُ الهَوى حتى استُلين قِيادُهُ / وأيُّ مُجيبٍ لَو حَمِدْناهُ داعِيا
ونَشوانَةِ الألْحاظِ يَمْرَحْنَ بالصِّبا / مِراضاً فإنْ ولّى خَلَقْنَ التّصابيا
أباحَتْ حِمىً كانَتْ مَنيعاً شِعابُهُ / فما لِسِواها فَضْلَةٌ في فُؤادِيا
ورَكْبٍ كخيطانِ الأراكِ هَدَيْتُهُمْ / وقد شغَلَ التّهْويمُ مِنهُمْ مآقِيا
إذا اضطَربوا فَوقَ الرِّحالِ حَسِبتَهُمْ / وقد لفظَ الفَجرَ الظّلامُ أفاعِيا
وإنْ عَرَّسُوا خَرُّوا سُجوداً على الثَّرى / عَواطِفَ مِنْ أيدٍ تَطولُ العَوالِيا
حَدَوْتُ بِهمْ أُخرى المَطيِّ ولمْ أكُنْ / لِصَحْبيَ لولا حُبُّ ظَمياءَ حادِيا
ولكنَّ ذِكْراها إذا الليلُ نُشِّرَتْ / غَدائِرُهُ تُملي عليَّ الأغانِيا
وإنَّ دُوَيْنَ القاعِ من أرضِ بِيشَةٍ / ظِباءً يُخاتِلْنَ الأُسودَ الضَّوارِيا
إذا سَخِطَتْ أُزْرٌ عليْهِنَّ تَلتَوي / وَجَدْنا إزارَ العامريّةِ راضِيا
وما مُغْزِلٌ فاءتْ إِلى خُوطِ بانَةٍ / نَأتْ بِمجانِيها عَنِ الخِشْفِ عاطِيا
تَمُدُّ إليها الجِيدَ كَيما تَنالَهُ / ويا نُعْمَ مَلفَى العَيشِ لو كانَ دانِيا
فَناشَتْ بِغُصْنٍ كالذُّؤابَةِ أصبَحَتْ / تُقَلِّبُ بالرَّوقَيْنِ فيها مَدارِيا
بِرابيةٍ والرّوْضُ يَصْحو ويَنْتَشي / يظَلُّ علَيها عاطِلُ التُربِ حالِيا
فمالَتْ إِلى ظِلِّ الكِناسِ وصادَفَتْ / طَلاً تَتَهاداهُ الذِّئابُ عَوادِيا
فوَلّتْ حِذاراً تستَغيثُ من الرّدى / بأظْلافها والليلُ يُلْقي المَراسِيا
فلمّا استنارَ الفَجرُ يَنفُضُ ظِلَّهُ / كَما نَثَرَتْ أيدي العَذارى لآلِيا
وَفاهَ نَسيمُ الرّيحِ وهْيَ عَليلَةٌ / بَنَشْرِ الخُزامَى تَرضَعُ الغَيثَ غادِيا
قَضَتْ نَفَسا يَطغى إذا رَدَّ غَرْبَهُ / إِلى صَدرِهِ الحَرَّانُ رامَ التَّراقِيا
بأبْرَحَ مني لوْعَةً يومَ ودَّعَتْ / أمَيمَةُ حُزْوى واحتَلَلْنا المَطالِيا
أتَتْ بَلَداً يَنسى به الذِّئْبُ غَدْرَهُ / وإنْ ضَلَّ لمْ يَتبَعْ سوى النّجمِ هاديا
فيا جَبَلَ الرَّيانِ أينَ مَوارِدٌ / تَرَكْتُ لها ماءَ الأُنَيْعِمِ صادِيا
وقد نَبَذَتْ عَيني إِلى الناسِ نَظْرَةً / كما يَتّقي الظَّبْيُ المُرَوَّعُ رامِيا
كِلا ناظِرَيْهِ نَحْوَهُ مُتَشاوِسٌ / يُعاتِبُ لَحْظاً رَدَّهُ الرُّعْبُ وانِيا
فلمْ تَرْضَ إلا مَنْ يَحُلُّكَ مِنهُمُ / أظُنُّ أَديمَ الأرضِ بَعدَكَ عارِيا
تَغَيّرَتِ الأحياءُ إلا عِصابةً / سقاها الحَيا قَوماً وحُيِّيَتَ وادِيا
ذَكَرتُ لهمْ تِلكَ العُهودَ لأنَّني / نَسيتُ بِهِمْ رَيْبَ الزّمانِ لَيالِيا
وعَيْشاً نَضا عَنْ مَنْكِبيَّ رِداءَه / فِراقٌ يُعاطي الحادِثاتِ زِمامِيا
تَذَكّرْتُهُ والليلُ رَطْبٌ ذُيولُهُ / فَما افْتَرَّ إلا عَن بَنانِيَ دامِيا
وقَد أستَقيلُ الدَّهْرَ مِنْ رَجْعَةِ الغِنى / إذا لمْ يُعِدْ تِلكَ السنينَ الخَوالِيا
وأذعَرُ بالعِزِّ الإِمامِيِّ صَرْفُهُ / مَخافَةَ أنْ يَقتادَ جاريَ عانِيا
بأَروعَ مِن آلِ النَّبيِّ إذا انْتَمى / أفاضَ على الدُّنيا عُلاً ومساعِيا
تُسانِدُ أدناها النّجومَ وتَنْثَني / إذا رُمْنَ أقصاهُنَّ شأواً كوابِيا
أضاءَتْ مَساري عِرقِهِ حين فُتِّشَتْ / مَناسِبُ قومٍ فانتعَلْنَ الدَّياجِيا
إذا افْتَخَرَتْ عُليا كِنانَةَ والْتَقَتْ / على غايةٍ في المَجْدِ تُعْيِي المُسامِيا
دَعا الحَبْرَ والسَّجَّادَ فابْتَدَر المَدى / وخاضَ إِلى ساقي الحَجيج النّواصِيا
وحازَ مِن الوادي البِطاحِيِّ سِرَّهُ / وحَلّتْ قريشٌ بعدَ ذاكَ المَحانِيا
مِنَ القَومِ يُلفي الرّاغِبونَ لَدَيهِمُ / مَكارِمَ عبّاسِيَّةً وأيادِيا
يَروحُ إليهمْ عازِبُ الحَمْدِ وافياً / ويَغْدو عَليهمْ طالِبُ الرِّفْدِ عافِيا
إذا عَدَّ تلكَ الأوّليَّةَ فاخِرٌ / أرَتْهُ مَساعي الآخِرينَ مساوِيا
ومُحتَجِبٍ بالعزِّ مِن خَيرِهمْ أباً / زَجَرْتُ إليه المُقْرَباتِ المَذاكِيا
إِلى المُقتدِي بالله والمُقتَدى بهِ / طَوَيْنَ بِنا طيَّ الرِّداء الفَيافِيا
وَلُذْنا بأطرافِ القَوافي وحَسْبُنا / مِنَ الفَخرِ أنْ نُهدي إليه القَوافِيا
ولَم نتَكلَّفْ نَظْمَهُنَّ لأنّنا / وجَدْنا المعالي فاخْتَرعْنا المَعانِيا
أيا وارِثَ البُرْدِ المُعَظَّمِ رَبُّهُ / بَلغْنا المُنى حتى اقْتَسَمْنا التَّهانِيا
هَنيئاً لذُخْرِ الدّينِ مَقْدَمُ ماجِدٍ / سَيُصْبِحُ ذُخْراً للخِلافةِ باقِيا
تَبلَّجَ مَيمونَ النّقِيبةِ سابِقاً / يُراقبُ مِن عِرْقِ النُّبوَّةِ تالِيا
فَكُل سَريرٍ يَشْرَئِبُّ صَبابةً / إليه وَيثني العِطْفَ نَشوانَ صاحِيا
وتَهْتَزُّ مِن شوقٍ إليهِ منابِرٌ / أطالَتْ بِه أعوادُهُنَّ التَّناجِيا
فَلا بَرِحَتْ فيكمْ تَنوءُ بخاطِبٍ / ولا عَدِمَتْ مِنكمْ مَدى الدَّهْرِ راقِيا
نظَرتُ خِلالَ الرَّكْبِ والمُزْنُ هَطّالُ
نظَرتُ خِلالَ الرَّكْبِ والمُزْنُ هَطّالُ / إِلى الجِزْعِ هَل تَروى بِواديهِ أطْلالُ
وأخْفَيتُ ما بي من هَوًى ومَطِيُّنا / يُلَبِّسُ أُخْراهُ بأُولاهُ إعْجالُ
وقُلتُ لهُمْ جُرْتُمْ فَميلُوا إِلى اللِّوى / وما القومُ لولا حُبُّ عَلْوَةَ ضُلاّلُ
فَحُيِّيتَ رَبْعاً كادَ يَضْحَكُ رَسْمُهُ / ونَمَّ بما أُخْفي مِن الوَجْدِ إعْوالُُ
وقَدْ عَلِموا أنّي أجَرْتُ رِكابَهُمْ / فقالوا وهُم مِمّا يُعانونَ عُذّالُ
أراكَ الحِمى وادي الأراكِ فَزُرْتَهُ / وضَلَّ بنا مِمّا نُوافِقُكَ الضّالُ
وقد نَفعَتْني وَقْفَةٌ في ظِلالِه / فلَمْ أُرْعِهِمْ سَمْعي ولا ضَرَّ ما قالوا
وقَلَّ لِذاكَ الرَّبْعِ مِنّا تَحيَّةٌ / كما خالطَتْ ماءَ الغَمامَةِ جِريالُ
تَعَثَّرُ في أذيالِهِنَّ خَمائِلٌ / إذا انْسَحَبَتْ فيهِ مِن الرّيحِ أذْيالُ
لَيالِيهِ أسحارٌ وفيهِ هَواجِرٌ / كما خَضِلَتْ والشّمسُ تَنعَسُ آصالُ
فلم يَبقَ إلا غُبَّرٌ مِن تَذَكُّرٍ / إذا لاحَ مَغْنًى لِلْبَخيلةِ مِحْلالُ
وقد خَلَفَ الدّهْرُ الغَواني فصَرْفُهُ / كألحاظِها في مَنزِلِ الحَيّ مُغْتالُ
ولَم أدْرِ مَنْ أدنى إِلى الغَدْرِ صاحِبي / أمِ الدّهْرُ أم مَهْضومَةُ الكَشْحِ مِكْسالُ
منَ العَربيَّاتِ الحِسانِ كأنَّها / ظِباءٌ تُناغِيها بِوَجْرَةَ أطفالُ
يُباهي بها الليْلُ النّهارَ فشُبْهُهُ / عُقودٌ ومِن عَيْنِ الغَزالَةِ أحْجالُ
فلا وصْلَ حتّى يَذْرَعَ العِيسُ مَهْمَهاً / إذا الجِنُّ غَنّتْنا بهِ رَقَصَ الآلُ
نَزورُ إماماً يَعلَمُ الله أنّهُ / مُطيقٌ لأعْباءِ المَكارِمِ مِفْضالُ
يَضيقُ على قُصّادِهِ كُلُّ مَنهَجٍ / فَقد مَلأَتْ أقطارَهُ عَنه قُفَّالُ
إليكَ ابن عَمِّ المُصْطَفى تَرتَمي بِنا / رَكائِبُ أنْضاهُنَّ وَخْدٌ وإرْقالُ
لَئِنْ لوَّحَتْنا الشّمسُ والبُرْدُ مُنْهِجٌ / فَقَد يَبلُغُ المَجْدَ الفَتى وهْوَ أسْمالُ
ولَم يَبْقَ منّي في مُهاواتِنا السُّرى / ومِنْ صاحِبي إلا نِجادٌ وسِرْبالُ
أضاءَتْ لنا الأيّامُ في ظِلِّ دَولَةٍ / بِعَدْلِكَ فيها للرّعِيَّةِ إهْلالُ
وما الأرْضُ إلا الغَابُ أنتُمْ أُسودُهُ / وهَلْ يُستَباحُ الغابُ يَحْميهِ رِئبالُ
وإنَّ امرأً ولَّيْتَهُ الحَرْبَ لاقِحاً / قَليلٌ لهُ في مُعْضِلِ الخَطْبِ أمثالُ
تتَبَّعَ أهواءَ النُفوسِ فصرَّحَتْ / بحُبِّكَ أقوالٌ لَهنَّ وأفعالُ
وسكَّنَ رَوْعَ النّائِباتِ بِعَزْمَةٍ / يَذِلُّ لَها في حَوْمَةِ الحَرْبِ أبْطالُ
فَلَمْ يَسْتَشِرْ حَدَّيْهِ أبيضُ صارِمٌ / ولا هَزَّ مِن عِطْفَيْه أسْمَرُ عَسّالُ
ورُدَّتْ صُدورُ الخَيلِ وهْيَ سليمةٌ / كما سَلِمَتْ في الرّوْعِ منْهُنَّ أكْفالُ
على حينِ صاحَتْ بالضَّغائنِ فِتنةٌ / ومَدَّتْ هَوادِيها إِلى القَومِ آجالُ
ولَو لَمْ توَقِّرْها أناتُكَ لالْتَقَتْ / بمُعْتَرَكِ الهَيجاءِ هامٌ وأوْصالُ
فأنت اللّبابُ المَحْضُ مِن آل هاشمٍ / بِذِكْرِكَ أعوادُ المَنابِرِ تَختالُ
عليْكَ التَقَى بالفَخْرِ عَمْروٌ وعامِرٌ / فلِلَّهِ أعمامٌ نَمَوْكَ وأخوالُ
أغَرُّ كِنانيٌ عَلَتْ مُضَرٌ بهِ / وأروعُ مِن عُلْيا رَبيعةَ ذَيّالُ
هُمُ القوْمُ يَقْرُونَ الرَّجاءَ عَوارِفاً / على ساعةٍ فيها السَّمَاحَةُ أقوالُ
بِمُستَمطِراتٍ مِن أكُفٍّ كَريمَةٍ / تَزاحَمُ آجالٌ علَيها وآمالُ
إذا أنعَموا أغْنَوْا وإنْ قَدَرُوا عَفَوْا / وإنْ ساجَلوا طالُوا وإنْ حاوَلوا نالوا
وتلكَ مَساعِيهِمْ فلَو شِئْتُ حَدّثَتْ / بما استُودِعَتْ منها شُهورٌ وأحوالُ
ولِلشِّعْرِ منها ما أؤَمِّلُ فالعُلا / إذا لَم أسِمْها بالقَصائِدِ أغْفالُ
ورُبَّ مُغالٍ في مَديحي نَبَذْتُهُ / ورائي فخَيْرٌ مِن أيادِيهِ إقْلالُ
وعِفْتُ ثَراءً دونَه يَدُ باخِلٍ / إذا لَم أصُنْ عِرضي فلا حَبّذا المالُ
ولم أرضَ إلا بالخَلائِفِ مَطلَباً / فما خاملٌ ذِكري ولا النّاسُ أشكالُ
وأعتَقْتُ إلا من نَوالِكَ عَاتِقي / على أنَّ أطواقَ المَواهبِ أغلالُ
أهذه خَطَراتُ الرَّبْرَبِ العِينِ
أهذه خَطَراتُ الرَّبْرَبِ العِينِ / أمِ الغُصونُ على أنْقاءِ يَبْرينِ
رَمَيْنَ إيماءَ مَطْويٍّ على وجَلٍ / عَن ناظِرٍ لا يُقِلُّ الجَفْنَ مَوهونِ
كأنَّهُنَّ مَهاً تَهفو بأعيُنِها / لِبارِقٍ بهَوادي الرِّيحِ مَقْرونِ
عَرَضْنَ والعِيسُ مُرخاةٌ أزِمَّتُها / يَرتاحُ مِنهُنَّ مَعقولٌ لمَرْسونِ
بمَوقِفٍ لا تَرى فيه سِوى دَنِفٍ / دامي الجُفونِ طليحِ الشّوقِ مَحزونِ
فلَستُ أدري وقد أتْبَعْتُهُنَّ ضُحىً / طَرْفي ولَيسَ على قلبي بمأمونِ
قُدودُها أم رِماحُ الحَيِّ تُحدِقُ بي / وأعيُنٌ أم سِهامُ القَوْمِ تُصْميني
مِنْ كُلِّ مالِئَةِ الحِجْلَينِ ما بَخِلَتْ / إلا لِتَمْطُلَني دَيْني وتَلْويني
يا لَيتَ شِعري ولَيتٌ غَيرُ مُجديةٍ / والدّهرُ يَعْدِلُ بي عمّا يُمنِّيني
هَل أورِدَنَّ رِكابي وهْيَ صادِيَةٌ / ماءَ العُذَيبِ فيُرويها ويُرْويني
ونَفْحةُ الشِّيحِ إذ فاحَ النسيمُ بها / مِن غُلَّةٍ أضْمَرَتْها النَّفسُ تَشفيني
أوْ أطْرُقَنَّ القِبابَ الحُمْرَ يَصْحَبُني / أغَرُّ مِن كُلِّ ما أخشاهُ يُنْجيني
والخَطْوُ أَطويهِ أحياناً وأنشُرُهُ / والرُعْبُ يَنشُرني طَوْراً ويَطْويني
إذا الحِجى ردَّني عمَّا أهُمُّ بهِ / رَنا إليَّ الشَّبابُ الغَضُّ يُغْريني
وعُصبةٍ لا تُطيفُ المَكرُماتُ بها / ولا تُليحُ مِنَ الفَحشاءِ والهُونِ
تَريشُها ثَروةٌ لا أستَكينُ لَها / وإنْ ألَحَّ عَليَّ الدَّهْرُ يَبريني
هَيهاتَ أن يَطَّبيني شَيْمُ بارِقَةٍ / في مُستَحيرٍ يَسُدُّ الأُفْقَ مَدْجونِ
ولإمامِ أبي العبَّاسِ عارِفَةٌ / تُروي الصَّدى والندىً المَنزورُ يُظْميني
إذا دَعَوتُ لها المُستَظهِرَ ابتدَرَتْ / مِن كفِّهِ سُحُبُ الجَدْوى تُلَبّيني
ذو هِمّةٍ بالعُلا مَشغوفَةٍ جَمَعَتْ / مِنَ المَكارِمِ أبكاراً إِلى عُونِ
لَم يَرْضَ بالأرضِ فاختارَ السّماء لها / حتى اطمأنَّتْ بِرَبْعٍ غَيرِ مَسكونِ
تَعتادُهُ هَيبَةٌ في طَيِّها كَرَمٌ / وشِدّةٌ شابَها الأحلامُ باللّينِ
ويوطِئُ الخَيْلَ والهَيجاءَ لاقِحةٌ / هامَ العِدا بينَ مضروبٍ ومَطعونِ
وتَحتَ راياتِهِ آسادُ مَلحَمَةٍ / في ظَهرِ كُلِّ أقَبِّ البَطنِ مَلبُونِ
سودٌ كحائِمَةِ العُقبانِ يَكْنُفُها / عِزٌّ تَبَلَّجَ عن نَصْرٍ وتَمكينِ
إذا استَنامَتْ إِلى العِصيانِ مارِقةٌ / يَأبى لها الحَيْنُ أن تَبقى إِلى حِينِ
مَشَوْا إليها بأسيافٍ كما انكَدَرَتْ / شُهْبٌ ثواقِبُ في إثْرِ الشّياطينِ
إذا انْتَضى الرأيَ لم تضْجَعْ غُمودُهُمُ / بكلِّ أبيضَ ماضي الحدِّ مَسنونِ
يا خيرَ مَن ألقَحَ الآمالَ نائِلُهُ / بموعدٍ يَلِدُ النَّعماءَ مَضمونِ
ولَّى الصّيامُ وقد أوْقرْتَهُ كَرَماً / أفضى إليكَ بأجرٍ غَيرِ مَمنونِ
وأقبَلَ العيدُ مُفْترّاً مَباسِمُهُ / بِطائرٍ هزَّ مِن عِطفَيْكَ مَيمونِ
ومُقْرَباتٍ خَطَتْ عَرْضَ الفَلاةِ بنا / قُبٍّ سَراحيبَ أمثالَ السّراحينِ
إليكَ والخَيرُ مطلوبُ ومُتَّبَعٌ / زَجَرْتُها كأضاميمِ القَطا الجُونِ
والعِيسُ هافِيَةُ الأعناقِ من لَغَبٍ / كالنخْلِ كانتْ فعادَت كالعَراجينِ
يَحمِلْنَ مَدحَكَ والرَّاوي يُنَشِّرهُ / عَن لؤلؤٍ بمَناطِ العِقْدِ مَوضونِ
يُصغِي الحَسودُ لهُ مَلآنَ مِن طَرَبٍ / ومِنْ جَوىً بمَقيلِ الهَمِّ مكْنونِ
والحَمْدُ لا يَجْتَنيهِ كُلُّ مُلْتَحِفٍ / باللُّؤمِ مِن صَفْقَةِ العَلياءِ مَغبونِ
ومَن نُرجّيهِ للدُنيا ونَمدَحُهُ / فأنتَ تُمدَحُ للدُّنْيا وللدينِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ
طَرَقَتْ ونحنُ بسُرَّةِ البَطْحاءِ / والليلُ يَنشُرُ وَفْرَةَ الظَّلماءِ
فرَأَتْ رَذايا أنْفُسٍ تُدْمي بِها / أيدي الخُطوبِ غَوارِبَ الأنْضاءِ
وإذا النّوى مَدّتْ إلينا باعَها / سُدّتْ بِهِنَّ مَطالِعُ البَيْداءِ
أأُمَيمَ كيفَ طوَيتِ أروِقَةَ الدُجى / في كلِّ أغْبَرَ قاتِمِ الأرجاءِ
هلا اتَّقَيتِ الشُّهْبَ حين تَخاوَصَتْ / فرَنَتْ إليكِ بأعيُنِ الرُّقَباءِ
خُضْتِ الظَّلامَ ومِن جَبينِكِ يُجْتَلى / صُبْحٌ يَنِمُّ عليكِ بالأضواءِ
فطَرَقْتِ مَطْويَّ الضلوعِ على جوًى / أغضَى الجُفونَ بهِ على الأقذاءِ
مِن أرْيَحيَّاتٍ إذا هَبَّتْ بِها / ذِكرى الحَبيبِ نهَضْنَ بالأحشاءِ
قَسَماً بثَغْرٍ في رُضابِكِ كارِعٍ / فكأنَّهُ حَبَبٌ على صَهْباءِ
وجُفونِكِ المَرضَى الصَّحيحةِ لا دَرَتْ / ما الدّاءُ بل لا أفْرَقَتْ مِن داءِ
لأُخالِفَنَّ هوى العَذولِ فَطالما / أفضى المَلامُ بهِ إِلى الإغراءِ
وإذا القُلوبُ تَنَقَّلَتْ صَبَواتُها / في الغانِياتِ تنَقُّلَ الأفْياءِ
لمْ تَتِّبِعْ عَيني سِواكِ ولا ثَنى / عَنْكِ الفُؤادَ تَقَسُّمُ الأهواءِ
وأقلُّ ما جَنَتِ الصّبابَةُ وَقْفَةٌ / مَلَكَتْ قِيادَ الدَّمعِ بالخَلْصاءِ
وبَدا لنا طَلَلٌ لرَبْعِكِ خاشِعٌ / تَزدادُ بَهجَتُهُ على الإقواءِ
وأَبِي الدِّيارِ لقد مشى فيها البِلى / وعَفَتْ معالِمُها سِوى أشْلاءِ
يَبكي الغَمامُ بها ويَبْسِمُ رَوضُها / لا زِلْنَ بينَ تَبَسُّمٍ وبُكاءِ
وقَفَتْ مَطايانا بِها فعَرَفْنَها / وكَفَفْنَ غَرْبَيْ مَيْعَةٍ ونَجاءِ
وهزَزْنَ مِن أعطافِهنَّ كأنَّما / مُلِئَتْ مَسامِعُهُنَّ رَجْعَ غِناءِ
ونَزَلْتُ أفتَرشُ الثَّرى مُتَلوِّياً / فيهِ تلوِّيَ حيَّةٍ رَقْشاءِ
وبنَفْحَةِ الأرَجِ الذي أودَعْتِهِ / عَبقَتْ حَواشي رَيْطَتي وردائي
وكأنني بِذَرا الإمامِ مُقَبِّلٌ / مِن سُدَّتَيْهِ مُعَرَّسَ العَلياءِ
حيثُ الجِباهُ البِيضُ تَلْثِمُ تُرْبَهُ / وتَحُلُّ هَيبَتُهُ حُبا العُظَماءِ
وخُطا المُلوكِ الصِّيدِ تَقْصُرُ عِندَهُ / وتَطولُ فيهِ ألْسُنُ الشُّعَراءِ
مَلِكٌ نَمَتْ في الأنبياءِ فروعُهُ / وزَكَتْ بهِ الأعْراقُ في الخُلَفاءِ
بلغَ المَدى والسِّنُّ في غُلَوائِها / خَضِلَ الصِّبا مُتكَهِّلَ الآراءِ
فغَدا الرَّعيَّةُ لائِذينَ بظِلِّهِ / يَرْجُونَ غَيْثَ حَياً ولَيْثَ حَياءِ
ومَرابِضُ الآسادِ في أيَّامِهِ / بالعَدْلِ مثْلُ مَجاثِمِ الأطْلاءِ
مَلأَ البِلادَ كَتائِباً لَمْ يَرضَعوا / إلا لِبانَ العِزَّةِ القَعْساءِ
يتَسَرَّعونَ إِلى الوَغى بِصَوارِمٍ / خَلَطَتْ بنَشْرِ المِسكِ ريحَ دِماءِ
لم تَهجُرِ الأغمادَ إلاّ رَيْثَما / تَعرى لِتُغْمَدَ في طُلَى الأعداءِ
مِن كُلِّ مَشْبوحِ الأشاجِعِ ساحِبٍ / في الرَّوعِ ذَيْلَ النَّثْرةِ الحَصْداءِ
يَنسابُ في الأدْراعِ عامِلُ رُمْحِهِ / كالأَيْمِ يَسبَحُ في غَديرِ الماءِ
أخذَ الحُقوقَ بِهِمْ وأعطاها مَعاً / والحَزْمُ بَينَ الأخْذِ والإعطاءِ
يا بْنَ الشّفيعِ إِلى الحَيا وقدِ اكْتَسَتْ / شَمَطاً فُروعُ الروضَةِ الغنَّاءِ
فَدنا الغَمَامُ وكاد يَمْري المُجْتَدِي / بِيَدَيْهِ خِلْفَ المُزْنَةِ الوَطْفاءِ
لَولاهُ لَم تَشِمِ الرِّياضُ بأعْيُنٍ / مِن زَهرِهِنَّ مَخايِلَ الأنْواءِ
خُلِقَتْ طِلاعَ القَلْبِ هَيْبَتُكَ التي / خَلفَتْ غِرارَ السَّيفَ في الهَيجاءِ
ونَضا وَزيرُكَ دونَ مُلْكِكَ عَزْمَةً / تَكْفيهِ نَهْضَةَ فَيلَقٍ شَهباءِ
وتَرُدُّ مَن قَلِقَتْ بهِ أضْغانُهُ / حَيَّ المَخافَةِ مَيِّتَ الأعضاءِ
وتُصيبُ شاكِلَةَ الرَّمِيِّ إذا بَدَتْ / رِيَبٌ تُهيبُ بِمُقْلَةٍ شَوْساءِ
فكأنَّ أسرارَ القُلوبِ تُظِلُّهُ / بغُيوبِهنَّ جَوائِبُ الأنباءِ
يَسعى ويَدْأبُ في رِضاكَ وإنْ غَلَتْ / مُهَجُ النفوسِ عَلَيهِ بالشَّحْناءِ
وإذا الزَّمانُ أتى بخَطْبٍ مُعْضِلٍ / ولِيَ افتِراعَ الخُطَّةِ العَذْراءِ
وإصابَةُ الخُلَفاءِ فيما حاوَلوا / مَقْرونَةٌ بِكِفايَةِ الوُزَراءِ
لا زِلْتُما مُتَوَشِّحَيْنِ بِدَوْلَةٍ / مُرْخًى ذَوائِبها عَلى النَّعماءِ
أثِرْها وهْيَ تَنتَعِلُ الظِّلالا
أثِرْها وهْيَ تَنتَعِلُ الظِّلالا / وإنْ ناجَتْ مَناسِمُها الكَلالا
فليسَ بمُنحَنى العَلَمَيْنِ وِرْدٌ / يُرَوّي الرَّكْبَ والإبِلَ النِّهالا
وهَبْها فارَقَتْهُ فأيُّ وادٍ / تُصادِفُ في مَذانِبهِ بِلالا
كأنّكَ حينَ تُزْجرُها وتُرخِي / أزِمَّتَها تَروعُ بها رِئالا
فكَم تُدمي أخِشَّتَها بِسَيرٍ / يُحَكِّمُ في غَوارِبِها الرِّحالا
وتُسري في ضَميرِ اللَّيلِ سِرّاً / وتَخْطِرُ في جَواشِنهِ خَيالا
وتَفْري الأرضَ أحياناً يَميناً / على لَغَبٍ وآوِنَةً شِمالا
فتُوطِئُها وإنْ حَفِيَتْ جِبالاً / وتُغْشيها وقد رَزَحَتْ رِمالا
بآمالٍ تُلَقِّحُهُنَّ عُجْبا / بِهِنَّ وهُنَّ يُسرِرْنَ الحِيالا
ولَو خَبِرَ البَرِيّةَ مَنْ رَجاهُمْ / لَشَد على مَطِيَّتِه العِقالا
إذا لم يَسْتَفِدْ مِنهمْ نَوالاً / فَلِمْ يُزجي على ظَلَعٍ جِمالا
طلائِحَ كالقِسيِّ فإنْ تَرامتْ / على عَجَلٍ به حَكَتِ النِّبالا
وأينَ أغَرُّ إنْ يَفزَعْ كَريمٌ / إليهِ يَجِدْهُ لِلْعافي ثِمالا
إذا التفَتَتْ عُلاهُ إِلى القوافي / وفَدْنَ على مَكارِمهِ عِجالا
مَتى تُرِدِ الثّراءَ فلسْتَ منّي / وخِدْني غَيرُ مَنْ سألَ الرِّجالا
فلا تَصْحَبْ مِنَ اللُّؤَماءِ وغْداً / يكونُ على عَشيرتِهِ عِيالا
وشايِعْنِي فإنّي لسْتُ أُبْدي / لِمَن يَنوي مُخالَصَتي مَلالا
ومَنْ أعْلَقْتُهُ أهْدابَ وعْدٍ / بِما يَهْواهُ لَم يَخَفِ المِطالا
أنا ابنُ الأكرَمينَ أباً وأمّاً / وهُمْ خَيْرُ الوَرى عمّاً وخالا
أشَدُّهُمُ إذا اجتَلَدوا قِتالاً / وأوثَقُهُمْ إذا عَقَدوا حِبالا
وأرجَحُهُمْ إذا قَدَروا حُلُوماً / وأصْدَقُهُمْ إذا افتَخَروا مَقالا
وأصْلَبُهُمْ لدى الغَمَراتِ عُوداً / إذا الخَفِراتُ خَلَّيْنَ الحِجالا
غَنُوا في جاهِليَّتِهمْ لَقاحاً / ونارُ الحَربِ تَشْتَعِلُ اشتِعالا
ويُسمَعُ للكُماةِ بها ألِيلٌ / إذا خَضَبَتْ ترائِبُهُمْ إلالا
وإنْ دُعِيَتْ نَزالِ مَشَوا سِراعاً / إِلى الأقْرانِ وابْتَدَرَوْا النِّزالا
يكَبُّونَ العِشارَ لمُعْتَفيهِمْ / ويَرْوونَ الأسِنَّةَ والنِّصالا
ويَثْنونَ المُغيرَةَ عن هواها / إذا الوادي بِظَعْنِ الحَيِّ سالا
ويَحتَقِبونَ أعماراً قِصاراً / ويعتقِلونَ أرماحاً طِوالا
على أثباجِ مُقرَبَةٍ تمطَّتْ / بِهمْ ورِعالُها تَنْضوا الرِّعالا
فجَرُّوا السُّمْرَ راجِفَةً صُدوراً / وقادوا الجُرْدَ راعِفةً نِعالا
بأيْدٍ يُسْتَشَفُّ الجودُ فيها / تُفيدُ مَحامِداً وتُفيتُ مالا
وأوجُهُهُمْ إذا بَرِقَتْ تجلَّتْ / عَليها هَيْبةٌ حَضَنَتْ جَمالا
وإنْ أشرَقْنَ فاكْتَحَلَتْ عُيونٌ / بها لمْ تَرْضَ بالقَمَرِ اكْتِحالا
وقدْ مُلِئَتْ أسِرَّتُها حَياءً / وأُلْبِسَتِ المَهابَةَ والجَلالا
وفي الإسلامِ ساسوا النّاسَ حتّى / هُدوا للحَقِّ فاجْتَنَبوا الضَّلالا
وهُمْ فتَحوا البِلادَ بِباتِراتٍ / كأنَّ على أغِرَّتِها ثِمالا
ولولاهُمْ لَما دَرَّتْ بِفَيءٍ / ولا أرْغى بها العَرَبُ الفِصالا
وقَدْ عَلِمَ القبائِلُ أنَّ قَومِي / أعزُّهُمُ وأكرَمُهُمْ فَعالا
وأصْرَحُهُمْ إذا انْتَسَبوا أصُولاً / وأعظَمُهُمْ إذا وَهَبوا سِجالا
مَضَوا وأزالَ مُلْكَهُمُ اللّيالي / وأيَّةُ دَولَةٍ أمِنَتْ زَوالا
وقَد كانوا إذا رَكِبوا خِفافاً / وفي النَّادي إذا جَلَسوا ثِقالا
ولَمْ يَسْلُبْهُمُ سَفَهٌ حُباهُمْ / وكيفَ تُزعْزِعُ الرِّيحُ الجِبالا
وفيمَنْ خَلَّفوا أسْآرَ حَرْبٍ / كأُسْدِ الغابِ تقتحِمُ المَصالا
يُراميهِمْ أراذِلُ كُلِّ حَيٍّ / وهُمْ نَفَرٌ يُجيدونَ النِّضالا
ويَدْنو شأوُ حاسدِهِمْ ويَنْأى / عليهِ مَناطُ مَجدِهمُ مَنالا
وها أنا مِنهُمُ والعِرْقُ زاكٍ / أشُدُّ لمَنْ يَكيدُهُمُ القِبالا
نَماني مِنْ أمَيَّةَ كُلُّ قَرْمٍ / تَرُدُّ البُزْلَ هَدْرَتُهُ إفالا
أُشَيِّدُ ما بَناهُ أبي وجَدّي / وأحْمي العِرْضَ خِيفَةَ أن يُذالا
بِعارِفةٍ أريشُ بِها كَريماً / إذا طَلبَ الغِنى كرِهَ السُّؤالا
وكابي اللّونِ يغْمُرُهُ نَجيعٌ / فَيَصْدَأُ أو أُجِدَّ لهُ صِقالا
وكُلّ مَفاضَةٍ تَحْكي غَديراً / يُعانِقُ وهْوَ مُرتَعِدٌ شَمالا
وقَدْ أهْدى الدَّبى حَدَقاً صِغارا / لها فتحوَّلَتْ حَلَقاً دِخالا
وأسْمَرَ في نُحولِ الصَّبِّ لَدْنٍ / كقَدِّ الحِبِّ لِيناً واعْتِدالا
تَبِينُ لهُ مَقاتِلُ لمْ تُصِبْها / بَسالَةُ أعْزَلٍ شَهِدَ القِتالا
وكيفَ يَضِلُّ في الظَّلْماءِ سَارٍ / ويَحمِلُ فوْقَ قِمَّتِهِ ذُبالا
فإنْ أفْخَرْ بِآبائِي فإنّي / أراهُمْ أشْرَفَ الثَّقَلَيْنِ آلا
وفِيَّ فَضائِلٌ يُغْنينَ عَنْهُمْ / بِها أوْطَأتُ أخمَصِيَ الهِلالا
تَريعُ شَوارِدُ الكَلِمِ البَواقي / إليَّ فَلا اجْتِلابَ ولا انتِحالا
فإنْ أمْدَحْ إماماً أو هُماماً / فَلا جاهاً أرومُ ولا نَوالا
وأنْظِمُ حينَ أفخَرُ رائِعاتٍ / تَكونُ لكُلِّ ذي حَسَبٍ مِثالا
وأعْبَثُ بالنَّسيبِ ولَسْتُ أغْشى ال / حَرامَ فيَقْطُرُ السِّحْرَ الحَلالا
إذا وسِعَ التُّقى كَرَمي فأهْوِنْ / بِخَوْدٍ ضاقَ قُلْباها مَجالا
ومَنْ عَلِقَ العَفافُ بِبُرْدَتَيْهِ / رَأى هُجْرانَ غانِيَةٍ وِصالا
فلَمْ أسَلِ المَعاصِمَ عنْ سِوارٍ / ولا عَنْ حَجْلها القَصَبَ الخِدالا
ولَولا نَوْشَةُ الأيَّامِ منِّي / لَما نَعِمَ اللِّئامُ لَدَيَّ بالا
ولكنّي مُنِيتُ بِدَهْرِ سَوْءٍ / هوَ الدَّاءُ الذي يُدْعَى عُضالا
يُقَدِّمُ مَنْ يَنالُ النَّقْصُ مِنْهُ / ويَحرِمُ كُلَّ مَنْ رُزِقَ الكَمالا
بَدَتْ عَقِداتُ الرّمْلِ والجَرَعُ العُفْرُ
بَدَتْ عَقِداتُ الرّمْلِ والجَرَعُ العُفْرُ / فَمِسْنا كما يَعْتَنُّ في المَرَحِ المُهْرُ
ودُسْنا بأخْفافِ المَطيِّ بِها ثَرًى / يَنُمُّ على مَسْرى الغَواني بهِ العِطْرُ
كأنَّ دِيارَ الحَيِّ في جَنَباتها / صَحائِفُ والرَّكْبَ الوُقوفَ بِها سَطْرُ
تَزيدُ على الإقْواءِ حُسْناً كأنّهُمْ / حُلولٌ بِها والدّارُ مِنْ أهلِها قَفْرُ
مَحا آيَها صَرْفُ اللّيالي وقَلَّما / يُرَجَّى لِما تَطْويهِ أيدي البِلى نَشْرُ
بِما قَدْ ترى مُخْضَرَّةً عَرصاتُها / يُجيب صَهيلَ الأعْوَجِيِّ بِها الهَدْرُ
ويأْوي إلَيها مِنْ لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ / إذا شَبَّتِ الهَيْجاءُ ذو لَجَبٍ مَجْرُ
وكُلُّ فتًى يَرْدي بهِ الطِّرْفُ في الوَغى / مُشيحاً كَما أوفى على المَرْقَبِ الصَّقْرُ
وأرْوَعُ وافي اللُّبِّ والسِّلْمِ جامعٌ / وفي الحَرْبِ إن حكَّتْ بهِ بَرْكَها غَمْرُ
وكَمْ في هَوادي سِرْبِهِم مِنْ مُهَفْهَفٍ / إذا خَطَرَ استَعْدى على الكَفَلِ الخَصْرُ
يَميسُ اهْتِزازَ الخُوطِ غازَلَهُ الصَّبا / ويَنْظُرُ عنْ نَجلاءَ أضْعَفَها الفَتْرُ
ومِنْ رَشأٍ يَثْني عليَّ وِشاحَهُ / بِما حدَّثَتْهُ عنهُ مِنْ عِفَّتي أُزْرُ
لهُ ريقَةٌ ما ذُقْتُها غيرَ أنَّنِي / أظُنُّ وظنِّي صادِقٌ أنَّها خَمْرُ
ووَجْهٌ يَرُدُّ اللّيلَ صُبْحاً بهِ السَّنا / وفَرعٌ يُريكَ الصُّبْحَ لَيْلاً بهِ الشَّعْرُ
وجِيدٌ كما يَعْطُو إِلى البَانِ شادِنٌ / تُفيءُ علَيه الظِّلَّ أفْنانُهُ الخُضْرُ
وعَينٌ كما تَرْنو المَهاةُ إِلى طَلاً / إذا غابَ عَنها اغْتالَ خَطْوَتَهُ الذُّعْرُ
أقولُ لهُ والليلُ واهٍ عُقودُهُ / كأنَّ تَوالي شُهْبِهِ اللُّؤلُؤُ النَّثْرُ
أتَهْجُرُ مَن غادَرْتَ بينَ ضُلوعِهِ / جَوًى يتلظّى مثلَما يَقِدُ الجَمْرُ
وتُلْزِمُهُ أنْ يَكتُمَ السِّرَّ بَعدَما / أُطِيعَ له الواشي فسِرُّ الهَوى جَهْرُ
وتَزْعُمُ أن الهَجرَ لا يُعْقِبُ الرَّدى / وهَل حادِثٌ يخْشى إذا أُمِنَ الهَجْرُ
وَقَفْنا بِمُسْتَنِّ الوَداعِ وراعَنا / بِحُزْوى غُرابُ البَيْنِ لا ضَمَّهُ وكْرُ
وألَّفَ ما بينَ التَّبَسُّمِ والبُكا / سُلُوٌّ ووَجْدٌ عِيلَ بَينُهُما الصَّبْرُ
فواللهِ ما أدري أثَغْرُكِ أدْمُعي / غَداةَ تَفَرَّقْنا أمِ الأدْمُعُ الثَّغْرُ
تبَرَّمَتِ الأجفانُ بَعدَكِ بِالكَرى / فَلا تَلتَقي أو نَلْتقي ولها العُذْرُ
تَغيبُ فلا يَحلى بِعَيني مَنظَرٌ / ويَكثُرُ منّي نحوَهُ النّظَرُ الشَّزْرُ
ويلفِظُ سَمْعي مَنطِقاً لمْ تَفُهْ بهِ / على أنّهُ كالسِّحْرِ لا بل هو السّحْرُ
فَفيهِ وما كُلُّ الكَلامِ بِمُشْتَهى / سوى مَدْحِ فَخْرِ الدّينِ عن مِثْلِهِ وَقْرُ
خَطا فوقَ أعناق الأعادي إِلى عُلاً / لَها بَينَ أطرافِ القَنا مَسْلَكٌ وعْرُ
بِماضي الشَّبا رَطْبِ الغِرارَيْنِ لمْ يَزَلْ / يُراعُ بهِ صِيْدُ الكُماةِ أوِ الجُزْرُ
ومُرتَعِدِ الأُنْبوبِ يُرْوي سِنانَهُ / دَمٌ مائِرٌ والدُّهْمُ مِن نَضْحِهِ شُقُ
لهُ طَعَناتٌ إنْ سُبِرْنَ تَخاوَصَتْ / إِلى مَن يُداويهِنَّ أعْيُنُها الخُزْرُ
إذا ما دَعا لَبّاهُ كُلُّ سَمَيْدَعٍ / تُعَلُّ بِكَفَّيهِ الرُّدَيْنيَّةُ السُّمْرُ
يَظلُّ وفي ظَهْرِ الحِصانِ مَقيلُهُ / ويُمْسي وبَطْنُ المَضْرَحِيِّ لهُ قَبْرُ
مِنَ المَزيَديّينَ الذينَ نَداهُمُ / لِمُسْتَمطِريهِ لا بَكِيٌّ ولا نَزْرُ
أكُفٌّ سِباطٌ تُمْتَرى نَفَحاتُها / إذا لمْ يكُنْ في دَرِّ جاذِبةٍ غَزْرُ
وخَيْرٌ مِن المالِ الثَّناءُ لِماجِدٍ / يُراقِبُ أعقابَ الأحاديثِ والذِّكرُ
ولِلجارِ فيهمْ ذِمَّةٌ لَم يُهِبْ بها / وقَد أطْفأَ المُثْرونَ نارَ القِرى غَدْرُ
يَحِلُّ يَفاعاً يَخْزَرُ النَّجْمُ دونَهُ / ويَعْتَنِقُ الجَوْزاءَ في ظِلِّهِ الغَفْرُ
أذَلُّوا بِسَيفِ الدّولةِ ابنِ بَهائِها / رِقاباً فأرْخَى مِن عَلابِيِّها القَسْرُ
أغَرُّ إذا ما النِّكْسُ أرْتَجَ بابَهُ / فما دونَ ناديهِ حِجابٌ ولا سِتْرُ
وإن شامَ مَنْ ألوى بهِ المحْلُ بَرْقَهُ / تَيَقَّنَ أنَّ العُسْرَ يتْبَعَهُ اليُسْرُ
تُبيدُ يَداهُ ما يُفيدُ بِبَأسِهِ / فلَيسَ سِوى الذِّكْرِ الجَميلِ لهُ ذُخْرُ
عَليه رِداءٌ لمْ يَشِنْ صَنِفاتِهِ / أثامٌ ولَمْ يَعْلَقْ بأذْيالِهِ وِزْرُ
إذا القُبَّةُ الوَقصاءُ مالَ عَمودُها / وقصَّرَ مِن أطْنابِها نُوَبٌ تَعْرو
ولَمْ يَسْرِ مَرقوعُ الأظَلِّ على الوَجى / رَذِيّ مَطايا حَطَّ أكْوارَها السَّفْرُ
رَجا البَدْوُ مِنهُ ما يُرَجَّى مِنَ الحَيا / وأمَّلَهُ تأميلَ وابِلِهِ الحَضْرُ
لهُ نِعَمٌ تَنْمي على الشُّكْرِ في الوَرى / وإنْ جَحدَوها لمْ يَحُلْ دونَها الكُفْرُ
هو العُرْفُ إنْ يُشْكَرْ يُضاعَفْ وإنْ يُثَبْ / يُتابَعْ وإنْ يُكفَرْ ففي بَذْلِهِ الأجْرُ
وحَرْبٍ عَوانٍ لمْ يَخُضْ غَمَراتِها / سِوى أسَدِيٍّ هَمُّهُ الفَتْكَةُ البِكْرُ
إذا ورَدَتْها البِيضُ يَلْهَثْنَ مِنْ صدًى / رَجَعْنَ رِواءً وهْيَ قانِيَةٌ حُمْرُ
يَئِنُّ لها الأبطالُ مِنْ حَذَرِ الرَّدى / أنينَ هَوامي العِيسِ أضْجَرَها العِشْرُ
ويَزْأَرُ في حافاتِها كُلُّ ضَيْغَمٍ / إذا كَلَّ فيها نابُهُ خَدَشَ الظُّفْرُ
سَما نَحوها في غِلْمَةٍ ناشِرِيَّةٍ / لهَمْ في صَهيلِ الخَيلِ أو نَقْعِها نُذْرُ
يَفوتونَ بالأوْتارِ مَنْ عَلِقوا بِهِ / وتَأبى العَوالي أنْ يَفوتَهُمُ وِتْرُ
إذا صِيحَ بالشَّعْواءِ في الحَيِّ أُسْرِجَتْ / نَزائِعُ مَعْصوبٌ بأعْرافها النَّصْرُ
يَنُمُّ على أعراقِها مِنْ رُوائِها / تَباشِيرُ عِتْقٍ قَبلَ أن يُخْبَرَ الحُضْرُ
فما راعَهُمْ جَرْسُ الخَلاخيلِ والبُرى / ولا زالَ رُعْباً عنْ مَعاقِدِها الخُمْرُ
بَني أسَدٍ أنتُمْ مَعاقِلُ خِنْدِفٍ / إذا ما شَحا فاهٌ لَها حادِثٌ نُكْرُ
ولا خَيْرَ إلا في نِزارٍ وخَيْرُها / إذا حُصِّلَ الأحْسابُ دُودَانُ والنَّضْرُ
وفَرْعُ بني دُودانَ سَعدُ بنُ مالِكٍ / وكَهْفُ بني سَعْدٍ سُواءَةُ أو نَصْرُ
وناشِرَةٌ أعلى سُواءَةَ مَحْتِداً / إذا قيل أينَ العِزُّ والعَدَدُ الدَّثْرُ
وأثْبَتُها في حَومَةِ الحَرْبِ مالِكٌ / وعَوفٌ وذو الرُّمْحَينِ جَدُّكُمُ عَمْرو
ومَنْ كَحُيَيٍّ أو كَجِلْدٍ ومَرْثَدٍ / ورَيّانَ والآفاقُ شاحِبةٌ غُبْرُ
وأرْحَبُهُمْ باعاً عَليٌّ ومَزْيَدٌ / إذا السّنَواتُ الشُّهْبُ قَلَّ بها القَطْرُ
ومَن كَدُبَيْسٍ حينَ تُفْتَرَشُ القَنا / إذا النَّقْعُ لَيلٌ والظُّبَى أنجُمٌ زُهرُ
وما زالَ مَنصورٌ يُنيفُ على الوَرى / بهِ الشَّرَفُ الوَضَّاحُ والحَسَبُ الغَمْرُ
فسِرْتَ على آثارِهِ مُتَمهِّلاً / ولمْ يَختَلِفْ في السَّعْي بَيْنَكُما النَّجْرُ
ومِنْ أيِّ عِطفَيْكَ التَفَتَّ تَعَطَّفَتْ / عَليكَ بِهِ الشَّمْسُ المُضيئَةُ والبَدْرُ
ومَجدٌ مُعَمٌّ في العَشيرةِ مُخْوَلٌ / أحَلَّ أبا المِظْفارِ ذِرْوَتَهُ كِسْرُ
خَلفْتَهمُ في المَكْرُماتِ وفي العُلا / كما تَخْلُفُ السُّمْرَ المُهَنَّدَةُ البُتْرُ
ولو لم يَكُنْ فيهمْ مُؤَثَّلُ سُؤدَدٍ / كَفَتْهُم مساعِيكَ المُحَجَّلةُ الغُرُّ
وكَم شَيّدَتْ أيّامُكُمْ مِن مَناقِبٍ / يُحَدِّثُ عَنها في مَجالِسِها فِهْرُ
نشأنَ وظِئْراها القَواضِبُ والقَنا / لَديْكُمْ وتِرْباها الكَواكِبُ والدَّهْرُ
وقائِعُ رَدّتْ في قُضاعةَ مَذْحِجاً / يَهَشُّ لِذِكْراها ذُؤالةُ والنَّسْرُ
وقَد شارَكَتْ غسّانَ فيهنَّ حِمْيَرٌ / وما سَلِمَتْ مِنهُنَّ قَيْسٌ ولا بَكْرُ
وهانَ على حَيَّيْ خُزَيمَةَ أن ثَوى / عُتَيْبَةُ أو ذاقَ الرَّدى صاغِراً حُجْرُ
فإنَّ سُيوفاً أغْمَدَتْها حلومُهُمْ / لَتَفْري طُلى يَلْوي أخادِعَها الكِبْرُ
وآثارُها مَشهورَةٌ وغُمودُها / إذا جُرِّدَتْ هامُ المُلوكِ ولا فَخْرُ
عُرِفْنَ بحَيْثُ الشّمْسُ تُلقِي جِرانَها / وفي حَيْثُ يَجلو عن مَباسِمِهِ الفَجْرُ
وفي أيِّ عَصْرِ الجاهِليّةِ لمْ يَسُدْ / لكُمْ سَرَواتِ العُرْبِ مَن أمرُهُ الأمْرُ
ولمّا أتى الإسلامُ قُمتُمْ بنَصْرهِ / فلَمْ يُفتَتَحْ إلا بأسيافِكُمْ مِصْرُ
وأنتُمْ إذا عُدَّتْ مَعَدٌّ بمَنْزِلٍ / يُجاوِرُ أحْناءَ الفُؤادِ بهِ الصَّدْرُ
ومُنتَعِلاتٍ بالنَّجيعِ زَجَرْتُها / وهُنَّ بقايا هَجْمَةٍ سَوْطُها الزَّجْرُ
عَدا نَسَلانَ الذِّئْبِ في أخْرَياتِها / أُشَيْعِثُ مَشدودٌ بأمثالِهِ الأُزْرُ
رَحيضُ حواشي البُرْدِ ما شانَهُ الخِنَى / خَفيضُ نَواحي النُّطْقِ ما شابَهُ الهُجْرُ
نَهوضٌ بأعباءِ الرّفيقِ وإنْ غَلا / على مُنحَنى الأضْلاعِ مِنْ صَحْبِهِ غِمْرُ
إذا ما سِراجُ اليَومِ أطْفأَهُ الدُّجى / مَشى كَنَزيفِ القَومِ رنَّحَهُ السُّكْرُ
يَجوبُ بِها والنّومُ حُلْوٌ مَذاقُهُ / أديمَ الفَلا وهْناً وإسْآدُها مُرُّ
لَواغِبُ يُحْذَيْنَ السَّريحَ مِنَ الحَفا / وأوساطُها يَشكُو بِها القلَقَ الضُّفْرُ
أُنِخْنَ وقَد دانى خُطاها كَلالُها / إليكَ فأدْنَتْها البَشاشةُ والبِشْرُ
وقَد شَمِلَتْ عَدْنانَ نِعْمَتُكَ التي / نَعَشْتَ بِها قَحْطانَ إذْ خانَها الوَفْرُ
أرى كُلَّ قَيْسِيٍّ يَنالُ بكَ الغِنى / فَما لخُزَيْمِيٍّ يُحالِفُهُ الفَقْرُ
ولَو لمْ أُجاوِرْ تَغْلِبَ بْنَةَ وائِلٍ / قَرعْتُ ظَنابيبَ النَّوى ويَدي صِفْرُ
وحَولي أناسٌ تُنْفَضُ الرَّاحُ مِنهُمُ / كثيرونَ إلا أن يُقَلِّلَهُمْ خُبْرُ
وقد ساءَني طُولُ الصُّدودِ فلمْ أبُحْ / بِذاكَ وأعناقُ العِدا دونَنا صُعْرُ
وعيَّرْتَني تأخيرَ مَدْحِكَ بُرهةً / ومِنْ أينَ يَستوفي مَناقِبَكَ الشِّعْرُ
وفضُلُكَ لا يستوعبُ الحَصْرُ وصْفَهُ / ومجْدُكَ يَكبو دونَ غاياتِهِ الفِكْرُ
ومِنْ شِيَمي أن أُبليَ العُذْرَ فاسْتَمِعْ / ثَناءً كما يُثْني على الوابِلِ الزَّهْرُ
فإنّكَ بَحْرٌ والقَوافي لآلئٌ / ولا غَرْوَ أن يُستَوْدَعَ اللُّؤلُؤَ البَحْرُ
وكُلُّ مَديحٍ فيكَ يخلُدُ ذِكرُهْ / فمجْدُكَ والمَدْحُ القِلادَةُ والنَّحْرُ
وخَيْرُ قَريضِ القوْمِ ما طالَ عُمْرُهُ / على عُقَبِ الأيامِ طالَ لكَ العُمْرُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ / والسَّيفُ يَلمَعُ والصَّدى يَتضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِماءِ لِينَةَ فاحْتَمى / بِشَبا أسِنِّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ ألبَسَهُ الرَّبيعُ وشَائِعاً / عُنِيَ السِّماكُ بِوَشْيِها والمِرْزَمُ
تُثْني رُباهُ على الغَمامِ إذا غَدا / عافِي النَّسيمِ بِسِرِّها يتكَلَّمُ
حَيْثُ الغُصونُ هَفا بِها ولَعُ الصَّبا / وخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يترَنَّمُ
وأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إلَيهِ مَسامِعاً / يَشكو لَجاجَتَها إليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى ولَم أرَ عَبْرَةً مَسْفوحَةً / أكذاكَ يَبْخَلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ
ولَقَد بَكَيْتُ فلَو رأيتَ مَدامِعي / لعَلِمْتَ أيُّ الباكِيَيْنِ مُتَيَّمُ
شَتّانَ ما وَجْدي ووَجْدُ حَمامَةٍ / تُبْدي الصَّبابَةَ في الحَنينِ وأكْتُمُ
وأزورُ إذْ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً / نَحِلَتْ بِهِنَّ كما نَحِلْتُ الأرْسُمُ
كَمْ وَقْفَةٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها / شَوْقٌ إِلى طَلَلٍ بِرامَةَ يُرْزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إِلى عَرَصاتِهِ / وعلى الجُنَينَةِ نَهْجُهُنَّ المُعْلَمُ
وذَكَرْتُ عَصْراً أسْرَعَتْ خُطُواتُهُ / والعَيْشُ أخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أنَّ شَبيبتي ودَّعْتُها / وأقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يتَصَرَّمُ
لفَظَتْ أحِبَّتَنا البلادُ فَمُعْرِقٌ / تُدمي جَوانحَهُ الهُمومُ ومُشْئِمُ
أزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طلَبِ العُلا / أدْنى صَحابَتِهِ الحُسامُ المِخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغَرَ الفَيافي والدُّجَى / خُوصٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدْقَمُ
يَجْتابُ أرْدِيَةَ الظّلامِ بِمَهْمَهٍ / يَنْسى الصَّهيلَ بهِ الحِصانُ الأدْهَمُ
ويَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي / لَيلٌ بأذْيالِ الصَّباحِ يُلَثَّمُ
ولَهُ إِلى الغَرْبِ التِفاتَةُ وامِقٍ / يُمْري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فتَسْجُمُ
وكأنَّهُ مِمَّا يُميلُ بِطَرْفِهِ / قِبَلَ المَغارِبِ بالثُّريَّا مُلْجَمُ
عَتَقَتْ علَيَّ ألِيَّةٌ سَيُبِرُّها / هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النُّجومِ مُخَيِّمُ
والليلُ يوطِئُ مَن تُؤرِّقُهُ المُنى / خَدّاً بأيدي الأرْحَبِيَّةِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بيَ المَوامي أيْنُقٌ / هُنَّ الحَنِيُّ ورَكْبُهُنَّ الأسْهُمُ
وأُفارِقَنَّ عِصابَةً مِنْ عامِرٍ / يَضْوَى بِصُحبَتِها الكَريمُ ويَسْقَمُ
فسَدَ الزَّمانُ فليسَ يأمَنُ ظُلْمَهُ / أهْلُ النُّهى وبَنوهُ مِنهُ أظْلَمُ
أينَ التَفَتَّ رأيتَ مِنهُمْ أوْجُهاً / يشقى بهنَّ النّاظِرُ المُتَوسِّمُ
وأضَرُّهُمْ لكَ حينَ يُعضِلُ حادِثٌ / بالمَرْءِ مَنْ هوَ في الصّداقَةِ أقْدَمُ
ومَتى أسَأْتَ إليهِمُ وخَبِرتَهُمْ / أُلْفِيتَ بعدَ إساءَةٍ لا تَندَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ معَ الحَياءِ وراءَهُمْ / فهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبْلَى بِهِ / فبَليَّتي مِمَّنْ أُصاحِبُ أعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ فَوَجْهُهُ مُتَهلِّلٌ / لِمكيدَةٍ وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبدي الهَوى ويَسُورُ إنْ عَرَضَتْ لهُ / فُرَصٌ عليَّ كَما يَسورُ الأرْقَمُ
ويَرومُ نَيلَ المَكْرُماتِ ودونَها / أمَدٌ بهِ انْتَعَلَ النَّجيعَ المَنْسِمُ
فزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إِلى مَدًى / يَعْنو لِحاسِرِ أهْلِهِ المُسْتَلئِمُ
ورَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَةٍ مَغْصوبَةٍ / حتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَمُ
ولَوِ اسْتَطَعْتُ رَدَدْتُ مَن يَعْيَى بهِ / عنهُ مَخافَةَ أنْ يُلَجْلِجَهُ فَمُ
لا تُخْلِدَنَّ إِلى الصّديقِ فإنّهُ / بِكَ مِنْ عَدوِّكَ في المَضَرَّةِ أعْلَمُ
يَلقاكَ والعسَلُ المُصَفَّى يُجْتَنَى / مِن قَولِهِ ومنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا ورُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بهِ / شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فحَلُمْتُ عنهُ وباتَ يَشْرَبُ غَيظَهُ / جُرَعاً ولُزَّ بمِنخَرَيهِ المَرْغَمُ
وأنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ / ويَرُدُّ غَرْبَ الجَهلِ وهْوَ مُثَلَّمُ
فلقد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ / حيثُ السّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
والخَيْلُ شُعْثٌ والرِّماحُ شوارِعٌ / والنّقْعُ أكْدَرُ والخَميسُ عَرَمْرَمُ
فرأيتُهُ يَسَعُ العُداةَ بِعَفْوِهِ / وتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَليهِ فَيَحْلُمُ
ويَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَومٍ أنَّهُ / مِمّا يَمُنُّ بهِ عليْهِمْ مُجرِمُ
وأفَدْتُ مِنْ أخلاقِهِ ونَوالِهِ / مِنَحاً يَضِنُّ بها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أغامَ الخَطْبُ جابَ ضَبابَهُ / شَمْسُ الضُّحى وسَطا عَليهِ الضَّيْغَمُ
ومَتى بَدا واللّيلُ ألْمَى رَدَّهُ / بِالبِشْرِ فهْوَ إذا تبلَّجَ أرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداةَ يُطلَبُ شَأوُهُ / مُقَلاً يُصافِحُها العَجاجُ الأقتَمُ
بشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينِها / كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
ومَناقِبٍ لا تُرتَقَى هَضَباتُها / نَطَقَ الفَصيحُ بفَضْلِها والأعْجَمُ
إنْ لُحْنَ والشُّهْبُ الثّواقِبُ في الدُّجى / لمْ يَدْرِ سارٍ أيُّهُنَّ الأنْجُمُ
يا بْنَ الإِلى سَحَبوا الرِّماحَ إِلى الوغَى / ولدَيْهِ يَغْدرُ بالبَنانِ المِعْصَمُ
يتَسرَّعونَ إِلى الوغَى فجِيادُهُمْ / تُزْجَى عَوابِسَ والسُّيوفُ تَبَسُّمُ
وإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فاكْتَسى / فضَلاتِ نُورِهِمُ الزّمانُ المُظلِمُ
أوْضَحْتَ طُرْقَ المَجْدِ وهْيَ خَفِيّةٌ / فبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبهَمُ
وغَمَرْتَ بالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهُمْ / لمّا شَرَعْتَ لهُ الندىً يتكرَّمُ
وبَسَطْتَ كفّاً بالمَواهِبِ ثَرَّةً / سَدِكَ الغَنيُّ بِسَيْبِها والمُعْدَمُ
ومَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاً وارِفاً / يتوشَّحُ الضّاحِي بهِ والمُعتِمُ
كلُّ الفَضائِلِ مِن خِلالِكَ يُقْتَنى / ولدَيْكَ يُجْمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
ولِمِثْلِها أعْدَدْتُ كُلَّ قصيدَةٍ / نَفَرَتْ فَآنَسَها الجَوادُ المُنعِمُ
والشِّعْرُ صَعْبٌ مُرتَقاهُ وطالَما / شمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
والمَدْحُ يَسهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ / فنَداكَ يُمْليهِ عليَّ وأنْظِمُ
ولَرُبَّما غَطَّ البِكارُ وإنّما / رفَعَ الهَديرَ بهِ الفَنيقُ المُقْرَمُ
بَدا والثُّريّا في مَغارِبِها قُرْطُ
بَدا والثُّريّا في مَغارِبِها قُرْطُ / بُرَيْقٌ شَجاني والدُّجى لِمَمٌ شُمْطُ
كأنَّ خِلالَ الغَيْمِ مِن لَمَعانِهِ / يَدَيْ قادِحٍ يَرفَضُّ مِن زَنْدِهِ سِقْطُ
تَناعَسَ في وَطْفاءَ إن حَلَّتِ الصَّبا / عَزالِيَها بالوَدْقِ عَيَّ بِها الرَّبْطُ
فَلا بَرِحَتْ تُروي الغَميمَ بِوابِلٍ / يَدُرُّ على رَوضٍ أزاهِيرُهُ تَغْطو
إذا نَشِيَتْ أرواحَهُ العِيسُ مَوْهِناً / دَعاها القَصيصُ الجَعْدُ والنَّفَلُ السَّبْطُ
هوَ الرَّبْعُ لا قَوْسي عَلى مَيْعَةِ الصِّبا / مُعَطَّلةٌ فيهِ ولا أسْهُمي مُرْطُ
عَهِدْتُ بهِ غَيداءَ تُلقي على الثّرى / أَساوِدَ فَرْعٍ في القُلوبِ لها نَشْطُ
إذا نَظَرَتْ أو أتْلَعَتْ قُلْتُ جُؤْذَرٌ / رأى قانِصاً فارْتاعَ أو ظَبْيَةٌ تَعْطو
وبَيْضاءَ تَرْوى دونَها السُّمْرُ مِن دَمٍ / وكَمْ حَصَدَ الأرواحَ ما أنْبَتَ الخَطُّ
تَبَسَّمُ عن أحْوى اللِّثَاتِ يَزينُهُ / جُمانٌ يُباهيه على جِيدِها السِّمْطُ
ترَدَّدَ فيهِ الظَّلْمُ حتّى كأنّهُ / على الشَّيْمِ مِن ظَنّي إذا ذِيقَ إسْفِنْطُ
وتُرْخي على المَتْنَينِ أسْحَمَ وارِداً / يَمُجُّ فَتيتَ المِسْكِ من نشْرِهِ المِشْطُ
إذا اللّيلُ أدناها إليَّ نأَى بِها / صَباحٌ كَما أوْفى على اللِّمَّةِ الوَخْطُ
وعُدْتُ أكُفُّ المَشْيَ مِن حَذَرِ العِدا / على قَدَمٍ يُخْفي مَواطِئَها المِرْطُ
وكُنّا شَرَطْنا الوَصْلَ لولا ثلاثَةٌ / إذا ماتَوَاصَوْا بالنَّوى انْتقَضَ الشَّرْطُ
مُهيبٌ بأُخرى النّاجِياتِ وناعِبٌ / وغَيرانُ يَقضي بالظُّنونِ ويَشْتَطُّ
جَلَوْا مِن عَذارَى الحَيِّ لِلْبَيْنِ أوْجُهَاً / شَرِقْنَ بِدَمْعٍ يَمْتَري خِلفَهُ الشَّحْطُ
كأنّ الرِّياضَ الحُوَّ يَنفُضْنَ فوقَها / شَقائِقَ فِيها مِن دُموعِ الحَيا نَقْطُ
ولَيلٍ طَوَتْ كِسْرَيْهِ بي أرْحَبيّةٌ / على نَصَبِ المَسْرى بآمالِنا تَمْطُو
أقولُ لها غِبَّ الوَجى وكأنّها / فُوَيْقَ سِنانِ الزّاعِبيِّ بِنا تَخطُو
خِدي بي رَعاكِ اللهُ إنَّ أمَامَنا / أغرَّ بهِ في كُلِّ حادِثَةٍ نَسْطو
فَسيري إليهِ واهْجُري أجْرَعَ الحِمى / يَرِفُّ عليْكِ العِزُّ لا الأثْلُ والخَمْطُ
إِلى مُستَقِلٍّ بالنّوائِبِ والوَغى / تُرِمُّ مَذاكيهِ فأصواتُها النَّحْطُ
وتَصُدُرُ عَنْ لَبَّاتِهِنَّ نَواهِلاً / صُدورُ العَوالي وهْيَ مُزْوَرَّةٌ تَقْطو
أخو مأْقِطٍ إن طاوَلَ القِرْنَ قَدَّهُ / وضَرْبَتُهُ إنْ عارَضَ البَطَلَ القَطُّ
تُخاطُ علَيْهِ مِن عَجاجٍ مُلاءَةٌ / ولكنّها بالسّمهَرِيّةِ تَنْعَطُ
ويَطوي على البَغْضاءِ جَنْبَيْهِ كاشِحٌ / تخطّى بهِ رَهْواً إِلى الحَسَدِ الغَبْطُ
يُحاولُ أدنى شأْوِهِ فهْوَ جاهِدٌ / على الأيْنِ كالعَشْواءِ أجْهَدَها الخَبْطُ
إليكُمْ فَدونَ المَجدِ مَن لا يَخونُهُ / شَبا نابِهِ المَذْروبُ والمِخْلَبُ السَّلْطُ
يلَذُّ بأفواهِ المُلوكِ بِساطُهُ / فقَدْ كادَ أن تَبْلى مِنَ القُبَلِ البُسْطُ
منَ القومِ عدَّ النّاسِبونَ بيوتَهُمْ / فلَم يُنْكِروا أن النّجومَ لَهمْ رَهْطُ
مَغاويرُ والهَيجاءُ تُلقي قِناعَها / مَغازيرُ والغَبْراءُ يُلْوي بِها القَحْطُ
لهُمْ قَسِماتٌ تَسْتَنيرُ طَلاقَةً / بِها لأديمِ اللّيلِ عَنْ فَجْرِهِ كَشْطُ
هُمُ في الرِّضى كالماءِ يُسْتَنُّ في الظُّبا / وكالنّارِ فيها حينَ يَسْتَلُّها السُّخْطُ
فإنْ يَغْضَبوا مِن سَوْرَةِ العِزِّ يَحلُموا / وإن يَقدِروا يعْفوا وإن يُسألوا يُعْطوا
وكَمْ لكَ يا عَدنانُ عِنديَ منْ يَدٍ / كما أنهَرَتْ أطْباءَها اللّقْحَةُ البِسْطُ
وقد أنِسَتْ بالمُسْتَحِقِّ فأُنْمِيَتْ / ولمْ يَحْبُ كُفرانٌ إلَيها ولا غَمْطُ
يَراني الذي عاداكَ مِلْءَ جُفونِهِ / قَذًى وقَتاداً لا يُشذِّبُهُ الخَرْطُ
تأبّطَ شَرّاً مِن حُقودٍ قَديمةٍ / وتِلكَ لعَمري شَرُّ ما ضَمَّهُ الإبْطُ
فقالَ تَميميٌّ هَواهُ وهَلْ لهُ / أبٌ كَتَميمٍ أو كأبْنائِهِ سِبْطُ
تَمُدُّ حِفافَيْكَ القَوافي جَناحَها / وهنَّ أفاعٍ يَحتَوِشْنَ العِدا رُقْطُ
شوارِدُ أمثالَ اللآلِئِ ما لَها / إذا انتَثَرَتْ إلاَّ بِناديكُمُ لَقْطُ
كأني قَسيمُ الفَخْرِ فيما بَنَيْتُمُ / مِنَ المَجدِ أو لي مِنْ مَناقِبِكُمْ قِسْطُ
أيَبْغي عُلاً تَسمو إليهنَّ صاعِداً / ضَجيعُ هَوَيْنَى مِنْ سَجيَّتهِ الهَبْطُ
وأنَّى يكونُ المُلتَقى عِندَ غايةٍ / وأنتَ غداةَ السَّبْقِ تَعلو ويَنْحَطُّ
فلا زال مَعصوباً وإنْ رَغِمَ العِدا / بِكَ النّقْضُ والإبرامُ والقَبْضُ والبَسْطُ
بُشْراكَ قَدْ ظَفِرَ الرّاعي بِما ارْتادا
بُشْراكَ قَدْ ظَفِرَ الرّاعي بِما ارْتادا / وبَثَّ في جَنَباتِ الرَّوضِ أذْوادا
فاسْتَبْدَلَتْ بمُجاجِ الغَيْمِ أذْنِبَةً / مِنْ ماءِ لِيْنَةَ لا يُخْلِفْنَ وُرَّادا
يُرْوي بعَقْوَتِهِ العَبسيُّ جِيرَتَهُ / إذا الفَزاريُّ عنْ أحواضِهِ ذادا
أورَدْتُهُ العِيسَ والظَّلْماءُ وارِسَةٌ / يَحمِلْنَ مِن سَرَواتِ العُرْبِ أمجادا
فَما حُرِمْنَ بهِ والماءُ مُقْتَسَمٌ / رِيّاً ولا مُنعَتْ رُكْبانُها الزّادا
بحيثُ تَمْري أفاوِيقَ الغَمامِ صَباً / إذا أبَسَّتْ بشُؤْبوبِ الحَيا جادا
كَمْ قَعْقَعَتْ لانْتِجاعِ الغَيثِ مِنْ عَمَدٍ / أرْسَتْ لَهنَّ جَواري الحَيِّ أوْتادا
بِيضٌ سَلَبْنَ المَها لَحْظاً تُمرِّضُهُ / ثمّ استَعرْنَ منَ الغِزلانِ أجْيادا
مِنهُنَّ لَيلى ولا أبغِي بِها بَدَلاً / تَجْزي المُحبِّينَ بالتَّقريبِ إبْعادا
إنّي لأذكُرُها بالظَّبْيِ مُلْتَفِتاً / والشّمسِ طالِعَةً والغُصْنِ مَيّادا
وقد رَضِيتُ منَ المَعْروفِ تَبذُلُهُ / أنْ يُنْجِزَ الطَّيْفُ في مَسْراهُ مِيعادا
وَوَقْفَةٍ بجَنوبِ القاعِ مِن إضَمٍ / تُجاذِبُ الرَّكْبَ تأْويباً وإسْآدا
رَدَّتْ عَذولي بغَيظٍ وهْوَ يُظْهِرُ لي / نُصْحاً يظُنُّ بهِ الإغْواءَ إرْشادا
إذا سَرى البَرْقُ مُجتازاً لطيَّتِهِ / وهَزَّتِ الرِّيحُ خُوطَ البانِ فَانآدا
هاجَ الحَنينُ رِكاباً كُلَّما غَرِضَتْ / خَفَّتْ مِنَ الشَّوقِ واستَثْقَلْنَ أَقْيادا
لا وَضْعَ للرَّحْلِ عَن أصْلابِ ناجيَةٍ / أو تَشْتَكي أضْلُعاً تَدْمَى وأعْضادا
إذا بَلَغْنا أبا مَرفوعَةَ ارْتَبَعَتْ / بحيثُ لا يألَفُ المَهْرِيُّ أقْتادا
يُلقي الزِّمامَ إِلى كَفٍّ مُعَوَّدةٍ / في نَدْوَةِ الحيِّ تَقبيلاً وإرْفادا
مُحَسَّدُ المَجْدِ لمْ تُطْلَعْ ثَنيَّتُهُ / إنَّ المكارِمَ لا يَعْدَمْنَ حُسّادا
ذُو همّةٍ بنَواصي النّجْمِ سافِعَةٍ / بثَّتْ على طُرُقِ العَلْياءِ أرْصادا
تَتْلو الكَواكِبُ في المَسْرى وما عَلِقَتْ / إلا بأبْعَدِها في الجوِّ إصْعادا
منْ مَعْشَرٍ يُلْبِسونَ الجارَ فَضْلَهُمُ / ويُحْسِنونَ على اللأواءِ إسْعادا
ويوقِدونَ غَداةَ المَحْلِ نارَ قِرًى / لا يستطيعُ لها الأيْسارُ إيقادا
ويَنحَرونَ مَكانَ القَعْبِ مِنْ لَبَنٍ / للطّارِقِ المُعْترِي وَجْناءَ مِقْحادا
بَنو تَميمٍ إذا ما الدّهْرُ رابَهُمُ / لمْ تُلْفِهِمْ لنَجيِّ القَومِ أشْهادا
لكنّهُم يَستَثيرونَ الظُّبا غَضَباً / ويَجعَلونَ لها الهاماتِ أغْمَادا
تُكْسى إذا النَّقْعُ أرْخى مِنْ مُلاءَتِهِ / في باحَةِ المَوْتِ أرْوحاً وأجْسادا
لا يَخْضَعونَ لخَطْبٍ إن ألمَّ بِهمْ / وهَلْ تَهُزُّ الرِّياحُ الهُوجُ أطْوادا
يَجلو النَّدِيُّ بِهمْ أقمارَ داجِيَةٍ / والحَرْبُ تحتَ ظِلالِ السُّمْرِ آسادا
إذا الرَّدى حَكَّ بالأبْطالِ كَلْكَلَهُ / في مأْقِطٍ لَفَّ بالأنجادِ أنْجادا
جَرُّوا الذُّيولَ منَ الأدْراعِ في عَلَقِ / لا يَسْحَبُ المَرِحُ الذَّيَّالُ أبْرادا
وكاشِحٍ رامَ منْهُمْ فُرصَةً ضَرَبَتْ / مِنْ دونِها شَفَراتُ البيضِ أسْدادا
ينامُ والثَّائِرُ الحَرَّانُ يُقْلِقُهُ / سَحابَةَ الليلِ رَعْيُ النَّجْمِ إسْهادا
حتّى انْتَضَتْ يَقَظاتِ العَيْنِ جائِفَةٌ / كطُرَّةِ البُرْدِ لا تأْلوهُ إزْبادا
لمّا طوى الكَشْحَ منْ حِقْدٍ على إِحَنٍ / وظلَّ يَهْرِفُ إبْراقاً وإرْعادا
مَشى لهُ عَضُدُ المُلْكِ الضَّراءَ وقدْ / أرخَى بهِ اللَّبَبَ المِقْدارُ أو كادا
فأوْهَنَ البَغْيُ كفّاً كان يُلْمِسُها / قلباً يُرَشِّحُ أضْغاناً وأحْقادا
يا خَيْرَ مَنْ وَخَدَت أيدي المَطِيِّ بهِ / مِن فرْعِ خِنْدِفَ آباءً وأجْدادا
رَحَلْتَ فالمَجدُ لمْ تَرْقَأْ مَدامِعُهُ / ولَمْ تَرِقَّ عَلَيْنا المُزْنُ أكْبادا
وضاعَ شِعْرٌ يضِيقُ الحاسِدونَ بِهِ / ذَرعاً وتُوسِعُهُ الأيَّامُ إنشادا
فَلمْ أُهِبْ بالقَوافي بعدَ بينِكُمُ / ولا حَمِدْتُ وقَدْ جَرَّبْتُ أجْوادا
هَفا بِهوادي الخَيلِ والليْلُ أسْحَمُ
هَفا بِهوادي الخَيلِ والليْلُ أسْحَمُ / نَبيلُ حَواشي لَبَّةِ الزَّوْرِ ضَيْغَمُ
وأدْنى رَفيقَيْهِ من الصَّحْبِ مَارِنٌ / يُباريهِ فَيْنانُ السَّبيبَةِ أدْهَمُ
إذا ما الدُّجى ألْقَتْ علَيهِ رِداءَها / بَدا الفَجْرُ مِنْ أطْرافِه يتَبَسَّمُ
رَمَيْتُ بهِ الدّارَ التي في عِراصِها / عِتاقُ المَذاكي والخَميسُ العَرَمْرَمُ
فزُرْتُ وحاشا المَجْدِ جُؤْذَرَ رَمْلَةٍ / حَبا دونَهُ رَطْبُ الغِرارَيْنِ مِخْذَمُ
وما نِلْتُ إلا نَظْرَةً منْ ورائِها / عَفافي وذَيَّاكَ الحَديثُ المُكَتَّمُ
ولو شِئْتُ إِرهاقَ الحُلِيِّ أجَارَني / مُسَوَّرُهُ منْ جَرْسِها والمُخَدَّمُ
ولكنَّنِي أصْدَى وفي الوِرْدِ نُغْبَةٌ / وأكْرِمُ عِرْضي والظُّنونُ تُرَجَّمُ
وبِيدٍ على بِيدٍ طَوَيْتُ ولَيلةٍ / سَرَيْتُ وتَحْتَ الرَّحْل وجْناءُ عَيْهَمُ
فقَدَّتْ أَدِيمَ الأرضِ تَخْتَلِسُ الخُطا / مُحاذَرَةً أنْ يَلْثُمَ التُّربَ مَنْسِمُ
وتَكْرَعُ في مثْلِ السّماءِ تألّقَتْ / منَ الحَبَبِ الطّافي بحِضْنَيْهِ أنْجُمُ
وتَسْبِقُ خُوصاً لَو مَرَرْنَ على القَطا / لمَا رِيعَ بالتَّسْهيد وهْوَ مُهَوِّمُ
وتَلْمَعُ منْ أخفافِهنَّ على الثَّرى / نَظائِرُ مِرآةٍ يُضَرِّجُها الدَّمُ
إذا غَرَّدَ الحادي تَخايَلْنَ في البُرى / ونَحْنُ على أكْوارِها نَتَرنَّمُ
ولَمَّا بَدا التَّاجُ المُطِلُّ تَشاوَسَتْ / إلَيْهِ القَوافي والمَطِيُّ المُخَرَّمُ
وقلْتُ أريحُوها فبَعْدَ لِقائِهِ / حَرَامٌ عليْهِنَّ القَطيعُ المُحَرَّمُ
ومُقْتَدِريّ منْ ذُؤابَةِ هاشِمٍ / بهِ يَصْغُرُ الخَطْبُ المُلِمُّ ويَعْظُمُ
إذا حدَّثَتْ عنهُ الأباطِحُ منْ مِنًى / أصاخَ إليْهنَّ الحَطيمُ وزَمزَمُ
تَزَعْزَعُ أعوادُ المَنابِرِ باسْمِهِ / فتَحْسَبُها منْ هِزَّةٍ تتكلَّمُ
أطلَّ على أعدائِهِ بكَتائِبٍ / أظلَّ حِفافَيْها الوَشيجُ المُقَوَّمُ
ومَوضونَةٍ قدْ لاحَكَ السَّردُ نَسْجَهَا / حَكَتْ سَلَخاً ألقاهُ بالقاعِ أرقَمُ
وخَيْلٍ سَليماتِ الرَّوادِفِ والقَنا / تُقَصَّدُ في لَبّاتِها وتُحَطّمُ
يَسيرُ على آثارِها الذِّئْبُ عافِياً / وأفْتَخُ يَجْتابُ الأهابيَّ قَشْعَمُ
إليْكَ أميرَ المؤمِنينَ زَجَرْتُها / طلائِحَ يَنْميهَا الجَديلُ وشَدْقَمُ
وإنِّي لنَظَّارٌ إِلى جانِبِ العُلا / ولا يَطَّبيني الجانِبُ المُتَجهِّمُ
ولَولاكَ لمْ أُكْرِهْ على الشِّعْرِ خاطِراً / بِذِكرِكَ يُغْرَى بَل بمَجدِكَ يُغْرَمُ
فلا حُمِلَتْ إلا إليْكَ مَدائِحٌ / ولا استُمْطِرَتْ إلاّ بِواديكَ أنْعُمُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ
طَرَقَتْ فَنَمَّ على الصَّباحِ شُروقُ / واللّيلُ تَخْطِرُ في حَشاهُ النُّوقُ
والنَّجْمُ يَعْثُرُ بالظَّلامِ فيَشْتَكي / ظَلَعاً ليَجْذِبَ ضَبْعَهُ العَيُّوقُ
فاسْتَيقَظَ النَّفَرُ الهُجودُ بمَنزِلٍ / للقَلْبِ منْ وَجَلٍ لدَيْهِ خُفوقُ
والرُّعْبُ يَسْتَلِبُ الشُّجاعَ فؤادَهُ / ويَغُصُّ منْ كَلِماتِهِ المِنْطيقُ
نَزَلَتْ بِنا واللّيلُ ضافٍ بُرْدُهُ / ثمّ انْثَنَتْ وقَميصُهُ مَخْروقُ
والأفْقُ مُلتَهِبُ الحَواشي يَلتَظي / والأرضُ ضاحِيَةُ الوشُومِ تَروقُ
لِلهِ ناضِرَةُ الصِّبا يَسْرِي لَها / طَيْفٌ إذا صَغَتِ النُّجومُ طَروقُ
طَلَعَتْ عَلينا والمُعَرَّسُ عالِجٌ / والعِيسُ أهْوَنُ سَيْرِهِنَّ عَنيقُ
واللّيلُ ما سَفَرَتْ لَنا عَجِلُ الخُطا / والرَّملُ ما نَزَلَتْ بهِ مَوْموقُ
هَيفاءُ نَشْوى اللَّحْظِ يُقْصِرُ طَرْفَها / خَفَرٌ ويَسْكَرُ تارَةً ويُفيقُ
فكَأنَّهُ والبَيْنُ يُخضِلُ جَفْنَهُ / بالدَّمْعِ منْ حَدَقِ المَها مَسْرُوقُ
يا أُختَ مُقتَنِصِ الكُماةِ بمَوقِفٍ / للنَّسْرِ تحتَ عَجاجِهِ تَرنِيقُ
أتَرَكْتِنا بلِوى زَرودَ وقد صَفا / عَيشٌ كحاشِيَةِ الرِّداء رَقيقُ
والرِّيحُ أيقَظَتِ الرِّياضَ وَلِلْحَيا / فيها إذا رَقَدَ العَرارُ شَهيقُ
وطَلَبْتِنا وعلى المُضَيَّحِ فالحِمى / مَغْدى النّجائِبِ والمَراحُ عَقيقُ
هَلاّ بَخِلْتِ بِنا ونحْنُ بغِبْطَةٍ / والدَّهْرُ مَصْقولُ الأدِيمِ أنيقُ
وعلَيَّ مِن حُلَلِ الشَّبابِ ذَوائِبٌ / عَبِقَتْ بِرَيَّا المِسْكِ وهْوَ فَتيقُ
وهَوايَ تِلوُ هَواكِ في رَوْقِ الصِّبا / حتّى كأنّ العاشِقَ المَعْشوقُ
وتَصَرَّمَتْ تِلكَ السِّنونَ وشاغَبَتْ / نُوَبٌ تَفُلُّ السَّيفَ وهْوَ ذَليقُ
عَرَضَتْ على غَفَلاتِ ظَنِّيَ عَزْمَةٌ / لمْ يُسْتَشَفَّ وراءَها التَّوفيقُ
واسْتَرْقَصَ السَّمْعَ الطَّروبَ رَواعِدٌ / واستَغْوَتِ العَينَ الطَّموحَ بُروقُ
وأُشِبَّ لي طَمَعٌ فلَيتَ ركائِبي / عَلِمَتْ غَداةَ الجِزْعِ أينَ أَسوقُ
فعَرَفْتُ ما جَنَتِ الخُطوبُ ولم أُطِلْ / أمَلاً فما لِمَخِيلَةٍ تَصديقُ
ونَجَوتُ مُنصَلِتاً ولَم أكُ ناصِلاً / سِيمَ المُروقَ فلَم يُعِنْهُ الفُوقُ
وإذا اللّئيمُ تَغَضَّنَتْ وَجَناتُهُ / بُخلاً وجَفَّ بماضِغَيْهِ الرِّيقُ
فالعَرْصَةُ الفَيحاءُ مَسرَحُ أيْنُقٍ / لمْ يَنْبُ عَنْ عَطَنٍ بهِنَّ الضِّيقُ
وعلى ندىً المُستَظهِرِ بنِ المقتَدِي / حامَ الرَّجاءُ يُظِلُّهُ التَّحقيقُ
ورِثَ الإمامَةَ كابِراً عن كابِرٍ / مُتَوكِّليٌّ بالعَلاءِ خَليقُ
كَهلُ الحِجى عَرُضَتْ مَنادِحُ رأيِهِ / والغُصْنُ مُقتَبِلُ النَّباتِ وَريقُ
خَضِلُ البَنانِ بِنائِلٍ منْ دونِهِ / وَجهٌ يَجولُ البِشْرُ فيهِ طَليقُ
تَجري على ظَلَعٍ إِلى غاياتِهِ / هَوجاءُ طائِشَةُ الهُبوبِ خَريقُ
ويُخلِّفُ المُتَطَلِّعينَ إِلى المَدى / في الفَخْرِ مُنْجَذِبُ العِنانِ سَبوقُ
ويُقيمُ زَيغَ الأمرِ ناءَ بعِبْئِهِ / ذو الغارِبِ المَجْزولِ وهْوَ مُطيقُ
وعَلَيهِ مِن سيماءِ آلِ مُحمَّدٍ / نُورٌ يُجيرُ على الدُّجى مَرموقُ
والبُرْدُ يَعلَمُ أنَّ في أثنائِهِ / كَرَماً يَفوقُ المُزْنَ وهْوَ دَفوقُ
أفْضَتْ إليهِ خِلافَةٌ نَبَويَّةٌ / منْ دونِها للمَشْرَفِيِّ بَريقُ
فاخْتالَ مِنبرُها بهِ وسَريرُها / وكِلاهُما طَرِبٌ إليه مَشوقُ
فالآنَ قَرَّتْ في مُعَرَّسِها الذي / كانتْ على قَلَقٍ إليهِ تَتُوقُ
لكَ يا أميرَ المؤْمِنينَ تُراثُها / وبِهِ استَتَبَّ لَها إليكَ طَريقُ
ولكَ الأيادي ما يزالُ بذِكْرِها / يَطْوي الفَلا مَرِحُ النَّجاءِ فَنيقُ
ومَناقِبٌ يَزْدادُ طولاً عِندَها / باعٌ بتَصْريفِ القَناةِ لَبيقُ
شَرَفٌ مَنافِيٌّ ومَجدٌ أتلَعٌ / يَسمو بهِ نَسَبٌ أغَرُّ عَتيقُ
وشَمائِلٌ طَمَحَتْ بهِنَّ إِلى العُلا / في سُرّةِ البَلَدِ الأمينِ عُروقُ
وبَلَغْتَ في السِّنّ القَريبَةِ رُتْبَةً / نهَضَ الحَسودُ لَها فعَزَّ لُحوقُ
ونَضا وَزيرُكَ عَزْمةً عَرَبيّةً / نَبَذَتْ إليكَ الأمرَ وهْوَ وَثيقُ
ودَعا لِبَيعَتِكَ القُلوبَ فلَمْ يَمِلْ / مِنها إِلى أحَدٍ سِواكَ فَريقُ
يَرمي وَراءَكَ وهْوَ مَرْهوبُ الشَّذا / وعَليكَ مُلتَهِبُ الضَّميرِ شَفيقُ
رأيٌ يُطِلُّ على الخُطوبِ فتَنْجَلي / عنهُ وكَيْدٌ بالعَدوِّ يَحيقُ
لا زالَ مَمدودَ الرِّواقِ علَيكُما / ظِلٌّ يَقيلُ العِزُّ فيهِ صَفيقُ
مَنْ رامَ عِزّاً بغَيرِ السَّيفِ لم يَنَلِ
مَنْ رامَ عِزّاً بغَيرِ السَّيفِ لم يَنَلِ / فارْكَبْ شَبا الهُندُوَانِيَّاتِ والأسَلِ
إنّ العُلا في شِفارِ البِيضِ كامِنَةٌ / أو في الأسِنَّةِ منْ عَسَّالَةٍ ذُبُلِ
فَخُضْ غِمارَ الرّدى تَسْلَمْ وثِبْ عَجِلاً / لِفُرْصَةٍ عَرَضَتْ فالحَزْمُ في العَجَلِ
ما لِلجَبانِ أَلاَنَ اللهُ جانِبَهُ / ظَنَّ الشَّجاعَةَ مِرْقاةً إِلى الأجَلِ
وكَمْ حَياةٍ جَنَتْها النّفْسُ منْ تَلَفٍ / ورُبَّ أمْنٍ حَواهُ القَلْبُ منْ وجَلِ
مَتى أرى مَشْرَفِيَّاتٍ يُضَرِّجُها / دمٌ رَسَتْ فيهِ أيدي الخَيْلِ والإبِلِ
يُزيرُها عِصمَةُ الدِّينِ الطُّلَى فَبِها / يُقامُ ما مَسَّ لِيتَ القِرْنِ منْ مَيَلِ
فقَدْ نَزَتْ بِطَنٌ ما تَحتَها فِطَنٌ / بالعاجِز الوَغْدِ والهَيَّابَةِ الوَكَلِ
وطبَّقَ الأرضَ خَوفٌ لا يُزَحْزِحُهُ / ذو ضَجْعَةٍ لاثَ بُردَيْهِ على فَشَلِ
وخالَفَتْ هاشِماً في مُلكِها عُصَبٌ / صاروا مُلوكاً وكانوا أرذَلَ الخَوَلِ
حَنَّتْ إلَيْهِمْ ظُبا الأسْيافِ ظامِئَةً / حتى أبَتْ صُحْبَةَ الأجْفانِ والخِلَلِ
إذا جَرى ذِكرُهُمْ باتَتْ على طَرَبٍ / مُتونُهُنَّ إِلى الأعْناقِ والقُلَلِ
ودونَ ما طَلَبوهُ عِزّةٌ عَقَدَتْ / أيْدي المَلائِكِ فيها حُبْوَةُ الرُّسُلِ
ومُرْهَفٌ أنحَلَ الهَيجاءُ مَضرِبَهُ / لا يَألَفُ الدَّهرَ إلا هامَةَ البَطَلِ
وذابِلٌ يَنثَني نَشوانَ منْ عَلَقٍ / كالأيْمِ رَفَّعَ عِطْفَيهِ منَ البَلَلِ
بِكَفِّ أرْوَعَ يُرخي مِن ذَوائِبِهِ / جِنُّ المِراحِ فَيَمْشي مِشْيَةَ الثَّمِلِ
يَهيمُ بالطَّعَناتِ النُّجْلِ في ثُغَرٍ / تُطْوى على الغِلِّ لا بالأعْيُنِ النُّجُلِ
فلَيْتَ شِعري أحَقٌّ ما نَطَقْتُ بهِ / أم مُنْيَةُ النّفْسِ والإنسانُ ذو أمَلِ
يبدو ليَ البَرْقُ أحياناً وبي ظَمَأٌ / فَلا أُبالي بصَوْبِ العارِضِ الهَطِلِ
وفي ابتِسامَةِ سُعْدى عنهُ لي عِوَضٌ / فلَمْ أشِمْ بارِقاً إلا مِن الكِلَلِ
هَيفاءُ تَشْكو إِلى دَمعي إذا ابتَسَمَتْ / عُقودُها الثَّغْرَ شَكوى الخَصْرِ لِلْكَفَلِ
يُغْضي لها الرّيمُ عَينَيهِ على خَفَرٍ / ولا يَمُدُّ إليها الجِيدَ مِنْ خَجَلِ
طَرَقْتُها وسَناها عادَ يَغدِرُ بي / لو لَم يُجِرْني ذِمامُ الفاحِمِ الرَّجِلِ
وإنْ سَرَتْ نَمَّ بالمَسْرى تَبَرُّجُها / فالمِسْكُ في أرَجٍ والحَلْيُ في زَجَلِ
أشكو إِلى الحَجْلِ ما يأتي الوِشاحُ بهِ / وأُلزِمُ الرّيحَ ذَنْبَ العَنْبَرِ الشَّمِلِ
إذْ لِمَّتي كَجَناحِ النَّسْرِ داجِيَةٌ / والعَيْشُ رَقَّتْ حَواشي رَوضِهِ الخَضِلِ
واهاً لذلكَ مِن عَصْرٍ مَلَكْتُ بِها / على الجَآذِرِ فيهِ طاعَةَ المُقَلِ
لوْ رُمْتُ بابْنِ أبي الفِتْيانِ رَجعَتَهُ / لَعادَتِ البيضُ مِنْ أيَّامِهِ الأُوَلِ
فَفي الشَّبيبَةِ عَمَّا فاتَنا بَدَلٌ / وليسَ عَنها سِوى نُعْماهُ منْ بَدَلِ
رَحْبُ الذِّراعِ بكَشْفِ الخَطْبِ في فِتَنٍ / كأنَّنا مِنْ غَواشيهِنَّ في ظُلَلِ
أضْحَتْ بها الدَّولَةُ الغَرَّاءُ شاحِبَةً / كالشّمْسِ غَطّتْ مُحَيَّاها يَدُ الطَّفَلِ
فَصالَ والقَلْبُ كَظَّتْهُ حَفيظَتُهُ / تَوَثُّبَ اللّيْثِ لمْ يَهلَعْ إِلى الوَهَلِ
وأغمَدَ السَّيْفَ مَذْروبَ الشَّبا ونَضَا / رأْياً أَبَى الحَزمُ أن يُؤتَى مِنَ الزَّلَلِ
ومهَّدَ الأمرَ حتى هزَّ مِنْ طَرَبٍ / إليهِ عِطْفَيهِ ما ولَّى مِنَ الدُّوَلِ
ساسَ الوَرى وهَجيرُ الظُّلمِ يَلفَحُهُمْ / فأعْقَبَ العَدْلُ فِيهمْ رِقَّةَ الأُصُلِ
أغَرُّ تَنشُرُ جَدْواهُ أنامِلُهُ / وقَد طَوى الناسُ أيديهمْ علَى البَخَلِ
مُقَبَّلٌ تُرْبُ نادِيهِ بكُلِّ فَمٍ / لا يَلفِظُ القَوْلَ إلا غَيرَ ذي خَطَلِ
كأنّهُ والمُلوكُ الصِّيدُ تَلثِمُهُ / خَدٌّ تَقاسَمَهُ الأفْواهُ بالقُبَلِ
ورُبَّ مُعتَرَكٍ ضَنْكٍ فَرَغْتَ لهُ / حتى تَرَكْتَ بهِ الأرواحَ في شُغُلِ
تَرنو خِلالَ القَنا حَيْرى غَزالتُهُ / عن ناظِرٍ بِمُثارِ النّقْعِ مُكتَحِلِ
بحَيثُ لا يَملِكُ الغَيرانُ عَبْرَتَهُ / حتى مَشَيْتَ بِها في مَسْلَكٍ وَحِلِ
والأعوَجِيّةُ مُرخاةٌ أعِنَّتُها / تَسْتَنُّ في لَهَواتِ السَّهْلِ والجَبَلِ
والبِيضُ تَبْسِمُ والأبطالُ عابِسَةٌ / ما بَينَ مُودٍ ومَكْلومٍ ومعتَقَلِ
حتى تَرَكْتَ بهِ كِسْرى وأُسرَتَهُ / أتباعَ راعِيَةِ الحَوْذانِ والنَّفَلِ
وانْصاعَ بَأْسُكَ بابْنِ الغابِ تُجْشِمُهُ / أن يَستَجيرَ حِذاراً بِابْنَةِ الوَعِلِ
وأيُّ يَومَيْكَ مِن نارَيْ قِرًى وَوَغىً / في السِّلْمِ والحَربِ لمْ يَفتَرَّ عنْ شُعَلِ
نَماكَ من غالِبٍ بِيضٌ غَطارِفَةٌ / بَثُّوا الندىً فإلَيهِمْ مُنتَهى السُّبُلِ
لا يَشْتَكي نَأْيَ مَسْراهُ أخو سَفَرٍ / تُدنِيهِ مِنهُمْ خُطا المَهْريَّةِ الذُلُلِ
مِنْ كلِّ أبلَجَ مَيمونٍ تَفيئَتُهُ / يَغشى حِياضَ المَنايا غيرَ مُحتَفِلِ
فلَيسَ يَرضى بغَيرِ السَّيفِ منْ وَزَرٍ / ولا يُعِدُّ سِوى الماذيِّ مِنْ حُلَلِ
يُصغي إِلى الحَمدِ يَقْريهِ مَواهبَهُ / بمَسمَعٍ ضاقَ فيه مَسرَحُ العَذَلِ
فَشِدْتَ ما أَسَّسَ الآباءُ مِن شَرَفٍ / حتى تحَلَّتْ بهِ الأيّامُ مِنْ عَطَلِ
فُقْتَ الثَّناءَ فلمْ أبْلُغْ مَداكَ بهِ / حتى توهَّمْتُ أنَّ العَجْزَ منْ قِبَلي
والعِيُّ أن يَصِفَ الوَرْقاءَ مادِحُها / بالطَّوْقِ أو يَمدَحَ الأدْماءَ بالكَحَلِ
تَبَلَّجَ العِيدُ عنْ سَعدٍ يُصافِحُهُ / جَدٌّ عَواقِبُهُ تُفْضي إِلى الجَذَلِ
فانْحَرْ ذوي إحَنٍ تَشْجى أضالِعُهُمْ / بهِنَّ نَحْرَ هَدايا مَكَّةَ الهَمَلِ
وَفُرَّ عَنْها بأطرافِ الرِّماحِ تَشُبْ / دِماءَهُمْ بدِماءِ الأيْنُقِ البُزُلِ
وأصْدِرِ البِيض حُمراً عَنْ جَماجِمِهمْ / إذا رَوِيْنَ بِها عَلاً على نَهَلِ
وامْشِ الضَّراءَ تَنَلْ ما شِئْتَ من فُرَصٍ / ولا تَمُدَّ لمَنْ عاداكَ في الطِّوَلِ
فالدَّهْرُ مُنتَظِرٌ أمْراً تُشيرُ بهِ / فمُرْ بما يَقْتَضيهِ الرَّأيُ يَمْتَثِلِ
سَرى والنَّسيمُ الرَّطْبُ بالرَّوْضِ يَعْبَثُ
سَرى والنَّسيمُ الرَّطْبُ بالرَّوْضِ يَعْبَثُ / خَيالٌ بأذيالِ الدُّجَى يَتَشَبَّثُ
طوى بُردَةَ الظَّلْماءِ واللّيلُ ضارِبٌ / بِرَوْقَيْهِ لا يَلوي ولا يتَلَبَّثُ
فيَمَّمَ عَنْ عُفْرٍ طَليحَ صَبابَةٍ / وللفَجْرِ داعٍ باليَفاعِ يُغَوِّثُ
مُتَوَّجُ أعلى قِمَّةِ الرّأسِ ساحِبٌ / جَناحَيْهِ في العَصْبِ اليَماني مُرَعَّثُ
إذا ما دَعا لبَّاهُ حُمْشٌ كأنَّها / تُفَتِّشُ عن سِرِّ الصَّباحِ وتَبحَثُ
لَكَ الله منْ زَوْرٍ إذا كَتَمَ السُّرى / فلا ضَوْؤُهُ يَخفى ولا اللَّيلُ يَمكُثُ
ينُمُّ علَيْنا الحَلْيُ حتى إذا رَمى / بهِ باتَ واشِي العِطْرِ عنّا يُحدِّثُ
لهُ لَفْتةُ الخِشْفِ الأغَنِّ ونَظْرَةٌ / بأمثالِها في عُقدَةِ السِّحْرِ يُنفَثُ
وَقَدٌّ كخُوطِ البانِ غازَلَهُ الصَّبا / يُذَكَّر أحياناً وحِيناً يؤَنَّثُ
وقد كادَ يَشكو حَجْلَهُ وسِوارَهُ / إليهِ وِشاحٌ يَشبَعانِ ويَغْرَثُ
ومنْ بَيِّناتِ الشَّوقِ أنِّي على النَّوى / أموتُ لذِكراهُ مِراراً وأُبعَثُ
وحَيْثُ يَقيل الهَمُّ والحُبُّ جَذْوَةٌ / على كَبِدٍ منْ خَشيةِ البَيْنِ تُفرَثُ
بَقايا جَوًى تحتَ الضُّلوعِ كأنّها / لَظىً بِشآبيبِ الدّموعِ يُؤَرَّثُ
أمَا والعُلا واهاً لَها منْ ألِيّةٍ / لَحى الله مَنْ يولي بِها ثُمَّ يَحْنَثُ
لأبتَعِثَنَّ العِيسَ شُعْثاً وراءَها / أُسَيْمِرُ جَوّابُ الدّياميمِ أشْعَثُ
طَوى عنْ مَقَرِّ الهُونِ كَشْحَ ابنِ حُرَّةٍ / لهُ جانِبٌ شأَزٌ وآخَرُ أوعَثُ
وأعتَقَ مِنْ رِقِّ المطامِعِ عاتِقاً / بِثِنْيَيْ نِجادِ المَشْرَفِيَّةِ يُولَثُ
يَبيتُ خَميصاً منْ طَعامٍ يَشينُهُ / ويَشرَبُ سُمَّاً في الإناءِ يُمَيَّثُ
فلَيْتَ الذي يُغضي الجُفونَ على القَذى / لَقىً أُجْهِضَتْ عنهُ عَوارِكُ طُمَّثُ
أُخَيَّ إِلى كمْ تَتْبَعُ الغَيْثَ رائِداً / وفي غير أرضٍ تُنْبِتُ العِزَّ تَحْرُثُ
فخَيِّمْ بحَيْثُ الدَّهرُ يُؤْمَنُ كَيدُهُ / فلا صَرْفُهُ يُخشى ولا الخَطْبُ يُكْرَثُ
بِآلِ قُصَيٍّ حاوِلِ المَجْدَ تَنصرِفْ / على لَغَبٍ عن شأْوِكَ الرّيحُ تَلهَثُ
جَحاجِحَةٌ بِيضُ الوُجوهِ أكُفُّهُمْ / سِباطٌ مَتى تُستَمطَرِ الرِّفْدَ يُقعِثوا
إذا نَحنُ جاورْنا زُهَيرَ بنَ عامِرٍ / فلا جارُهُ يُقْصَى ولا الحَبْلُ يُنْكَثُ
هُمَامٌ يَرُدُّ المُعضِلاتِ بمَنكِبٍ / تَسَدَّاهُ عِبْءٌ للمَكارِمِ مُجْئِثُ
مَهيبٌ فلا رائِيهِ يَملأُ طَرْفَهُ / لَدَيهِ ولا نادِيهِ يَلْغو ويَرْفُثُ
أخو الكَلِماتِ الغُرِّ لا يَستَطيعُها / لِسانُ دَعِيّ في الفَصاحَةِ ألْوَثُ
إذا انْتَسَبَتْ ألْفَيْتَها قُرَشِيَّةً / تُشابُ بعُلْويِّ اللُّغاتِ وتُعْلَثُ
تَريعُ هَواديها إليهِ ودُونَها / مَدًى في حَواشِيهِ المُقَصِّرُ يَدْلِثُ
ويَهفو بِعِطْفَيْهِ الثّناءُ كَما هَفا / نَزيفٌ يُغَنّيهِ الغَريضُ وعَثْعَثُ
فلا خَيْرُهُ يُطْوى ولا الشّرُّ يُتَّقَى / ولا المُعتَفِي يُجْفَى ولا العِرضُ يُمْغَثُ
ويَومٍ تَظَلُّ الشّمْسُ فيهِ مريضَةً / لِنَقْعٍ بجلْبابِ الضُحى يتَضَبَّثُ
رَمى طَرَفَيْهِ بالمَذاكي عَوابِساً / وخَبَّ إليهِ صارِخُ الحَيِّ يَنْجُثُ
فَما بالُ لاحِيهِ يَلومُ على الندىً / بِفيهِ إذا ما تابَعَ العَذْلَ كِثْكِثُ
هو البَحْرُ لا راجِيهِ يَرتَشِفُ الصَّرَى / ولا مُجتَديهِ بالمَواعيدِ يُمْلَثُ
ورَكْبٍ يَزُجُّونَ المَطايا كأنّهُمْ / أثاروا بِها رُبْدَ النَّعامِ وحَثْحَثوا
سَرَوْا فأناخوها لَدَيْكَ لَواغِباً / يَشِمْنَ بُروقاً وَدْقُها لا يُرَيَّثُ
وفارَقْنَ قَوْماً لا تَبِضُّ صَفاتُهُمْ / هُمُ وَرِثوا اللُّؤْمَ التَّليدَ وأورَثوا
فَسِيَّانِ مَنْ لاحَ القَتيرُ بِفَوْدِهِ / وطِفْلٌ يُناغي وَدْعَتَيْهِ ويَمْرُثُ
لهمْ صَفَحاتٌ لا يَرِقُّ أديمُها / علَيها رُواءٌ كاسِفُ اللّونِ أبْغَثُ
وغِلْظَةُ أخلاقٍ يوَلِّدُها الغِنى / على أنّها عندَ الخَصاصَةِ تَدْمُثُ
لَئِنْ قَدُمَتْ تلكَ المَساوي وأُكْبرَتْ / فما صَغُرَتْ عَنها مَعايِبُ تَحدُثُ
كَثيرونَ لو يَنْمِيهِمُ ابنُ كَريهَةٍ / حَليفُ الوَغى أو ناسِكٌ مُتحَنِّثُ
أسَفَّ بِهمْ عِرْقٌ لَئيمٌ إِلى الخَنى / وكيفَ يَطيبُ الفَرْعُ والأصلُ يَخبُثُ
وأنتَ الذي تُعطِي المَكارِمَ حَقَّها / وتَفحَصُ عن أسوائِهنَّ وتَنبِثُ
إذا قدَحَ العافي بزَنْدِكَ في الندىً / فلا نارُهُ تَخْبو ولا الزَّنْدُ يَغْلَثُ
أهاجَكَ شَوقٌ بَعدما هَجعَ الرّكْبُ
أهاجَكَ شَوقٌ بَعدما هَجعَ الرّكْبُ / وأُدْمُ المَطايا في أزِمَّتِها تَحْبُو
فأَذْرَيْتَ دَمْعاً ما يَجِفُّ غُروبُهُ / وقَلَّ غَناءً عَنْكَ وابِلُهُ السَّكْبُ
تَحِنُّ حَنينَ النِّيبِ شَوْقاً إِلى الحِمى / ومَطْلَبُهُ مِنْ سَفْحِ كاظِمَةٍ صَعْبُ
رُوَيْدَكَ إنّ القَلبَ لَجَّ بهِ الهَوى / وطالَ التّجَنّي منْ أُمَيمَةَ والعَتْبُ
وأهوَنُ ما بي أنّ ليلةَ مَنْعِجٍ / أضاءَتْ لَنا ناراً بِعَلياءَ ما تَخْبو
يَعُطُّ جَلابيبَ الظّلامِ التِهابُها / ويَنفَحُ منْ تِلْقائِها المَنْدَلُ الرَّطْبُ
فَجاءَتْ بِريّاها شَمالٌ مَريضةٌ / لها مَلعَبٌ ما بَينَ أكبادِنا رَحْبُ
وبَلَّتْ نِجادَ السّيْفِ منّيَ أدْمُعٌ / تُصانُ على الجُلَّى ويَبْذُلُها الحُبُّ
فكادَ بِتَرْجيعِ الحَنينِ يُجيبُني / حُسامي ورَحْلي والمَطِيَّةُ والصَّحْبُ
ونَشْوانَةِ الأعْطافِ منْ تَرَفِ الصِّبَا / تُغيرُ وِشاحَيْها الخَلاخِيلُ والقُلْبُ
إذا مَضَغَتْ غِبَّ الكَرى عُودَ إسْحِلٍ / وفاخَ عَلِمْنا أنّ مَشْرَبَهُ عَذْبُ
أتى طَيفُها واللّيلُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ / ووَدَّعَنا والصُّبْحُ تَلفِظُهُ الحُجْبُ
وللهِ زَوْرٌ لَمْ يُغَيِّرْ عُهودَهُ / بِعادٌ ولا أهْدَى المَلالَ له قُرْبُ
تَمَنَّيتُ أنّ الليلَ لمْ يَقْضِ نَحْبهُ / وإنْ بَقِيَتْ مَرضَى على أُفْقِهِ الشُّهْبُ
نَظَرنا إِلى الوَعْساءِ مِن أيْمَنِ الحِمى / وأيُّ هَوًى لمْ يَجْنِهِ النَّظَرُ الغَرْبُ
ونَحْنُ على أطرافِ نَهْجٍ كأنّهُ / إذا اطَّرَدَتْ أدْراجُهُ صارِمٌ عَضْبُ
يَؤُمُّ بِنا أرْضَ العِراقِ رَكائِبٌ / تَقُدُّ بأيْديها أديمَ الفَلا نُجْبُ
فَشَعْبُ بَني العَبَّاسِ للمُرْتَجي غِنًى / وللمُبْتَغي عِزّاً وللمُعْتَفي شِعْبُ
أولئكَ قَومٌ أسْبَلَ العِزُّ ظِلَّهُ / عَلَيهمْ ولَم يَعْبَثْ بأعْطافِهمْ عُجْبُ
هُمُ الرَّاسِياتُ الشُّمُّ ما أُبْرِمَ الحُبا / وإنْ نُقِضَتْ هاجَتْ ضَراغِمَةٌ غُلْبُ
بِهمْ تُدفَعُ الجُلَّى وتُسْتَلْقَحُ المُنى / وتُسْتَغْزَرُ الجَدْوى وتُسْتَمْطَرُ السُّحْبُ
يُحَيُّونَ مَهدِيّاً بَنَى اللهُ مَجْدَهُ / على باذِخٍ تأْوي إِلى ظِلِّهِ العُرْبُ
لهُ الذِّرْوَةُ العَيْطاءُ في آلِ غالِبٍ / إذا انْتَضَلَتْ بالفَخْرِ مُرَّةُ أو كَعْبُ
يَسيرُ المُلوكُ الصِّيدُ تَحتَ لِوائِهِ / ويَسْري إِلى أعدائِهِ قَبْلَهُ الرُّعْبُ
إذا اعتَقَلوا سُمْرَ الرِّماحِ لِغارَةٍ / وجُرْدُ الجيادِ الضابِعاتِ بِهمْ نُكْبُ
أبَوْا غَيرَ طَعْنٍ يَخْطِرُ الموتُ دونَهُ / ويَشفي غَليلَ المَشْرَفيِّ بِها الضَّرْبُ
كَتائِبُ لَولا أنّ للسَّيْفِ رَوْعَةً / كَفاها العِدا الرّأيُ الإمامِيُّ والكُتْبُ
تُدافِعُ عَنها البِيضُ مُرهَفَةَ الظُّبا / وتَفْتَرُّ عن أنيابِها دونَها الحَرْبُ
إلَيكَ أمينَ اللهِ أُهدي قَصائِداً / تَجوبُ بها الأرضَ الغُرَيْرِيَّةُ الصُّهْبُ
فَما لِلمَطايا بَعدَما قَطَعَتْ بِنا / نِياطَ الفَلا حتّى عَرائِكُها حُدْبُ
مُعَقّلَةً والبَحْرُ طامٍ عُبابُهُ / على الخَسْفِ لا ماءٌ لَدَيْها ولا عُشْبُ
يَصُدُّ رِعاءُ الحَيِّ عَنْها وقد بَرى / بِحَيثُ الرُّبا تَخْضَرُّ أشباحَها الجَدْبُ
لكَ الخَيرُ هلْ في لَفْتةٍ منْ مُتيَّمِ
لكَ الخَيرُ هلْ في لَفْتةٍ منْ مُتيَّمِ / مَجالٌ لعَتْبٍ أو مَقالٌ لِلُوَّمِ
وما نظَري شَطْرَ الدِّيارِ بنافِعٍ / وأيُّ فَصيحٍ يَرتَجي نَفْعَ أعجَمِ
كأنّ ارْتِجازَ السُّحْبِ واهيَةَ الكُلى / جَلا في حواشيهِنَّ عنْ متْنِ أرْقَمِ
وما مَنَحَتْها العَيْنُ إذ عَثَرَتْ بِها / سوى نَظْرَةٍ رَوعاءَ منْ مُتَوَهِّمِ
وفي الرَّكْبِ إذ مِلْنا إِلى الرّبْعِ زاجِرٌ / يُقوِّمُ أعناقَ المَطِيِّ المُخَزَّمِ
ويعلمُ أن الشوقَ أهدى فما لَهُ / يُشيرُ بأطرافِ القَطيعِ المُحَرَّمِ
وهَلْ يَستَفيقُ الوَجْدُ إلا بِوَقْفَةٍ / مَتى يَستَجِرْ فيها بدَمْعِكَ يَسْجُمِ
بمَغْنىً أَلِفْناهُ وفي العَيشِ غِرَّةٌ / وعَصْرُ الشّبابِ الغَضِّ لمْ يتَصرَّمِ
ذَكَرْتُ بهِ أيَّامَ وصْلٍ كأنَّنِي / عَلِقْتُ بها ذَيلَ الخَيالِ المُسَلِّمِ
وبالهَضَباتِ الحُمْرِ منْ أيْمَنِ الحِمى / ظِباءٌ بألْحاظِ الجَآذِرِ تَرتَمي
وتُومي إلَينا بالبَنانِ وقد أبَتْ / مَحاجِرُها أنْ لا يُخَضَّبَ بالدَّمِ
ودُونيَ لولا أنّ للحُبِّ رَوْعَةً / يَدٌ ضَمِنَتْ رِيَّ الحُسامِ المُصَمِّمِ
إذا اسْتَمْطَرَ العافونَ منْ نَفَحاتِها / تَثَنَّتْ إلَيْهنَّ الغَمائِمُ تَنْتَمي
وإنْ مَدَّ عَبدُ اللهِ للفَخْرِ باعَها / أُريحَتْ إلَيْها بَسْطَةُ المُتَحكِّمِ
بِحادِثِ عِزٍّ في ذُؤابَةِ عامِرٍ / أُضيفَ إِلى عادِيِّهِ المُتقَدِّمِ
منَ القَوم لا المُزْجي إلَيهمْ رَجاءَهُ / بِمُكْدٍ ولا المُثني عَلَيْهمْ بمُفْحَمِ
همُ يَمنعونَ الجارَ والخَطْبُ فاغِرٌ / إذا رَمَزَتْ إحدى اللّيالي بِمُعْظَمِ
فيَرْحَلُ عَنهُمْ والمُحَيَّا بِمائِهِ / يُلاعِبُ ظِلَّ الفائِزِ المُتَغَنِّمِ
أتاهم وأحْداثُ الزَّمانِ سَفيهَةٌ / وعادَ وفيها شِيمَةُ المُتَحلِّمِ
وخَفَّتْ عليهِ وطْأَةُ الدّهْرِ فيهِمُ / عشيّةَ ألقى عِندهُمْ ثِقْلَ مَغرَمِ
حلَفْتُ بأشباهِ الأهِلَّةِ في البُرى / رَثى كُلُّ دامٍ منْ ذُراها لِمَنسِمِ
فَلَيْنَ بأيديهِنَّ ناصِيَةَ الفَلا / وعِفْنَ السُّرى في مَخْرِمٍ بَعْدَ مَخرِمِ
إذا راعَها غَولُ الطّريقِ هَفَتْ بِها / أغاريدُ حادٍ خَلْفَها مُتَرَنِّمِ
يُمارِينَ بالرُّكْبانِ وهْماً كأنّهُ / يُحاذِرُ صِلاًّ آخِذاً بالمُخَطَّمِ
فَزُرْنَ بِنا البَيتَ الحَرامَ وخُلِّيَتْ / تَرودُ بمُسْتَنِّ الحَطيمِ وزَمزَمِ
لَجِئْتَ مَجيءَ البَدرِ مَدَّ رِواقَهُ / على أفُقٍ وحْفِ الدائِرِ مُظْلِمِ
وزُرْتَ كما زارَ الرّبيعُ مُطَبِّقاً / نَداهُ فأحْيا كُلَّ مُثْرٍ ومُعْدِمِ
برأْيٍ تَمشَّى المُشْكِلاتُ خِلالَهُ / على حَدِّ مَصقولِ الغِرارَيْنِ مِخْذَمِ
وعَزْمٍ إذا ما الحَرْبُ حَطّتْ لِثامَها / يُلَوِّي أنابيبَ الوَشيجِ المُقَوَّمِ
فأيّامُكَ الخُضْرُ الحَواشي كأنّها / منَ الحُسْنِ تَفْويفُ الرِّداءِ المُسَهَّمِ
وأنتَ إذا أوغَلْتَ في طَلَبِ العُلا / كقَادِحِ زَندٍ تحتَهُ يَدُ مُضْرِمِ
وحَسْبُ المُباري أنْ تَلُفَّ عَجاجَةً / على المُنتَضى منْ طَرْفِهِ المُتَوسِّمِ
ورُبَّ حَسودٍ باتَ يَطوي على الجَوى / حَشًى باكِياً عن ناظِرٍ مُتَبَسِّمِ
لكَ الشَّرفُ الضَّخْمُ الذي في ظِلالِهِ / مُعَرَّسُ حَمْدٍ في مَباءَةِ مُنْعِمِ
ومَجْدٌ مُعَمٌّ في كِنانةَ مُخْوَلٌ / تَنوسُ حَوالَيْهِ ذَوائِبُ أنْجُمِ
وها أنا أرجو منْ زَمانِكَ رُتْبةً / لها غارِبٌ في المَجْدِ لمْ يُتَسَنَّمِ
وعندي ثَناءٌ وهْو أرجى وَسيلةٍ / إليكَ كتَفْصيلِ الجُمانِ المُنَظَّمِ
وكَمْ منْ لِسانٍ يَنظِمُ الشِّعْرَ فَلَّهُ / شَبا كَلِمي والصّارِمُ العَضْبُ في فَمي
وقد مَرَّ عَصْرٌ لم أفُزْ فيهِ بالمُنى / فما لِيَ إلا زَفرَةُ المُتَندِّمِ
وليسَ لآمالي سِواكَ فإنّها / تُهيبُ بأقوامٍ عنِ المَجْدِ نُوَّمِ
بَقيتَ لمَجْدٍ يتَّقِي دونَهُ العِدا / تَناوُشَ رَقَّاصِ الأنابيبِ لَهْذَمِ
ولا بَرِحَتْ فيكَ الأمانِيُّ غَضَّةً / تَرِفُّ على إنعامِكَ المُتَقَسِّمِ
هوَ الطّيفُ تُهديهِ إِلى الصَّبِّ أشجانُ
هوَ الطّيفُ تُهديهِ إِلى الصَّبِّ أشجانُ / ولَيسَ لسِرٍّ فيكَ يا لَيلُ كِتْمانُ
يُحدِّثُ عنْ مَسراهُ فجرٌ وبارِقٌ / أفَجْرُكَ غَدّارٌ وبَرقُكَ خَوّانُ
إذا ادَّرَعَ الظَّلْماءَ نمَّ سَناهُما / عَليهِ فلَمْ يُؤْمَنْ رَقيبٌ وغَيْرانُ
ولَيلةِ نَعمانٍ وَشى البَرقُ بالهَوى / ألا بِأبي بَرْقٌ يَمانٍ ونَعْمانُ
سَرى والدُّجى مُرْخىً عَلينا رِواقُها / يُلَوِّي المَطا وَهْناً كَما مارَ ثُعْبانُ
ونَحنُ بحَيثُ المُزْنُ حَلَّ نِطاقَهُ / ورَفَّ بحِضْنَيْهِ عَرارٌ وحَوْذانُ
ولِلرَّعْدِ إعْوالٌ ولِلرّيحِ ضَجّةٌ / وللدَّوْحِ تَصْفيقٌ وللوُرْقِ إرْنانُ
فللّهِ حُزْوى حينَ أيقَظَ رَوْضَها / رَشاشُ الحَيا والنَّجْمُ في الأفْقِ وَسْنانُ
إذا ما النّسيمُ الطَّلْقُ غازَلَ بانَهَا / أمالَ إليهِ عِطْفَهُ وهْوَ نَشوانُ
ولَو لمْ يكُنْ صَوْبُ الغَمامِ مُدامَةً / تُعَلُّ بِها حُزْوى لَما سَكِر البانُ
وكَمْ في مَحاني ذلك الجِزْعِ مِنْ مَهاً / تُجاذِبُها ظِلَّ الأراكَةِ غِزْلانُ
يَلُذْنَ إذا رُمْنَ القِيامَ بطاعَةٍ / مِن الخَصْرِ يَتلوها منَ الرِّدْفِ عِصْيانُ
ويُخْجِلنَ بالأغصانِ أغصانَ بانَةٍ / وتَهزَأُ بالكُثبانِ منهُنَّ كُثبانُ
سَقى الله عَصْراً قصَّرَ اللّهْوُ طُولَهُ / بِها وعلَينا للشَّبيبةِ رَيعانُ
يَهَشُّ لذِكراهُ الفُؤادُ ولِلهَوى / تَباريحُ لا يُصْغي إليهِنَّ سُلْوانُ
وتَصْبو إِلى ذاكَ الزّمانِ فقَد مَضى / حَميداً وذُمَّتْ بعْدَ رامَةَ أزمانُ
إذِ العَيش غَضٌّ ذُلِّلتْ لي قُطوفُهُ / وفوقَ نِجادي للذَّوائِبِ قِنْوانُ
أروحُ على وَصْلٍ وأغدو بمِثْلِهِ / وَوِرْدُ التّصابي لمْ يُكَدِّرْهُ هِجرانُ
وأصْحَبُ فِتياناً تَراهُمْ منَ الحِجى / كُهولاً وهُمْ في المأْزقِ الضَّنْكِ شُبَّانُ
يَخُبُّ بِنا في كُلِّ حَقٍّ وباطِلٍ / أغَرُّ وَجيهيٌّ ووَجناءُ مِذْعانُ
كأني بِهمْ فوْقَ المَجَرّةِ جالِسٌ / ليَ النّجْمُ خِدْنٌ وابنُ مُزنَةَ ندْمانُ
وكأسٍ كأنّ الشّمسَ ألقَتْ رِداءَها / علَيها بحَيثُ الشُّهْبُ مَثْنى ووحدانُ
إذا اسْتَرْقَصَ السّاقي بمَزْجٍ حَبابَها / تَرَدّى بمِثْلِ اللُّؤلُوِ الرَّطْبِ عِقْيانُ
فيا طِيبَها والشَّرْبُ صاحٍ ومُنْتَشٍ / تَخِفُّ بها أيْدٍ وتَثْقُلُ أجْفانُ
دَعاني إليها مِنْ خُزَيمَةَ ماجِدٌ / يَزُرُّ على ابنِ الغابِ بُرْدَيْهِ عَدنانُ
كَثيرٌ إليهِ النّاظِرونَ إذا بَدا / قَليلٌ لهُ في حَوْمَةِ الحَربِ أقرانُ
رَزينُ حَصاةِ الحِلْمِ لا يَسْتَزِلُّهُ / مُدامٌ ولا تُفْشي لهُ السِّرَّ ألحانُ
إذا رنَّحَتْهُ هِزَّةُ المَدْحِ أخْضَلَتْ / سِجالُ أيادِيهِ وللحَمْدِ أثْمانُ
تُرَوِّي غَليلَ المُرْهَفاتِ يَمينُهُ / إذا التَثَمَتْ في الرَّوْعِ بالنَّقْعِ فُرسانُ
ومُلتَهِباتٍ بالوَميضِ يُزيرُها / مَوارِدَ يهديها إلَيهنَّ خِرْصانُ
تَحومُ على اللَّبّاتِ حتى كأنّها / إذا أُشْرِعَتْ للطَّعْنِ فيهنَّ أشْطانُ
بيوْمٍ تَرى الرّاياتِ فيهِ كأنَّها / إذا ساوَرَتْها خَطْرةُ الرّيح عِقبانُ
إذا ما اعْتَزى طارَتْ إِلى الجُرْدِ غِلْمَةٌ / نَماهُمْ إِلى العَلياءِ جِلْدٌ ورَيَّانُ
سأَلتُهُمُ مَنْ خَيرُ سَعدِ بنِ مالِكٍ / إذا افْتَخَرَتْ في نَدْوةِ الحَيِّ دُودانُ
فَقالوا بسَيفِ الدَّولةِ ابنِ بَهائِها / تُناضِحُ عَدنانٌ إذا جاشَ قَحطانُ
قَريعَا نِزارٍ في الخُطوبِ إذا دَجَتْ / أضاءَتْ وُجوهٌ كالأهِلَّةِ غُرَّانُ
يَلوذُ بَنو الآمالِ في كَنَفَيْهِما / على حِينِ لا تَفْدي العَراقِيبَ ألْبانُ
بلَيْثَيْ وَغىً غَيثَيْ ندىً فكِلاهُما / لَدى المَحْلِ مِطْعامٌ وفي الحَرْبِ مِطْعانُ
هُما نَزَلا منْ قَلبِ كُلِّ مُكاشِحٍ / بحَيثُ تُناجي سَوْرَةَ الهَمِّ أضْعانُ
منَ المَزْيَدِيّينَ الإِلى في جَنابِهمْ / لمُلتَمِسي المَعْروفِ أهلٌ وأوطانُ
نَماهُمْ أبو المِظْفارِ وهْوَ الذي احتَمى / بهِ حاتِمٌ إذْ شُلَّ للحَيِّ أظْعانُ
لَهُمْ سَطَواتٌ يَلمَعُ المَوْتُ خَلفَها / وظِلٌّ حَبا مِنْ دُونِهِ الأمْنُ فَينانُ
وأفْنِيَةٌ مُخضَرَّةٌ عَرَصاتُها / تَزاحَمَ سُؤَّالٌ عَلَيها وضِيفانُ
ذَوُو القَسَماتِ البِيضِ والأُفْقُ حالِكٌ / منَ النّقْعِ كاسٍ والمُهَنَّدُ عُريانُ
وأهلُ القِبابِ الحُمْرِ والنَّعَمِ التي / لَها العِزُّ مَرْعىً والأسِنَّةُ رُعْيانُ
وخَيلٍ علَيها فِتْيَةٌ ناشِرِيَّةٌ / طَلائِعُهُمْ مِنْها عُيونٌ وآذانُ
هُمُ مَلَؤوا صَحْنَ العِراقِ فَوارِساً / كأنّهُمُ الآسادُ والنَّبْلُ خَفَّانُ
يَخوضُ غِمارَ الموْتِ منْهُمْ غَطارِفٌ / رِزانٌ لَدى البيضِ المَباتيرِ شُجْعانُ
بكُلِّ فَتىً مُرْخَى الذُّؤابَةِ باسِلٍ / عَلى صَفْحَتَيْهِ للنَّجابَة عُنوانُ
يُجَرِّرُ أذْيالَ الدُّروعِ كأنّهُ / غَداةَ الوَغى صِلٌّ تُواريهِ غُدْرانُ
ويُكْرِمُ نَفْساً إنْ أُهينَتْ أراقَها / بمُعتَرَكٍ يُروي القَنا وهْو ظَمآنُ
لَهُ عِمَّةٌ لَوْثاءُ تَفْتَرُّ عنْ نُهىً / عَلِمْنا بِها أنَّ العَمائِمَ تيجانُ
إذا ما رمَى تاجُ المُلوكِ بهِ العِدا / تَوَلَّوْا كَما يَنْصاعُ بالقاعِ ظِلْمانُ
أغَرُّ إذا لاحَتْ أسِرَّةُ وجْههِ / تبَلَّجْنَ عنْ صُبْحٍ ولِلَّيْلِ إجْنانُ
مَنيعُ الحِمَى لا يَخْتِلُ الذِئبُ سَرْحَهُ / ومنْ شِيَمِ السِّرْحانِ خَتْلٌ وعُدْوانُ
لهُ هَيبَةٌ شِيبتْ بِبشْرٍ كَما التَقَتْ / مِياهٌ بمَتْنِ المَشْرَفيِّ ونيرانُ
وبَيْتٌ يَميسُ المَجْدُ حولَ فِنائِهِ / وجيرانُهُ للأنْجُمِ الزُّهْرِ جيرانُ
فأطْنابُهُ أسيافُهُ وعِمادُهُ / رُدَيْنِيَّةٌ مُلْسُ الأنابيبِ مُرّانُ
ولَو كانَ في عهْدِ الأحاليفِ أعْصَمَتْ / بهِ أسَدٌ يومَ النِّسارِ وذُبْيانُ
أيا خَيرَ مَنْ يَتلوهُ في غَزَواتِهِ / على ثِقَةٍ بالشَّبْعِ نَسْرٌ وسِرْحانُ
دَعَوْتُكَ للجُلَّى فكَفْكَفَ غَرْبَها / هُمامٌ أيادِيهِ على الدَّهْرِ أعْوانُ
رَفَعْتَ صَحْبي ضَوءَ نارٍ عَتيقةٍ / بِها يَهتَدي السّارونَ والنَّجْمُ حَيرانُ
وَفاءَ عَلَيْهِمْ ظِلُّ دَوْحَتِكَ الَّتي / تُناصي السُّها مِنها فُروعٌ وأفْنانُ
فلَمْ يَذْكُروا الأوطانَ وهْي حَبيبَةٌ / إلَيْهمْ ولا ضاقَتْ على العِيسِ أعطانُ
وما المَجْدُ إلا نَبْعَةٌ خِنْدِفِيَّةٌ / لهَا العُرْبُ جِيرانٌ ودودانُ أغْصانُ
سَرَتْ وظَلامُ اللّيلِ سِتْرٌ على السّاري
سَرَتْ وظَلامُ اللّيلِ سِتْرٌ على السّاري / وقَدْ عَرَّجَ الحادي بِبَطْحاءَ ذي قارِ
بحَيْثُ هَزيزُ الأرْحَبيِّ أوِ الكَرى / يَميلُ بأعناقٍ ويَهْفو بأكْوارِ
ألَمَّتْ بِرَكْبٍ منْ قُرَيشٍ تَطاوَحَتْ / بهمْ عُقَبُ المَسْرَى وأنضاءُ أسْفارِ
فَقالَتْ وقدْ عَضَّتْ عَلَينا تَعجُّباً / أنامِلَ بَيْضاءَ التَّرائِبِ مِعْطارِ
سَقى ورَعى اللهُ المُعاوِيَّ إنهُ / حُشاشةُ مَجْدٍ تالِدٍ بينَ أطْمارِ
وإني بِما مَنَّى الخَيالُ لَقانِعٌ / وإنْ لَم يَكُنْ في ذاكَ حَظٌّ لمُخْتارِ
فعِفَّتيَ اليَقظَى سَجِيَّةُ ماجِدٍ / وضَمَّتُهُ الوَسْنَى خَديعةُ غَدَّارِ
يَجوبُ إليَّ البيدَ والليلُ ناشِرٌ / على مُنحَنى الوادي ذَوائِبَ أنوارِ
وأفْديهِ منْ سارٍ على الأيْنِ طارِقٍ / وأهْواهُ منْ طَيفٍ على النّأْيِ زَوَّارِ
فَحيَّاهُ عَنِّي كلَّ مُمْسَى ومُصبَحٍ / تَهَزُّمُ وَطْفاءِ الرَّبابَيْنَ مِدْرارِ
إذا ضَجَّ فيها الرَّعْدُ أُلْبِسَتِ الرُّبا / حَياً وألاحَ البَرْقُ بالمِنْصَلِ العاري
على أنّ سَلمى حالَ دونَ لِقائِها / رِجالٌ يخوضونَ الرَّدى خَشيَةَ العارِ
مَتى ما أزُرْها ألْقَ عِندَ خِبائِها / أُشَيْعِثَ يَحمي بالقَنا حَوزَةَ الدّارِ
وكمْ طَرَقَتْنا وهْيَ تَدَّرِعُ الدُّجى / وتَمشي الهُوَيْنى بينَ عُونٍ وأبْكارِ
ولمَّا رأيْنَ اللَّيلَ شابَتْ فُروعُهُ / رجَعْنَ ولمْ يَدْنَسْ رِداءٌ بأوزارِ
مَضى وحَواشيه لِدانٌ كأنَّما / كَساهُ النّسيمُ الرَّطْبُ رِقَّةَ أسْحارِ
وهُنَّ يُجَرِّرْنَ الذُّيولَ على الثَّرى / مَخافَةَ أن يَستَوضِحَ الحَيُّ آثاري
ومِمَّا أذاعَ السِّرَ وَرْقاءُ كلَّما / أمَلْتُ إلَيها السَّمْعَ نَمَّتْ بأسْراري
إذا هيَ ناحَتْ جاوَبَتْها حَمائِمٌ / كَما حَنَّ وَلْهَى في رَوائِمِ أظْآرِ
كأنّ رُواتي عَلَّموهُنَّ مَنطِقي / فهُنَّ إذا غَرَّدْنَ أنشَدْنَ أشعاري
أتَتْكَ القَوافي يا بْنَ عَمْرٍو ولمْ تَرِدْ / مُعَرَّسَ نُوَّامٍ عنِ الحَمدِ أغْمارِ
وقلَّدْتَنا نَعماءَ كالرَّوض عانَقَتْ / أزاهيرَهُ ريحُ الصَّبا غِبَّ أمْطارِ
أيادِيكَ نُهْبَى الحَمْدِ في كُلِّ مَوطِنٍ / تَميلُ بأسْماعٍ إليْكَ وأبْصارِ
وأنتَ الذي قلَّمْتَ أظْفارَ فِتْنَةٍ / ألَحَّتْ بأنْيابٍ علَينا وأظْفارِ
ومَلْحَمةٍ دونَ الخِلافَةِ خُضْتَها / بعَزْمَةِ أبَّاءٍ على القِرْنِ كَرَّارِ
إذا الحَرْبُ حَكَّتْ بَرْكَها بِابْنِ حُرَّةٍ / مُهيبٍ بأولى كُبَّةِ الخَيْلِ مِغْوارِ
تأَلَّى يَميناً لا يُفرِّجُ غَمْرَةً / بهِ السَّيفُ إلا عَنْ ذُحولٍ وأوتارِ
سَيعلَمُ راعي الذَّوْدِ أنَّكَ قادِحٌ / بزَنْدٍ تَفَرَّى عَنْ شَرارَتِهِ وارِ
ودُون الذي يَبْغيهِ أرْوَعُ ساحِبٌ / أنابيبَ رُمْحٍ في الكَريهَةِ أكْسارِ
إذا الشّرَفُ الوضّاحُ أظْلَمَ أُفْقُهُ / تَوشّحَ منْ فَرعَيْ تَميمٍ بأقْمارِ
يُراعُ العِدا مِنهُمْ إذا ما تحدَّبُوا / على كُلِّ رَقّاصِ الأنابيبِ خَطّارِ
بِكُلِّ طَويلِ الباعِ فَرَّاجِ كُرْبَةٍ / ووَهَّابِ أموالٍ ونَهَّابِ أعْمارِ
يُدِرُّون أخْلافَ الغَمامِ بأوْجُهٍ / شَرِقْنَ بسَلْسالِ النَّضارَةِ أحْرارِ
وأنتَ إذا ما خالَفَ الفَرْعُ أصْلَهُ / شَبيهُ أبيكَ القَرْمِ عَمْرو بنِ سَوَّارِ
تُلاثُ عُرا الأحداثِ منكَ بماجِدٍ / لَدى السِّلْمِ نَفَّاعٍ وفي الحَرْبِ ضَرّارِ
إذا ما انْتَضيتَ الرّأيَ أغمَدَ كَيْدُهُ / ظُبا كُلِّ مَعْصوبٍ بهِ النّقْعُ جَرّارِ
وأصْدَرْتَ ما أوْرَدْتَ والحَزْمُ باسِطٌ / يَدَيْكَ ولا إيرادَ إلا بإصْدارِ
ولمَّا انْزَوَتْ عَنَّا وُجوهُ مَعاشِرٍ / يَصُدُّونَ في المَشْتى عنِ الضَّيْفِ والجارِ
رَفَعْتَ لنا نارَ القِرى بعدَما خَبَتْ / عَداكَ الرَّدى أُكْرِمْتَ يا مُوقِدَ النَّارِ
على حينِ أخْفى صَوتَهُ كُلُّ نابِحٍ / وبَرَّحَ تَعطيلُ القِداحِ بأيْسارِ
فَلا مَجْدَ إلا ما حَوَيْتَ وقد بَنى / سِواكَ عُلاً لكنْ على جُرُفٍ هارِ
وواللهِ ما ضَمَّ انتِقادُكَ نَبْعةً / إِلى غَرَبٍ تُلْوي بهِ الرّيحُ خَوّارِ
وفي الخَيْلِ ما لَمْ تَخْتَبرْهُنَّ مَغْمَزٌ / أبَى العِتْقُ أن يَخفَى لدى كُلِّ مِضْمارِ
فعَدِّ عنِ الذِّئْبِ الذي شاعَ غَدرُهُ / ولا تَسْتَنِمْ إلا إِلى الضّيغَمِ الضّاري
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ
نَبَأٌ تَقاصَرَ دونَهُ الأنْباءُ / واستَمطَرَ العَبَراتِ وهْيَ دِماءُ
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبصارُها / مِيلُ الرُّؤوسِ صَليلُهُنَّ بُكاءُ
والبِيضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما الْتَوى / رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ
والسُّمْرُ راجِفَةٌ كأنَّ كُعوبَها / تَلوي معاقِدَها يَدٌ شَلاّءُ
والشَّمسُ شاحِبةٌ يَمورُ شُعاعُها / مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بهِ النَّكْباءُ
والنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى / نُفِضَتْ على صَفَحاتِها الظَّلْماءُ
يَنْدُبْنَ أحْمَدَ فالبِلادُ خَواشِعٌ / والأرضُ تُعْوِلُ والصّباحُ مَساءُ
والعينُ تنْزِفُ ماءَها حُرَقُ الجَوى / والوجْهُ تُضمِرُ نارَهُ الأحشاءُ
فأذَلَّ أعناقاً خَضَعْنَ لفَقْدِهِ / وهْيَ التي طَمَحَتْ بها الخُيَلاءُ
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صاغتْ حُلَى / أطواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ
ما لِلْمَنايا يَجْتَذِبْنَ إِلى الرَّدى / مُهَجاً فهُنَّ طلائِحٌ أنْضاءُ
تُدْهى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها / وتُحَطُّ عنْ وُكُناتِها الشّغْواءُ
عُونٌ تَكَدَّسَ بالنّفوسِ وعِندَها / في كُلِّ يومٍ مُهجَةٌ عَذْراءُ
دُنيا تُرَشِّحُ للرَّدى أبْناءَها / أُمٌّ لَعَمْرُ أبيهِمُ وَرْهاءُ
فالنّاسُ منْ غادٍ علَيهِ ورائِحٍ / ولِمَنْ تأخَّرَ عنهُما الإسْراءُ
لا شارِخٌ يَبْقى ولا ذو لِمَّةٍ / ألْوَتْ بعَصْرِ شَبابِها العنْقاءُ
ولكَمْ نَظَرْتُ إِلى الحياةِ وقدْ دَجَتْ / أظْلالُها فإذا الحَياةُ عَناءُ
لا يَخْدَعَنّكَ مَعْقِلٌ أشِبٌ ولَو / حلَّتْ علَيْهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ
واكْفُفْ شَبا العَينِ الطّموحِ فَدونَ ما / تَسْمو إليهِ بلَحْظِها أقْذاءُ
ولَوِ اسْتُطيلَ على الحِمامِ بعِزَّةٍ / رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّةُ السَّمْراءُ
لَتَحدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ على القَنا / حَيثُ القُلوبُ تُطيرُها الهَيْجاءُ
يَطَؤونَ أذيالَ الدُّروعِ كأنّهُمْ / أُسْدُ الشّرَى وكأنّهُنَّ إضاءُ
والخَيْلُ عابِسَةُ الوُجوهِ كأنّها / تَحْتَ الكُماةِ إذا انْجَرَدْنَ ضِراءُ
يَفْدونَ أحمَدَ بالنُّفوسِ وقلَّما / يُغْني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ
قادَ الكَتائِبَ وهْوَ مُقتَبِلُ الصِّبا / حتَّى اتّقَتْ غَزَواتِهِ الأعْداءُ
ورَمى المَشارِقَ بالمَذاكِي فارْتَدى / بِعَجاجِها المَلْمومَةُ الشَّهْباءُ
ولهُ بأطرارِ المَغارِبِ وَقْعَةٌ / تُرضي السُّيوفَ وغارَةٌ شَعْواءُ
لمْ يَدْفَعِ الحَدَثانِ عَن حَوبائِهِ / مَجْدٌ أشَمُّ وعِزّةٌ قَعْساءُ
وصَوارِمٌ مَشْحوذَةٌ وأسِنَّةٌ / مَذروبَةٌ وكَتيبَةٌ جَأواءُ
لَقِحَتْ بهِ الأرضُ العَقيمُ وأُسْقِيَتْ / سَبَلَ الحَيا فكأنَّها عُشَراءُ
والصّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزيَّةٍ / تَقِصُ الجَوانِحَ عَزْمَةٌ بَزْلاءُ
ولِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى / إلا إلَيهِ الآلَةُ الحَدْباءُ
للِّهِ ما اعتْتَنَقَ الثَّرى من سُؤْدَدٍ / شَهِدَتْ بهِ أُكْرومَةٌ وحَياءُ
وشَمائِلٍ رقَّتْ كَما خَطَرتْ على / زَهرِ الرَّبيعِ رُوَيْحَةٌ سَجواءُ
عَطِرَتْ بهِ الأرضُ الفَضاءُ كأنَّما / نُشِرَتْ علَيها الرَّوضَةُ الغنَّاءُ
لا زال يَنْضَحُ قبْرَهُ دَمُ قارِحٍ / يَحْبو لدَيْهِ وديمَةٌ وَطْفاءُ
والبَرْقُ يختلِسُ الوَميضَ كأنّهُ / بَلْقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأفْلاءُ
جَرَّ النَّسيمُ بهِ فُضولَ عِطافِهِ / وبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأنواءُ
حَنَانَيْكَ إنَّ الغَدْرَ ضَرْبةُ لازِبِ
حَنَانَيْكَ إنَّ الغَدْرَ ضَرْبةُ لازِبِ / فيا لَيتَ للأحبابِ عَهدَ الحَبائِبِ
شَكَوْتُهُمُ سِرّاً شِكايَةَ مُشْفِقٍ / وحَيَّيْتُهمْ جَهراً تحيّةَ عاتِبِ
أُقَلِّبُ طَرْفي في عُهودٍ وراءَها / خَبيئَةُ غَدرٍ في مَخيلَةِ كاذِبِ
وأعْطِفُ أخلاقي على ما يَريبُها / إلَيْهِم فقد سَدَّ الوَفاءُ مَذاهِبي
ولي دونَهُمْ منْ سِرِّ عَدنانَ فِتيةٌ / نِزاريّةٌ تَهفو إليهِمْ ضَرائبي
إذا ما حَدَوْتُ الأرْحَبيَّ بِذِكْرِهمْ / عَرَفْتُ هَواهُم في حَنينِ الرّكائِبِ
ولكِنْ أبَتْ لي أن أُوارِبَ صاحِباً / سَجيَّةُ شَيْخَيْنا لُؤَيٍّ وغالِبِ
فللّهِ قَوْمٌ بالعُذَيْبِ إليهِمُ / نَضَوْتُ مِراحَ الرَّازِحاتِ اللَّواغِبِ
طَرَقْتُهُمُ والليلُ مَرْضى نُجومُهُ / كأنَّ تَواليها عُيونُ الكَواعِبِ
وثاروا إِلى رَحْلي تَحُلُّ نُسوعَهُ / أنامِلُ صِيغَتْ للظُّبا والمَواهِبِ
وهَبَّ الغُلامُ العَبْشَميُّ بسَيفِهِ / إِلى جُنَّحِ الأضلاعِ مِيلِ الغَوارِبِ
بأبْيَضَ مَصقولِ الغِرارَيْنِ حَدُّهُ / نَجِيُّ عَراقيبِ المَطيِّ النّجائِبِ
كأنّ الحُسامَ المَشرَفيَّ شَريكُهُ / إذا سَنَحَتْ أُكْرومَةٌ في المَناقِبِ
وما هي إلا شِيمَةٌ عربيّةٌ / تَنَقَّلُ من أيْمانِنا في القَواضِبِ
فما ليَ في حَيَّيْ خُزَيمَةَ بَعدَهُمْ / أُريغُ أماناً من رِماحِ الأجارِبِ
وتَغدو إِلى سَرْحي أراقِمُ وائِلٍ / وقَد كان تَسْري في رُباهُمْ عَقاربي
أفي كُلِّ يومٍ من مُشايَحةِ العِدا / أُعالِجُ رَوعاتِ الهُمومِ الغَرائِبِ
كأنِّيَ لمْ أسفَحْ بتَيماءَ غارَةً / تُفرُّقُ ما بينَ الطُّلى والكَواثِبِ
ولمْ أرْدِفِ الحَسناءَ تَبكي منَ النّوى / وتَشكو إِلى مُهْري فِراقَ الأقارِبِ
فَغادَرَني صَرْفُ الزَّمانِ بمَنْزِلٍ / أطأطِئُ فيهِ للخَصاصَةِ جانِبي
وأذْكُرُ عَهدي من غُفَيْلَةَ بَعدَما / طَوَيْتُ على أسرارِ حُزْوى تَرائِبي
وما كُنتُ أخشى أنْ أوَكِّلَ ناظِري / ببَرْقٍ كَنارِ العامِريّةِ خالِبِ
ولا أمْتَطي وَجْناءَ تَختَلِسُ الخُطا / وتَشْكو أظلَّيْها عِراصُ السّباسِبِ
وتوغِلُ في البَيْداءِ حتى كأنّها / خَيالٌ أُناجيهِ خِلالَ الغَياهِبِ
عليها غُلامٌ من أميّةَ شاحِبٌ / يُنادِمُ أسْرابَ النّجومِ الثّواقِبِ
فَما صَحْبُهُ الأدْنَوْنَ غيرَ صَوارِمٍ / ولا رَهْطُهُ الأعْلَوْنَ غيرَ كَواكِبِ
يلُفُّ وإنْ كَلَّ المَطِيُّ مَشارِقاً / على هِمَّةٍ مَجنونَةٍ بمَغارِبِ
ويُطبِقُ جَفْنَيهِ إذا اعْتَرَضَ السَّنا / مَخافَةَ أنْ يُمْنَى بِنارِ الحُباحِبِ
دَعاهُ ابنُ مَنصورٍ فَقارَبَ قَيْدَهُ / على البَحْرِ في آذِيَّهِ المُتَراكِبِ
وألْقَى بمُسْتَنِّ الأيادي رِحالَهُ / فنَكَّبَ أذْراءَ الخَليطِ الأشائِبِ
أغَرُّ إذا انْهَلَّتْ يَداهُ تَواهَقَتْ / مَنايا أعاديهِ خِلالَ الرّغائِبِ
تَبَرَّعَ بالمعْروفِ حتّى كأنّهُ / يَعُدُّ اقْتِناءَ المالِ إحْدى المَثالِبِ
منَ القَوْمِ لا يَسْتَضْرِعُ الدّهْرُ جارهُمْ / ولا يَتحاماهُ حِذارَ النّوائِبِ
عِظامُ المَقاري والسَّماءُ كأنَّها / تَمُجُّ دَمَاً دونَ النُّجومِ الشَّواحِبِ
مَساميحُ للعافي ببيضٍ كَواعِبٍ / وصُهْبٍ مَراسيلُ وجُرْدٍ سَلاهِبِ
وأفياؤهُمْ للمُجْتَدي في عِراصِها / مَجَرُّ أنابيبِ الرِّماحِ السّوالِبِ
ومَلْعَبُ فِتيانٍ ومَبْرَكُ هَجْمَةٍ / ومَسْحَبُ أطْمارِ الإماءِ الحَواطِبِ
إليكَ أمينَ الحَضرَتَيْنِ تَناقَلَتْ / مَطايا بأنضاءٍ خِفافِ الحَقائِبِ
وهُنَّ كأمثالِ القِسِيِّ نَواحِلٌ / مَرَقْنَ بأمثالِ السِّهامِ الصّوائِبِ
فإِنَّ يَداً طَوَّقْتَني نَفَحاتُها / لَمُرْتَقِبٌ منها بُلوغَ المآرِبِ