القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ خَفاجة الأَندَلُسي الكل
المجموع : 261
خُذها إِلَيكَ وَإِنَّها لَنَضيرَةٌ
خُذها إِلَيكَ وَإِنَّها لَنَضيرَةٌ / طَرَأَت عَلَيكَ قَليلَةَ النُظَراءِ
حَمَلَت وَحَسبُكَ بَهجَةٌ مِن نَفحَةٍ / عَبَقَ العَروسِ وَخَجلَةَ العَذراءِ
مِن كُلِّ وارِسَةِ القَميصِ كَأَنَّما / نَشَأَت تُعَلُّ بِريقَةِ الصَفراءِ
نَجَمَت تَروقُ بِها نُجومٌ حَسبُها / بِالأَيكَةِ الخَضراءِ مِن خَضراءِ
وَأَتَتكَ تُسفِرُ عَن وُجوهٍ طَلقَةٍ / وَتَنوبُ مِن لُطفٍ عَن السُفَراءِ
يَندى بِها وَجهُ النَدِيِّ وَرُبَّما / بَسَطَت هُناكَ أَسِرَّةَ السَرّاءِ
فَاِستَضحَكَت وَجهَ الدُجى مَقطوعَةٌ / جَمُلَت جَمالَ الغُرَّةِ الغَرّاءِ
وَمُرَقرَقِ الإِفرِندِ أَبرَقَ بَهجَةً
وَمُرَقرَقِ الإِفرِندِ أَبرَقَ بَهجَةً / وَدَجا فَأَطلَعَ في الظَلامِ ضِياءَ
كَسَفَت بِهِ لِلشَمسِ حَسَناً آيَةٌ / تَستَوقِفُ الرائي لَها حِرباءَ
وَتَخَتَّمَت مِن فَصِّهِ بِغَمامَةٍ / كَفٌّ تَكونُ عَلى السَماحِ سَماءَ
قَد صيغَ صيغَةَ حِكمَةٍ أَصبى لَها / نَفسَ الحَكيمِ وَضاجَعَ العَذراءَ
ما إِن تَرِفُّ لَها بَنَفسَجَةٌ بِهِ / حَتّى تَرِقَّ لَها فَتَجري ماءَ
وَكَأَنَّما نَظَرَت بِهِ يَومَ النَوى / عَن مُقلَةٍ بَهِتَت لَها كَحلاءَ
وَرِداءِ لَيلٍ باتَ فيهِ مُعانِقي
وَرِداءِ لَيلٍ باتَ فيهِ مُعانِقي / طَيفٌ أَلَمَّ لِظَبيَةِ الوَعساءِ
فَجَمَعتُ بَينَ رُضابِهِ وَشَرابِهِ / وَشَرِبتُ مِن ريقٍ وَمِن صَهباءِ
وَلَثَمتُ في ظَلماءِ لَيلَةِ وَفرَةٍ / شَفَقاً هُناكَ لِوَجنَةٍ حَمراءِ
وَاللَيلُ مُشمَطُّ الذَوائِبِ كَبرَةً / خَرِفٌ يَدُبُّ عَلى عَصا الجَوزاءِ
ثُمَّ انثَنى وَالسُكرُ يَسحَبُ فَرعَهُ / وَيَجُرُّ مِن طَرَبٍ فُضولَ رِداءِ
تَندى بِفيهِ أُقحُوانَةُ أَجرَعٍ / قَد غازَلَتها الشَمسُ غِبَّ سَماءِ
وَتَميسُ في أَثوابِهِ رَيحانَةٌ / كَرَعَت عَلى ظَمَإٍ بِجَدوَلِ ماءِ
نَفّاحَةُ الأَنفاسِ إِلّا أَنَّها / حَذَرَ النَوى خَفّاقَةُ الأَفياءِ
فَلَوَيتُ مَعطِفَها اِعتِناقاً حَسبُها / فيهِ بِقَطرِ الدَمعِ مِن أَنواءِ
وَالفَجرُ يَنظُرُ مِن وَراءِ غَمامَةٍ / عَن مُقلَةٍ كُحِلَت بِها زَرقاءِ
فَرَغِبتُ عَن نورِ الصَباحِ لِنَورَةٍ / أُغرى لَها بِبَنفسَجِ الظَلماءِ
وَمَجَرِّ ذَيلِ غَمامَةٍ قَد نَمَّقَت
وَمَجَرِّ ذَيلِ غَمامَةٍ قَد نَمَّقَت / وَشِيَ الرَبيعِ بِهِ يَدُ الأَنواءِ
أَلقَيتُ أَرحَلُنا هُناكَ بِقُبَّةٍ / مَضروبَةٍ مِن سَرحَةٍ غَنّاءِ
وَقَسَمتُ طَرفَ العَينِ بَينَ رَباوَةٍ / مُخضَرَّةٍ وَقَرارَةٍ زَرقاءِ
وَشَريتُها عَذراءَ تَحسِبُ أَنَّها / مَعصورَةٌ مِن وَجنَتَي عَذراءِ
حَمراءُ صافِيَةٌ تَطيبُ بِنَفسِها / وَغِنائِها وَخَلائِقِ النُدَماءِ
خُذها كَما طَلَعَت عَلَيكَ عَرارَةٌ / مُفتَرَّةٌ عَن لُؤلُؤِ الأَنداءِ
لِلَّهِ نَهرٌ سالَ في بَطحاءِ
لِلَّهِ نَهرٌ سالَ في بَطحاءِ / أَشهى وُروداً مِن لِمى الحَسناءِ
مُتَعَطِّفٌ مِثلَ السِوارِ كَأَنَّهُ / وَالزَهرُ يَكنُفُهُ مَجَرُّ سَماءِ
قَد رَقَّ حَتّى ظُنَّ قُرصاً مُفرَغاً / مِن فَضَّةٍ في بُردَةٍ خَضراءِ
وَغَدَت تَحُفُّ بِهِ الغُصونُ كَأَنَّها / هُدبٌ يَحُفُّ بِمُقلَةٍ زَرقاءِ
وَلَطالَما عاطَيتُ فيهِ مُدامَةً / صَفراءَ تَخضِبُ أَيدِيَ النُدَماءِ
وَالريحُ تَعبَثُ بِالغُصونِ وَقَد جَرى / ذَهَبُ الأَصيلِ عَلى لُجَينِ الماءِ
وَأَسوَدٍ عَنَّ لَنا سابِحٍ
وَأَسوَدٍ عَنَّ لَنا سابِحٍ / في لُجَّةٍ تَطفَحُ بَيضاءِ
وَإِنَّما جالَ بِها ناظِرٌ / في مُقلَةٍ تَنظُرُ زَرقاءِ
أَلا ياحَبَّذا ضَحِكُ الحُمَيّا
أَلا ياحَبَّذا ضَحِكُ الحُمَيّا / بِحانَتِها وَقَد عَبَسَ المَساءُ
وَأَدهَمَ مِن جِيادِ الماءِ مُهرٍ / تَنازَعُ جُلَّهُ ريحٌ رَخاءُ
إِذا بَدَتِ الكَواكِبُ فيهِ غَرقى / رَأَيتَ الأَرضَ تَحسُدُها السَماءُ
أَلا قُل لِلمَريضِ القَلبِ مَهلاً
أَلا قُل لِلمَريضِ القَلبِ مَهلاً / فَإِنَّ السَيفَ قَد ضَمِنَ الشِفاءَ
وَلَم أَرَ كَالنِفاقِ شَكاةَ غِرٍّ / وَلا كَدَمِ الوَريدِ لَهُ دَواءَ
وَقَد دَمّى النَجيعُ هُناكَ أَرضاً / وَقَد شَمَلَ العَجاجُ بِهِ سَماءَ
وَديسَ بِهِ اِنحِطاطاً بَطنُ وادٍ / مُذ أَعشَبَ شَعرُ لِحيَتِهِ ضَراءَ
يانَشرَ عَرفِ الرَوضَةِ الغَنّاءِ
يانَشرَ عَرفِ الرَوضَةِ الغَنّاءِ / وَنَسيمَ ظِلِّ السَرحَةِ العَيناءِ
هَذا يَهُبُّ مَعَ الأَصيلِ عَنِ الرُبى / أَرَجاً وَذَلِكَ عَن غَديرِ الماءِ
عوجاً عَلى قاضي القُضاةِ غُدَيَّةً / في وَشيِ زَهرٍ أَو حِلى أَنداءِ
وَتَحَمَّلا عَنّي إِلَيهِ أَمانَةً / مِن عِلقِ صِدقٍ أَو رِداءِ ثَناءِ
فَإِذا رَمى بِكُما الصَباحُ دِيارَهُ / فَتَرَدَّدا في ساحَةِ العَلياءِ
في حَيثُ جَرَّ المَجدُ فَضلَ إِزارِهِ / وَمَشى الهُوَينا مِشيَةَ الخُيَلاءِ
وَسَرى فَجَلّى لَيلَ كُلِّ مُلِمَّةٍ / قَمَرُ العَلاءِ وَأَنجُمُ الآراءِ
مِن مَنزِلٍ قَد شَبَّ مِن نارِ القِرى / ما شابَ عَنهُ مَفرِقُ الظَلماءِ
لَو شِئتُ طُلتُ بِهِ الثُرَيّا قاعِداً / وَنَشَرتُ عِقدَ كَواكِبَ الجَوزاءِ
وَلَثَمتُ ظَهرَ يَدٍ تَنَدّى حُرَّةً / فَكَأَنَّني قَبَّلتُ وَجهَ سَماءِ
وَمَلَأتُ بَينَ جَبينِهِ وَيَمينِهِ / جَفنَيَّ بِالأَنوارِ وَالأَنواءِ
مُتَهادِياً مابَينَ أَبطَحِ شيمَةٍ / دَمُثَت وَهَضبَةِ عِزَّةٍ قَعساءِ
كَلَفاً هُناكَ بِغُرَّةٍ مَيمونَةٍ / خُلِقَت أَسِرَّتُها مِنَ السَرّاءِ
لَو كُنتَ تُبصِرُني أَدورُ إِزاءَها / لَنَظَرتَ مِن شَمسٍ وَمِن حَرباءِ
أَرسى بِهِ في اللَهِ طَودُ سَكينَةٍ / وَعَدالَةٍ وَاِمتَدَّ حَبلُ رَجاءِ
خَلَعَ القَضاءُ عَلَيهِ خِلعَةَ سُؤدُدٍ / غَنِيَت بِشُهرَتِها عَنِ الأَسماءِ
عَبِقَ الثَناءُ نَدى الحَيا فَكَأَنَّهُ / رَيحانَةٌ مَطلولَةُ الأَفياءِ
أَبَداً لَهُ في اللَهِ وَجهُ بَشاشَةٍ / وَوَراءَ سِترِ الغَيبِ عَينُ ذَكاءِ
قَد راقَ بَينَ فَصاحَةٍ وَصَباحَةٍ / سَمعُ المُصيخِ لَهُ وَعَينُ الرائي
وَكَأَنَّهُ مِن عَزمَةٍ في رَحمَةٍ / مُتَرَكِّبٌ مِن جُذوَةٍ في ماءِ
بَينَ الطَلاقَةِ وَالمَضاءِ كَأَنَّهُ / وَقّادُ نَصلِ الصَعدَةِ السَمراءِ
لَو شاءَ نَسَخَ اللَيلِ صُبحاً لَاِنتَحى / فَمَحا سَوادَ اللَيلَةِ اللَيلاءِ
تُثني بِهِ ريحُ المَكارِمِ خوطَةً / في حَيثُ تَسجَعُ أَلسُنُ الشُعَراءِ
وَكَأَنَّهُ وَكَأَنَّ رَجعَ نَشيدِهِ / فَصلُ الرَبيعِ وَرِنَّةُ المُكّاءِ
نَبِّه وَليدَكَ مِن صِباهُ بِزَجرَةٍ
نَبِّه وَليدَكَ مِن صِباهُ بِزَجرَةٍ / فَلَرُبَّما أَغفى هُناكَ ذَكاؤُهُ
وَاِنهَرهُ حَتّى تَستَهِلَّ دُموعُهُ / في وَجنَتَيهِ وَتَلتَظي أَحشاؤُهُ
فَالسَيفِ لا تَذكو بِكَفِّكَ نارُهُ / حَتّى يَسيلَ بِصَفحَتَيهِ ماؤُهُ
في كُلِّ نادٍ مِنكَ رَوضُ ثَناءِ
في كُلِّ نادٍ مِنكَ رَوضُ ثَناءِ / وَبِكُلِّ خَدٍّ فيكَ جَدوَلِ ماءِ
وَلِكُلِّ شَخصٍ هِزَّةُ الغُصنِ النَدي / غِبَّ البُكاءِ وَرِنَّةُ المُكاءِ
يامَطلَعَ الأَنوارِ إِنَّ بِمُقلَتي / أَسَفاً عَلَيكَ كَمَنشَإِ الأَنواءِ
وَكَفى أَسىً أَن لاسَفيرٌ بَينَنا / يَمشي وَأَن لامَوعِدٌ لِلِقاءِ
فيمَ التَجَمُّلُ في زَمانٍ بَزَّني / ثَوبَ الشَبابِ وَحيلَةَ النُبَلاءِ
فَعَريتُ إِلّا مِن قِناعِ كَآبَةٍ / وَعَطِلتُ إِلّا مِن حُلِيِّ بُكاءِ
فَإِذا مَرَرتُ بِمَعهَدٍ لِشَبيبَةٍ / أَو رَسمِ دارٍ لِلصَديقِ خَلاءِ
جالَت بِطَرفي لِلصَبابَةِ عَبرَةٌ / كَالغَيمِ رَقَّ فَحالَ دونَ سَماءِ
وَرَفَعتُ كَفّي بَينَ طَرفٍ خاشِعٍ / تَندى مَآقيهِ وَبَينَ دُعاءِ
وَبَسَطتُ في الغَبراءِ خَدّي ذِلَّةً / أَستَنزِلُ الرُحمى مِنَ الخَضراءِ
مُتَمَلمِلاً أَلَماً بِمَصرَعِ سَيِّدٍ / قَد كانَ سابِقَ حَلبَةِ النُجَباءِ
لا وَالَّذي أَعلَقتُ مِن تَقديسِهِ / كَفّي بِحَبلَي عِصمَةٍ وَرَجاءِ
وَخَرَرتُ بَينَ يَدَيهِ أَعلَمُ أَنَّهُ / ذُخري لِيَومِيَ شِدَّةٍ وَرَخاءِ
لا هَزَّني أَمَلٌ وَقَد حَلَّ الرَدى / بِأَبي مُحَمَّدٍ المَحَلَّ النائي
في حَيثُ يُطفَأُ نورُ ذاكَ المُجتَلى / وَفِرِندُ تِلكَ الغُرَّةِ الغَرّاءِ
وَكَفى اِكتِئاباً أَن تَعيثَ يَدُ البِلى / في مَحوِ تِلكَ الصورَةِ الحَسناءِ
فَلَطالَما كُنّا نُريحُ بِظِلِّهِ / فَنُريحُ مِنهُ بِسَرحَةٍ غَنّاءِ
فَتَقَت عَلى حُكمِ البَشاشَةِ نورَها / وَتَنَفَّسَت في أَوجُهِ الجُلَساءِ
تَتَفَرَّجُ الغَمّاءُ عَنهُ كَأَنَّهُ / قَمَرٌ يُمَزِّقُ شَملَةَ الظَلماءِ
قاسَمتُ فيهِ الرُزءَ أَكرَمَ صاحِبٍ / فَمَضى يَنوءُ بِأَثقَلِ الأَعباءِ
يَهفو كَما هَفَتِ الأَراكَةُ لَوعَةً / وَيُرِنُّ طَوراً رِنَّةَ الوَرقاءِ
عَجَباً لَها وَقَدَت بِصَدرٍ جَمرَةً / وَتَفَجَّرَت في وَجنَةٍ عَن ماءِ
وَلَئِن تَراءى الفَرقَدانِ بِنا مَعاً / وَكَفاكَ شُهرَةَ سُؤدُدٍ وَعَلاءِ
فَلَطالَما كُنّا نَروقُ المُجتَلي / حُسناً وَنَملَأُ ناظِرَ العَلياءِ
يُزهى بِنا صَدرُ النَدِيِّ كَأَنَّنا / نَسَقاً هُناكَ قِلادَةُ الجَوزاءِ
في مِثلِهِ مِن طارِقِ الأَرزاءِ
في مِثلِهِ مِن طارِقِ الأَرزاءِ / جادَ الجَمادُ بِعَبرَةٍ حَمراءِ
مِن كُلِّ قانِيَةٍ تَسيلُ كَأَنَّها / شُهُبٌ تَصَوَّبُ مِن فُروجِ سَماءِ
تَحمى فَتَغرَقُ مُقلَةٌ في حاجِمٍ / مِنها وَتُحرَقُ وَجنَةٌ في ماءِ
مَحَتِ الكَرى بَينَ الجُفونِ وَرُبَّما / غَسَلَت سَوادَ المُقلَةِ الكَحلاءِ
لا تُورِثُ الأَحشاءَ إِلّا غُلَّةً / وَالماءُ يَنقَعُ غُلَّةَ الأَحشاءِ
أَهوِلِ بِهِ مِن يَومِ رُزءٍ فادِحٍ / سَحَبَ الصَباحُ بِهِ ذُيولَ مَساءِ
مُتَلاطِمُ الأَحشاءِ تَحسِبُ أَنَّهُ / بَحرٌ طَمى مُتَلاطِمَ الأَرجاءِ
جَمَعَ الحِدادَ إِلى العَويلِ فَما تَرى / في القَومِ غَيرَ حَمامَةٍ وَرقاءِ
مِن ماسِحٍ عَن وَجنَةٍ مَمطورَةٍ / أَو رافِعٍ مِن زَفرَةٍ صُعَداءِ
وَكَأَنَّما يَسقي بِما يَبكي ثَرى / ماقَد ذَوى مِن دَوحَةِ العَلياءِ
وَلَئِن جَزِعتَ لِيَومِ أُمٍّ بَرَّةٍ / نَشَأَت تَطولُ أَكابِرَ الآباءِ
تَصِلُ الدُعاءَ إِلى البُكاءِ كَأَنَّما / تَرمي السَماءَ بِمُقلَةٍ مَرهاءِ
فَلِمِثلِهِ مِن يَومِ خَطبٍ نازِلٍ / جَمَّت دُموعُ أَفاضِلِ الأَبناءِ
فَاِسمَح بِأَعلاقِ الدُموعِ فَإِنَّما / تُقنى دُموعُ العَينِ لِلبُرَحاءِ
وَاِهتِف بِما تَشكو إِلَيها لَوعَةً / إِن كانَ يُصغي هالِكٌ لِنِداءِ
وَاِقرَع لَها بابَ السَماءِ بِدَعوَةٍ / تَستَمطِرُ الخَضراءَ لِلغَبراءِ
حَتّى تَجودُ بِكُلِّ عارِضِ رَحمَةٍ / تَستَضحِكُ الأَنوارَ لِلأَنواءِ
زَجِلِ الرُعودِ كَأَنَّما مَسَحَت بِهِ / كَفُّ الصَبا عَن ناقَةٍ عُشَراءِ
فَبِمِثلِها مِن تُربَةٍ قَد قُدِّسَت / نَثَرَ النَسيمُ قَلائِدَ الأَنداءِ
وَسَرى يُمَرِّغُ خَدَّهُ قَمَرُ الدُجى / وَيُذيلُ فَضلَ ضَفيرَةِ الجَوزاءِ
وَلَئِن صَبَرتَ وَصَبرُ مِثلِكَ حِسبَةٌ / فَلَقَد أَخَذتَ بِشيمَةِ النُبَلاءِ
مِن كُلِّ ماضي العَزمِ يُهوي بِالأَسى / عَن هَضبَةٍ مِن صَبرِهِ خَلقاءِ
كَشَفَت لَهُ الأَيّامُ عَن أَسرارِها / فَرأى جَلِيَّ عَواقِبِ الأَشياءِ
لَم يَثنِ في السَرّاءِ مِن تيهٍ بِها / أَعطافَهُ فَيَخورُ في الضَرّاءِ
ما اِرتابَ أَنَّ سُرورَهُ لِكَآبَةٍ / يَوماً وَأَنَّ بَقاءَهُ لَفَناءِ
فَكَأَنَّهُ وَالعيسُ تَبسُطُ خَطوَهُ / قَد بانَ مُرتَحِلاً عَنِ الأَحياءِ
فَلَرُبَّ رَكبٍ لِلرَدى تَحتَ السُرى / ضَرَبوا قِبابَهُم بِها لِثَواءِ
مُتَوَسِّدينَ بِها التُرابَ كَأَنّهُم / لَم يَرتَعوا في زَهرَةِ النَعماءِ
صَرعى فَلا قَلبٌ لِغَيرِ صَبابَةٍ / يُذكى وَلا عَينٌ لِغَيرِ بُكاءِ
ما شِئتَ مِن قُرَناءِ خَيرٍ أَعصَفَت / ريحُ الرَدى بِهِم وَمِن قُرَباءِ
مُلِئَت بِهِم عَيني دُموعاً كُلَّما / مُلِئَت عُيونُهُمُ مِنَ الإِغفاءِ
وَكَفى أَسىً وَصَبابَةً أَن أُنزِلوا / وَهُمُ الأَقارِبُ مَنزِلَ البُعَداءِ
بَدَداً بِمَسرى كُلِّ ريحٍ عاصِفٍ / وَمَصابِ كُلِّ غَمامَةٍ هَطلاءِ
أَلوى بِهِم وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعٌ / داءٌ عَياءٌ عَزَّ كُلَّ دَواءِ
وَطَوى القُرونَ بِحَيثُ صُمَّت عَنهُمُ / أُذُنُ المُصيخِ وَكُلِّ طَرفُ الرائي
وَلَئِن سَطا وَالفاصِلاتُ كَثيرَةٌ / فَلَقَد سَطا بِقَليلَةِ النُظَراءِ
وَنَجيبَةٍ جاءَت بِأَوحَدِ أَمجَدٍ / قَد فاتَ طَولاً أَيدِيَ النُجَباءِ
مُتَقَلِّبٌ في اللَهِ بَينَ بَشاشَةٍ / يَندى الهَشيمُ بِها وَبَيَن مَضاءِ
لَدِنٌ كَمَطلولِ النَسيمِ وَتارَةً / خَشِنٌ كَصَدرِ الصُعدَةِ السَمراءِ
في مَقعَدٍ وَسِعَ الأَنامَ عَدالَةً / وَسَما فَزاحَمَ مَنكِبَ الخَضراءِ
يَستَنزِلُ الأَروى هُناكَ سَكينَةً / وَيَروعُ قَلبَ الصَخرَةِ الصَمّاءِ
عَدلٌ يَظَلُّ بِظِلِّهِ ذِئبُ الغَضا / جاراً هُناكَ لِظَبيَةِ الوَعساءِ
وَكَفاهُما أَن يَخلوا بِأَراكَةٍ / عِندَ المَقيلِ وَيَشرَبا مِن ماءِ
وَإِلَيكَ مِن حُرِّ الكَلامِ عَقيلَةً / قَصَرَت خُطاها خَجلَةُ العُذَراءِ
نَشَأَت وَشُقرٌ دارُها فَكَأَنَّما / وَرَدَتكَ زائِرَةً مِنَ الزَوراءِ
رَقَّت وَقَد عَلِمَت بِمَوضِعِ حُسنِها / فَأَتَتكَ تَمشي مِشيَةَ الخُيَلاءِ
يا ضاحِكاً مِلءَ فيهِ جَهلاً
يا ضاحِكاً مِلءَ فيهِ جَهلاً / أَحسَنُ مِن ضَحكِكَ البُكاء
وَهَنتَ حِسّاً وَهُنتَ نَفساً / فَلا ذَكاءَ وَلا زَكاء
أَلا أَفصَحَ الطَيرُ حَتّى خَطَب
أَلا أَفصَحَ الطَيرُ حَتّى خَطَب / وَخَفَّ لَهُ الغُصنُ حَتّى اِضطَرَب
فَمِل طَرَباً بَينَ ظِلٍّ هَفا / رَطيبٍ وَماءٍ هُناكَ اِنثَعَب
وَجُل في الحَديقَةِ أُختِ المُنى / وَدِن بِالمُدامَةِ أُمِّ الطَرَب
وَحامِلَةٍ مِن بَناتِ القَنا / أَماليدَ تَحمِلُ خُضرَ العَذَب
تَنوبُ مورِقَةً عَن عِذارٍ / وَتَضحَكُ زاهِرَةً عَن شَنَب
وَتَندى بِها في مَهَبِّ الصَبا / زَبَرجَدَةٌ أَثمَرَت بِالذَهَب
تَفاوَحُ أَنفاسُها تارَةً / وَطَوراً تُغازِلُها مِن كَثَب
فَتَبسِمُ في حالَةٍ عَن رِضاً / وَتَنظُرُ آوِنَةً عَن غَضَب
وَمَعينُ ماءِ البِشرِ أَبرَقَ هَشَّةً
وَمَعينُ ماءِ البِشرِ أَبرَقَ هَشَّةً / فَكَرَعتُ مِن صَفَحاتِهِ في مَشرَبِ
مُتَهَلِّلٌ يَندى حَياءً وَجهَهُ / فَتراهُ بَينَ مُفَضَّضٍ وَمُذَهَّبِ
أَضنى الحُسامَ حَسادَةً فَفِرِندُهُ / دَمعٌ تَرَقرَقَ فَوقَهُ لَم يَسكُبِ
خَيَّمتُ مِنهُ بَينَ طَودٍ باذِخٍ / نالَ السِماكَ وَبَينَ وادٍ مُعشِبِ
تَهفو بِهِ نارُ القِرى فَكَأَنَّها / مَهما عَشا ضَيفٌ لِسانُ المُعرِبِ
حَمراءُ نازَعَتِ الرِياحَ رِداءَها / وَهناً وَزاحَمَتِ السَماءَ بِمَنكِبِ
ضَرَبَت سَماءً مِن دُخانٍ فَوقَها / لَم يُدرَ فيها شُعلَةٌ مِن كَوكَبِ
وَتَنَفَّسَت عَن كُلِّ نَفحَةِ جَمرَةٍ / باتَت لَها ريحُ الجَنوبِ بِمَرقَبِ
قَد أُلهِبَت فَتَذَهَّبَت فَكَأَنَّها / لِسُكونِ شَرِّ شِرارِها لَم تَلهَبِ
تَذكو وَراءَ رَمادِها فَكَأَنَّها / شَقراءُ تَمرَحُ في عَجاجٍ أَكهَبِ
وَاللَيلُ قَد وَلّى يُقَلِّصُ بُردَهُ / كَدّاً وَيَسحَبُ ذَيلَهُ في المَغرِبِ
وَكَأَنَّما نَجمُ الثُرَيّا سَحرَةً / كَفٌّ تُمَسِّحُ عَن مَعاطِفِ أَشهَبِ
لاعَبَ تِلكَ الريحَ ذاكَ اللَهَبُ
لاعَبَ تِلكَ الريحَ ذاكَ اللَهَبُ / فَعادَ عَينَ الجِدِّ ذاكَ اللَعِبُ
وَباتَ في مَسرى الصَبا يَتبَعُهُ / فَهوَ لَها مُضطَرِمٌ مُضطَرِبُ
ساهَرتُهُ أَحسِبُهُ مُنتَشِياً / يَهُزُّ عِطفَيهِ هُناكَ الطَرَبُ
لَو جاءَهُ مُنتَقِدٌ لَما دَرى / أَلَهَبٌ مُتَّقِدٌ أَم ذَهَبُ
تَلثُمُ مِنهُ الريحُ خَدّاً خَجِلاً / حَيثُ الشَرارُ أَعيُنٌ تَرتَقِبُ
في مَوقِدٍ قَد رَقرَقَ الصُبحُ بِهِ / ماءً عَلَيهِ مِن نُجومٍ حَبَبُ
مُنقَسِمٌ بَينَ رَمادٍ أَزرَقٍ / وَبَينَ جَمرٍ خَلفَهُ يَلتَهِبُ
كَأَنَّما خَرَّت سَماءٌ فَوقَهُ / وَاِنكَدَرَت لَيلاً عَلَيهِ شُهُبُ
يا رُبَّ قَطرٍ جامِدٍ حَلّى بِهِ
يا رُبَّ قَطرٍ جامِدٍ حَلّى بِهِ / نَحرَ الثَرى بَرَدٌ تَحَدَّر صائِبُ
حَصَبَ الأَباطِحَ مِنهُ ماءٌ جامِدٌ / غَشّى البِلادَ بِهِ عَذابٌ ذائِبُ
فَالأَرضُ تَضحَكُ عَن قَلائِدِ أَنجُمٍ / نُثِرَت بِها وَالجَوُّ جَهمٌ قاطِبُ
فَكَأَنَّما زَنَتِ البَسيطَةُ تَحتَهُ / فَأَكَبَّ يَرجُمُها الغَمامُ الحاصِبُ
وَخَيرِيَّةٍ بَينَ النَسيمِ وَبَينَها
وَخَيرِيَّةٍ بَينَ النَسيمِ وَبَينَها / حَديثٌ إِذا جَنَّ الظَلامُ يَطيبُ
لَها نَفَسٌ يَسري مَعَ اللَيلِ عاطِرٌ / كَأَنَّ لَهُ سِرّاً هُناكَ يَريبُ
يَدِبُّ مَعَ الإِمساءِ حَتّى كَأَنَّما / لَهُ خَلفَ أَستارِ الظَلامِ حَبيبُ
وَيَخفى مَعَ الإِصباحِ حَتّى كَأَنَّما / يَظَلُّ عَلَيهِ لِلصَباحِ رَقيبُ
وَنَدِيِّ أُنسٍ هَزَّني
وَنَدِيِّ أُنسٍ هَزَّني / هَزَّ الشَرابِ مِنَ الشَبابِ
وَاللَيلُ وَضّاحُ الجَبينِ / قَصيرُ أَذيالِ الثِيابِ
فَقَنَصتُ مِنهُ حَمامَةً / بَيضاءَ تَسنَحُ مِن غُرابِ
وَالنورُ مُبتَسِمٌ وَخَدُّ / الوَردِ مَحطوطُ النِقابِ
يَندى بِأَخلاقِ الصِحابِ / هُناكَ لابِنَدى السَحابِ
وَكِلاهُما نَثرٌ كَما / نَثَروا القَوافي بِالخِطابِ
فَكَأَنَّ كَأسَ سُلافَةٍ / ضَحِكَت إِلَيهِم عَن حَبابِ
وَأَغيَدَ في صَدرِ النَدِيِّ لِحُسنِهِ
وَأَغيَدَ في صَدرِ النَدِيِّ لِحُسنِهِ / حُلِيُّ وَفي صَدرِ القَصيدِ نَسيبُ
مِنَ الهيفِ أَمّا رِدفُهُ فَمُنَعَّمٌ / خَصيبٌ وَأَمّا خَصرُهُ فَجَديبُ
يَرُفُّ بِرَوضِ الحُسنِ مِن نورِ وَجهِهِ / وَقامَتِهِ نُوّارَةٌ وَقَضيبُ
جَلاها وَقَد غَنّى الحَمامُ عَشِيَّةً / عَجوزاً عَلَيها لِلحَبابِ مَشيبُ
وَجاءَ بِها حَمراءَ أَمّا زُجاجُها / فَماءٌ وَأَمّا مِلؤُهُ فَلَهيبُ
عَلى لُجَّةٍ تَرتَجُّ أَمّا حَبابُها / فَنورٌ وَأَمّا مَوجُها فَكَثيبُ
تَجافَت بِها عَنّا الحَوادِثُ بُرهَةً / وَقَد ساعَدَتنا قَهوَةٌ وَحَبيبُ
وَغازَلَنا جَفنٌ هُناكَ كَنَرجِسٍ / وَمُبتَسَمٌ لِلأُقحُوانِ شَنيبُ
فَلِلَّهِ ذَيلٌ لِلتَصابي سَحَبتُهُ / وَعَيشٌ بِأَطرافِ الشَبابِ رَطيبُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025