المجموع : 99
كَم أُرجِعُ الزَفرَاتِ في أَحشائي
كَم أُرجِعُ الزَفرَاتِ في أَحشائي / وإلامَ في دارِ الهَوانِ ثوائي
لم يَبقَ مِنّي مِن مُساوَرَةِ الأَذى / وَالضَّيمِ غَيرُ حُشاشَةٍ وَذماءِ
في دارِ قَومٍ لَو رآهُم مالِكٌ / وَهُمُ بِأَحسَنِ مَنظَرٍ وَرُواءِ
لَرَثى لِأَهلِ النارِ كَيفَ يَراهُمُ / وَهُمُ لَهُم فيها مِنَ القُرَناءِ
ثَكِلتهُمُ الأَعداءُ إِنَّ حَياتَهُم / غَمُّ الصَّديقِ وَفَرحَةُ الأَعداءِ
أَموالُهُم لِذَوي العَداوَةِ نُهبَةٌ / وَعَنِ المَكارِمِ في يَدِ الجَوزاءِ
لا يُعرَفُ المَعروفُ في ساحاتِهم / إِلّا كَما يُحكى عَنِ العَنقاءِ
جَلَدُ الجَمالِ عَلى الهَوانِ وَفيهمُ / ضَعفُ الدَبا وَتَلَوُّن الحِرباءِ
وَإِذا اِبتَدَوا بَحثُوا البَذا فَكَأَنَّهُم / دُجَجٌ تَباحَثُ عذرَةً بِفَضاءِ
عُميٌ عَنِ الإِحسانِ إِلّا أَنَّهُم / أَهدى إلى لُؤمٍ مِنَ الزَّرقاءِ
صُمٌّ عَنِ الحُسنى وَلَكِن طالَما / سَمِعوا كَلامَ الحُكلِ في العَوراءِ
جَعَلوا المِحالَ إِلى المُحالِ ذَرائِعاً / تُغني عَنِ البَيضاءِ وَالصَّفراءِ
عَجباً لَهُم وَذَوو النُّهى ما إِن تَرى / عَجَباً سِوى ما هالَ قَلبَ الرَائي
أنفٌ بِأَعنانِ السَّماءِ مُظِلَّةٌ / وَاِستٌ تُوَبِّعُ في قَرارِ الماءِ
وَيُفاخِرونَ بِمَعشَرٍ دَرَجوا وَلَم / تَدرُج جِبالُ الرَملِ بِالبَيضاءِ
هَبهُم أُبُوَّتَهُم وَلَكِنَّ الخَرا / مَعَ خُبثِهِ يُنمى إِلى الحَلواءِ
لَيسَ العِظامِيُّ الفَخارَ بِمُدرِكٍ / شَرَفَاً بِباقي رِمَّةٍ كَهباءِ
لَكِن عِصامِيٌّ كَفَتهُ نَفسُهُ / شَرَفَ الجُدودِ وَمَفخَرَ الآباءِ
ما لِلعظامِ وَلِلفَخارِ وَكُلُّهُم / في سِربِهِ كَبَلِيَّةٍ عَمياءِ
خَلّوا الفَخارَ لِمَعشَرٍ أَولوكُمُ / ذُلَّ الهَوانِ بِغِلظَةٍ وَجَفاءِ
مَسَحوكُمُ كَالضَّبعِ حَتّى أُوثِقَت / جُددُ الجِبالِ بِرِجلِها العَرجاءِ
وَتَبادَرُوها بَعدَ مَسحِهمُ لَها / سَحباً عَلى البَوغاءِ وَالحَصباءِ
وَالذَّبحُ غايَتُها وَهَل ذو إِحنَةٍ / يَرضى بِدونِ الخُطَّةِ الشَنعاءِ
ما فَخرُ فَدمٍ ما لهُ في مُلكِهِ / لَو شاءَ مِن أَخذٍ وَلا إِعطاءِ
ما جَمَّعوا مِن سِكَّةٍ مَأبورَةٍ / أَو مُهرَةٍ مَأمورَةٍ غَرّاءِ
فَلِكُلِّ شاوِيٍّ وَراعي هَجمَةٍ / جافٍ خَبيثِ العَرفِ وَالشَحناءِ
وَبَقِيَّةُ المالِ المُحرَّزِ قِسمَةٌ / أَرَّثتَهُ في أَعبُدٍ وَإِماءِ
يا لَلرّجالِ أَلا فَتىً ذُو نَجدَةٍ / يَحمي بِمُنصلِهِ عَلى العَلياءِ
تااللَّهِ أُقسِمُ لَو دَعَوتُ بِنُدبَتي / حَيّاً لَلبّى دَعوَتي وَنِدائي
لَكِنَّني نادَيتُ مَوتى لَم تَزَلَ / أَشباحُهُم تَمشي مَعَ الأَحياءِ
أَلِفوا الهَوانَ فَلو تَناءى عَنهُمُ / لَسَعوا لِبُغيَتِهِ إِلى صَنعاءِ
لِلّهِ قَومٌ مِن ذُؤابَةِ جَعفَرٍ / لَم يُغمِضوا جَفناً عَلى الأَقذاءِ
لَمّا رأَوها أَنَّها هِيَ صَمَّمُوا / تَصميمَ تَغلِبَ وائِلِ الغَلباءِ
حَتّى سَقوا عَلَلاً صُدورَ سُيوفِهِم / عَلَقاً يُبَرِّدُ غُلَّةَ الشَحناءِ
تَرَكوا لُعيباً في مئينٍ أَربَعٍ / جَزراً قُبَيلَ تَنوّرِ اِبنِ ذُكاءِ
فَهُناكَ طابَت خَيبَرٌ وَاِستَبدَلَت / مِن بَعدِها السَّرّاءَ بِالضَرّاءِ
ما ضَرَّ أَشباهَ الرِّجالِ لَوَ اِنَّهُم / فَعَلوا كَفِعلِ أُولَئِكَ النُجَباءِ
فَالمَوتُ خَيرٌ مِن حَياتِهِمُ الَّتي / كَحَياةِ نونٍ باتَ في بَهماءِ
أَو هاجَروا في الأَرضِ فَهيَ عَريضَةٌ / فَالتّيهُ خَيرٌ مِن حِمى الأَحساءِ
لَكِنَّهُم مِثلُ القَنافِذِ إِذ تَرى ال / عُقبانِ تَستَلقي عَلى الأَقفاءِ
يا حَبَّذا بَقَرُ العراقِ فَإِنَّها / لَأَشَدُّ مَحميَةً وَخَيرُ وَفاءِ
كَم جَدَّلَت مِن ضَيغَمٍ بِقُرونِها / وافى لِيَقهَرَها عَلى الأَبناءِ
بَل حَبَّذا طَيرٌ يَعومُ بِمائِها / طَوراً وَيَرعى النَّجمَ بِالصَّحراءِ
ما رامَهُ البازِيُّ مِنهُ بِسَطوَةٍ / فَحَمَتهُ شَوكَةُ مِخلَبٍ حَجناءِ
بَل يَعتَوِرنَ قذالَهُ فَإِذا اِمتَلى / سُكراً وَنالَ الضَّيمَ بَعدَ إِباءِ
جَزَّرنَهُ فَقَسمنَهُ حَتّى قَضى / في لُجَّةٍ مَسجُورَةِ الأَرجاءِ
يا صاحِ قَد أَزِفَ الرَّحيلُ فَقَرِّبَن / لِلسَّيرِ كُلَّ شِمِلَّةٍ وَجناءِ
ما عُذر حُرٍّ في المُقامِ بِبَلدَةٍ / آسادُها ضَربٌ مِنَ المعزاءِ
لا بِالرِّجالِ وَلا الجَواميسِ اِقتَدَوا / عَدِمُوا الحَياةَ وَلا بِطَيرِ الماءِ
فَالبَرُّ أَوسَعُ وَالمَناهِلُ جَمَّةٌ / وَالبُعدُ مُقتَربٌ عَلى الأَنضاءِ
وَبِجانِبِ الزَوراءِ لي مُستَوطَنٌ / إِن شِئتُ أَو بِالمَوصِلِ الحَدباءِ
في حَيثُ لا أَلقى الحَسودَ أَخا شجاً / تَغلي مَراجِلُهُ عَلى الخُلطاءِ
وَبِحَيثُ إِخوانُ الصَّفاءِ يَضُمُّها / حُسنُ الوفاءِ وَشِيمَةُ الأُدَباءِ
عَذلُ المُشَوقِ يَهيجُ في بُرَحائِهِ
عَذلُ المُشَوقِ يَهيجُ في بُرَحائِهِ / وَيُثيرُ نارَ الوَجدِ في حَوبائِهِ
فَاِترُك مَلامَتَهُ وَدَعهُ وَشَأنهُ / في نَوحِهِ وَحَنينِهِ وَبُكائِهِ
وَإِن اِستَطَعتَ عَلى الصَّبابَةِ وَالأَسى / فَأَعِنهُ تَحظَ بِوُدِّهِ وَإِخائِهِ
فَالخِلُّ مَن أَصفى مَوَدَّةَ قَلبِهِ / لِذَوي مَوَدَّتِهِ وَأَهل صَفائِهِ
يا عاذِلَ المُشتاقِ مَهلاً وَاِتَّئِد / في لَومِهِ فَهوَ العَليمُ بِدائِهِ
وَمَتى تُرِد يَوماً ملامَةَ عاشِقٍ / فَاِجعَل فُؤادَكَ تَحتَ ظِلِّ حَشائِهِ
فَإِنِ اِستَقَرَّ فَلُم أَخاكَ وَإِن نَبا / فَكُنِ النَّديمَ الفَردَ مِن نُدمائِهِ
أَوَ كَيفَ تَعذِلُ هائِماً ذا صَبوَةٍ / ذَهَبَ الفِراقُ بِلُبِّهِ وَعَزائِهِ
لَم يُشوِ رامي البَينِ حَبَّةِ قَلبِهِ / لَمّا رَمى عَمداً بِقَوسِ عِدائِهِ
نَفسي الفِداءُ لِمَن غَدا رقّي لَهُ / رِقّاً وَلَم أَسمَح بِهِ لِسوائِهِ
وَلِمَن لَهُ في كُلِّ عُضوٍ مَنزِلٌ / منّي عَلى قُربِ المَحَلِّ وَنائِهِ
أَهوى زِيارَتَهُ وَأَخشى دُونَهُ / خَزرَ اللَّواحِظِ مِن ذَوي رُقبائِهِ
وَأَصُدَّ عَنهُ إِذا اِلتَقَينا خَشيَةً / مِن كاشِحٍ طاوٍ عَلى شَحنائِهِ
وَأَرومُ كِتمانَ الهَوى فَيُذيعُهُ / طَرفي وَطَرف الصَّبِّ مِن أَعدائِهِ
يَجني عَلَيهِ بِلَحظهِ فَإِذا جَنى / وَاِقتادَهُ في الحُبِّ نَمَّ بِمائِهِ
يا عاذِلي لا عِشتَ إِلّا أَخرَساً / أَعمى أَصَمَّ تَرى بِقَلبٍ تائِهِ
أَربَيتَ في لَومي وَزِدتَ وَلَن تَرى / قَلبي مُطيعَكَ في اِتِّراكِ هَوائِهِ
أَوَ أَن تَرى ما بَينَ سَلمى وَالحِمى / بَحراً يَعومُ الطَّيرُ في أَرجائِهِ
وَبِجانِبِ المَولى المُعَظَّمِ شَأنُهُ / ما اِعتادَهُ مِن بَأسِهِ وَسَخائِهِ
مَولىً تَخيّرَهُ الإِمامُ لما رَأى / مِن فَضلِهِ وَغِنائِهِ وَعَنائِهِ
وَرَآهُ أَهلاً لِلعُلا فَاِختَصَّهُ / بِعَظيمِ رُتبَتِهِ وَفَضلِ حِبائِهِ
أَعطى الإِمارَةَ حَقَّها لا عاجِزاً / وَكِلاً وَلا عَمّاً بِفَصلِ قَضائِهِ
مُتَيَقِّظُ العَزماتِ يُخبِرُ وَجهُهُ / عَن حَزمِهِ وَمَضائِهِ وَذكائِهِ
فَلَقد كَفى الإِسلامَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَتَحَمَّلَ الأَثقالَ مِن أَعبائِهِ
وَأَغاثَ حِزبَ المُؤمِنينَ بِما بَدا / مِن حُسنِ سيرَتِهِ وَجَزلِ عَطائِهِ
وَرَمى طَواغيتَ النِّفاقِ بِصَيلَمٍ / ضَلعاءَ يخبِرُ عَن جَميلِ بَلائِهِ
يَأتي المُناوي بَأسُهُ مِن تَحتِهِ / وَفُوَيقِهِ وَأَمامِهِ وَوَرائِهِ
لَو رامَ أَحداثَ الزَّمانِ بِفَتكَةٍ / لاِستَعصمَت مِن سُخطِهِ بِرِضائِهِ
أَو سارَ يَلتَمِسُ النُّجومَ بِصَولَةٍ / لَغَدَت دَرارِيهِنَّ مِن أُسَرائِهِ
مَلأَت مَهابَتُهُ قُلوبَ عِداتِهِ / وَالأُفقَ يَملَؤُهُ بِنورِ بَهائِهِ
مَلَكَ الزَّمانَ وَأَهلَهُ وَتَصَرَّفَت / أَحكامُهُ في أَرضِهِ وَسَمائِهِ
البَدرُ يَحجِبُهُ طَلاقَةُ بشرِهِ / وَالسَّيفُ تَكهَمُهُ صَرامَةُ رائِهِ
وَالبَحرُ يُخجِلُهُ سَماحَةُ كَفِّهِ / مَعَ طيبِ مَورِدِهِ وَحُسنِ رُوائِهِ
وَاللَّيثُ تُعجِزُهُ جراءةُ قَلبِهِ / مَعَ ما يُرى مِن نُسكِهِ وَحَيائِهِ
وَالسَّعدُ مِن أَوزارِهِ وَالمَوتُ مِن / أَنصارِهِ وَالنَصرُ مِن قُرَنائِهِ
ما حاتِمُ الطائِيُّ يَومَ نَوالِهِ / ما وَائِلُ الحَشمِيُّ يَومَ إِبائِهِ
ما قُسٌّ الزُّهرِيُّ يَومَ خِطابِهِ / ما الحارِثُ البَكرِيُّ يَومَ وَفائِهِ
لَو أَنَّهُم عادوا وَعادَ زَمانُهُم / لَم يُصبِحوا في الفَضلِ مِن نُظرائِهِ
يا مُتعَباً أَودى الكَلالُ بِعيسِهِ / مُذ غالَ صَرفَ الدَهرِ صِرفَ ثَرائِهِ
هَلّا أَنَختَ لِتَستَريحَ وَتَجتَني / ثَمَرَ المَعالي غَضَّةً بِفِنائِهِ
بِفناءِ أَغلَبَ لَم يَلَمهُ لائِمٌ / في البَذلِ إِلّا زاد في غَلوائِهِ
لا تَحقِرُ الأَيّامُ ذِمَّتَهُ وَلا / تَعدو عَلى مُتَعَلِّقٍ بِرَجائِهِ
فَاللَّهُ يُسعِدُهُ وُيمتعُ خَلقَهُ / بِدَوامِ دَولَتِهِ وَطولِ بِقائِهِ
بِمُعاديكَ لا بِكَ الأَسواءُ
بِمُعاديكَ لا بِكَ الأَسواءُ / وَلِحُسّادِكَ الثَّرى لا الثَّراءُ
وَلَكَ الناسُ وَالبِلادُ وَمن / جادَ وأَكدى مِن كُلِّ سُوءٍ فِداءُ
يا سِميَّ الخَليلِ يا تاجَ دينِ ال / لَهِ يا مَن بِهِ يَزينُ الثَناءُ
صِحّةُ الدَّهرِ أَن تَصِحَّ فَلا صَح / حَت لِشانيكَ ما بقي أَعضاءُ
وَبَقاءُ الدُّنا بِقاؤُكَ لا طا / لَ لِمَن يَشتَهي رداكَ بقاءُ
مُذ تَشَكَّيتَ وَالمَكارِمُ وَالآ / مالُ تَشكو وَالمَجدُ وَالعَلياءُ
وَعَلى الأَرضِ وَالفَضاءِ أَمارا / تُ اِكتِئابٍ وَظُلمَةٌ طَخياءُ
ثُمَّ لَمّا عُوفيتَ أَشرَقتِ الأَر / ضُ بِنورٍ لِضَوئِهِ لَألاءُ
وَتَنادى بَنو السُّرى وَذَوُو الآ / مالِ هُبّوا قَد زالَتِ الَلأواءُ
فَليُهَنّى بِكَ النَدا وَالعُلا وَال / مَجدُ وَالمُرمِلونَ وَالضُعَفاءُ
يا اِبنَ مَحمودٍ الَّذي اِستَوجَبَ الحم / دَ عَلى كُلِّ مَن تُظِلُّ السَماءُ
بِكَ عادَ الزَمانُ طِفلاً وَعاشَ ال / جودُ مِن بَعدِ مَوتِهِ وَالوَفاءُ
فَعَلى الناسِ يَومَ تُفقَدُ وَالدُن / يا جَميعاً وَمَن عَلَيها العَفاءُ
يُفقدُ العِلمُ وَالأَناةُ وَحِفظُ ال / عَهدِ وَالبِرُّ وَالتُقى وَالسَخاءُ
أَقسَمَ الدَهرُ أَن يُرى لَكَ في الدُن / يا قَرينٌ أَو أَن تُرى العَنقاءُ
مِن مُحيّاكَ يَخجلُ البَدرُ بَل / تَخجلُ مِن فَيضِ كَفِّكَ الأَنواءُ
يا أَبا الفَضلِ أَنتَ في هَذِهِ الأم / مَةِ غَيثٌ تَحيا بِهِ الأَحياءُ
لا أَزالَ الإِلَهُ فِعلكَ ما غَر / رَدَ حادٍ وَما شَدَت وَرقاءُ
وَتَحامى حِماكَ صَرفُ اللَّيالي / وَعَنَت هَيبَةً لَكَ الأَملاءُ
وَعَداكَ الرَدى إِلى من لَدَيهِ ال / حَمدُ وَالذَمُّ إِذ يُسامُ سَواءُ
جَرَّ مَن يَشتري الخِيانَةَ بِالبُخ / لِ دَهاءً وَبِئسَ مِنهُ الدَهاءُ
وَأَرَتني الأَيّامُ خَدَّ مُناوِي / كَ وَمِنهُ لِأَخمَصَيكَ حِذاءُ
وَأَراكَ المُهَيمِنُ اِبنكَ قَد صا / رَ لِأَبناءِ نَسلِهِ أَبناءُ
هذا الغميمُ فنادِ في صحرائهِ
هذا الغميمُ فنادِ في صحرائهِ / وقفِ الرِكابَ هنيئةً بفنائهِ
خُذوا عَن يَمينِ المُنحَنى أَيُّها الرَكبُ
خُذوا عَن يَمينِ المُنحَنى أَيُّها الرَكبُ / لِنَسأَلَ ذاكَ الحَيَّ ما صَنَعَ السِّربُ
عَسى خَبَرٌ يُحيي حَشاشَةَ وامِقٍ / صَريعِ غَرامٍ ما يَجِفُّ لَهُ غَربُ
بِأَحشائِهِ نارُ اِشتِياقٍ يَشُبُّها / زَفيرُ جَوىً يَأبى لَها النَأيُ أَن تَخبو
أَلا لَيتَ شِعري وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ / وَذا الدَّهرُ سَيفٌ لا يُقامُ لَهُ عَضبُ
عَنِ الحَيِّ بِالجَرعاءِ هَل راقَ بَعدَنا / لَهُم ذَلِكَ المَرعى وَمَورِدهُ العَذبُ
وَهَل أَينعَ الوادي الشَمالِيُّ وَاِكتَسَت / عَثاكيل قِنوانٍ حَدائِقُهُ الغلبُ
وَهَل بَعدَنا طابَ المُقامُ لِمَعشَرٍ / بِحَيثُ تَلاقى ساحَةُ الحَيِّ وَالدّربُ
وَهَل عِندَهُم مِن لَوعَةٍ وَصَبابَةٍ / كَما عِندَنا وَالحُبُّ يشقي بِهِ الحِبُّ
وَهَل عَلِمت بِنتُ المَناوِلِ أَنَّني / بِأُخرى سِواها لا أهيمُ وَلا أَصبو
وَبَيضاءَ مِثلَ البَدرِ حُسناً وَشارَةً / يزينُ بِها السِّبُّ المُزَبرَقُ وَالإِتبُ
إِذا ما نِساءُ الحَيِّ رُحنَ فَإِنَّها / لَها النَّظرَةُ الأُولى عَلَيهنَّ وَالعَقبُ
تَحَيَّرَ فيها رائِقُ الحُسنِ فَاِغتَدَت / وَلَيسَ لَها فيهِنَّ شَكلٌ وَلا تِربُ
بَدَت سافِراً مِن ضَربِ دينار وَالصِّبا / يُرَنِّحُها وَالدَّلُّ والتّيهُ وَالعُجبُ
رَأَتني فَأَبدَت عَن أَسيلٍ وَحَجَّبَت / بِذي مِعصَمٍ جَدلٍ يَغصُّ بِهِ القُلبُ
وَقالَت غَريبٌ وَالفتاةُ غَريبَةٌ / وَلا في نِكاحِ الحلِّ ذامٌ وَلا ذَنبُ
فَقُلتُ لَها إِنّي أَلوفٌ وَلي هَوىً / وَما ليَ في بَغدادَ شِعبٌ وَلا سِربُ
فَقالَت وَأَينَ الشِّعبُ وَالسِّربُ وَالهَوى / فَقُلتُ بِحَيثُ الكرُّ وَالطَّعنُ وَالضَّربُ
فَقالَت أَرى البحرَين دارَكَ وَالهَوى / بَنوكَ وَهَذا ما أَرى فَمنِ الشِّعبُ
فَقُلتُ سَلي حيَّي نِزارٍ وَيَعرُبٍ / بِأَعظَمِها خَطباً إِذا اِستَبهَمَ الخَطبُ
وَأَمنعِها جاراً وأَوسعِها حِمىً / وَأَصعَبِها عِزّاً إِذا اِستُرحِلَ الصَعبُ
وَأَنهَرِها طَعناً وَضَرباً وَنائِلاً / إِذا اِغبَرّتِ الآفاقُ وَاِهتَزَّتِ الحَربُ
وأَقتلها لِلملكِ صَعَّرَ خَدَّهُ / قَديمُ اِنتِظام المُلكِ وَالعَسكَر اللَّجبُ
فَقالَت لَعَمري إِنَّها لِرَبيعَةٌ / بَناتُ المَعالي لا كِلابٌ وَلا كَلبُ
وَلَو سُئِلَت يَوماً رَبيعَةُ مَن بِهم / لَها خَضَعت وَاِرتَجَّتِ الشَرقُ وَالغَربُ
وَمَن خَيرُها طُرّاً قَديماً وَسالِفاً / وَأَنجبُها عَقباً إِذا أَخلَفَ العَقبُ
لأَخبرَ أَهلُ العِلمِ أَن رَبيعَةً / رَحىً آلُ إِبراهيمَ في سِرِّها القُطبُ
هُمُ النّاسُ كُلُّ النّاسِ وَالناسُ فَضلَةٌ / إِذا نابَ أَمرٌ أَطَّ مِن حَملِهِ الصُّلبُ
بِهم يُدرَكَ الشَأوُ البَعيدُ وَعِندَهُم / لِمُلتَمِسِ المَعروفِ ذو مَربَعٍ خَصبُ
وَفيهم رِباطُ المَكرُماتِ وِراثَةً / يُورِّثُها المولودَ والِدُه النَدبُ
وَلَولا أَياديهم وَفَضلُ حُلومِهم / لَزُلزلت الأَرضونَ وَاِنقَصَّتِ الشُهبُ
خِفافٌ إِلى داعي الوَغى غَيرَ أَنَّهُم / ثِقالٌ إِذا خَفَّت مَصاعيبُها الهُلبُ
إِذا الجارُ أَمسى نُهبةً عِندَ جارِهِ / فَأَموالهُم لِلجارِ ما بَينَهُم نَهبُ
أَطاعَت لَهُم ما بَينَ مِصرَ إِلى القَنا / إِلى حَيثُ تَلقى دارَها الشِّحرُ وَالنُّقبُ
وَجاشَت نُفوسُ الرومِ حَتّى مُلوكها / إِذا ذَكَرتَ أَملاكَهُم هَزَّها الرُعبُ
تَحِنُّ إِلى بَذلِ النَوالِ أَكُفُّهُم / حَنيناً كَذاتِ السَقبِ فارقَها السَقبُ
فَأَكثَرُ ما تَلقاهُمُ وَلِباسُهُم / حَبيكُ الدِّلاصِ التُبَّعِيّاتِ لا العُصبُ
لَهُم أَبَداً نارانِ نارٌ بِها الصِّلا / تَلذُّ وَنارٌ لا يُفارِقُها العَضبُ
وَأَيّامُهُم يَومانِ يَومٌ لِنائِلٍ / يَقولُ ذَوُوا الحاجاتِ مِن فَيضِهِ حَسبُ
وَيَومٌ تَقولُ الخَيلُ وَالبيضُ وَالقَنا / بِهِ وَالعِدى قَطنا فَلا كانَتِ الحَربُ
وَإِن ضُنَّ بِالعِدّانِ كانَ قِراهُمُ / سَديفُ المَتالي لا عَتودٌ وَلا وَطبُ
أُولَئِكَ قَومي حينَ أَدعو وَأُسرَتي / وَيُنجِبُني مِنهُم شَمارِخَةٌ غُلبُ
وَما أَنا فيهم بِالمَهِينِ وَإِنَّني / إِذا عُدَّ فَضلٌ فيهمُ الرَجلُ الضَربُ
لِيَ البَيتُ فيهم وَالسَماحَةُ وَالحِجا / وَذو الصَّبرِ حينَ الباسِ وَالمِقوَلُ الذَّربُ
وَإِنَّ اِنفرادي عَنهُمُ وَتَغَرُّبي / تَرامى بِيَ الأَمواجُ وَالحَزنُ وَالسُهبُ
بِغَيرِ اِختيارٍ كانَ مِنّي وَلا قِلىً / وَإِنّهُمُ لَلعَينُ وَالأَنفُ وَالقَلبُ
وَلَكِنَّها الأَيّامُ تُبعِدُ تارَةً / وَتُدني وَلا بعدٌ يَدومُ وَلا قُربُ
وَإِنّي حَفِيٌّ عَنهُمُ وَمُسائِلٌ / بِهِم حيثُ يَثوي السَفرُ أَو ينزلُ الرَّكبُ
وَكَم قائِلٍ لِي عدِّ عَنهُم فَإِنَّهُ / مَعَ الأَلَمِ المَضّاضِ قَد يُقطَعُ الإِربُ
فَقُلتُ رُوَيداً قَد صَدَقتَ وَذَلِكُم / إِذا لَم يَكُن فيهِ لِحامِلِهِ طِبُّ
إِذا لَم أُداوِ العُضوَ إِلّا بِقطعِهِ / فَلا قَصَبٌ يَبقى لَعَمري وَلا قُصبُ
وَإِنّي بِقَومي لَلضَّنينُ وَإِنَّني / عَلى بُعدِ داري وَالتَنائي بِهم حَدبُ
وَلي فيهمُ سَيفٌ إِذا ما اِنتضَيتُهُ / عَلى الدَّهرِ أَضحى وَهوَ مِن خِيفَةٍ كَلبُ
عَلى أَن حَدَّ السَّيفِ قَد رُبَّما نَبا / وَفُلَّ وَهَذا لا يُفَلُّ وَلا يَنبو
همامٌ عَلَت هِمّاتُهُ فَكَأَنَّما / يُحاوِلُ أَمراً دونَهُ السَّبعَةُ الشُّهبُ
عَلا كُلَّ باعٍ باعُهُ وَتَواضَعَت / لِعِزَّتِهِ وَاِنقادَت العُجمُ وَالعُربُ
سَليلُ عُلاً مِن دوحَةٍ طابَ فرعُها / وَطالَت ذُرى أَغصانِها وَزَكى التُربُ
يَبيتُ مُناويهِ يُساوِرُ هَمَّهُ / وَيُقضى عليهِ قَبلَ يُقضى لَهُ نَحبُ
سَما لِلعُلا مِن قَبلِ تَبقيلِ وَجهِهِ / فَأَدرَكَها وَالمأثراتُ لَهُ صَحبُ
هُوَ البَدرُ لَكِن لَيسَ يَستُرُ نُورَهُ / حِجابٌ وَنورُ البَدرِ يَستُرُهُ الحجبُ
هُوَ اللَّيثُ لَكِن غابُهُ البيضُ وَالقَنا / هُوَ النَّصلُ لَكِن كُلُّ مَتنٍ لَهُ قَربُ
هُوَ المَوتُ لَكِن لَيسَ يَقتُلُ غِيلَةً / هُوَ البَحرُ إِلّا أَنَّ مَورِدَهُ عَذبُ
وَما غالبتهُ مُنذُ كانَ كَتيبَةٌ / لِتظهِرَهُ إِلّا وَكانَ لَهُ الغَلبُ
وَما هابَتِ الأَملاك بكراً مِن العُلا / لِعِزَّتِها إِلّا وَكانَ لَهُ الخَطبُ
أَتاني مِنَ الأَنباءِ عَنهُ غَرائِبٌ / فَلَذَّت بِها الأَسماعِ وَاِستَبشَرَ القَلبُ
بِعطفٍ عَلى وُدِّ العَشيرَةِ صادِقٍ / وَرَفضِ عِداها لا محالٌ وَلا كذبُ
وَتَجميرِها مِن كُلِّ أَوبٍ حميَّةً / عَلَيها فَزالَ الخَوفُ وَاِلتَأَمَ الشَّعبُ
أَبا ماجِدٍ اِنظُر إِلى ذي قَرابَةٍ / بِعَينِ رِضاً يُغضي لَها الخائِنُ الخِبُّ
فَإِنَّ الوَدادَ المَحضَ ما لا يَشوبُهُ اِخ / تِلابٌ وَبَعضُ القَومِ شِيمَتُهُ الخلبُ
وَغِظ بِاِصطِناعي مَعشَراً إِن دَعوتهُم / لِنائِبَةٍ أَبُّوا وَإِن أَمِنوا نَبّوا
خَطاطيفُ في حَملِ الأَباطيلِ بَل هُمُ / أَخَفُّ وَفي الجُلّى كَأَنَّهُمُ الخُشبُ
لِيَ الطَّولُ وَالفَضلُ المُبينُ عَلَيهمُ / وَهَل يَستَوي عالي الشَناخيبِ وَالهُضبُ
وَأُقسِمُ لَولا وُدُّكَ المَحضُ لَم تَخُض / إِلى بَلَدِ البَحرينِ بِي بُزَّلٌ صُهبُ
وَقَد كانَ لِي في الأَرضِ مَنأَىً وَمَرحَلٌ / وَما ضرُّ أَهلِ الفَضلِ مِن أَنَّهُم غَربُ
وَثانِيَةً أَنّي أَغارُ عَلَيكُمُ / إِذا ما جَزيلُ النَّظمِ سارَت بِهِ الكُتبُ
وَجاءَ مَديحي في سِواكُم فَيا لَها / حُوَيجِيَّةٌ يَأبى لَها الماجِدُ النَدبُ
هُناكَ يَقولُ الناسُ لَو أَنَّ قَومَهُ / كِرامٌ لَكانَت زِندهُم عَنهُ لا تَكبو
فَإِنَّ اِمتِداحي غَيرَكُم كَهِجائكُم / وَذَلِكَ مِنّي إِن تَحرَّيتَهُ عَتبُ
وَعِنديَ ممّا يَنسِجُ الفِكرُ وَالحِجا / سَرابيلُ تَبقى ما تَرادَفَت الحِقبُ
أَضِنُّ بِها عَن غَيرِكُم وَأَصونُها / وَلَو بُعِثَ الطائيُّ ذُو الجودِ أَو كَعبُ
فَصُن حُرَّ وَجهي عَن سُؤالٍ فَإِنَّهُ / عَلَيَّ وَلَو عاشَ اِبنُ زائِدَةٍ صَعبُ
وَرُدَّ كَثيراً مِن يَسيرٍ تَقُت بِهِ / فِراخاً قَد اِستَولى عَلى ربعِها الجَدبُ
فَبَحرُكَ لِلوُرّادِ ذُو مُتَغَطمِطٍ / وَرَبعُكَ لِلوُفّادِ ذُو سَعَةٍ رَحبُ
أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً
أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً / فَجَرِّد لَهُ سَيفاً مِن العَزمِ قاضِبا
وَلا تَلقَهُ مُستَعتِباً مِن ظُلامَةٍ / فَما الدَهرُ سَمّاعاً لِمَن جاءَ عاتِبا
وَجانِب بَنيهِ ما اِستَطَعتَ فَإِنَّهُم / عَقارِبُ لَيلٍ لا تزالُ ضَوارِبا
وَإِن كُنتَ ذا جَهلٍ بِهم فَاِغدُ أَو فَرُخ / عَلَيَّ أُخبِّركَ الأُمورَ العَجائِبا
بَلَوتُهُمُ دَهراً طَويلاً وَغَرَّني / تَلألُؤ آلٍ يُرجِعُ الطَّرفَ كاذِبا
وَجَرَّبتهُم حَتّى إِذا ما عَرَفتُهُم / عَرَفتُ رَزايا جَمَّةً وَمَصائِبا
وَصاحَبتُ أَقواماً أَلا لَيتَ أَنَّني / تَبَدَّلتُ زِنجاً مِنهُمُ وَصَقالِبا
ظَنَنتُهُمُ ظِلّاً ظَليلاً وَجنَّةً / فَكانُوا سَموماً يَومَ صَيفٍ وَحاصِبا
بُليتُ بِهِم كَالوَردِ يلقى معاطِساً / أَحَقُّ بِأَن يَلقى أَكُفّاً خَواضِبا
سَعوا في دَمي بِالجُهدِ حَتّى كَأَنَّني / مِنَ الرُومِ قَد أعلمتُ جَيشاً مُحارِبا
وَلَم يَكفِهُم قَيدٌ ثَقيلٌ وَخَشبَةٌ / بِرِجليَ في دَهماءَ تُنسي المَصائِبا
وَأَشياءُ لَو عَدَّدتُها طالَ شرحُها / وَلَم أُحصِها في مُحكَمِ النَّظمِ حاسِبا
جَزى اللَّهُ خَيراً كُلَّ ثاوٍ رَأَيتُهُ / بِبَغدادَ لا يَنفَكُّ بِالدَربِ سارِبا
فَلَم أَلقَ مِنهُم يَومَ نَحسٍ وَلَم أَبِت / أُحاذِرُ مِنهُم جانِياً أَو مُواثِبا
وَأَعقَبَ سوءاً شامِتاً سُرَّ قَلبُهُ / بِضَيمي وَأَضحى عاثِرَ الجدِّ خائِبا
فَهَل سَرَّهُ إِلّا اِختلاقُ نَميمَةٍ / وَما زَالَ سَهماً لِلنَّميمَةِ صائِبا
فَلا تَحسَبُ الأَعداءُ أَنّي لِما جَرى / تَضعضَعتُ أَو أَعطَيتُ حبلي مُشاغِبا
فَقَبلي قَضى النُعمانُ في السِّجنِ نَحبَهُ / وَغُودِرَ مَسلوباً وَقَد كانَ سالِبا
وَعاشَ اِبنُ ذي الجدَّينِ في الغُلِّ بُرهَةً / لَياليَ يَدعو قَومَهُ وَالعَصائِبا
فَجلّت بُنو ذُهلِ بن شَيبانَ هَمَّهُ / بِمَلمومَةٍ تُزجي العِتاقُ الشَوازِبا
أَفاؤوا بِها أَنفالَ كِسرى وَلَم تَزَل / تُفِيءُ السَّبايا خَيلُهُم وَالحَرائِبا
وَلَو غَيرُ قَومي رامَ ظُلمي لَقَلَّصت / خُصاهُ وَأَضحى قاصِرَ الخَطوِ لاغِبا
لعايَنَ دوني عُصبَةً عَبدَلِيَّةً / تَسامى فُرادى لِلعُلا وَمُقانِبا
أَبوها أَبي إِن أَدعُها وَجُدودُها / جدُودي إِذا عَدَّ الرِّجالُ المناسِبا
وَمِن آلِ إِبراهيمَ كُلّ مُذَبِّبٍ / عَنِ المَجدِ يَحتَلُّ الذُرى وَالغَوارِبا
أَلا لَيتَهُ مِن غَيرِهم فَأَردُّهُ / بِهم فَيَروحُ الدَهرُ خَزيانَ ناكِبا
فَيا راكِباً تَطوي بِهِ البِيدَ جَسرَةٌ / وَتَغتالُ غيطانَ الفَلا وَالأَخاشِبا
إِذا أَنتَ أَلقَيتَ العِصيَّ مُخَيِّماً / بِالاِحسا وَجاوَرتَ المُلوكَ الأَطايِبا
فيمِّم لِجَرعاءِ الشَّمالِ فَإِنَّ لِي / بِها خِلَّةً أَشتاقُها وَمَلاعِبا
وَقِف وَقفَةً بِالدَّربِ غَربِيَّ بابِها / فَثَمَّ تلاقي أُسرَتي وَالأَقارِبا
فَتَلقى مُلوكاً كَالأَهِلَّةِ لَم تَزَل / تَهشُّ إِلى الجُلّى وَتَأبى المَعايِبا
وَإِن تَأتِ قَصرَ القُرمُطِيِّ تَجِد بِهِ / جَماجِمَ قَومي وَالقُرومَ المَصاعِبا
ذَوي المُلكِ وَالتيجانِ وَالمَنصِبِ الَّذي / سَما فَعلا فَخراً فَجازَ الكَواكِبا
فَقُل لَهُمُ بَعدَ السَلامِ مَقالَةً / تَعمُّ بِها عَنّي شَباباً وَشائِبا
أَلا يا لَقَومي وَالفَتى حينَ يَرتَمي / بِهِ الدَهرُ يَدعو قَومَهُ لا الأَجانِبا
كَفى حزناً أَنّي بِبَغدادَ مُفرَدٌ / عِنِ الأَهلِ أَلقى كُلَّ يَومٍ عَجائِبا
وَيَشتاقُكُم قَلبي فَأَذكُرُ دونَكُم / مَهامِهَ لا أَشتاقُها وَسَباسِبا
فَيسهلُ عِندي خَوضُها فَيعزُّ لي / تَذَكُّرُ حالاتٍ أَشَبنَ الذَوائِبا
وَلا عارَ في ضَيمِ المُلوكِ عَلى الفَتى / وَما زَالَ حُكمُ السَيفِ في الأَرضِ غالِبا
بَلى إِنَّ ضَيمَ الأَقرَبينَ وَجَدتُهُ / أَشَدَّ عَلى الأَحشاءِ حرّاً وَلاهِبا
أَلا إِنَّهُ الداءُ العَياءُ وَإِنَّهُ الش / شجا في التَراقي وَالمُزيلُ المَراتِبا
وَلَولا بَناتُ العامِرِيَّةِ لَم أَكُن / لِأَلوي إِلى دارِ المَذَلَّةِ جانِبا
لَقَد كانَ لِي بِالأَهلِ أَهلٌ وَبِالغِنى / فِناءٌ وَأَلقى بِالمُصاحِبِ صاحِبا
وَلَكِنَّني أَخشى عَلَيهنَّ أَن يَرى / بِهِنَّ عَدوٌّ مالَهُ كانَ طالِبا
مُقاساة ضُرٍّ أَو مُعاناة غُربَةٍ / تُريهنَّ أَنوارِ الصَّباحِ غَياهِبا
وَآنفُ أَن يُصبِحنَ في غَيرِ مَعشَري / فَأُصبِحُ قَد رَدّوا عَلَيَّ النَصائِبا
فَيُصبِحنَ قَد أُنكِحنَ إِمّا مُدَرَّعاً / لَئيماً يَرى الإِحسانَ لِلفَقرِ جالِبا
وَإِمّا اِبنَ ضِلٍّ تائِهٍ في ضَلالَةٍ / مِنَ الغيِّ تَدعوهُ الطَواغيتُ راهِبا
كَما نُكِحَت بِنتُ المُهَلهلِ إِذ غَدا / مِنَ الضَّيمِ في سَعدِ العَشيرَةِ هارِبا
بِأَيسَرِ مَهرٍ عِندَ أَلأَمِ خاطِبٍ / وَوالِدُها غَيظاً يَعضُّ الرَواجِبا
وَلَو أَصبَحَت في دارِ بَكرٍ وَتَغلِبٍ / لَما رامَ أَن يَأتي لَها النَّذلُ خاطِبا
فَيا اِبنَ أَبي رِفقاً بِهنَّ وَكُن أَباً / مُديباً عَلى إِكرامِهِنَّ مُواظِبا
وَصِل وَاِحتَمِل وَاِخفِض جَناحَكَ رَحمَةً / لَهُنَّ وَلا تَقطِب عَلَيهنَّ حاجِبا
وَحاذِر عَلَيهنَّ الجَفاءَ فَإِنَّني / أَرى المَوتَ أَن يَمشينَ شُعثاً سَواغِبا
فَإِن سَلِمَت نَفسي لَهُنَّ هَنيئَةً / مِنَ الدَهرِ جاوَرنَ النُّجومَ الثَواقِبا
وَعادَ إِليَّ الدَهرُ بَعدَ غَرامِهِ / يعفِّرُ خَدَّيهِ عَلى الأَرضِ تائِبا
كَما جاءَ قَبلي مُستَكيناً إِلى أَبي / وَقَد همَّ أَن يَلوي عَلَيهِ المَخالِبا
وَلِلّهِ فينا عادَةٌ مُستَمِرَّةٌ / يُجلّلُنا النُّعمى وَيُعطي الرَغائِبا
فَشُكراً لَهُ مِن مُنعِمٍ مُتَفَضَّلٍ / عَلَينا وَحَمداً ينفذُ الدَهر واصِبا
دَعِ الكاعِبَ الحَسناءَ تَهوي رِكابُها
دَعِ الكاعِبَ الحَسناءَ تَهوي رِكابُها / وَتُبنى لَها في حَيثُ شاءَت قبابها
وَلا تَسأَلَن عَن عيسِها أَينَ يمَّمت / فسيّانِ عِندي نأيُها وَاِقتِرابُها
فَقد كَرِهت جَهلاً مَشيبي وَإِنَّني / أَرى ضَلَّةً أَن يَزدَهيني شَبابُها
وَما شِبتُ مِن عَدِّ السِّنين وَإِنَّما / أَشابَ قَذالي مَيلُها وَاِنقِلابُها
وَتأَويلُ أَحداثٍ إِذا ما حَسبتُها / أَتَتني بِأَشيا قَلَّ عَنّي حِسابُها
ثَنى عِطفَهُ عَنّي القَريبُ لِأَجلِها / وَأَضحَت بَناتُ العَمِّ عُوجاً رِقابُها
عَلى أَنَّني في كلِّ أَمرٍ هُمامُها / وَبَدرُ دُجاها لَو وَعَت وَشِهابُها
وَإِنّي لِأَذكى القَومِ لَو تَعلَمونه / نِصاباً وَإِن كانَت كَريماً نِصابُها
وَأَبعَدُها في باحَةِ المَجدِ غايَةً / وَقاباً إِذا ما اِمتَدَّ لِلمَجدِ قابُها
وَأَفضَحُها يَومَ الخِصامِ مَقالَةً / إِذا فصحاءُ القَومِ أَكدى خِطابُها
وَعَوراءَ مَرَّت بي فَلَم أَكتَرِث بِها / وَقَد كَان لَولا الحِلمُ عِندي جَوابُها
فَيا راكِباً وَجناءَ تَستَغرِقُ البَرى / وَيَطوي الفَيافي خَطوُها وَاِنجِذابُها
أَقم صَدرَها قَصداً إِلى الخَطِّ وَاِحتَقِب / رِسالَةَ وُدٍّ أَنتَ عِندي كِتابُها
فَحينَ تَرى الحصنَ المُعَلّى مُقابِلاً / وَيَبدو مِنَ الدَربِ الشَمالِيِّ بابُها
فلِج بِسلامٍ آمِناً تَلقَ بَلدَةً / مُقَدَّسَةَ الأَكنافِ رَحباً جَنابُها
بِها كُلُّ قرمٍ مِن رَبيعَةَ يَنتَمي / إِلى ذِروَةٍ تَعلو الرَواسي هِضابُها
لكيزِيَّةٌ أَنسابُها عامِريَّةٌ / يَلوذُ المُناوي ضَيمُها وَاِعتصابُها
إِذا ثَوَّبَ الداعي بِها يالَ عامِرٍ / أَتَت مِثلَ أُسدِ الغابِ غُلبٌ رِقابُها
مُقَدِّمُها مِن صُلبِ عَوفِ بنِ عامِرٍ / إِلى المَوتِ فِتيانٌ شَديدٌ غِلابُها
مِنَ الحارثيِّينَ الألى في أَكُفِّهِم / بِحارُ النَدى مَسجورَة لا ثغابُها
وِمن مالِكٍ بِنتِ الفَخارِ بنِ عامِرٍ / فَوارِسُ أَرواحُ الأَعادي نِهابُها
وَكُلُّ هُمامٍ دَيسَميٍّ إِذا سَطا / عَلى الخَيلِ يَوماً قيلَ وافى عَذابُها
وَمِن نَسلِ عَبدٍ فِتيَةٌ أَيُّ فِتيَةٍ / يُجِلُّ المُعادي بَأسها فَيهابُها
وَإِن صاحَ داعي حَيِّها في مُحارِبٍ / أَتَت تَتَلَظّى للمَنايا حِرابُها
وَإِن قالَ إِيهاً يالَ شَيبانَ أَرقَلَت / إِلى المَوتِ عَدواً شيبُها وَشَبابُها
حَمَت دارَها بِالسَّيفِ ضَرباً فَلَم يَرُم / حِماها وَجَلّى القَومَ عَنها ضِرابُها
وَلَم تُعطِ مَن ناوى عُلاها مَقادَةً / وَذا دَأبُ قَيسٍ مُنذُ كانَت وَدابُها
سَلِ الخائِن الجَدَّينِ مَعروفَ هَل رَأى / بِها خَوراً وَالحَربُ تَهفو عِقابُها
أَتى مِن بِلادِ السِّيبِ يُزجي كَتائِباً / تَضيقُ بِها مِن كُلِّ أَرضٍ رِحابُها
فَلاقى طِعاناً أَنكَرَتهُ حُماتُهُ / فَآبت عَلَيها ذُلُّها وَاِكتِئابُها
وَضَرباً دِراكاً رامَ بِالسِّلمِ بَعدَهُ / صَهاميمُ حَربٍ لَم تُذلَّل صِعابُها
فَقُل لَهمُ مِن بَعدِ أَوفى تَحيَّةٍ / لَهُم مِن ضَميري صَفوُها وَلِبابُها
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَتاكُم عَلى النَّوى / تَصافي نِزارٍ بَينَها وَاِصطِحابُها
فَقَد دُفنت تِلكَ الحقودُ وَأُطفِئَت / لَواقِحُ غلٍّ في الصُّدورِ اِلتهابُها
وَأَضحَت بِحَمدِ اللَّهِ لا السِرُّ بَينَها / مُذاعاً ولا تَدأى لِسودٍ ذِئابُها
وَلا الخائِنُ الخِبُّ المُماذِقُ عِندَها / مُطاعاً فَيُخشى صَدعُها وَاِنشِعابُها
وَجَلّى عَنِ البَحرَينِ يَومَ اِبنِ أَحمَدٍ / صَواعِقَ شَرٍّ قَد تَدَلّى سَحابُها
وَقَد زَحَفت بِالقَومِ زَحفاً فَزُلزِلَت / وَماجَت بِمَن فيها وَحانَ اِنقِلابُها
وَذاك بِسامي هِمَّةٍ عَبدليَّةٍ / أَنافَ عَلى هادي الثُرَيّا وِثابُها
فَمن عيصِ إِبراهيمَ تُنمي فُروعُها / وَمِن بَحرِ عَبدِ اللَّهِ يَجري عبابُها
مُلوكُ نِزارٍ قَبلَ عادٍ وَتُبَّعٍ / وَكَعبَتُها اللّاتي إِلَيها مَثابُها
وَمِمّا شَجاني يا لَقَومي فَعبرَتي / لَدى كُلِّ حينٍ لا يَجِفُّ اِنسِكابُها
تَضاغنُ أَملاكٍ أَبوها إِذا اِعتَزَت / أَبي وَنِصابي حينَ أُعزى نِصابُها
أَبى أَن يلُمّ الدَّهرُ فيما يَلمُّهُ / عَصاً بَينَها أَو أَن يُرجّي اِعتِتابُها
أَطاعَت مَقالاتِ الأَعادي وَغَرَّها / تَمَلُّقُها في لَفظِها وَاِختِلابُها
فَأَنحَت عَلى أَرحامِها بِشِفارِها / وَأَوهَنَ عَظمَ الأَقرَبينَ اِصطِلابُها
وَلَو قَبِلَت نُصحي وَأَصغَت لِدَعوَتي / وَأَنجَحُ فاشي دَعوَةٍ مُستَجابُها
لَداوَيتُ كَلْماها وَأَبرَأتُ داءَها / فَلَم يَتَحَلَّم بَعدَ صَحٍّ إِهابُها
وَقُدتُ إِلى اللَّيثِ السَبَندى وَلَم أَنَم / عَلى الغَمرِ حَتّى يَصحَب الغيلَ لامُها
وَلَكِن لِأَمرٍ أَخَّروني وَقَدَّموا / زَعانِفَ لا يَنهى العَدوَّ اِحتِسابُها
تُصيبُ وَما تَدري وَتُخطي وَما دَرَت / وَتَغدو وَفي حَبلِ العَدُوِّ اِحتِطابُها
فَيا صَفقَةَ الخسرانِ فيما تَبَدَّلُوا / وَهَل يَتَساوى تِبرُها وَتُرابُها
وَهَل قِيستِ الخَيلُ العِرابُ بعانَةٍ / كُدادِيَّةٍ لا يلحقُ الضَبَّ جابُها
لِذا طَمعَت فينا البَلايا وَأَصبَحت / تَهِرُّ عَلَينا كَالشُّراتِ كِلابُها
وَشالَت لَنا أَذنابُها مُقذَحِرَّةً / وَعَهدي بِها تَسطو عَلَيها ذِئابُها
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ فَتكَةً / تُغادِرُ نَوكى القومِ صُفراً وِطابُها
فَما عَزَّ إِلّا فاتِكٌ ذُو عَزيمَةٍ / جَريءٌ عَلى النّزلا يصرِّفُ نابُها
فَأَقتَلُ داءٍ في الشِّرارِ اِصطِفاؤُهُ / وَأَشفى دَواءٍ لَعنُها وَاِجتِبابُها
مَنالُ العُلى بِالمُرهفاتِ القَواضِبِ
مَنالُ العُلى بِالمُرهفاتِ القَواضِبِ / وَسُمرِ العَوالي وَالعِتاقِ الشَوازِبِ
وَطَعنٍ إِذا ما النَّقعُ ثارَ وَأَقبَلَت / بَنو الحَربِ أَمثالَ الجِمالِ المَصاعِبِ
وَضَربٍ يُزِلُّ الهامَ عَن كُلِّ ماجِدٍ / عَلى الهَولِ مِقدامٍ كَريمِ المناسِبِ
وَليسَ يَنالُ المَجدَ مَن كانَ هَمُّهُ / طروقَ الأَغاني وَاِعتِناق الحَبائِبِ
وَلا بَلَغَ العَلياءَ إِلّا اِبنُ حُرَّةٍ / قَليلُ اِفتِكارٍ في وقوعِ العَواقِبِ
جَريءٌ عَلى الأَعداءِ مُرٌّ مذاقُهُ / بَعيدُ المَدى جَمُّ النَّدى وَالمَواهِبِ
حَليفُ سُرىً جَوّابُ أَرضٍ تَجاوَزَت / بِهِ العيسُ أَجوازَ القِفارِ السَباسِبِ
وَخاضَت بِهِ الخَيلُ النَّجيعَ وَحُطِّمَت / عَواليهِ قَسراً في صُدورِ الكَتائِبِ
تَعَلَّمَ مِن فِعلِ الأَميرِ مُحمَّدٍ / فَأَصبَحَ مَلكاً في أَجلِّ المَراتِبِ
فَتىً لَم تَزَل في كُلِّ يَومٍ جِيادُهُ / يُقسِّمنَ أَموالَ العَدُوِّ المُحارِبِ
يشنُّ بِها الغاراتِ أَروعُ ماجِدٌ / سَريعٌ إِلى الجُلّى بَعيدُ المَطالِبِ
شُجاعٌ إِذا ما أَصبَحَ الحَيُّ لَم يَكُن / صُبوحُهُم إِلّا رواقَ المَضارِبِ
أَزاحَ الأَعادي عَن حِماها وَحازَهُ / فَأَضحَت لَهُ آسادُها كَالثَّعالِبِ
فَلَم يَبقَ أَرضٌ لَم تَجُزها جيادُهُ / وَقَد حطَّمَت أَركانَها بِالمَناكِبِ
فَسائِل بِهِ في الحَربِ أَبناءَ مالِكٍ / وَما حاضِرٌ في عِلمِهِ مثلُ غائِبِ
غَداةَ تَوَلّوا هارِبينَ وَأَسلَمُوا / عَلى الرَّغمِ مِنهُم كُلَّ بَيضاءَ كاعِبِ
أَتاهُم بِجَيشٍ يَملأُ الأُفقَ مالهُ / سِوى مَن يُراعي مِن شَبابٍ وَشائِبِ
فَلمّا رأَوهُ أَنَّهُ هُوَ لَم يَكُن / سِلاحُهُمُ إِلّا غُبارَ السَّلاهِبِ
وَهَل مَنَعَت مِنهُ غَزيَّةُ دارَها / بِأَسمَرَ عسّالٍ وَأَبيضَ قاضِبِ
غَداةَ أَتاهُم في سَماءٍ عَجاجَةٍ / أَسِنَّتُه مِن تَحتِها كَالكَواكِبِ
وَقَد جاءَهُم مِنهُ النَّذيرُ لِيَأخُذُوا / مِنَ البِرِّ عَن جَوزِ الطَّريقِ بِجانِبِ
فَلَم يَقبَلوا قَولَ النَّصيحِ وَأَعرَضوا / وَظنّوا ظُنوناً يا لَها مِن كَواذِبِ
فَصبَّحهُم شَعواءَ سَدَّت عَلَيهمُ / رحابَ الفَيافي شَرقِها وَالمَغارِبِ
فَما لَبِثوا إِلّا فواقاً وَأَجفَلوا / كَإِجفالِ شاءٍ مِن ذئابٍ سَواغِبِ
وَخَلّوا عَن الأَموالِ صُفراً وَأَسلَموا / عذابَ الثَنايا ضاحِكاتِ الترائِبِ
وَطارَ اِبنُ مَذكورٍ يَشِلُّ قِلاصَهُ / وَيُنذِرُ مِن غاراتِهِ كُلَّ صاحِبِ
وَلَم يرعَ ما قَد كانَ مِن خُلفِ دَهمَشٍ / وَقالَ الوَفا في مِثلِها غَيرُ واجِبِ
وَلمّا أَتَت أهلُ الشَّآمِ يَقودُها / إِلَيهِ الرَّدى قَودَ الجَنيبِ لِراكِبِ
سَعيدٌ وَمَسعودٌ وَرَهطُ حَديثه / يَسيرونَ جُردَ الخَيلِ بَينَ النَجائِبِ
وَقَد حَسَدوا أَهلَ الحِجازِ وأَقبَلُوا / مِنَ الشامِ في أَهليهمُ وَالعَصائِبِ
أَتاهُم يَجوبُ البيدَ بِالخَيلِ وَالقَنا / فَتىً عَبدَلِيٌّ في الوَغى غَيرُ هائِبِ
ضَروبٌ لِهاماتِ الكُماةِ مُعَوَّدٌ / بِمَنعِ التَوالي وَاِبتِذالِ الرَغائِبِ
فَلَم يُنجِهِم إِلّا الفرارُ وَجيرَةٌ / أَتَت مِنهُ ما فيها مَعابٌ لِعائِبِ
وَقَد زَعَموا في زَعمِهم أَنَّ خَيلَهُم / تَدوسُ قُرى البَحَرينِ مِن كُلِّ جانِبِ
وَهَيهاتَ ما قَد حاوَلُوهُ وَدونَهُ / سُيوفُ اِبنِ فَضلٍ ذي العُلى وَالمَناقِبِ
وَفِتيانُ صِدقٍ مِن عَقيلٍ أَعَزَّةٌ / ثِقالٌ عَلى الأَعدا كِرامُ المناسِبِ
بِهِ بَلَغوا آمالَهُم وَمُناهُمُ / وَحَلّوا مِنَ العَلياءِ أَعلى المَراتِبِ
هُوَ السَّيّدُ الضِّرغامُ وَالأَسَدُ الَّذي / بَنى مَجدَهُ فَوقَ النُّجومِ الثَوَاقِبِ
لَهُ خَضَعَت غُلبُ الرِّقابِ وَأَصبَحت / بِه الأَرضُ تَزهو بَعدَ تِلكَ الغَياهِبِ
تَرى عِندَهُ رُسلَ المُلوكِ مُقيمَةً / ذَهابُ رَسولٍ عِندَ آخرِ آيبِ
مَخافَةَ سَطواتٍ لَهُ يَعرِفُونَها / تُقيمُ عَلى الأَعداءِ صَوتَ النَوادِبِ
مُورِّثُهُ مِن عَهدِ عادٍ وَجُرهمٍ / وُهَيبُ بنُ أَفصى وَالقُرونِ الذَواهِبِ
وَمالَ أَميرُ المُؤمِنينَ بِوُدِّهِ / إِلَيهِ وَسَمّاهُ زَعيمَ الأَعارِبِ
حَمى البرَّ مِن حَدِّ العِراقِ فَحازَهُ / إِلى الشّامِ وَاِستَولى عَلى حَدِّ ناعِبِ
فَعَزَّ لِسامي عِزِّهِ كُلُّ خائِفٍ / مَرُوعٍ وَأَغنى جُودُهُ كُلَّ طالِبِ
فَلا عَدمَت يَوماً رَبيعَةُ مِثلَهُ / لِتَشييدِ عِزٍّ أَو لِبَذلِ مَواهِبِ
وَلا بَرِحَت أَيّامُهُ في سَعادَةٍ / وَلا زالَ مَحروسَ الحِمى وَالجَوانِبِ
أَتَدري اللَّيالي أَيَّ خَصمٍ تُشاغِبُه
أَتَدري اللَّيالي أَيَّ خَصمٍ تُشاغِبُه / وَأَيَّ همامٍ بِالرَزايا تُواثبُهْ
تَجاهَلَ هَذا الدَهرُ بي فَتَكَتَّبت / عَلَيَّ بِأَنواعِ البَلايا كَتائبُهْ
وَظَنَّ مُحالاً أَن أَدينَ لِحُكمِهِ / لِتَبكِ عَلى عَقلِ المُعنّى نَوادِبُهْ
وَإِنّي وَإِن أَبدى اِصعِراراً بِخَدِّهِ / وَأَوجَفَ بِي وَاِزوَرَّ لِلبُغضِ جانِبُهْ
لأُغضي عَلى بَغضائِهِ وَاِزوِرارِهِ / وَأَعجَبُ مِن حُرٍّ كَريمٍ يُعاتِبُهْ
وَأَستَقبلُ الخَطبَ الجَليلَ بِثاقِبٍ / مِن العَزمِ يَعلو لاهِبَ النارِ لاهبُهْ
وَرَأيٍ مَتى جَرَّدتُهُ وَاِنتَضَيتُهُ / وَجَدتُ حُساماً لَم تُفلَّل مَضارِبُهْ
وَلَستُ بِيَهفوفٍ يَرى رَأي عِرسِهِ / مَتى أَركَبتهُ مَركباً فَهوَ راكِبُهْ
يَظلُّ إِذا ما نابَهُ الأَمرُ مُحجَزاً / يُخاطِبُها في شَأنِهِ وَتُخاطِبُهْ
وَلا قائِلٍ لِلدَّهرِ رِفقاً وَقَد طَمَت / أَواذِيُّهُ شَرّاً وَجاشَت غَوارِبُهْ
وَسيّانَ عِندي عَذبُهُ وَأَجاجُهُ / وَحاضِرُهُ فِيما يَشاءُ وَغائِبُهْ
وَما الدَّهرُ خَصمٌ أَتَّقيهِ فَشَأنُهُ / حَربي فَلا عَزَّ اِمرؤٌ لا يُحارِبُهْ
سَلوا صَرفَهُ هَل راعَني أَو تَزَعزَعت / مَناكِبُ عَزمي حينَ مادَت مَناكِبُهْ
فَكَم غارَةٍ قَد شَنَّها بَعدَ غارَةٍ / عَلَيَّ وَفَرَّت مِن قِراعي مَقانِبُهْ
وَإِنَّ جَليلَ الخَطبِ عِندي لَهَيِّنٌ / إِذا لَزِمت دارَ اِبن عَمّي عَقارِبُهْ
وَكَم قائِلٍ ماذا المقامُ وَإِنَّما / مَقامُ الفَتى المُستَهلِك المالَ عائِبُهْ
أَلَستَ تَرى أَنّ المُقِلَّ يَمُجُّهُ / أَخو الرَّحمِ القُربى وَتَبدو معايِبُه
إِذا المَرءُ لَم يَملُك مِنَ المالِ ثَروَةً / رَمَتهُ عِداهُ وَاِجتَوتهُ أَقارِبُهْ
وَمَن يَجعَلِ العَجزَ المَطِيَّةَ لَم يَزَل / يَمُرُّ عَلَيهِ الدَهرُ وَالفَقرُ صاحِبُهْ
فَقُم وَاِركَبِ الأَهوالَ جِدّاً فَطالَما / أَفادَ الغِنى بِالمَركَبِ الصَّعبِ راكِبُهْ
وَلا تَقعُدَن لِلشامِتينَ فَكُلُّهُم / يُذَعلِبُ أَو تَأتيكَ جَهراً نَيادِبُهْ
فَأَنت الفَتى حَزماً وَعَزماً وَلَم تَضِق / بِمِثلِكَ في كُلِّ النَواحي مَذاهِبُهْ
فَما يَقطَعُ الصّمصامُ إِلّا إِذا اِنتَحى / عَن الغِمدِ لَو كانَت حِداداً مَضارِبُهْ
وَما دامَ لَيثُ الغابِ في الغابِ كامِناً / فَإِنَّ حَراماً أَن تُدَمّى مَخالِبُهْ
كَذا البَدرُ لَولا سَيرُهُ وَاِنتِقالُهُ / عَن النَقص لاِستَعلَت عَلَيهِ كَواكِبُهْ
وَأَنتَ مِنَ الفرعِ الَّذي فَخَرَت بِهِ / نِزارٌ وَسارَت في مَعَدٍّ مَناقِبُهْ
سَما بِكَ بَيتٌ عَبدَليٌّ أحلَّهُ / ديار الأَعادي سُمرُهُ وَقواضِبُهْ
وَعالي مَحَلٍّ مِن رَبيعَةَ أَشرَفَت / عُلُوّاً عَلى كُلِّ البَرايا مَراتِبُهْ
فَشَمِّر وَسِر شَرقاً وَغَرباً فَقَلَّما / أَفادَ الغِنى مَن لَم تُشَمِّر رَكائِبُهْ
فَقُلتُ لَهُ لا تَعجَلَن رُبَّ سَاعَةٍ / تُزيلُ عَن الأَيّامِ ما أَنا عاتِبُهْ
فَفي عُقرِ داري مِن مُلوكِ بَني أَبي / هُمامٌ إِلى الخَيراتِ تَجري مَآرِبُهْ
إِذا لَم أَنُط مُستَعصِماً بِرجائِهِ / رَجائي وَتَروي تُربَ أَرضي سَحائِبُهْ
فَأَيُّ مَليكٍ أَرتَضى وَتَؤمُّهُ / رِكابي وَأَمشي نَحوَهُ وَأُخاطِبُهْ
وَمَن ذا الَّذي أَرضى عَطاياهُ أَو أَرى / يُزاحِمُني في سُدَّةِ البابِ حاجِبُهْ
وَمَن مِثلُ مَسعودِ الأَميرِ إِذا غَدا / يَغُصُّ بِفَضلِ الرّيقِ وَالماءِ شارِبُهْ
سَلِ الخَيلَ عَنهُ وَالمَنايا كَأَنَّما / يُناهِبُها أَرواحَها وَتُناهِبُهْ
أَخُو الطَعنَةِ النَجلاءِ وَالنَقعُ ساطِعٌ / وَوَقعُ المَذاكي يَملَأُ الطَرفَ حاصِبُهْ
وَضَرَّابُ هامِ الدَارِعينَ إِذا اِستَوَت / أسودُ الشَرى في مَوجِهِ وَثَعالِبُهْ
وَمَنّاعُ أَعقابِ اللَّيالي إِذا اِغتَدَت / تَعاطى وَواراها مِنَ النَقعِ ثائِبُهْ
وَسَلّابُ أَرواحِ الكُماةِ لَدى الوَغى / وَلَكِن مُرجِّيهِ لَدى السِّلمِ سالِبُهْ
وَحَمّالُ ما لا يَستَطيعُ تَثَبُّتاً / بِهِ حَضَنٌ إِلّا وَمادَت شَناخِبُهْ
سَليلُ عُلاً ما زالَ يُخشى وَيُرتَجى / فَتُخشى مَوَاضيهِ وَتُرجى مَواهِبُهْ
وَتَرّاكُ ما لَو أَنَّ قَيسَ بنَ عاصِمٍ / أُصيبَ بِبَعضٍ مِنهُ أَورَت حُباحِبُهْ
كَثيرُ سُهادِ العَينِ لا في مَكيدَةٍ / يُكابِدُ عُقبى شَرِّها مَن يُصاحِبُهْ
جَريٌّ إِذا لَم يَبقَ لِلطِّرفِ مَسلَكٌ / وَصَمَّ حَصى الجَبّارِ لِلخَوفِ جالِبُهْ
إِذا صالَ قالُوا هَل لَهُ مِن مُصاوِلٍ / وَإِن قالَ قالوا هَل همامٌ يُخاطِبُهْ
أَبو ماجِدٍ تِربُ العُلى وَربيبُها / أَبوهُ الَّذي تهدي السَّرايا مَقانِبُهْ
وَتَلقى عَلِيّاً جَدَّهُ خَيرَ مَن حَدَت / إِلَيهِ المَطايا وَاِلتَقتها رَغائِبُهْ
مُهينُ العِدى أَيّامَ تَعدو حُمولُها / وَفي العقبِ مِنها خَيلهُ وَنَجائِبُهْ
وَإِن يَفتَخِر بِالفَضلِ فَضلُ بنُ عَبدَلٍ / فَيا بِأَبي أَعراقُهُ وَمَناسِبُهْ
همامٌ حَمى البَحرَينِ سَبعاً وَمِثلَها / سِنينَ وَسارَت في الفَيافي مَواكِبُهْ
وَلم يَرعَ مِن ثاجٍ إِلى الرَملِ مُصرِمٌ / عَلى عَهدِهِ إِلّا اِستُبيحَت حَلائِبُهْ
زَمانَ يَقولُ العامِريُّ لِمَن غَدا / يُحَدِّثُهُ عَنهُ وَذو الحُمقِ غالِبُهْ
مَتى يَلتقي مَن نارَبَردَ مَحَلُّهُ / وَآخرُ سَودِيٌّ بَعيدٌ مَذاهِبُهْ
فَلَم يَستَتِمَّ القَولَ حَتّى إِذا بِهِ / يُسايِرُهُ وَالدَهرُ جَمٌّ عَجائِبُهْ
فَقالَ لَهُ الآن اِلتَقَينا فَأَرعَدَت / فَرائِصُهُ وَالجَهلُ مُرٌّ عَواقِبُهْ
وَمَن تلكُمُ آباؤُهُ وَجدودُهُ / فَمَن ذا يُسامي فَخرَهُ أَو يُقارِبُهْ
أَأَسكُت عَن مَولى الوَرى أَم أُعاتِبُه
أَأَسكُت عَن مَولى الوَرى أَم أُعاتِبُه / وَأُهمِلُ وَعدِي عِندَهُ أَم أُطالِبُهْ
أَراني بِأَدنى مَطلَبٍ هُنتُ عِندَهُ / وَقَد غَرَّقَت مَن لَيسَ مِثلي مَواهِبُهْ
أَترضى أَبا شُكرٍ بِسُحبِ غَمامَةٍ / لِمِثلي وَأَنتَ البَحرُ جاشَت غَوارِبُهْ
أَلِلمدحِ أَم لِلبَيتِ أَم لِسوالِفٍ / عَلَت أَم لِوُدٍّ لَم يحُل عَنهُ صاحِبُهْ
لِمَن تَذخَرُ المصرِيَّ يا اِبنَ مُحمَّدٍ / وَكُلُّ جَوادٍ أَنتَ بِالسَّيفِ كاسِبُهْ
أَتَخشى هُجومَ الفَقرِ أَم تَطلُبُ الرِّضا / بِهِ مِن عَدُوٍّ أَنتَ إِن شِئتَ غالبُهْ
فَلا تَبخَلَن عَنّي بِما أَنا أَهلُهُ / فَكُلُّ نَفيسٍ أَنتَ لا بُدَّ واهِبُهْ
فَأجمَلُ ثَوبَيكَ الَّذي أَنا لابِسٌ / وَخَيرُ جَواديكَ الَّذي أَنا راكبُهْ
وَلا تُرخِصِ الغالي وَقِف عِندَ قَدرِهِ / وَقَوِّمهُ بِالأَوفى فَما اِغتَرَّ جالِبُهْ
لعَمرُكَ ما مالُ الفَتى غَيرُ ما اِقتَنَت / ذوو وُدِّهِ أَو وَفدُهُ أَو أَقارِبُهْ
أَتَحرِمُني ما أَنتَ مُعطيهِ كاشِحاً / عَدُوّاً طوالَ الدَّهرِ تَسري عَقارِبُهْ
وَلَو كُنتَ ذا بخلٍ عَذرتُ وَلَم أَفه / بِحَرفٍ وَأَخفَيتُ الَّذي أَنا عاتِبُهْ
وَلَم أُبدِ مِن نَفسي هلوعاً وَلَم أَقُم / مَقاماً مَضى عُمري وَإِنّي لَهائِبُهْ
وَلَكِنَّكَ البَحرُ الَّذي كُلَّما طَما / صَفا وَحَلَت لِلوارِدينَ مَشارِبُهْ
فَيا اِبنَ المُلوكِ الصِّيدِ وَالذّروَةِ الَّتي / لَها كاهِلُ المَجدِ المُعَلّى وَغارِبُهْ
أُعيذُكَ أَن تَرضى بِنَقصٍ لِماجِدٍ / طَويلِ عِمادِ البَيتِ مَحض ضَرائِبُهْ
جُدودُكَ أَربابُ المَعالي جُدودُه / وَقاضِبُكَ المُهدي لَكَ العِزَّ قاضِبُهْ
تَروحُ وَتَغدو بِالثَّناءِ عَلَيكمُ / بِكُلِّ بِلادٍ خَيلُهُ وَنَجائِبُهْ
فَكَم سارَ لي في مَدحِكُم مِن غَريبَةٍ / تَروقُ وَأَغلى الشِعرِ مَهراً غَرائِبُهْ
بِلا مِنَّةٍ أَسدَيتُموها وَلا يَدٍ / إِليَّ وقَولُ المَرءِ أَسواهُ كاذِبُهْ
بَلى إِنَّني قاسَيتُ فيكُم مَصائِباً / تَهُدُّ القُوى إِذ أَدرَكَ الثَأرَ طالِبُهْ
وَلَولا هَواكُم ما شَقيتُ وَلا غَدا / يَصُكُّ بِرِجلي القَيدَ مَن لا أُشاغِبُهْ
وَلا اِجتاحَتِ الأَعداءُ مالي وَلا اِنبَرى / يُطاوِلُني مَن لَيسَ تُحصى مَعائِبُهْ
وَلا نَبَحَت شَخصي كلابُ اِبنِ ماجِدٍ / غِلاباً ولا بالَت عَلَيَّ ثَعالِبُهْ
وَكانَ اِبن عَمّي دُنيَةً وَمَناسِبي / إِذا نَصَّتِ الأَنسابُ يَوماً مَناسِبُهْ
فَلا تَرضَ لي غَيراً واِعلَم أَنّني / غَيورٌ وَما ضاقَت بِمِثلي مَذاهِبُهْ
فَأَنتَ الَّذي لَم يَبقَ إِلّاهُ سَيِّدٌ / نُناجيهِ في حاجاتِنا وَنُخاطِبُهْ
وَغَيرُكَ قَد عِفتُ الوُقوفَ بِبابِهِ / عَلانِيَةً فَليَرشمِ البابَ حاجِبُهْ
وَقُلتُ لِعيسي نَكّبي كُلَّ مَورِدٍ / مِنَ الأَجنِ يَزوي الوَجهَ وَالأَنفَ شارِبُهْ
فَإِن يُنسَ لي في العُمرِ لَم يَبقَ مَأكَلٌ / وَلا مَشرَبٌ إِلّا وَعِندي أَطايِبُهْ
لَقَد كُنتُ أَرجو مِنكَ يَوماً أَعُدُّهُ / لِمَولىً أُباهِيهِ وَخَصمٍ أُحارِبُهْ
وَإِنَّكَ للَملكُ الَّذي تَسلُبُ العِدى / قَناهُ وَلَكِن جُودُهُ الغَمرُ سالِبُهْ
وَإِنّي بِمَدحي عَن سِواكَ لَراغِبٌ / وَلَو باكَرتني كُلَّ يَومٍ رَغائِبُهْ
فَإِن تَجفُني فَالبَحرُ عِندي كَثيرَةٌ / مَراكِبُهُ وَالبَرُّ عِندي رَكائِبُهْ
وَلا تُنكرَن عتبي عَلَيكَ فَإِنَّهُ / جَميلٌ وَشَرُّ النّاسِ مَن لا تُعاتِبُهْ
أُعاتِبُ مَن أَهوى عَلى قَدرِ وُدِّهِ / وَلا وُدَّ عِندي لِلَّذي لا أُعاتِبُهْ
وَأَكرَمُ أَبناءِ المُلوكِ سجِيَّةً / كَريمٌ مَتى عاتَبتَهُ لانَ جانِبُهْ
بَقيتَ وَأُعطيتَ السَّعادَةَ ما شَدا / حَمامٌ وَما لاحَت بِلَيلٍ كَواكِبُهْ
إِلى كَم مُناجاةُ الهُمومِ العَوازِبِ
إِلى كَم مُناجاةُ الهُمومِ العَوازِبِ / وَحَتّى مَ تَأميلُ الظُّنونِ الكَواذِبِ
أَما حانَ لِلعَضبِ اليَمانيِّ أَن يُرى / بِيُمناكَ كالمِخراقِ في كَفِّ لاعِبِ
لَعلَّكَ خِلتَ الذُّلَّ حَتماً أَوِ العُلى / حَراماً وَأَنَّ الشَرَّ ضَربَة لازِبِ
فَقُم قومَ ناعي مَن يُقيمُ بِمَنزِلٍ / يُضامُ بِهِ وَالأَرضُ شَتّى المَذاهِبِ
وَلا عاشَ مَن يُغضي عَلى الضَّيمِ جفنهُ / وَفي قائِمِ الهِندِيِّ فَضلٌ لِضارِبِ
وَرُح واِغدُ في كَيدِ العَدُوِّ وَلا تَنَم / عَلى ضَمَدٍ فَالعُمرُ كسوَةُ سالِبِ
أَتَظمى لَدَيكَ المشرفِيَّةُ وَالقَنا / وَفي قُلَلِ الباغينَ وِردٌ لِشارِبِ
فَشَمِّر وَأَورِدها فَقد زادَ ظمؤُها / عَلى العَشرِ أَورِدها بِعَزمٍ مُؤارِبِ
وَلا تُورِدَنها وِردَ سَعدٍ وَعُلَّها / إِذا نَهَلَت عَلَّ الهِجانِ الحَلايِبِ
فَإِنَّ بِها تَرقى الدِّماءُ كَما بِها / تُراقُ وَفيها عالياتُ المَراتِبِ
وَمَن لَم يروِّ السَّيفَ يَظمَ وَمَن يَهُن / يُهَن وَمحاريبُ العُلى لِلمُحارِبِ
وَمَن لِم تَخَوَّفهُ العِدى في بِلادِها / تُخِفه وَعُقبى الذُلِّ شَرُّ العَواقِبِ
أَرى الناسَ مُذ كانوا عَبيداً لِغاشِم / وَخَصماً لِمَغلوبٍ وَجُنداً لِغالِبِ
وَما بَلَغَ العَلياءَ إِلّا اِبنُ حُرَّةٍ / قَليلُ اِفتكارٍ في أُمورِ العَواقِبِ
وَما العِزُّ إِلّا في صِها كُلِّ سابِحٍ / وَما المالُ إِلّا في شَبا كُلِّ قاضِبِ
وَمَن لَم يَعضَّ الدَّهرَ مِن قَبلِ عَضِّهِ / بِنابيهِ أَضحى مُضغَةً لِلنَوائِبِ
وَلا تَتَوهَّم أَنّ إِكرامَكَ العِدى / سَخاءٌ وَأَنَّ العِزَّ ضَيمُ الأَقارِبِ
لعَمرُكَ ما عَزَّ اِمرُؤٌ ذَلَّ قَومُهُ / وَلا جادَ مَن أَعطى عَطِيَّةَ راهِبِ
خَليليَّ عَن دارِ الهَوانِ فَقَوِّضا / خيامي وَزُمّا لِارتِحالٍ نَجائِبي
وَلا تَذكُرا عِندي لَعَلَّ وَلا عَسى / فَما بِعَسى يُقضى نَجاحٌ لِطالِبِ
وَلَيسَ عَسى أَو رُبَّما أَو لَعَلَّما / وَيا طالَما إِلّا قُيودَ المَعاطِبِ
لَحى اللَّهُ نَوّاماً عَلى الهَمِّ وَالبَرى / قِصاراهُ وَالدُّنيا عَلى فَوتِ ذاهِبِ
عَجِبتُ لِقَومٍ أَصبَحوا وَعُيونهُم / تُخازِرُلي مِن تَحتِ تِلكَ الحَواجِبِ
إِذا ما بَدا شَخصي لَهُم خِلتَ عاصِفاً / مِنَ الرِّيحِ قَد ثارَت عَلَيهم بِحاصِبِ
يَسُرُّهُمُ أَنّي اِختُرِمتُ وَغالَني / حِمامي وَقامَت بِالمَآلي نَوادِبي
وَما ليَ ذَنبٌ غَيرُ أمٍّ نجيبَةٍ / حَصانٍ أَتَت مِن مُحصَناتِ النَجائِبِ
وَآباءِ صِدقٍ حينَ أُعزى وَهِمَّةٍ / عَلَت بِي عَلى هامِ النُجومِ الثَواقِبِ
وَبُغضي لأَربابِ الخَنا وَمَودَّتي / لِكُلِّ أَبيِّ الضَّيمِ محضِ الضَرائِبِ
وَما مِنهُمُ إِلّا مَهينٌ رَمت بِهِ / أُبُوَّةُ سُوءٍ مِن إِماءٍ جَلائِبِ
أَخو مُومِسٍ أَو صنوُها أَو حَليلُها / فَقَد حُفَّ بِالسَّوآتِ مِن كُلِّ جانِبِ
شَغوبٌ عَلى الأَدنى وَلَو صَكَّ أَنفَهُ / عَدُوٌّ بِسَيفٍ أَو عَصاً لَم يُشاغِبِ
وَما زالَ نَتنَ الخِيمِ وَالأَصلِ مُولَعاً / بِبَغضاءِ أَربابِ العُلى وَالمَناقِبِ
عَلى رِسلِكُم وَاِمشُوا رُوَيداً فَتيهُكُم / عَلى عَبدَلِيٍّ مِن عَجيبِ العَجائِبِ
وَخَلّوا مُضِلّاتِ الأَمانيِّ عَنكُمُ / مَتى نَفَّرَ البازي صَريرُ الجَنادِبِ
وَلا تَحسَبوا ذا التيهَ فيكُم فَضيلَةً / فَما هُوَ إِلّا صَرُّ عَينٍ وَحاجِبِ
فَرُصّوا وَصُرّوا أَعيُناً أَو فَبَلِّقُوا / فَما نَفخُ حُفّاثٍ لِصلٍّ بِكارِبِ
وَمَن أَنتُمُ حَتّى أُساءَ بِبُغضِكُم / وَإِعراضِكُم يا شَرَّ ماشٍ وَراكِبِ
إِذا عُدَّتِ الأَنذالُ يَوماً بِمَجلِسٍ / عُدِدتُم وَما حُرٌّ لِنذلٍ بِصاحِبِ
فَلَو كُنتُمُ طَيراً لَكُنتُم مِن الصَّدى / صَدى البُومِ أَو غِربانَهُنَّ النَواعِبِ
رَضيتُ مَن اِختَرتُم لكُم غَيرَ غابِطٍ / رِضا زاهِدٍ في وُدِّكُم غَيرِ راغِبِ
وَكُنتُ إِذا ما أَحمَقٌ زَمَّ أَنفَهُ / شَمَختُ بِأَنفي عَنهُ وَاِزوَرَّ جانِبي
وَإِنّي لإِحسانِ المُلوكِ لَعائِفٌ / فَكَيفَ بِنَزرِ القدرِ نَزرِ المَكاسِبِ
أَرى هِمَّتي لا تَقتَضيني سِوى العُلى / وَلَيسَ العُلى دونَ النُّجومِ الثَواقِبِ
أَأَبقى كَذا لا يَتَّقيني مُشاغِبي / وَلا لِعَظيمٍ يَرتَجيني مُصاحِبي
وَهَذا هُوَ الذَنبُ الَّذي ما وَراءَهُ / لَدَيهم وَلَكِن لَستُ عَنهُ بِتائِبِ
أُداري مُداراةَ الأَسيرِ مَعاشِراً / مُداراتُهُم مِن مُوجِعاتِ المَصائِبِ
عَنِ الرُّشدِ أَهدى مِن سَطيحٍ وَكُلُّهُم / إِلى الغيِّ أَعدى مِن سُلَيكِ المَقانِبِ
وَأُنكِحُ أَبكارَ المَعاني أَراذِلاً / أَحَقّ بِخَصيٍ مِن يَسارِ الكَواعِبِ
وَأَكسو ثِيابَ الحَمدِ مَن حَقُّ جِسمِهِ / مَلابِسُ حُمّى أَفكَلٍ بَعدَ صالِبِ
وَإِنّي لَخَيرٌ مِنهُ نَفساً وَوالِداً / وَعِيصاً إِذا عُدَّت كِرامُ المَناسِبِ
وَأُكرِمُ أَقواماً لَو اِنّي مَدَحتهُم / بِما فيهمُ لَم أُبقِ عَيباً لِعائِبِ
لِكَفِّ أَذاهُم لا اِجتِلاباً لِخَيرِهم / وَكَيفَ يُدِرُّ الحولَ إِبساسُ حالِبِ
فَيا عِرَراً لا يفثأُ المَدحُ شَرَّهُم / وَقَد يَفثأُ الراقونَ سُمَّ العَقارِبِ
مَتى جَرَّ نَفعاً مَدحُكُم أَو كَفى أَذىً / وَكَم نَفَعَ السارينَ حَدوُ الرَكائِبِ
فَيا ضَيعَةَ المَدحِ الَّذي سارَ فيكُمُ / عَلى أَلسُنِ الرَواينِ سَيرَ الكَواكِبِ
أَلا لَيتَني مِن قَبلَهِ كُنتُ مُفحَماً / وَلَم يَجرِ مِن لَفظي بِهِ خَطُّ كاتِبِ
فَقَد كانَ مِنّي مِثلَ ما قالَ فَلتَةً / وَما اِعتَضتُ مِنهُ غَيرَ عَضِّ الرَواجِبِ
لَئِن كُنتُ لا كُنتُم قَذىً في عُيونكُم / فَإِنّي شِفاءٌ لِلعيونِ الضَوارِبِ
وَإِن كانَ ما نِلتُم عَظيماً لَدَيكُم / فَقَد يَعظُمُ العصفورُ في عَينِ خائِبِ
أَغرَّكُمُ دَهرٌ خَسيسٌ أَحَلَّكُم / مَراتِبَ ما كانَت لَكُم مِن مَراتِبِ
تَظُنّونَها أَهرامَ مِصرَ وَإِنَّها / لَأَوهى بِناءً مِن بيوتِ العَناكِبِ
أَلَيسَ الحَجا آجِرُّها وَبَلاطُهُ / قَذى الماءِ مَطبوخاً بِنارِ الحُباحِبِ
رُوَيداً بَني المُستَفرِماتِ فَغائِبٌ / وَعَدتُكُمُ إِنجازَهُ غَيرُ غائِبِ
فَوا أَسَفاً إِن مِتُّ لَم أوطِ أَرضَكُم / كَتائِبَ خَيلٍ تَهتَدي بِكَتائِبِ
تُريكُم نُجومَ اللَّيلِ ظُهراً إِذا بَدَت / تُكَدِّسُ في لَيلٍ مِنَ النَقعِ ضارِبِ
بِكُلِّ فَتىً أَمضى مِنَ السَّيفِ عَزمُهُ / إِذا اِعتَرَكَت وَالسَّيفُ عَضبُ المَضارِبِ
فَلَستُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ إِن لَم تَزركُمُ / مسوَّمَةٌ بَينَ القَنا وَالقَواضِبِ
بِطَعنٍ يُنسّي الكَلبَ مَنكُم هَريرَهُ / وَيَترُكهُ يَضغو ضُغاءَ الثَعالِبِ
وَضَربٍ يَقولُ الأَحمَقُ البَلعُ عِندَهُ / أَلا لَيتَني بِالدّوِّ بَعضُ الأَرانِبِ
قَضى اللَّهُ ما تَستَوجِبونُ فَساقَهُ / إِلَيكُم فَما أَبغي لَكُم غَيرَ واجِبِ
أَشَرياً عَلى الأَدنى وَأَرياً عَلى العِدى / وَذُلّاً لذي صِدقٍ وَعِزّاً لِكاذِبِ
تَعِستُم وَأَدّى اللَّهُ ما في رِقابِكُم / أَما لِإِلَهٍ فيكُم مِن مُراقِبِ
تَجمَّعَ لي عَبدٌ زَنيمٌ وَفاجِرٌ / أَثيمٌ وَأَبّارٌ عَظيمُ النَيارِبِ
وَأَنساهُمُ ما يُعقِبُ الغَيُّ أَهلَهُ / شَقاهُم فَلَمّا يَنظُرُوا في العَواقِبِ
فأَولى لَهُم أَولى أَما إِنَّ خَيرَهُم / نِجاراً وَنَفساً مَن نُمِي لِلمُعائِبِ
وَلَم أَرَ آذى لِاِمرِئٍ مِن جِوارِهم / وَلا سِيَّما حُرٍّ كَريمِ المَناصِبِ
وَدِدتُ وَقَد جاوَرتُهُم أَنَّ مَنزِلي / بِحَيثُ ثَوَت غُبسُ الذِئابِ السَواغِبِ
فَإِنَّ الذِّئابَ الطُّلسَ أَندى أَنامِلاً / وَأَكفى وَأَوفى ذِمَّةً لِلمُصاحِبِ
فَما زالَ ناديهم عَجاجاً وَما لَهُم / رَجاجاً وَواديهُم أُجاجَ المَشارِبِ
بِيني فَما أَنتِ مِن جِدّي وَلا لَعِبي
بِيني فَما أَنتِ مِن جِدّي وَلا لَعِبي / ما لي بِشَيءٍ سِوى العَلياءِ مِن أَرَبِ
لا تُكثِري مِن مَقالاتٍ تزيدُ ضَنىً / ما الخَطُّ أُمّي وَلا وادي الحَساءِ أَبي
في كُلِّ أَرضٍ إِذا يَمَّمتُها وَطنٌ / ما بَينَ حُرٍّ وَبَينَ الدّارِ مِن نَسَبِ
يا ساكِني الخَطِّ وَالأَجزاعِ مِن هَجَرٍ / هَل اِنتِظارُكُم شَيئاً سِوى العَطبِ
بَحِحتُ ممّا أُناديكُم وَأَندُبُكُم / لِخَيرِ مُنقَلَبٍ عِن شَرِّ مُنقَلَبِ
فَسَكِّتوني بِقَولٍ لا تَفونَ بِهِ / قَد صِرتُ أَرضى بِوَعدٍ مِنكُمُ كَذِبِ
يَلُومُني في فِراقِيكُم أَخو سَفهٍ / أَحَقُّ مِن ناضِحٍ بِالغَربِ وَالقَتَبِ
اللَّهُ أَكرَمُ أَن أَبقى كَذا غَرَضاً / ما بَينَكُم لِصُروفِ الدَهرِ وَالنُوبِ
لِي عَن دِيارِ الأَذى وَالهُونِ مُتَّسَعٌ / ما كُلُّ دارٍ مَناخُ الوَيلِ وَالحرَبِ
لا تَنسِبوني إِلى مَنشاي بَينَكُمُ / التُربُ تُربٌ وَفيهِ مَنبَتُ الذَّهَبِ
لا تَحسَبوا بُغضِيَ الأَوطانَ مِن مَلَلٍ / لا بُدَّ لِلوُدِّ وَالبَغضاءِ مِن سَبَبِ
قِلٌّ وَذُلٌّ وَخِذلانٌ وضَيمُ عِدىً / مُقامُ مِثلي عَلى هَذا مِنَ العَجَبِ
إِذا الدِّيارُ تَغشّاكَ الهَوانُ بِها / فَخَلِّها لِضَعيفِ العَزمِ وَاِغترِبِ
حَسبي مِنَ المالِ ذَيّالٌ وَسابِغَةٌ / وَصارِمٌ مُرهَفُ الحَدّينِ ذُو شُطَبِ
وَحُرَّةٌ مِن بَناتِ العيدِ ناجِيَةٌ / لا تَعرِفُ السَّيرَ غَيرَ الشَّدِّ وَالخَبَبِ
تَخالُها بَعدِ خِمسِ الرَّكبِ رائِحَةً / دَوِّيَّةً فَقَدَت رَألاً بِذي نَجَبِ
لأَطلُبَنَّ العُلى جَهدي طِلابَ فَتىً / يَدوسُ بِالعَزمِ هامَ السَّبعَةِ الشُهُبِ
فَإِن أَنَل فَبِسَعيي ما أَتَيتُ بِهِ / بِدعاً وإِلّا فَقد أَعذَرتُ في الطَلبِ
واحَسرَتا لِتَقضّي العُمرِ في بَلَدٍ / الشّؤمُ في أَهلِها أَعدى من الجربِ
لا سَيّدٌ ماجِدٌ يَحمي ذِمارَهُمُ / يَحظى لَدَيهِم وَلا حُرٌّ أَخو أَدَبِ
مالي وَجِسمي وَسَمعي مِنهُمُ وَفَمي / وَناظِري وَمَحَلُّ الفِكرِ في تَعبِ
دُعايَ يا رَبِّ أَلهِم رَبَّ دَولَتنا / أَن يُبلِغَ الرَّأسَ مِنّا رُتبَةَ الذَنبِ
أَفي القَضِيَّةِ أَن أَبقى كَذا تَبَعاً / وَرُتبَتي في المَعالي أَشرَفُ الرُتَبِ
لا يَرتَجي لِحُؤُولِ الحالِ ذُو أَمَلِ / نَيلي وِلا يَتَّقي ذُو مَيلَةٍ غَضَبي
أَرى العُلى تَقتَضيِني غَيرَ وانِيَةٍ / عَزماً يُبَيِّنُ عَن فَضلي وَعَن حَسبي
وَما نَهَضتُ لَهُ إِلّا وَأَقعَدَني / خذلانُ قَومي وَعَيثُ الدَهرِ في نَشبي
وَالمَرءُ يَسعى بِلا رَهطٍ وَلا جِدَةٍ / كَالسَّهمِ يُرمى بِلا ريشٍ وَلا عَقبِ
عُجِّلتُ يَومِيَ إِن لَم أُفنِ غارِبَها / أَلَيسَ لا بُدَّ مِن هَمٍّ وَمِن نَصَبِ
تَقولُ لِي هِمَمي خَلِّ المُقامَ وَقُم / فَإِنَّما راحَةُ الأَبدانِ في التَعَبِ
وَاِرغَب بِمَدحِكَ إِلّا في سَليلِ عُلاً / يُنمَى إِلى العِزِّ مِن آبائِكَ النُجُبِ
مُتَوَّجٍ عَبَدَليٍّ حينَ تَنسِبُهُ / لِخَيرِ جَدٍّ إِذا يُدعى وَخَيرِ أِبِ
مِن آلِ فَضلٍ بُناةِ المَجدِ تَعرِفُهُ / كُلُّ القَبائِلِ مِن ناءٍ وَمُقتَرِبِ
الضارِبي الهامَ في يَومٍ تَخالُ بِهِ الش / شَمسَ المُنيرَةَ قَد غابَت وَلم تَغِبِ
وَالهاتِكينَ عَلى الجَبّارِ قُبّتهُ / شَدَّ النَهارِ بِلا خَوفٍ وَلا رَهَبِ
وَالمَطعِمينَ إِذا هَبَّت شَآمِيَةٌ / نَكباءُ تَقلَعُ كسرَ البَيتِ بِالطُنُبِ
بَنى المَعالي لَهُم فَضلٌ وَشَيَّدَها / أَبو سِنانٍ قَريعُ العجمِ وَالعَربِ
وَأَحمَدٌ اِبنُهُ المَلكُ الَّذي مَنَعَت / ما بَينَ نَزوى سَراياهُ إِلى حَلَبِ
وَماجِدٌ كانَ نِعمَ المُستغاثُ إِذا / دَعا إِلى الحَربِ داعِيها فَلم يُجَبِ
وَمن أُولَئِكَ إِذ يُعزى أُبُوَّتُهُ / فَلَيسَ يُدرَكُ في فَضلٍ وَلا حَسَبِ
وَلَم يَمُت مَن أَبو شُكرٍ خَليفَتُهُ / المخجِلُ البَدرَ وَالمُزري عَلى السُّحبِ
مُقَدَّمٌ كاِسمِهِ في كُلِّ مَكرُمَةٍ / فَإِن نَبا بِكَ دَهرٌ فَاِدعُهُ يُجِبِ
وَأَين مِثلُ أَبي شُكرٍ إِذا اِستَعَرَت / نارُ الوَغى واِتَّقى المَسلوبُ بِالسَّلبِ
مُردي حُروبٍ تَرى تَحتَ العَجاجِ لَهُ / في الخَيلِ وَقعاً كَوَقعِ النّارِ في الحَطَبِ
لا يَتَّقي بَأَسَهُ الأَبطالُ يَومَ وَغىً / إِلّا بِعَقدِ ذِمامٍ مِنهُ أَو هَرَبِ
لَو أَنَّ لِلسَّيفِ يَومَ الرَّوعِ عَزمَتَهُ / ما كانَ لِلبيضِ مَعناهُ وَلا اليَلبِ
وَلَو تَكون لِليثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما كانَ مَسكَنُهُ في الغابِ وَالقَصَبِ
وَالشَّمسُ لَو خُلِقَت مِن نورِ غُرَّتِهِ / لَما تَوارَت عَنِ الأَبصارِ بِالحُجبِ
وَالبَحرُ لَو غُمِسَت فيهِ شَمائِلُهُ / لَصارَ أَنقَعَ لِلصَديانِ مِن ثَغبِ
تَسَنَّمَ المُلكَ لَم تَبقُل عَوارِضُهُ / وَحَلَّ مِن ذِروَتَيهِ أَفضَلَ الرُتَبِ
سَهلُ الخَليقَةِ مَحمودُ الطَريقَةِ من / نَاعُ الحَقيقَةِ سُمُّ الجَحفَلِ اللَجِبِ
ماضي العَزيمَةِ وَرّادٌ بِهِمَّتِهِ / عَلى المَتالِفِ هَجّامٌ عَلى النُّوَبِ
لَو يَبرُزُ المَوتُ في شَخصٍ وَقالَ لَهُ / اِنزِل لَنازَلَهُ ضَرباً وَلَم يَهَبِ
مِلءُ المُفاضَةِ مِن بَأسٍ وَمِن كَرَمٍ / وَمِن وَفاءٍ وَمِن حِلمٍ وَمِن أَدَبِ
بَدّاعُ مَكرُمَةٍ خَواضُّ مَلحَمَةٍ / أَشهى الكَلامِ إِلى فيهِ هَلا وَهَبِ
يَوماهُ يَومُ نَدىً غَمرٍ وَيَومُ وَغَىً / لا يَومُ كاسِ رَنَوناةٍ وَلا طَرَبِ
الطاعِنُ الخَيلَ شَزرَاً كُلَّ نافِذَةٍ / سُلكى وَمَخلوجَةٍ تَشفي مِنَ الكَلبِ
وَالتارِكُ القِرنَ في البَوغاءِ مُنعَفِراً / بِضَربَةٍ سَبَقَت مِنهُ عَلى غَضَبِ
وَالواهِبُ الهَجَماتِ الحُمرَ تَتبَعُها / فِصلانُها في السِّنينِ العُرَّمِ الشُّهبِ
يَقري الضُّيوفَ سَديفَ الكُومِ مُغتَبِطاً / في الشِّيزِ لا الخازِر المَمذوقَ في العُلَبِ
تَأبى لَهُ الضَّيمَ نَفسٌ عَزَّ خالِقُها / لا كالنُّفوسِ وَأَصلٌ غَيرُ ذي أَشَبِ
أَجرا عَلى البَطَلِ المِقدامِ مِن أَسَدٍ / عَلى حُوارٍ وَمِن صَقرٍ عَلى خَرَبِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادوا مَمالِكَهُم / بِسَلَّةِ البيضِ وَالخَطِّيَّةِ السُّلُبِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهيمَ كُلُّ فَتىً / مُهَذَّبٍ طاهِرِ الأَخلاقِ مُنتَخَبِ
كَم في أُبوَّتِكَ الأَمجادِ مِن مَلكٍ / بِالمَجدِ مُلتَحِفٍ بِالتاجِ مَعتَصِبِ
لَم يَبقَ إِلّاكَ فَاِذكُر ما يُقالُ غَداً / وَإِن هَمَمتَ بَضَعفِ العَزمِ فَاِنتَسِبِ
لا تَركَنَنَّ إِلى مَن لا وفاءَ لَهُ / الذِئبُ مِن طَبعِهِ إِن يَقتَدِر يَثِبِ
وَلا تَكُن لِذَوي الأَلبابِ مُحتَقِراً / ذُو اللُبِّ يَكسِرُ فَرعَ النَبعِ بِالغَرَبِ
وَاِحسِب لِشَرِّ العِدى مِن قَبلِ مَوقِعِهِ / فَرُبَّما جاءَ أَمرٌ غَيرُ مُحتَسَبِ
وَغَر عَلى المُلكِ مِن لعبِ الرِّجالِ بِهِ / فَالمُلكُ لَيسَ بِثَبّاتٍ عَلى اللَعِبِ
وَاِرفَع وَضَع وَاِعتَزِم وَاِنفَع وَضُرَّ وَصِل / وَاِقطَع وَقُم وَاِنتَقِم وَاِصفَح وَخُذ وَهَب
وَاِحذَر تُؤَخِّر فِعلاً صالِحاً لِغَدٍ / فَكَم غَدٍ يَومُهُ غادٍ فَلم يَؤُبِ
وَاِبسُط يَدَي فاضِلٍ في الأَمرِ تُكفَ بِهِ / ما نابَ واِرمِ العِدى عَن قَوسِهِ تُصِبِ
فَفاضِلٍ غَيرِ خَوّارٍ وَلا وَكلٍ / في الكائِناتِ وَلا وانٍ وَلا وَعِبِ
أَوفى نِزارٍ وَأَكفاها وَأَمنَعها / عِندَ اللّقاءِ وَأَحماها عَلى الحَسَبِ
إلَيكَ جَوهَرَةً مِن طَبعِ قائِلَها / تَبقى عَلى غابِرِ الأَزمانِ وَالحِقَبِ
يُقالُ لِلمُدَّعي شِعراً يُعادِلُها / كَذَبتَ ما الضَرَبُ الطَّلحِيُّ كَالضَّرَبِ
بَقيتَ في دَولَةٍ يَشقى العَدُوُّ بِها / تَرعى الصَديقَ وَتُدعى كاشِفَ الكُرَبِ
صَدَّت فَجَذّت حَبلَ وَصلِكَ زَينَبُ
صَدَّت فَجَذّت حَبلَ وَصلِكَ زَينَبُ / تِيهاً وَأَعجَبَها الشَبابُ المُعجِبُ
وَلَطالَما فَعَلَت تُطيلُ مُرورَها / وَتَجِيءُ عَمداً كَي تَراكَ وَتَذهَبُ
لا تَعجَبَن يا قَلبُ مِن هِجرانِها / فَوِصالُها لَو دامَ مِنهُ أَعجَبُ
أَغرى المَليحَةَ بِالصُدودِ ثَلاثَةٌ / نَأيٌ وَإِقلالٌ وَرَأسٌ أَشيَبُ
فَاِضرِب عَن اِستِعتابِها صَفحاً فَما / ذَو الشَيبِ وَالإِفلاسِ مِمَّن يَعتِبُ
وَاِستَبقِ ماءَ الوَجهِ فيهِ وَكُن بِهِ / حَجِياً وِلا تَقُلِ القُلوبُ تَقَلَّبُ
وَلَئِن طَمِعتَ بَأَن تُريعَ وَتَرعَوي / وَالحالُ تِلكَ فَمَرحَباً يا أَشعَبُ
يا حَبَّذا وَادي الحَساءِ فَإِنَّهُ / لَو ساءَني وادٍ إِليَّ مُحَبَّبُ
يا حَبَّذا دَربُ السَّليمِ وَحَبَّذا / ذاكَ القَطينُ بِهِ وَذاكَ المَلعَبُ
وَعِصابَةٌ فارَقتُهُم لا عَن قِلىً / مِنّي وَلا لي غَيرُ وَالدِهِم أَبُ
وَكَريمَةُ الطَرفينِ ذِروَةُ وائِلٍ / آباؤُها وَجُدودُها إِذ تُنسَبُ
شاطَرتُها شَرخَ الشَبابِ وَماؤُهُ / يَجري وَجَذوَةُ نارِهِ تَتَلَهَّبُ
لا تَحسَبُ الأَيّامَ تُبلي جدَّةً / أَبَداً وَلا بَردُ الشَبيبَةِ يُسلَبُ
وَبَعِيدَةٍ الأَقطارِ طامِسَةِ الضُّوى / تِيهاً تَموتُ بِها الظِبا وَالأَرنَبُ
يَتشابَهُ الطّرفُ المُجَلّلُ إِن بَدا / في عَينِ سالِكِ جَوِّها وَالثَعلَبُ
أَقحَمتُها شَرجَ النَّجاءِ شِمِلَّةً / أَحَداً يُباريها كمَيتٌ مُذهِبُ
ما لي بِها مِن صاحِبٍ إِلّا هُما / وَمُهَنَّدٌ عَضبٌ وَقَلبٌ قُلّبُ
وَلَقد حَلَبتُ الدَهرَ أشطُرَ نابِهِ / وَعَرَفتُ ما يُبدي وَما يَتَغَيَّبُ
فَإِذا مَوَدَّةُ كُلِّ مَن أَصفَيتُهُ / وُدّي لَدى الحاجاتِ بَرقٌ خُلَّبُ
يا هاجِرَ الأَوطانِ يَطلُبُ ماجِداً / يَلجا إِلَيهِ مِن الزَمانِ وَيَهربُ
اِنزل عَلى الملكِ الَّذي بِفنائِهِ / تُلقى الرِّحالُ وَيَستَريحُ المُتعَبُ
اِنزل عَلى البَحرِ الخِضَمِّ فَما بَقى / مَلكٌ سِواهُ بِهِ تُناخُ الأَركُبُ
اِنزل عَلى الطَّودِ الأَشَمِّ فَإِنَّهُ / حِصنٌ يُحاذِرُهُ الزَمانُ وَيرهبُ
اِنزل عَلى النَدبِ الهُمامِ فَما تَرى / أَحَداً سِواهُ إِلى المَكارِمِ يَرغَبُ
مُتَوَقِّدُ العَزماتِ يُخشى بَأسُهُ / وَيَخافُ صَولَتَهُ الهِزَبرُ الأَغلَبُ
أَمضى مِن الصِّمصامِ عَزماً وَالدِما / تَكسو المَناكِبَ وَالنُفوسُ تُسَلَّبُ
وَالبيضُ في أَيدي الكُماةِ ضِياؤُها / يَطفو مِراراً في الغُبارِ وَيَرسُبُ
وَكَأَنَّ أَطرافَ الأَسِنَّةِ أَنجُمٌ / شُهبٌ وَداجي النَّقعِ لَيلٌ غَيهَبُ
في مَعرَكٍ عاثَ الرَدى في أَهلِهِ / فَمُعَفَّرٌ وَمُضَرَّجٌ وَمُقَعضَبُ
أَلِفَ الحُروبَ جَوادُهُ فَكَأَنَّهُ / مِن ماءِ هاماتِ الفَوارِسِ يَشرَبُ
يَهوي اِنقِضاضاً في المكَرِّ كَما هَوى / لِقَنيصَةٍ حَجنُ المَخالِبِ أَشهَبُ
ما صَبَّحَت داراً هَوادي خَيلِهِ / إِلّا وَقامَ المَوتُ فيها يَخطُبُ
لِلّهِ دَرُّكَ أَيُّ فارِسِ نَهمَةٍ / وَاليَومُ يَومٌ بِالجِيادِ عَصَبصَبُ
وَمَلاذِ مَكروبٍ وَعِصمَةٍ آمِلٍ / أَذكى الرَجاءَ بِهِ وَعَزَّ المَطلَبُ
لَم يُمنَعِ العافونَ إِلّا عِرضَهُ / وَالعِرضُ عِندَ ذَوي النُهى لا يُوهَبُ
نَفسٌ لِعَمري مُرَّةٌ وَخلائِقٌ / أَحلى مِن الماءِ الزُلالِ وَأَعذَبُ
يَفديكَ يا خَيرَ المُلوكِ مَعاشِرٌ / ظَهَرُوا وَلَكِن عِندَما ظهرُوا غَبُوا
إِن يُمدَحوا غَضِبُوا عَلى مُدّاحِهِم / خَوفَ الجَزاءِ وَإِن هُجُوا لَم يَغضَبوا
أَموالُهُم فَوقَ السِماكِ وَجاهُهُم / يَغلو عَلى مُستامِهِ إِذ يُطلَبُ
جَعَلوا وِقاءَ حُطامِهم أَعراضَهُم / فَغَدَت تُمَزَّقُ في البِلادِ وَتُنهَبُ
فَلِذاكَ قالَ الناسُ في آبائِهم / قَبحَ الإِلَهُ أُبُوَّةً لَم يُنجِبُوا
لِلّهِ دَرُّكَ يا عَلِيُّ فَلَم يَعُد / إلّاكَ في هَذا الزَمانِ مُهَذَّبُ
أَضحَت بِكَ الأَحساءُ ساكِنَةً وَقَد / رَجَفَت بِمَن فيها وَكادَت تُقلَبُ
لَو لَم تَدارَكهَا وَتَرأَب صَدعَها / لَغَدت بِها خَيلُ الهَلاكِ تَوَثَّبُ
أَحيَيتها بَعدَ المَماتِ وَبَعدَما / قامَت بَواكيها تَنوحُ وَتَندُبُ
وَمَنَعتَها مِن بَعدِ ما كانَت سُدىً / في كُلِّ ناحِيةٍ تُغارُ وَتُنهَبُ
وَمَلأتَها عَدلاً وَكانَت عُمِّمَت / جَوراً تَغورُ بهِ الدِيّارُ وَتُخرَبُ
وَرَفَعتَ عَنها المُؤذِياتِ وَطالَما / راحَ البَلا في جَوِّها يَتَصَبَّبُ
حَتّى كَأَنَّكَ وَالمُشَبِّهُ صادِقٌ / عُمَرٌ بِها وَكَأَنَّها لَكَ يَثرِبُ
نامَ الغَنِيُّ وَكانَ قَبلَكَ لا يَني / خَوفَ المَظالِمِ ساهِراً يَتَقَلَّبُ
وَمَشى الفَقيرُ ضُحىً وَهَوَّنَ آمِناً / بِالإِلتِفاتِ وَأَسفَرَ المُتَنَقِّبُ
إِيهاً أَبا المَنصورِ يَقظَة ثائِرٍ / بَطَلٍ لِعَلياهُ يَغارُ وَيَغضَبُ
لا تَركنَنَّ إِلى العُدوِّ وَلا تُطِع / آراءَ مَن في حَبلِ غَيرِكَ يَحطِبُ
وَاِعصَ الذَّليلَ إِذا أَشارَ وَلا تَثِق / في الكائِناتِ بِكُلِّ مَن تَستَصحِبُ
وَاِعلَم بِأَنَّ الناسَ قَد جَرَّبتهُم / فَإِذا صَحيحُ الوُدِّ مِنهُم عَقرَبُ
وَاِقبَل نَصيحَةَ ماجِدٍ بِاعدتَهُ / عَنكُم لِضَعفِ الرَأيِ وَهوَ الأَقرَبُ
آباؤُكَ الغُرُّ الكِرامُ إِذا اِنتَمَوا / آباؤُهُ وَجُدُودُهُ إِذ تُنسَبُ
أَبقى لَكُم في كُلِّ دارٍ حلَّها / شَرَفاً يُشَرِّقُ ذِكرُهُ وَيُغَرِّبُ
يَشري عَدُوُّكُمُ المُداجي بُعدَهُ / عَنكُم بِأَنفَسِ ما يُباعُ وَيُطلَبُ
تَرِدُ الكِلابُ الواسِعِيَّةُ حَوضَكُم / وَأُذادُ عَنهُ كَما يُذادُ الأَجرَبُ
وَتُجِلُّني أُسدُ الشَّرى في أَرضِها / وَبِأَرضِكُم يَسطو عَلَيَّ الثَّعلَبُ
وَبِقَوسِكُم في كُلِّ يَومٍ أَرتَمي / وَبِسَيفِكُم في كُلِّ يَومٍ أُضرَبُ
وَأَقولُ ما قالَ اِبنُ مُرَّةَ مُعلِناً / لا أُمَّ لي إِن دامَ ذاكَ وَلا أَبُ
لي في بِلادِ اللَّهِ عَمَّن لا يَرى / حَقّي مَراحٌ كَيفَ شِئتُ وَمَذهَبُ
فَاِحفَظ وِصاتي يا عَلِيُّ وَلا تُضِع / ما قَد وُليتَ فَحولَ شاتِكَ أَذؤُبُ
وَعَلَيكَ بِالعَدلِ الَّذي أَحيَيتَهُ / فَدُعاءِ باكٍ في الدُجى لا يُحجَبُ
وَبَقيتَ مَعمورَ الجَنابِ مُؤَيّداً / ما قامَ داعٍ بِالصَّلاةِ يُثَوِّبُ
اليَومَ سُرَّ العُلا وَاِستَبشَرَ الأَدَبُ
اليَومَ سُرَّ العُلا وَاِستَبشَرَ الأَدَبُ / وَأَحمَدت سَيرَها المَهرِيَّةُ النُجُبُ
اليَومَ أَعتَبَ دَهري وَاِرعَوى وقَضى / في كُلِّ ما كُنتَ أَشكوهُ فَكَم أُجَبُ
اليَومَ أَسفَرَ وَجهُ الحَظِّ وَاِنبَسَطَت / يَدُ الرَجاءِ وَزالَ الهَمُّ وَالنَصَبُ
اليَومَ أَقبَلَتِ الآمالُ باسِمَةً / عَن كَالمَها زانَهُ التَفلِيجُ والشَنَبُ
فَكَم لِذا اليَومِ مِن دَوِّيَّةِ قَذفٍ / قَطَعتُ وَالقَلبُ في أَهوالِها يَجِبُ
تَبدو بِها الجِنُّ لي حيناً وَآوِنَةً / تَبثُّ أَضواءَها حَولي وَتَنتَحِبُ
فَحينَ أَكثَرتِ التَهويلَ قُلتُ لَها / هَذا التَّهَوُّلُ جِدٌّ مِنكِ أَو لَعِبُ
حَسبي أَبو جَعفَرٍ مِمّا يَدُبُّ عَلى / وَجهِ البَسيطَةِ أَو يَعتَرُّ أَو يَثِبُ
حَسبي إِمام الهُدى لا فرعُ دَوحَتِهِ / عِشٌّ وَلا ريشُ سَهمٍ راشَهُ لَعبُ
حَسبي إِمامُ الهُدى المَنصورُ فَاِمتَلَأَت / رُعباً فَضاقَت بِها الغيطانُ وَالجيبُ
صِنوُ النَبِيِّ إِذا يُعزى وَمُشبِهُهُ / خَلقاً وَخُلقاً وَبابُ اللَّهِ وَالسَّبَبُ
وَهّابُ ما لا رَأَت عَينٌ وَلا سَمِعَت / بِمثلِهِ هَيبَةً عُجمٌ وَلا عَرَبُ
تَرى مَناقِب كُلِّ الناسِ إِن سَفَرَت / أَدنى مَناقِبهِ تَخزى فَتَنتَقِبُ
كَم نارِ شَرٍّ طِلاعُ الأَرضِ جاحِمُها / لَهُ شُواظٌ بِحَيثُ النَجمُ يَلتَهِبُ
بِلَمحَةٍ مِنهُ عادَت وَهيَ خاشِعَةٌ / ثَلجاً وَما ذاكَ مِن آياتِهِ عَجَبُ
وَكَم أَخي ثَروَةٍ أَودى بِثَروَتِهِ / ظُلمُ الوُلاةِ وَتَأويلاتُها الكَذِبُ
أَعادَ ثَروتَهُ مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ / إِلَيهِ عَفواً وَقَد مَرَّت لَها حِقَبُ
وَكَم خَلاءٍ مَخُوفٍ قَلبُ سالِكِهِ / لِلخَوفِ مِثلَ لِواءِ الجَيشِ يَضطَرِبُ
أَضحى بِهَ آمِناً تَمشي الفَتاةُ بِهِ / مَشيَ القَطاةِ وَحَلّا صَدرَها لَبَبُ
وَكَم أَنالَ الغِنى مَن لا يُعَدُّ لَهُ / غَيرُ الخَصاصَةِ أُمٌّ وَالشَقاءُ أَبُ
وَكَم عِظامِ ذُنوبٍ فيه مُوثَقَةٍ / أَقلُّها لِحَصاةِ القَلبِ تَنتَهِبُ
هَذا هُوَ الفَضلُ وَالنَفسُ الشَريفَةُ وَال / جودُ العَميمُ وَهَذا الخَيرُ وَالحَسَبُ
وَكَم قَبائِلَ بَعدَ المَوتِ أَنشَرَها / وَما لَها غَيرُ مَقصوراتِها تُرُبُ
فَلو رَأى عُمَرُ الفاروقُ سيرَتَهُ / لَقالَ هَذا رَحى الإِسلامِ وَالقُطُبُ
وَشَمَّرَ الذَّيلَ يَسعى في أَوامِرِهِ / ما في الَّذي قُلتُهُ شَكٌّ وَلا رِيَبُ
بِهِ الفُتُوَّةُ تَمَّت وَاِعتَلَت شَرَفاً / كَما بِهِ شَرُفَت آباؤُهُ النُّجُبُ
فَما نَرى كَعلِيٍّ في الأَنامِ فَتَىً / سِواهُ وَالشِّبهُ نَحوَ الشِّبهِ مُجتَذَبُ
وَأَيُّ مُعتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنتَصِرٍ / لَلّهِ مِنهُ الرِّضا في اللَّهِ وَالغَضَبِ
قَرَّت بِهِ الأَرضُ مِن أَقصى التُخومِ وَقَد / كادَت لِفَقدِ إِمامِ البِرِّ تَنقلِبُ
وَأَصبَحت أَيكَةُ الإِسلامِ ناضِرَةً / يَدعو المُسيمَ إِلَيها الماءُ وَالعُشبُ
وَاِهتَزَّتِ الأَرضُ مِن رِيٍّ فَلا طَلَقٌ / لِلماءِ يُذكَرُ في حَيٍّ وَلا قَرَبُ
وَأَشرَقَت بَهجَةً دارُ السَّلامِ بِهِ / حَتّى تَمَنَّت سَناها السَبعَةُ الشُهُبُ
وَأَظهَرَ العُجبَ شَطّاها وَدِجلَتُها / وَما أَحاطَت بِهِ الأَسواقُ وَالرُحُبُ
وَفُتِّحت لِلقِرى أَبوابُ ذي كَرَمٍ / جفانُهُ خُلُجُ الصِّينِيِّ لا العُلَبُ
وَأَلفُ أَلفٍ تَزيدُ الضِّعفَ جادَ بِها / في كُلِّ عامٍ وَقَلَّت عِندما يَهِبُ
وَمِثلُ ذَلِكَ أَضعافاً مُضاعَفَةً / أَعطى وَقالَ قُصارى كُلِّ ذي العَطَبُ
فَما يَمُرُّ بِهِ يَومٌ وَلَيسَ بِهِ / لَهُ مَواهِبُ تُستَزرى لَها السُّحُبُ
فَاليَومَ ما فوقَ ظَهرِ الأَرضِ قاطِبَةً / إِلّا اِمرُؤٌ وَلَهُ مِن مالِهِ نَشَبُ
فَلو تُذابُ عَطايا كَفِّهِ لَجَرَت / بَحراً مِن التِبرِ رَجّافاً لَهُ لَجَبُ
لَم يَدَّخِر غَيرَ ما آباؤُهُ اِدَّخُروا / مِن أَنفُسٍ وَجَميع المالِ قَد وَهَبُوا
يَأبى الأُلى غَيرَ كَسبِ الحَمدِ ما اِدَّخروا / وَغَيرَ أَنفَسِ ما يَحوونَ ما وَهَبُوا
وَغَيرَ رَجراجَةٍ شَعواءَ ما جَلَبُوا / وَغَيرَ نَجمٍ يُسامي النَّجمَ ما طَلَبُوا
وَغَيرَ هامَةِ مَعدى الهامِ ما ضَرَبُوا / وَغَيرَ مِدرَهِ دارِ الحَربِ ما حَرَبُوا
قَومٌ هُم الرَأسُ مِن فهرٍ وَغَيرهُم / إِذا يُقاسُ إِلى عَلياهُمُ ذَنَبُ
النَجمُ يَنجُم ظُهراً إِن هُمُ غَضِبُوا / وَالأَرضُ تَأرضُ نَهراً إِن هُمُ رَكِبُوا
بِفَضلِهِم نَطَقَ القُرآنُ مُمتَدِحاً / لَهُم وَجاءَت بِهِ مِن قَبلِهِ الكُتُبُ
أَبوهُمُ الخَيرُ عَبدُ اللَّهِ خَيرُ أبٍ / وَجَدُّهُم سَيِّدُ البَطحاءِ إِن نُسِبُوا
لَولاكُمُ يا بَني العَبّاسِ ما اِنصَدَعَت / عَصا الخِلافَةِ صَدعاً لَيسَ يَنشَعِبُ
عَنها طَردتُم وَلَمّا يَثنِكُم رَهَبٌ / بَني الطَّريدِ وَلا اِستَوهاكُمُ رُعبُ
وَلا وَنَيتُم إِلى أَن قامَ ماؤُهُم / وَخانَ دَلوَهُمُ مِن عَقدِها الكَرَبُ
وَعادَ ميراثُكُم مِن كَفِّ غاصِبِهِ / فيكُم وَأَهلُ الدَعاوى عَنكُمُ غِيَبُ
يا خَيرَ مَن عَلِقَت أَيدي الرَجاءِ بِهِ / وَمَن سَواءٌ لَدَيهِ التِبرُ وَالتّربُ
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرينِ قَرَّبَني / شَدٌّ بِهِ اِنحَلَّتِ الأَكوارُ وَالغُرُبُ
وَغادَرَ العِيسَ أَنضاءً مُطَلَّحَةً / يَكادُ يَصرَعُها مِن خَلفِها العُشبُ
فَحَلِّني بِلباسٍ مِنكَ يَحسُدُني / عَلى اِتّصالي بِكُم ناءٍ وَمُقتَرِبُ
وَاِجعَل عدادي في الفِتيانِ واِعلُ بِهِ / شَأني فَمُعتَقدي أَن يَنجَحَ الطَّلَبُ
أَنتَ الإِمامُ الَّذي قَد كُنتُ آمُلُهُ / وَذا الزَمانُ الَّذي قَد كُنتُ أَرتَقِبُ
كَم جُبت دونَكَ مِن تَيها وَخاوِيَةٍ / يَشكو الكَلالَ بِها النَجّاءَةُ التَعِبُ
وَمُزبِدٍ يَتراءى المَوتُ راكِبهُ / سَلامَةُ المُتَخَطِّيه لَهُ عَجَبُ
وَكَم طَرقتُ رِجالاً ينذِرونَ دَمي / أَسقيتُهُم عَلقَماً غَصباً لَهُ شَرِبُوا
كَم قُلتُ لِلنَّفسِ إِذ لَجَّ الهُلوعُ بِها / وَكَالدِماءِ دُموعِ العَينِ تَنسَكِبُ
قِرّي فَيُمنُ أَميرِ المُؤمِنينَ لَنا / حرزٌ يَقينا الَّذي يُخشى وَيُجتَنَبُ
فَبارَكَ اللَّهُ في أَيّامِ دَولَتِهِ / وَجادَها كُلُّ رَجّاسٍ لَهُ لجَبُ
فَإِنَّ أَيّامَها طرزُ الزَمانِ إِذ / عُدَّت وَتاجٌ بِهِ الأَعيادُ تَعتَصِبُ
وَلا أَرانا إِماماً غَيرَهُ أَبَداً / فَما لَنا في إِمامٍ غَيرِهِ أَرَبُ
وَعاشَ في ظِلِّهِ المَولى الَّذي شَهِدَت / بِمَجدِهِ وَعُلاهُ العُجمُ وَالعَرَبُ
بَحرُ النَّدا شَرَفُ الدّينِ الَّذي شَرُفَت / بِهِ الوَرى وَسَما فَخراً بِهِ اللَقَبُ
ما ناحَ صَبٌّ وَما ناحَت مُطَوَّقَةٌ / وَما اِستَلَذَّ غَراماً عاشِقٌ وَصِبُ
أَراهُ الهَوى ما لَم يَكُن في حِسابِهِ
أَراهُ الهَوى ما لَم يَكُن في حِسابِهِ / فَأَقلَقَهُ عَن صَبرِهِ وَاِحتِسابِهِ
وَلا تُؤلِماهُ بِالمَلامِ فَإِنَّهُ / يُثيرُ جَواهُ وَاِترُكاهُ لِما بِهِ
أُعيذُكما مِن وَجدِهِ وَغَرامِهِ / وَلوعاتِهِ يَومَ النَوى واِكتِئابِهِ
فَهل لَكُما أَن تَذهَبا لا شُفِيتُما / لِشأنِكُما أَو تُقصِرا عَن عِتابِهِ
تُريدانِ مِنهُ سَلوَةً وَتَناسِياً / وَصَبراً لَقَد بالغتُما في عَذابِهِ
وَأَنّى لَهُ الصَبرُ الَّذي تَطلُبانِهِ / وَقد ضاعَ يَومَ الحَشرِ مِفتاحُ بابِهِ
سَلا عَنهُ غِزلانُ القُرَيَّةِ أَيُّها / غَدا بِبقايا لُبِّهِ في نهابِهِ
وَقولا لَهُ يا أَحسَنَ السِربِ إِنَّهُ / غَريبٌ فَهل مِن رِقَّةٍ لِاِغتِرابِهِ
وَعَلَّ نَوالاً مِنهُ يَحمي حشاشَةً / يُزَكّي بِهِ عَن حُسنِهِ وَشَبابِهِ
فَإِنَّ زَكاةَ الحُسنِ تَقبيلُ ثَغرِهِ / وَرَشفُ ثَناياهُ وَبَردِ رُضابِهِ
حَلالاً لِأَبناءِ السَبيلِ مُخَصَّصٌ / لَهُم دونَ مَن قَد نَصَّهُ في كِتابِهِ
رَعى اللَّهُ أَيّامَ الشَّبابِ فَإِنَّها / هيَ العُمرُ يا طُولَ الأَسى بِاِستِلابِهِ
وَجادَ ديارَ الحَيِّ مِن أَيمَنِ الحَسا / مُرِبٌّ يُواري الهُضبَ داني رَبابِهِ
كَجودِ اِبنِ مَسعود الفَتى الواهِبِ اللُّها / وَمُخجِلِ مُنهَلِّ الحَيا في اِنسِكابِهِ
همام مِن الوَسميِّ أَغزَرُ ديمَةً / إِذا لَجَّ في تَهتانِهِ وَاِنصِبابِهِ
وَأَمضى مِن الصِّمصامِ عَزماً إِذا غَدا / يَمُجُّ دَماً مِن صَدرِهِ وَذُبابِهِ
وَأَضبطُ جَأَشاً يَومَ يُثني حِفاظَها / بَنو الحَربِ مُبدي لبدِهِ عِندَ بابِهِ
وَأَحلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يُشِن / عُلاهُ وَلَم يُغرِ العِدا بِجنابِهِ
وَأَبلغُ مِن قسٍّ وَسَحبانِ وائِلٍ / إِذا الشَّرُّ أَبدى كَالِحاً جُلَّ نابِهِ
طَويلُ المطا عِندَ النِزالِ كَأَنَّما / دَمُ الفارِسِ المَرهوب أَحلى شَرابِهِ
إِذا مَلكٌ راحَ الحطامَ اِكتِسابُهُ / فَإِنَّ العُلا وَالمَجدَ حَبلُ اِكتِسابِهِ
بَصيرٌ بِمَعنى كُلِّ أَمرٍ كَأَنَّما / تُريهِ خَطاهُ عَينهُ مِن صَوابِهِ
ضروبٌ لِهاماتِ الكُماةِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الرُّعبِ آسادُ الشَرى مِن كِلابِهِ
يَهُزُّ حُساماً صارِماً لَو رَمى بِهِ / شَماريخَ رَضوى لاِنزَوى عَن هِضابِهِ
تَضِجُّ حَماليقُ العِدا مِن طعانِهِ / وَتَبكي دَماً هاماتها مِن ضِرابِهِ
إِلى الصِّيدِ مِن نَسلِ العُيونيِّ يَنتَمي / وَأَيُّ نِصابٍ في الوَرى كَنِصابِهِ
إِذا ذُكرَت آباؤُهُ يَومَ مَفخَرٍ / تَضاءا لِمَن يَبغي العُلا بِاِنتِسابِهِ
لَعَمري لَقَد أَحيا مَكارِمَ قَومِهِ / فَحَسبُ معدٍّ سَعيُهُ وَكَفى بِهِ
تَقَبَّلَ فَضلاً ذا العُلا وَمُحَمَّداً / فَما لَهُما مِن بَعدِهِ مِن مُشابِهِ
رَأَيتُ لَهُ فيما رَأيتُ خَلائِفاً / أَلَذَّ وَأَحلى مِن زلالِ ثغابِهِ
فَتىً مالُهُ لِلمُعتَفينَ وَجاهُهُ / لِمُستَضعَفٍ لا يرعَوي لِخطابِهِ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَلو أَدركاهُ اليَومَ لاِفتَخَرا بِهِ
وَخَيرُ عَقيلٍ كُلِّها حينَ يَنتَمي / خُؤولَتُه بِالصِدقِ لا بِكذابِهِ
وَلا خالَ إِلّا دونَ مَن كانَ جَدُّهُ / سِنانٌ مَحَلُّ الضَيفِ رَحبُ جَنابِهِ
أَقولُ لِعيسى وَالرِّياشِيُّ مُعرِضٌ / وَتِلكَ الرَوابي عُوَّمٌ في سَرابِهِ
إِذا حسَنٌ بَلَّغتِنِيهِ فَأَبشري / بِمَرعىً يَفوقُ المسكَ رَيّا تُرابِهِ
نَظمتُ لَهُ مَدحي وَما جِئتُ طالِباً / نَداهُ وَلا مُستَمطِراً مِن سَحابِهِ
وَلَكِن هَزّتني لِذاكَ اِرتِياحَةٌ / وَعُجتُ لِمَحمودِ الثَنا مُستَطابِهِ
عَلى أَنَّهُ البَحرُ الَّذي لا مَذاقُهُ / أُجاجٌ وَلا يَجري القَذا مِن عُبابِهِ
لِأَنَّ عُبابي دَفقَةٌ مِن عُبابِهِ / وَهَضبَةُ عِزّي تَلعَةٌ مِن هِضابِهِ
وَآباؤُهُ الغُرُّ الكِرامُ أُبُوَّتي / وَآسادُ غابي مِن رَآبيلِ غابِهِ
وَلَيسَ يَليقُ المَدحُ إِلّا بِسَيِّدٍ / مُهينٍ لِغالي مالِهِ مِن طِلابِهِ
إِذا قالَ فيهِ مادِحٌ قالَ سامِعٌ / صَدَقتَ وَلَم يَصدُق فَتىً بِاِغتِيابِهِ
كَمِثلِ اِبنِ مَسعودٍ وَهَيهاتَ مِثلُهُ / إِلى حَيثُ يَدعو الخَلقَ داعي حِسابِهِ
فَحازَ الَّذي يَرجو جَميلَ ثَوابِهِ / وَيَخشى مَدى الدُنيا أَليمَ عِقابِهِ
فَلا زالَتِ الأَعداءُ قَتلى سُيوفِهِ / وَأَقلامِهِ في أَرضِها وَحِرابِهِ
وَعَزَّ بهِ الدّينُ الحَنيفُ وَحَلَّلَت / مَحارِمُ دارِ الشِركِ حُمرُ قِبابِهِ
وَلا بَرِحَت عَينُ الإِلَهِ تَحُوطُهُ / وَتَحفَظُهُ في مُكثِهِ وَذَهابِهِ
سُقها وَلَو ذَهَبَ السُّرى بِسَراتِها
سُقها وَلَو ذَهَبَ السُّرى بِسَراتِها / كَم ذا تَرُدُّ النَفسَ عَن عَزَماتِها
طالَ اِمتِراؤُكَ خَلفَ كُلِّ رَذِيَّةٍ / أَكدى لَدى الإِبساسِ مِن ثَفناتِها
سَفَهاً لِرَأيِكَ إِن سُرِرتَ بِرَوضَةٍ / لِمُزنَّمِ العِدّانِ غَضُّ نَباتِها
أَوَلَيسَ جَهلاً أَن تُسيمَ بِمَرتَعٍ / أَكَلَت بِهِ المِعزى لُحومَ رُعاتِها
أَعرَبتَ حينَ دَعوتَ إِلّا أَنَّهُ / لا يَبلُغُ الأَمواتَ صَوتُ دُعاتِها
فَاِنهَض وَسَلِّ الهَمَّ عَنكَ بِجَسرَةٍ / رَوحاتُها تُربى عَلى غَدَواتِها
وَاِرغَب بِنَفسِكَ أَن تُقيمَ بِبَلدَةٍ / عُصفورُها يَسطو بِشُهبِ بُزاتِها
إِن يَرضَ قَومي الهونَ فيَّ فَطالَما / عَمداً أَهَنتُ النَفسَ في مَرضاتِها
كَم قَد غَدوتُ وَرُحتُ غَيرَ مَقَصِّرٍ / في لَمِّ فُرقَتِها وَجَمعِ شتاتِها
وَلَكَم عَصَيتُ بِها العَذولَ وَلَم أُذِع / ما بانَ لِلأَعداءِ مِن عَوراتِها
حامَيتُ عَن أَعقابِها وَرَمَيتُ عَن / أَحسابِها وَسَهِرتُ في نَوباتِها
بَهراً لَها أَوَ ما دَرَت أَنّي الَّذي / يُدعى مَسَرَّتَها وَغَيظَ عِداتِها
كَم زبيَةٍ حَفَرَت لَها يَدُ كاشِحٍ / يَبغي لَها الأَسواءَ في غَفَلاتِها
ما زِلتُ أَهدِمُ جالَها حَتّى غَدَت / أَبحاثُها تَنهارُ في مَهوَاتِها
مَهلاً بَني اللُؤَماءِ ثُمَّ تَبيَّنوا / سَبّاقَها السامي إِلى غاياتِها
إِنَّ العِتاقَ مِنَ الجِيادِ هِيَ الَّتي / تَجري الأُصولُ بِها عَلى عِلّاتِها
لَيسَت كَوادِنها بِسَرجٍ مُذهَبٍ / تَجري وَلا بِحُجُولها وَشِيانها
قَومي سُراةُ رَبيعَةٍ وَمُلوكُها / وَإِذا نُسِبتُ وُجِدتُ مِن سَرَواتِها
الطاعِنينَ الخَيلَ في لَبّاتِها / وَالضارِبينَ الصِيدَ في هاماتِها
وَلَرُبَّ لاحٍ قالَ لي وَجُفونُهُ / سَكرى إِلى الآماقِ مِن عَبَرَاتِها
هَوِّن فَقَومُكَ يا عَلِيُّ حَياتُها / كَمَماتِها وَمَماتُها كَحَياتِها
لَو كانَ فيها مِن هُمامٍ ماجِدٍ / لَم تُسقَ مُرَّ الضَّيمِ مِن راحاتِها
سَلَبَتكَ ما خُوِّلتَهُ مِن نِعمَةٍ / وَرَماكَ مَن ناوَاكَ مِن مَرماتِها
مُذ وارتِ الغَبراءُ شَخصَ مُحمَّدٍ / رَحَلَ العُلا وَالمَجدُ مِن أَبياتِها
أَوَ ما تَراها كَيفَ نامَ عَدُوُّها / أَمناً وَما قد نالَ مِن خَيراتِها
وَتَرى أَقارِبَها وَأَهلَ وِدادِها / غَرَضَ البلا في صُبحِها وَبَياتِها
فَأَجَبتُ وَهوَ يَظُنُّ أَنَّ مَقالَتي / اليَومَ أَطويها عَلى بَلَلاتِها
لا تَعجلَن وَاِربَع عَلَيَّ فَإِنَّني / لَبّاسُ أَقوامٍ عَلى حالاتِها
أَهلُ التَمَلُّقِ باعَدَت ما بَينَنا / بِحُطامِها وَالزُورِ في خَلَواتِها
بِأَقَلِّ حَظٍّ غادَرَت أَرحامَنا / جَذّاءَ بادِيَةَ الضَنا لِشكاتِها
فَلأَرحَلَن عَنها رَحيلَ مُفارِقٍ / وَلَأَزجُرَنَّ النَّفسَ عَن لَفَتاتِها
لَكِنَّ لي بِالخَطِّ وَقفَةَ ساعَةٍ / بِمَحَلِّ سادَتِها وَدارِ حُماتِها
لِقَضاءِ عُذرٍ مِن مُلوكٍ لَحمُها / لَحمي وَأَخشى اللَّومَ إِن لَم آتِها
فَإِنِ اِلتَقَتني بِالعُقوقِ كَغَيرِها / فارَقتُها وَسَلِمتُ مِن لَوماتِها
وَالأَرضُ واسِعَةُ الفَضاءِ لِمَسلَكي / أَنّى اِتَّجَهتُ وَلَستُ مِن سَقطاتِها
وَرجايَ في فَضلِ النَدى اِبنِ مُحمَّدٍ / إِدراكُ ما في النَفسِ مِن حاجاتِها
السابِقِ القَومَ الكِرامَ إلى العُلى / سَبقَ المُبَرِّز في مَدى حَلباتِها
وَالواهِبِ الهَجَماتِ عَفواً وَاللُّها / في عامِها الأَحوى وَفي لَزباتِها
وَالمُكرِمِ الجاراتِ عَن شَرِّ الخَنا / إِن دَبَّتِ النّوكى إِلى جارَاتِها
وَالقائِدِ الجُردَ العِتاقَ إِلى الوَغى / يَخرُجنَ كَالعُقبانِ تَحتَ كماتِها
وَالطاعِنِ الفُرسانَ كُلَّ مَريشَةٍ / مَخلوجَةٍ وَالخَيلَ في لَبّاتِها
وَالخائِضِ الغَمَراتِ حَتّى يَنجَلي / بِحُسامِهِ ما ثارَ مِن هَبَواتِها
وَالسالِبِ المَلكَ المُعَظَّمَ تاجَهُ / وَمُذيقِهِ المَكرُوهَ مِن كاساتِها
وَالواصِلِ الرَّحِمَ الَّتي أَوصى بِها / ذُو العَرشِ في الآياتِ مِن سُوراتِها
يا اِبنَ الَّذي خَضَعت لَهُ وَتضاءلَت / شُوسُ الأُسودِ الغُلبُ في أَجماتِها
أَجرى نِزاراً كَيفَ شاءَ وَيَعرُباً / بِالكُرهِ مِن مُرّادِها وَعُتاتِها
ما حارَبَتهُ قَبيلَةٌ إِلّا غَدَت / أَحياؤُها وَفداً عَلى أَمواتِها
وَكَتيبَةٍ رَعناءَ يَخشاها الرَدى / أَبكى فَوارِسَها عَلى ساداتِها
يا سُوءَ حَظِّ بَني نِزارٍ بَعدَهُ / وَشَقاءَ حاضِرها وَشُؤمَ بُداتِها
مَن لِلمكارِمِ وَالصَوارِمِ وَالقَنا / وَالمُرمِلاتِ وَمَن لِفَكِّ عُناتِها
رَجَفَت لِمَهلَكِهِ البِلادُ وَزُلزِلَت / وَغَدا مناخُ الذُلِّ في حُجراتِها
إِن نَبكِ مَصرَعَهُ أَسىً فَلَقد بَكَت / جَزعاً عَلَيهِ الجِنُّ مِن سَتراتِها
وَيَحقُّ أَن يَبكي عَلَيهِ بِحُرقَةٍ / وَحشُ الفَلا وَالطَيرُ في ركُناتِها
كانَت بِهِ البَحرَينُ جَنَّة مَأرِبٍ / أَيّامَ بَهجَتِها وَطيب حَياتِها
حَتّى إِذا ما التُربُ وارى شَخصَهُ / أَبدَت يَدُ الأَيّامِ عَن سَوآتِها
تَبّاً لِدُنيا كُلَّما وَهَبَت ثَنَت / فَاِستَرجَعَت مِنّا نَفيسَ هِباتِها
يا فَضلُ يا مَن لا تَزالُ جِيادُهُ / وَطءُ الأُنوفِ الشُمِّ مِن عاداتِها
أَنتَ الَّذي ما زالَ سَيفُكَ في الوَغى / يُردي العِدا وَيَكُفُّ مِن جَهلاتِها
أَشبَهتَ والدَكَ الهُمامَ وَإِنَّما / عُرِفت بَنو الآسادِ مِن أَصواتِها
شَيَّدت دَولَةَ آلِ فَضلٍ بَعدَما / خَرَّت قَواعِدُها عَلى آلاتِها
عَلَتِ النُجومَ بُرُوجُها فَكَأَنّما / عَقَدت أَكاليلاً عَلى شُرُفاتِها
وَقَرَعتَ آنافَ العِدا فَتَقاصَرَت / أَطماعُها وَكَفَفتَ مِن سَطَواتِها
وَحَميتَ دارَ أَبيكَ مِنكَ بِهِمَّةٍ / الجودُ وَالإِقدامُ مِن هاماتِها
مِن بَعدِ ما جَمَعَت عَقيلٌ كَيدَها / بِالرَأيِ مِن عُقّالِها وَغُواتِها
وَدَعَت بِأَهلِ السِّيبِ فَاِبتَدأَت بِها / مِن شَطِّ دِجلتِها وَشَطِّ فُراتِها
تَتلو المُعَلّى حَيثُ سارَ وَإِنَّهُ / لَلفارِسُ الوَلّاجُ في غَمَراتِها
فَتَكَنَّفت أَهلُ القَطيفِ بِخَيلِها / وَرِماحِها وَقسِيِّها وَرُماتِها
فَصَبَرتَ صَبرَ الأَكرَمينَ وَلَم نَخِم / عَن زَحفِها يَوماً وَلا غاراتِها
تَتلو لِواءَكَ مِن رَبيعةَ عُصبَةٌ / تَخشى الأُسودُ الغُلبُ مِن صَولاتِها
بِأَكُفِّها بِيضٌ بِها ضَرَبَ العِدا / آباؤُها الماضونَ عَن أُمّاتِها
كَم جَدَّلَت بِحُدُودِها مِن مائِقٍ / مُتَمَرِّدٍ وَالخَيلُ في جَولاتِها
تَبكي قَواتِل مَن قَتَلنَ وَلَيسَ مِن / قَوَدٍ يُقادُ وَمَن لَها بِدِياتِها
نِعمَ الحُماةُ إِذا الكُماةُ تَسانَدَت / لِيَبينَ أَحماها عَلى راياتِها
تَرَكَت نِساءَ السِّيبِ تَبكي حَسرَةً / لِوُلاتها وَتُطيلُ مِن وَيلاتِها
إِيهاً عِمادَ الدينِ يَقظَةَ ماجِدٍ / فَذَوو مَكارِمِها وَذُو يَقظاتِها
أَوَ ما تَرى الرَّحِمَ المَضيمَةَ تَشتَكي / قَد ضاقَتِ الأَحشاءُ عَن زَفَراتِها
وَالماجِدُ الأَحسابِ بَرٌّ واصِلٌ / وَاللُّؤمُ في أَجلافِها وَجُفاتِها
وَأُعيذُ مَجدَكَ أَن يَقولوا باخِلٌ / وَأبوكَ مُحيي بالِياتِ رُفاتِها
فَذَرِ التَغافُلَ فَالتَغافُلُ كُلُّهُ / لُؤمٌ وَكُلُّ الجودِ في هَبّاتِها
وَاِعلَم بِأَنَّ اليَومَ آخِرُ وَقفَةٍ / وَالنَّفسُ تائِقَةٌ إِلى مَرقاتِها
وَحَوائِجُ المَوتى إِلى أَكفانِها / وَحوائِجُ الأَحيا إِلى أَقواتِها
وَالمَرءُ في الدُنيا حَديثٌ سائِرٌ / تَقضي الرِفاقُ بِهِ مَدى أَوقاتِها
فَاِختَر لِنَفسِكَ ما يُقالُ ضُحى غَدٍ / إِذ تُطلَبُ الأَخبارُ عِندَ رُواتِها
فَأَما وَأَعلامِ المُحصَّبِ مِن مِنىً / وَمواقِفِ الرُكبانِ في عَرَفاتِها
لَولا أَواصِرُنا وَبُعدُ حَمِيَّتي / لَتَعَرَّفَتني حِميَرٌ بِسَراتِها
وَأَقولُ إِنَّ الأُسدَ إِن هِيَ أُحرِجَت / خَرَجَت إِلى الأَصحارِ مِن غاباتِها
وَالغبنُ يُوطي الحُرَّ كُلَّ عَظِيمَةٍ / وَيُفتِّشُ الحُلماءِ عَن إِحناتِها
أُعيذُكَ أَن تَسمو إِلَيكَ الحَوادِثُ
أُعيذُكَ أَن تَسمو إِلَيكَ الحَوادِثُ / وَأَن تَتَغشّاكَ الخُطوبُ الكَوارِثُ
سَليلَ العُلى لا زِلتَ في ظِلِّ نِعمَةٍ / لَكَ المَجدُ ثانٍ وَالسَلامَةُ ثالِثُ
وَجُزتَ المَدى في خَفضِ عَيشٍ وَعِزَّةٍ / يَدينُ لَها سامٍ وَحامٍ وَيافِثُ
وَلا زالَتِ الأَقدارُ تَجري مُطيعَةً / لِأَمرِكَ حَتّى يَبعَثَ الخَلقَ باعِثُ
وَسالَمَتِ الأَيّامُ نادِيَكَ الَّذي / بِهِ كُلَّ مَجدٍ مُجمَعِ الأَمرِ لابِثُ
لَعَمري لَقَد أَشبَهتَ فَضلاً وَسُؤدَداً / أَباكَ عَلِيّاً حينَ تَبدو النَكائِثُ
وَأُقسِمُ ما ماتَت سَجاياهُ في العُلى / وَأَنتَ لَها يا اِبنَ المَيامينِ وارِثُ
لَكَ الكَرَمُ الغَمرُ الَّذي يُحدِثُ الغِنى / وَغَيرُكَ يلوي في النَّدى وَيُماغِثُ
عَفَفتَ وَجانَبتَ الأَذى غَيرَ عاجِزٍ / وَقَد مَلَأَت كُلَّ البِلادِ الهَثاهِثُ
فَتىً نَبَوِيُّ الطَبعِ لا تَستَخِفُّهُ ال / مَثاني إِذا ما حُرِّكَت وَالمَثالِثُ
إِذا الخَمرُ أَفنى عَيثُها مالَ باخِلٍ / فَإِنَّ نَداهُ الغَمرَ في المالِ عائِثُ
وَإِن عَبَثَت أَيدي اللَيالي بِسَيِّدٍ / فَإِنَّ يَدَيهِ بِاللَيالي عَوابِثُ
جَرى وَجَرَت أَهلُ العُلى فَأَتى المَدى / جُموحاً وَأَقعى كَلبهُم وَهو لاهِثُ
فَقُل لِمُبارِيهِ رُوَيدَكَ فَاِتّئد / مَتى صَحِبَت شُهبَ البُزاةِ الأَباغِثُ
مَتى يَجرِ خَلفَ الأَعوَجِيِّ اِبنُ كَودَنٍ / فَيا قُربَ ما تَحثو عَلَيهِ الكَثاكِثُ
فَلو أَنَّ قُسّاً في الفَصاحَةِ رامَهُ / لَأَكدى وَلاِنهارَت عَلَيهِ المَباحِثُ
يُقِرُّ لَهُ في الجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَفي الحِلمِ وَالإِقدامِ قَيسٌ وَحارِثُ
إِذا لاثَ يَوماً حَبوَةً فَكَأَنَّهُ / عَلى الطودِ مِن أَعلى أَبانينَ لائِثِ
لَهُ العَطَنُ الرَّحبُ الَّذي لَم تَزَل بِهِ / رِكابُ الأماني وَالرِياض الأَثائِثُ
يُنادي إِلَيهِ الراغِبينَ سَماحُهُ / وَأَخلاقُهُ الغُرُّ الحِسانُ الدَمائِثُ
إِذا ما دَعاهُ الرّاغِبونَ لِحاجَةٍ / فَلا الصَوتُ مَحجوبٌ وَلا الجودُ رائِثُ
هُوَ الغَيثُ لَكن طَلُّهُ وَرَذاذهُ / يَغصُّ بِهِ قُريانُهُ وَالمدالِثُ
كَريمُ الثَنا لا العِرضُ مِنهُ رَدِيَّةٌ / تُصابُ وَلا زِندُ النَدى مِنهُ غالِثُ
هُمامٌ مَتى تَقصِدهُ تَقصِد مُيَمّماً / جَواداً عَلى عِلّاتِهِ لا يُمالِثُ
جَزى اللَّهُ تاجَ الدّينِ خَيراً فَإِنَّهُ / بِهِ تُدفَعُ الجُلّى وَتُكفى الهَنابِثُ
فِدىً لأَبي زَيدٍ رِجالٌ قُلوبُهُم / عَنِ الخَيرِ غُلفٌ وَالحبالُ رَثائِثُ
لَهُم أَلسُنٌ سُمجٌ وَأَيدٍ لَئِيمَةٌ / وَأَندِيَةٌ زُعرٌ وَمالٌ جُثاجِثُ
وَإِنَّ العُروقَ الطَّيّباتِ فُروعُها / نَوامٍ وَلا تَنمو العُروقُ الخَبائِثُ
فَتىً لا يُباري جارَهُ جارُ غَيرِهِ / وَهَل يَستوي عَيمانُ قَومٍ وَآبِثُ
فَتىً لَم تَزَل أَخلاقُهُ وخِلالُهُ / عَلى حَمدِهِ في كُلِّ يَومٍ بَواعِثُ
فَقُل لِلَّذي آلى يَميناً لَقَد رَأى / لَهُ ثانياً كَفِّر فَإِنَّكَ حانِثُ
لِيَهنِكَ عِيدٌ أَنتَ أَحلى شَمائِلاً / وَأَحسَنُ مِنهُ إِن تَنَكَّرَ حادِثُ
وَعِشتُ حَميداً أَلفَ عيدٍ مُجَدَّدٍ / تَلوثُ بِعَلياكَ الرِّجالُ الملاوِثُ
فَدُونَكَها يا اِبنَ النَّبيِّ غَريبَةً / تُخَبِّرُ أَنَّ العائِبيها هَلابِثُ
جَمَعتُ بِها سِحرَ الكَلامِ الَّذي اِختَفى / قَديماً فَلَم يَنفُث بِهِ قَبلُ نافِثُ
أَرَتها المَآقي ما تُكِنُّ الجَوانِحُ
أَرَتها المَآقي ما تُكِنُّ الجَوانِحُ / فَبُح فالمُعَنّى بِالصَّبابَةِ بائِحُ
وَخُذ حَظَّكَ الأَوفى مِن اللَهوِ وَالصِّبا / وَغصنُكَ رَيّانٌ وَطَرفُكَ جامِحُ
وَبادِر إِلى اللَّذّاتِ مِن قَبلِ حِليَةٍ / تَصُدُّ لَها عَنكَ العُيونُ اللَوامِحُ
أَلَم تَرَ أَنَّ المُهرَ زَينٌ عُرامُهُ / وَيَسمُجُ مِنهُ ذاكُمُ وَهوَ قارِحُ
فَكَم تَستُرُ الشَوقَ الَّذي خامَرَ الحَشا / وَدَمعُ المَآقي لِلمُحِبِّينَ فاضِحُ
فَيا عَرَصاتِ الدارِ مِن حَيثُ تَلتَقي / شَقائِقُ أَجزاعِ اللِّوى وَالأَباطِحُ
سَقاكُنَّ مِن نَوءِ السِّماكَينِ عارِضٌ / مِنَ المُزنِ مَحلولُ النِطاقَينِ دالحٌ
مُلِثٌّ يَظَلُّ الجَأبُ في عُنفُوانِهِ / عَلى النَّشزِ وَهوَ السَّحسَحُ المُتَمايِحُ
كَمُستَرعِفٍ أَحذى وَدَنَّحَ بَعدَما / غَدا طَلقاً وَاِستَبدَهَتهُ المَطاوِحُ
وَتُمسي الرِّعانُ القُودُ فيهِ كَأَنَّها / يَعاليلُ في آذيِّ بَحرٍ طَوافِحُ
لِتَروي مَغانيكَ الَّتي لَم تَزَل بِها / عَلَينا مِن النَعماءِ غادٍ وَرائِحُ
وَقائِلَةٍ شِبهَ المَلامِ وَراعَها / بَياضُ مَشيبٍ جَلَّلتهُ المَسائِحُ
أَبَعدَ اِشتِعالِ الرَّأسِ شَيباً تَعَرُّضٌ / لِوَصلِ الحِسانِ البيضِ أَم أَنتَ مازِحُ
فَقُلتُ أَلَيسَ الصُبحُ أَحسَنَ مَنظَراً / وَأَبهى مِن الظَلماءِ وَاللَيلُ جانِحُ
فَمالَت لِهَزلِ القَولِ ثُمَّ تَضاحَكَت / وَقالَت لِهَذا فَلتَنُحكَ النَوائِحُ
إِذا كانَ شَيبُ الرَأسِ مِمّا يَزينُهُ / فَيا حُسنَ ثَغرٍ سَوَّدَتهُ القَوادِحُ
وَما شِبتُ مِن سِنٍّ مَضَت بَل أَشابَني / صُروفُ اللَيالي وَالخُطوبُ الفَوادِحُ
لِعِشرينَ لاحَ الشَّيبُ فِيَّ وَأَوجَفَت / عَلَيَّ خُيولُ المُرزِئاتِ الضَوابِحُ
وَلاقَيتُ في أَبناءِ عَمّي وَمعشري / ذآليلَ لا يَرقى إِلَيها المُجالِحُ
وَكَم صاحِبٍ وارَيتُ في الكَشحِ وُدَّهُ / تَبَيَّنَ لي مِنهُ عَدُوٌّ مُكاشِحُ
جَزى اللَّهُ إِخوانَ اللَّيالي مَلامَةً / وَحاسَبَها حُسبانَ مَن لا يُسامِحُ
وَعاقبَ دَهراً كُلَّما قُلتُ يَرعَوِي / نَزى وَرمَتني مِنهُ رُوقٌ نَواطِحُ
خَليلَيَّ ما آضَ اِعتِزامي وَلا نضا / غَرامي وَلا ضاقَت عَلَيَّ المَنادِحُ
وَلا فَلَّ صَبري ما لَقيتُ وَإِنَّني / لَأَلوي عَلى اللّأواءِ جَلدٌ مُكافِحُ
وَلَكِنَّ إِنفاقي عَلى الصَبرِ ما بَقي / مِنَ العُمرِ خُسرانٌ بِهِ الغبنُ لائِحُ
فَقوما ففي عُرضِ البَسيطَةِ مُنتَأىً / ومُتَّدَعٌ عَن مَوضِعِ الذُلِّ نازِحُ
فَللحُرِّ عَن دارِ الهَوانِ مَراغِمٌ / وَذو سَفهٍ إِن شُجَّ بِالدارِ آنِحُ
وَما كُلُّ دارٍ شِمتُها دارُ شِقوَةٍ / يباكِرُ مَن فيها الأَذى وَيُراوِحُ
وَفي تَعَبِ الأَعضاءِ لِلقلبِ راحَةٌ / وَلا تَصلُحُ الأَعضاءُ وَالقَلبُ رازِحُ
فَإِن غاضَ في أَرضي الوَفاءُ وَقُطِّعَت / أَواصِرُ ذي القُربى وَعزَّ المُناصِحُ
فَفي شاطِئِ الزَوراءِ نُصحٌ يَمُدُّهُ / وَفاءٌ تَهاداهُ العُقودُ الصَحائِحُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٌ وَيافِثٌ / يَقومُ بِهِ نُورٌ مِنَ الحَقِّ واضِحُ
إِمامُ هُدىً بَطحاءُ مَكَّةَ مَولِدٌ / لآبائِهِ الشُمِّ الذُرى لا البَطائِحُ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُؤَيِّ بن غالِبٍ / مَحلّاً بِهِ لا يَعلَقُ الطَرف لامِحُ
مِنَ النَفَرِ الغُرِّ الأُلى عُرِفَت لَهُم / خِفافُ المَذاكي وَالحُلومُ الرَواجِحُ
هُمُ الناسُ لا مُستَنبِطُ الخَيرِ خاسِرٌ / لَدَيهِم وَلا مُستَنبِطُ الشَرِّ رابِحُ
بِتَقديمهِم جاءَ الكِتابُ وَلَم يَكُن / يِجيءُ بِما لا تَقتَضيهِ المَصالِحُ
وَحَسبُكَ عِلمُ اللَّهِ فيهم فَإِنَّهُ / دَليلٌ على ما يَدَّعي الخَصمُ واضِحُ
أَبوهم بِهِ اِستَسقَت قُرَيشٌ فَجادَها / حَياً فَهَفَت بِالسَيلِ مِنهُ الأباطِحُ
وَيَومَ حُنَينٍ أَسلَمَتهُ وَأَمعَنَت / فِراراً عَنِ المُختارِ وَالمَوتُ كالِحُ
فَطاعَنَ بِالخَطّيِّ إِذ لا مُطاعِنٌ / وَكافحَ بِالهِندِيِّ إِذ لا مُكافِحُ
وَمَن يَكُنِ العَبّاسُ أَصلاً لِفَرعِهِ / فَما فَرعُهُ غشٌّ وَلا الظِلُّ ماصِحُ
لَنا فيهِ شِركٌ يا رَبيعَةُ وافِرٌ / بِضَحيانِنا نَسمُو بِهِ وَنُناضِحُ
وَما عامِرُ الضَحيانُ حينَ تَعُدُّهُ / رَبيعَةُ إِلّا كَبشُها إِذ تُناطِحُ
يَقولونَ لي هَلّا اِمتَدَحتَ مَعاشِراً / لَهُم أَوجُهٌ غُرٌّ وَأَيدٍ مَوائِحُ
فَقُلتُ وَقَد فاضَت مِنَ العَينِ عَبرَتي / ذَروني فَلي طَرفٌ عَنِ الناسِ طامِحُ
فَلولا أَميرُ المُؤمِنينَ وَذِكرُهُ / لَما قَطَعَت بي البِيدَ هُوجٌ مَشانِحُ
وَلا خُضتُ أَمواجَ البِحارِ كَأَنَّها / جِبالٌ تَرامى بِي جَنوبٌ وَبارِحُ
هُوَ البَحرُ وَالنّاسُ الَّذينَ تَرونَهُم / سَواقٍ طَمَت مِن فَيضِهِ وَهوَ طافِحُ
يَجودُ ذوو الإِفضالِ مِن فَيضِ جُودِهِ / فَيَعلو لَهُم شَأنٌ وَيَكثُرُ مادِحُ
أَأَترُكُ مَدَّ النِّيلِ فاضَ وَأَبتَغي / فَراشاً تُعَفّي ماءَهُنَّ البَوارِحُ
وَإِنَّ اِمرءاً شَطُّ الفُراتِ تِجاهَهُ / وَيَطلُبُ أَمواهَ الرَكايا لَقامِحُ
وَإِنّيَ إِن أَسدَيتُ مَدحاً لِغَيرِهِ / جَديرٌ بِأَن تَنسَدَّ عَنّي المَناجِحُ
هُوَ الناصِرُ بنُ المُستَضيء وَقِدحُهُ ال / مُعَلّى وَما في عُودِهِ الصُلبِ قادِحُ
سَمِيُّ النَبيِّ المُصطَفى وَاِبنُ عَمِّهِ / وَأَكرَمُ مَن ضَمَّت مِنىً وَالأَباطِحُ
مُحَيّاهُ صُبحٌ لِلهُدى وَبَنانُهُ / بِحارٌ غِزارٌ للِنّدى لا ضَخاضخُ
إِذا الشَتوَةُ الشَهباءُ هَبَّت رياحُها / بِلَيلٍ وَلَذَّت بِالأَكُفِّ الوَحاوِحُ
وَأَلقَت عَقامٌ بَركَها وَتَتابَعَت / حُسوماً عَلى المالِ السِّنونُ الجَوائِحُ
وَأَضحى بِها المَجدوحُ قوتاً وَأَصبَحَت / سَواءً عَلى الضَيفِ القِرى والقَوارِحُ
وَلَم يَبقَ يَلقَ الطارِقينَ بِوَجهِهِ / مِنَ الضُرِّ إِلّا مُقدَحرٌّ مُكاوِحُ
فَثَمَّ لِمُمتاحي النَّدى بِفنائِهِ / مَراحٌ إِلى آمالِهِم وَمَسارِحُ
صَفوحٌ عَن الجاني فَإِن لَجَّ لَم يَكُن / بِأَسرَعَ مِمّا تَعتَليهِ الصَفائِحُ
إِمامَتهُ الحَقُّ اليَقينُ وَغَيرُها / إِذا ما اِستُبينَت تُرَّهاتٌ صَحاصِحُ
خَليفَةُ صِدقٍ مِن سُلالَةِ مَعشَرٍ / نَجا بِهِمُ نوحٌ وَهودٌ وَصالِحُ
تُرى زُمَرُ الأَملاكِ وَسطَ بُيوتِهِم / تُحيّيهمُ حيناً وَحيناً تُصافِحُ
وَمَهبِطُ وَحيِ اللَهِ فيهم وَرُسلُهُ / غَوادٍ عَلَيهم ما بَقوا وَرَوائِحُ
إِلَيكَ رَمت بي عَزمَةٌ لَم أَجد لَها / سِواكَ وَهَمٌّ لَم تَسَعهُ الجَوانِحُ
وَمَن كُنتَ يا اِبنَ المُستَضِيءِ مآلَهُ / رَجاهُ وَحاشاهُ مُحِبٌّ وَكاشِحُ
فَعِش وَاِبقَ لِلإِسلامِ ما ذَرَّ شارِقٌ / وَما سَجَعَت بِالبانِ وُرقٌ صَوادِحُ
غَداً نَغتَدي لِلبَينِ أَو نَتَروَّحُ
غَداً نَغتَدي لِلبَينِ أَو نَتَروَّحُ / وَعِندَ النَوى يَبدُو الغَرامُ المُبرِّحُ
غَداً تُقفِرُ الأَطلالُ مِمَّن نَوَدُّهُ / وَيُمسي غُرابُ البَينِ فيها وَيُصبِحُ
غَداً تَذهَبُ الأَظعانُ يُمنى وَيَسرَةً / وَيَحدو تَواليها نَجاحٌ وَمُنجِحُ
فَيا باكياً قَبلَ النَوى خَشيَةَ النَوى / رُوَيداً بِعَينٍ جَفنُها سَوفَ يَقرَحُ
وَلا تَعجَلَن وَاِستَبقِ دَمعَكَ إِنَّني / رَأَيتُ السَّحابَ الجَونَ بِالقَطرِ يَنزَحُ
إِذا كُنتَ تَبكي وَالأَحِبَّةِ لَم يَرِد / ببَينهمُ إِلّا حَديثٌ مُطوَّحُ
فَكَيفَ إِذا ما أَصبَحَت عَينُ مالِكٍ / وَحَبلُ الغَضا مِن دونِهم وَالمَسيَّحُ
فَكُفَّ شُؤونَ الدَمعِ حَتّى تَحُثُّها / غَداً ثُمَّ تَهمي كَيفَ شاءَت وَتَسفَحُ
خَليليَّ هُبّا مِن كَرى النَّومِ وَاِنظُرا / مَخائِلَ هَذا البَرقِ مِن حَيثُ يَلمَحُ
لَقَد كِدتُ مِمّا كادَ أَن يَستَفِزَّني / أَبوحُ بِسِرّي في الهَوى وَأُصرِّحُ
ذَكَرتُ بِهِ ثَغرَ الحَبيبِ وَحُسنَهُ / إِذا ما تَجَلّى ضاحِكاً وَهوَ يَمرَحُ
وَيا حَبّذا ذاكَ الجَبينُ الَّذي غَدا / يَلوحُ عَلَيهِ الزَعفَرانُ المُذَرَّحُ
فَكَم لَيلَةٍ قَد كادَ يَخطِفُ ناظِري / وَنَحنُ بِميدانِ الدُعابَةِ نَمرَحُ
إِلى مَ اِنتِظاري أَنجُمَ النَحسِ وَالسَعدِ
إِلى مَ اِنتِظاري أَنجُمَ النَحسِ وَالسَعدِ / وَحَتّامَ صَمتي لا أُعيدُ وَلا أُبدي
لَقَد مَلَّ جَنبي مَضجَعي مِن إِقامَتي / وَمَلَّ حُسامي مِن مُجاوَرَةِ الغِمدِ
وَلَجَّ نَجيبي في الحَنينِ تَشَوُّقاً / إِلى الرَحلِ وَالأَنساعِ وَالبِيدِ وَالوَخدِ
وَأَقبلَ بِالتِصهالِ مُهري يَقولُ لِي / أَأَبقى كَذا لا في طِرادٍ وَلا طَردِ
لَقد طالَ إِغضائي جُفوني عَلى القَذى / وَطالَ اِمتِرائي الدُرَّ مِن بُحُرٍ جُدِّ
عذولَيَّ جُوزا بي فَلَيسَ عَلَيكُما / غَوايَ الَّذي أَغوى وَلا لَكُما رُشدي
أَجِدَّكُما لا أَبرَحُ الدَهرَ تابِعاً / وَعِندي مِن العَزمِ الهُمامِيِّ ما عِندي
أَمِثليَ مَن يُعطي مَقاليدَ أَمرِهِ / وَيَرضى بِأَن يُجدى عَلَيهِ وَلا يُجدي
إِذا لَم تَلِدني حاصِنٌ وائِليَّةٌ / مُقابَلَةُ الآباءِ مُنجِبَةُ الوُلدِ
خُؤولَتُها لِلحَوفَزانِ وَتَنتَمي / إِلى المَلِكِ الوَهّابِ مَسلَمَةَ الجَعدِ
يَظُنُّ نُحولي ذو السَّفاهَةِ وَالغَبا / غَراماً بِهِندٍ وَاِشتِياقاً إِلى دَعدِ
وَلَم يَدرِ أَنّي ماجِدٌ شَفَّ جِسمهُ / لِقاءُ هُمومٍ خَيلُها أَبَداً تُردي
قَليلُ الكَرى ماضٍ عَلى الهَولِ مُقدِمٌ / عَلى اللَّيلِ وَالبَيداءِ وَالحَرِّ وَالبَردِ
عَدِمتُ فُؤاداً لا يَبيتُ وَهمُّهُ / كِرامُ المَساعي وَاِرتِقاءٌ إِلى المَجدِ
لعَمري ما دَعدٌ بِهَمّي وَإِن دَنَت / وَلا لِي بِهِندٍ مِن غَرامٍ وَلا وَجدِ
وَلَكِنَّ وَجدي بِالعُلا وَصَبابتي / لعارِفَةٍ أسدي وَمَكرُمَةٍ أجدي
إِلى كَم تَقاضاني العُلا ما وَعَدتُها / وَغَيرُ رِضاً إِنجازُكَ الوَعدَ بِالوَعدِ
وَكَم أَندُبُ المَوتى وَأَستَرشِحُ الصَّفا / وَأَستَنهِضُ الزَمنى وَأَعتانُ بِالرُمدِ
وَأَمنَحُ سَعيي وَالمَوَدَّةَ مَعشَراً / أَحَقُّ بِمَقتٍ مِن سُواعٍ وَمن ودِّ
إِلى اللَّهِ أَشكو عَثرَةً لَو تُدُورِكَت / بِتَمزيقِ جِلدي ما أَسِفتُ عَلى جِلدي
مَديحي رِجالاً بَعضهُم أَتَّقي بِهِ / أَذاهُ وَبَعضاً لِلمُراعاةِ وَالوُدِّ
فَلا الوُدُّ كافي ذا وَلا ذا كَفى الأَذى / وَلا نَظَروا في بابِ ذَمٍّ وَلا حَمدِ
فَكَيفَ بِهِم لَو جِئتُهُم مُتَشَكّياً / خَصاصَةَ أَيّامي وَسمتُهُمُ رِفدي
فَكُنتُ وَإِهدائي المَديحَ إِلَيهِمُ / كَغابِطِ أَذنابِ المُهَلَّبَةِ العُقدِ
وَقائِلَةٍ هَوِّن عَلَيكَ فَإِنَّها / متاعٌ قَليلٌ وَالسَلامَةُ في الزُهدِ
فَإِن عَلَتِ الرُوسَ الذُنابى لِسَكرَةٍ / مِنَ الدَهرِ فَاِصبِر فَهوَ سُكرٌ إِلى حَدِّ
فَقَد تَملِكُ الأُنثى وَقَد يلثمُ الحَصى / وَيُتَّبَعُ الأَغوى وَيُسجَد لِلقِردِ
وَيَعلو عَلى البَحرِ الغُثاءُ وَيَلتَقي / عَلى الدُرِّ أَمواجٌ تَزيدُ عَلى العَدِّ
وَكَم سَيِّدٍ أَمسى يُكَفِّرُ طاعَةً / لِأَسوَدَ لا يُرجى لِشُكمٍ وَلا شُكدِ
وَلا بُدَّ هَذا الدَهر مِن صَحوِ ساعَةٍ / يَبينُ لَنا فيها الضَلالُ مِن القَصدِ
فَقُلتُ لَها عَنّي إِلَيكِ فَقَلَّما / يَعيشُ الفَتى حَتّى يُوَسَّدَ في اللَحدِ
أَبى اللَّهُ لي وَالسُؤدَدانِ بِأَن أُرى / بِأَرضٍ بِها تَعدو الكِلابُ عَلى الأُسدِ
أَلَم تَعلَمي أَنَّ العُتوَّ نَباهَةٌ / وَأَنَّ الرِّضا بِالذُلِّ مِن شِيمَةِ الوَغدِ
وَأَنَّ مُداراةَ العَدُوِّ مَهانَةٌ / إِذا لَم يَكُن مِن سَكرَةِ المَوتِ مِن بُدِّ
أَأَرضى بِما يُرضي الدَّنِيَّ وَصارِمي / حُسامٌ وَعَزمي عَزمُ ذِي لِبدَةٍ وَردِ
سَأَمضي عَلى الأَيّامِ عَزمَ اِبنَ حُرَّةٍ / يُفَدّى بِآباءِ الرِّجالِ وَلا يُفدي
فَإِن أُدرِكِ الأَمرَ الَّذي أَنا طالِبٌ / فَيا جَدَّ مُستَجدٍ وَيا سَعدَ مُستَعدِ
وَإِن أُختَرم مِن دونِ ما أَنا آمِلٌ / فَيا خَيبَةَ الراجي وَيا ضَيعَةَ الوَفدِ
وَإِنّيَ مِن قَومٍ يَبينُ بِطِفلِهم / لِذي الحَدسِ عُنوانُ السِّيادَةِ في المَهدِ
فَإِن لَم يَكُن لي ناصِرٌ مِن بَني أَبي / فَحَزمي وَعَزمي يُغنِياني عَنِ الحَشدِ
وَإِن يُدرِكِ العَليا هُمامٌ بِقَومِهِ / فَنَفسي تُناجيني بِإِدراكِها وَحدي
وَإِنّي لَبَدرٌ ريعَ بِالنَقصِ فَاِستَوى / كَمالاً وَبَحرٌ يُعقِبُ الجَزرَ بِالمَدِّ
إِذا رَجَّفَت دارَ العَدُوِّ مَخافَتي / فَلا تَسأَلاني عَن سَعيدٍ وَلا سَعدِ
فَآهٍ لِقَومي يَومَ أُصبِحُ ثاوِياً / عَلى ماجِدٍ يُحيي مَكارِمَهُم بَعدي
وَإِنّيَ في قَومي كَعَمرِو بنِ عامِرٍ / لَياليَ يُعصى في قَبائِلِهِ الأَزدِ
أَراهُم أَماراتِ الخَرابِ وَما بَدا / مِنَ الجُرَذِ العَيّاثِ في صَخرِها الصَّلدِ
فَلَم يَرعووا مَع ما لَقوا فَتَمَزَّقوا / أَيادي سَبا في الغَورِ مِنها وَفي النَجدِ
وَكَم جُرَذٍ في أَرضِنا تَقلَعُ الصَّفا / وَتقذفُ بِالشُمِّ الرِعانِ عَلى الصَمدِ
خَليليَّ ما دارُ المَذَلَّةِ فَاِعلَما / بِداري وَلا مِن ماءِ أَعدادِها وِردي
وَلا لِيَ في أَن أَصحَبَ النَذلَ حاجَةٌ / لِصِحَّةِ عِلمي أَنَّهُ جَرِبٌ يُعدي
أَيَذهَبُ عُمري ضَلَّةً في مَعاشِرٍ / مَشائِيمَ لا تُهدى لِخَيرٍ وَلا تَهدي
سُهادُهُمُ فيما يَسوءُ صَديقَهُم / وَأَنوَمُ عَن غَمِّ العَدُوِّ مِنَ الفَهدِ
إِذا وَعَدوا الأَعداءَ خَيراً وَفَوا بِهِ / وَفاءَ طَعامِ الهِندِ بِالنّذرِ لِلّبدِ
وَشَرُّهُمُ حَقُّ الصَديقِ فَإِن هَذَوا / بِخَيرٍ لَهُ فَليَنتَظِر فَتحَةَ السَدِّ
سَتَعلَمُ هِندٌ أَنَّني خَيرُ قَومِها / وَأَنّي الفَتى المَرجُوُّ لِلحَلِّ وَالعَقدِ
وَأَنّي إِذا ما جَلَّ خَطبٌ وَرَدتُهُ / بِعَزمَةِ ذي جِدٍّ وَإِقدامِ ذي جَدِّ
وَأَنَّ أَيادي القَومِ أَبسَطُها يَدي / وَإِنَّ زِنادَ الحَيِّ أَثقَبُها زَندي
وَأَنّي مَتى يُدعى إِلى البَأسِ وَالنَدى / فَأَحضَرُها نَصري وَأَجزَلُها وردي
وَأَنَّ كِرامَ القَومِ لا نُهُزَ العِدى / لَيُوجِعُها عَتبي وَيُؤلِمُها فَقدي