المجموع : 158
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا / وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا / حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ / حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا / أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا / بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا / وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا / فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم / هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم / رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ / بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ / وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا / شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا / يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا
حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت / سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا / وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً / قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما / كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا / أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً / مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ / مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا
وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا / إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا
وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا / مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً / مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا
رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ / مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا
أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ / مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعاً وَتَحسينا
إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً / تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا
كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه / بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا
كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ / زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا
ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً / وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا
يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا / وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا
وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها / مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا
وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ / في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا
لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً / وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا
إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ / فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا
يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها / وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا
كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا / وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا
إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم / في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا
سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا / حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا
لا غَروَ في أَن ذَكَرنا الحُزنَ حينَ نَهَت / عَنهُ النُهى وَتَرَكنا الصَبرَ ناسينا
إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَراً / مَكتوبَةً وَأَخَذنا الصَبرَ تَلقينا
أَمّا هَواكِ فَلَم نَعدِل بِمَنهَلِهِ / شُرَباً وَإِن كانَ يُروينا فَيُظمينا
لَم نَجفُ أُفقَ جَمالٍ أَنتِ كَوكَبُهُ / سالينَ عَنهُ وَلَم نَهجُرهُ قالينا
وَلا اِختِياراً تَجَنَّبناهُ عَن كَثَبٍ / لَكِن عَدَتنا عَلى كُرهٍ عَوادينا
نَأسى عَلَيكِ إِذا حُثَّت مُشَعشَعَةً / فينا الشَمولُ وَغَنّانا مُغَنّينا
لا أَكؤُسُ الراحِ تُبدي مِن شَمائِلِنا / سِيَما اِرتِياحٍ وَلا الأَوتارُ تُلهينا
دومي عَلى العَهدِ ما دُمنا مُحافِظَةً / فَالحُرُّ مَن دانَ إِنصافاً كَما دينا
فَما اِستَعَضنا خَليلاً مِنكِ يَحبِسُنا / وَلا اِستَفَدنا حَبيباً عَنكِ يَثنينا
وَلَو صَبا نَحوَنا مِن عُلوِ مَطلَعِهِ / بَدرُ الدُجى لَم يَكُن حاشاكِ يُصبينا
أَبكي وَفاءً وَإِن لَم تَبذُلي صِلَةً / فَالطَيّفُ يُقنِعُنا وَالذِكرُ يَكفينا
وَفي الجَوابِ مَتاعٌ إِن شَفَعتِ بِهِ / بيضَ الأَيادي الَّتي ما زِلتِ تولينا
عَلَيكِ مِنّا سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت / صَبابَةٌ بِكِ نُخفيها فَتَخفينا
يا دَمعُ صُب ما شِئتَ أَن تَصوبا
يا دَمعُ صُب ما شِئتَ أَن تَصوبا /
وَيا فُؤادي آنَ أَن تَذوبا /
إِذِ الرَزايا أَصبَحَت ضُروبا /
لَم أَرَ لي في أَهلِها ضَريبا /
قَد مَلَأَ الشَوقُ الحَشا نُدوبا /
في الغَربِ إِذ رُحتُ بِهِ غَريبا /
عَليلَ دَهرٍ سامَني تَعذيبا /
أَدنى الضَنى إِذ أَبعَدَ الطَبيبا /
لَيتَ القَبولَ أَحدَثَت هُبوبا /
ريحٌ يَروحُ عَهدُها قَريبا /
بِالأُفُقِ المُهدي إِلَينا طيبا /
تَعَطَّرَت مِنهُ الصَبا جُيوبا /
يُبرِدُ حَرَّ الكَبِدِ المَشبوبا /
يا مُتبِعاً إِسادَهُ التَأويبا /
مُشَرِّقاً قَد سَئِمَ التَغريبا /
أَما سَمِعتَ المَثَلَ المَضروبا /
أَرسِل حَكيماً وَاِستَشِر لَبيبا /
إِذا أَتَيتَ الوَطَنَ الحَبيبا /
وَالجانِبَ المُستَوضَحَ العَجيبا /
وَالحاضِرَ المُنفَسِحَ الرَحيبا /
فَحَيِّ مِنهُ ما أَرى الجَنوبا /
مَصانِعٌ تَجتَذِبُ القُلوبا /
حَيثُ أَلِفتُ الرَشَأَ الرَبيبا /
مُخالِفاً في وَصلِهِ الرَقيبا /
كَم باتَ يَدري لَيلَهُ الغِربيبا /
لَمّا اِنثَنى في سُكرِهِ قَضيبا /
تَشدو حَمامُ حَليِهِ تَطريبا /
أَرشُفُ مِنهُ المَبسِمَ الشَنيبا /
حَتّى إِذا ما اِعتَنَّ لي مُريبا /
شَبابُ أُفقٍ هَمَّ أَن يَشيبا /
بادَرتُ سَعياً هَل رَأَيتَ الذيبا /
هَصَرتُهُ حُلوَ الجَنى رَطيبا /
أَهاجِرِي أَم موسِعي تَأنيبا /
مَن لَم أُسِغ مِن بَعدِهِ مَشروبا /
ما ضَرَّهُ لَو قالَ لا تَثريبا /
وَلا مَلامَ يَلحَقُ القُلوبا /
قَد طالَ ما تَجَرَّمَ الذُنوبا /
وَلَم يَدَع في العُذرِ لي نَصيبا /
إِن قَرَّتِ العَينُ بِأَن أَؤوبا /
لَم آلُ أَن أَستَرضِيَ الغَضوبا /
حَسبِيَ أَن أُحَرِّمَ المَغيبا /
قَد يَنفَعُ المُذنِبَ أَن يَتوبا /
بِاللَهِ خُذ مِن حَياتي
بِاللَهِ خُذ مِن حَياتي / يَوماً وَصِلنِيَ ساعَه
كَيما أَنالَ بِقَرضٍ / ما لَم أَنَل بِشَفاعَه
غَريبٌ بِأَقصى الشَرقِ يَشكُرُ لِلصَبا
غَريبٌ بِأَقصى الشَرقِ يَشكُرُ لِلصَبا / تَحَمُّلَها مِنهُ السَلامَ إِلى الغَربِ
وَما ضَرَّ أَنفاسَ الصَبا في اِحتِمالِها / سَلامَ هَوىً يُهديهِ جِسمٌ إِلى قَلبِ
عَلامَ صَرَمتَ حَبلَكَ مِن وَصولِ
عَلامَ صَرَمتَ حَبلَكَ مِن وَصولِ / فَدَيتُكَ وَاعتَزَزتَ عَلى ذَليلِ
وَفيمَ أَنِفتَ مِن تَعليلِ صَبٍّ / صَحيحِ الوُدِّ ذي جِسمٍ عَليلِ
فَهَلّا عُدتَني إِذ لَم تُعَوَّد / بِشَخصِكَ بِالكِتابِ أَوِ الرَسولِ
لَقَد أَعيا تَلَوُّنُكَ اِحتِيالي / وَهَل يُغني اِحتِيالٌ في مَلولِ
وَضَحَ الحَقُّ المُبينُ
وَضَحَ الحَقُّ المُبينُ / وَنَفى الشَكَّ اليَقينُ
وَرَأى الأَعداءُ ما غَرَّ / تهُمُ مِنهُ الظُنونُ
أَمَّلوا ما لَيسَ يُمنى / وَرَجَوا ما لا يَكونُ
وَتَمَنَّوا أَن يَخونَ ال / عَهدَ مَولىً لا يَخونُ
فَإِذا الغَيبُ سَليمٌ / وَإِذا الوُدُّ مَصونُ
قُل لِمَن دانَ بِهَجري / وَهَواهُ لِيَ دينُ
يا جَواداً بِيَ إِنّي / بِكَ وَاللَهِ ضَنينُ
أَرخَصَ الحُبُّ فُؤادي / لَكَ وَالعِلقُ ثَمينُ
يا هِلالاً تَتَرا / أَهُ نُفوسٌ لا عُيونُ
عَجَباً لِلقَلبِ يَقسو / مِنكَ وَالقَدُّ يَلينُ
ما الَّذي ضَرَّكَ لَو سُ / رَّ بِمَرآكَ الحَزينُ
وَتَلَطَّفتَ لِصَبٍّ / حَينُهُ فيكَ يَحينُ
فَوُجوهُ اللَفظِ شَتّى / وَالمَعاذيرُ فُنونُ
يا غَزالاً أَصارَني
يا غَزالاً أَصارَني / موثَقاً في يَدِ المِحَن
إِنَّني مُذ هَجَرتَني / لَم أَذُق لَذَّةَ الوَسَن
لَيتَ حَظّي إِشارَةٌ / مِنكَ أَو لَحظَةٌ عَنَن
شافِعي يا مُعَذِّبي / في الهَوى وَجهُكَ الحَسَن
كُنتُ خِلواًّ مِنَ الهَوى / فَأَنا اليَومَ مُرتَهَن
كانَ سِرّي مُكَتَّماً / وَهُوَ الآنَ قَد عَلَن
لَيسَ لي عَنكَ مَذهَبٌ / فَكَما شِئتَ لي فَكُن
خَليلَيَّ لا فِطرٌ يَسُرُّ وَلا أَضحى
خَليلَيَّ لا فِطرٌ يَسُرُّ وَلا أَضحى / فَما حالُ مَن أَمسى مَشوقاً كَما أَضحى
لَئِن شاقَني شَرقُ العُقابِ فَلَم أَزَل / أَخُصُّ بِمَمحوضِ الهَوى ذَلِكَ السَفحا
وَما اِنفَكَّ جوفِيُّ الرُصافَةِ مُشعِري / دَواعِيَ ذِكرى تُعقِبُ الأَسَفَ البَرحا
وَيَهتاجُ قَصرُ الفارِسِيِّ صَبابَةً / لِقَلبِيَ لاتَألو زِنادَ الأَسى قَدحا
وَلَيسَ ذَميماً عَهدُ مَجلِسِ ناصِحٍ / فَأَقبَلَ في فَرطِ الوَلوعِ بِهِ نُصحا
كَأَنِّيَ لَم أَشهَد لَدى عَينِ شَهدَةٍ / نِزالَ عِتابٍ كانَ آخِرُهُ الفَتحا
وَقائِعُ جانيها التَجَنّي فَإِن مَشى / سَفيرُ خُضوعٍ بَينَنا أَكَّدَ الصُلحا
وَأَيّامُ وَصلٍ بِالعَقيقِ اِقتَضَيتُهُ / فَإِلّا يَكُن ميعادُهُ العيدَ فَالفِصحا
وَآصالُ لَهوٍ في مُسَنّاةِ مالِكٍ / مُعاطاةَ نَدمانٍ إِذا شِئتَ أَو سَبحا
لَدى راكِدٍ يُصبيكَ مِن صَفَحاتِهِ / قَواريرُ خُضرٍ خِلتَها مُرِّدَت صَرحا
مَعاهِدُ لَذّاتٍ وَأَوطانُ صَبوَةٍ / أَجَلتُ المُعَلّى في الأَماني بِها قِدحا
أَلا هَل إِلى الزَهراءِ أَوبَةُ نازِحٍ / تَقَضّى تَنائيها مَدامِعَهُ نَزحا
مَقاصيرُ مُلكٍ أَشرَقَت جَنَباتُها / فَخِلنا العِشاءَ الجَونَ أَثناءَها صُبحا
يُمَثِّلُ قُرطَيها لِيَ الوَهمُ جَهرَةً / فَقُبَّتَها فَالكَوكَبَ الرَحبَ فَالسَطحا
مَحَلُّ اِرتِياحٍ يُذكِرُ الخُلدَ طيبُهُ / إِذا عَزَّ أَن يَصدى الفَتى فيهِ أَو يَضحى
هُناكَ الجِمامُ الزُرقُ تُندي حِفافَها / ظِلالٌ عَهِدتُ الدَهرَ فيها فَتىً سَمحا
تَعَوَّضتُ مِن شَدوِ القِيانِ خِلالَها / صَدى فَلَواتٍ قَد أَطارَ الكَرى ضَبحا
وَمِن حَملِيَ الكَأسَ المُفَدّى مُديرُها / تَقَحُّمُ أَهوالٍ حَمَلتُ لَها الرُمحا
أَجَل إِنَّ لَيلي فَوقَ شاطِئِ نيطَةٍ / لَأَقصَرُ مِن لَيلي بِآنَةَ فَالبَطحا
ما ضَرَّ لَو أَنَّكَ لي راحِمُ
ما ضَرَّ لَو أَنَّكَ لي راحِمُ / وَعِلَّتي أَنتَ بِها عالِمُ
يَهنيكَ يا سُؤلي وَيا بُغيَتي / أَنَّكَ مِمّا أَشتَكي سالِمُ
تَضحَكُ في الحُبِّ وَأَبكي أَنا / أَللَهُ فيما بَينَنا حاكِمُ
أَقولُ لَمّا طارَ عَنّي الكَرى / قَولَ مُعَنّىً قَلبُهُ هائِمُ
يا نائِماً أَيقَظَني حُبُّهُ / هَب لي رُقاداً أَيُّها النائِمُ
وَشادِنٍ أَسأَلُهُ قَهوَةً
وَشادِنٍ أَسأَلُهُ قَهوَةً / فَجادَ بِالقَهوَةِ وَالوَردِ
فَبِتُّ أُسقى الراحَ مِن ريقِهِ / وَأَجتَني الوَردَ مِنَ الخَدِّ
أَحينَ عَلِمتَ حَظَّكَ مِن وِدادي
أَحينَ عَلِمتَ حَظَّكَ مِن وِدادي / وَلَم تَجهَل مَحَلَّكَ مِن فُؤادي
وَقادَنِيَ الهَوى فَاِنقَدتُ طَوعاً / وَما مَكَّنتُ غَيرَكَ مِن قِيادي
رَضيتَ لِيَ السَقامَ لِباسَ جِسمٍ / كَحَلتُ الطَرفَ مِنهُ بِالسُهادِ
أَجِل عَينَيكَ في أَسطارِ كُتبي / تَجِد دَمعي مِزاجاًّ لِلمِدادِ
فَدَيتُكَ إِنَّني قَد ذابَ قَلبي / مِنَ الشَكوى إِلى قَلبٍ جَمادِ
يا مُخجِلَ الغُصُنِ الفَينانِ إِن خَطَرا
يا مُخجِلَ الغُصُنِ الفَينانِ إِن خَطَرا / وَفاضِحَ الرَشإِ الوَسنانِ إِن نَظَرا
يَفديكَ مِنّي مُحِبٌّ شَأنُهُ عَجَبٌ / ما جِئتَ بِالذَنبِ إِلّا جاءَ مُعتَذِرا
لَم يُنجِني مِنكَ ما استَشعَرتُ مِن حَذَرٍ / هَيهاتَ كَيدُ الهَوى يَستَهلِكُ الحَذَرا
ما كانَ حُبُّكَ إِلّا فِتنَةً قُدِرَت / هَل يَستَطيعُ الفَتى أَن يَدفَعَ القَدَرا
أَيوحِشُني الزَمانُ وَأَنتَ أُنسي
أَيوحِشُني الزَمانُ وَأَنتَ أُنسي / وَيُظلِمُ لي النَهارُ وَأَنتَ شَمسي
وَأَغرِسُ في مَحَبَّتِكَ الأَماني / فَأَجني المَوتَ مِن ثَمَراتِ غَرسي
لَقَد جازَيتَ غَدراً عَن وَفائي / وَبِعتَ مَوَدَّتي ظُلماً بِبَخسِ
وَلَو أَنَّ الزَمانَ أَطاعَ حُكمي / فَدَيتُكَ مِن مَكارِهِهِ بِنَفسي
هَل راكِبٌ ذاهِبٌ عَنهُم يُحَيِّيني
هَل راكِبٌ ذاهِبٌ عَنهُم يُحَيِّيني / إِذ لا كِتابَ يُوافيني فَيُحيِيني
قَد مِتُّ إِلّا ذَماءً فِيَّ يُمسِكُهُ / أَنَّ الفُؤادَ بِلُقياهُم يُرَجّيني
ما سَرَّحَ الدَمعَ مِن عَيني وَأَطلَقَهُ / إِلّا اعتِيادُ أَسىً في القَلبِ مَسجونِ
صَبراً لَعَلَّ الَّذي بِالبُعدِ أَمرَضَني / بِالقُربِ يَوماً يُداويني فَيَشفيني
كَيفَ اِصطِباري وَفي كانونَ فارَقَني / قَلبي وَهانَحنُ في أَعقابِ تِشرينِ
شَخصٌ يُذَكِّرُني فاهُ وَغُرَّتَهُ / شَمسُ النَهارِ وَأَنفاسُ الرَياحينِ
لَئِن عَطِشتُ إِلى ذاكَ الرُضابِ لَكَم / قَد باتَ مِنهُ يُسَقّيني فَيُرويني
وَإِن أَفاضَ دُموعي نَوحُ باكِيَةٍ / فَكَم أَراهُ يُغَنّيني فَيُشجيني
وَإِن بَعُدتُ وَأَضنَتني الهُمومُ لَقَد / عَهِدتُهُ وَهوَ يُدنيني فَيُسليني
أَو حَلَّ عَقدَ عَزائي نَأيُهُ فَلَكَم / حَلَلتُ عَن خَصرِهِ عَقدَ الثَمانينِ
يا حُسنَ إِشراقِ ساعاتِ الدُنُوِّ بَدَت / كَواكِباً في لَيالي بُعدِهِ الجونِ
وَاللَهِ ما فارَقوني بِاِختِيارِهِمِ / وَإِنَّما الدَهرُ بِالمَكروهِ يَرميني
وَما تَبَدَّلتُ حُبّاًّ غَيرَ حُبِّهِمِ / إِذاًّ تَبَدَّلتُ دينَ الكُفرِ مِن ديني
أَفدي الحَبيبَ الَّذي لَو كانَ مُقتَدِراً / لَكانَ بِالنَفسِ وَالأَهلينَ يَفديني
يا رَبِّ قَرِّب عَلى خَيرٍ تَلاقينا / بِالطالِعِ السَعدِ وَالطَيرِ المَيامينِ
كَما تَشاءُ فَقُل لي لَستُ مُنتَقِلاً
كَما تَشاءُ فَقُل لي لَستُ مُنتَقِلاً / لا تَخشَ مِنِّيَ نِسياناً وَلا بَدَلا
وَكَيفَ يَنساكَ مَن لَم يَدرِ بَعدَكَ ما / طَعمُ الحَياةِ وَلا بِالبُعدِ عَنكَ سَلا
أَتلَفتَني كَلَفاً أَبلَيتَني أَسَفاً / قَطَّعتَني شَغَفاً أَورَثتَني عِلَلا
إِن كُنتُ خُنتُ وَأَضمَرتُ السُلُوَّ فَلا / بَلَغتُ يا أَمَلي مِن قُربَكَ الأَمَلا
وَاللَهُ لا عَلِقَت نَفسي بِغَيرِكُمُ / وَلا اِتَّخَذتُ سِواكُم مِنكُمُ بَدَلا
وَرامِشَةٍ يَشفي العَليلَ نَسيمُها
وَرامِشَةٍ يَشفي العَليلَ نَسيمُها / مُضَمَّخَةُ الأَنفاسِ طَيِّبَةُ النَشرِ
أَشارَ بِها نَحوي بَنانٌ مُنَعَّمٌ / لِأَغيَدَ مَكحولِ المَدامِعِ بِالسِحرِ
سَرَت نَضرَةٌ مِن عَهدِها في غُصونِها / وَعُلَّت بِمِسكٍ مِن شَمائِلِهِ الزُهرِ
إِذا هُوَ أَهدى الياسَمينَ بِكَفِّهِ / أَخَذتُ النُجومَ الزُهرَ مِن راحَةِ البَدرِ
لَهُ خُلُقٌ عَذبٌ وَخَلقٌ مُحَسَّنٌ / وَظَرفٌ كَعَرفِ الطيبِ أَو نَشوَةِ الخَمرِ
يُعَلِّلُ نَفسي مِن حَديثٍ تَلَذُّهُ / كَمِثلِ المُنى وَالوَصلِ في عُقُبِ الهَجرِ
سَقى الغَيثُ أَطلالَ الأَحِبَّةِ بِالحِمى
سَقى الغَيثُ أَطلالَ الأَحِبَّةِ بِالحِمى /
وَحاكَ عَلَيها ثَوبَ وَشيٍ مُنَمنَما /
وَأَطلَعَ فيها لِلأَزاهيرِ أَنجُما /
فَكَم رَفَلَت فيها الخَرائِدُ كَالدُمى /
إِذِ العَيشُ غَضٌّ وَالزَمانُ غُلامُ /
أَهيمُ بِجَبّارٍ يَعِزُّ وَأَخضَعُ /
شَذا المِسكِ مِن أَردانِهِ يَتَضَوَّعُ /
إِذا جِئتُ أَشكوهُ الجَوى لَيسَ يَسمَعُ /
فَما أَنا في شَيءٍ مِنَ الوَصلِ أَطمَعُ /
وَلا أَن يَزورَ المُقلَتَينِ مَنامُ /
قَضَيبٌ مِنَ الرَيحانِ أَثمَرَ بِالبَدرِ /
لَواحِظُ عَينَيهِ مُلِئنَ مِنَ السِحرِ /
وَديباجُ خَدَّيهِ حَكى رَونَقَ الخَمرِ /
وَأَلفاظُهُ في النُطقِ كَاللُؤلُؤِ النَثرِ /
وَريقَتُهُ في الإِرتِشافِ مُدامُ /
سَقى جَنَباتِ القَصرِ صَوبُ الغَمائِمِ /
وَغَنّى عَلى الأَغصانِ وُرقُ الحَمائِمِ /
بِقُرطُبَةَ الغَرّاءَ دارِ الأَكارِمِ /
بِلادٌ بِها شَقَّ الشَبابُ تَمائِمي /
وَأَنجَبَني قَومٌ هُناكَ كِرامُ /
فَكَم لِيَ فيها مِن مَساءٍ وَإِصباحِ /
بِكُلِّ غَزالٍ مُشرِقِ الوَجهِ وَضّاحِ /
يُقَدِّمُ أَفواهَ الكُؤوسِ بِتُفّاحِ /
إِذا طَلَعَت في راحِهِ أَنجُمُ الراحِ /
فَإِنّا لَإِعظامِ المُدامِ قِيامُ /
وَيَومٍ لَدى النَبتِيِّ في شاطِئِ النَهرِ /
تُدارُ عَلَينا الراحُ في فِتيَةٍ زُهرِ /
وَليسَ لَنا فَرشٌ سِوى يانِعِ الزَهرِ /
يَدورُ بِها عَذبُ اللَمى أَهيَفُ الخَصرِ /
بِفيهِ مِنَ الثَغرِ الشَنيبِ نِظامُ /
وَيَومٍ بِجَوفِيِّ الرَصافَةِ مُبهِجِ /
مَرَرنا بِرَوضِ الأُقحُوانِ المُدَبَّجِ /
وَقابَلَنا فيهِ نَسيمُ البَنَفسَجِ /
وَلاحَ لَنا وَردٌ كَخَدٍّ مُضَرَّجِ /
نَراهُ أَمامَ النورِ وَهوَ إِمامُ /
وَأَكرِم بِأَيّامِ العُقابِ السَوالِفِ /
وَلَهوٍ أَثَرناهُ بِتِلكَ المَعاطِفِ /
بِسودِ أَثيثِ الشَعرِ بيضِ السَوالِفِ /
إِذا رَفَدوا في وَشيِ تِلكَ المَطارِفِ /
فَلَيسَ عَلى خَلعِ العِذارِ مُلامُ /
وَكَم مَشهَدٍ عِندَ العَقيقِ وَجِسرِهِ /
قَعَدنا عَلى حُمرِ النَباتِ وَصُفرِهِ /
وَظَبيٍ يُسَقّينا سُلافَةَ خَمرِهِ /
حَكى جَسَدي في السُقمِ رِقَّةَ خَصرِهِ /
لَواحِظُهُ عِندَ الرُنُوِّ سِهامُ /
فَقُل لِزَمانٍ قَد تَوَلّى نَعيمُهُ /
وَرَثَّت عَلى مَرِّ اللَيالي رُسومُهُ /
وَكَم رَقَّ فيهِ بِالعَشِيِّ نَسيمُهُ /
وَلاحَت لِساري اللَيلِ فيهِ نُجومُهُ /
عَلَيكَ مِنَ الصَبِّ المَشوقِ سَلامُ /
لَئِن قَصَّرَ اليَأسُ مِنكِ الأَمَل
لَئِن قَصَّرَ اليَأسُ مِنكِ الأَمَل / وَحالَ تَجَنّيكِ دونَ الحِيَل
وَناجاكِ بِالإِفكِ فِيِّ الحَسودُ / فَأَعطَيتِهِ جَهرَةً ما سَأَل
وَراقَكِ سِحرُ العِدا المُفتَرى / وَغَرَّكِ زورُهُمُ المُفتَعَل
وَأَقبَلتِهِم فِيَّ وَجهَ القَبولِ / وَقابَلَهُم بِشرُكِ المُقتَبَل
فَإِنَّ ذِمامَ الهَوى لَم أَزَل / أُبَقّيهِ حِفظاً كَما لَم أَزَل
فَدَيتُكِ إِن تَعجَلي بِالجَفا / فَقَد يَهَبُ الريثَ بَعضُ العَجَل
عَلامَ اِطّبَتكِ دَواعي القِلى / وَفيمَ ثَنَتكِ نَواهي العَذَل
أَلَم أَلزَمِ الصَبرَ كَيما أَخِفَّ / أَلَم أُكثِرِ الهَجرَ كَي لا أُمَلّ
أَلَم أَرضَ مِنكِ بِغَيرِ الرِضى / وَأُبدي السُرورَ بِما لَم أَنَل
أَلَم أَغتَفِر موبِقاتِ الذُنوبِ / عَمداً أَتَيتِ بِها أَم زَلَل
وَما ساءَ ظَنِّيَ في أَن يُسيءَ / بِيَ الفِعلَ حُسنُكِ حَتّى فَعَل
عَلى حينَ أَصبَحتِ حَسبَ الضَميرِ / وَلَم تَبغِ مِنكِ الأَماني بَدَل
وَصانَكِ مِنّي وَفِيٌّ أَبِيٌّ / لِعِلقِ العَلاقَةِ أَن يُبتَذَل
سَعَيتِ لِتَكديرِ عَهدٍ صَفا / وَحاوَلتِ نَقصَ وِدادٍ كَمَل
فَما عوفِيَت مِقَتي مِن أَذىً / وَلا أُعفِيَت ثِقَتي مِن خَجَل
وَمَهما هَزَزتُ إِلَيكِ العِتابَ / ظاهَرتِ بَينَ ضُروبِ العِلَل
كَأَنَّكِ ناظَرتِ أَهلَ الكَلامِ / وَأوتيتِ فَهماً بِعلمِ الجَدَل
وَلَو شِئتِ راجَعتِ حُرَّ الفَعالِ / وَعُدتِ لِتِلكَ السَجايا الأُوَل
فَلَم يَكُ حَظِّيَ مِنكِ الأَخَسَّ / وَلا عُدَّ سَهمِيَ فيكِ الأَقَلّ
عَلَيكِ السَلامُ سَلامُ الوَداعِ / وَداعِ هَوىً ماتَ قَبلَ الأَجَل
وَما بِاِختِيارٍ تَسَلَّيتُ عَنكِ / وَلَكِنَّني مُكرَهٌ لا بَطَل
وَلَم يَدرِ قَلبِيَ كَيفَ النُزوعُ / إِلى أَن رَأى سيرَةً فَامتَثَل
وَلَيتَ الَّذي قادَ عَفواً إِلَيكِ / أَبِيَّ الهَوى في عَنانِ الغَزَل
يُحيلُ عُذوبَةَ ذاكَ اللَمى / وَيَشفي مِنَ السُقمِ تِلكَ المُقَل
يا ظَبيَةً لَطُفَت مِنّي مَنازِلُها
يا ظَبيَةً لَطُفَت مِنّي مَنازِلُها / فَالقَلبُ مِنهُنَّ وَالأَحداقُ وَالكَبِدُ
حُبّي لَكِ الناسُ طُرّاً يَشهَدونَ بِهِ / وَأَنتِ شاهِدَةٌ إِن يَثنِهِم حَسَدُ
لَم يَعزُبِ الوَصلُ فيما بَينَنا أَبَداً / لَو كُنتِ واجِدَةً مِثلَ الَّذي أَجِدُ
تَنَشَّقَ مِن عَرفِ الصَبا ما تَنَشَّقا
تَنَشَّقَ مِن عَرفِ الصَبا ما تَنَشَّقا / وَعاوَدَهُ ذِكرُ الصِبا فَتَشَوَّقا
وَما زالَ لَمعُ البَرقِ لَمّا تَأَلَّقا / يُهيبُ بِدَمعِ العَينِ حَتّى تَدَفَّقا
وَهَل يَملِكُ الدَمعَ المَشوقُ المُصَبَّأُ /
خَليلَيَّ إِن أَجزَع فَقَد وَضَحَ العُذرُ / وَإِن أَستَطِع صَبراً فَمِن شيمَتي الصَبرُ
وَإِن يَكُ رُزأً ما أَصابَ بِهِ الدَهرُ / فَفي يَومِنا خَمرٌ وَفي غَدِهِ أَمرُ
وَلا عَجَبٌ إِنَّ الكَريمَ مُرَزَّأُ /
رَمَتني اللَيالي عَن قَسِيِّ النَوائِبِ / فَما أَخطَأَتني مُرسَلاتُ المَصائِبِ
أَقضي نَهاري بِالأَماني الكَواذِبِ / وَآوي إِلى لَيلٍ بَطيءِ الكَواكِبِ
وَأَبطَأُ سارٍ كَوكَبٌ باتَ يُكلَأُ /
أَقُرطُبَةُ الغَرّاءَ هَل فيكِ مَطمَعُ / وَهَل كَبِدٌ حَرّى لِبَينَكِ تُنقَعُ
وَهَل لِلَياليكِ الحَميدَةِ مَرجِعُ / إِذِ الحُسنُ مَرأىً فيكِ وَاللَهوُ مَسمَعُ
وَإِذ كَنَفُ الدُنيا لَدَيكِ مُوَطَّأُ /
أَلَيسَ عَجيباً أَن تَشُطَّ النَوى بِكِ / فَأَحيا كَأَن لَم أَنسَ نَفحَ جَنابِكِ
وَلَم يَلتَئِم شَعبي خِلالَ شِعابِكِ / وَلَم يَكُ خَلقي بَدؤُهُ مِن تُرابِكِ
وَلَم يَكتَنِفني مِن نَواحيكِ مَنشَأُ /
نَهارُكِ وَضّاحٌ وَلَيلُكِ ضَحيانُ / وَتُربُكِ مَصبوحٌ وَغُصنُكِ نَشوانُ
وَأَرضُكِ تُكسى حينَ جَوُّكِ عُريانُ / وَرَيّاكِ رَوحٌ لِلنُفوسِ وَرَيحانُ
وَحَسبُ الأَماني ظِلُّكِ المُتَفَيَّأُ /
أَأَنسى زَماناً بِالعِقابِ مُرَفَّلاً / وَعَيشاً بِأَكنافِ الرُصافَةِ دَغفَلا
وَمَغنىً إِزاءَ الجَعفَرِيَّةِ أَقبَلا / لَنِعمَ مَرادُ النَفسِ رَوضاً وَجَدوَلا
وَنِعمَ مَحَلُّ الصَبوَةِ المُتَبَوَّأُ /
وَيا رُبَّ مَلهىً بِالعَقيقِ وَمَجلِسِ / لَدى تُرعَةٍ تَرنو بِأَحداقِ نَرجِسِ
بِطاحُ هَواءٍ مُطمِعِ الحالِ مُؤيِسِ / مَغيمٍ وَلَكِن مِن سَنا الراحِ مُشمِسِ
إِذا ما بَدَت في كَأسِها تَتَلَألَأُ /
وَقَد ضَمَّنا مِن عَينِ شُهدَةَ مَشهَدُ / بَدَأنا وَعُدنا فيهِ وَالعودُ أَحمَدُ
يَزُفُّ عَروسَ اللَهوِ أَحوَرُ أَغيَدُ / لَهُ مَبسِمٌ عَذبٌ وَخَدٌّ مُوَرَّدُ
وَكَفٌّ بِحِنّاءِ المُدامِ تُقَنَّأُ /
وَكائِن عَدَونا مُصعِدينَ عَلى الجِسرِ / إِلى الجَوسَقِ النَصرِيِّ بَينَ الرُبى العُفرِ
وَرُحنا إِلى الوَعساءِ مِن شاطِئِ النَهرِ / بِحَيثُ هُبوبُ الريحِ عاطِرَةِ النَشرِ
عَلا قُضُبَ النُوّارِ فَهيَ تَكَفَّأُ /
وَأَحسِن بِأَيّامٍ خَلَونَ صَوالِحِ / بِمَصنَعَةِ الدولابِ أَو قَصرِ ناصِحِ
تَهُزُّ الصَبا أَثناءَ تِلكَ الأَباطِحِ / صَفيحَةَ سَلسالِ المَوارِدِ سائِحِ
تَرى الشَمسَ تَجلو نَصلَها حينَ يَصدَأُ /
وَيا حَبَّذا الزَهراءَ بَهجَةَ مَنظَرِ / وَرِقَّةَ أَنفاسٍ وَصِحَّةَ جَوهَرِ
وَناهيكَ مِن مَبدا جَمالٍ وَمَحضِرِ / وَجَنَّةِ عَدنٍ تَطَّبيكَ وَكَوثَرِ
بِمَرأىً يَزيدُ العُمرَ طيباً وَيَنسَأُ /
مَعاهِدُ أَبكيها لِعَهدٍ تَصَرَّما / أَغَضَّ مِنَ الوَردِ الجَنِيِّ وَأَنعَما
لَبِسنا الصِبا فيها حَبيراً مُنَمنَما / وَقُدنا إِلى اللَذاتِ جَيشاً عَرَمرَما
لَهُ الأَمنُ رِدءٌ وَالعَداوَةُ مَربَأُ /
كَساها الرَبيعُ الطَلقُ وَشيَ الخَمائِلِ / وَراحَت لَها مَرضى الرِياحِ البَلائِلِ
وَغادى بَنوها العَيشَ حُلوَ الشَمائِلِ / وَلا زالَ مِنّا بِالضُحى وَالأَصائِلِ
سَلامٌ عَلى تِلكَ المَيادينِ يُقرَأُ /
إِخوانَنا لِلوارِدينَ مَصادِرُ / وَلا أَوَّلٌ إِلّا سَيَتلوهُ آخِرُ
وَإِنّي لِأَعتابِ الزَمانِ لَناظِرُ / فَقَد يَستَقيلُ الجَدُّ وَالجَدُّ عاثِرُ
وَتُحمَدُ عُقبى الأَمرِ مازالَ يُشنَأُ /
ظَعَنتُ فَكانَ الحُرُّ يُجفى فَيَظعَنُ / وَأَصبَحتُ أَسلو بِالأَسى حينَ أَحزَنُ
وَقَرَّ عَلى اليَأسِ الفُؤادُ المُوَطَّنُ / وَإِنَّ بِلاداً هُنتُ فيها لَأَهوَنُ
وَمَن رامَ مِثلي بِالدَنِيَّةِ أَدنَأُ /
وَلا يُغبِطُ الأَعداءَ كَونِيَ في السِجنِ / فَإِنّي رَأَيتُ الشَمسَ تُحصَنُ بِالدَجنِ
وَماكُنتُ إِلّا الصارِمَ العَضبَ في جَفنِ / أَوِ اللَيثَ في غابٍ أَوِ الصَقرَ في وَكنِ
أَوِ العِلقَ يُخفى في الصِوارِ وَيُخبَأُ /
يَضيقُ بِأَنواعِ الصَبابَةِ مَذهَبي / إِلى كُلِّ رَحبِ الصَدرِ مِنكُم مُهَذَّبِ
مُفَضَّضِ لَألاءِ الأَساريرِ مُذهَبِ / يُنافِسُ مِنهُ البَدرُ غُرَّةَ كَوكَبِ
دَرى أَنَّها أَبهى سَناءً وَأَضوَأُ /
أَسِفتُ فَما أَرتاحُ وَالراحُ تُثمِلُ / وَلا أُسعِفُ الأَوتارَ وَهيَ تَرَسَّلُ
وَلا أَرعَوي عَن زَفرَةٍ حينَ أُعذَلُ / وَلا لِيَ مُذ فارَقتُكُم مُتَعَلَّلُ
سِوى خَبَرٍ مِنكُم عَلى النَأيِ يَطرَأُ /
حَمِدتُم مِنَ الأَيّامِ لينَ خِلالِها / وَسَرَّتكُمُ الدُنيا بِحُسنِ دَلالِها
مُؤَمَّنَةً مِن عَتبِها وَمَلالِها / وَلا زالَ مِنكُم لابِسٌ مِن ظِلالِها
يُسَوِّغُ أَبكارَ المُنى وَيُهَنَّأُ /