المجموع : 39
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا / وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ / أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
أَراكَ تُحِبُّ عِرساً ذاتَ غَدرٍ / أَبَتَّ طَلاقَها الأَكياسُ بَتّا
تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ / بِها حَتّى إِذا مِتَّ اِنتَبَهنا
فَكَم ذا أَنتَ مَخدوعٌ وَحَتّى / مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّى
أَبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
إِلى عِلمٍ تَكونُ بِهِ إِماماً / مُطاعاً إِن نَهَيتَ وَإِن أَمَرتا
وَتَجلو ما بِعَينِكَ مِن عَشاها / وَتَهديكَ السَبيلَ إِذا ضَلَلتا
وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديكَ تاجاً / وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتا
يَنالُكَ نَفعُهُ مادُمتَ حَيّاً / وَيَبقى ذُخرُهُ لَكَ إِن ذَهَبتا
هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو / تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا
وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً / خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ / وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً / لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاِجتَهَدتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيقُ رَوضٍ / وَلا خِدرٌ بِرَبرَبِهِ كَلِفتا
فَقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعاني / وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا
فَواظِبهُ وَخُذ بِالجِدِّ فيهِ / فَإِن أَعطاكَهُ اللَهُ أَخَذتا
وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويلَ باعٍ / وَقالَ الناسُ إِنَّكَ قَد سَبَقتا
فَلا تَأمَن سُؤالَ اللَهِ عَنهُ / بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا
فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقّاً / وَلَيسَ بِأَن يُقال لَقَد رَأَستا
وَضافي ثَوبِكَ الإِحسانُ لا أَن / تُرى ثَوبَ الإِساءَةِ قَد لَبِستا
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً / فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا
وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ / فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا
سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً / وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا
وَتُفقَدُ إِن جَهِلتَ وَأَنتَ باقٍ / وَتوجَدُ إِن عَلِمتَ وَقَد فُقِدتا
وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعدَ حينٍ / وَتَغبِطُها إِذا عَنها شُغِلتا
لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها / وَما تُغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا
إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ / قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَاِلهُ عَنهُ / فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا
وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً / وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى
سَيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في نَدِيٍّ / وَيُكتَبُ عَنكَ يَوماً إِن كَتَبتا
وَما يُغنيكَ تَشيِيدُ المَباني / إِذا بِالجَهلِ نَفسَكَ قَد هَدَمتا
جَعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهلاً / لَعَمرُكَ في القَضيَّةِ ماعَدَلتا
وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحيِ بَونٌ / سَتَعلَمُهُ إِذا طَهَ قَرَأتا
لَئِن رَفَعَ الغَنيُّ لِواءَ مالٍ / لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَد رَفَعتا
وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا / لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا
وَإِن رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ / لَأَنتَ مَناهِجَ التَقوى رَكِبتا
وَمَهما اِفتَضَّ أَبكارَ الغَواني / فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا
وَلَيسَ يَضُرُّكَ الإِقتارُ شَيئاً / إِذا ما أَنتَ رَبَّكَ قَد عَرَفتا
فَما عِندَهُ لَكَ مِن جَميلٍ / إِذا بِفِناءِ طاعَتِهِ أَنَختا
فَقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحي / فَإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا
وَإِن راعَيتَهُ قَولاً وَفِعلاً / وَتاجَرتَ الإِلَهَ بِهِ رَبِحتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَغايَتُها إِذا فَكَرَّت فيها / كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِكَ إِن حَلَمتا
سُجِنتَ بِها وَأَنتَ لَها مُحِبٌّ / فَكَيفَ تُحِبُّ ما فيهِ سُجِنتا
وَتُطعِمُكَ الطَعامَ وَعَن قَريبٍ / سَتَطعَمُ مِنكَ ما مِنها طَعِمتا
وَتَعرى إِن لَبِستَ لَها ثِياباً / وَتُكسى إِن مَلابِسَها خَلَعتا
وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ / كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا
وَلَم تُخلَق لِتَعمُرها وَلَكِن / لِتَعبُرَها فَجِدَّ لِما خُلِقتا
وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدماً / وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا
وَلا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنها / إِذا ما أَنتَ في أُخراكَ فُزتا
فَلَيسَ بِنافِعٍ ما نِلتَ فيها / مِنَ الفاني إِذا الباقي حُرِمتا
وَلا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهواً / فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ / وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها / وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا
وَنادِ إِذا سَجَدتَ لَهُ اِعتِرافاً / بِما ناداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى
وَلازِم بابَهُ قَرعاً عَساهُ / سَيفتَحُ بابَهُ لَكَ إِن قَرَعتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ / وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا
وَقُل لي يا نَصيحُ لَأَنتَ أَولى / بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا
تُقَطِّعُني عَلى التَفريطِ لَوماً / وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَد قَطَعتا
وَفي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا / وَما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختا
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلاً / فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا / كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا
وَلَم أَشرَب حُمَيّاً أُمِّ دَفرٍ / وَأَنتَ شَرِبتَها حَتّى سَكِرتا
وَلَم أَحلُل بِوادٍ فيهِ ظُلمٌ / وَأَنتَ حَلَلتَ فيهِ وَاِنهَمَلتا
وَلَم أَنشَأ بِعَصرٍ فيهِ نَفعٌ / وَأَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَما اِنتَفَعتا
وَقَد صاحَبتَ أَعلاماً كِباراً / وَلَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا
وَناداكَ الكِتابُ فَلَم تُجِبهُ / وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَما اِنتَبَهتا
لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعلُ التَصابي / وَأَقبَحُ مِنهُ شَيخٌ قَد تَفَتّى
فَأَنتَ أَحَقُّ بِالتَفنيدِ مِنّي / وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا
وَنَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها / بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ / أُمِرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتا
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى / لِجَهلِكَ أَن تَخِفَّ إِذا وُزِنتا
وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي / وَتَرحَمُهُ وَنَفسَكَ ما رَحِمتا
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا / لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا
وَلَو وافَيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ / وَناقَشَكَ الحِسابَ إِذاً هَلَكتا
وَلَم يَظلُمكَ في عَمَلٍ وَلَكِن / عَسيرٌ أَن تَقومَ بِما حَمَلتا
وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَرداً / وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى
لَأَعظَمتَ النَدامَةَ فيهِ لَهَفاً / عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا
تَفِرُّ مِنَ الهَجيرِ وَتَتَّقيهِ / فَهَلّا عَن جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا
وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذاباً / وَلَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا
فَلا تُكذَب فَإِنَّ الأَمرَ جِدٌّ / وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتا
أَبا بَكرٍ كَشَفتَ أَقَلَّ عَيبي / وَأَكثَرَهُ وَمُعظَمَهُ سَتَرتا
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي / وَضاعِفها فَإِنَّكَ قَد صَدَقتا
وَمَهما عِبتَني فَلِفَرطِ عِلمي / بِباطِنَتي كَأَنَّكَ قَد مَدَحتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَتَهوي بِالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا / وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوقِ تَحتا
كَما الطاعاتُ تَنعَلُكَ الدَراري / وَتَجعَلُكَ القَريبَ وَإِن بَعُدتا
وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلاً / فَتُلفى البَرَّ فيها حَيثُ كُنتا
وَتَمشي في مَناكِبَها كَريماً / وَتَجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا
وَأَنتَ الآن لَم تُعرَف بِعابٍ / وَلا دَنَّستَ ثَوبَكَ مُذ نَشَأتا
وَلا سابَقتَ في ميدانِ زورٍ / وَلا أَوضَعتَ فيهِ وَلا خَبَبتا
فَإِن لَم تَنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ / وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا
وَدَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى / كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِكَ ما طَهُرتا
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ / وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا
وَخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم / كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى
وَخالِطهُم وَزايلهُم حِذاراً / وَكُن كالسامِريَّ إِذا لَمِستا
وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلاماً / لَعَلَّكَ سَوفَ تَسلَمُ إِن فَعَلتا
وَمَن لَكَ بِالسَلامَةِ في زَمانٍ / يَنالُ العُصمَ إِلّا إِن عُصِمتا
وَلا تَلَبَث بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ / يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلَو فَوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها / سُمُوّاً وَاِفتِخاراً كُنتَ أَنتا
وَإِن فَرَّقتَها وَخَرَجتَ مِنها / إِلى دارِ السَلامِ فَقدَ سَلِمتا
وَإِن كَرَّمتَها وَنَظَرتَ مِنها / بِإِجلالٍ فَنَفسَكَ قَد أَهَنتا
جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها / حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا
وَطَوَّلتُ العِتابَ وَزِدتُ فيهِ / لِأَنَّكَ في البَطالَةِ قَد أَطَلتا
فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهوي / وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا
وَقَد أَردَفتُها سِتّاً حِساناً / وَكانَت قَبلَ ذا مِئَةً وَسِتّا
تُغازِلُني المَنيَّةُ مِن قَريبِ
تُغازِلُني المَنيَّةُ مِن قَريبِ / وَتَلحَظُني مُلاحَظَةَ الرَقيبِ
وَتَنشُرُ لي كِتاباً فيهِ طَيِّي / بِخَطِّ الدَهرِ أَسطُرُهُ مَشيبي
كِتابٌ في مَعانيهِ غُموضٌ / يَلوحُ لِكُلِّ أَوّابٍ مُنيبِ
أَرى الأَعصارَ تَعصِرُ ماءَ عودي / وَقِدماً كُنتُ رَيّانَ القَضيبِ
أَدالَ الشَيبُ يا صاحِ شَبابي / فَعُوِّضتُ البَغيضَ مِنَ الحَبيبِ
وَبَدَّلتُ التَثاقُلَ مِن نَشاطي / وَمِن حُسنِ النَضارَةِ بِالشُحوبِ
كَذاكَ الشَمسُ يَعلوها اِصفِرارٌ / إِذا جَنَحَت وَمالَت لِلغُروبِ
تُحارِبُنا جُنودٌ لا تُجارى / وَلا تُلقى بِآسادِ الحُروبِ
هِيَ الأَقدارُ وَالآجالُ تَأتي / فَتَنزِلُ بِالمُطَبَّبِ وَالطَبيبِ
تُفَوِّقُ أَسهُماً عَن قَوسِ غَيبٍ / وَما أَغراضُها غَيرُ القُلوبِ
فَأَنّى بِاِحتِراسٍ مِن جُنودٍ / مُؤَيَّدَةٍ تُمَدُّ مِنَ الغُيوبِ
وَما آسى عَلى الدُنيا وَلَكِن / عَلى ما قَد رَكِبتُ مِنَ الذُنوبِ
فَيا لَهَفي عَلى طولِ اِغتِراري / وَيا وَيحي مِنَ اليَومِ العَصيبِ
إِذا أَنا لَم أَنُح نَفسي وَأَبكي / عَلى حوبي بِتَهتانٍ سَكوبِ
فَمَن هَذا الَّذي بَعدي سَيَبكي / عَلَيها مِن بَعيدٍ أَو قَريبِ
أَحَمامَةَ البَيدا أَطَلتِ بُكاكِ
أَحَمامَةَ البَيدا أَطَلتِ بُكاكِ / فَبِحُسنِ صَوتُكِ ما الَّذي أَبكاكِ
إِن كانَ حَقاً ما ظَنَنتُ فَإِنَّ بي / فَوقَ الَّذي بِكِ مِن شَديدِ جَواكِ
إِنّي أَظُنُّكِ قَد دُهيتِ بِفُرقَةٍ / مِن مُؤنِسٍ لَكِ فَاِرتَمَضتِ لِذاكِ
لَكِنَّ ما أَشكوهُ مِن فَرطِ الجَوى / بِخِلافِ ما تَجِدينَ مِن شَكواكِ
أَنا إِنَّما أَبكي الذُنوبَ وَأَسرِها / وَمُنايَ في الشَكوى مَنالُ فَكاكي
وَإِذا بَكَيتُ سَأَلتُ رَبي رَحمَةً / وَتَجاوزاً فَبُكايَ غَيرُ بُكاكِ
مَن لَيسَ بِالباكي وَلا المُتَباكي
مَن لَيسَ بِالباكي وَلا المُتَباكي / لِقَبيحِ ما يَأتي فَلَيسَ بِزاكِ
نادَت بِيَ الدُنيا فَقُلتُ لَها اِقصِري / ما عُدَّ في الأَكياسِ مَن لَبّاكِ
وَلَمّا صَفا عِندَ الإِلَهِ وَلا دَنا / منهُ اِمرُؤٌ صافاكِ أَو داناكِ
مازِلتِ خادِعَتي بِبَرقٍ خُلَّبٍ / وَلَو اِهتَدَيتُ لَما اِنخَدَعتُ لِذاكِ
قالَت أَغَرَّكَ مِن جَناحِكَ طولُهُ / وَكَأَنَّ بِهِ قَد قُصَّ في أَشراكي
تَاللَهِ ما في الأَرضِ مَوضِعُ راحَةٍ / إِلّا وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ شِباكي
طِر كَيفَ شِئتَ فَأَنتَ فيها واقِعٌ / عانٍ بِها لايُرتَجى لِفَكاكِ
مَن كانَ يَصرَعُ قِرنَهُ في مَعرَكٍ / فَعَلَيَّ صَرعَتُهُ بِغَيرِ عِراكِ
ما أَعرِفُ العَضبَ الصَقيلَ وَلا القَنا / وَلَقَد بَطَشتُ بِذي السِلاحِ الشاكي
كَم ضَيغَمٍ عَفَّرتُهُ بِعَرينِهِ / وَلَكَم فَتَكتُ بِأَفتَكِ الفُتّاكِ
فَأَجَبتُها مُتَعَجِّباً مِن غَدرِها / أَجزَيتِ بِالبَغضاءِ مَن يَهواكِ
لَأَجَلتُ عَيني في بَنيكِ فَكُلَّهُم / أَسراكِ أَو جُرحاكِ أَو صَرعاكِ
لَو قارَضوكِ عَلى صَنيعُكِ فيهِمُ / قَطَعوا مَدى أَعمارِهِم بِقِلاكِ
طَمَسَت عُقولُهُم وَنورُ قُلوبِهِم / فَتَهافَتوا حِرصاً عَلى حَلواكِ
فَكَأَنَّهُم مِثلُ الذُبابِ تَساقَطَت / في الأَري حَتّى اِستُؤصِلوا بِهَلاكِ
لا كُنتِ مِن أُمٍّ لَنا أَكّالَةٍ / بَعدَ الوِلادَةِ ما أَقَلَّ حَياكِ
وَلَقَد عَهِدنا الأُمَّ تَلطُفُ بِاِبنِها / عَطفاً عَلَيهِ وَأَنتِ ما أَقساكِ
ما فَوقَ ظَهرِكِ قاطِنٌ أَو ظاعِنٌ / إِلّا سَيُهَشَمُ في ثِفالِ رَحاكِ
أَنتِ السَرابُ وَأَنتِ داءٌ كامِنٌ / بَينَ الضُلوعِ فَما أَعَزَّ دَواكِ
يُعصى الإِلَهُ إِذا أُطِعتِ وَطاعَتي / لِلَهِ رَبّي أَن أَشُقَّ عَصاكِ
فَرضٌ عَلَينا بِرُّنا أُمّاتِنا / وَعُقوقُهُنَّ مُحَرَّمٌ إِلّاكِ
ما إِن يَدومُ الفَقرُ فيكِ وَلا الغِنى / سِيّانُ فَقرُكِ عِندَنا وَغِناكِ
أَينَ الجَبابِرَةُ الأُلى وَرِياشُهُم / قَد باشَروا بَعدَ الحَريرِ ثَراكِ
وَلَطالَما رُدّوا بِأَردِيَةِ البَها / فَتَعَوَّضوا مِنها رِداءَ رَداكِ
كانَت وجوهُهُمُ كَأَقمارِ الدُجا / فَغَدَت مُسَجّاةً بِثَوبِ دُجاكِ
وَعَنَت لِقَيّومِ السَماواتِ العُلا / رَبِّ الجَميعِ وَقاهِرِ الأَملاكِ
وَجَلالِ رَبّي لَو تَصِحُّ عَزائِمي / لَزَهِدتُ فيكِ وَلَاِبتَغَيتُ سِواكِ
وَأَخَذتُ زاديَ مِنكِ مَن عَمَلِ التُقى / وَشَدَدتُ إيماني بِنَقضِ عُراكِ
وَحَطَطتُ رَحلي تَحتَ أَلوِيَةِ الهُدى / وَلَمّا رَآني اللَهُ تَحتَ لِواكِ
مَهلاً عَلَيكِ فَسَوفَ يَلحَقُكِ الفَنا / فَتُري بِلا أَرضٍ وَلا أَفلاكِ
وَيُعيدُنا رَبٌّ أَماتَ جَميعَنا / لِيَكونَ يُرضي غَيرَ مَن أَرضاكِ
وَاللَهِ ما المَحبوبُ عِندَ مَليكِهِ / إِلّا لَبيبٌ لَم يَزَل يَشناكِ
هَجرَ الغَواني واصِلاً لِعَقائِلٍ / يَضحَكنَ حُبّاً لِلوَلِيَّ الباكي
إِنّي أَرِقتُ لَهُنَّ لا لِحَمائِمٍ / تَبكي الهَديلَ عَلى غُصونِ أَراكِ
لا عَيشَ يَصفو لِلمُلوكِ وَإِنَّما / تَصفو وَتُحمَدُ عيشَةُ النُسّاكِ
وَمِنَ الإِلَهِ عَلى النَبِيِّ صَلاتُهُ / عَدَدَ النُجومِ وَعِدَّةَ الأَملاكِ
لَو كُنتُ في ديني مِنَ الأَبطالِ
لَو كُنتُ في ديني مِنَ الأَبطالِ / ما كُنتُ بِأَلواني وَلا البَطَّالِ
وَلَبِستُ مِنهُ لَأمَةً فَضفاضَةً / مَسرودَةً مِن صالِحِ الأَعمالِ
لَكِنَّني عَطَّلتُ أَقواسَ التُقى / مِن نَبلِها فَرَمَت بِغَيرِ نِبالِ
وَرَمى العَدوُ بِسَهمِهِ فَأَصابَني / إِذ لَم أُحَصِّن جُنَّةً لِنِضالِ
فَأَنا كَمَن يَلقى الكَتيبَةَ أَعزَلاً / في مَأزِقٍ مُتَعَرِّضاً لِنِزالِ
لَولا رَجاءُ العَفوِ كُنتُ كَناقِعٍ / بَرحَ الغَليلِ بِرَشفِ لَمعِ الآلِ
شابَ القُذالُ فَآنَ لي أَن أَرعَوي / لَو كُنتُ مُتَّعِظاً بِشَيبِ قَذالِ
وَلَو أَنَّني مُستَبصِرٌ إِذ حَلَّ بي / لَعَلِمتُ أَنَّ حُلولَهُ تَرحالي
فَنَظَرتُ في زادٍ لِدارِ إِقامَتي / وَسَأَلتُ رَبّي أَن يَحُلَّ عِقالي
فَلَكَم هَمَمتُ بِتَوبَةٍ فَمُنِعتُها / إِذ لَم أَكُن أَهلاً لَها وَبَدا لي
وَيَعِزُّ ذاكَ عَلَيَّ إِلّا أَنَّني / مُتَقَلِّبٌ في قَبضَةِ المُتَعالي
وَوَصَلتُ دُنيا سَوفَ تَقطَعُ شَأفَتي / بِأُفولِ أَنجُمِها وَخَسفِ هِلالي
شَغَلَت مُفَتَّنَ أَهلِها بِفُتونِها / وَمِنَ المُحالِ تَشاغُلٌ بِمُحالِ
لا شَيءَ أَخسَرُ صَفقَةً مِن عالِمٍ / لَعِبَت بِهِ الدُنيا مَعَ الجُهالِ
فَغَدا يُفَرِّقُ دينَهُ أَيدي سَبا / وَيُزيلُهُ حِرصاً لِجَمعِ المالِ
لا خَيرَ في كَسبِ الحَرامِ وَقَلَّما / يُرجى الخَلاصُ لِكاسِبٍ لِحَلالِ
ما إِن سَمِعتُ بِعائِلٍ تُكوى غَداً / بِالنارِ جَبهَتُهُ عَلى الإِقلالِ
وَإِن أَرَدتَ صَحيحَ مَن يُكوى بِها / فَاِقرَأ عَقيبَةَ سورَةِ الأَنفالِ
ما يَثقُلُ الميزانُ إِلّا بِاِمرِئٍ / قَد خَفَّ كاهِلُهُ مِنَ الأَثقالِ
فَخُذِ الكَفافَ وَلا تَكُن ذا فَضلَةٍ / فَالفَضلُ تُسأَلُ عَنهُ أَيَّ سُؤالِ
وَدَعِ المَطارِفَ وَالمَطِيَّ لِأَهلِها / وَاِقنَع بِأَطمارٍ وَلُبسِ نِعالِ
فَهُمُ وَأَنتَ وَفَقرُنا وَغِناهُم / لا يَستَقِرُّ وَلا يَدومُ بِحالِ
وَطُفِ البِلادَ لِكَي تَرى آثارَ مَن / قَد كانَ يَملِكُها مِنَ الأَقيالِ
عَصَفَت بِهِم ريحُ الرَدى فَذَرَتهُمُ / ذَروَ الرِياحِ الهَوجِ حِقفَ رِمالِ
وَتَزَلزَلَت بِهُمُ المَنابِرُ بَعدَ ما / ثَبَتَت وَكانوا فَوقَها كَجِبالِ
وَاِحبِس قَلوصَكَ ساعَةً بِطُلولِهِم / وَاِحذَر عَلَيكَ بِها مِنَ الأَغوالِ
فَلَكَم بِها مِن أَرقَمٍ صِلٍّ وَكَم / قَد كانَ فيها مِن مَهاً وَغَزالِ
وَلَكَم غَدَت مِنها وَراحَت حَلَبَةً / لِلحَربِ يَقدُمُها أَبو الأَشبالِ
فَتَقَطَّعَت أَسبابُهُم وَتَمَزَّقَت / وَلَقَبلَ ما كانوا كَنَظمِ لَآَلِ
وَإِذا أَتَيتَ قُبورَهُم فَاِسأَلهُم / عَما لَقوا فيها مِنَ الأَهوالِ
فَسَيُخبِرونَكَ إِن فَهِمتَ بِحالِهِم / بِعِبارَةٍ كَالوَحيِ لا بِمَقالِ
إِنّا بِها رَهنٌ إِلى يَومِ الجَزا / بِجَرائِمِ الأَقوالِ وَالأَفعالِ
مَن لا يُراقِبُ رَبَّهُ وَيَخافُهُ / تَبَّت يَداهُ وَما لَهُ مِن والِ
أَلا خَبِرٌ بِمُنتَزِحِ النَواحي
أَلا خَبِرٌ بِمُنتَزِحِ النَواحي / أَطيرُ إِلَيهِ مَنشورَ الجَناحِ
فَأَسأَلَهُ وَأُلطِفَهُ عَساهُ / سَيَأسو ما بِديني مِن جِراحِ
وَيَجلو ما دَجا مِن لَيلِ جَهلي / بِنورِ هُدىً كَمُنبَلِجِ الصَباحِ
فَأَبصُقُ في مُحَيّا أُمِّ دَفرٍ / وَأَهجُرُها وَأَدفَعُها بِراحي
وَأَصحو مِن حُمَيّاها وَأَسلو / عَفافاً عَن جَآذِرِها المِلاحِ
وَأَصرِفُ هِمَّتي بِالكُلِّ عَنها / إِلى دارِ السَعادَةِ وَالنَجاحِ
أَفي السِتِّينِ أَهجَعُ في مَقيلي / وَحادي المَوتِ يوقِظُ لِلرَواحِ
وَقَد نَشَرَ الزَمانُ لِواءَ شَيبي / لِيَطويني وَيَسلُبَني وِشاحي
وَقَد سَلَّ الحِمامُ عَلَيَّ نَصلاً / سَيَقتُلُني وَإِن شاكَت سِلاحي
وَيَحمِلُني إِلى الأَجداثِ صَحبي / إِلى ضيقٍ هُناكَ أَو اِنفِساحِ
فَأُجزى الخَيرَ إِن قَدَّمتُ خَيراً / وَشَرّاً إِن جُزيتُ عَلى اِجتِراحي
وَها أَنا ذا عَلى عِلمي بِهَذا / بَطيءُ الشَأوِ في سُنَنِ الصَلاحِ
وَليَّ شَأوٌ بِمَيدانِ الخَطايا / بَعيدٌ لا يُبارى بِالرِياحِ
فَلَو أَنّي نَظَرتُ بِعَينِ عَقلي / إِذَن لَقَطَعتُ دَهري بِالنِياحِ
وَلَم أَسحَب ذُيولي في التَصابي / وَلَم أَطرَب بِغانِيَةٍ رَداحِ
وَكُنتُ اليَومَ أَوّاباً مُنيباً / لَعَلِّيَ أَن تَفوزَ غَداً قِداحي
إِذا ما كُنتُ مَكبولَ الخَطايا / وَعانِيَها فَمَن لِيَ بِالبَراحِ
فَهَل مِن تَوبَةٍ مِنها نَصوحٍ / تُطَيِّرُني وَتَأخُذُ لي سَراحي
فَيا لَهَفي إِذا جُمِعَ البَرايا / عَلى حَربي لَدَيهِم وَاِفتِضاحي
وَلَولا أَنَّني أَرجو إِلَهي / وَرَحمَتَهُ يَئِستُ مِنَ الفَلاحِ
أَأَحورُ عَن قَصدي وَقَد بَرَحَ الخَفا
أَأَحورُ عَن قَصدي وَقَد بَرَحَ الخَفا / وَوَقَفتُ مِن عُمري القَصيرِ عَلى شَفا
وَأَرى شُؤونَ العَينِ تُمسِكُ ماءَها / وَلَقَبلَ ما حَكَتِ السَحابَ الوُكَّفا
وَأَخالُ ذاكَ لِعِبرَةٍ عَرَضَت لَها / مِن قَسوَةٍ في القَلبِ أَشبَهتِ الصَفا
وَلَقَلَّ لي طولُ البُكاءِ لِهَفوَتي / فَلَرُبَّما شَفَعَ البُكاءُ لِمَن هَفا
إِنَّ المَعاصِيَ لا تُقيمُ بِمَنزِلٍ / إِلّا لِتَجعَلَ مِنهُ قاعاً صَفصَفا
وَلَو أَنَّني داوَيتُ مَعطَبَ دائِها / بِمَراهِمِ التَقوى لَوافَقتِ الشِفا
وَلَعِفتُ مَورِدَها المَشوبَ بِرَنقِها / وَغَسَلتُ رَينَ القَلبِ في عَينِ الصَفا
وَهَزَمتُ جَحفَلَ غَيِّها بِإِنابَةٍ / وَسَلَلتُ مِن نَدَمٍ عَلَيها مُرهَفا
وَهَجَرتُ دُنيا لَم تَزَل غَدّارَةً / بِمُؤَمِّليها المُمحِضينَ لَها الوَفا
سَحَقَتهُمُ وَدِيارَهُم سَحقَ الرَحا / فَعَلَيهُمُ وَعَلى دِيارِهُم العَفا
وَلَقَد يُخافُ عَلَيهِمُ مِن رَبِّهِم / يَومَ الجَزاءِ النارَ إِلّا إِن عَفا
إِنَّ الجَوادَ إِذا تَطَلَّبَ غايَةً / بَلَغَ المَدى مِنها وَبَذَّ المُقرِفا
شَتّانَ بَينَ مُشَمِّرٍ لِمَعادِهِ / أَبَداً وَآخَرَ لا يَزالُ مُسَوِّفا
إِنّي دَعَوتُكَ مُلحِفاً لِتُجيرَني / مِمّا أَخافُ فَلا تَرُدَّ المُلحِفا
الشَيبُ نَبَّهَ ذا النُهى فَتَنَبَّها
الشَيبُ نَبَّهَ ذا النُهى فَتَنَبَّها / وَنَهى الجُهولَ فَما اِستَفاقَ وَلا اِنتَهى
بَل زادَ نَفسي رَغبَةً فَتَهافَتَت / تَبغي اللُهى وَكَأَن بِها بَينَ اللَها
فَإِلى مَتى أَلهو وَأَفرَحُ بِالمُنى / وَالشَيخُ أَقبَحُ ما يَكونُ إِذا لَها
ما حُسنُهُ إِلّا التُقى لا أَن يُرى / صَبّاً بِأَلحاظِ الجَآذِرِ وَالمَها
أَنّي يُقاتِلُ وَهُوَ مَفلولُ الظُبا / كابي الجَوادِ إِذا اِستَقَلَّ تَأَوَّها
مَحَقَ الزَمانُ هِلالَهُ فَكَأَنَّما / أَبقى لَهُ مِنهُ عَلى قَدرِ السُها
فَغَدا حَسيراً يَشتَهي أَن يَشتَهي / وَلَكَم جَرى طَلقَ الجَموحِ كَما اِشتَهى
إِن أَنَّ أَوّاهٌ وَأَجهَشَ في البُكا / لِذُنوبِهِ ضَحِكَ الظَلومُ وَقَهقَها
لَيسَ تُنَهنِهُهُ العَظاتُ وَمِثلُهُ / في سِنِّهِ قَد آنَ أَن يَتَنَهنَها
فَقَدَ اللَداتِ وَزادَ غَيّاً بَعدَهُم / هَلّا تَيَقَّظَ بَعدَهُم وَتَنَبَّها
يا وَيحَهُ ما بالُهُ لا يَنتَهي / عَن غَيِّهِ وَالعُمرُ مِنهُ قَد اِنتَهى
قَد كانَ مِن شِيَمي الدَها فَتَرَكتُهُ / عِلماً بِأَنَّ مِنَ الدَها تَركُ الدَها
وَلَو أَنَّني أَرضى الدَناءَةَ خُطَّةً / لَوَدَدتُ أَنّي كُنتُ أَحمَقَ أَبلَها
فَلَقَد رَأَيتُ البُلهَ قَد بَلَغوا المَدى / وَتَجاوَزوهُ وَاِزدَرَوا بِأُولي النُهى
مَن لَيسَ يَسعى في الخَلاصِ لِنَفسِهِ / كانَت سِعايَتُهُ عَلَيها لا لَها
إِنَّ الذُنوبَ بِتَوبَةٍ تُمحى كَما / يَمحو سُجودُ السَهوِ غَفلَةَ مَن سَها
قَد بَلَغتَ السِتينَ وَيحَكَ فَاِعلَم
قَد بَلَغتَ السِتينَ وَيحَكَ فَاِعلَم / أَنَّ ما بَعدَها عَلَيكَ تَلَوَّم
فَإِذا ما اِنقَضَت سِنوكَ وَوَلَّت / فَصَلَ الحاكِمُ القَضاءَ فَأَبرَم
أَنتَ مِثلُ السِجِلِّ يُنشَرُ حيناً / ثُمَّ يُطوى مِن بَعدِ ذاكَ وَيُختَم
كَيفَ يَلتَذُّ بِالحَياةِ لَبيبٌ / فَوَّقَت نَحوَهُ المَنِيَّةُ أَسهُم
لَيسَ يَدري مَتى يُفاجيهِ مِنها / صائِبٌ يَقصِفُ الظُهورَ وَيَقصِم
ما لِغُصني ذَوى وَكانَ نَضيراً / وَلِظَهري اِنحَنى وَكانَ مُقَوَّم
وَلِحَدّي نَبا وَكانَ مُبيراً / وَلِجَيشي اِنثَنى وَكانَ عَرَمرَم
وَلِدَهري أَدالَ شَرخَ شَبابي / بِمَشيَبٍ عِندَ الحِسانِ مُذَمَّم
فَأَنا اليَومَ عَن هَواهُنَّ سالٍ / وَقَديماً بِهُنَّ كُنتُ مُتَيَّم
لَو بِرَوقِ الزَمانِ يَنطَحُ يَوماً / رُكنُ ثَهلانَ هَدَّهُ فَتَهَدَّم
نَحنُ في مَنزِلِ الفَناءِ وَلَكِن / هُوَ بابٌ إِلى البَقاءِ وَسُلَّم
وَرَحى المَوتِ تَستَديرُ عَلَينا / أَبَداً تَطحَنُ الجَميعَ وَتَهشِم
وَأَنا موقِنٌ بِذاكَ عَليمٌ / وَفِعالي فِعالُ مَن لَيسَ يَعلَم
وَكَذا أَمتَطي الهُوَينا إِلى أَن / أُتَوَفّى فَعِندَ ذَلِكَ أَندَم
فَعَسى مَن لَهُ أُعَفِّرُ وَجهي / سَيَرى فاقَتي إِلَيهِ فَيَرحَم
فَشَفيعي إِلَيهِ حُسنُ ظُنوني / وَرَجائي لَهُ وَأَنّي مُسلِم
وَلَهُ الحَمدُ أَن هَداني لِهَذا / عَدَدَ القَطرِ ما الحَمامُ تَرَنَّم
وَإِلَيهِ ضَراعَتي وَاِبتِهالي / في مُعافاةِ شَيبَتي مِن جَهَنَّم
كَأَنّي بِنَفسي وَهيَ في السَكَراتِ
كَأَنّي بِنَفسي وَهيَ في السَكَراتِ / تُعالِجُ أَن تَرقى إِلى اللَهَواتِ
وَقَد زُمَّ رَحلي وَاِستَقَلَّت رَكائِبي / وَقَد آذَنَتني بِالرَحيلِ حُداتي
إِلى مَنزِلٍ فيهِ عَذابٌ وَرَحمَةٌ / وَكَم فيهِ مِن زَجرٍ لَنا وَعِظاتِ
وَمِن أَعيُنٍ سالَت عَلى وَجَناتِها / وَمِن أَوجُهٍ في التُربِ مُنعَفِراتِ
وَمِن وارِدٍ فيهِ عَلى ما يَسُرُّهُ / وَمِن وارِدٍ فيهِ عَلى الحَسَراتِ
وَمِن عاثِرٍ ما إِن يُقالُ لَهُ لَعاً / عَلى ما عَهِدنا قَبلُ في العَثَراتِ
وَمِن مَلِكٍ كانَ السُرورُ مِهادَهُ / مَعَ الآنِساتِ الخُرَّدِ الخَفِراتِ
غَداً لا يَذودُ الدودَ عَن حُرِّ وَجهِهِ / وَكانَ يَذودُ الأُسدَ في الأَجَماتِ
وَعُوِّضَ أُنساً مِن ظِباءِ كِناسِهِ / وَأَرآمِهِ بِالرُقشِ وَالحَشَراتِ
وَصارَ بِبَطنِ الأَرضِ يَلتَحِفُ الثَرى / وَكانَ يَجُرُّ الوَشيَ وَالحَبَراتِ
وَلَم تُغنِهِ أَنصارُهُ وَجُنودُهُ / وَلَم تَحمِهِ بِالبيضِ وَالأَسَلاتِ
وَمِمّا شَجاني وَالشُجونُ كَثيرَةٌ / ذُنوبٌ عِظامٌ أَسبَلَت عَبَراتي
وَأَقلَقَني أَنّي أَموتُ مُفَرِّطاً / عَلى أَنَّني خَلَّفتُ بَعدُ لِداتي
وَأَغفَلتُ أَمري بَعدَهُم مُتَثَبِّطاً / فَيا عَجَباً مِنّي وَمِن غَفَلاتي
إِلى اللَهِ أَشكو جَهلَ نَفسي فَإِنَّها / تَميلُ إِلى الراحاتِ وَالشَهَواتِ
وَيا رُبَّ خِلٍّ كُنتُ ذا صِلَةٍ لَهُ / يَرى أَنَّ دَفني مِن أَجَلِّ صِلاتي
وَكُنتُ لَهُ أُنساً وَشَمساً مُنيرَةً / فَأَفرَدَني في وَحشَةِ الظُلُماتِ
سَأَضرِبُ فُسطاطي عَلى عَسكَرِ البِلى / وَأَركُزُ فيهِ لِلنُزولِ قَناتي
وَأَركَبُ ظَهراً لا يَؤوبُ بِراكِبٍ / وَلا يُمتَطى إِلّا إِلى الهَلَكاتِ
وَلَيسَ يُرى إِلّا بِساحَةِ ظاعِنٍ / إِلى مَصرَعِ الفَرحاتِ وَالتَرَحاتِ
يُسَيِّرُ أَدنى الناسِ سَيراً كَسَيرِهِ / بِأَرفَعِ مَنعِيٍّ مِنَ السَرَواتِ
فَطَوراً تَراهُ يَحمِلُ الشُمَّ وَالرُبا / وَطَوراً تَراهُ يَحمِلُ الحَصَياتِ
وَرُبَّ حَصاةٍ قَدرُها فَوقَ يَذبُلٍ / كَمَقبولِ ما يُرمى مِنَ الجَمَراتِ
وَكُلُّ صَغيرٍ كانَ لِلّهِ خالِصاً / يُرَبّي عَلى ما جاءَ في الصَدَقاتِ
وَكُلُّ كَبيرٍ لا يَكونُ لِوَجهِهِ / فَمِثلُ رَمادٍ طارَ في الهَبَواتِ
وَلَكِنَّهُ يُرجى لِمَن ماتَ مُحسِناً / وَيُخشى عَلى مَن ماتَ في غَمَراتِ
وَما اليَومَ يُمتازُ التَفاضُلُ بَينَهُم / وَلَكِن غَداً يُمتازُ في الدَرَجاتِ
إِذا رُوِّعَ الخاطي وَطارَ فُؤادُهُ / وَأُفرِخَ رَوعُ البَرِّ في الغُرُفاتِ
وَما يَعرِفُ الإِنسانُ أَينَ وَفاتُهُ / أَفي البَرِّ أَم في البَحرِ أَم بِفَلاةِ
فَيا إِخوَتي مَهما شَهِدتُم جَنازَتي / فَقوموا لِرَبّي وَاِسأَلوهُ نَجاتي
وَجِدّوا اِبتِهالاً في الدُعاءِ وَأَخلِصوا / لَعَلَّ إِلَهي يَقبَلُ الدَعَواتِ
وَقولوا جَميلاً إِن عَلِمتُم خِلافَهُ / وَأَغضوا عَلى ما كانَ مِن هَفَواتي
وَلا تَصِفوني بِالَّذي أَنا أَهلُهُ / فَأَشقى وَحَلّوني بِخَيرِ صِفاتِ
وَلا تَتَناسَوني فَقِدماً ذَكَرتُكُم / وَواصَلتُكُم بِالبِرِّ طولَ حَياتي
وَبِالرَغمِ فارَقتُ الأَحِبَّةَ مِنكُمُ / وَلَمّا تُفارِقني بِكُم زَفَراتي
وَإِن كُنتُ مَيتاً بَينَ أَيديكُمُ لَقىً / فَروحِيَ حَيٌّ سامِعٌ لِنُعاتي
أُناجيكُمُ وَحياً وَإِن كُنتُ صامِتاً / أَلا كُلُّكُم يَوماً إِلَيَّ سَياتي
وَلَيسَ يَقومُ الجِسمُ إِلّا بِروحِهِ / هُوَ القُطبُ وَالأَعضاءُ كَالأَدَواتِ
وَلا بُدَّ يَوماً أَن يَحورَ بِعَينِهِ / لِيُجزى عَلى الطاعاتِ وَالتَبِعاتِ
وَإِلّا أَكُن أَهلاً لِفَضلٍ وَرَحمَةٍ / فَرَبِّيَ أَهلُ الفَضلِ وَالرَحَماتِ
فَما زِلتُ أَرجو عَفوَهُ وَجِنانَهُ / وَأَحمَدُهُ في اليُسرِ وَالأَزَماتِ
وَأَسجُدُ تَعظيماً لَهُ وَتَذَلُّلاً / وَأَعبُدُهُ في الجَهرِ وَالخَلَواتِ
وَلَستُ بِمُمتَنٍّ عَلَيهِ بِطاعَتي / لَهُ المَنُّ في التَيسيرِ لِلحَسَناتِ
ما أَميَلَ النَفسَ إِلى الباطِلِ
ما أَميَلَ النَفسَ إِلى الباطِلِ / وَأَهوَنَ الدُنيا عَلى العاقِلِ
تُرضي الفَتى في عاجِلٍ شَهوَةٌ / لَو خَسِرَ الجَنَّةَ في الآجِلِ
يَبيعُ ما يَبقى بِما يَنقَضي / فِعلُ السَفيهِ الأَحمَقِ الجاهِلِ
يا مَن رَأى لي واصِلاً مُرشِداً / وَإِنَّني أَكلَفُ بِالواصِلِ
يا مَن رَأى لي عالِماً عامِلاً / فَأَلزَمُ الخِدمَةَ لِلعامِلِ
أَم مَن رَأى عالِماً ساكِتاً / وَعَقلُهُ في عالَمٍ جائِلِ
يَسرَحُ في زَهرِ رِياضِ النُهى / لَيسَت كَرَوضِ ماحِلٍ ذابِلِ
يا رُبَّ قَلبٍ كَجَناحٍ هَفَت / قَد غابَ في بَحرٍ بِلا ساحِلِ
يُصَرِّفُ الخَطرَةَ مَذعورَةً / مِمّا يَرى مِن مَنظَرٍ هائِلِ
آهٍ لِسِرٍّ صُنتُهُ لَم أَجِد / خَلفاً لَهُ قَطُّ بِمُستاهِلِ
هَل يَقُظٌ يَسأَلُني عَلَّني / أَكشِفُهُ لِليَقُظِ السائِلِ
قَد يَرحَلُ المَرءُ لِمَطلوبِهِ / وَالسَبَبُ المَطلوبُ في الراحِلِ
لَو شُغِلَ المَرءُ بِتَركيبِهِ / كانَ بِهِ في شُغُلٍ شاغِلِ
وَعايَنَ الحِكمَةَ مَجموعَةً / ماثِلَةً في هَيكَلٍ ماثِلِ
يا أَيُّها الغافِلُ عَن نَفسِهِ / وَيكَ أُفُق مِن سِنَةِ الغافِلِ
وَانظُر إِلى الطاعَةِ مَشهورَةً / في الفَلَكِ الصاعِدِ وَالنازِلِ
وَالحَظ بِعَينَيكَ أَديمَ السَما / مِن طالِعٍ فيها وَمِن آفِلِ
كُلٌّ عَلى مَسلَكِهِ لا يُرى / عَن ذَلِكَ المَسلَكِ بِالمائِلِ
لَو دَبَّرَت أَنفُسَها لَم تَغِب / وَاِطَّلَعَ الناقِصُ كَالكامِلِ
وَاِنظُر إِلى المُزنَةِ مَشحونَةً / مُثقَلَةَ الكاهِلِ كَالبازِلِ
تَحِنُّ مِن شَوقٍ إِلى وَقفَةٍ / أَو خَطرَةٍ بِالبَلَدِ الماحِلِ
يا لَكَ بُستانَ عُقولٍ بَدا / لِعَينِ قَلبِ المُؤمِنِ العاقِلِ
فَسِرُّ هَذا الشَأنِ لا يَنجَلي / إِلّا لِعَبدٍ مُخلِصٍ فاضِلِ
أَنتَ المُخاطَبُ أَيُّها الإِنسانُ
أَنتَ المُخاطَبُ أَيُّها الإِنسانُ / فَأَصِخ إِلَيَّ يَلُح لَكَ البُرهانُ
أُودِعتَ ما لَو قُلتُهُ لَكَ قُلتَ لي / هَذا لَعَمرُكَ كُلُّهُ هُذيانُ
فَاِنظُر بِعَقلِكَ مِن بَنانِكَ وَاِعتَبِر / إِتقانَ صَنعَتِهِ فَثَمَّ الشانُ
لِلَّهِ أَكياسٌ جَفَوا أَوطانَهُم / فَالأَرضُ أَجمَعُها لَهُم أَوطانُ
جالَت عُقولُهُم مَجالَ تَفَكُّرٍ / وَتَدَبُّرٍ فَبَدا لَها الكِتمانُ
رَكِبَت بِحارَ الفَهمِ في فَلَكِ النُهى / وَجَرى بِها الإِخلاصُ وَالإيمانُ
فَرَسَت بِهِم لَمّا أَتَوا مَحبوبَهُم / مَرسىً لَهُم فيهِ غِنىً وَأَمانُ
قالوا أَلا تَستَجِدُّ بَيتاً
قالوا أَلا تَستَجِدُّ بَيتاً / تَعجَبُ مِن حُسنِهِ البُيوت
فَقُلتُ ما ذَلِكُم صَوابٌ / حَفشٌ كَثيرٌ لِمَن يَموت
لَولا شِتاءٌ وَلَفحُ قَيظٍ / وَخَوفُ لِصٍّ وَحِفظُ قَوت
وَنِسوَةٌ يَبتَغينَ سِتراً / بَنَيتُ بُنيانَ عَنكَبوت
وَأَيُّ مَعنى لِحُسنِ مَغنى / لَيسَ لِأَربابِهِ ثُبوت
ما أَوعَظَ القَبرَ لَو قَبِلنا / مَوعِظَةَ الناطِقِ الصَموت
يوحي إِلى مُمتَطي الحَشايا / مالَكَ مِن مَضجَعي عَميت
نَسيتَ يَومي وَطولَ نَومي / وَسَوفَ تُنسى كَما نَسيت
وَشِدتَ يا هادِمي قُصوراً / نَعِمتَ فيهِنَّ كَيفَ شَيت
مُعتَنِقاً لِلحِسانِ فيها / مُستَنشِقاً مِسكَها الفَتيت
تَسحَبُ ذَيلَ الصَبا وَتَلهو / بِآنِساتٍ يَقُلنَ هيت
فَاِذكُر مِهادي إِلى التَنادي / وَاِمهَد لَهُ قَبلَ أَن يَفوت
فَعَن قَريبٍ تَكونُ طُعمي / سَخِطتَ يا صاحِ أَم رَضيت
أَلِفتُ العُقابَ حِذارَ العِقابِ
أَلِفتُ العُقابَ حِذارَ العِقابِ / وَعِفتُ المَوارِدَ خَوفَ الذِئابِ
وَأَبغَضتُ نَفسي لِعِصيانِها / وَعاتَبتُها بِأَشَدِّ العِتابِ
وَقُلتُ لَها بانَ عَنكِ الصَبا / وَجَرَّدَكِ الشَيبُ ثَوبَ الشَبابِ
وَما بَعدَ ذَلِكَ إِلّا البِلى / وَسُكنى القُبورِ وَهَولُ الحِسابِ
فَأَيقَظَها العَتبُ مِن نَومِها / وَلِكَنَّها جَمَّةُ الإِضطِرابِ
فَكَم أَنشَأَت مُزنَةً لِلتُقى / وَعادَت وَشيكاً كَلَمعِ السَرابِ
وَكَم وَعَدتِني بِتَوبٍ وَكَم / وَما أَنجَزَت وَعدَها في المَتابِ
وَكَم خَدَعتِني عَلى أَنَّني / بَصيرٌ بِطُرقِ الخَطا وَالصَوابِ
فَلَستُ عَلى الأَمنِ مِن غَدرِها / وَلَو حَلَفَت لي بِآيِ الكِتابِ
يا أَيُّها المُغتَرُّ بِاللَهِ
يا أَيُّها المُغتَرُّ بِاللَهِ / فِرَّ مِنَ اللَهِ إِلى اللَهِ
وَلُذ بِهِ وَاسأَلهُ مِن فَضلِهِ / فَقَد نَجا مَن لاذَ بِاللَهِ
وَقُم لَهُ وَاللَيلُ في جِنحِهِ / فَحَبَّذا مَن قامَ لِلَّهِ
وَاِتلُ مِنَ الوَحيِ وَلَو آيَةً / تُكسى بِها نوراً مِنَ اللَهِ
وَعَفِّرِ الوَجهَ لَهُ ساجِداً / فَعَزَّ وَجهٌ ذَلَّ لِلَّهِ
فَما نَعيمٌ كَمُناجاتِهِ / لِقانِتٍ يُخلِصُ لِلَّهِ
وَاِبعُد عَنِ الذَنبِ وَلا تاتِهِ / فَبُعدُهُ قُربٌ مِنَ اللَهِ
يا طالِباً جاهاً بِغَيرِ التُقى / جَهِلتَ ما يُدني مِنَ اللَهِ
لا جاهَ إِلّا جاهُ يَومِ القَضا / إِذ لَيسَ حُكمٌ لِسِوى اللَهِ
وَصارَ مَن يُسعَدُ في جَنَّةٍ / عالِيَةٍ في رَحمَةِ اللَهِ
يَسكُنُ في الفِردَوسِ في قُبَّةٍ / مِن لُؤلُؤٍ في جيرَةِ اللَهِ
وَمَن يَكُن يُقضى عَلَيهِ الشَقا / في جاحِمٍ في سَخَطِ اللَهِ
يُسحَبُ في النارِ عَلى وَجهِهِ / بِسابِقِ الحُكمِ مِنَ اللَهِ
يا عَجَباً مِن موقِنٍ بِالجَزا / وَهوَ قَليلُ الخَوفِ لِلَّهِ
كَأَنَّهُ قَد جاءَهُ مُخبِرٌ / بِأَمنِهِ مِن قِبَلِ اللَهِ
يا رُبَّ جَبّارٍ شَديدِ القُوى / أَصابَهُ سَهمٌ مِنَ اللَهِ
فَأَنفَذَ المَقتَلَ مِنهُ وَكَم / أَصمَت وَتُصمي أَسهُمُ اللَهِ
وَغالَهُ الدَهرُ وَلَم تُغنِهِ / أَنصارُهُ شَيئاً مِنَ اللَهِ
وَاِستَلَّ قَسراً مِن قُصورٍ إِلى ال / أَجداثِ وَاِستَسلَمَ لِلَّهِ
مُرتَهَناً فيها بِما قَد جَنى / يُخشى عَلَيهِ غَضَبُ اللَهِ
لَيسَ لَهُ حَولٌ وَلا قُوَّةٌ / الحَولُ وَالقُوَّةُ لِلَّهِ
يا صاحِ سِر في الأَرضِ كَيما تَرى / ما فَوقَها مِن عِبَرِ اللَهِ
وَكَم لَنا مِن عِبرَةٍ تَحتَها / في أُمَمٍ صارَت إِلى اللَهِ
مِن مَلِكٍ مِنهُم وَمِن سوقَةٍ / حَشرُهُمُ هَينٌ عَلى اللَهِ
وَاِلحَظ بِعَينَيكَ أَديمَ السَما / وَما بِها مِن حِكمَةِ اللَهِ
تَرى بِها الأَفلاكَ دَوّارَةً / شاهِدَةً بِالمُلكِ لِلَّهِ
ما وَقَفَت مُذ أُجرِيَت لَمحَةً / أَو دونَها خَوفاً مِنَ اللَهِ
وَما عَلَيها مِن حِسابٍ وَلا / تَخشى الَّذي يُخشى مِنَ اللَهِ
وَهيَ وَما غابَ وَما قَد بَدا / مِن آيَةٍ في قَبضَةِ اللَهِ
تُوَحِّدُ اللَهَ عَلى عَرشِهِ / في غَيبِهِ فَالأَمرُ لِلَّهِ
وَما تَسَمّى أَحَدٌ في السَما / وَالأَرضِ غَيرُ اللَهِ بِاللَهِ
إِنَّ حِمى اللَهِ مَنيعٌ فَما / يَقرُبُ شَيءٌ مِن حِمى اللَهِ
لا شَيءَ في الأَفواهِ أَحلى مِنَ التَ / تَوحيدِ وَالتَمجيدِ لِلَّهِ
وَلا اِطمَأَنَّ القَلبُ إِلّا لِمَن / يَعمُرُهُ بِالذِكرِ لِلَّهِ
وَإِن رَأى في دينِهِ شُبهَةً / أَمسَكَ عَنها خَشيَةَ اللَهِ
أَو عَرَضَتهُ فاقَةٌ أَو غِنىً / لاقاهُما بِالشُكرِ لِلَّهِ
وَمَن يَكُن في هَديِهِ هَكَذا / كانَ خَليقاً بِرِضى اللَهِ
وَكانَ في الدُنيا وَفي قَبرِهِ / وَبَعدَهُ في ذِمَّةِ اللَهِ
وَفي غَدٍ تُبصِرُهُ آمِناً / لِخَوفِهِ اليَومَ مِنَ اللَهِ
ما أَقبَحَ الشَيخَ إِذا ما صَبا / وَعاقَهُ الجَهلُ عَنِ اللَهِ
وَهوَ مِنَ العُمرِ عَلى بازِلٍ / يَحمِلُهُ حَثّاً إِلى اللَه
هَلّا إِذا أَشفى رَأى شَيبَهُ / يَنعاهُ فَاستَحيى مِنَ اللَهِ
كَأَنَّما رينَ عَلى قَلبِهِ / فَصارَ مَحجوباً عَنِ اللَهِ
ما يُعذَرُ الجاهِلُ في جَهلِهِ / فَضلاً عَنِ العالِمِ بِاللَهِ
دارانِ لا بُدَّ لَنا مِنهُما / بِالفَضلِ وَالعَدلِ مِنَ اللَهِ
وَلَستُ أَدري مَنزِلي مِنهُما / لَكِن تَوَكَّلتُ عَلى اللَهِ
فَاِعجَب لِعَبدٍ هَذِهِ حالُهُ / كَيفَ نَبا عَن طاعَةِ اللَهِ
واسَوأَتا إِن خابَ ظَنّي غَداً / وَلَم تَسَعني رَحمَةُ اللَهِ
وَكُنتُ في النارِ أَخا شِقوَةٍ / نَعوذُ مِن ذَلِكَ بِاللَهِ
كَم سَوأَةٍ مَستورَةٍ عِندَنا / يَكشِفُها العَرضُ عَلى اللَه
في مَشهَدٍ فيهِ جَميعُ الوَرى / قَد نَكَّسوا الأَذقانَ لِلَّهِ
وَكَم تَرى مِن فائِزٍ فيهِمُ / جَلَّلَهُ سِترٌ مِنَ اللَهِ
فَالحَمدُ لِلَّهِ عَلى نِعمَةِ ال / إِسلامِ ثُمَّ الحَمدُ لِلَّهِ
ما عيدُكَ الفَخمُ إِلّا يَومَ يُغفَرُ لَك
ما عيدُكَ الفَخمُ إِلّا يَومَ يُغفَرُ لَك / لا أَن تَجُرَّ بِهِ مُستَكبِراً حُلَلَك
كَم مِن جَديدِ ثِيابِ دينُهُ خَلَقٌ / تَكادُ تَلعَنُهُ الأَقطارُ حَيثُ سَلَك
وَكَم مُرَقَّعِ أَطمارٍ جديدِ تُقىً / بَكَت عَلَيهِ السَما وَالأَرضُ حينَ هَلَك
ما ضَرَّ ذَلِكَ طِمراهُ وَلا نَفَعَت / هَذا حُلاهُ وَلا أَنَّ الرِقابَ مَلَك
أَيُّ خَطيئاتِيَ أَبكي دَما
أَيُّ خَطيئاتِيَ أَبكي دَما / وَهيَ كَثيرٌ كَنُجومِ السَما
قَد طَمَسَت عَقلي فَما أَهتَدي / وَأَورَثَت عَينَ فُؤادي العَمى
إِنّا إِلى اللَهِ لَقَد حَلَّ بي / خَطبٌ غَدا صُبحي بِهِ مُظلِما
لَبَرَّزتُ في مَيدانِ كُلِّ بِطالَةٍ
لَبَرَّزتُ في مَيدانِ كُلِّ بِطالَةٍ / وَبَرَّزَ غَيري في التُقى أَيَّ تَبريزِ
إِذا لَم يَكُن فَهمي إِلى الخَيرِ قائِدي / فَلا كانَ فَهمي لا وَلا كانَ تَميِيزي
تَطَلَّبتُ إِخوانَ الصَفا فَوَجَدتُهُم / زُيوفاً كَأَعمالي وَمَن لي بِإِبريزِ
أَلا حَيِّ العُقابَ وَقاطِنيهِ
أَلا حَيِّ العُقابَ وَقاطِنيهِ / وَقُل أَهلاً بِهِ وَبِزائِريهِ
حَلَلتُ بِهِ فَنَفَّسَ ما بِنَفسي / وَأَنَّسَني فَما اِستَوحَشتُ فيهِ
وَكَم ذيبٍ نُجاوِرَهُ وَلَكِن / رَأَيتُ الذِئبَ أَسلَمَ مِن فَقيهِ
وَلَم أَجزَع لِفَقدِ أَخٍ لِأَني / رَأَيتُ المَرءَ يُؤتى مِن أَخيهِ
وَأَيأَسَني مِنَ الأَيّامِ أَنّي / رَأَيتُ الوَجهَ يَزهَدُ في الوَجيهِ
فَآثَرتُ البِعادَ عَلى التَّداني / لِأَنّي لَم أَجِد مَن أَصطَفيهِ
يُضَيَّعُ مَفروضٌ وَيُغفَلُ واجِبُ
يُضَيَّعُ مَفروضٌ وَيُغفَلُ واجِبُ / وَإِنّي عَلى أَهلِ الزَمانِ لَعاتِبُ
أَتُندَبُ أَطلالُ البِلادِ وَلا يُرى / لِإِلبيرَةٍ مِنهُم عَلى الأَرضِ نادِبُ
عَلى أَنَّها شَمسُ البِلادِ وَأُنسُها / وَكُلُّ سِواها وَحشَةٌ وَغَياهِبُ
وَكَم مِن مُجيبٍ كانَ فيها لِصارِخٍ / تُجابُ إِلى جَدوى يَدَيهِ السَباسِبُ
وَكَم مِن نَجيبٍ أَنجَبَتهُ وَعالِمٍ / بِأَبوابِهِم كانَت تُناخُ الرَكائِبُ
وَكَم بَلَغَت فيها الأَماني وَقُضِّيَت / لِصَبٍّ لُباناتٌ بِها وَمَآرِبُ
وَكَم طَلَعَت فيها الشُموسُ وَكَم مَشَت / عَلى الأَرضِ أَقمارٌ بِها وَكَواكِبُ
وَكَم فَرَسَت فيها الظِباءُ ضَراغِماً / وَكَم صَرَعَت فيها الكُماةَ كَواعِبُ
لَعَهدي بِها مُبيَضَّةَ اللَيلِ فَاغتَدَت / وَأَيّامُها قَد سَوَّدَتها النَوائِبُ
وَما كانَ فيها غَيرُ بُشرى وَأَنعُمٍ / فَلَم يَبقَ فيها الآنَ إِلّا المَصائِبُ
غَدَت بَعدَ رَبّاتِ الحِجالِ قُصورُها / يَباباً تُغاديها الصَبا وَالجَنائِبُ
فَآهٍ أُلوفاً تَقتَضي عَدَدَ الحَصا / عَلى عَهدِها ماعاهَدَتها السَحائِبُ
عَجِبتُ لِما أَدري بِها مِن عَجيبَةٍ / فَيالَيتَ شِعري أَينَ تِلكَ العَجائِبُ
وَما فَعَلَت أَعلامُها وَفِئامُها / وَأَرآمُها أَم أَينَ تِلكَ المَراتِبُ
وَأَينَ بِحارُ العِلمِ وَالحِلمِ وَالنَدى / وَأَينَ الأَكُفُّ الهامِياتُ السَواكِبُ
شَقَقنا عَلى مَن ماتَ مِنهُم جُيوبَنا / وَكانَ قَليلاً أَن تُشَقَّ التَرائِبُ
وَإِن فُقِدَت أَعيانُهُم فَلَتوجَدَن / مَدى الدَهرِ أَفعالٌ لَهُم وَمَناقِبُ
وَقَد بَقِيَت في الأَرضِ مِنهُم بَقِيَّةٌ / كَأَنَّهُم فيها نُجومٌ ثَواقِبُ
فَلِلَّهِ ثاويهِم وَلِلَّهِ حَيُّهُم / فَكُلٌّ جَوادٌ باهِرُ الفَضلِ واهِبُ
لَساءَلتُ عَنهُم رَسمَها فَأَجابَني / أَلا كُلَّ شَيءٍ ما خَلا اللَهَ ذاهِبُ
يُخاطِبُنا أَن قَد أُخِذتُ بِذَنبِكُم / وَما أَحَدٌ مِنكُم عَنِ الذَنبِ تائِبُ
وَأَن قَد قَسَت أَكبادُكُم وَقُلوبُكُم / وَما مِنكُم داعٍ إِلى اللَهِ راغِبُ
لَشَكلُكُمُ أَولى وَأَجدَرُ بِالبُكا / عَلى مِثلِهِ حَقّاً تَقومُ النَوادِبُ