المجموع : 123
أَلا لَيتَ رَيعانَ الشَبابِ جَديدُ
أَلا لَيتَ رَيعانَ الشَبابِ جَديدُ / وَدَهراً تَوَلّى يا بُثَينَ يَعودُ
فَنَبقى كَما كُنّا نَكونُ وَأَنتُمُ / قَريبٌ وَإِذ ما تَبذُلينَ زَهيدُ
وَما أَنسَ مِنَ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها / وَقَد قُرِّبَت نَضوي أَمِصرَ تُريدُ
وَلا قَولَها لَولا العُيونُ الَّتي تَرى / لَزُرتُكَ فَاِعذُرني فَدَتكَ جُدودُ
خَليلَيَّ ما أَلقى مِنَ الوَجدِ باطِنٌ / وَدَمعي بِما أُخفي الغَداةَ شَهيدُ
أَلا قَد أَرى وَاللَهِ أَن رُبَّ عُبرَةٍ / إِذا الدار شَطَّت بَينَنا سَتَزيدُ
إِذا قُلتُ ما بي يا بُثَينَةُ قاتِلي / مِنَ الحُبِّ قالَت ثابِتٌ وَيَزيدُ
وَإِن قُلتُ رُدّي بَعضَ عَقلي أَعِش بِهِ / تَوَلَّت وَقالَت ذاكَ مِنكَ بَعيدُ
فَلا أَنا مَردودٌ بِما جِئتُ طالِباً / وَلا حُبُّها فيما يَبيدُ يَبيدُ
جَزَتكَ الجَوازي يا بُثَينَ سَلامَةً / إِذا ما خَليلٌ بانَ وَهُوَ حَميدُ
وَقِلتُ لَها بَيني وَبَينَكِ فَاِعلَمي / مِنَ اللَهِ ميثاقٌ لَهُ وَعُهودُ
وَقَد كانَ حُبّيكُم طَريفاً وَتالِداً / وَما الحُبُّ إِلّا طارِفٌ وَتَليدُ
وَإِنَّ عَروضَ الوَصلِ بَيني وَبَينَها / وَإِن سَهَّلَتهُ بِالمُنى لَكَؤودُ
وَأَفنَيتُ عُمري بِاِنتِظارِيَ وَعدَها / وَأَبلَيتُ فيها الدَهرَ وَهوَ جَديدُ
فَلَيتَ وُشاةَ الناسِ بَيني وَبَينَها / يَدوفُ لَهُم سُمّاً طَماطِمُ سودُ
وَلَيتَهُمُ في كُلِّ ممسىً وَشارِقٍ / تُضاعفُ أَكبالٌ لَهُم وَقُيودُ
وَيَحسَبُ نِسوانٌ مِنَ الجَهلِ أَنَّني / إِذا جِئتُ إِيّاهُنَّ كُنتُ أُريدُ
فَأَقسِمُ طَرفي بَينَهُنَّ فَيَستَوي / وَفي الصَدرِ بَونٌ بَينَهُنَّ بَعيدُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً / بِوادي القُرى إِنّي إِذَن لَسَعيدُ
وَهَل أَهبِطَن أَرضاً تَظَلُّ رِياحُها / لَها بِالثَنايا القاوِياتِ وَئيدُ
وَهَل أَلقَيَن سُعدى مِنَ الدَهرِ مَرَّةً / وَما رَثَّ مِن حَبلِ الصَفاءِ جَديدُ
وَقَد تَلتَقي الأَشتاتُ بَعدَ تَفَرُّقٍ / وَقَد تُدرَكُ الحاجاتُ وَهيَ بَعيدُ
وَهَل أَزجُرَن حَرفاً عَلاةً شِمِلَّةً / بِخَرقٍ تُباريها سواهِمُ قودُ
عَلى ظَهرِ مَرهوبٍ كَأَنَّ نَشوزَهُ / إِذا جازَ هُلّاكُ الطَريقِ رُقودُ
سَبَتني بِعَينَي جُؤذُرٍ وَسطَ رَبرَبٍ / وَصَدرٌ كَفاثورِ اللُجَينِ وَجيدُ
تَزيفُ كَما زافَت إِلى سَلِفاتِها / مُباهِيَةٌ طَيَّ الوِشاحِ مَيودُ
إِذا جِئتُها يَوماً مِنَ الدَهرِ زائِراً / تَعَرَّضَ مَنفوضُ اليَدَينِ صَدودُ
يَصُدّ وَيُغضي عَن هَوايَ وَيَجتَني / ذَنوباً عَلَيها إِنَّهُ لَعَنودُ
فَأَصرِمُها خَوفاً كَأَنّي مُجانِبٌ / وَيَغفلُ عَنّا مَرَّةً فَنَعودُ
وَمَن يُعطَ في الدُنيا قَريناً كَمِثلِها / فَذَلِكَ في عَيشِ الحَياةِ رَشيدُ
يَموتُ الهَوى مِنّي إِذا ما لَقيتُها / وَيَحيا إِذا فارَقتُها فَيَعودُ
يَقولونَ جاهِد يا جَميلُ بِغَزوَةٍ / وَأَيَّ جِهادٍ غَيرُهُنَّ أُريدُ
لِكُلِّ حَديثٍ بَينَهُنَّ بَشاشَةٌ / وَكُلُّ قَتيلٍ عِندَهُنَّ شَهيدُ
وَأَحسَنُ أَيّامي وَأَبهَجُ عيشَتي / إِذا هيجَ بي يَوماً وَهُنَّ قُعودُ
تَذَكَّرتُ لَيلى فَالفُؤادُ عَميدُ / وَشَطَّت نَواها فَالمَزارُ بَعيدُ
عَلِقتُ الهَوى مِنها وَليداً فَلَم يَزَل / إِلى اليَومِ يَنمي حُبُّها وَيَزيدُ
فَما ذُكِرَ الخلّانُ إِلّا ذَكَرتُها / وَلا البُخلُ إِلّا قُلتُ سَوفَ تَجودُ
إِذا فَكَّرَت قالَت قَدِ اِدرَكتُ وُدَّهُ / وَما ضَرَّني بُخلي فَكَيفَ أَجودُ
فَلَو تُكشَفُ الأَحشاءُ صودِفَ تَحتُها / لبَثنَةَ حُبٌّ طارِفٌ وَتَليدُ
أَلَم تَعلَمي يا أُمَّ ذي الوَدعِ أَنَّني / أُضاحِكُ ذِكراكُم وَأَنتِ صَلودُ
فَهَل أَلقَيَن فَرداً بُثَينَةَ لَيلَةً / تَجودُ لَنا مِن وُدِّها وَنَجودُ
وَمَن كانَ في حُبّي بُثَينَةَ يَمتَري / فَبَرقاءُ ذي ضالٍ عَلَيَّ شَهيدُ
أَلَم تَسأَلِ الدارَ القَديمَةَ هَل لَها
أَلَم تَسأَلِ الدارَ القَديمَةَ هَل لَها / بِأُمِّ حُسَينٍ بَعدَ عَهدِكَ مِن عَهدِ
سَلي الركبَ هَل عُجنا لِمَغناكِ مَرَّةً / صُدورَ المَطايا وَهيَ موقَرَةٌ تَخدي
وَهَل فاضَتِ العَينُ الشَروقُ بِمائِها / مِن اجلِكِ حَتّى اِخضَلَّ مِن دَمعِها بَردي
وَإِنّي لَأَستَجري لَكِ الطَيرَ جاهِداً / لَتَجري بِيُمنٍ مِن لِقائِكِ أَو سَعدِ
وَإِنّي لَأَستَبكي إِذا الركبُ غَرَّدوا / بِذِكراكِ أَن يَحيا بِكِ الركبُ إِذ يَحدي
فَهَل تَجزِيَنّي أُمُّ عَمروٍ بِودِّها / فَإِنَّ الَّذي أُخفي بِها فَوقَ ما أُبدي
وَكُلُّ مُحِبٍّ لَم يَزِد فَوقَ جُهدِهِ / وَقَد زِدتُها في الحُبِّ مِنّي عَلى الجُهدِ
إِذا ما دَنَت زِدتُ اِشتِياقاً وَإِن نَأَت / جَزِعتُ لِنَأيِ الدارِ مِنها وَلِلبُعدِ
أَبى القَلبُ إِلّا حُبَّ بَثنَةَ لَم يُرِد / سِواها وَحُبَّ القَلبِ بَثنَةَ لا يُجدي
تَعَلَّقَ روحي روحَها قَبلَ خَلقِنا / وَمِن بَعدِ ما كُنّا نِطافاً وَفي المَهدِ
فَزادَ كَما زدنا فَأَصبَحَ نامِياً / وَلَيسَ إِذا متنا بِمُنتَقَضِ العَهدِ
وَلَكِنَّهُ باقٍ عَلى كُلِّ حالَةٍ / وَزائِرُنا في ظُلمَةِ القَبرِ وَاللحدِ
وَما وَجَدَت وَجدي بِها أُمُّ واحِدٍ / وَلا وَجَدَ النَهدِيُّ وَجدي عَلى هِندِ
وَلا وَجَدَ العُذرِيُّ عُروَةُ إِذ قَضى / كَوَجدي وَلا مَن كانَ قَبلي وَلا بَعدي
عَلى أَنَّ مَن قَد ماتَ صادَفَ راحَةً / وَما لِفُؤادي مِن رَواحٍ وَلا رُشدِ
يَكادُ فَضيضُ الماءِ يَخدِشُ جلدها / إِذا اِغتَسَلَت بِالماءِ مِن رِقَّةِ الجِلدِ
وَإِنّي لَمُشتاقٌ إِلى ريحِ جَيبِها / كَما اِشتاقَ إِدريسٌ إِلى جَنَّةِ الخُلدِ
لَقَد لامَني فيها أَخٌ ذو قَرابَةٍ / حَبيبٌ إِلَيهِ في مَلامَتِهِ رُشدي
وَقالَ أَفِق حَتّى مَتى أَنتَ هائِمٌ / بِبَثنَةَ فيها قَد تُعيدُ وَقَد تُبدي
فَقُلتُ لَهُ فيها قَضى اللَهُ ما تَرى / عَليَّ وَهَل فيما قَضى اللَهُ مِن رَدِّ
فَإِن كانَ رُشداً حُبُّها أَو غِوايَةً / فَقَد جِئتُهُ ما كانَ مِنّي عَلى عَمدِ
لَقَد لَجَّ ميثاقٌ مِنَ اللَهِ بَينَنا / وَلَيسَ لِمَن لَم يوفِ لِلَّهِ مِن عَهدِ
فَلا وَأَبيها الخَير ما خُنتُ عَهدَها / وَلا لِيَ عِلمٌ بِالَّذي فَعَلَت بَعدي
وَما زادَها الواشونَ إِلّا كَرامَةً / عَلَيَّ وَما زالَت مَوَدَّتُها عِندي
أَفي الناسِ أَمثالي أَحَبَّ فَحالُهُم / كَحالي أَم اَحبَبتُ مِن بَينِهِم وَحدي
وَهَل هَكَذا يَلقى المُحِبّونَ مِثلَ ما / لَقيتُ بِها أَم لَم يَجِد أَحَدٌ وَجدي
يَغورُ إِذا غارَت فُؤادي وَإِن تَكُن / بِنَجدٍ يَهِم مِنّي الفُؤادُ إِلى نَجدِ
أَتَيتُ بَني سَعدٍ صَحيحاً مُسَلَّماً / وَكانَ سَقامَ القَلبِ حُبُّ بَني سَعدِ
خَليلَيَّ عوجا اليَومَ حَتّى تُسَلّما
خَليلَيَّ عوجا اليَومَ حَتّى تُسَلّما / عَلى عَذبَةِ الأَنيابِ طَيِّبَةِ النَشرِ
فَإِنَّكُما إِن عُجتُما لِيَ ساعَةً / شَكَرتُكُما حَتّى أُغَيَّبَ في قَبري
أَلِمّا بِها ثُمَّ اِشفِعا لي وَسَلِّما / عَلَيها سَقاها اللَهُ مِن سائِغِ القَطرِ
وَبوحا بِذِكري عِندَ بُثنَةَ وَاِنظُرا / أَتَرتاحُ يَوماً أَم تَهَشَّ إِلى ذِكري
فَإِن لَم تَكُن تَقطَع قُوى الوُدّ بَينَنا / وَلَم تَنسَ ما أَسلَفتُ في سالِفِ الدَهرِ
فَسَوفَ يُرى مِنها اِشتِياقٌ وَلَوعَةٌ / بِبَينٍ وَغَربٌ مِن مَدامِعِها يَجري
وَإِن تَكُ قَد حالَت عَنِ العَهدِ بَعدَنا / وَأَصغَت إِلى قَولِ المُؤَنِّبِ وَالمُزري
فَسَوفَ يُرى مِنها صُدودٌ وَلَم تَكُن / بِنَفسِيَ مِن أَهلِ الخِيانَةِ وَالغَدرِ
أَعوذُ بِكَ اللَهُمَّ أَن تَشحَطَ النَوى / بِبَثنَةَ في أَدنى حَياتي وَلا حَشري
وَجاوِر إِذا ما متُّ بَيني وَبَينَها / فَيا حَبَّذا مَوتي إِذا جاوَرَت قَبري
عَدِمتُكَ مِن حُبٍّ أَما مِنكَ راحَةٌ / وَما بِكَ عَنّي مِن تَوانٍ وَلا فَترِ
أَلا أَيُّها الحُبُّ المُبَرِّحُ هَل تَرى / أَخا كَلَفٍ يُغرى بِحُبٍّ كَما أُغري
أَجِدَّكَ لا تَبلي وَقَد بَلِيَ الهَوى / وَلا يَنتَهي حُبّي بُثَينَةَ لِلزَجرِ
هِيَ البَدرُ حُسناً وَالنِساءُ كَواكِبٌ / وَشَتّانَ ما بَينَ الكَواكِبِ وَالبَدرِ
لَقَد فضّلَت حُسناً عَلى الناسِ مِثلَما / عَلى أَلفِ شَهرٍ فُضِّلَت لَيلَةُ القَدرِ
عَلَيها سَلامُ اللَهِ مِن ذي صَبابَةٍ / وَصَبٍّ مُعَنّىً بِالوَساوِسِ وَالفِكرِ
وَإِنَّكُما إِن لَم تَعوجا فَإِنَّني / سَأَصرِفُ وَجدي فَأذَنا اليَومَ بِالهَجرِ
أَيَبكي حَمامُ الأَيكِ مِن فَقدِ إِلفِهِ / وَأَصبِرُ ما لي عَن بُثَينَةَ مِن صَبرِ
وَما لِيَ لا أَبكي وَفي الأَيكِ نائِحٌ / وَقَد فارَقَتني شَختَةُ الكَشحِ وَالخَصرِ
يَقولونَ مَسحورٌ يُجَنُّ بِذِكرِها / وَأُقسِمُ ما بي مِن جُنون وَلا سِحرِ
وَأُقسِمُ لا أَنساكِ ما ذَرَّ شارِقٌ / وَما هَبَّ آلٌ في مُلَمَّعَةٍ قَفرِ
وَما لاحَ نَجمٌ في السَماءِ مُعَلَّقٌ / وَما أَورَقَ الأَغصانُ مِن فَنَنِ السَدرِ
لَقَد شُغِفَت نَفسي بُثَينَ بِذِكرِكُم / كَما شُغِفَ المَخمورُ يا بَثنَ بِالخَمرِ
ذَكَرتُ مَقامي لَيلَةَ البانِ قابِضاً / عَلى كَفِّ حَوراءِ المَدامِعِ كَالبَدرِ
فَكِدتُ وَلَم أَملِك إِلَيها صَبابَةً / أَهيمُ وَفاضَ الدَمعُ مِنّي عَلى نَحري
فَيا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً / كَلَيلَتِنا حَتّى نَرى ساطِعَ الفَجرِ
تَجودُ عَلَينا بِالحَديثِ وَتارَةً / تَجودُ عَلَينا بِالرُضابِ مِنَ الثَغرِ
فَيا لَيتَ رَبّي قَد قَضى ذاكَ مَرَّةً / فَيَعلَم رَبّي عِندَ ذَلِكَ ما شُكري
وَلَو سَأَلَت مِنّي حَياتي بَذَلتُها / وَجدتُ بِها إِن كانَ ذَلِكَ مِن أَمري
مَضى لي زَمانٌ لَو أُخَيَّرُ بَينَهُ / وَبَينَ حَياتي خالِداً آخِرَ الدَهرِ
لَقُلتُ ذَروني ساعَةً وَبُثَينَةً / عَلى غَفلَةِ الواشينَ ثُمَّ اِقطَعوا عُمري
مُفَلَّجَةُ الأَنيابِ لَو أَنَّ ريقَها / يُداوى بِهِ المَوتى لَقاموا بِهِ مِنَ القَبرِ
إِذا ما نَظَمتُ الشِعرَ في غَيرِ ذِكرِها / أَبي وَأَبيها أَن يُطاوِعَني شِعري
فَلا أُنعِمَت بَعدي وَلا عِشتُ بَعدَها / وَدامَت لَنا الدُنيا إِلى مُلتَقى الحَشرِ
يا صاحِ عَن بَعضِ المَلامَةِ أَقصِرِ
يا صاحِ عَن بَعضِ المَلامَةِ أَقصِرِ / إِنَّ المُنى للِقاء أُمّ المِسوَرِ
وَكَأَنَّ طارِقَها عَلى علَلِ الكَرى / وَالنَجمُ وَهناً قَد دَنا لِتَغورِ
يَستافُ ريحَ مَدامَةٍ مَعجونَةٍ / بِذَكِيِّ مِسكٍ أَو سَحيقِ العَنبَرِ
إِنّي لَأَحفَظُ غَيبَكُم وَيَسُرُّني / لَو تَعلَمينَ بِصالِح أَن تُذكَري
وَيَكونُ يَومٌ لا أَرى لَكِ مُرسَلاً / أَو نَلتَقي فيهِ عَلَي كَأَشهُرِ
يا لَيتَني أَلقى المَنِيَّةَ بغتَةً / إِن كانَ يَومُ لِقائِكُم لَم يقدرِ
أَو أَستَطيعُ تَجَلُّداً عَن ذِكرِكُم / فَيفيقُ بَعضُ صَبابَتي وَتُفَكِّري
لَو تَعلَمينَ بِما أُجِنُّ مِنَ الهَوى / لَعَذَرتِ أَو لَظَلَمتِ إِن لَم تَعذِري
وَاللَهِ ما لِلقَلبِ مِن عِلمٍ بِها / غَيرُ الظُنونِ وَغَيرُ قَولِ المُخبِرِ
لا تَحسَبي أَنّي هَجَرتُكِ طائِعاً / حَدَثٌ لَعَمرُكِ رائِعٌ أَن تُهجَري
وَلَتَبكِيَنّي الباكِياتُ وَإِن أَبُح / يَوماً بِسِرِّكِ مُعلِناً لَم أُعذَرِ
يَهواكِ ما عِشتُ الفُؤادُ فَإِن أَمُت / يَتبَع صَدايَ صَداكِ بَينَ الأَقبُرِ
إِنّي إِلَيكِ بِما وَعَدتِ لناظِرٌ / نَظَرَ الفَقيرِ إِلى الغَنِيِّ المُكثِرِ
تُقضى الدُيونُ وَلَيسَ يُنجِزُ مَوعِداً / هَذا الغَريمُ لَنا وَلَيسَ بِمُعسِرِ
ما أَنتِ وَالوَعد الَّذي تَعِديني / إِلّا كَبَرقِ سَحابَةٍ لَم تُمطِرِ
قَلبي نَصَحتُ لَهُ فَرَدَّ نَصيحَتي / فَمَتى هَجَرتيهِ فَمِنهُ تَكَثَّري
أَغادٍ أَخي مِن آلِ سَلمى فَمُبكِرُ
أَغادٍ أَخي مِن آلِ سَلمى فَمُبكِرُ / أَبِن لي أَغادٍ أَنت أَم مُتَهَجِّرُ
فَإِنَّك إِن لا تَقضِني ثِنيَ ساعَةٍ / فَكُلُّ اِمرِئٍ ذي حاجَةٍ مُتَيَسِّرُ
فَإِن كُنتَ قَد وَطَّنتَ نَفساً بِحُبِّها / فَعِندَ ذَوي الأَهواءِ وِردٌ وَمَصدَرُ
وَآخَرُ عَهدٍ لي بِها يَومَ وَدَّعَت / وَلاحَ لَها خَدٌّ مَليحٌ وَمَحجِرُ
عَشِيَّةَ قالَت لا تُضيعَنَّ سرَّنا / إِذا غِبتَ عَنّا وَاِرعَهُ حينَ تُدبِرُ
وَطَرفكَ إِمّا جِئتَنا فَاِحفَظَنَّهُ / فَذيعُ الهَوى بادٍ لِمَن يَتَبَصَّرُ
وَأَعرِض إِذا لاقَيتَ عَيناً تَخافُها / وَظاهِر بِبَغضٍ إِنَّ ذَلِكَ أَستَرُ
فَإِنَّكَ إِن عَرَضتَ فينا مَقالَةً / يَزِد في الَّذي قَد قُلتَ واشٍ وَيُكثَرُ
وَيَنشُرُ سِرّاً في الصَديقِ وَغَيرِهِ / يَعِزُّ عَلَينا نَشرُهُ حينَ يُنشَرُ
فَما زِلتَ في إِعمالِ طَرفِكَ نَحوَنا / إِذا جِئتَ حَتّى كادَ حُبُّكَ يَظهَرُ
لأَهلِيَ حَتّى لامَني كُلُّ ناصِحٍ / وَإِنّي لأَعصي نَهيُهُم حينَ أزجرُ
وَما قُلتُ هَذا فَاِعلَمَنَّ تَجَنُّباً / لصَرمٍ وَلا هَذا بِنا عَنكَ يَقصُرُ
وَلَكِنَّني أَهلي فِداؤُكَ أَتَّقي / عَلَيكَ عُيونَ الكاشِحينَ وَأَحذَرُ
وَأَخشَى بَني عَمّي عَلَيكَ وَإِنَّما / يَخافُ وَيَتقي عِرضَهُ المُتَفَكِّرُ
وَأَنتَ اِمرُؤ مِن أَهلِ نَجدٍ وَأَهلُنا / تَهامٍ فَما النَجدِيُّ وَالمُتَغَوِّرُ
غَريبٌ إِذا ما جِئتَ طالِبَ حاجَةٍ / وَحَولِيَ أَعداءٌ وَأَنتَ مُشَهَّرُ
وَقَد حَدَّثوا أَنّا اِلتَقَينا عَلى هَوىً / فَكُلُّهُم مِن حَملِهِ الغَيظَ موقَرُ
فَقُلتُ لَها يا بَثنَ أَوصَيتِ حافِظاً / وَكُلُّ اِمرِئٍ لَم يَرعَهُ اللَهُ مُعوِرُ
فَإِن تَكُ أُمُّ الجَهمِ تَشكي مَلامَةً / إِلَيَّ فَما أَلقى مِنَ اللَومِ أَكثَرُ
سَأَمنَحُ طَرفي حينَ أَلقاكِ غَيرَكُم / لِكَيما يَرَوا أَنَّ الهَوى حَيثُ أَنظُرُ
أُقَلِّبُ طَرفي في السَماءِ لَعَلَّهُ / يُوافِقُ طَرفي طَرفَكُم حينَ يَنظُرُ
وَأَكني بِأَسماءٍ سواكِ وَأَتَّقي / زِيارَتَكُم وَالحُبّ لا يَتَغَيَّرُ
فَكَم قَد رَأَينا واجِداً بِحَبيبَةٍ / إِذا خافَ يُبدي بُغضَهُ حينَ يَظهَرُ
أَهاجَكَ أَم لا بِالمَداخِلِ مَربَعُ
أَهاجَكَ أَم لا بِالمَداخِلِ مَربَعُ / وَدارٌ بِأَجراعِ الغَديرَينِ بَلقَعُ
دِيارٌ لِسَلمى إِذ نَحِلُّ بِها مَعاً / وَإِذ نَحنُ مِنها بِالمَوَدَّةِ نَطمَعُ
وَإِن تَكُ قَد شَطَّت نَواها وَدارُها / فَإِنَّ النَوى مِمّا تُشِتُّ وَتَجمَعُ
إِلى اللَهِ أَشكو لا إِلى الناسِ حُبَّها / وَلا بُدَّ مِن شَكوى حَبيبٍ يُرَوَّعُ
أَلا تَتَّقينَ اللَهَ فيمَن قَتَلتِهِ / فَأَمسى إِلَيكُم خاشِعاً يَتَضَرَّعُ
فَإِن يَكُ جُثماني بِأَرض سِواكُمُ / فَإِنَّ فُؤادي عِندكِ الدَهرَ أَجمَعُ
إِذا قُلتُ هَذا حينَ أَسلو وَأَجتَري / عَلى هَجرِها ظَلَّت لَها النَفسُ تَشفَعُ
أَلا تَتَّقينَ اللَهَ في قَتلِ عاشِقٍ / لَهُ كَبِدٌ حَرّى عَلَيكِ تَقَطَّعُ
غَريبٌ مَشوقٌ مولَعٌ بِاِدِّكارِكُم / وَكُلُّ غَريبِ الدارِ بِالشَوقِ مولَعُ
فَأَصبَحتُ مِمّا أَحدَثَ الدَهرُ موجِعاً / وَكُنتُ لِرَيبِ الدَهرِ لا أَتَخَشَّعُ
فَيا رَبِّ حَبِّبني إِلَيها وَأَعطِني / المَوَدَّةَ مِنها أَنتَ تُعطي وَتَمنَعُ
وَإِلّا فَصَبِّرني وَإِن كُنتُ كارِهاً / فَإِنّي بِها يا ذا المَعارِجِ مولَعُ
وَإِن رمتُ نَفسي كَيفَ آتي لِصَرمِها / وَرمتُ صدوداً ظَلَّتِ العَينُ تَدمَعُ
جَزِعتُ حِذارَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا / وَمَن كانَ مِثلي يا بُثَينَةُ يَجزَعُ
تَمَتَّعتُ مِنها يَومَ بانوا بِنَظرَةٍ / وَهَل عاشِقٌ مِن نَظرَةٍ يَتَمَتَّعُ
كَفى حَزَناً لِلمَرءِ ما عاشَ أَنَّهُ / بِبَينِ حَبيبٍ لا يَزالُ يُرَوَّعُ
فَوا حَزَناً لَو يَنفَعُ الحزنُ أَهلَهُ / وَواجَزَعاً لَو كانَ لِلنَفسِ مَجزَعُ
فَأَيُّ فُؤادٍ لا يَذوبُ لِما أَرى / وَأَيُّ عُيونٍ لا تَجودُ فَتَدمَعُ
أَمِن مَنزِلٍ قَفرٍ تَعَفَّت رُسومَهُ
أَمِن مَنزِلٍ قَفرٍ تَعَفَّت رُسومَهُ / شَمالٌ تُغاديهِ وَنَكباءُ حَرجَفُ
فَأَصبَحَ قَفراً بَعدَما كانَ آهِلاً / وَجُملُ المُنى تَشتو بِهِ وَتُصَيِّفُ
ظَلَلتُ وَمُستَنٌّ مِنَ الدَمعِ هامِلٌ / مِنَ العَينِ لَمّا عُجتُ بِالدارِ يَنزِفُ
أَمُنصِفَتي جُملٌ فَتَعدِلَ بَينَنا / إِذا حَكَمَت وَالحاكِمُ العَدلُ يُنصِفُ
تَعَلَّقتُها وَالجِسمُ مِنّي مُصَحَّحٌ / فَما زالَ يَنمي حُبُّ جُملٍ وَأَضعُفُ
إِلى اليَوم حَتّى سَلَّ جِسمي وَشَفَّني / وَأَنكَرتُ مِن نَفسي الَّذي كُنتُ أَعرِفُ
قَناةٌ مِنَ المُرّانِ ما فَوقَ حَقوِها / وَما تَحتَهُ مِنها نَقاً يَتَقَصَّفُ
لَها مُقلَتا ريمٍ وَجيدُ جِدايَةٍ / وَكَشحٌ كَطَيِّ السابِرِيَّةِ أَهيَفُ
وَلَستُ بِناسٍ أَهلَها حينَ أَقبَلوا / وَجالوا عَلَينا بِالسُيوفِ وَطَوَّفوا
وَقالوا جَميلٌ باتَ في الحَيِّ عِندَها / وَقَد جَرَّدوا أَسيافَهُم ثُمَّ وَقَّفوا
وَفي البَيتِ لَيثُ الغابِ لَولا مَخافَةٌ / عَلى نَفسِ جَملٍ وَالإِلَه لَأُرعِفوا
هَمَمتُ وَقَد كادَت مِراراً تَطَلَّعَت / إِلى حَربِهِم نَفسي وَفي الكَفِّ مُرهَفُ
وَما سَرَّني غَيرُ الَّذي كانَ مِنهُمُ / وَمِنّي وَقَد جاؤوا إِلَيَّ وَأَوجَفوا
فَكَم مُرتَجٍ أَمراً أُتيحَ لَهُ الرَدى / وَمِن خائِفٍ لَم يَنتَقِصهُ التَخَوُّفُ
أَإِن هَتَفَت وَرقاءُ ظِلتَ سَفاهَةً / تبكي عَلى جُملٍ لِوَرقاءَ تَهتِفُ
فَلَو كانَ لي بِالصَرمِ يا صاحِ طاقَةٌ / صَرَمتُ وَلَكِنّي عَنِ الصَرمِ أَضعفُ
لَها في سَوادِ القَلبِ بِالحُبِّ مَنعَةٌ / هِيَ المَوتُ أَو كادَت عَلى المَوتِ تُشرِفُ
وَما ذَكَرَتكِ النَفسُ يا بثنَ مَرَّةً / مِنَ الدَهرِ إِلّا كادَتِ النَفسُ تُتلَفُ
وَإِلا اِعتَرَتني زَفرَةٌ وَاِستِكانَةٌ / وَجادَ لَها سَجلٌ مِنَ الدَمعِ يَذرِفُ
وَما اِستَطرَفَت نَفسي حَديثاً لِخلَّةٍ / أُسِرّ بِهِ إِلّا حَديثُكِ أَطرَفُ
وَبَينَ الصَفا وَالمَروَتَينِ ذَكَرتُكُم / بِمُختَلِفٍ وَالناسُ ساعٍ وَموجِفُ
وَعِندَ طَوافي قَد ذَكَرتُكِ مَرَّةً / هِيَ المَوتُ بَل كادَت عَلى المَوتِ تَضعفُ
أَلَم تَسأَلِ الرَبعَ الخَلاءَ فَيَنطِقُ
أَلَم تَسأَلِ الرَبعَ الخَلاءَ فَيَنطِقُ / وَهَل تُخبِرَنكِ اليَومَ بَيداءَ سَملَقُ
وَقَفتُ بِها حَتّى تَجَلَّت عَمايَتي / وَمَلَّ الوُقوفَ الأَرحَبِيُّ المُنَوَّقُ
بِمُختَلَفِ الأَرواحِ بَينَ سُوَيقَةٍ / وَأَحدَبَ كادَت بَعدَ عَهدِكِ تَخلُقُ
أَضَرَّت بِها النَكباءُ كُلَّ عَشِيَّةٍ / وَنَفخُ الصَبا وَالوابِلُ المُتَبَعِّقُ
وَقالَ خَليلي إِنَّ ذا لَصَبابَةٌ / أَلا تَزجُرُ القَلبَ اللَجوجَ فَيُلحَقُ
تَعَزَّ وَإِن كانَت عَلَيكَ كَريمَةً / لَعَلَّكَ مِن رِقّ لبَثنَةَ تَعتِقُ
فَقُلتُ لَهُ إِنَّ البعادَ لَشائِقي / وَبَعضُ بِعادِ البَينِ وَالنَأي أَشوَقُ
لَعَلَّكَ مَحزونٌ وَمُبدٍ صَبابَةً / وَمُظهِرُ شَكوى مِن أُناسٍ تَفَرَّقوا
وَما يَبتَغي مِنّي عُداةٌ تَعاقَدوا / وَمِن جِلدِ جاموسٍ سَمينٍ مُطَرَّقُ
وَأَبيَضَ مِن ماءِ الحَديدِ مُهَنَّد / لَهُ بَعدَ إِخلاصِ الضَريبَةِ رَونَقُ
إِذا ما عَلَت نَشزاً تَمُدُّ زِمامَها / كَما اِمتَدَّ جِلدُ الأَصلَفِ المُتَرَقرِقُ
وَبيضٍ غَريراتٍ تُثَنّي خُصورَها / إِذا قُمنَ أَعجازٌ ثِقالٌ وَأَسوُقُ
غَرائِرَ لَم يَعرِفنَ بُؤسَ مَعيشَةٍ / يُجَنَّ بِهِنَّ الناظِرُ المُتَنَوِّقُ
وَغَلغَلتُ مِن وَجدٍ إِلَيهِنَّ بَعدَما / سَرَيتُ وَأَحشائي مِنَ الخَوفِ تَخفِقُ
مَعي صارِمٌ قَد أَخلَصَ القَينُ صَقلَهُ / لَهُ حينَ أَغشيهِ الضَريبَةَ رَونَقُ
فَلَولا اِحتِيالي ضِقنَ ذَرعاً بِزائِرٍ / بِهِ مِن صَباباتٍ إِلَيهنَّ أَولَقُ
تَسوكُ بِقُضبانِ الأَراكِ مُفَلَّجاً / يُشَعشِعُ فيهِ الفارِسِيُّ المُرَوَّقُ
أَبَثنَةُ لَلوَصلُ الَّذي كانَ بَينَنا / نَضا مِثلَما يَنضو الخِضابُ فَيَخلُقُ
أَبثنَةُ ما تَنأَينَ إِلّا كَأَنَّني / بِنَجمِ الثُرَيّا ما نَأَيتِ مُعَلَّقُ
لَقَد فَرِحَ الواشونَ أَن صَرَمَت حَبلي
لَقَد فَرِحَ الواشونَ أَن صَرَمَت حَبلي / بُثَينَةُ أَو أَبدَت لَنا جانِبَ البُخلِ
يَقولونَ مَهلاً يا جَميلُ وَإِنَّني / لَأُقسِمُ ما لي عَن بُثَينَةَ مِن مَهلِ
أَحِلماً فَقَبلَ اليَوم كانَ أَوانُهُ / أَم اَخشى فَقَبلَ اليَومِ أوعِدتُ بِالقَتلِ
لَقَد أَنكَحوا جَهلاً نُبَيهاً ظَعينَةً / لَطيفَةَ طَيِّ الكَشحِ ذاتَ شَوىً خَدلِ
وَكَم قَد رَأَينا ساعِياً بِنَميمَةٍ / لآخَرَ لَم يَعمِد بِكَفٍّ وَلا رِجلِ
إِذا ما تَراجَعنا الَّذي كانَ بَينَنا / جَرى الدَمعُ مِن عَينَي بُثَينَةَ بِالكُحلِ
وَلَو تَرَكَت عَقلي مَعي ما طَلَبتُها / وَلَكِن طِلابيها لِما فاتَ مِن عَقلي
فَيا وَيحَ نَفسي حَسب نَفسي الَّذي بِها / وَيا وَيحَ أَهلي ما أُصيبَ بِهِ أَهلي
وَقالَت لِأَترابٍ لَها لا زَعانِفٍ / قِصارٍ وَلا كُسَّ الثَنايا وَلا ثُعلِ
إِذا حَمِيَت شَمسُ النَهارِ اِتَّقَينَها / بِأَكسِيَةِ الديباجِ وَالخَزّ ذي الحَملِ
تَداعَينَ فَاِستَعجَمنَ مَشياً بِذي الغَضا / دَبيبَ القَطا الكُدرِيُّ في الدَمِثِ السَهلِ
إِذا اِرتَعنَ أَو فُزّعنَ قُمنَ حَوالَها / قِيامَ بَناتِ الماءِ في جانِبِ الضَحلِ
أَرانِيَ لا أَلقى بُثَينَةَ مَرَّةً / مِنَ الدَهرِ إِلا خائِفاً أَو عَلى رَحلِ
خَليلَيَّ فيما عِشتُما هَل رَأَيتُما / قَتيلاً بَكى مِن حُبِّ قاتِلِهِ قَبلي
أَبيتُ مَعَ الهُلّاكِ ضَيفاً لِأَهلِها / وَأَهلي قَريبٌ موسِعونَ ذَوُو فَضلِ
أَلا أَيُّها البَيتُ الَّذي حيلَ دونَهُ / بِنا أَنتَ مِن بَيتٍ وَأَهلُكَ مِن أَهلِ
بِنا أَنتَ مِن بَيتٍ وَحَولَكَ لَذَّةٌ / وَظِلُّكَ لَو يُسطاعُ بِالبارِدِ السَهلِ
ثَلاثَةُ أَبياتٍ فَبَيت أُحِبُّهُ / وَبَيتانِ لَيسا مِن هَوايَ وَلا شَكلي
كِلانا بَكى أَو كادَ يَبكي صَبابَةً / إِلى إِلفِهِ وَاِستَعجَلَت عَبرَةً قَبلي
أَعاذِلَتي أَكثَرتِ جَهلاً مِنَ العَذلِ / عَلى غَيرِ شَيءٍ مِن مَلامي وَمِن عَذلي
نَأَيتُ فَلَم يُحدِث لِيَ النَأيُ سَلوَةً / وَلَم أُلفِ طولَ النَأيِ عَن خُلَّةٍ يُسلي
وَلَستُ عَلى بَذلِ الصَفاءِ هَوَيتُها / وَلَكِن سَبَتني بِالدَلالِ وَبِالبُخلِ
أَلا لا أَرى اِثنَين أَحسَنَ شيمَةً / عَلى حَدَثانِ الدَهرِ مِنّي وَمِن جُملِ
فَإِن وُجِدَت نَعلٌ بِأَرضٍ مضِلَّةٍ / مِنَ الأَرضِ يَوماً فَاِعلَمي أَنَّها نَعلي
وَقُلتُ لَها اِعتَلَلتِ بِغَيرِ ذَنبٍ
وَقُلتُ لَها اِعتَلَلتِ بِغَيرِ ذَنبٍ / وَشَرّ الناسِ ذو العِلَلِ البَخيلُ
فَفاتيني إِلى حَكَمٍ مِنَ اَهلي / وَأَهلِكِ لا يَحيفُ وَلا يَميلُ
فَقالَت أَبتَغي حَكَماً مِنَ اَهلي / وَلا يَدري بِنا الواشي المَحولُ
فَوَلَّينا الحُكومَةَ ذا سُجوفٍ / أَخاً دِنيا لَهُ طَرفٌ كَليلُ
فَقُلنا ما قَضَيتَ بِهِ رَضينا / وَأَنتَ بِما قَضَيتَ بِهِ كَفيلُ
قَضاؤُكَ نافِذٌ فَاِحكُم عَلَينا / بِما تَهوى وَرَأيُكَ لا يَفيلُ
وَقُلتُ لَهُ قُتِلتُ بِغَيرِ جُرمٍ / وَغِبُّ الظُلمِ مَرتَعُهُ وَبيلُ
فَسَل هَذي مَتى تَقضي دُيوني / وَهَل يَقضيكَ ذو العِلَلِ المَطولُ
فَقالَت إِنَّ ذا كَذِبٌ وَبُطلٌ / وَشَرٌّ مِن خُصومَتِهِ طَويلُ
أَأَقتُلَهُ وَما لي مِن سِلاحٍ / وَما بي لَو أُقاتِلَهُ حَويلُ
وَلَم آخُذ لَهُ مالاً فَيُلفى / لَهُ دَينٌ عَلَيَّ كَما يَقولُ
وَعِندَ أَميرِنا حُكمٌ وَعَدلٌ / وَرَأيٌ بَعدَ ذَلِكُمُ أَصيلُ
فَقالَ أَميرُنا هاتوا شُهوداً / فَقُلتُ شَهيدُنا المَلِكُ الجَليلُ
فَقالَ يَمينَها وَبِذاكَ أَقضي / وَكُلُّ قَضائِهِ حَسَنٌ جَميلُ
فَبَتَّت حَلفَةً ما لي لَدَيها / نَقيرٌ أَدَّعيهِ وَلا فَتيلُ
فَقُلتُ لَها وَقَد غُلِبَ التَعَزّي / أَما يُقضى لَنا يا بَثنَ سولُ
فَقالَت ثُمَّ زَجَّت حاجِبَيها / أَطَلتَ وَلَستَ في شَيءٍ تُطيلُ
فَلا يَجِدَنَّكَ الأَعداءُ عِندي / فَتَثكَلَني وَإِيّاكَ الثَكولُ
أَلا مِن لِقَلبٍ لا يَمُلُّ فَيَذهَلُ
أَلا مِن لِقَلبٍ لا يَمُلُّ فَيَذهَلُ / أَفِق فَالتَعَزّي عَن بُثَينَةَ أَجمَلُ
سَلا كُلُّ ذي وُدٍّ عَلِمتُ مَكانَهُ / وَأَنتَ بِها حَتّى المَماتِ مُوَكَّلُ
فَما هَكَذا أَحبَبتَ مَن كانَ قَبلُها / وَلا هَكَذا فيما مَضى كُنتَ تَفعَلُ
أَعِن ظُعُنِ الحَيِّ الأُلى كُنتَ تَسأَلُ / بِلَيلٍ فَرَدّوا عيرَهُم وَتَحَمَّلوا
فَأَمسوا وَهُم أَهلُ الدِيارِ وَأَصبَحوا / وَمِن أَهلِها الغِربانُ بِالدارِ تَحجِلُ
عَلى حينَ وَلّى الأَمرُ عَنّا وَأَسمَحَت / عَصا البَينِ وَاِنبَتَّ الرَجاءُ المُؤَمَّلُ
وَقَد أَبقَتِ الأَيّامُ مِنّي عَلى العِدى / حُساماً إِذا مَسَّ الضَريبَةَ يَفصِلُ
وَلَستُ كَمَن إِن سيمَ ضَيماً أَطاعَهُ / وَلا كَاِمرِئٍ إِن عَضَّهُ الدَهرُ يَنكُلُ
لَعُمري لَقَد أَبدى لِيَ البَينُ صَفحَةُ / وَبَيَّنَ لي ما شِئتَ لَو كُنتُ أَعقِلُ
وَآخِرُ عَهدي مِن بُثَينَةَ نَظرَةٌ / عَلى مَوقِفٍ كادَت مِنَ البَينِ تَقتُلُ
فَلِلَّهِ عَينا مَن رَأى مِثلُ حاجَةٍ / كَتَمتُكِها وَالنَفسُ مِنها تَمَلمَلُ
وَإِنّي لَأَستَبكي إِذا ذُكِرَ الهَوى / إِلَيكِ وَإِنّي مَن هَواكِ لَأَوجِلُ
نَظَرتُ بِبِشرٍ نَظرَةً ظَلتُ أَمتَري / بِها عَبرَةً وَالعَينُ بِالدَمعِ تُكحَلُ
إِذا ما كَرَرتُ الطَرفَ نَحوَكِ رَدَّهُ / مِنَ البُعدِ فَيّاضٌ مِنَ الدَمعِ يَهمِلُ
فَيا قَلبُ دَع ذِكرى بُثَينَةَ إِنَّها / وَإِن كُنتَ تَهواها تَضَنَّ وَتَبخَلُ
قَناةٌ مِنَ المُرّانِ ما فَوقَ حَقوِها / وَما تَحتَهُ مِنها نَقاً يَتَهَيَّلُ
وَقَد أَيأَسَت مِن نَيلِها وَتَجَهَّمَت / وَلَليَأسُ إِن لَم يُقدَرِ النَيلُ أَمثَلُ
وَإِلّا فَسَلها نائِلاً قَبلَ بَينِها / وَأَبخِل بِها مَسؤولَةً حينَ تُسأَلُ
وَكَيفَ تُرَجّي وَصلَها بَعدَ بُعدِها / وَقَد جُذَّ حَبلُ الوَصلِ مِمَّن تُؤَمِّلُ
وَإِنَّ الَّتي أَحبَبتَ قَد حيلَ دونَها / فَكُن حازِماً وَالحازِمُ المُتَحَوِّلُ
فَفي اليَأسِ ما يُسلي وَفي الناسِ خُلَّةٌ / وَفي الأَرضِ عَمَّن لا يُؤاتيكَ مَعزِلُ
بَدا كَلَفٌ مِنّي بِها فَتَثاقَلَت / وَما لا يُرى مِن غائِبِ الوَجدِ أَفضَلُ
هَبيني بَريئاً نِلتِهِ بِظُلامَةٍ / عَفاها لَكُم أَو مُذنِباً يَتَنَصَّلُ
حَلِفتُ بِرَبِّ الراقِصاتِ إِلى مِنىً
حَلِفتُ بِرَبِّ الراقِصاتِ إِلى مِنىً / هُوِيَّ القَطا يَجتَزنَ بَطنَ دَفينِ
لَقَد ظَنَّ هَذا القَلبُ أَن لَيسَ لاقِياً / سُلَيمى وَلا أُمَّ الحُسَينِ لِحينِ
فَلَيتَ رِجالاً فيكِ قَد نَذَروا دَمي / وَهَمّوا بِقَتلي يا بُثَينَ لَقوني
إِذا ما رَأوني طالِعاً مِن ثَنِيَّةٍ / يَقولونَ مَن هَذا وَقَد عَرِفوني
يَقولونَ لي أَهلاً وَسَهلاً وَمَرحَباً / وَلَو ظَفِروا بي خالِياً قَتَلوني
وَكَيفَ وَلا توفي دِماؤُهُمُ دَمي / وَلا مالُهُم ذو نَدهَةٍ فَيَدوني
وَغِرِّ الثَنايا مِن رَبيعَةَ أَعرَضَت / حُروبُ مَعَدٍّ دونَهُنَّ وَدوني
تَحَمَّلنَ مِن ماءِ الثُدَيِّ كَأَنَّما / تَحَمَّلَ مِن مُرسىً ثِقالُ سَفينِ
كَأَنَّ الخُدورَ أَولَجَت في ظِلالِها / ظِباءَ المَلا لَيسَت بِذاتِ قُرونِ
إِلى رُجُحِ الأَعجازِ حورٍ نَمى بِها / مَعَ العِتقِ وَالأَحسابِ صالِحُ دينِ
يُبادِرنَ أَبوابَ الحِجالِ كَما مَشى / حَمامٌ ضُحىً في أَيكَةٍ وَفُنونِ
سَدَدنَ خَصاصَ الخَيمِ لَمّا دَخَلنَهُ / بِكُلِّ لَبانٍ واضِحٍ وَجَبينِ
دَعَوتُ أَبا عَمروٍ فَصَدَّقَ نَظرَتي / وَما أَن يَراهُنَّ البَصيرُ لِحينِ
وَأَعرَضَ رُكنٌ مِن أُحامِرَ دونَهُم / كَأَنَّ ذُراهُ لُفِّعَت بِسَدينِ
قَرَضنَ شَمالاً ذا العَشيرَةِ كُلُّها / وَذاتَ اليَمينِ البُرقَ بُرقَ هَجينِ
وَأَصعَدنَ في سَرّاءَ حَتّى إِذا اِنتَحَت / شَمالاً نَحا حاديهِمُ لِيَمينِ
وَقالَ خَليلي طالِعاتٌ مِنَ الصَفا / فَقُلتُ تَأَمَّل لَسنَ حَيثُ تُريني
وَلَو أَرسَلَت يَوماً بُثَينَةُ تَبتَغي / يَميني وَلَو عَزَّت عَلَيَّ يَميني
لَأَعطَيتُها ما جاءَ يَبغي رَسولُها / وَقُلتُ لَها بَعدَ اليَمينِ سَليني
سَلينِيَ مالي يا بُثَينَ فَإِنَّما / يُبَيِّنُ عِندَ المالِ كُلُّ ضَنينِ
فَما لَكِ لَمّا خَبَّرَ الناسُ أَنَّني / غَدَرتُ بِظَهرِ الغَيبِ لَم تَسَليني
فَأُبلِيَ عُذراً أَو أُجيءَ بِشاهِدٍ / مِنَ الناسِ عَدلٍ أَنَّهُمُ ظَلَموني
بُثَينَ اِلزَمي لا إِنَّ لا إِن لَزِمتِهِ / عَلى كَثرَةِ الواشينَ أَيُّ مَعونِ
لَحا اللَهُ مَن لا يَنفَعُ الوَعدُ عِندَهُ / وَمَن حَبلَهُ إِن مُدَّ غَيرُ مَتينِ
وَمَن هُوَ ذو وَجهَينِ لَيسَ بِدائِمٍ / عَلى العَهدِ خَلّافٌ بِكُلِّ يَمينِ
وَلَستُ وَإِن عَزَّت عَلَيَّ بِقائِلٍ / لَها بَعدَ صَرمٍ يا بُثَينَ صِليني
شَهِدتُ بِأَنّي لَم تَغَيَّر مَوَدَّتي
شَهِدتُ بِأَنّي لَم تَغَيَّر مَوَدَّتي / وَإِنّي بِكُم حَتّى المَماتِ ضَنينُ
وَأَنَّ فُؤادي لا يَلينُ إِلى هَوى / سِواكِ وَإِن قالوا بَلى سَيَلينُ
فَقَد لانَ أَيّامَ الصِبا ثُمَّ لَم يَكَد / مِنَ الدَهرِ شَيءٌ بَعدَهُنَّ يَلينُ
وَلَمّا عَلَونَ اللابَتَينِ تَشَوَّفَت / قُلوبٌ إِلى وادي القُرى وَعُيونُ
كَأَنَّ دُموعَ العَينِ يَومَ تَحَمَّلَت / بُثَينَةُ يَسقيها الرِشاشَ مَعينُ
ظَعائِنُ ما في قُربِهُنَّ لِذي هَوىً / مِنَ الناسِ إِلّا شِقوَةٌ وَفُنونُ
وَواكَلنَهُ وَالهَمَّ ثُمَّ تَرَكنَهُ / وَفي القَلبِ مِن وَجدٍ بِهِنَّ حَنينُ
وَرُحنَ وَقَد أَودَعنَ قَلبي أَمانَةً / لِبَثنَةَ سِرٌّ في الفُؤادِ كَمينُ
كَسِرِّ النَدى لَم يَعلَمِ الناسُ أَنَّهُ / ثَوى في قَرارِ الأَرضِ وَهُوَ دَفينُ
إِذا جاوَزَ الإِثنَينِ سِرٌّ فَإِنَّهُ / بِنَثٍّ وَإِفشاءِ الحَديثِ قَمينُ
تُشَيِّبُ رَوعاتُ الفِراقِ مَفارِقي / وَأَنشَزنَ نَفسي فَوقَ حَيثُ تَكونُ
فَواحَسرَتا إِن حيلَ بَيني وَبَينَها / وَيا حَينَ نَفسي كَيفَ فيكِ تَحينُ
وَإِنّي لَأَستَغثي وَما بِيَ نَعسَةٌ / لَعَلَّ لِقاءً في المَنامِ يَكونُ
فَإِن دامَ هَذا الصَرمُ مِنكِ فَإِنَّني / لَأَغبَرِها في الجانِبَينِ رَهينُ
لَكَيما يَقولُ الناسُ ماتَ وَلَم يَمِن / عَلَيكِ وَلَم تَنبَتَّ مِنكِ قُرونُ
يَقولونَ ما أَبلاكَ وَالمالُ عامِرٌ / عَلَيكَ وَضاحي الجِلدِ مِنكَ كَنينُ
فَقُلتُ لَهُم لا تَعذِلونِيَ وَاِنظُروا / إِلى النازِعِ المَقصورِ كَيفَ يَكونُ
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ / مُقيدٌ دَمي أَو قاطِعٌ مِن لِسانِيا
فَفي العيسِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِ مَذهَبٌ / إِذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ المَثانِيا
وَرَدَّ الهَوى أُثنانُ حَتّى اِستَفَزَّني / مِنَ الحُبِّ مَعطوفُ الهَوى مِن بِلادِيا
أَقولُ لِداعي الحُبِّ وَالحِجرُ بَينَنا / وَوادي القُرى لَبَّيكَ لَمّا دَعانِيا
وَعاوَدتُ مِن خِلٍّ قَديمٍ صَبابَتي / وَأَظهَرتُ مِن وَجدي الَّذي كانَ خافِيا
وَقالوا بِهِ داءٌ عَياءٌ أَصابَهُ / وَقَد عَلِمَت نَفسي مَكانَ دَوائِيا
أَمَضروبَةٌ لَيلى عَلى أَن أَزورَها / وَمُتَّخِذٌ ذَنباً لَها أَن تَرانِيا
هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً / وَإِنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقِيا
أُحِبُّ الأَيامى إِذ بُثَينَةُ أَيِّمٌ / وَأَحبَبتُ لَمّا أَن غَنيتِ الغَوانِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها / وَأَشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
وَدِدتُ عَلى حُبِّ الحَياةِ لَوَ اَنَّها / يُزادُ لَها في عُمرِها مِن حَياتِيا
وَأَخبِرتُماني أَنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ / لِلَيلى إِذا ما الصَيفُ أَلقى المَراسِيا
فَهَذي شُهورُ الصَيفِ عَنّا قَدِ اِنقَضَت / فَما لِلنَوى تَرمي بِلَيلى المَرامِيا
وَأَنتِ الَّتي إِن شِئتِ أَشقَيتِ عيشَتي / وَإِن شِئتِ بَعدَ اللَهَ أَنعَمتِ بالِيا
وَأَنتِ الَّتي ما مِن صَديقٍ وَلا عِداً / يَرى نِضوَ ما أَبقَيتِ إِلّا رَثى لِيا
وَما زِلتِ بي يا بَثنَ حَتّى لَوَ اَنَّني / مِنَ الوَجدِ أَستَبكي الحَمامَ بَكى لِيا
إِذا خَدِرَت رِجلي وَقيلَ شِفاؤُها / دُعاءُ حَبيبٍ كُنتِ أَنتِ دُعائِيا
إِذا ما لَديغٌ أَبرَأَ الحَليُ داءَهُ / فَحَليُكِ أَمسى يا بُثَينَةُ دائِيا
وَما أَحدَثَ النَأيُ المُفَرِّقُ بَينَنا / سُلُوّاً وَلا طولُ اِجتِماعٍ تَقالِيا
وَلا زادَني الواشونَ إِلّا صَبابَةً / وَلا كَثرَةُ الواشينَ إِلّا تَمادِيا
أَلَم تَعلَمي يا عَذبَةَ الريقِ أَنَّني / أَظَلُّ إِذا لَم أَلقَ وَجهَكِ صادِيا
لَقَد خِفتُ أَن أَلقى المَنِيَّةَ بَغتَةً / وَفي النَفسِ حاجاتٌ إِلَيكِ كَما هِيا
وَإِنّي لَيُنسيني لِقاؤُكِ كُلَّما / لَقيتُكِ يَوماً أَن أَبُثَّكِ ما بِيا
أَرى كُلَّ مَعشوقَينِ غَيري وَغَيرُها
أَرى كُلَّ مَعشوقَينِ غَيري وَغَيرُها / يِلَذّانِ في الدُنيا وَيَغتَبِطانِ
وَأَمشي وَتَمشي في البِلادِ كَأَنَّنا / أَسيرانِ لِلأَعداءِ مُرتَهَنانِ
أُصَلّي فَأَبكي في الصَلاةِ لِذِكرِها / لِيَ الوَيلُ مِمّا يَكتُبُ المَلَكانِ
ضَمِنتُ لَها أَن لا أُهيمَ بِغَيرِها / وَقَد وَثِقَت مِنّي بِغَيرِ ضَمانِ
أَلا يا عِبادَ اللَهِ قوموا لِتَسمَعوا / خُصومَةَ مَعشوقَينِ يَختَصِمانِ
وَفي كُلِّ عامٍ يَستَجِدّانِ مَرَّةٍ / عِتاباً وَهَجراً ثُمَّ يَصطَلِحانِ
يَعيشانِ في الدُنيا غَريبَينِ أَينَما / أَقاما وَفي الأَعوامِ يَلتَقِيانِ
وَما صادِياتٌ حُمنَ يَوماً وَلَيلَةً / عَلى الماءِ يُغشَينَ العِصِيَّ حَواني
لَواغِبُ لا يَصدُرنَ عَنهُ لِوِجهَةٍ / وَلا هُنَّ مِن بَردِ الحِياضِ دَواني
يَرَينَ حَبابَ الماءِ وَالمَوتُ دونَهُ / فَهُنَّ لِأَصواتِ السُقاةِ رَواني
بِأَكثَرَ مِنّي غُلَّةً وَصَبابَةً / إِلَيكِ وَلَكِنَّ العَدُوَّ عَداني
أَلا هَل إِلى إِلمامَةٍ أَن أُلِمَّها
أَلا هَل إِلى إِلمامَةٍ أَن أُلِمَّها / بُثَينَةُ يَوماً في الحَياةِ سَبيلُ
عَلى حينَ يَسلو الناسُ عَن طَلَبِ الصِبا / وَيَنسى اِتِّباعَ الوَصلِ مِنكِ خَليلُ
فَإِن هِيَ قالَت لا سَبيلَ فَقُل لَها / عَناءٌ عَلى العُذرِيُّ مِنكِ طَويلُ
أَلا لا أُبالي جَفوَةَ الناسِ إِن بَدا / لَنا مِنكِ رَأيٌ يا بُثَينَ جَميلُ
وَما لَم تُطيعي كاشِحاً أَو تَبَدَّلي / بِنا بَدَلاً أَو كانَ مِنكِ ذُهولُ
وَإِنَّ صَباباتي بِكُم لَكَثيرَةٌ / بُثَينَ وَنِسيانِكُمُ لَقَليلُ
يَقيكِ جَميلٌ كُلَّ سوءٍ أَما لَهُ / لَدَيكِ حَديثٌ أَو إِلَيكِ رَسولُ
وَقَد قِلتُ في حُبّي لَكُم وَصَبابَتي / مَحاسِنَ شِعرٍ ذِكرُهُنَّ يَطولُ
فَإِن لَم يَكُن قَولي رِضاكِ فَعَلِّمي / هُبوبَ الصِبا يا بَثنَ كَيفَ أَقولُ
فَما غابَ عَن عَيني خَيالُكِ لَحظَةً / وَلا زالَ عَنها وَالخَيالُ يَزولُ
رَسمِ دارٍ وَقَفتُ في طَلَلِه
رَسمِ دارٍ وَقَفتُ في طَلَلِه / كُدتُ أَقضي الغَداةَ مِن جَلَلِه
موحِشاً ما تَرى بِهِ أَحَداً / تَنتَسِجُ الريحُ تُربَ مُعتَدِلِه
وَصَريعاً مِنَ الثُمامِ تَرى / عارِماتِ المَدَبِّ في أَسَلِه
بَينَ عَلياءِ وابِشٍ فَبُلِيٍّ / فَالغَميمِ الَّذي إِلى جَبَلِه
واقِفاً في دِيارِ أُمُّ حُسَينٍ / مِن ضُحى يَومِهِ إِلى أُصُلِه
يا خَليلَيَّ إِنَّ أُمَّ حُسَينٍ / حينَ يَدنو الضَجيعُ مِن عَلَلِه
رَوضَةٌ ذاتُ حَنوَةٍ وَخُزامى / جادَ فيها الرَبيعُ مِن سَبَلِه
بَينَما هُنَّ بِالأَراكِ مَعاً / إِذ بَدا راكِبٌ عَلى جَمَلِه
فَتَأَطَّرنَ ثُمَّ قُلنَ لَها / أَكرِميهِ حُيِّيتِ في نُزُلِه
فَظَلِلنا بِنِعمَةٍ وَاِتَّكَأنا / وَشَرِبنا الحَلالَ مِن قُلَلِه
قَد أَصونُ الحَديثَ دونَ أَخٍ / لا أَخافُ الأَذاةَ مِن قِبَلِه
غَيرَ ما بِغضَةٍ وَلا لِاِجتِنابٍ / غَيرَ أَنّي أَلَحتُ مِن وَجَلِه
وَخَليلٍ صافَيتُ مُرضيّاً / وَخَليلٍ فارَقتُ مِن مَلَلِه
أَبُثَينَ إِنَّكِ قَد مَلِكتِ فَأَسجِحي
أَبُثَينَ إِنَّكِ قَد مَلِكتِ فَأَسجِحي / وَخُذي بِحَظِّكِ مِن كَريمٍ واصِلِ
فَلَرُبَّ عارِضَةٍ عَلَينا وَصلَها / بِالجِدِّ تَخلِطُهُ بِقَولِ الهازِلِ
فَأَجَبتُها بِالرِفقِ بَعدَ تَسَتُّرٍ / حُبّي بُثَينَةَ عَن وِصالِكِ شاغِلي
لَو أَنَّ في قَلبي كَقَدرِ قُلامَةٍ / فَضلاً وَصَلتُكِ أَو أَتَتكِ رَسائِلي
وَيَقُلنَ إِنَّكَ قَد رَضيتَ بِباطِلٍ / مِنها فَهَل لَكَ في اِعتِزالِ الباطِلِ
وَلَباطِلٌ مِمَّن أُحِبُّ حَديثَهُ / أَشهى إِلَيَّ مِنَ البَغيضِ الباذِلِ
لِيُزِلنَ عَنكِ هَوايَ ثُمَّ يَصِلنَني / وَإِذا هَويتُ فَما هَوايَ بِزائِلِ
صادَت فُؤادي يا بُثَينَ حِبالُكُم / يَومَ الحَجونِ وَأَخطَأَتكِ حَبائِلي
مَنَّيتِني فَلَوَيتِ ما مَنَّيتِني / وَجَعَلتِ عاجِلَ ما وَعَدتِ كَآجِلِ
وَتَثاقَلَت لَمّا رَأَت كَلَفي بِها / أَحبِب إِلَيَّ بِذاكَ مِن مُتَثاقِلِ
وَأَطِعتِ فيَّ عَواذِلاً فَهَجَرتِني / وَعَصَيتُ فيكِ وَقَد جَهَدنَ عَواذِلي
حاوَلنَني لِأَبُتَّ حَبلَ وِصالِكُم / مِنّي وَلَستُ وَإِن جَهَدنَ بِفاعِلِ
فَرَدَدتُهُنَّ وَقَد سَعَينَ بِهَجرِكُم / لَمّا سَعَينَ لَهُ بِأَفوَقَ ناصِلِ
يَعضَضنَ مِن غَيظٍ عَلَيَّ أَنامِلاً / وَوَدِدتُ لَو يَعضَضنَ صُمَّ جَنادِلِ
وَيَقُلنَ إِنَّكِ يا بُثَينَ بَخيلَةٌ / نَفسي فِداؤُكِ مِن ضَنينٍ باخِلِ
خَليلَيَّ عوجا بِالمَحَلَّةِ مِن جُملِ
خَليلَيَّ عوجا بِالمَحَلَّةِ مِن جُملِ / وَأَترابِها بَينَ الأُجَيفَرِ فَالحَبلِ
نَقِف بِمَغانٍ قَد مَحا رَسمَها البِلى / تُعاقِبُها الأَيّامُ بِالريحِ وَالوَبلِ
فَلَو دَرَجَ النَملُ الصِغارُ بِجِلدِها / لَأَندَبَ أَعلى جِلدِها مَدرَجُ النَملِ
أَفي أُمُّ عَمروٍ تَعذُلاني هُديتُما / وَقَد تَيَّمَت قَلبي وَهامَ بِها عَقلي
وَأَحسَنُ خَلقِ اللَهِ جيداً وَمُقلَةً / تُشَبَّهُ في النِسوانِ بِالشادِنِ الطِفلِ
وَأَنتِ لِعَيني قُرَّةٌ حينَ نَلتَقي / وَذِكرُكِ يَشفيني إِذا خَدِرَت رِجلي
أَفِق أَيُّها القَلبُ اللَجوجُ عَنِ الجَهلِ / وَدَع عَنكَ جُملاً لا سَبيلَ إِلى جُملِ
وَلَو أَنَّ أَلفاً دونَ بَثنَةَ كُلُّهُم / غَيارى وَكُلٌّ مُزمِعونَ عَلى قَتلي
لَحاوَلتُها إِمّا نَهاراً مُجاهِراً / وَإِمّا سُرى لَيلٍ وَلَو قَطَعوا رِجلي
صَدَّت بُثَينَةُ عَنّي أَن سَعى ساعِ
صَدَّت بُثَينَةُ عَنّي أَن سَعى ساعِ / وَآيَسَت بَعدَ مَوعِدٍ وَإِطماعِ
وَصَدَّقَت فيَّ أَقوالاً تَقَوَّلَها / واشٍ وَما أَنا لِلواشي بِمِطواعِ
فَإِن تَبيني بِلا جُرمٍ وَلا تِرَةٍ / وَتولَعي بِيَ ظُلماً أَيُّ إيلاعِ
فَقَد يَرى اللَهُ أَنّي قَد أُحِبُّكُمُ / حُبّاً أَقامَ جَواهُ بَينَ أَضلاعي
لَولا الَّذي أَرتَجي مِنهُ وَآمُلُهُ / لَقَد أَشاعَ بِمَوتي عِندَها ناعي
يا بَثنُ جودي وَكافي عاشِقاً دَنِفاً / وَاِشفي بِذَلِكَ أَسقامي وَأَوجاعي
إِنَّ القَليلَ كَثيرٌ مِنكِ يَنفَعُني / وَما سِواهُ كَثيرٌ غَيرُ نَفّاعِ
آلَيتُ لا أَصطَفي بِالحُبِّ غَيرَكُمُ / حَتّى أُغَيَّبَ تَحتَ الرَمسِ بِالقاعِ
قَد كُنتُ عَنكُم بَعيدَ الدارِ مُغتَرِباً / حَتّى دَعاني لِحيني مِنكُمُ داعِ
فَاِهتاجَ قَلبي لِحُزنٍ قَد يُضَيِّقَهُ / فَما أُغَمِّضُ غُمضاً غَيرَ تَهياعِ
وَلا تُضيعَنَّ سِرّي إِن ظَفِرتِ بِهِ / إِنّي لِسِرِّكِ حَقّاً غَيرُ مِضياعِ
أَصونُ سِرِّكِ في قَلبي وَأَحفَظهُ / إِذا تَضايَقَ صَدرُ الضَيِّقِ الباعِ
ثُمَّ اِعلَمي أَنَّ ما اِستَودَعتِني ثِقَةً / يُمسي وَيُصبِحُ عِندَ الحافِظِ الواعي