المجموع : 372
عَفَت ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ
عَفَت ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ / إِلى عَذراءَ مَنزِلُها خَلاءُ
دِيارٌ مِن بَني الحَسحاسِ قَفرٌ / تُعَفّيها الرَوامِسُ وَالسَماءُ
وَكانَت لا يَزالُ بِها أَنيسٌ / خِلالَ مُروجَها نَعَمٌ وَشاءُ
فَدَع هَذا وَلَكِن مَن لَطيفٍ / يُؤَرِّقُني إِذا ذَهَبَ العِشاءُ
لِشَعثاءَ الَّتي قَد تَيَّمَتهُ / فَلَيسَ لِقَلبِهِ مِنها شِفاءُ
كَأَنَّ خَبيأَةٍ مِن بَيتِ رَأسٍ / يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وَماءُ
عَلى أَنيابِها أَو طَعمُ غَصٍّ / مِنَ التُفّاحِ هَصَّرَهُ اِجتِناءُ
إِذا ما الأَشرِباتُ ذُكِرنَ يَوماً / فَهُنَّ لِطَيِّبِ الراحِ الفِداءُ
نُوَلّيها المَلامَةَ إِن أَلَمنا / إِذا ما كانَ مَغثٌ أَو لِحاءُ
وَنَشرَبُها فَتَترُكُنا مُلوكاً / وَأُسداً ما يُنَهنِهُنا اللِقاءُ
عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها / تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ
يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ / عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ
تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ / تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ
فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا / وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ
وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ / يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ
وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُنداً / هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ
لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعَدٍّ / قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ
فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا / وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ
وَقالَ اللَهُ قَد أَرسَلتُ عَبداً / يَقولُ الحَقَّ إِن نَفَعَ البَلاءُ
شَهِدتُ بِهِ وَقَومي صَدَّقوهُ / فَقُلتُم ما نُجيبُ وَما نَشاءُ
وَجِبريلٌ أَمينُ اللَهِ فينا / وَروحُ القُدسِ لَيسَ لَهُ كِفاءُ
أَلا أَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنّي / فَأَنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ
هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ / وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ
أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ / فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ
هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً / أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ
فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم / وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ
فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي / لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ
فَإِمّا تَثقَفَنَّ بَنو لُؤَيٍّ / جَذيمَةَ إِنَّ قَتلَهُمُ شِفاءُ
أولَئِكَ مَعشَرٌ نَصَروا عَلَينا / فَفي أَظفارِنا مِنهُم دِماءُ
وَحِلفُ الحَرِثِ اِبنِ أَبي ضِرارٍ / وَحِلفُ قُرَيظَةٍ مِنّا بُراءُ
لِساني صارِمٌ لا عَيبَ فيهِ / وَبَحري لا تُكَدِّرُهُ الدِلاءُ
لَعَمروُ أَبيكِ الخَيرِ يا شَعثَ ما نَبا
لَعَمروُ أَبيكِ الخَيرِ يا شَعثَ ما نَبا / عَلَيَّ لِساني في الحُروبِ وَلا يَدي
لِساني وَسَيفي صارِمانِ كِلاهُما / وَيَبلُغُ ما لا يَبلُغُ السَيفُ مِذوَدي
وَإِن أَكُ ذا مالٍ كَثيرٍ أَجُد بِهِ / وَإِن يُعتَصَر عودي عَلى الجَهدِ يُحمَدِ
فَلا المالِ يُنسيني حَيائي وَحِفظَتي / وَلا وَقَعاتُ الدَهرِ يَفلُلنَ مِبرَدي
أُكَثِّرُ أَهلي مِن عِيالٍ سِواهُمُ / وَأَطوي عَلى الماءِ القَراحِ المُبَرَّدِ
إِذا كانَ ذو البُخلِ الذَميمَةُ بَطنُهُ / كَبَطنِ الحِمارِ في الخَلاءِ المُقَيَّدِ
وَإِنّي لَمُعطي ما وَجَدتُ وَقائِلٌ / لِموقِدِ ناري لَيلَةَ الريحِ أَوقِدِ
وَإِنّي لَقَوّالٌ لِذي البَثِّ مَرحَباً / وَأَهلاً إِذا ما جاءَ مِن غَيرِ مَرصَدِ
وَإِنّي لَيَدعوني النَدى فَأُجيبُهُ / وَأَضرِبُ بَيضَ العارِضِ المُتَوَقِّدِ
وَإِنّي لَحُلوٌ تَعتَريني مَرارَةٌ / وَإِنّي لَتَرّاكٌ لِما لَم أُعَوَّدِ
وَإِنّي لَمِزجاءُ المَطِيِّ عَلى الوَجا / وَإِنّي لَتَرّاكُ الفِراشِ المُمَهَّدِ
وَأُعمِلُ ذاتَ اللَوثِ حَتّى أَرُدَّها / إِذا حُلَّ عَنها رَحلُها لَم تُقَيَّدِ
تَرى أَثَرَ الأَنساعِ فيها كَأَنَّها / مَوارِدُ ماءٍ مُلتَقاها بِفَدفَدِ
أُكَلِّفُها أَن تُدلِجَ اللَيلَ كُلَّهُ / تَروحُ إِلى بابِ اِبنِ سَلمى وَتَغتَدي
تَزورُ اِمرَأً أَعطى عَلى الحَمدِ مالَهُ / وَمَن يُعطِ أَثمانَ المَحامِدِ يُحمَدِ
وَأَلفَيتُهُ بَحراً كَثيراً فُضولُهُ / جَواداً مَتى يُذكَر لَهُ الخَيرُ يَزدَدِ
فَلا تَعجَلَن يا قَيسُ وَاِربَع فَإِنَّما / قُصارُكَ أَن تُلقى بِكُلِّ مُهَنَّدِ
حُسامٍ وَأَرماحٍ بِأَيدي أَعِزَّةٍ / مَتى تَرَهُم يا اِبنَ الخَطيمِ تَبَلَّدِ
لُيوثٍ لَدى الأَشبالِ مُحمىً عَرينُها / مَداعيسُ بِالخَطِيِّ في كُلِّ مَشهَدِ
فَقَد ذاقَتِ الأَوسُ القِتالَ وَطُرِّدَت / وَأَنتَ لَدى الكَنّاتِ كُلَّ مُطَرَّدِ
تُناغي لَدى الأَبوابِ حوراً نَواعِماً / وَكَحِّل مَآقيكَ الحِسانَ بِإِثمِدِ
نَفَتكُم عَنِ العَلياءِ أُمٌّ لَئيمَةٌ / وَزَندٌ مَتى تُقدَح بِهِ النارُ يَصلُدِ
تَبَلَت فُؤادَكَ في المَنامِ خَريدَةٌ
تَبَلَت فُؤادَكَ في المَنامِ خَريدَةٌ / تَشفي الضَجيعَ بِبارِدٍ بَسّامِ
كَالمِسكِ تَخلِطُهُ بِماءِ سَحابَةٍ / أَو عاتِقٍ كَدَمِ الذَبيحِ مُدامِ
نُفُجُ الحَقيبَةِ بوصُها مُتَنَضِّدٌ / بَلهاءُ غَيرُ وَشيكَةِ الأَقسامِ
بُنِيَت عَلى قَطَنٍ أَجَمَّ كَأَنَّهُ / فُضُلاً إِذا قَعَدَت مَداكُ رُخامِ
وَتَكادُ تَكسَلُ أَن تَجيءَ فِراشَها / في لينِ خَرعَبَةٍ وَحُسنِ قَوامِ
أَمّا النَهارُ فَما أُفَتِّرُ ذِكرَها / وَاللَيلُ توزِعُني بِها أَحلامي
أَقسَمتُ أَنساها وَأَترُكُ ذِكرَها / حَتّى تُغَيَّبَ في الضَريحِ عِظامي
يا مَن لِعاذِلَةٍ تَلومُ سَفاهَةً / وَلَقَد عَصَيتُ إِلى الهَوى لُوّامي
بَكَرَت عَلَيَّ بِسُحرَةٍ بَعدَ الكَرى / وَتَقارُبٍ مِن حادِثِ الأَيّامِ
زَعَمَت بِأَنَّ المَرءَ يَكرُبُ يَومَهُ / عَدَمٌ لِمُعتَكِرٍ مِنَ الأَصرامِ
إِن كُنتِ كاذِبَةَ الَّذي حَدَّثتِني / فَنَجَوتِ مَنجى الحَرثِ بنِ هِشامِ
تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَن يُقاتِلَ دونَهُم / وَنَجا بِرَأسِ طِمِرَّةٍ وَلِجامِ
جَرداءَ تَمزَعُ في الغُبارِ كَأَنَّها / سِرحانُ غابٍ في ظِلالِ غَمامِ
تَذَرُ العَناجيجَ الجِيادَ بِقَفرَةٍ / مَرَّ الدُموكِ بِمُحصَدٍ وَرِجامِ
مَلَأَت بِهِ الفَرجَينِ فَاِرمَدَّت بِهِ / وَثَوى أَحِبَّتُهُ بِشَرِّ مُقامِ
وَبَنو أَبيهِ وَرَهطُهُ في مَعرَكٍ / نَصَرَ الإِلَهُ بِهِ ذَوي الإِسلامِ
طَحَنَتهُمُ وَاللَهُ يُنفِذُ أَمرَهُ / حَربٌ يُشَبُّ سَعيرُها بِضِرامِ
لَولا الإِلَهُ وَجَريُها لَتَرَكنَهُ / جَزَرَ السِباعِ وَدُسنَهُ بِحَوامي
مِن كُلِّ مَأسورٍ يُشَدُّ صِفادُهُ / صَقرٍ إِذا لاقى الكَتيبَةَ حامي
وَمُجَدَّلٍ لا يَستَجيبُ لِدَعوَةٍ / حَتّى تَزولُ شَوامِخُ الأَعلامِ
بِالعارِ وَالذُلُّ المُبَيِّنِ إِذ رَأَوا / بيضَ السُيوفِ تَسوقُ كُلَّ هُمامِ
بِيَدي أَغَرَّ إِذا اِنتَمى لَم يُخزِهِ / نَسَبُ القِصارِ سَمَيدَعٍ مِقدامِ
بيضٌ إِذا لاقَت حَديداً صَمَّمَت / كَالبَرقِ تَحتَ ظِلالِ كُلِّ غَمامِ
لَيسوا كَيَعمُرَ حينَ يَشتَجِرُ القَنا / وَالخَيلُ تَضبِرُ تَحتَ كُلِّ قَتامِ
فَسَلَحتَ إِنَّكَ مِن مَعاشِرِ خانَةٍ / سُلحٍ إِذا حَضَرَ القِتالُ لِئامِ
فَدَعِ المَكارِمَ إِنَّ قَومَكَ أُسرَةٌ / مِن وُلدِ شِجعٍ غَيرُ جِدِّ كِرامِ
مِن صُلبِ خِندِفَ ماجِدٍ أَعراقُهُ / نَجَلَت بِهِ بَيضاءُ ذاتُ تَمامِ
وَمُرَنَّحٍ فيهِ الأَسِنَّةُ شُرَّعاً / كَالجَفرِ غَيرِ مُقابَلِ الأَعمامِ
أَلَم تَسأَلِ الرَبعَ الجَديدَ التَكَلُّما
أَلَم تَسأَلِ الرَبعَ الجَديدَ التَكَلُّما / بِمَدفَعِ أَشداخٍ فَبُرقَةِ أَظلَما
أَبى رَسمُ دارِ الحَيِّ أَن يَتَكَلَّما / وَهَل يَنطِقُ المَعروفَ مَن كانَ أَبكَما
بِقاعِ نَقيعِ الجِزعِ مِن بَطنِ يَلبَنٍ / تَحَمَّلَ مِنهُ أَهلُهُ فَتَتَهَّما
دِيارٌ لِشَعثاءِ الفُؤادِ وَتِربِها / لَيالِيَ تَحتَلُّ المَراضَ فَتَغلَما
وَإِذ هِيَ حَوراءُ المَدامِعِ تَرتَعي / بِمُندَفَعِ الوادي أَراكاً مُنَظَّما
أَقامَت بِهِ بِالصَيفِ حَتّى بَدا لَها / نَشاصٌ إِذا هَبَّت لَهُ الريحُ أَرزَما
فَلَمّا دَنَت أَعضادُهُ وَدَنا لَهُ / مِنَ الأَرضِ دانٍ جَوزُهُ فَتَحَمحَما
تَحِنُّ مَطافيلُ الرِباعِ خَلالَهُ / إِذا اِستَنَّ في حافاتِهِ البَرقُ أَثجَما
وَكادَ بِأَكنافِ العَقيقِ وَئيدُهُ / يَحُطُّ مِنَ الجَمّاءِ رُكناً مُلَملَما
فَلَمّا عَلا تُربانَ فَاِنهَلَّ وَدقُهُ / تَداعى وَأَلقى بَركَهُ وَتَهَزَّما
وَأَصبَحَ مِنهُ كُلُّ مَدفَعِ تَلعَةٍ / يَكُبُّ العِضاهَ سَيلُهُ ما تَصَرَّما
تَنادَوا بِلَيلٍ فَاِستَقَلَّت حُمولُهُم / وَعالَينَ أَنماطَ الدِرَقلِ المُرَقَّما
عَسَجنَ بِأَعناقِ الظِباءِ وَأَبرَزَت / حَواشي بُرودِ القِطرِ وَشياً مُنَمنَما
فَأَنّى تُلاقيها إِذا حَلَّ أَهلُها / بِوادٍ يَمانٍ مِن غِفارٍ وَأَسلَما
تَلاقٍ بَعيدٌ وَاِختِلافٌ مِنَ النَوى / تَلاقيكَها حَتّى تُوافِيَ مَوسِما
سَأُهدي لَها في كُلِّ عامٍ قَصيدَةٍ / وَأَقعُدُ مَكفِيّاً بِيَثرِبَ مُكرَما
أَلَستُ بِنِعمَ الجارُ يُؤلِفُ بَيتَهُ / كَذي العُرفِ ذا مالٍ كَثيرٍ وَمُعدَما
وَنَدمانِ صِدقٍ تَمطُرُ الخَيرَ كَفُّهُ / إِذا راحَ فَيّاضَ العَشِيّاتِ خِضرِما
وَصَلتُ بِهِ رُكني وَوافَقَ شيمَتي / وَلَم أَكُ عِضّاً في النَدامى مُلَوَّما
وَأَبقى لَنا مَرُّ الحُروبِ وَرُزؤُها / سُيوفاً وَأَدراعاً وَجَمعاً عَرَمرَما
إِذا اِغبَرَّ آفاقُ السَماءِ وَأَمحَلَت / كَأَنَّ عَلَيها ثَوبَ عَصبٍ مُسَهَّما
حَسِبتَ قُدورَ الصادِ حَولَ بُيوتِنا / قَنابِلَ دُهماً في المَحَلَّةِ صُيَّما
يَظَلُّ لَدَيها الواغِلونَ كَأَنَّما / يُوافونَ بَحراً مِن سُمَيحَةَ مُفعَما
لَنا حاضِرٌ فَعمٌ وَبادٍ كَأَنَّهُ / شَماريخُ رَضوى عِزَّةً وَتَكَرُّما
مَتى ما تَزِنّا مِن مَعَدٍّ بِعُصبَةٍ / وَغَسّانَ نَمنَع حَوضَنا أَن يُهَدَّما
بِكُلِّ فَتىً عاري الأَشاجِعِ لاحَهُ / قِراعُ الكُماةِ يَرشَحُ المِسكَ وَالدَما
إِذا اِستَدبَرَتنا الشَمسُ دَرَّت مُتونُنا / كَأَنَّ عُروقَ الجَوفِ يَنضَحنَ عَندَما
وَلَدنا بَني العَنقاءِ وَاِبني مُحَرَّقٍ / فَأَكرِم بِنا خالاً وَأَكرِم بِذا اِبنَما
نُسَوِّدُ ذا المالِ القَليلِ إِذا بَدَت / مُروءَتُهُ فينا وَإِن كانَ مُعدِما
وَإِنّا لَنَقري الضَيفَ إِن جاءَ طارِقاً / مِنَ الشَحمِ ما أَمسى صَحيحاً مُسَلَّما
أَلَسنا نَرُدُّ الكَبشَ عَن طِيَّةِ الهَوى / وَنَقلِبُ مُرّانَ الوَشيجِ مُحَطَّما
وَكائِن تَرى مِن سَيِّدٍ ذي مَهابَةٍ / أَبوهُ أَبونا وَاِبنُ أُختٍ وَمَحرَما
لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى / وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجدَةٍ دَما
أَبى فِعلُنا المَعروفُ أَن نَنطِقَ الخَنا / وَقائِلُنا بِالعُرفِ إِلّا تَكَلُّما
أَبى جاهُنا عِندَ المُلوكِ وَدَفعُنا / وَمَلءُ جِفانِ الشيزِ حَتّى تَهَزَّما
فَكُلُّ مَعَدٍّ قَد جَزَينا بِصُنعِهِ / فَبُؤسى بِبُؤساها وَبِالنُعمِ أَنعُما
مَنَعَ النَومَ بِالعَشاءِ الهُمومُ
مَنَعَ النَومَ بِالعَشاءِ الهُمومُ / وَخَيالٌ إِذا تَغورُ النُجومُ
مِن حَبيبٍ أَصابَ قَلبَكَ مِنهُ / سَقَمٌ فَهوَ داخِلٌ مَكتومُ
يا لَقَومي هَل يَقتُلُ المَرءَ مِثلي / واهِنُ البَطشِ وَالعِظامِ سَؤومُ
هَمُّها العِطرُ وَالفِراشُ وَيَعلو / ها لِجَينٌ وَلُؤلُؤٌ مَنظومُ
لَو يَدِبُّ الحَولِيُّ مِن وَلَدِ الذَر / رِ عَلَيها لَأَندَبَتها الكُلومُ
لَم تَفُقها شَمسُ النَهارِ بِشَيءٍ / غَيرَ أَنَّ الشَبابَ لَيسَ يَدومُ
إِنَّ خالي خَطيبُ جابِيَةِ الجَو / لانِ عِندَ النُعمانِ حينَ يَقومُ
وَأَبي في سُمَيحَةَ القائِلُ الفا / صِلُ يَومَ اِلتَفَّت عَلَيهِ الخُصومُ
يَصِلُ القَولَ بِالبَيانِ وَذو الرَأ / يِ مِنَ القَومِ ظالِعٌ مَكعومُ
وَأَنا الصَقرُ عِندَ بابِ اِبنِ سَلمى / يَومَ نُعمانُ في الكُبولِ مُقيمُ
وَأُبَيٌّ وَواقِدٌ أُطلِقا لي / ثُمَّ رُحنا وَقُفلُهُم مَحطومُ
وَرَهَنتُ اليَدَينِ عَنهُم جَميعاً / كُلُّ كَفٍّ فيها جُزٌ مَقسومُ
وَسَطَت نِسبَتي الذَوائِبَ مِنهُم / كُلُّ دارٍ فيها أَبٌ لي عَظيمُ
رُبَّ حِلمٍ أَضاعَهُ عَدَمُ الما / لِ وَجَهلٍ غَطّى عَلَيهِ النَعيمُ
ما أُبالي أَنَبَّ بِالحُزنِ تَيسٌ / أَم لَحاني بِظَهرِ غَيبٍ لَئيمُ
لا تَسُبَّنَّني فَلَستَ بِسَبّي / إِنَّ سَبّي مِنَ الرِجالِ الكَريمُ
تِلكَ أَفعالُنا وَفِعلُ الزَبَعرى / خامِلٌ في صَديقِهِ مَذمومُ
وَلِيَ الناسَ مِنهُمُ إِذ حَضَرتُم / أُسرَةٌ مِن بَني قُصَيٍّ صَميمُ
تِسعَةٌ تَحمِلُ اللِواءَ وَطارَت / في رِعاعٍ مِنَ القَنا مَخزومُ
لَم يُوَلّوا حَتّى أُبيدوا جَميعاً / في مَقامٍ وَكُلُّهُم مَذمومُ
بِدَمٍ عاتِكٌ وَكانَ حِفاظاً / أَن يُقيموا إِنَّ الكَريمَ كَريمُ
وَأَقاموا حَتّى أُزيروا شُعوباً / وَالقَنا في نُحورِهِم مَحطومُ
وَقُرَيشٌ تَلوذُ مِنّا لِواذاً / لَم يُقيموا وَخَفَّ مِنها الحُلومُ
لَم تُطِق حَملَهُ العَواتِقُ مِنهُم / إِنَّما يَحمِلُ اللِواءَ النُجومُ
لَكِ الخَيرُ غُضّي اللَومَ عَني فَإِنَّني
لَكِ الخَيرُ غُضّي اللَومَ عَني فَإِنَّني / أُحِبُّ مِنَ الأَخلاقِ ما كانَ أَجمَلا
ذَريني وَعِلمي بِالأُمورِ وَشيمَتي / فَما طائِري فيها عَلَيكِ بِأَخيَلا
فَإِن كُنتِ لا مِنّي وَلا مِن خَليقَتي / فَمِنكِ الَّذي أَمسى عَنِ الخَيرِ أَعزَلا
أَلَم تَعلَمي أَنّي أَرى البُخلَ سُبَّةً / وَأُبغِضُ ذا اللَونَينِ وَالمُتَنَقِّلا
إِذا اِنصَرَفَت نَفسي عَنِ الشَيءِ مَرَّةً / فَلَستُ إِلَيهِ آخِرَ الدَهرِ مُقبِلا
وَإِنّي إِذا ما الهَمُّ ضافَ قَرَيتُهُ / زَماعاً وَمِرقالَ العَشِيّاتِ عَيهَلا
مُلَملَمَةٌ خَطّارَةٌ لَو حَمَلتُها / عَلى السَيفِ لَم تَعدِل عَنِ السَيفِ مَعدِلا
إِذا اِنبَعَثَت مِن مَبرَكٍ غادَرَت بِهِ / تَوائِمَ أَمثالَ الزَبائِبِ ذُبَّلا
فَإِن بَرَكَت خَوَّت عَلى ثَفِناتِها / كَأَنَّ عَلى حَيزومِها حَرفَ أَعبَلا
مُرَوَّعَةٌ لَو خَلفَها صَرَّ جُندُبٌ / رَأَيتُ لَها مِن رَوعَةِ القَلبِ أَفكَلا
وَإِنّا لَقَومٌ ما نُسَوِّدُ غادِراً / وَلا ناكِلاً عِندَ الحَمالَةِ زُمَّلا
وَلا مانِعاً لِلمالِ فيما يَنوبُهُ / وَلا ناكِلاً في الحَربِ جِبساً مُغَفَّلا
وَلا جُعبُساً عَيّابَةً مُتَهَكِّماً / عَلَينا وَلا فَهّاً كَهاماً مُفَيَّلا
نُسَوِّدُ مِنّا كُلَّ أَشيَبَ بارِعٍ / أَغَرَّ تَراهُ بِالجَلالِ مُكَلَّلا
إِذا ما اِنتَدى أَجنى النَدى وَاِبتَنى العُلا / وَأُلفِيَ ذا طولٍ عَلى مَن تَطَوَّلا
فَلَستَ بِلاقٍ ناشِئً مِن شَبابِنا / وَإِن كانَ أَندى مِن سِوانا وَأَحوَلا
نُطيعُ فَعالَ الشَيخِ مِنّا إِذا سَما / لِأَمرٍ وَلا نَعيا إِذا الأَمرُ أَعضَلا
لَهُ أَربَةٌ في حَزمِهِ وَفِعالِهِ / وَإِن كانَ مِنّا حازِمَ الرَأيِ حُوَّلا
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّنا جَعَلَت لَنا / أَكابِرُنا في أَوَّلِ الخَيرِ أَوَّلا
فَنَحنُ الذُرى مَن نَسلِ آدَمَ وَالعُرى / تَرَبَّعَ فينا المَجدُ حَتّى تَأَثَّلا
بَنى العِزُّ بَيتاً فَاِستَقَرَّت عِمادُهُ / عَلَينا فَأَعيا الناسَ أَن يَتَحَوَّلا
وَإِنَّكَ لَن تَلقى مِنَ الناسِ مَعشَراً / أَعَزَّ مِنَ الأَنصارِ عِزّاً وَأَفضَلا
وَأَكثَرَ أَن تَلقى إِذا ما أَتَيتَهُم / لَهُم سَيِّداً ضَخمَ الدَسيعَةِ جَحفَلا
وَأَشيَبَ مَيمونَ النَقيبَةِ يُبتَغى / بِهِ الخَطَرُ الأَعلى وَطِفلاً مُؤَمَّلا
وَأَمرَدَ مُرتاحاً إِذا ما نَدَبتَهُ / تَحَمَّلَ ما حَمَّلتَهُ فَتَرَبَّلا
وَمُستَرشِداً في الحُكمِ لا مُتَوَجِّهاً / وَلا قابِلاً عِندَ الخُصومَةِ أَخطَلا
وَعِدّاً خَطيباً لا يُطاقُ جَوابُهُ / وَذا أُربَةٍ في شِعرِهِ مُتَنَخِّلا
وَأَصيَدَ نَهّاضاً إِلى السَيفِ صارِماً / إِذا ما دَعا داعٍ إِلى المَوتِ أَرقَلا
وَأَغيَدَ مُختالاً يَجُرُّ إِزارَهُ / كَثيرَ النَدى طَلقَ اليَدَينِ مُعَذَّلا
وَمُستَمطِراً في الأَزلِ أَصبَحَ سَيبُهُ / عَلى مُعتَفيهِ دائِمَ الوَدقِ مُسبِلا
لَنا حَرَّةٌ مَأطورَةٌ بِجِبالِها / بَنى المَجدُ فيها بَيتَهُ فَتَأَهَّلا
بِها النَخلُ وَالآطامُ تَجري خِلالَها / جَداوِلُ قَد تَعلو رَقاقاً وَجَروَلا
إِذا جَدوَلٌ مِنها تَصَرَّمَ ماؤُهُ / وَصَلنا إِلَيهِ بِالنَواضِحِ جَدوَلا
عَلى كُلِّ مِفهاقٍ خَسيفٍ غُروبُها / تُفَرِّغُ في حَوضٍ مِنَ الصَخرِ أَنجَلا
لَهُ غَلَلٌ في ظِلِّ كُلِّ حَديقَةٍ / يُعارِضُ يَعبوباً مِنَ الماءِ سَلسَلا
إِذا جِئتَها أَلفَيتَ في حَجَراتِها / عَناجيجَ قُبّاً وَالسَوامَ المُؤَبَّلا
جَعَلنا لَها أَسيافَنا وَرِماحَنا / مِنَ الجَيشِ وَالأَعرابِ كَهفاً وَمَعقِلا
إِذا جَمَعوا جَمعاً سَمَونا إِلَيهِمُ / بِهِندِيَّةٍ تُسقى الذُعافَ المُثَمَّلا
نَصَرنا بِها خَيرَ البَرِيَّةِ كُلِّها / إِماماً وَوَقَّرنا الكِتابَ المُنَزَّلا
نَصَرنا وَآوَينا وَقَوَّمَ ضَربُنا / لَهُ بِالسُيوفِ مَيلَ مَن كانَ أَميَلا
وَإِنَّكَ لَن تَلقى لَنا مِن مُعَنَّفٍ / وَلا عائِبٍ إِلّا لَئيماً مُضَلَّلا
وَإِلّا اِمرَأً قَد نالَهُ مِن سُيوفِنا / ذُبابٌ فَأَمسى مائِلَ الشِقِّ أَعزَلا
فَمَن يَأتِنا أَو يَلقَنا عَن جَنابَةٍ / يَجِد عِندَنا مَثوىً كَريماً وَمَوئِلا
نُجيرُ فَلا يَخشى البَوادِرَ جارُنا / وَلاقى الغِنى في دورِنا فَتَمَوَّلا
أَلا أَبلِغِ المُستَمِعينَ لِوَقعَةٍ
أَلا أَبلِغِ المُستَمِعينَ لِوَقعَةٍ / تَخِفُّ لَها شُمطُ النِساءِ القَواعِدُ
وَظَنُّهُمُ بي أَنَّني لِعَشيرَتي / عَلى أَيِّ حالٍ كانَ حامٍ وَذائِدُ
فَإِن لَم أُحَقِّق ظَنَّهُم بِتَيَقُّنٍ / فَلا سَقَتِ الأَوصالَ مِنّي الرَواعِدُ
وَيَعلَمُ أَكفائي مِنَ الناسِ أَنَّني / أَنا الفارِسُ الحامي الذَمارَ المُناجِدُ
وَأَن لَيسَ لِلأَعداءِ عِندي غَميزَةٌ / وَلا طافَ لي مِنهُم بِوَحشِيَ صائِدُ
وَأَن لَم يَزَل لي مُنذُ أَدرَكتُ كاشِحٌ / عَدُوٌّ أُقاسيهِ وَآخَرُ حاسِدُ
فَما مِنهُما إِلّا وَأَنّي أَكيلُهُ / بِمِثلٍ لَهُ مِثلَينِ أَو أَنا زائِدُ
فَإِن تَسأَلي الأَقوامَ عَنّي فَإِنَّني / إِلى مَحتِدٍ تَنمي إِلَيهِ المَحاتِدُ
أَنا الزائِرُ الصَقرَ اِبنَ سَلمى وَعِندَهُ / أُبَيٌّ وَنُعمانٌ وَعَمروٌ وَواقِدُ
فَأَورَثَنا مَجداً وَمَن يَجنِ مِثلَها / بِحَيثُ اِجتَناها يَنقَلِب وَهوَ حامِدُ
وَجِدّي خَطيبُ الناسِ يَومَ سُمَيحَةٍ / وَعَمّي اِبنُ هِندٍ مُطعِمُ الطَيرِ خالِدُ
وَمِنّا قَتيلُ الشِعبِ أَوسُ اِبنِ ثابِتٍ / شَهيداً وَأَسنى الذِكرِ مِنهُ المَشاهِدُ
وَمَن جَدُّهُ الأَدنى أَبي وَاِبنُ أُمِّهِ / لِأُمِّ أَبي ذاكَ الشَهيدُ المُجاهِدُ
وَفي كُلِّ دارٍ رَبَّةٍ خَزرَجِيَّةٍ / وَأَوسِيَّةٍ لي مِن ذَراهُنَّ والِدُ
فَما أَحَدٌ مِنّا بِمُهدٍ لِجارِهِ / أَذاةً وَلا مُزرٍ بِهِ وَهوَ عامِدُ
لِأَنّا نَرى حَقَّ الجِوارِ أَمانَةً / وَيَحفَظُهُ مِنّا الكَريمُ المُعاهِدُ
فَمَهما أَقُل مِمّا أُعَدِّدُ لا يَزَل / عَلى صِدقِهِ مِن جُلِّ قَومِيَ شاهِدُ
لِكُلِّ أُناسٍ ميسَمٌ يَعرِفونَهُ / وَميسَمُنا فينا القَوافي الأَوابِدُ
مَتى ما نَسِم لا يُنكِرِ الناسُ وَسمَنا / وَنَعرِف بِهِ المَجهولَ مِمَّن نُكايِدُ
تَلوحُ بِهِ تَعشو عَلَيهِ وُسومُنا / كَما لاحَ في سُمرِ المِتانِ المَوارِدُ
فَيَشفينَ مَن لا يُستَطاعُ شِفاؤُهُ / وَيَبقَينَ ما تَبقى الجِبالُ الخَوالِدُ
وَيُشفينَ مَن يَغتالُنا بِعَداوَةٍ / وَيُسعِدنَ في الدُنيا بِنا مَن نُساعِدُ
إِذا ما كَسَرنا رُمحَ رايَةِ شاعِرٍ / يَجيشُ بِنا ما عِندَنا فَنُعاوِدُ
يَكونُ إِذا بُثَّ الهِجاءُ لِقَومِهِ / وَلاحَ شِهابٌ مِن سَنا البَرقِ واقِدُ
كَأَشقى ثَمودٍ إِذ تَعاطى لِحَينِهِ / خَصيلَةَ أُمِّ السَقبِ وَالسَقبُ وارِدُ
فَوَلّى فَأَوفى عاقِلاً رَأسَ صَخرَةٍ / نَمى فَرعُها وَاِشتَدَّ مِنها القَواعِدُ
فَقالَ أَلا فَاِستَمتِعوا في دِيارِكُم / فَقَد جاءَكُم ذِكرٌ لَكُم وَمَواعِدُ
ثَلاثَةَ أَيّامٍ مِنَ الدَهرِ لَم يَكُن / لَهُنَّ بِتَصديقِ الَّذي قالَ رائِدُ
إِنَّ النَضيرَةَ رَبَّةَ الخِدرِ
إِنَّ النَضيرَةَ رَبَّةَ الخِدرِ / أَسرَت إِلَيكَ وَلَم تَكُن تُسري
فَوَقَفتُ بِالبَيداءِ أَسأَلُها / أَنّى اِهتَدَيتِ لِمَنزِلِ السَفرِ
وَالعيسُ قَد رُفِضَت أَزِمَّتُها / مِمّا يَرَونَ بِها مِنَ الفَترِ
وَعَلَت مَساوِئُها مَحاسِنَها / مِمّا أَضَرَّ بِها مِنَ الضُمرِ
كُنّا إِذا رَكَدَ النَهارُ لَنا / نَغتالُهُ بِنَجائِبٍ صُعرِ
عوجٍ نَواجٍ يَغتَلينَ بِنا / يُعفينَ دونَ النَصِّ وَالزَجرِ
مُستَقبِلاتٍ كُلَّ هاجِرَةٍ / يَنفَحنَ في حَلقٍ مِنَ الصُفرِ
وَمَناخُها في كُلِّ مَنزِلَةٍ / كَمَبيتِ جونِيِّ القَطا الكُدرِ
وَسَما عَلى عودٍ فَعارَضَنا / حِرباؤُها أَو هَمَّ بِالخَطَرِ
وَتَكَلُّفي اليَومَ الطَويلَ وَقَد / صَرَّت جَنادِبُهُ مِنَ الظُهرِ
وَاللَيلَةَ الظَلماءَ أُدلِجُها / بِالقَومِ في الدَيمومَةِ القَفرِ
يَنعى الصَدى فيها أَخاهُ كَما / يَنعى المُفَجَّعُ صاحِبَ القَبرِ
وَتَحولُ دونَ الكَفِّ ظُلمَتُها / حَتّى تَشُقَّ عَلى الَّذي يَسري
وَلَقَد أَرَيتُ الرَكبَ أَهلَهُمُ / وَهَدَيتُهُم بِمَهامِهٍ غُبرِ
وَبَذَلتُ ذا رَحلي وَكُنتُ بِهِ / سَمحاً لَهُم في العُسرِ وَاليُسرِ
فَإِذا الحَوادِثُ ما تُضَعضِعُني / وَلا يَضيقُ بِحاجَتي صَدري
إِنّي أُكارِمُ مَن يُكارِمُني / وَعَلى المُكاشِحِ يَنتَحي ظُفري
يُعيِي سِقاطي مَن يُوازِنُني / إِنّي لَعَمرُكَ لَستُ بِالهَذرِ
لا أَسرِقُ الشُعَراءَ ما نَطَقوا / بَل لا يُوافِقُ شِعرَهُم شِعري
إِنّي أَبى لي ذَلِكُم حَسَبي / وَمَقالَةٌ كَمَقالِعِ الصَخرِ
وَأَخي مِنَ الجِنِّ البَصيرُ إِذا / حاكَ الكَلامَ بِأَحسَنَ الحَبرِ
أَنَضيرَ ما بَيني وَبَينَكُمُ / صُرَمٌ وَما أَحدَثتُ مِن هَجرِ
وَلَقَد شَكَرتُ نَوالَكُم وَبَلاكُمُ / إِن كانَ عِندَكَ نافِعاً شُكري
لا تَقطَعي وَصلي وَتَلتَمِسي / غَيري وَلَمّا تَعلَمي خُبري
جودي فَإِنَّ الجودَ مَكرُمَةٌ / وَاِجزي الحُسامَ بِبَعضِ ما يَفري
وَحَلَفتُ لا أَنساكُمُ أَبَداً / ما رَدَّ طَرفَ العَينِ ذو شُفرِ
وَحَلَفتُ لا أَنسى حَديثَكِ ما / ذَكَرَ الغَوِيُّ لَذاذَةَ الخَمرِ
وَلَأَنتِ أَحسَنُ إِذ بَرَزتِ لَنا / يَومَ الخُروجِ بِساحَةِ القَصرِ
مِن دُرَّةٍ أَغلى المُلوكُ بِها / مِمّا تَرَبَّبَ حائِرُ البَحرِ
بَيضاءُ لَو مَرَّت بِذي نُسُكٍ / يَتلو البَيانَ يَلوحُ في الزُبرِ
مُتَبَتِّلٍ عَن كُلِّ فاحِشَةٍ / سَكَنَ الصَوامِعَ رَهبَةَ الوِزرِ
لَرَأَيتَهُ حَرّانَ يَذكُرُها / يَجتازُ رُؤيَتَها عَلى الذِكرِ
بَذَّت نِساءَ العالَمينَ كَما / بَذَّ الكَواكِبَ مَطلَعُ البَدرِ
مَمكورَةُ الساقَينِ شِبهُهُما / بَردِيَّتا مُتَحَيِّرٍ غَمرِ
تَنمي كَما تَنمي أَرومَتُها / بِمَحَلِّ أَهلِ المَجدِ وَالفَخرِ
يَعتادُني شَوقٌ فَأَذكُرُها / مِن غَيرِ ما نَسَبٍ وَلا صِهرِ
كَتَذَكُّرِ الصادي وَلَيسَ لَهُ / ماءٌ بِقُنَّةِ شاهِقٍ وَعرِ
وَلَقَد تُجالِسُني فَيَمنَعُني / ضيقُ الذِراعِ وَعِلَّةُ الخَفرِ
لَو كُنتِ لا تَهوَينَ لَم تَرِدي / أَو كانَ ما تَلوينَ في وَكرِ
لَأَتَيتُهُ لا بُدَّ طالِبَهُ / فَاِقنَي حَياءَكِ وَاِقبَلي عُذري
قُل لِلنَضيرَةِ إِن عَرَضتَ لَها / لَيسَ الجَوادُ بِصاحِبِ النَزرِ
قَومي بَنو النَجّارِ رِفدُهُمُ / حَسَنٌ وَهُم لي حاضِرو النَصرِ
المَوتُ دوني لَستُ مُهتَضِماً / وَذَوُو المَكارِمِ مِن بَني عَمروِ
جُرثومَةٌ عِزٌّ مَعاقِلُها / كانَت لَنا في سالِفِ الدَهرِ
أولَئِكَ قَومي فَإِن تَسأَلي
أولَئِكَ قَومي فَإِن تَسأَلي / كِرامٌ إِذا الضَيفُ يَوماً أَلَم
عِظامُ القُدورِ لِأَيسارِهِم / يَكُبّونَ فيها المُسِنَّ السَنِم
يُواسونَ مَولاهُمُ في الغِنى / وَيَحمونَ جارُهُمُ إِن ظَلُم
وَكانوا مُلوكاً بِأَرضيهِمِ / يُبادونَ غَصباً بِأَمرٍ غَشِم
مُلوكاً عَلى الناسِ لَم يُملَكوا / مِنَ الدَهرِ يَوماً كَحِلِّ القَسَم
فَأَنبَوا بِعادٍ وَأَشياعِها / ثَمودَ وَبَعضِ بَقايا إِرَم
بِيَثرِبَ قَد شَيَّدوا في النَخيلِ / حُصوناً وَدَجَّنَ فيها النَعَم
نَواضِحَ قَد عَلَّمَتها اليَهودُ / عُلَّ إِلَيكَ وَقَولاً هَلُم
وَفيما اِشتَهَوا مِن عَصيرِ القِطافِ / وَعَيشٍ رَخِيِّ عَلى غَيرِ هَمّ
فَساروا إِلَيهِم بِأَثقالِهِم / عَلى كُلِّ فَحلٍ هِجانٍ قَطِم
جِيادُ الخُيولِ بِأَجنابِهِم / وَقَد جَلَّلوها ثِخانَ الأَدَم
فَلَمّا أَناخوا بِجَنبَي صِرارٍ / وَشَدّوا السُروجَ بِلَيِّ الحُزُم
فَما راعَهُم غَيرُ مَعجِ الخُيولِ / وَالزَحفُ مِن خَلفِهِم قَد دَهَم
فَطاروا شِلالاً وَقَد أُفزِعوا / وَطِرنا إِلَيهِم كَأُسدِ الأَجَم
عَلى كُلِّ سَلهَبَةٍ في الصِيانِ / لا تَستَكينُ لِطولِ السَأَم
وَكُلِّ كُمَيتٍ مُطارِ الفُؤادِ / أَمينِ الفُصوصِ كَمِثلِ الزُلَم
عَلَيها فَوارِسُ قَد عاوَدوا / قِراعَ الكُماةِ وَضَربِ البُهَم
لُيوثٌ إِذا غَضِبوا في الحُروبِ / لا يَنكَلونَ وَلَكِن قُدُم
فَأُبنا بِسادَتِهِم وَالنِساءِ / قَسراً وَأَموالِهِم تُقتَسَم
وَرِثنا مَساكِنَهُم بَعدَهُم / وَكُنّا مُلوكاً بِها لَم نَرِم
فَلَمّا أَتانا رَسولُ المَليكِ / هَلُمَّ إِلَينا وَفينا أَقِم
رَكُنّا إِلَيهِ وَلَم نَعصِهِ / غَداةَ أَتانا مِنَ ارضِ الحَرَم
وَقُلنا صَدَقتَ رَسولَ المَليكِ / هَلُمَّ إِلَينا وَفينا أَقِم
فَنَشهَدُ أَنَّكَ عَبدُ المَليكِ / أُرسِلتَ نوراً بِدينٍ قِيَم
فَنادِ بِما كُنتَ أَخفَيتَهُ / نِداءً جِهاراً وَلا تَكتَتِم
فَإِنّا وَأَولادَنا جُنَّةٌ / نَقيكَ وَفي مالِنا فَاِحتَكَم
فَنَحنُ وُلاتُكَ إِذ كَذَّبوكَ / فَنادِ نِداءً وَلا تَحتَشِم
فَطارَ الغُواةُ بِأَشياعِهِم / إِلَيهِ يَظُنّونَ أَن يُختَرَم
فَقُمنا بِأَسيافِنا دونَهُ / نُجالِدُ عَنهُ بُغاةَ الأُمَم
بِكُلِّ صَقيلٍ لَهُ مَيعَةٌ / رَقيقَ الذُبابِ غَموسٍ خَذِم
إِذا ما يُصادِفُ صُمَّ العِظامِ / لَم يَنبُ عَنها وَلَم يَنثَلِم
فَذَلِكَ ما أَورَثَتنا القُرونُ / مَجداً تَليداً وَعِزّاً أَشَم
إِذا مَرَّ قَرنٌ كَفى نَسلُهُ / وَخَلَّفَ قَرناً إِذا ما اِنقَصَم
فَما إِن مِنَ الناسِ إِلّا لَنا / عَلَيهِ وَإِن خاسَ فَضلُ النَعَم
لِمَن مَنزِلٌ عافٍ كَأَنَّ رُسومَهُ
لِمَن مَنزِلٌ عافٍ كَأَنَّ رُسومَهُ / خَياعيلُ رَيطٍ سابِرِيٍّ مُرَسَّمِ
خَلاءُ المَبادي ما بِهِ غَيرُ رُكَّدٍ / ثَلاثٍ كَأَمثالِ الحَمائِمِ جُثَّمِ
وَغَيرُ شَجيجٍ ماثِلٍ حالَفَ البِلى / وَغَيرُ بَقايا كَالسَحيقِ المُنَمنَمِ
يُعَلُّ رِياحَ الصَيفِ بالي هَشيمِهِ / عَلى ماثِلٍ كَالحَوضِ عافٍ مُثَلَّمِ
كَسَتهُ سَرابيلَ البِلى بَعدَ عَهدِهِ / وَجَونٌ سَرى بِالوابِلِ المُتَهَزَّمِ
وَقَد كانَ ذا أَهلٍ كَثيرٍ وَغَبطَةٍ / إِذِ الحَبلُ حَبلُ الوَصلِ لَم يَتَصَرَّمِ
وَإِذ نَحنُ جيرانٌ كَثيرٌ بِغَبطَةٍ / وَإِذ ما مَضى مِن عَشِنا لَم يُصَرَّمِ
وَكُلُّ حَثيثِ الوَدقِ مُنبَعِقِ العُرى / مَتى تُزجِهِ الريحُ اللَواقِحُ يَسجُمِ
ضَعيفُ العُرى دانٍ مِنَ الأَرضِ بَركُهُ / مُسِفٍّ كَمِثلِ الطَودِ أَكظَمَ أَسحَمِ
فَإِن تَكُ لَيلى قَد نَأَتكَ دِيارُها / وَضَنَّت بِحاجاتِ الفُؤادِ المُتَيَّمِ
وَهَمَّت بِصُرمِ الحَبلِ بَعدَ وِصالِهِ / وَأَصغَت لِقَولِ الكاشِحِ المُتَزَعِّمِ
فَما حَبلُها بِالرَثِّ عِندي وَلا الَّذي / يُغَيِّرُهُ نَأيٌ وَلَو لَم تَكَلَّمِ
وَما حُبُّها لَو وَكَّلَتني بِوَصلِهِ / وَلَو صَرَمَ الخُلّانُ بِالمُتَصَرِّمِ
لَعَمرُ أَبيكِ الخَيرِ ما ضاعَ سِرُّكُم / لَدَيَّ فَتَجزيني بِعاداً وَتَصرِمي
وَلا ضِقتُ ذَرعاً بِالهَوى إِذ ضَمِنتُهُ / وَلا كُظَّ صَدري بِالحَديثِ المُكَتَّمِ
وَلا كانَ مِمّا كانَ مِمّا تَقَوَّلوا / عَلَيَّ وَنَثّوا غَيرُ ظَنٍّ مُرَجَّمِ
فَإِن كُنتِ لَمّا تَخبُرينا فَسائِلي / ذَوي العِلمِ عَنّا كَي تُنَبَّي وَتُعلِمي
يُخَبِّركِ عَن أَولادِ عَمروِ بنِ عامِرٍ / خَبيرٌ وَمَن يَسأَل عَنِ الناسِ يَعلَمِ
مَتى تَسأَلي عَنّا تُنَبَّي بِأَنَّنا / كِرامٌ وَأَنّا أَهلُ عِزٍّ مُقَدَّمِ
وَأَنّا عَرانينٌ صُقورٌ مَصالِتٌ / نَهُزُّ قَناةً مَتنُها لَم يُوَصَّمِ
لَعَمرُكَ ما المُعتَرُّ يَأتي بِلادَنا / لِنُمتِعَهُ بِالضائِعِ المُتَهَضَّمِ
وَلا ضَيفُنا عِندَ القِرى بِمُدَفَّعٍ / وَلا جارُنا في النائِباتِ بِمُسلَمِ
وَما السَيِّدُ الجَبّارُ حينَ يُريدُنا / بِكَيدٍ عَلى أَرماحِنا بِمُحَرَّمِ
نُبيحُ حِمى ذي العِزِّ حينَ نَكيدُهُ / وَنَحمي حِمانا بِالوَشيجِ المُقَوَّمِ
وَنَحنُ إِذا لَم يُبرِمِ الناسُ أَمرَهُم / نَكونُ عَلى أَمرٍ مِنَ الحَقِّ مُبرَمِ
وَلَو وُزِنَت رَضوى بِحِلمِ سَراتِنا / لَمالَ بِرَضوى حِلمُنا وَيَلَملَمِ
وَنَحنُ إِذا ما الحَربُ حُلَّ صِرارُها / وَجادَت عَلى الحُلابِ بِالمَوتِ وَالدَمِ
وَلَم يُرجَ إِلّا كُلُّ أَروَعَ ماجِدٍ / شَديدِ القُوى ذي عِزَّةٍ وَتَكَرُّمِ
نَكونُ زِمامَ القائِدينَ إِلى الوَغى / إِذا الفَشِلُ الرِعديدُ لَم يَتَقَدَّمِ
فَنَحنُ كَذاكَ الدَهرَ ما هَبَّتِ الصَبا / نَعودُ عَلى جُهّالِهِم بِالتَحَلُّمِ
فَلَو فَهِموا أَو وُفِّقوا رُشدَ أَمرِهِم / لَعُدنا عَلَيهِم بَعدَ بُؤسى بِأَنعُمِ
وَإِنّا إِذا ما الأُفقُ أَمسى كَأَنَّما / عَلى حافَتَيهِ مُمسِياً لَونُ عَندَمِ
لَنُطعِمُ في المَشتى وَنَطعَنُ بِالقَنا / إِذا الحَربُ عادَت كَالحَريقِ المُضَرَّمِ
وَتُلقى لَدى أَبياتِنا حينَ نُجتَدى / مَجالِسُ فيها كُلُّ كَهلٍ مُعَمَّمِ
رَفيعِ عِمادِ البَيتِ يَستُرُ عِرضَهُ / مِنَ الذَمِّ مَيمونِ النَقيبَةِ خِضرِمِ
جَوادٍ عَلى العِلّاتِ رَحبٍ فَناؤُهُ / مَتى يُسأَلِ المَعروفَ لا يَتَجَهَّمِ
ضَروبٍ بِأَعجازِ القِداحِ إِذا شَتا / سَريعٍ إِلى داعي الهِياجِ مُصَمَّمِ
أَشَمَّ طَويلِ الساعِدينَ سَمَيذَعِ / مُعيدٍ قِراعَ الدارِعينَ مُكَلَّمِ
ذَهَبَت بِاِبنِ الزَبَعرى وَقعَةٌ
ذَهَبَت بِاِبنِ الزَبَعرى وَقعَةٌ / كانَ مِنّا الفَضلُ فيها لَو عَدَل
وَلَقَد نِلتُم وَنِلنا مِنكُمُ / وَكَذاكَ الحَربُ أَحياناً دُوَل
إِذ شَدَدنا شَدَّةً صادِقَةً / فاجَأناكُمُ إِلى سَفحِ الجَبَل
إِذ تُوَلّونَ عَلى أَعقابِكُم / هَرَباً في الشَعبِ أَشباهَ الرَسَل
نَضَعُ الخَطِّيَّ في أَكتافِكُم / حَيثُ نَهوى عَلَلاً بَعدَ نَهَل
فَسَدَحنا في مَقامٍ واحِدٍ / مِنكُمُ سَبعينَ غَيرَ المُنتَحَل
وَأَسَرنا مِنكُمُ أَعدادَهُم / فَاِنصَرَفتُم مِثلَ إِفلاتِ الحَجَل
بِخَناطيلَ كَجِنّانِ المَلا / مَن يُلاقوهُ مِنَ الناسِ يُهَل
يَخرُجُ الأَكدَرُ مِن أَستاهِكُم / مِثلَ ذَرقِ النيبِ يَأكُلنَ العَصَل
لَم يَفوتونا بِشَيءٍ ساعَةً / غَيرَ أَن وَلَّوا بِجُهدٍ وَفَشَل
ضاقَ عَنّا الشِعبُ إِذ نَجزَعُهُ / وَمَلَأنا الفُرطَ مِنهُم وَالرِجَل
بِرِجالٍ لَستُمُ أَمثالَهُم / أُيِّدوا جِبريلَ نَصراً فَنَزَل
وَعَلَونا يَومَ بَدرٍ بِالتُقى / طاعَةَ اللَهِ وَتَصديقَ الرُسُل
وَتَرَكنا في قُرَيشٍ عَورَةً / يَومَ بَدرٍ وَأَحاديثَ مَثَل
وَرَسولُ اللَهِ حَقّاً شاهِدٌ / يَومَ بَدرٍ وَالتَنابيلُ الهُبَل
وَتَرَكنا مِن قُرَيشٍ جَمعَهُم / مِثلَ ما جُمِّعَ في الخِصبِ الهَمَل
وَقَتَلنا مِنكُمُ أَهلَ اللِوَا / إِذ لَقيناكُم كَأَنّا أُسدُ طَلّ
فَقَتَلنا كُلَّ رَأسٍ مِنهُمُ / وَقَتَلنا كُلَّ جَحجاحٍ رِفَلّ
كَم قَتَلنا مِن كَريمٍ سَيِّدٍ / ماجِدِ الجَدَّينِ مِقدامٍ بَطَل
وَشَريفٍ لِشَريفٍ ماجِدٍ / لا نُباليهِ لَدى وَقعِ الأَسَل
حينَ أَعلَنتُم بِصَوتٍ كاذِبٍ / وَأَبو سُفيانَ كَي يَعلو هُبَل
نَحنُ لا أَنتُم بَني أَستاهِها / نَحنُ في البَأسِ إِذا البَأسُ نَزَل
نَشَدتُ بَني النَجّارِ أَفعالَ والِدي
نَشَدتُ بَني النَجّارِ أَفعالَ والِدي / إِذا لَم يَجِد عانٍ لَهُ مَن يُوازِعُه
وَراثَ عَلَيهِ الوافِدونَ فَما يَرى / عَلى النَأيِ مِنهُم ذا حِفاظٍ يُطالِعُه
وَسُدَّ عَلَيهِ كُلُّ أَمرٍ يُريدُهُ / وَزيدَ وَثاقاً فَاِقفَعَلَّت أَصابِعُه
إِذا ذَكَرَ الحَيَّ المُقيمَ حُلولُهُم / وَأَبصَرَ ما يَلقى اِستَهَلَّت مَدامِعُه
أَلَسنا نَنُصُّ العيسَ فيهِ عَلى الوَجا / إِذا نامَ مَولاهُ وَلَذَّت مَضاجِعُه
وَلا نَنتَهي حَتّى نَفُكَّ كُبولَهُ / بِأَموالِنا وَالخَيرُ يُحمَدُ صانِعُه
وَأَنشُدُكُم وَالبَغيُ مُهلِكُ أَهلِهِ / إِذا ما شِتاءُ المَحلِ هَبَّت زَعازِعُه
إِذا ما وَليدُ الحَيِّ لَم يُسقَ شَربَةً / وَقَد ضَنَّ عَنهُ بِالصَبوحِ مَراضِعُه
وَراحَت جِلادُ الشَولِ حُدباً ظُهورُها / إِلى مَسرَحٍ بِالجَوِّ جَدبَ مَرابِعُه
أَلَسنا نَكُبُّ الكومَ وَسطَ رِحالِنا / وَنَستَصلِحُ المَولى إِذا قَلَّ راقِعُه
فَإِن نابَهُ أَمرٌ وَقَتهُ نُفوسُنا / وَما نالَنا مِن صالِحٍ فَهوَ واسِعُه
وَأَنشُدُكُم وَالبَغيُ مُهلِكُ أَهلِهِ / إِذا الكَبشُ لَم يوجَد لَهُ مَن يُقارِعُه
أَلَسنا نُوازيهِ بِجَمعٍ كَأَنَّهُ / أَتِيٌّ أَمَدَّتهُ بِلَيلٍ دَوافِعُه
فَنَكثُرُكُم فيهِ وَنَصلى بِحَرِّهِ / وَنَمشي إِلى أَبطالِهِ فَنُماصِعُه
وَأَنشُدُكُم وَالبَغيُ مُهلِكُ أَهلِهِ / إِذا الخَصمُ لَم يوجَد لَهُ مَن يُدافِعُه
وَأَكثَرَ حَتّى دَرَّ حَبلُ وَريدِهِ / وَقَصَّرَ عَنهُ في المَقالَةِ وازِعُه
أَلَسنا نُصاديهِ وَنَعدِلُ مَيلَهُ / وَلا نَنتَهي أَو يَخلُصَ الحَقُّ ناصِعُه
وَأَنشُدُكُم وَالبَغيُ مُهلِكُ أَهلِهِ / إِذا الضَيفُ لَم يوجَد لَهُ مَن يُنازِعُه
أَلَسنا نُحَيِّيهِ وَيَأمَنُ سَربُهُ / وَنَفرُشُهُ أَمناً وَيُطعَمُ جائِعُه
فَلا تَكفُرونا ما فَعَلنا إِلَيكُمُ / وَأَثنوا بِهِ وَالكُفرُ بورٌ بَضائِعُه
كَما لَو فَعَلتُم مِثلَ ذاكَ إِلَيهِمِ / لَأَثنَوا بِهِ ما يَأثُرُ القَولَ سامِعُه
أَسَأَلتَ رَسمَ الدارِ أَم لَم تَسأَلِ
أَسَأَلتَ رَسمَ الدارِ أَم لَم تَسأَلِ / بَينَ الجَوابي فَالبُضَيعِ فَحَومَلِ
فَالمَرجِ مَرجِ الصُفَّرَينِ فَجاسِمٍ / فَدِيارِ سَلمى دُرَّساً لَم تُحلَلِ
أَقوى وَعُطِّلَ مِنهُمُ فَكَأَنَّهُ / بَعدَ البِلى آيُ الكِتابِ المُجمَلِ
دَمِنٌ تَعاقَبَها الرِياحُ دَوارِسٌ / وَالمُدجِناتُ مِنَ السِماكِ الأَعزَلِ
فَالعَينُ عانِيَةٌ تَفيضُ دُموعُها / لِمَنازِلٍ دَرَسَت كَأَن لَم تُؤهَلِ
دارٌ لِقَومٍ قَد أَراهُم مَرَّةً / فَوقَ الأَعِزَّةِ عِزُّهُم لَم يُنقَلِ
لِلَّهِ دَرُّ عِصابَةٍ نادَمتُهُم / يَوماً بِجِلَّقَ في الزَمانِ الأَوَّلِ
يَمشونَ في الحُلَلِ المُضاعَفِ نَسجُها / مَشيَ الجِمالِ إِلى الجِمالِ البُزَّلِ
الضارِبونَ الكَبشَ يَبرُقُ بَيضُهُ / ضَرباً يَطيحُ لَهُ بَنانُ المَفصِلِ
وَالخالِطونَ فَقيرَهُم بِغَنِيِّهِم / وَالمُنعِمونَ عَلى الضَعيفِ المُرمِلِ
أَولادُ جَفنَةَ حَولَ قَبرِ أَبيهِمِ / قَبرِ اِبنِ مارِيَةَ الكَريمِ المُفضِلِ
يُغشَونَ حَتّى ما تَهِرُّ كِلابُهُم / لا يَسأَلونَ عَنِ السَوادِ المُقبِلِ
يَسقونَ مَن وَرَدَ البَريصَ عَلَيهِمِ / بَرَدى يُصَفِّقُ بِالرَحيقِ السَلسَلِ
يُسقَونَ دِرياقَ الرَحيقِ وَلَم تَكُن / تُدعى وَلائِدُهُم لِنَقفِ الحَنظَلِ
بيضُ الوُجوهِ كَريمَةٌ أَحسابُهُم / شُمُّ الأُنوفِ مِنَ الطِرازِ الأَوَّلِ
فَعَلَوتُ مِن أَرضِ البَريصِ إِلَيهِمِ / حَتّى اِتَّكَأتُ بِمَنزِلٍ لَم يوغَلِ
نَغدو بِناجودٍ وَمُسمِعَةٍ لَنا / بَينَ الكُرومِ وَبَينَ جَزعِ القَسطَلِ
فَلَبِثتُ أَزماناً طِوالاً فيهِمِ / ثُمَّ اِدَّكَرتُ كَأَنَّني لَم أَفعَلِ
إِما تَرَي رَأسي تَغَيَّرَ لَونُهُ / شَمَطاً فَأَصبَحَ كَالثَغامِ المُحِولِ
فَلَقَد يَراني موعِدِيَّ كَأَنَّني / في قَصرِ دومَةَ أَو سَواءِ الهَيكَلِ
وَلَقَد شَرِبتُ الخَمرَ في حانوتِها / صَهباءَ صافِيَةً كَطَعمِ الفُلفُلِ
يَسعى عَلَيَّ بِكَأسِها مُتَنَطِّفٌ / فَيَعُلُّني مِنها وَلَو لَم أَنهَلِ
إِنَّ الَّتي ناوَلتَني فَرَدَدتُها / قُتِلَت قُتِلتَ فَهاتِها لَم تُقتَلِ
كِلتاهُما حَلَبُ العَصيرِ فَعاطِني / بِزُجاجَةٍ أَرخاهُما لِلمَفصِلِ
بِزُجاجَةٍ رَقَصَت بِما في قَعرِها / رَقَصَ القَلوصِ بِراكِبٍ مُستَعجِلِ
نَسَبي أَصيلٌ في الكِرامِ وَمِذوَدي / تَكوي مَواسِمُهُ جُنوبَ المُصطَلي
وَلَقَد تُقَلِّدُنا العَشيرَةُ أَمرَها / وَنَسودُ يَومَ النائِباتِ وَنَعتَلي
وَيَسودُ سَيِّدُنا جَحاجِحَ سادَةً / وَيُصيبُ قائِلُنا سَواءَ المَفصِلِ
وَنُحاوِلُ الأَمرَ المُهِمَّ خِطابُهُ / فيهِم وَنَفصِلُ كُلَّ أَمرٍ مُعضِلِ
وَتَزورُ أَبوابَ المُلوكِ رِكابُنا / وَمَتى نُحَكَّم في البَرِيَّةِ نَعدِلِ
وَفَتىً يُحِبُّ الحَمدَ يَجعَلُ مالَهُ / مِن دونِ والِدِهِ وَإِن لَم يُسأَلِ
يُعطي العَشيرَةَ حَقَّها وَيَزيدُها / وَيَحوطُها في النائِباتِ المُعضِلِ
باكَرتُ لَذَّتَهُ وَما ماطَلتُها / بِزُجاجَةٍ مِن خَيرِ كَرمٍ أَهدَلِ
هَل رَسمُ دارِسَةِ المَقامِ يَبابِ
هَل رَسمُ دارِسَةِ المَقامِ يَبابِ / مُتَكَلِّمٌ لِمُسائِلٍ بِجَوابِ
قَفرٌ عَفا رِهَمُ السَحابِ رُسومَهُ / وَهُبوبُ كُلِّ مُطِلَّةٍ مِربابِ
وَلَقَد رَأَيتُ بِها الحُلولِ يَزينُهُم / بيضُ الوُجوهِ ثَواقِبُ الأَحسابِ
فَدَعِ الدِيارَ وَذِكرَ كُلِّ خَريدَةٍ / بَيضاءَ آنِسَةِ الحَديثِ كَعابِ
وَاِشكُ الهُمومَ إِلى الإِلَهِ وَما تَرى / مِن مَعشَرٍ مُتَأَلِّبينَ غِضابِ
أَمّوا بِغَزوِهِمِ الرَسولَ وَأَلَّبوا / أَهلَ القُرى وَبَوادِيَ الأَعرابِ
جَيشٌ عُيَينَةُ وَاِبنُ حَربٍ فيهِمِ / مُتَخَمِّطينَ بِحَلبَةِ الأَحزابِ
حَتّى إِذا وَرَدوا المَدينَةَ وَاِرتَجَوا / قَتلَ النَبِيِّ وَمَغنَمَ الأَسلابِ
وَغَدَوا عَلَينا قادِرينَ بِأَيدِهِم / رُدّوا بِغَيظِهِمِ عَلى الأَعقابِ
بِهُبوبِ مُعصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمعَهُم / وَجُنودِ رَبِّكَ سَيِّدَ الأَربابِ
وَكَفى الإِلَهُ المُؤمِنينَ قِتالَهُم / وَأَثابَهُم في الأَجرِ خَيرَ ثَوابِ
مِن بَعدِ ما قَنِطوا فَفَرَّجَ عَنهُمُ / تَنزيلُ نَصِّ مَليكِنا الوَهّابِ
وَأَقَرَّ عَينَ مُحَمَّدٍ وَصِحابِهِ / وَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرتابِ
مُستَشعِرٍ لِلكُفرِ دونَ ثِيابِهِ / وَالكُفرُ لَيسَ بِطاهِرِ الأَثوابِ
عَلِقَ الشَقاءُ بِقَلبِهِ فَأَرانَهُ / في الكُفرِ آخِرَ هَذِهِ الأَحقابِ
عَرَفتَ دِيارَ زَينَبَ بِالكَثيبِ
عَرَفتَ دِيارَ زَينَبَ بِالكَثيبِ / كَخَطِّ الوَحيِ في الرَقِّ القَشيبِ
تَعاوَرُها الرِياحُ وَكُلُّ جَونٍ / مِنَ الوَسمِيِّ مُنهَمِرٍ سَكوبِ
فَأَمسى رَسمُها خَلَقاً وَأَمسَت / يَباباً بَعدَ ساكِنِها الحَبيبِ
فَدَع عَنكَ التَذَكُّرَ كُلَّ يَومٍ / وَرُدَّ حَرارَةَ الصَدرِ الكَئيبِ
وَخَبِّر بِالَّذي لا عَيبَ فيهِ / بِصِدقٍ غَيرِ إِخبارِ الكَذوبِ
بِما صَنَعَ المَليكُ غَداةَ بَدرٍ / لَنا في المُشرِكينَ مِنَ النَصيبِ
غَداةَ كَأَنَّ جَمعَهُمُ حِراءٌ / بَدَت أَركانُهُ جُنحَ الغُروبِ
فَلاقَيناهُمُ مِنّا بِجَمعٍ / كَأُسدِ الغابِ مِن مُردٍ وَشيبِ
أَمامَ مُحَمَّدٍ قَد آزَروهُ / عَلى الأَعداءِ في رَهجِ الحُروبِ
بِأَيديهِم صَوارِمُ مُرهَفاتٌ / وَكُلُّ مُجَرَّبٍ خاظي الكُعوبِ
بَنو الأَوسِ الغَطارِفِ آزَرَتها / بَنو النَجّارِ في الدينِ الصَليبِ
فَغادَرنا أَبا جَهلٍ صَريعاً / وَعُتبَةَ قَد تَرَكنا بِالجَبوبِ
وَشَيبَةَ قَد تَرَكنا في رِجالٍ / ذَوي حَسَبٍ إِذا اِنتَسَبوا حَسيبِ
يُناديهِم رَسولُ اللَهِ لَمّا / قَذَفناهُم كَباكِبَ في القَليبِ
أَلَم تَجِدوا حَديثِ كانَ حَقّاً / وَأَمرُ اللَهِ يَأخُذُ بِالقُلوبِ
فَما نَطَقوا وَلَو نَطَقوا لَقالوا / صَدَقتَ وَكُنتَ ذا رَأيٍ مُصيبِ
أَقَمنا عَلى الرَسِّ النَزيعِ لَيالِياً
أَقَمنا عَلى الرَسِّ النَزيعِ لَيالِياً / بِأَرعَنَ جَرّارٍ عَريضِ المَبارِكِ
بِكُلِّ كُمَيتٍ جَوزُهُ نِصفُ خَلقِهِ / وَقُبٍّ طِوالٍ مُشرِفاتِ الحَوارِكِ
تَرى العَرفَجَ العامِيَّ تُذري أُصولَهُ / مَناسِمُ أَخفافِ المَطِيِّ الرَواتِكِ
إِذا اِرتَحَلوا مِن مَنزِلٍ خِلتَ أَنَّهُ / مُدَمَّنُ أَهلِ المَوسِمِ المُتَعارِكِ
نَسيرُ فَلا تَنجو اليَعافيرُ وَسطَنا / وَلَو وَأَلَت مِنّا بِشَدٍّ مُواشِكِ
ذَروا فَلَجاتِ الشَأمِ قَد حالَ دونَها / ضِرابٌ كَأَفواهِ المَخاضِ الأَوارِكِ
بِأَيدي رِجالٍ هاجَروا نَحوَ رَبِّهِم / وَأَنصارِهِ حَقّاً وَأَيدي المَلائِكِ
إِذا هَبَطَت حَورانَ مِن رَملِ عالِجٍ / فَقولا لَها لَيسَ الطَريقُ هُنالِكِ
فَإِن نَلقَ في تَطوافِنا وَاِلتِماسِنا / فُراتَ بنَ حَيّانٍ يَكُن رَهنَ هالِكِ
وَإِن نَلقَ قَيسَ بنِ اِمرِئِ القَيسِ بَعدَهُ / نَزِد في سَوادِ وَجهِهِ لَونَ حالِكِ
فَأَبلِغ أَبا سُفيانَ عَنّي رِسالَةً / فَإِنَّكَ مِن شَرِّ الرِجالِ الصَعالِكِ
أَهاجَكَ بِالبَيداءِ رَسمُ المَنازِلِ
أَهاجَكَ بِالبَيداءِ رَسمُ المَنازِلِ / نَعَم قَد عَفاها كُلُّ أَسحَمَ هاطِلِ
وَجَرَّت عَلَيها الرامِساتُ ذُيولَها / فَلَم يَبقَ مِنها غَيرُ أَشعَثَ ماثِلِ
دِيارُ الَّتي راقَ الفُؤادَ دَلالُها / وَعَزَّ عَلَينا أَن تَجودَ بِنائِلِ
لَها عَينُ كَحلاءِ المَدامِعِ مُطفِلٍ / تُراعي نَعاماً يَرتَعي بِالخَمائِلِ
دِيارُ الَّتي كادَت وَنَحنُ عَلى مِنىً / تَحُلُّ بِنا لَولا نَجاءُ الرَواحِلِ
أَلا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَنا / نَأَتكَ العُلى فَاِربَع عَلَيكَ فَسائِلِ
فَهَل يَستَوي ماءانِ أَخضَرُ زاخِرٌ / وَحِسيٌ ظَنونٌ ماؤُهُ غَيرُ فاضِلِ
فَمَن يَعدِلُ الأَذنابَ وَيحَكَ وَالذُرى / قَدِ اِختَلَفا بِرٌّ يَحُقُّ بِباطِلِ
تَناوَل سُهَيلاً في السَماءِ فَهاتِهِ / سَتُدرِكُنا إِن نِلتُهُ بِالأَنامِلِ
أَلَسنا بِحَلّالينَ أَرضَ عَدُوِّنا / تَأَرَّ قَليلاً سَل بِنا في القَبائِلِ
تَجِدنا سَبَقنا بِالفَعالِ وَبِالنَدى / وَأَمرِ العَوالي في الخُطوبِ الأَوائِلِ
وَنَحنُ سَبَقنا الناسَ مَجداً وَسُؤدَداً / تَليداً وَذِكراً نامِياً غَيرَ خامِلِ
لَنا جَبَلٌ يَعلو الجِبالَ مُشَرَّفٌ / فَنَحنُ بِأَعلى فَرعِهِ المُتَطاوِلِ
مَساميحُ بِالمَعروفِ وَسطَ رِحالِنا / وَشُبّانُنا بِالفُحشِ أَبخَلُ باخِلِ
وَمِن خَيرِ حَيٍّ تَعلَمونَ لِسائِلٍ / عَفافاً وَعانٍ موثَقٍ في السَلاسِلِ
وَمِن خَيرِ حَيٍّ تَعلَمونَ لِجارِهِم / إِذا اِختارَهُم في الأَمنِ أَو في الزَلازِلِ
وَفينا إِذا ما شُبَّتِ الحَربُ سادَةٌ / كُهولٌ وَفِتيانٌ طِوالُ الحَمائِلِ
نَصَرنا وَآوَينا النَبِيَّ وَصَدَّقَت / أَوائِلُنا بِالحَقِّ أَوَّلَ قائِلِ
وَكُنّا مَتى يَغزُ النَبِيُّ قَبيلَةً / نَصِل حافَتَيهِ بِالقَنا وَالقَنابِلِ
وَيَومَ قُرَيشٍ إِذ أَتَونا بِجَمعِهِم / وَطِئنا العَدُوَّ وَطأَةَ المُتَثاقِلِ
وَفي أُحُدٍ يَومٌ لَهُم كانَ مُخزِياً / نُطاعِنُهُم بِالسَمهَرِيِّ الذَوابِلِ
وَيَومَ ثَقيفٍ إِذ أَتَينا دِيارَهُم / كَتائِبَ نَمشي حَولَها بِالمَناصِلِ
فَفَرّوا وَشَدَّ اللَهُ رُكنَ نَبِيِّهِ / بِكُلِّ فَتىً حامي الحَقيقَةِ باسِلِ
فَفَرّوا إِلى حِصنِ القُصورِ وَغَلَّقوا / وَكائِن تَرى مِن مُشفِقٍ غَيرِ وائِلِ
وَأَعطَوا بِأَيديهِم صَغاراً وَتابَعوا / فَأَولى لَكُم أَولى حُداةَ الزَوامِلِ
وَإِنّي لَسَهلٌ لِلصَديقِ وَإِنَّني / لَأَعدِلُ رَأسَ الأَصعَرِ المُتَمايِلِ
وَأَجعَلُ مالي دونَ عِرضي وِقايَةً / وَأَحجُبُهُ كَي لا يَطيبَ لِآكِلِ
وَأَيُّ جَديدٍ لَيسَ يُدرِكُهُ البِلى / وَأَيُّ نَعيمٍ لَيسَ يَوماً بِزائِلِ
لِمَنِ الدارُ أَقفَرَت بِبُواطِ
لِمَنِ الدارُ أَقفَرَت بِبُواطِ / غَيرَ سُفعٍ رَواكِدٍ كَالغَطاطِ
تِلكَ دارُ الأَلوفِ أَضحَت خَلاءً / بَعدَما قَد تَحُلُّها في نَشاطِ
دارُها إِذ تَقولُ ما لِاِبنِ عَمروٍ / لَجَّ مِن بَعدِ قُربِهِ في شَطاطِ
بَلِّغاها بِأَنَّني خَيرُ راعٍ / لِلَّذي حَمَّلَت بِغَيرِ اِفتِراطِ
رُبَّ لَهوٍ شَهِدتُهُ أُمَّ عَمروٍ / بَينَ بيضٍ نَواعِمٍ في الرِياطِ
مَع نَدامى بيضِ الوُجوهِ كِرامٍ / نُبِّهوا بَعدَ خَفقَةِ الأَشراطِ
لِكُمَيتٍ كَأَنَّها دَمُ جَوفٍ / عُتِّقَت مِن سُلافَةِ الأَنباطِ
فَاِحتَواها فَتىً يُهينُ لَها الما / لَ وَنادَمتُ صالِحَ اِبنَ عِلاطِ
ظَلَّ حَولي قِيانُهُ عازِفاتٍ / مِثلَ أُدمٍ كَوانِسٍ وَعَواطِ
طُفنَ بِالكَأسِ بَينَ شَربٍ كِرامٍ / مَهَّدوا حُرَّ صالِحِ الأَنماطِ
ساعَةً ثُمَّ قالَ هُنَّ بَدادِ / بَينَكُم غَيرَ سُمعَةِ الإِختِلاطِ
رُبَّ خَرقٍ أَجَزتُ مَلعَبَةِ الجِن / نِ مَعي صارِمُ الحَديدِ إِباطي
فَوقَ مُستَنزِلِ الرَديفِ مُنيفٍ / مِثلِ سِرحانِ غابَةٍ وَخّاطِ
بَينَما نَحنُ نَشتَوي مِن سَديفٍ / راعَنا صَوتُ مِصدَحٍ نَشّاطِ
فَأُتينا بِسابِحٍ يَعبوبٍ / لَم يُذَلَّل بِمِعلَفٍ وَرِباطِ
غَيرِ مَسحٍ وَحَشكِ كومٍ صَفايا / وَمَرافيدَ في الشِتاءِ بِساطِ
فَتَنادَوا فَأَلجَموهُ وَقالوا / لِغُلامٍ مُعاوِدِ الإِعتِباطِ
سَكِّنَنهُ وَاِكفُف إِلَيكَ مِنَ الغَر / بِ تَجِد مائِحاً قَليلَ السِقاطِ
فَتَوَلّى الغُلامُ يَقدَعُ مُهراً / تَئِقَ الغَربَ مانِعاً لِلسِياطِ
وَتَوَلَّينَ حينَ أَبصَرنَ شَخصاً / مُدمَجاً مَتنُهُ كَمَتنِ المِقاطِ
فَوقَهُ مُطعِمُ الوُحوشِ رَفيقٌ / عالِمٌ كَيفَ فَوزَةُ الآباطِ
داجِنٌ بِالطِرادِ يَرمي بِطَرفٍ / في فَضاءٍ وَفي صَحارٍ بَساطِ
ثُمَّ والى بِسَمحَجٍ وَنَحوصٍ / وَبِعِلجٍ يَكُفُّهُ بِعِلاطِ
ثُمَّ رُحنا وَما يَخافُ خَليلي / مِن لِساني خِيانَةَ الإِنبِساطِ
ثَوى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً
ثَوى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً / يُذَكِّرُ لَو يَلقى خَليلاً مُؤاتِيا
وَيَعرِضُ في أَهلِ المَواسِمِ نَفسَهُ / فَلَم يَرَ مَن يُؤوِي وَلَم يَرَ داعِيا
فَلَمّا أَتانا وَاِطمَأَنَّت بِهِ النَوى / فَأَصبَحَ مَسروراً بِطَيبَةَ راضِيا
وَأَصبَحَ لا يَخشى عَداوَةَ ظالِمٍ / قَريبٍ وَلا يَخشى مِنَ الناسِ باغِيا
بَذَلنا لَهُ الأَموالَ مِن جُلِّ مالِنا / وَأَنفُسَنا عِندَ الوَغى وَالتَآسِيا
نُحارِبُ مَن عادى مِنَ الناسِ كُلَّهِم / جَمعاً وَإِن كانَ الحَبيبُ المُصافِيا
وَنَعلَمُ أَنَّ اللَهَ لا رَبَّ غَيرُهُ / وَأَنَّ كِتابَ اللَهِ أَصبَحَ هادِيا
مَن سَرَّهُ المَوتُ صِرفاً لا مِزاجَ لَهُ
مَن سَرَّهُ المَوتُ صِرفاً لا مِزاجَ لَهُ / فَليَأتِ مَأسَدَةً في دارِ عُثمانا
مُستَحقِبي حَلَقَ الماذِيِّ قَد شَفَعَت / فَوقَ المَخاطِمِ بَيضاً زانَ أَبدانا
بَل لَيتَ شِعري وَلَيتَ الطَيرَ تُخبِرُني / ما كانَ شَأنُ عَلِيٍّ وَاِبنِ عَفّانا
ضَحَّوا بِأَشمَطَ عُنوانُ السُجودِ بِهِ / يُقَطِّعُ اللَيلَ تَسبيحاً وَقُرآنا
لَتَسمَعُنَّ وَشيكاً في دِيارِكُمُ / اللَهُ أَكبَرُ يا ثاراتِ عُثمانا
وَقَد رَضيتُ بِأَهلِ الشَأمِ زافِرَةً / وَبِالأَميرِ وَبِالإِخوانِ إِخوانا
إِني لَمِنهُم وَإِن غابوا وَإِن شَهِدوا / حَتّى المَماتَ وَما سُمّيتُ حَسّانا
وَيهاً فِدىً لَكُمُ أُمّي وَما وَلَدَت / قَد يَنفَعُ الصَبرُ في المَكروهِ أَحيانا
شُدّوا السُيوفَ بِثِنيٍ في مَناطِقِكُم / حَتّى يَحينَ بِها في المَوتِ مَن حانا
لَعَلَّكُم أَن تَرَوا يَوماً بِمَغبَطَةٍ / خَليفَةَ اللَهِ فيكُم كَالَّذي كانا