المجموع : 316
أدركت أوتاراً من الأعداء
أدركت أوتاراً من الأعداء / وملكت من عدن إلى صنعاء
وبلغت بالجرد العتاق وبالقنا / ما شئت من شرف ومن علياء
جاوز بمجدك أنجم الجوزاء
جاوز بمجدك أنجم الجوزاء / وازدد علواً فوق كل علاء
وافخر بنفس لم تزل أفعالها / جنات أرض بل نجوم سماء
وانظر بطرفك حيث شئت فما ترى / في ذا الورى أحداً من النظراء
واستثن والدك الكريم فإنما / أمددت من أنواره بضياء
وأبوك ليث الغاب رشح شبله / فرعدن منه فرائص الأعداء
والوابل الهتان أسبل هطله / فطمت جداوله على البيداء
والشمس قدمت الصباح طليعة / فطوى رداء الظلمة السوداء
يا حاسدي عضد الإمام جهالة / غضوا جفونكم على الأقداء
فو حقه ما نال إلا حقه / والدر أحسنه على الحسناء
ولسوف تقضيه السعادة دينه / من ذمة الإصباح والإمساء
ويحوز قاصية المدى ويجوزها / والصالح الهادي حليف بقاء
وكأنكم بظهور راية ملكه / وظنونكم يخبطن في عشواء
فالنار يقدمها الدخان محذراً / ويهب برد الغيث قبل الماء
فليحمد الأمراء سيرتك التي / أحمدت فيها طاعة الأمراء
وليشكروك على الجميل فشكرهم / سبب يديم سوابغ النعماء
فلكم يد لك فيهم مشكورة / أتبعتها بندى يد بيضاء
حتى غدا لك في الرقاب مضاعفاً / طوقان طوق ولاية وولاء
إذا قلت إذ صرفت إلى تدبيرك ال / كافي أمور الدولة الغراء
الآن فوضت الأمور إلى الذي / يشفي دخيلة دائها بدواء
عقدت بأيمن طائر راياتها / فأصاب عاقدها صواب الراء
نيطت حمائلها الطوال بعاتق / متعود لتحمل الأعباء
ملك بدايته نهاية معشر / يرقون تدريجاً إلى العلياء
خطبته ألسنه العلى وترفعت / عن كل معدود من الأكفاء
كانت تراسل مجده وعيونها / يطرقن من خفر وفرط حياء
حتى إذا زفت إليه تبرجت / وأتته لا تمشي على استحياء
فضل خصصت به وليس بمنكر / حوز البنين مراتب الآباء
إن سدت أبناء الوزارة كلهم / فأبوك قبلك ناصر الخلفاء
أو كشفت بك للمظالم غمة / فأبوك عنا كاشف الغماء
هذا ثناء أنظقته صنائع / ملك الجميل بها جميل ثنائي
لم أرض عنه مفرداً في حقكم / فشفعت مفرد وتره بدعائي
لولا احتقاري جملة الدنيا لكم / لوصلت ذيل مدائحي بهناء
والشمس ليس بزائد في قدرها / ومحلها شيء من الأشياء
أبا حسن كدرت ماء صفائي
أبا حسن كدرت ماء صفائي / وعاملتني عن صحبتي بجفاء
وأوضحت لي نهج العقوق وإنما / نهتني عنه نخوتي ووفائي
مدحتك لا أبغي ثواباً وإنما / لحرمة ود بيننا وإخاء
ولو كنت غير الله أرجو لحاجة / لطمت بكف اليأس وجه رجاتي
فناديت بي بين الورى وأريتني / بصورة شحاذ من الشعراء
ثواب أتى كرهاً بغير إرادتي / فنكس راياتي وسفه رائي
خفضت لواء الحمد من بعد رفعه / وحلت بنان العتب عقد ولائي
وكسلت عزمي فيك بعد نشاطه / فأصبحت أثني من عنان ثنائي
وما كنت آبى الدرهم الفرد لو أتى / إلى منزلي في سترة وخفاء
ولم يتحدث بيننا كل خامل / أشرف من مقداره بهجائي
لو كان ينفع أن تجود بمائها
لو كان ينفع أن تجود بمائها / عين لجادت أعين بدمائها
لكن خطب الموت أصبح علة / قصرت خطى الآمال دون شفائها
نرجو مسالمة الزمان ولم يزل / كدر الليالي مولعاً بصفائها
مزجت لنا كأس الحياة بغدرها / وتعلقت آمالنا بوفائها
مثل الأفاعي سمها ترياق / لا يستبين دواؤها من دائها
أو ما ترى الدنيا استمر خلافها / في عهدهما حتى على خلفائها
طرقت جنات العاضد بن محمد / بفناء من يرجى الغنى بفنائها
بمؤيد تلقى النوائب نفسه / في كل نائبة بحسن عزائها
ورث النبي سريرة ما في الورى / لولاه من ينيبك عن أنبائها
فإذا المهني والمعزي أحسنا / فيكم فقد هديا بنور ضيائها
ولقد يعز علي ذكر فقيدة / عوضتها عن مدحها برثائها
لم أرثها بالشعر إلا بعدما / أضحى لسان الدهر من شعرائها
غدرت بها الأيام وهي عبيدها / وكذا الليالي وهي بعض إمائها
يا دهر مالك لم تمن بعتقها / أولم تكن يا دهر من عتقائها
فلتندمن إذا افتقرت ولم تجد / في الرأي من يغني كفضل غنائها
هلا حفظت لها أجل فضيلة / أن الإمام يعد من أبنائها
ما ظن من عقد اللواء بأمرها / أن لا يقود الجيش تحت لوائها
إن لم تعد من الرجال فإنهم / هزوا قنا الرايات عن آرائها
قالوا مضت سنة وفيها سلوة / تنهي هموم النفس عن برحائها
فأجبتهم إن السلو يعوقه / ما في رقاب الناس من نعمائها
ما هذه ممن إذا بعد المدى / نسيت معاني الفضل من أسمائها
وكفى بها طول الزمان مذكراً / ما عندنا من فضلها وعطائها
وفروع دوحتها التي أبقت لها / نوري سنى إحسانها وسنائها
في كل عضو حسرة لفقيدة / أضحى بنو الزهراء من أعضائها
شمس بنوك الغر بورك فيهم / يا بدرها الهادي نجوم سمائها
أما إذا كان الحمام فريضة / لابد حتماً من وجوب قضائها
فليهنها أن المنية إنما / نزلت بها في عزها وعلائها
لم تنتقل حتى رأت في نفسها / ما أملت من سؤلها ورجائها
وإذا الليالي أمتعتك بشاور / فاغضض جفونك عن قبيح جفائها
كافي خلافتك التي نصرت بها / في كل معترك على أعدائها
بالكامل افتخرت على أمرائها / وبشاور تاهت على وزرائها
سيفا إمامتك التي ما إن سطت / إلا وكان النصر من قرنائها
ما ضيقت عطن الملوك ملمة / إلا وردا ضيقها برخائها
وأظن أياماً سمحن بشاور / لا تقدر الدنيا على نظرائها
أنا من عداد الأغنياء بفضلها / وإلى دوام علاه من فقرائها
مدحته من قبلي مضارب سيفه / فغدا ثنائي من جميل ثنائي
وسرت مكارمه تضيء لخاطري / فسرى المديح إليه في أضوائها
حسنت وجه الدهر عندي بعدما / قد كان في عيني وجهاً شائها
وإذا توالى الجود صار عقيدة / لا تحلل الأيام عقد ولائها
لم تبق لي أيام فضلت حاجة / إلا سؤال الله طول بقائها
هي سلوة حلت عقود وفائها
هي سلوة حلت عقود وفائها / مذ شف ثوب الصبر عن برحائها
وبقلبه الريم الذي لو رامها / طيف الكرى لم يخف عن رقبائها
محمية بشبا الأسنة لم تزل / سمر القنا يحمين سرب ظبائها
فازت ظهور جمالها بجمالها / يوم الرحيل وخاب ظن خبائها
وتأرجحت أطلالها إذ عرجت / أشجاننا يسألن عن أنبائها
دمن يضل عن الهدى من لم يسر / نحو الهوى العذري في أهوائها
لم أسأل الركبان عن أسمائها / كلفاً بها لولا هوى أسمائها
وسألت أيامي صديقاً صادقاً / فوجدت ما أرجوه جل رجائها
ولرب معسول اللقاء ترى له / قولاً تسر به وفعلاً شائها
يلقاك بالحسنى وإن تك غائباً / عن طرفه أمسى بذمك فائها
ولقد خرجت إلى الجليس مهاجراً / عصباً يضيم الدهر جار فنائها
مستنجداً لأبي المعالي همة / تغدو المعالي وهي بعض عطائها
لما مدحت علاه أيقنت العدى / أن الزمان أجار من عدوائها
وأغر سعدي الأواصر أبلج / يلقى سقيمات المنى بشفائها
شتان ما بين الرجال وبينه / إن قست فضل غنائه بغنائها
وردوا ثماداً للمكارم شابها / كدر وفاز بغمرها وصفائها
نذرت مصافحة الغمام أناملي / فوفت غمائم كفه بوفائها
لو سمته نيل الكواكب أصبحت / وسماؤها كفاك دون سمائها
وإذا غدت لك شافعاً في حاجة / أغنتك نخوته عن استقضائها
وعقتها منه بأكرم شافع / لا ينتهي منها إلى إنهائها
ما ضيقت حيل الملوك ملمة / إلا وقابل ضيقها برخائها
لما تعين حق خدمته ولم / أنهض بفرض حقوقها وأدائها
ووجدت أنفس ما يليق بمجده / فقراً نفيس الدر من حصبائها
أهديت منها كل بكر حرة / أجرى عليها الرق صدق ولائها
لا تبتغي غير القبول مثوبة / وتعد ذلك من أجل جزائها
دم أبا فاتك حليف بقاء
دم أبا فاتك حليف بقاء / فائض العدل والسنى السناء
قادراً قاهراً تذل وتردي / كل ضد بعزة قعساء
آمراً ناهياً يخاف ويرجى / منك يوم السراء والضراء
قابضاً باسطاً معزاً مذلاً / نافذ العزم ثاقب الآراء
أصبح الكامل بين شاور ذخراً / لأبي الفتح سيد الوزراء
أنتما لا خلت ممالك مصر / منكما حصنها من الأعداء
أنت يمنى يديه إن عن خطب / تتوقاه سائر الأعضاء
يا أبا فاتك نداء ولي / ما بدا بإخلاص وده من خفاء
لك دون الأنام عقد ثنائي / فنتقد دره وعقد ولائي
أنطقتني مناقب علمتني / كيف أثني بها على العلياء
ويمين كريمة وجبين / مستهلان بالحيا والحياء
أغنياني عن التملق حتى / قال وجهي أبقيتما في مائي
ولو أني دعوت جود شجاع / في مهم لبى نداه ندائي
قلت للمدعي مديح شجاع / مدح الشمس ما لها من ضياء
لو نظمنا له الكواكب كانت / دون ما يستحقه من ثناء
وقليل نظم النجوم لملك / جاز في المجد أنجم الجوزاء
لم يكن شربك الدواء لسقم / يرتجى برؤه بشرب الدواء
إنما احتلت للأطباء جوداً / منك حتى غمرتهم بالعطاء
فتمل الملك العظيم وجرر / ذيل عز وصحة وشفاء
وتمل العام الذي أنت أولى / فيه من كل منعم بالهناء
سرتم فلم تطب الإقامة بعدكم
سرتم فلم تطب الإقامة بعدكم / لمروع بفراقكم بعد النوى
ولعل قاهرة المعز تضمنا / يوماً كما كنا على عهد الهوى
داويت ما نفع العليل دوائي
داويت ما نفع العليل دوائي / بل زاد سقماً في خلال ضناء
وأيست من برء الطبيب لدائه / فاعتل قلبي للأياس بداء
أملت فيه صحة من سقمه / فحصلت في أملي بعكس رجائي
ورجوت أني قد أكون فداءه / عورضت في أملي فكان فدائي
ووددت لو كنت الدفين بقبره / عوضاً له ويكون في دنائي
حرمت طيب النوم بعد فراقه / عن ناظري فسلا عن الإغفاء
ولقد أبيت وفي فؤادي جمرة / ولهيبها متوقد بجوائي
وذبالة أضحى بقلبي لذعها / زفراته بتنفس الصعداء
من فقد شبل عاجلته منية / ما كان فيها مهلة لبقاء
ما كان أسرع ما أتاه حمامه / ورحيله عني إلى الصحراء
ما عاش إلا سبعة من عمره / ونأى إلى دار البلى لبلاء
ثم امتطى ثبج المنايا طالباً / جدثاً يناط بصخرة صماء
يأوي إلى لحد ووحشة منزل / وجنادل صم وصلد وصفاء
واختار سكناه القرافة ذاهلاً / عن عيشة ليست بداء بقاء
إني على إسماعيل لا أعطى عزى / بل قد عدمت تجلدي وعزائي
وأوحشني لفراقه وبعاده / وأفجعني بمصيبة غبراء
قد كنت أذخره لكل ملمة / وأقيه في البأساء والضراء
فاغتالني فيه الحمام ففوقت / قوس المنايا سهمها بحشائي
تركت فؤادي مثخناً بجراحه / متضرجاً بمدامعي ودمائي
أجري المياه على فؤادي طمعة / في أن يبرد غلتي وظمائي
فتهيج لي نار إذا بردتها / فعجبت من نار تهيج بماء
قلقاً أبيت على فراشي ساهراً / فكأنني ملقى على الرمضاء
متلهفاً أبكي إلى من مر بي / وإذا أرى ولداً يثور بلائي
إني لأعجب من حياتي بعده / وتلذذي عنه بشرب الماء
أو أن أرى مبتسماً متنسماً / من بعد رحلته نسيم هواء
أو أن تغيب همومه عن خاطري / وخياله متمثل بإزائي
لو عاش كان منطقاً وموفقاً / ومنزهاً عن صبوة الأبناء
كانت فراسته تدل عقولنا / أن سوف يخرج أنجب النجباء
لكنه ما كل ما قد رامه / ذو فطنة فيناله بذكاء
والبرق يشهد والرواعد أنها / عنوان كل سحابة وطفاء
والفجر يشهد أن ساطع نوره / أبداً يدل على ضياء ذُكاء
ومضارب السيف المهند لم تزل / تنبيك عن حد له ومضاء
أملت ساعة سعيهم بسريره / أن لا أقيم بزمرة الأحياء
وبقيت مكتئباً أكابد لوعة / في حالة أسوأ من الأسواء
جار الزمان علي في أحكامه / فبليت منه بعيشة غلماء
قد كان قوة ناظري بل خاطري / فبقيت صاحب مقلة عمياء
فالميت ليس له صديق أو أب / صافاه بعد وفاته بوفاء
لا يغررن الحي طول بقائه / فمصيره من بعده لفناء
ويطول مكث المرء ثاو في الثرى / حتى يرى أثراً من الزيزاء
قل للمنية ما شوى
قل للمنية ما شوى / لم يخط سهمك إذ رمى
أفقدتني في ابني الذي / قد كان ذخري للغنى
داويته حتى إذا / لم يبق في الدنيا دوا
ساهرته حتى جفت / أجفانه طيب الكرى
وطبيبه لم يدر ما / يشكوه من ألم الأذى
خابت مداواتي له / بل خاب نذري والرقى
وأيست منه إذ رأت / عيناي نازلة البلا
حار الطبيب وحرت في / ما قد دهاه من الضنى
ما كان أقصر عمره / وبقاءه بين الورى
ما كان إلا سبعة / وثلاثة ثم انقضى
واستل من أترابه / كالنجم من وسط السما
عجل الحمام عليه قب / ل بلوغ أعلا المرتقى
يا علة ما كان أر / دى خطبها لما دهى
ومنية حثت به / نحو المقابر والبلى
وشماتة بي من مصا / بك يا حسين من العدى
بل قد ذخرتك جنة / عند النوازل بالتوى
غدر الزمان بنا وما / أبقى علينا واعتدى
أحسين عندك علم ما / في القلب من ألم الجوى
أعلمت أن مدامعي / منهلة تجري دما
أحسين لو أبصرت ما / قد حل من صرف القضا
لرأيت أمراً هائلاً / ومصيبة لا تفتدى
يا ويلتي لما أتى / بالنعش في وقت الضحى
وأتى الحداة مهرول / ين ليحملوه إلى الثرى
ناديت يا حادي السري / ر عساك تمهل بالسرى
ارحم كئيباً هائماً / ثكلان منهد القوى
قد ذاب لولا نطقه / ما كان مخلوقاً يرى
وارفق بجسم ناحل / منه السقام قد اشتفى
قد كان يأوي في سوي / دا القلب مني والحشا
لو كان حاديه به / بعض الذي بي ما حدا
أو كان يعلم بالذي / في القلب من جمر الغضا
لرثى لما بي من رحمة / من نكبتين على ولا
وارحمتا بل حسرتا / لرزية لا ترتجى
هيهات أرجوها وقد / علقته أشراك الردى
لو كان يفدى شخصه / والموت يرضى بالرشى
لفديت منه قلامة / بسواد عيني إذ أتى
لكنه ما كل ما / يرجو امرئ يعطى الرجا
يا قبر حياك الإل / ة تحية فيها المنى
وسقاك غيث الهاطلا / ت على الزمان من الحيا
قد أتتني تلك اليد البيضاء
قد أتتني تلك اليد البيضاء / والأماني مصونة والرجاء
منة لا يلوح من عليها / وابتداء لا يبتديه ابتداء
فتقبلتها وقبلت منها / موضعاً مسه الندى والسخاء
وتخيرت في المكافأة عنها / فإذا خير ما ملكت الثناء
فبعثت المديح يشكر عني / منة ترك شكرها فحشاء
وعلى أنني وإن كنت ممن / تتحلى بشعره الجوزاء
فيد الشكر والمحامد أرض / ويد الفضل والجميل سماء
أعزز علي أبا شجاع أن أرى
أعزز علي أبا شجاع أن أرى / ذاك الجبين مضرجاً بدمائه
ما قلبته سوى رجال قلبوا / أيديهم من قبل في نعمائه
أبا شمس الخلافة وهو نعت
أبا شمس الخلافة وهو نعت / يصدقه جبينك بالضياء
رأيت ندى بنانك وهو أندى / على العافين من ماء السماء
أبى حب الصحابة في الهدايا / ودان بحب أصحاب الكساء
تشيع جود كفك في العطايا / وعهدي بالتشيع في الولاء
نذرت لك العلا ونذرت بري
نذرت لك العلا ونذرت بري / وقد وفيت فليحسن وفاؤك
إذا كنت السماء وكنت أرضاً / ولم تمطر فلا كانت سماؤك
وإن لم يسق عودي منك ماء / فعودي يابس خجلاً وماؤك
فأما خجلتي فلسوء ظني / وأما أنت فالتقصير داؤك
أعندك أن وجدي واكتئابي
أعندك أن وجدي واكتئابي / تراجع مذ رجعت إلى اجتنابي
وأن الهجر أحدث لي سلواً / يسكن برده حر التهابي
وأن الأربعين إذ توالت / بريعان الصبا قبح التصابي
ولو لم ينهني شيب نهاني / صباح الشيب في ليل الشباب
وأيام لها في كل وقت / جنايات تجل عن العتاب
أقضيها وتحسب من حياتي / وقد أنفقتهن بلا حساب
تفيض همومها والسيل يطمر / إذا رفدته أفواه الثغاب
إذا أصلحتها فسدت كأني / أهيب بها إلى نغل الإهاب
أوابد لاتزال العون منها / تواصلني بأيدة كعاب
كأن الدهر يفرح أن يراني / على طول المدى قلق الركاب
كأن الدهر يفرح ألا يرضيه إلا / إراقة ماء وجهي في الطلاب
وكيف يهون ذلك عند نفس / تخاف العار من منن السحاب
وكم حر يعد الصاب شهدا / فيعذب عنده طعم العذاب
وقد حالت بنو رزيك بيني / وبين الدهر بالمنن الرغاب
تركت الاغتراب وكنت قدماً / أحن إلى ركوب الاغتراب
وزرت أغر من غسان يسلي / غريب الدار عن ذكر الإياب
ولولا الصالح انتاش القوافي / لكان الفضل مجتنب الجناب
وكنت وقد تخيره رجائي / كمن هجر السراب إلى الشراب
ولم يخفق بحمد الله سعيي / إلى مصر ولا خاب انتخابي
ولكن زرت أبلج يقتضيه / نداه عمارة الأمل الخراب
أزال حجابه عني وعيني / تراه من الجلالة في حجاب
وقربني تفضله ولكن / بعدت مهابة عند اقترابي
وعلمني اقتضاب المدح فيه / مكارم دائمات الاقتضاب
تزيد مثوبة وأزيد شكراً / وذلك دابها أبداً ودابي
قسمت مشاع مجدك وهو جم / على ضربين من ضرب وصاب
فنصف في جفون مهندات / ونصف في جفان كالجواب
وحين سموت قدراً أن تسامى / وعز الناس قدرك في الخطاب
أقمت الناصر المحيي فأحيى / رسوماً كن بالرسم اليباب
وبث العدل في الدنيا فأضحى / قطيع الشاء يأنس بالذئاب
وأنت شهاب حق وهو منه / بمنزلة الضياء من الشهاب
سعى مسعاك في كرم وبأس / وشب على خلائقك العذاب
فأصبح معلم الطرفين لما / حوى شرف انتساب واكتساب
وصنت الملك من عزمات بدر / بميمون النقيبة والركاب
بأروع لم يزل في كل ثغر / زعيم القب مضروب القباب
مخوف البأس في حرب وسلم / وحد السيف يخشى في القراب
إذا دعي المظفر نحو خطب / فما للخطب من ظفر وناب
وإن قدحت يداه نار حرب / فزند النصر زند غير كاب
حسام الناصر الماضي إذا ما / نبت بيض السيوف عن الضراب
وهضبة عزه والطود ينأى / عليك صعوده بين الهضاب
ألم تر آل رزيك أعادوا / وجوه المجد سافرة النقاب
ملوك أصبحوا سلماً وحرباً / غيوث مخيلة وليوث غاب
علوا باالصالح الهادي على من / مشى في عصرهم فوق التراب
سموا بأغر تفرده المعالي / وإن شركوه في النسب القراب
أسف جناح نعمته عليهم / وحلق مجده فوق الثقاب
كفيل أئمة أثنى عليهم / كلام الله في آي الكتاب
أجاب نداءهم لما دعوه / وقد خرس الكفاة عن الجواب
وحاط ذرى الشريعة فاستقرت / قواعد أمرها بعد اضطراب
وذب لسانه وظباه عنها / فأصبح روضها غرد الذباب
جلاد كل يوم أو جدال / يعدهما لخطب أو خطاب
وشاور في الجهاد شريف عرض / أشار بحسن صبر واحتساب
فأنفذ حكمه والدهر آب / وأمضى عزمه والسيف ناب
وأدمن قرع باب العز حتى / غدا والفتح يفتح كل باب
وأرسلها مسومة عراباً / تفيض من الوهاد على الروابي
تريك البر بحراً من حديد / عظيم الموج مصطخب العباب
كتائب إن سرت في ليل نقع / سرت ونجومها زرق الحراب
إن وقد الهجير فليس إلا / ظلال من عقاب أو عقاب
أذل بها ملوك الشرك ملك / يذلل شامس النوب الصعاب
مهيب البأس فياض العطايا / مليء بالثواب وبالعقاب
ترى الأملاك بني يديه صوراً / من الإشفاق خاضعة الرقاب
إذا ما افتر يغر الدست عنه / بدت لك عزة الملك اللباب
جنحت إلى الإقامة في ذراه / ولم أجنح إلى غير الصواب
فلا ماء الفرات بمورد لي / ولا أكناف دجلة من رحابي
ولما لم أجد عندي جزاء / لكم غير الثناء المستطاب
شفعت جواهر الألفاظ فيكم / بمرفوع الدعاء المستجاب
إذا قدرت على العلياء بالغلب
إذا قدرت على العلياء بالغلب / فلا تعرج على سعي ولا طلب
واخطب بألسنة الأغماد ا عجزت / عن نيله ألسن الأشعار والخطب
فما استوى الخط والخطي في رهج / ولا الكتائب يوم الروع كالكتب
دع الهوينى وإن أفضت إلى تعب / بك المساعي فإن العز في التعب
ولا ترقن لي إن كربة عرضت / فإن قلبي مخلوق من الكرب
واستخبر الهول كم آنست وحشته / وكم وهبت له روحي ولم أهب
ما أسهل الموت عند الناس لو وثقوا / بصدق معتقد أو حسن منقلب
ومدمن قرع باب اللهو قلت له / والترك للنصح أمر ليس يجمل بي
هزل الرجال هزال في مروءتها / والجد يخجل أحياناً من اللعب
فأقبل من الخلق ما ألوك من خلق / على النقيضين من صدق ومن كذب
ولا تكلف جباناً فوق طاقته / فأكثر الناس مجبول على الرهب
يقني طوال القنا العسال أشجعهم / علماً بأن اقتراب الموت في القرب
والطعن في الكر بعد الفر منقصة / والضرب يقتضب الأعمال بالقضب
ألقى الكفيل أبو الغارات كلكله / على الزمان فضاعت حيلة النوب
وداخلت أنفس الأيام هيبته / حتى استرابت نفوس الشك والريب
بث الندى والردى زجراً وتكرمة / فكل قلب رهين الرعب والرغب
فما لحامل سيف أو مثقفة / سوى التجمل بين الناس من أرب
لما تمرد بهرام وأسرته / جهلاً وراموا قراع النبع بالغرب
صدعت بالناصر المحيي زجاجتهم / وللزجاجة صدع غير منشعب
أسرى إليهم ولو أسرى إلى الفل / ك الأعلى لخافت قلوب الأنجم الشهب
في ليلة قدحت زرق النصال بها / ناراً تشب بأطراف القنا الأشب
ظنوا الشجاعة تنجيهم فقارعهم / أبو شجاع قريع المجد والحسب
سقوا بأسكر سُكرٍ لا انقضاء له / من قهوة الموت لا من قهوة العنب
وخانهم فأل حلوان فواقعهم / ضرب مواقعه أحلى من الضرب
حل الردى بينهم بالحي فانقرضوا / وما حلول الردى بالحي من عجب
لم يجهلوا قبح مسعاهم وخيبتهم / وأي عبد عصى المولى فلم يخب
وإنما سولت للقوم أنفسهم / أن يقطعوا سبب النعمى بلا سبب
فك النفاق عن النعماء أيديهم / من بعد ما نشبت في عروة النشب
ألم تر القوم لما أن طغوا وبغوا / واستحقبوا الذم ما عاشوا على الحقب
لم يقبل الجانب القبلي أوجههم / فرد أولهم بدءاً على العقب
وأنكروا من ظهور الخيل ما عرفوا / واستوثبوها فخانتهم ولم تثب
لولا الأسار ومن لا يمن به / ما عفَّ عنهم ذباب السيف ذو الشطب
تسنموا إبلاً تتلو قلائصهم / يا عزة السرج ذوقي ذلة القتب
كأنهم فوقها خُشب مسندة / إن النفاق لمنسوب إلى الخشب
لله عزمة محي الدين كم تركت / بتربة الحي من خد امرئ ترب
سما إليهم سمو البدر تصحبه / كواكب من سحاب النقع في حجب
في فتية من بني رزيك تحسبهم / عن جانبيه رحى دارت على قطب
قوم إذا الحرب قامت سوقها جلبوا / من النفوس إليها أنفس الجلب
المسرعون من المران أرشية / نابت قلوب أعاديها عن القلب
الطاعنون الأعادي كل مزبدة / كأنها كأس خمر جاش بالحبب
تروى الرماح الظوامي من مجاجتها / فتنثني وعليها نشوة الطرب
كأن أيمانهم سلت عزائمهم / من الجفون على الهامات واليلب
كأن لمع المواضي في أكفهم / صواعق في الوغى تنقض من سحب
فما تروح بها الأرواح في صعد / إلا وتغدو بها الأجسام في صبب
رقاهم رتبة العليا أخو همم / لم يأخذ الملك بالتدريج في الرتب
تلقب الصالح الهادي وليس به / مع صدق أفعاله فقر إلى اللقب
متوج من بني زريك تنسبه / بيض المساعي إلى جرثومة العرب
زاكي الأرومة إلا أن منصبه / في المجد أعظم أن يعزى إلى نسب
ما أليق التاج معصوباً بمفرقه / ورب معتصب بالتاج مغتصب
جذلان يخلف من بادي خواطره / ما شاء من فائض الإعطاء والعطب
يقري ذنوب الرعايا عفو مغتفر / لا يبلغ الكرب منه عقدة الكرب
أرضته عن هفوات الناس قدرته / فما يكدر صفو الحلم بالغضب
وصامت أعربت عنه زماجره / بناطق من صهيل الخيل مصطخب
كالسيل والليل لا ينجو طريدهما / من المنية في الإمعان بالهرب
يرميه أروع من غسان منذ رمى / بعزمه نوب الأيام لم تنب
أعز يضرب جوني القتام له / رواق عز أكيد غير مضطرب
بيت من المجد لم يمدد له عمد / سوى الوشيج ولم يشدد إلى طنب
أغر أبلح وضاح تخر له / صيد الملوك على الأذقان والركب
يظنه الطرف فوق الطرف طود علا / تسمو إليه عيون الجحفل اللجب
تجر بين يديه من سوابقه / قب ترقرق منها الحسن في أهب
من كل أجرد مسكي الأديم له / صبغ إذا شاب رأس الليل لم يشب
وأحمر شفقي اللون متقد / بحدة الشوط لا بالسوط ملتهب
قد أدبتها سجاياه وكثرة ما / رأت وماسمعت عنه من الأدب
مسومات عراب لم تزل أبداً / تكسى وتحلى بما بزت من السلب
ترى لكل هلال من مراكبها / خيط المجرة مجروراً على اللقب
تحمل الوشي منها كل ذي شة / يغني بها عن عقود الدر والذهب
هي العتاد لمن يرمي محاربه / في كل معترك بالويل والحرب
جرد إذا جردتها كف عزمته / للغزو هزت عذاب السوط في العذب
تثير نقع دخان تحته لهب / إن الدخان لنمام على اللهب
يحكي مجر عواليها إذا رحلت / عن منزل مسحب الحيات في الكثب
خيل ترى العمر مسلوباً إذا نهشت / صدر الأعادي بحيات القنا السلب
لا يثقل الروع إلا أن يخف بها / داعي النزال عن التقريب والخبب
لانت صفاة عدو أنت قارعها / فاصلب على ملة الأوثان والصلب
فعندك الضمر الجرد التي عرفوا / وفوقهن أسود الغاب لم تغب
تزورهم شزب منها إذا ظمئت / لم ترو إلا برقراق الدم السرب
وما تخط على دين الهدى أبداً / وأنت أشفق ن أم بهم وأب
فاسعد بأيامك الحسنى التي قسمت / بين الحميدين من ماض ومرتقب
إذا تهنت بك الأيام قاطبة / فما الهناء بمقصور على رجب
تبسم في ليل الشباب مشيب
تبسم في ليل الشباب مشيب / فأصبح برد الهم وهو قشيب
وأنكرت ما قد كنتما تعرفانه / وقد يحضر الرشد الفتي ويغيب
ومن شارف الخمسين عاماً فإنه / وإن عاش بني الأهل فهو غريب
وما أبقت الدنيا علينا وإنما / سهام المنايا مخطئ ومصيب
على أن أنفاس الحياة شهية / وأرواحنا تغنى بها وتذوب
تجرعنا الأيام كأساً مريرة / وظاهرها يحلو لنا ويطيب
ونزري عليها جاهدين بألسن / تخالفها بالاعتقاد قلوب
كأن عقول الخلق سرب حمام / تحوم على أحواضها وتلوب
وكم ضاع تدبير الفتى وهو حازم / ومالت به الآمال وهو لبيب
وكم غره منها سراب بقيعة / تصدقه العينان وهو كذوب
ومن عاش في ظل القناعة لم يبل / جفاه عدو أو جفاه حبيب
خليلي قولا لليالي نيابة / ومازال خل المرء عنه ينوب
تغير بعد الصالح العيش فاغتدت / محاسن أيامي وهن عيوب
رضيت رضى المغلوب عن أخذ ثأره / ولي غضب في النائبات أديب
دعوتكم أن تصفوا من نفوسكم / فهل منكم عند الدعاء مجيب
وإلا فما عندي سوى الصبر قدرة / ألا إن صبر الصابرين قريب
وغيضت من زهر الدموع طوالعاً / لها في غروب المقلتين غروب
أيجدب خدي من ربيع مدامعي / وربعي من نعمى يديه خصيب
وتذهب عني لوعة الحزن والأسى / ولي جيئة في رزقه وذهوب
وأقصرت من ندبي له كل ساعة / وفي كبدي الحرى عليه ندوب
أينسى وفي العينين صورة وجه / ه الكريم وعهد الانتقال قريب
أراني إن حاولت نظم قصيدة / فلي غزل من ذكره ونسيب
يميل بي التشبيب نحو رثاته / كما مال طوعاً في القياد جنيب
وتجذبني أغراض وجدي ولوعتي / إليه وأغراض النفوس ضروب
فهل عنده أن الدخيل من الجوى / مقيم بقلبي ما أقام عسيب
وإن برقت سني لذكر حكاية / فإن فؤادي ماحييت كئيب
ولو أنصفت نعماك ما طعم الكرى / ولا باشرت لين المهاد جنوب
ولولا الحيا من دولة ناصرية / لما غفرت للنائبات ذنوب
طلعت طلوع الشمس والبدر غائب / فعفى طلوع ما جناه مغيب
وأقبلت الدنيا إليك تنصلاً / تقبل أذيال الثرى وتتوب
ولا منكر إن ثاب عازب رأيها / فقد تعزب الآراء ثم تثوب
وما زلت غفاراً لكل جريمة / تضيق باع الحلم وهو رحيب
لك الدهر عبد والملوك رعية / تعاقب قوماً تارة وتثيب
وهذا قميص لو سواك أراده / غدا وهو من ثوب الحياة سليب
وقطت بأطراف الرماح مطارف / عليه وغطت بالسيوف جيوب
أبت ذاك من أبناء زريك عصبة / صباح عدو صحبته عصيب
ملوك ترينا السلم والحرب كلما / تجلى جلوس عندهم وركوب
وأنت سنان في القناة التي هم / جميعاً أنابيب لها وكعوب
بك التأمت بعد انصداع شعوبهم / قبائل من آمالهم وشعوب
تحمل أثقال الوزارة عندهم / أغر بحد الحادثات لعوب
يرى غائب الأشياء حتى كأنما / تناجيه من فرط الذكاء غيوب
يروع قلوباً أو يروق نواظراً / بوجه كثير البشر وهو مهيب
يلين لنا طوراً ويصلب تارة / كذاك القنا يهتز وهو صليب
نهضت بهذا الأمر نهضة حازم / يسكن قلب الحزم وهو نهيب
وقام بتدبير الزمان وأهله / خبير بداء المعضلات طبيب
وسومتها ملمومة ناصرية / تكف جماح الدهر وهو شبوب
إذا شجرات الخط فيها تشاجرت / فليس لريح بينهن هبوب
يليق بك الملك العظيم لأنه / أخ لك من دون الورى ونسيب
تفرعتها من دولة صالحية / نما في العلى أصل لها وقضيب
وقد جمعت فيك السيادة كلها / وغصنك من ماء الشباب رطيب
فما شيمة للمجد إلا وقد غدا / لها منك حظ وافر ونصيب
سماحة كف لايزال نوالها / يعلم كف الغيث كيف تصوب
وهيبة بأس لو أذمت بنانها / لشرخ شباب لم يرعه مشيب
مددت بساط العدل حتى تصاحبت / بعدلك شاة في الفلاة وذيب
وباشرت أحكام المظالم حسبة / لك الله فيها بالثواب حسيب
تناهيت في الإنصاف والعدل فانتهت / عقارب من جور لهن دبيب
وساويت في ميزان عدلك بيننا / فخاف بريء واستقام مريب
وأوجبت فرض الحج بعد سقوطه / فأضحى له بعد السقوط وجوب
ويسرت قصد البيت من بعد عسرة / فضاقت بحار بالورى وسهوب
فللفلك في طامي البحار تحدر / وللعيس في بحر السراب رسوب
وكان لبيت الله في كل موسم / عويل على زواره ونحيب
ينادي ملوك الأرض شرقاً ومغرباً / ألا سامع يدعى به فيجيب
فلما أتت أيامك البيض لانقضت / وخطبتها للزمان خطوب
بذلت عن الوفد الحجيج تبرعاً / مواهب لم يسمح بهن وهوب
سبقت بها أهل العراق وغيرهم / وأنت إلى كسب الثواب وثوب
تركت بها في الأخشبين نضارة / وكان بوجه الأخشبين شحوب
وحطت به عن ذمة بن فليتة / وذمة أهل الأبطحين ذنوب
وأبقيتها وقفاً على البر خالصاً / وفي بر قوم خالص ومشوب
إذا جف عود الزرع فهي مريعة / وإن جف در الضرع فهي حلوب
وهنئت عاماً لو أعبر عبارة / غدا وهو مثلي في علاك خطيب
مقامك من فضل وفصل خطاب
مقامك من فضل وفصل خطاب / مقام هدى من سنة وكتاب
مقام له بيت النبوة منصب / ومن مستقر الوحي خير نصاب
إذا استدعنا باب رزق ورحمة / حططنا المنى منه بأوسع باب
وكل دعاء لم يشيع بذكره / فليس بمرفوع ولا بمجاب
ومن شرف الإخلاص أن وليه / يؤوب إلى طوبى وحسن مآب
محاسن مجد أعجزت كل حاسب / وفائض إحسان بغير حساب
ولما تراءت للهلال بصائر / يغطي الهوا أبصارها بضباب
وقفنا فهنأنا الصيام بعاضد / سناه مدى الأيام ليس بخاب
وأين سرار الدهر من ذي أسرة / نقيبته ليست بذات نقاب
إذا رفعوا يوم السلام حجابه / بدا لي من الإجلال خلف حجاب
يشف وراء الستر باهر نوره / كما شف بدر من وراء سحاب
ويكبر عن لفظ السلام وإنما / يحيا بتعفير ولثم تراب
وتتهم الأقوال فرط مهابة / وإن نحن لم ننطق بغير صواب
نبوة جد أحرزتها بنوة / لكم دون أعمام ودون صحاب
فما لقصي وهي منها قصية / تمالئ في ميراثكم وتحابي
فقل لرجال زاحموكم غباوة / على حقكم أو زاحموا بتغاب
سلوا آخر الأنفال من يستحقها / ففي آخر الأنفال خير جواب
أليس أولو الأرحام أولى ببعضهم / فلم تحجب القربى بغير قراب
ومذ طلعت من جانب الغرب شمسكم / أضاء بها في الأرض كل جناب
وآبت إليكم دولة علوية / أقرت علاكم عينها بإياب
وما هي إلا الرمح عاد سنانه / إليه وإلا السيف نحو قراب
وشيدت من مجد الخلافة ما وهي / بليلة محراب وليل حراب
وسجلين يأوي الأمر والنهي منهما / إلى مشرب عذب وسوط عذاب
وأطلعت فيه من بنيك كواكباً / جلوا من صدا الأيام كل خضاب
وفي كل قطر منهم لك كوكب / لكل رجيم منه رجم شهاب
وأيدك الرحمن بالكامل الذي / عمرت به الأيام بعد خراب
أمير الجيوش الحاسم الداء بعدما / مشى من أديم الملك تحت إهاب
أبي الفتح هادي كل داع إلى الهدى / بفيصل خطب أو بفضل خطاب
تضاحكه من كل ثغر فتوحه / كما أضحك الأحباب كأس حباب
وزير تمنته النوزارة أولاً / وثانية عفواً بغير طلاب
فخانته في الأولى بطانة وده / ورب حبيب في قميص حباب
وجاءته تبغي الصلح ثاني مرة / فلم يرض إلا بعد رب رقاب
وأنقذت مصراً من عدو بمثله / فلله من ظفر فللت وناب
صدمت جموع الشام والشام صدمة / أقمت بها للقوم سوق ضراب
وجندت في أجناد مصر عزائماً / مضاربها في الصخر غير نواب
تولوا عن الإفرنج فادح ثقلها / ودارت رحاهم منهم بهضاب
أقامت دروع الجند تسعين ليلة / ثياباً لهم ما بدلت بثياب
وهم بين مطروح هناك وطارح / وبين مصيب خصمه ومصاب
ومنك استفاد الجيش كل فضيلة / لأنك بحر مدهم بثغاب
ومنك لهم في كل هم ومطلب / تحمل أعباء وفيض عباب
ولما طرا كسر العمود جبرتهم / فيا طيب شهد بعد مطعم صاب
وف ينصرهم سارت بنوك مواكباً / إلى عرب الريفين فوق عراب
فوارس من آل المجير ترى لهم / سريرة غيب في ضراغم غاب
وسارت إليهم عزمة كاملية / ترد صعاب الدهر غير صعاب
فطاروا حذاراً من شجاع بن شاور / مطار عقاب لا مطار عُقاب
وغادرهم إما طريد تنوفة / سحوق وإما مغنماً لنهاب
فتى أصبحت أعمال مصر مضافة / إلى معقلي قب له وقباب
رديفك في متن الوزارة والعلى / وتاليك في صفر لها ولباب
وما لحتما في الدست إلا بدا لنا / وقار مشيب واعتزام شباب
وأحسنتما عون الإمام ونبتما / له في أمور الملك خير مناب
بقيتم فإني لا أريد زيادة / على حالتي من رفعة وثواب
في مثل ذا الموقف المشهود تحتلب
في مثل ذا الموقف المشهود تحتلب / غر القوافي وتستنقى وتنتخب
هذا المقام الذي لولا كرامته / ما أشرفت في السماء السبعة الشهب
هذا المقام الذي لولا أوامره / لم يشرف البيت والأستار والحجب
نور البنوة في ذا الدست مؤتلق / بالناظرين ونار العزم تلتهب
تمسي وتصبح في إيوانه أبداً / بيض المنى والمنايا السود تصطخب
في صدره فائز بالنصر محتجب / بنوره وبتاج العز معتصب
مبارك الوجه ميمون نقيبته / تجلى بطلعة الأحداث والنوب
انظر إلى وجهه تنظر إمام هدى / خير الورى رضي الأملاك أم غضبوا
لا يستوي وملوك الأرض في شرف / إلا كما يتساوى الصفر والذهب
من معشر شابت الدنيا ومجدهم / غض وأثوابه فضفاضة قشب
لولا الصلاة عليكم ما استجيب لمن / يدعو ولا رفعت عن دعوة حجب
وأنتم العروة الوثقى فلا انفصمت / وحبكم في دخول الجنة السبب
وفي مدائحكم فخر لمادحكم / وفي ولائكم ذخر ومنقلب
مما كسا المدح فخراً وطيب ذكركم / والصدق يشرق مهما أظلم الكذب
مناقب كالنجوم الزهر قد ملئت / بحسن أوافها الأسماع والكتب
جاءت لها سور القرآن مادحة / فما عسى يتعاطى الشعر والخطب
لله في أهل هذا القصر سابقة / من الإرادة من أسرارها عجب
لما أراد ابن باديس إزالتهم / والناصرون لأنوار الهدى غيب
أبت عليهم يد آلية ويد / تعزى إلى آل رزيك وتنتسب
لولا الوزير أبو الغارات ما خفقت / للنصر في القصر رايات ولا عذب
ولا اعتزى لعلي عند نازلة / من القبيلين لا عجم ولا عرب
لما جلبت إليه الخيل مقربة / لم يحمه منك إلا الشحط والهرب
إضافة الملك لما جئت زائره / كرامة ما لها إلا الظبا سبب
ولى ويا بئس ما أولى مواليه / ولو تعاينتما لم ينجه الهرب
وأيد الله دين الحق منك بذي / يد لها في الوغى التأييد والغلب
أغنته أفعاله عن فخره بعلى / أست قواعدها آباؤه النجب
والمرء من هم فاستغنى بهمته / عما بناه له جد مضى وأب
حمى حريم المعالي عزمه فغدت / أكنافه كعرين الليث يجتنب
يصاحب الذئب فيها الشاة مؤتمناً / على المغيب وإن أودى به السغب
فما يرى الروح فيها وهو مختطف / ولا يرى المال منها وهو منتهب
وهل يراع لها سرب وقد ضمنت / بأمن من حل فيها البيض واليلب
وسطوة لو خلت من عفو مقتدر / على العصاة لكاد الجو يلتهب
ورحمة شكر الرحمن رأفتها / يطفي بها الحلم ناراً شبها الغضب
وراحة تهب الدنيا وما احتسب / بها صنيعاً وما اعتدت بما تهب
وسيرة سار عنه من حكايتها / ذكر جميل تمنت مثله السحب
أضاف من منة التشريف لي منناً / لا ينهض الشكر منها بالذي يجب
أجلها موقفي هذا بحيث أرى / نور الهدى رفعت عن وجهه الحجب
حسبي بخدمتكم بين الورى حسباً / إن ضل بي نسب أو قل بي حسب
فأنتم يا بني الزهراء لا انصرمت / أيامكم كالحيا ماض ومرتقب
يعلو على الناس أدناها بخدمتكم / وتستفاد بها العلياء والرتب
يا بن البني نداء ما لصاحبه / قلب إلى غير حسن الظن ينقلب
قد قابلتك القوافي وهي واثقة / أن لا يقول رجاها أعوز الطلب
كم موقف لك قد نادى نداك به / يا مادحين لكف المادح السلب
وأنت أكرم أن تدعى لمكرمة / تقضي عليك بها العلياء والحسب
يهني الأهلة إن قابلت وافدها / ومعقل الملك من سمر القنا أشب
ووجه دولتك الغراء مبتسم / وثغرها واضح عذب اللمى شنب
مضى جمادى وفي أحشائه حرق / من الفراق الذي ما ذاقه رجب
وربما حفزت شعبان داعية / من المحبة يحدو عيسها الطرب
فاسعد بأيام ماضيها ومقبلها / ما استحقبتها على أعجازها الحقب
ممتعاً ببقاء الصالح الملك ال / حاني إذا ما جفا ابنا أب حدب
فرض على الشعر أن يبدا بما يجب
فرض على الشعر أن يبدا بما يجب / من الهناء الذي وافى له رجب
وأن تنافسه الأيام منزلة / كل المواسم ترجوها وترتقب
فاسعد به ألف عام واقتبل عمراً / تملا حقائبهما من ذكره الحقب
فإنما الدين والدنيا وأهلهما / رحى وأنت إذا دارت لها القطب
بالعاضد اشتد عضد الحق وامتسكت / عرى الهدى وهو في إمساكها السبب
خليفة لو تراخى عقد بيعته / لسابقتنا إليها السبعة الشهب
تدارك الله شمل المؤمنين به / في حيث كادت عصا الإيمان تتشعب
وألف الله شتات القلوب على ولائه / فهي عنه ليس تنقلب
عمت رعايته أقصى رعيته / حتى استوى نازح فيها ومقترب
وأصبح الناس إخواناً بنعمته / كأن نعمته أم لهم وأب
قرت عيون الليالي من خلافته / بمن أقر حشاها وهي تضطرب
أغر تشهد لي أنوار غرته / بصدق ما أودعت من ذكره الكتب
إذا رأته عيون الأمة استبقت / إلى السجود له الأذقان والركب
لا تنظرن مجازاً حين ترمقه / فللحقيقة سر عنك محتجب
وكعبة الله لولا قدرها حجر / ومندل الهند لولا عرفه حطب
من دوحة المصطفى الهادي التي كرمت / فيها المنابت والأغصان والشعب
أحييتم ذكره فيها وسنته / ولم يمت سلف أنتم له عقب
يهدى بكم كل جيل تطلعون به / كأنكم في سماوات العلى الشهب
مازال منصبكم هذا يقوم به / من نسلكم قائم في الله محتسب
يا طالب الشرف الأقصى ولو عدمت / بنو أبي طالب ما أنجح الطلب
لا تخدعن فإن القوم اشرف من / يسمو به المجد أو تعلو به الرتب
ما الأجر والفخر إلا في محبتهم / فلا يتم عليك الزور والكذب
لولا اتباع قريش دين جدهم / طوعاً وكرهاً لما دانت لها العرب
وليت أن نفوس الناس إذ قعدت / عن القيام بنعماهم بما يجب
تجنبتهم بسجليها متاركة / فلا نصيب أنالتهم ولانصب
ولو تولت بنو رزيك نصرتهم / في سالف الدهر ما نابتهم النوب
المضمرون من الإخلاص ما عجزت / عن حل عقدته الأوهام والريب
خضارم تنزل الأرزاق إن نزلوا / أرضاً وتركبها الآجال إن ركبوا
صيد يقوم مقام الألف واحدهم / غلب إذا وقفوا في حيز غلبوا
أندى الملوك وجوهاً غير أنهم / ترضى المواضي بأيدهم إذا غضبوا
لا تنكر الدولة الغراء إذ كسرت / كسر الزجاج ما من كسرها شعبوا
هم قواعدها السفلى وذروتها ال / عليا وأوتادها المرساة والطنب
إن فاتهم حرب صفين فقد بلغوا / في مصر من نصركم أضعاف ما طلبوا
ثاروا لثأر أبي المنصور فانكشفت / بكاشف الغمة الأهوال والكرب
الصالح المبتغى من صهركم نسباً / بعصمة وهو في دين الهدى سبب
وكل حبل ولاء لا يناط إلى / ولائكم فهو عند الله منقضب
إنا إلى الله في الدنيا على مهج / لها مصير إلى الأخرى ومنقلب
شكت فراق أبي الغارات أربعة / الملك والنسك والمعروف والأدب
في مثل ذا اليوم إجلالاً وتهنئة / كانت تزف له الأشعار والخطب
فنافستا المنايا منه في ملك / لنفسه في سبيل الله يحتسب
مضى وأعقب من ذخر الأئمة من / يزهو به الأشرفان المجد والحسب
متوج ناب فينا بعد والده / نيابة البحر لما غابت السحب
فكل معتصب بالتاج غير أبي ال / شجاع فهو لهذا الحق مغتصب
وهل أحق بصدر الدست من ملك / له من الملك موروث ومكتسب
عالي المحلين من مجد ومن همم / أذياله فوق وجه السحب تنسحب
لا يستوي وملوك الأرض في شرف / إلا كما يتساوى الجد واللعب
يبدو تحجبه عنا مهابته / فوجهه الطلق باد وهو محتجب
ما أن تبسم عنه وجه مجلسه / فقام إلا وفي ثغر الندى شنب
ولا غزونا أياديه بمسألة / إلا سلبناه ما يقنى القنا السلب
تهل نعمته طوراً ونقمته / من راحة شأنها الإعطاء والعطب
في كل حبة قلب من محبته / عقيدة باعثاها الرعب والرغب
قد استرقت قلوب العالمين له / مهابة يتلافاها بما يهب
وراحة لم تزل تهمي ندى وردى / مثل الغمامة فيها الماء واللهب
لا يعدمنك أمير المؤمنين فما / في نفسه غير أن تبقى له أرب
لأنه مقلة الدنيا وناظرها / وأنت حاجبها والجفن والهدب
أوجبت في ذمة الأشعار والخطب
أوجبت في ذمة الأشعار والخطب / ديناً أبا حسن يبقى على الحقب
لم يبق مجدك في التشبيب لي أرباً / حسب المدائح ما شيدت من حسب
شغلتها باقتضاب المكرمات فما / يلقى علاك بمدح غير مقتضب
مناقب سجلت لي وهي صادقة / أمان صدق من التخريف و الكذب
أيامك البيض لا تحصى وأفضلها / يوم خصصت به في قاعة الذهب
وفيت للصالح الهادي وقد بعدت / عنه الصنائع من ناء ومقترب
فعلت فعل علي يا علي وقد / فدى نبي الهدى بل سيد العرب
لما أتتك بنات الموت سائلة / وهبت روحك مختاراً ولم تهب
أقدمت وحدك إقدام الليوث على / هول يمهد عذر الليث في الهرب
آثار سيفك أجلى من روايتنا / و السيف أصدق أنباء من الكتب
أرهفته بيمين غير طائشة / عند الضراب وعزم غير مضطرب
فهل بنانك أقوى أم جنانك إذ / شطبت بالسيف متن السيف ذي الشطب
أنت المقدم في بأس وفي كرم / إن كنت ترضى بهذا النعت واللقب
وإن كرهت فأنت المستغاث به / بعد المهيمن في الأحداث والنوب
لولا حفاظك يوم القصر لاضطربت / قواعد الملك واحتاجت إلى التعب
لولا ثباتك والألباب خافقة / لم ينج روح الهدى من راحة العطب
لولا بلائك في البلوى أبا حسن / مازال عنا غمام الغم والكرب
جادت ضريح أبي الغارات غادية / من رحمة الله لا من هاطل السحب
أقسمت والقسم المبرور مفترض / بالله والبيت ذي الأستار والحجب
لو عاش أثنى بما أوليت من حسن / ثناء معترف بالحق محتسب
وقد رأيت قبيحاً أن أكون له عبد / اصطناع وإني عنه لم أنب
وأين موقع أقوال وقيمتها / من قوله وهو سامي القول والرتب
مابين قدر كلامينا إذا عرضا / إلا كما بين قدر الصفر والذهب
لكن مدك دين ليس يمكنني / إلا القيام به عن ذمة الأدب
وما يقوم بنعماك التي سبغت / نظم ونثر ولو صيغا من الشهب