القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : بَدَوِيّ الجَبَل الكل
المجموع : 80
أتركيني بوحدتي و عنائي
أتركيني بوحدتي و عنائي / و اهربي من تأوّهي و بكائي
أنت عذراء و النعيم و صفو الحبّ / حقّ المليحة العذراء
ما بقلبي غير الجراح و هل يرضيك / مأوى مدنّس بالدّماء
إن هذا الورى بيوت قصيد / أنا فيها يا ميّ بيت الرثاء
لست أهواك فازدريني و الخائن / أهل للهجر و الازدراء
كذبة تسعدين فيها و أشقى / أنا في كذبتي من الشهداء
قد يخطّ القضاء سطرا و في / تضحية المرء محو خط القضاء
يا دوائي من الأسى أنا أجللتك / عن قرحة الأذى يا دوائي
باسم و الهموم تحفر دمعي / أنا في الابتسام عين المرائي
و الكآبات ألف نوع و ما / يقتل إلا الكآبة الخرساء
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها / إذا تبرّأ قلب من خباياه
طفولة الروح أغلى ما أدلّ به / و الحبّ أعنفه عندي وأوفاه
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته / أحلى من النور نعماه وبؤساه
غرّ و أرفع ما فيه غرارته / و أنذل الحبّ – جلّ الحبّ – أدهاه
ما الحسن إلاّ لبينات منمّقة / لكن يؤلهه أناّ عشقناه
لم يرده ألف جرح من فواجعه / حتّى أصيب بسهم منك أرداه
آمنت باللّهب القدسيّ مضرمه / أذكى الألوهة فينا حين أذكاه
نزيّن الروح قربانا لفتنته / و قد يضنّ فتستجدى مناياه
و لو أقام الضحايا من مصارعها / لآثرت موتها فيه ضحاياه
ألعبقرّيات وهج من لوافحه / و الشمس مجلوّة إحدى هداياه
و تلئهين بهدي من عقولهم / لو يمّموا اللّهب القدسيّ ما تاهوا
ما راعنا الدهر بالبلوى و غمرتها / لكنّنا بالإباء المرّ رعناه
إن نحمل الحزن لا شكوى و لا ملل / غدر الأحبّة حزن ما احتملناه
و ما رعانا على عصف الخطوب بنا / هوى حبيب رعيناه و نرعاه
ليت الذين و هبناهم سرائرنا / في زحمة الخطب أغلوا ما وهبناه
و لا وفاء لقلب حين نؤثره / حتى تكون رزايانا رزاياه
أشامت عند جلاّنا و ما نزلت / إلاّ على الحبّ و الإيثار جلاّه
هان و محنتي العصماء دامية / راو و من لوعتي الشمّاء سقياه
ما ضجّ في قلبه جرح فكابده / و لا ألمّ به وجد فعاناه
تضنّ باللّهفة الحرّى جوانحه / و القلب أخضبه بالنور أسخاه
فما ترشّفت إيمانا بمعبده / و لا شممت طيوبا في مصلاّه
ناء عن النّار لو طاف اللّهيب به / لوهّجت هذه الدّنيا شظاياه
قد هان حتّى سمت عنه ضغينتنا / فما حقدنا عليه بل رحمناه
يرضيه أن يتشفّى من مدامعنا / لم نبك منه و لكنّا بكيناه
حسب الأحبّة ذلاّ عار غدرهم / و حسبنا عزّة أنّا غفرناه
يهنيك أنّك في نعمى لمحنته / و أنّ غدرك قبل الدهر أشقاه
جاه خلقناه من ألوان قدرتنا / فكيف بكفر فينا من خلقناه
لو رفّ حبك في بيداء لاهبة / على الظماء رحيقا ما وردناه
حلوت طيفك عن عيني فأسلمه / إلى الدجى و إلى الإعصار مأواه
فيا لكنز شكت منه جواهره / و ضاع عن نفسه لمّا أضعناه
صحا الفؤاد الذي قطّعته مزقا / حرّى الجراح و لملمنا بقاياه
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا / كفرت به حتّى يشوق و يعذبا
و لا تحرميني جذوة بعد جذوة / فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا
و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه / تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا
هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة / فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا
و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي / على سرّه المكنون أن يتسرّبا
مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه / فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا
و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري / لآلامه ما كان أقسى و أغربا
و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه / و يرمقها نشوان هيمان معجبا
فما الحزن إلاّ كالجمال أحبّه / و أترفه ما كان أنأى و أصعبا
خيالك يا سمراء مرّ بغربتي / فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا
جلاك لعيني مقلتين و ناهدا / و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا
فصانك حبّي في الخيال كرامة / و همّ بما يهواه لكن تهيّبا
و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق / و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا
أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى / وحدت و لكن لم أجد منه مهربا
سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة / فيالك من طيف أراح و أتعبا
و خالط أجفاني على السّهد و الكرى / فكان إلى عيني من الجفن أقربا
شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا / و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبنا
و ناولني من أرز لبنان نفحة / فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا
و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها / فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا
و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة / أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا
وسيما من الأطفال لولاه لم أخف / _ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا
تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى / ليختار منها المترفات و يلعبا
و عندي كنوز من حنان و رحمة / نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا
يجور و بعض الجور حلو محبّب / و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا
و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا / من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا
و إن ناله سقم تمنّيت أنّني / فداء له كنت السقيم المعذّبا
و يوجز فيما يشتهي و كأنّه / بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا
يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا / و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا
كزغب القطا لو أنّه راح صاديا / سكبت له عيني و قلبي ليشربا
و أوثر أن يروى و يشبع ناعما / و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا
و ألثم في داج من الخطب ثغره / فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا
ينام على أشواف قلبي بمهده / حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا
و أسدل أجفاني غطاء يظلّه / و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا
و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا / و أرغب تحنانا عليه و أرهبا
فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي / كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا
تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه / زمان فراخى من جماح و أصحبا
تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا / فدلّلته جدّا و أرضيته أبا
و تخفق في قلبي قلوب عديدة / لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا
و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها / أفض بركات السلم شرقا و مغربا
و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن / كفورا و أحببه و إن كان مذنبا
و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها / إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم / و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا
و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى / و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا
و هيّئ له في كلّ قلب صبابة / و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا
و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ / رددت محيل القلب ريّان مخصبا
و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره / أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا
صليب على غمز الخطوب و عسفها / و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا
و لي صاحب أعقيته من موّدتي / و ما كان مجنون الغرور ليصحبا
غريبان لكنّي وفي و ما وفى / و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا
و با ربّ هذي مهجتي و جراحها / سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا
فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي / و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا
و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن / خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا
و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا / فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا
و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني / سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا
ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة / و أشرف من عليائه و ترقّبا
فأرخيت آلاف الستور كأنّني / أمدّ على حال من النّور غيهبا
فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى / على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا
و قد تبهر الأحزان و هي سوافر / و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا
و يا ربّ : درب الحياة سلكته / و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا
و لي وطن أكبرته عن ملامة / و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا
و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي / أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا
تنكّر لي عند المشيب و لا قلى / فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا
و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا / و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا
و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني / رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا
يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم / و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا
و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي / ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا
و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى / و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا
و أعشق برق الشام إن كان ممطرا / حنونا بسقياه و إن كان خلّبا
و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا / سنابله نشوى و أهواه مجدبا
مآرب لي في الرّبوتين و دمّر / فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا
سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا / مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا
و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما / تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا
و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه / على القبر من قلبي أريق و ذوّبا
و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه / وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا
و نضّر في حوران سهلا و شاهقا / و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا
و جلجل في أرض الجزيرة صيّب / يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا
سحائب من شرق و غرب يلمّها / من الريح راع أهوج العنف مفضبا
له البرق سوط لا تندّ غمامة / لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا
يؤلفها حينا و تطفر جفّلا / و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا
أنخن على طول السماء و عرضها / يزاحم منها المنكب الضخم منكبا
فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه / من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا
تبرّج للصحراء قبل انسكابه / فلو كان للصحراء ريق تحلّبا
و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا / و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا
و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا / و أن تتملاّه و أن تترقّبا
كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا / قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا
و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها / إليه انثنى عن دربها و تجنّبا
تعدّ ليالي هجره و سجيّة / بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا
و يبده بالسقيا على غير موعد / فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا
كذلك لطف الله في كلّ محنة / و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا
إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت / لتحسد من أترابها أو لتخطبا
و مرّت على سمر الخيام غمامة / تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا
نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا / وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا
حبت كلّ ذي روح كريم عطائها / فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا
و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت / و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا
و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا / إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا
عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا / ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا
و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها / سماء و أغناها و رشّ و كوكبا
و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا / لترضع حملانا جياعا و تحلبا
و حرّك في البيد الحياة و سرّها / فما هامد في البيد إلا توثّبا
و لا عب في حال من الرّمل ربربا / و ضاحك في غال من الوشي ربربا
و جمّع ألوان الضياء و رشّها / فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا
و أخضر بين الأيك و البحر حائرا / و أبيض بالوهج السماوي مشربا
و لونا من السّمراء صيغت فتونه / بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا
أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت / لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى
ألمّ بكفي النجوم و أنتقي / مزرّرها في باقتي و المعصّبا
دياري و أهلي بارك الله فيهما / و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا
و أقسم أنّي ما سألت بحبّها / جزاء و لا أغليت جاها و منصبا
و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى / فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا
تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل / فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا
و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا / و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا
تحمّل جرحا داميا في فؤاده / و غنّى على نأي فأشجى و أطربا
رمل سيناء قبرنا المحفور
رمل سيناء قبرنا المحفور / و على القبر منكر و نكير
كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ / فغاب الضحى و غار الزّئير
لا شهيد يرضي الصحارى و جلّى / هارب في رمالها و أسير
أيّها المستعير ألف عتاد / لأعاديك كلّ ما تستعير
هدّك الذعر لا الحديد و لا النار / و عبء على الوغى المذعور
أغرور على الفرار ؟! لقد ذاب / حياء من الغرور الغرور !
ألقلاع المحصّنات – إذا الجبن / حماها – خورنق و سدير !
لم يعان الوغى ((لواء)) و لا عانى / ((فريق)) أهوالها و ((مشير))
رتب صنعة الدواوين .. ما شارك / فيها قرّ الوغى و الهجير
و تطير النسور من زحمة النّجم / و في عشّه البغاث يطير
جبن القادة الكبار و فرّوا / و بكى للفرار جيش جسور
تركوه فوضى إلى الدور فيحاء / لقد ضمّت المساء الخدور !
هزم الحاكمون – والشعب في / الأصفاد فالحكم وحده المكسور
هزم الحاكمون لم يحزن الشعب / عليهم و لا انتخى الجمهور
يستجيرون و الكريم لدى الغمرة / يلقى الردى و لا يستجير !
لا تسل عن نميرها غوطة الشام / ألحّ الصدى و غاض النمير
و انس عطر الشام حيث يقيم / الظلم تنأى .. و لا تقيم العطور
أطبقوا .. لا ترى الضياء جفوني / فجفوني عن الضياء ستور
بعض حرّيتي السّماوات و الأنجم / و الشمس و الضحى و البدور
بعض حرّيتي الملائك و الجنّة / و الراح و الشذا و الحبور
بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ / و منه المكشوف و المستور
بعض حرّيتي و يكتحل العقل / بنور الإلهام و التفكير
بعض حرّيتي . و نحن القرابين / لمحرابها و نحن النذور
بعض حرّيتي من الصّبح أطياب / و من رقّة النسيم حرير
نحن أسرى و لو شمسنا على القيد / لما نالنا العدوّ المغير
لاقتحمنا على الغزاة لهيبا / و عبرنا و ما استحال العبور
سألوني عن الغزاة فجاوبت / : رمال تسفى و نحن الصّخور
سألوني عن الغزاة فجاوبت / : ليال تمضي و نحن الدّهور !
هل درت عدن أن مسجدها الأقصى / مكان من أهله مهجور
أين مسرى البراق و القدس و المهد / و بيت مقدّس معمور ؟
لم يرتّل قرآن أحمد فيه / و يزار المبكى و يتلى الزّبور
طوي المصحف الكريم و راحت / تتشاكى آياته و السطور
تستبى المدن و القرى هاتفات / أين .. أين الرّشيد و المنصور !
يالذلّ الإسلام . إرث أبي / حفص بديد مضيّع مغمور
يا لذلّ الإسلام : لا الجمعة الزه / راء نعمى . و لا الأذان جهير
كلّ دنيا المسلمين مناحات / و ويل لأهلها و ثبور
لبست مكّة السّواد و أبكت / مشهد المرتضى و دكّ الطور
هل درى جعفر ؟ فرفّ جناحاه / إلى المسجد الحزين يطير !
ناجت المسجد الطّهور و حنّت / سدرة المنتهى و ظلّ طهور
أين قبر الحسين ؟ قبر غريب / ! من يضمّ الغريب أو من يزور
أين آي القرآن تتلى على الجمع / و أين التهليل و التكبير ؟
أين آي الإنجيل ؟ فاح من الإنجيل / عطر و ضوّأ الكون نور
أين روما ؟ و جلّ حبر بروما / مهد عيسى يشكو و يشكو البخور
ألنصارى و المسلمون أسارى / و حبيب إلى الأسير الأسير
صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت / ! جراح كما يضوع العبير
يا لذلّ الإسلام و القدس نهب / هتكت أرضه فأين الغيور
قد تطول الأعمار لا مجد فيها / و يضمّ الأمجاد يوم قصير
من عذولي على الدّموع ؟ و في المروة / و الرّكن و الصفا لي عذير
و حرام عليّ أن ينزل البشر / بقلبي و أن يلمّ الحبور
كحلت بالثّرى الخصيب جفون / و هفت للثرى الحبيب ثغور
لا تشقّ الجيوب في محنة القدس / و لكنّها تشقّ الصدور
حبست أدمع الأباة من الخوف / و يبكي الشذا و تبكي الطيور
أنا حزن شخص يروح و يغدو / و مسائي مع الأسى و البكور
أنا حزن يمرّ في كلّ باب / سائل مثقل الخطى منهور
طردتني الأكواخ و البؤس قربى / و تعالت على شقائي القصور
يحتويني الهجير حينا و لا يرحم / أسمال فقري الزمهرير
و على الجوع و الضنى و الرّزايا / في دروبي أسير ثمّ أسير
نقلتني الصحراء حينا .. و حينا / نقلتني إلى الشعوب البحور
حاملا محنتي أجرّر أقدامي و يومي / سمح الغمام مطير
حاملا محنتي أوزّعها في / كلّ دنيا و شرّها مستطير
محنتي الغيث إن أرادوا و إلاّ / فهدير البركان و التدمير
حاملا محنة الخيام فتزورّ / وجوه عنّي و تغلق دور !
ألخيام الممزّقات و أمّ / في الزّوايا و كسرة و حصير
و فتاة أذلّها العرى و الجوع / و يلهو بالرمل طفل صغير
كلما أنّ في الخيام شريد / خجل القصر و الفراش الوثير
خجل الحاكمون شرقا و غربا / و رئيس مسيطر و وزير
هيئة للشّعوب تمعن في الذنب / و لا توبة و لا تكفير
من قوانينها المداراة للظلم / و منها التغريب و التهجير
و يقام الدستور أضحوكة الساخر / منّا و يوأد الدستور
كلّ علم يغزو النجوم و يغزو / بالمنايا الشعوب علم حقير
و الحضارات بعضهنّ بشير / يتهادى و بعضهنّ نذير
نعمات الشعوب شتّى فنعمى / حمدت ربّها و نعمى كفور
لن يعيش الغازي و في الأنفس / الحقد عليه و في النّفوس السّعير
يحرق المدن و العذارى سبايا / و صغير لذبحه و كبير
دينه الحرق و الإبادة و الحقد / و شتم الأعراض و التشهير
صوّرته التوراة بالفتك و التدمير / حتى ليفزع التصوير
من طباع الحروب كرّ و فرّ / و المجلّي هو الشجاع الصبور
ليس يبنى على الفجاءات فتح / علمي في غد هو المنشور
تنتخي للوغى سيوف معدّ / و يقوم الموتى و تمشي القبور
عربيّ فلا حماي مباح / عند حقدي و لا دمي مهدور
نحن أسرى و حين ضيم حمانا / كاد يقضي من حزنه المأسور
كلّ فرد من الرّعية عبد / و من الحكم كلّ فرد أمير
و مع الأسر نحن نستشرف الأفلاك / و الدائرات كيف تدور
نحن موتى ! و شرّ ما ابتدع الطغيان / موتى على الدّروب تسير
نحن موتى ! و إن غدونا و رحنا / و البيوت المزوّقات قبور
نحن موتى . يسرّ جار لجار / مستريبا : متى يكون النشور
بقيت سبّة الزمان على الطاغي / و يبقى لنا العلى و الضمير
سألوا عن ضناي محض تشفّ / هل يصحّ المعذّب الموتور
أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ / أن تلعن العصور العصور ؟
أمن النبل أيّها الشاتم الآباء / أن يشتم الكبير الصغير
و إذا رفّت الغصون اخضرارا / فالذي أبدع الغصون الجذور
إشتراكيّة ؟! و كنز من الدرّ / و زهو و منبر و سرير
إشتراكيّة تعاليمها : الإثراء / و الظّلم و الخنا و الفجور
إشتراكيّة ! فإنّ مرّ طاغ / صفّ جند له و دوّى نفير
كلّ وغد مصعّر الخدّ لا سابور / في زهوه و لا أردشير
يغضب القاهر المسلّح بالنّار / إذا أنّ أو شكا المقهور
ينكر الطّبع فلسفات عقول / شأنهنّ التعقيد و التعسير
كلّ شيء متمّم لسواه / ليس فينا مستأجر و أجير
بارك الله في الحنيفيّة السمحاء / فيها التسهيل و التيسير
و رقيب على الخيال .. فهل يسلم / منه المسموع و المنظور ؟
عازف عن حقائق الأمر لوّما / و كفى أن يلفّق التقرير
فيجافي أخ أخاه و يشقى / بالجواسيس زائر و مزور
لصغار النّفوس كانت صغيرات / الأماني و للخطير الخطير
يندر المجد و الدروب إلى المجد / صعاب و يكثر التزوير
علموا أنّه عسير فهابوه / و لا بدع فالنفيس عسير
محنة الحاكمين جهل و دعوى / جبن فاضح و مجد عثور
نهبوا الشعب و استباح حمى المال / جنون النعيم و التبذير
كيف يغشى الوغى و يظفر فيها / حاكم مترف و شعب فقير
مزّقوه و لن يمزّق فالشعب / عليم بما أرادوا خبير
حكموه بالنّار فالسيف مصقول / على الشعب حدّه مشهور
محنة العرب أمّة لم تهادن / فاتحيها و حاكم مأجور
هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز / باراهم و لا تيمور
قحموها على المصلّين بالنّار / فشلو يعلو و شلو يغور
أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا / و يبدو على الوجوه السّرور
فقئت أعين المصلّين تعذيبا / و ديست مناكب و صدور
ثم سيقوا إلى السّجون و لا تسأل / فسجّانها عنيف مرير
يشبع السوط من لحوم الضحايا / و تأبّى دموعهم و الزفير
مؤمن بين آلتين من الفولاذ / دام ممزّق معصور
هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات / عطر و في الأسارير نور
هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر / نعمى و جنّة و حرير
طرف اتباع أحمد في السّماوات / و طرف الطاغي كليل حسير
عبرة للطغاة مصرع طاغ / و انتقام من عادل لا يجور
ألمصلّون في حمى الله يرديهم / مدلّ بجنده مخمور
جامع شاده في حمى الله يرديهم / أمويّ معرّق منصور
لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت / - طيور و لا استبيحت و كور
مطلق النّار فيه في الجمعة الزهراء / شلو دام و عظم كسير
و الذي عذّب الأباة رأي التعذيب / حتّى استجار من لا يجير
قدماه لم تحملاه إلى الموت / فزحف على الثرى لا مسير
و خزته الحراب و هو مسوق / لرداه محطّم مجرور
و يجيل العينين في إخوة الحكم / و أين الحاني و أين النّصير ؟
كلّ فرد منهم لقتل أخيه / يصدر الرأي منه و التدبير
و إذا يذبح الرّفيق رفيق / منهم و العشير فيهم عشير
يأكل الذئب حين يردى أخوه / و يعضّ العقور كلب عقور
إرجعوا للشّعوب يا حاكميها / لن يفيد التهويل و التّغرير
صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا / وجدّت بعد الأمور أمور
لا يقود الشعوب ظلم و فقر / و سباب مكرّر مسعور
و الإذاعات ! هل تخلّعت العاهر / ؟ أم هل تقيّأ السكيّر ؟!
صارحوها .. و لا يغطّ على الصدق / ضجيج مزوّر و هدير
و اتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت / فيوم الحساب يوم عسير
يقف المتّهمان وجها لوجه / حاكم ظالم و شعب صبور
كلّ حكم له – و إن طالت / الأيّام – يومان : أوّل و أخير
كلّ طاغ – مهما استبدّ – ضعيف / كلّ شعب – مهما استكان – قدير
و هب الله بعض أسمائه / للشعب فهو القدير و هو الغفور
يبغض الظّلم ناصحيه و إنّي / لملوم في نصحكم معذور !
يشهد الله ما بقلبي حقد / شفّ قلبي كما يشفّ الغدير
و جراحي ينطفن شهدا و عطرا / أدمعي رحمة و شعري شعور
يرشف النّور من بياني فإنّ / غنّيت فهو المدلّه المخمور
و طباعي على ازدحام الرزايا / - لم ينلها التبديل و التغيير
مسلم .. كلّما سجدت لربّي / فاح من سجدتي الهدى و العبير
و مع الشيب و الكهولة قلبي / - كعهود الصّبا – بريء غرير
بي حرّيتي و إيماني السمح / فحلمي هان و جفني قرير !
لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي / في غد أيّنا هو المدحور !
هدهد همومك عندي
هدهد همومك عندي / على حيائي و صدّي
حور النعيم تمنّت / نعمى هواي و وجدي
هل عندهنّ رحيقي / و هل لديهنّ شهدي
يا ساكب الشعر خمرا / من شعر ربّك خدّي
و من معانيه عطري / و من قوافيه وردي
تأنّق الله دهرا / يعيد فيّ و يبدي
حتّى جلاني شعرا / يا حسرة الشعر بعدي!
خياله السمح ندّى / ثغري و نمنم عقدي
و قلبه كان كأسي / و جفنه كان مهدي
و الأنجم الزهر حولي / دمى للهوى و عدّي
فغارت الحور منّي / و كلّ زهو و مجد
و هبّ في روض عدن / عليّ عاصف حقد
فكان لله حكم / لشقوتي بل لسعدي
و اختار بعدي عنه / و راح يبكي لبعدي
دنياي أحلى و أغلى / من ألف جنّة خلد
أنّا الربيع المندّى / قارورة العطر نهدي
يهيم حسني بحسني / و يجتلي و يفدّي
و جنّ ثغري بريقي / و حنّ جيدي لزندي
و كلّ وشي حرير / يودّ لو لفّ قدّي
و كلّ عطر تشتهي / أن أسفح العطر وحدي
شقراء تحلم شمس ال / ضحى بخدّي و بردي
رفّت خصيلات شعري / بأشقر النور جعد
سكران تيه و دلّ / مخمور وهج و وقد
يا شاكيا زور وعدي / أحلى من الوصل وعدي
هيامنا يا حبيبي / أريد حلما لسهدي
كلّ المحبّين ملكي / و أنت وحدك نديّ
و كبرياء جمالي / تريد منك التحدّي
شقراء يا لون حسن / محبّب مستبد
و يا جمالا غريبا / على ظباء معدّ
لا وسم ليلاي فيه / و لا ملامح هندي
و لا اسمرار الغريرات / بالعقيق و نجد
ظمآن أنشد وردا / و عند عينيك وردي
يا سكرة بعد صحوي / و فتنة بعد رشدي
يا رغبة العين و القلب / بعد يأس و زهد
بيني و بينك حرب / و هول أخذ وردّ
صراع روحين فيه / عنف العدوّ الألدّ
و غزو قلب لقلب / فتح يبيد و يردي
فناء دنيا بدنيا / و طيّ بند ببند
الحبّ لا حكم شورى / لكنّه حكم فرد
فهيّئي فتنة الحسن / كلّها و استعدّي
حيّ الرئيس إذا نزلت بساحه
حيّ الرئيس إذا نزلت بساحه / رحبا تهلّل للوفود فساحا
و اقرأ له شعري ترنّح عطفه / غرر البيان وجوّد الأمداحا
و اهتف إذا هدأ النديّ و لم تجد / إلاّ الأحبّة فيه و النصّاحا
يا شارب الماء القراح بجلّق / لم يشربوا إلاّ الدّموع قراحا
عرس الشآم طغى عليه ظالم / فطوى البساط و حطّم الأقداحا
نكث العهود و راح يحمل غدرة / بلقاء فاجرة اليمين و قاحا
قل للرّئيس تحيّة من شاعر / لم يقو بالبلوى فضجّ و باحا
جليت له الدنيا و زوّق حسنها / فزوى بحرّ جبينه و أشاحا
كتم الأباة دموعهم و أذعتها / حرقا مجلجلة البيان فصاحا
و لأهتفنّ بها فأسمع فيصلا / و أحرّك المنصور و السفّاحا
و أعزّ من عبد الإله بغضبة / لحمى أميّة بالشام مباحا
أمّا لداتك بالشام فإنّهم / حملوا الإباء سلاسلا و جراحا
نزلوا السجون فعطّروا ظلماتها / أنفا و عزّا كالضحى و جماحا
يا نازلين على السجون فأصبحت / بهم أعزّ حمى و أكرم ساحا
الله يعلم ما ذكرت عهودكم / إلا انفجرت تفجّعا و نواحا
و إذا ذكرتكم شربت مدامعي / فكأنّني ثمل أعبّ الراحا
إنّي ليحملني الخيال إليكم / فأجوب فيه سباسبا و بطاحا
و أخال أنّ البدر يحمل منكم / نبأ إليّ إذا أطلّ و لاحا
و أراكم و أكاد أسمع ضجّة / للديدبان و غدوة و رواحا
حسّ أشارككم به آلامكم / و أكاد أحمل عنكم الأتراحا
شيخ العروبة في القيود إباؤه / يخفي السنين و عبئها الفضّاحا
عنف الطغاة به و يسخر كبره / بالشامتين طلاقة و مراحا
حمل القضية و السنين فياله / من منكب زحم الردى و أزاحا
و إذا ذكرت أبا رياض عادني / شجن الغريب طغى هواه فناحا
الذائد الحامي كأنّ بيانه / أي السماء تنزّلت ألواحا
يا راكب الوجناء أخمل عهدها / إبلا ظماء في الفلاة طلاحا
مرّت كلامعة البروق فهجّنت / غرر العراب الشقر و الأوضاحا
لا تعد عند اللاّذقيّة شاطئا / غزلا كضاحكة الصّبا ممراحا
نديان من أشر الصّبا و جنونه / طلق الفتون مجانة و مزاحا
بالله إن كحلت جفونك موجه / ضمّ الشراع و قبّل الملاّحا
و اسرق من الكنز المقدّس مغربا / حلو الأصيل و مشرقا لمّاحا
و انزل على خير الأبوّة رحمة / تسع الحياة و عفّة و صلاحا
يشكو السقام فإن هتفت أمامه / باسمي تهلّل وجهه و ارتاحا
و أطل حديثك يستعده تعلّلا / بالذكر لا لتزيده إيضاحا
و إذا ألحّ فللحنان عذوبة / في مقلتيه تحبّب الإلحاحا
و الثم أحبّتي الصغار و رفّها / غررا نواعم كالورود صباحا
و احمل لإخوان الجهاد تحيّة / كالروض رفّ عباهرا و أقاحا
و إذا نزلت ببانياس فحيّها / عنّي و ضمّ عبيرها الفوّاحا
و اسكب على قبر هناك معطّر / بالذكريات فؤادك الملتاحا
و أنا الوفيّ و إن نزحت و ربّما / لجّ الحنين فأتلف النزّاحا
إنّ الفراخ على نعومة ريشها / ريعت ففارق سربها الأوداحا
فتّ العدوّ بمهجتي و تركتهم / حنقا عليّ يقلّبون الرّاحا
عزم فجأت به العدى لم أستش / ر نجما عليه و لا أجلت قداحا
مالي أكافح بالبيان و إنّه / جهد المقلّ عزيمة و كفاحا
و من الغضاضة أنّني أرضى به / بعد الظماء المرهفات سلاحا
فلئن سلمت لأهتفنّ بغارة / شعواء أحكمها ظبى و رماحا
و لأشهدنّ بكل فجّ معقلا / للظلم زعزعه القضاء فطاحا
خلّوا جناحا في العراق لنسره / و تخوّفوه في الشام جناحا
و لو أنّهم خلّوا عنان جناحه / لغدا به بين النّجوم و راحا
أمّا اللواء فللعراق و ربّما / زحم الكواكب نجدة و طماحا
آسي الجراح الداميات حنانه / و هفا ورقّ طلاقة و سماحا
النازلون على العراق تفيّأوا / ظلّ العراق معطّرا نفّاحا
الله أطلع في مخائل فيصل / عند الخطوب الزّاحفات صباحا
وفاء كمزن الغوطتين كريم
وفاء كمزن الغوطتين كريم / و حبّ كنعماء الشآم قديم
و شعر كآفاق السماء تبرّجت / شموس على أنغامه و نجوم
يلمّ (شفيق) كوكبا بعد كوكب / و نسّق منها العقد فهو نظيم
معان بألوان الجمال غنيّة / كما زفّ ألوان الطيوب نسيم
و وشي كأحلام الشباب يصوغه / أنيق بأسرار البيان عليم
سقاني سلاف الشعر حتّى ترنّحت / دموع و غنّت لوعة و كلوم
ففي كلّ بيت ريقة أو سلافة / و ريحانة شاميّة و نديم
تطوّحني الأسفار شرقا و مغربا / و لكنّ قلبي بالشام مقيم
و أسمع نجواها على غير رؤية / كأنّي على طور الجلال (كليم)
و ما نال من إيماني السّمع أنّني / أصلّي لها في غربتي و أصوم
و لا نال من قدري اغتراب و عسرة / يصان و يغلي الدرّ و هو يتيم
و للمجد أعباء و لكنّها منى / و للمكرمات الغاليات هموم
و خاصمني من كنت أرجو وفاءه / و للشّمس بين النيّرات خصوم
يلاقي العظيم الحقد في كلّ أمّة / فلم ينج من حقد الطّغام عظيم
و يقذى بنور العبقريّة حاسد / و يخزى بمجد العبقريّ لئيم
و تشقى على الحقد النّفوس كما انطوت / قلوب على جمر الغضا و حلوم
و لم يدر نعماء الكرى جفن حاقد / و هل قرّ عينا بالرّقاد سليم
و يزعم أنّ الحقد يبدع نعمة / و هيهات من نعمى البنين عقيم
و ما بنيت إلاّ على الحبّ أمّة / و لا عزّ إلاّ بالحنان زعيم
هو الحبّ حتّى يكرم العدم موسر / و يأسى لأحزان الغنيّ عديم
و حتّى يريح الذّنب من حمل وزره / حنان بغفران الذّنوب زعيم
و يا ربّ قلبي ما علمت . محبّة / و عطر و وهج من سناك صميم
و آمنت حتّى لا أروم لبانة / تخالف ما تختاره و تروم
جلا نورك الدنيا لعيني وسيمة / فلم يبق حتّى في الهموم دميم
و سلّمت أمري لا من اليأس بل هوى / أصيل و إرث طاهر و أروم
فررت إلى قلبي من العقل خائفا / كما فرّ من عدوي المريض سليم
تألّه عقل أنت يا ربّ صغته / و كاد يردّ الميت و هو رميم
و ضاقت به الدنيا ففي كلّ مهجة / هواجس من كفرانه و غموم
و أبدعت هذا العقل نعمى قطافها / فنون كأطياب الهوى و علوم
ترفّ حضارات عليه وضيئة / و خير كإغداق السماء عميم
و غرّد في عدن لحورك شاعر / و غازل أسرار السماء حكيم
فما بال هذا العقل جنّ جنونه / فردّ ملاك الطّهر و هو أثيم
و زلزل منه البرّ و البحر كافر / بنعماك مرهوب الحتوف غشوم
و في كأسه عند الصّباح سلافة / و في كأسه عند المساء سموم
و يعطي المنى ما تشتهي فهو محسن / و ينهب ما أعطاه فهو غريم
تحدّاك حتّى كاد يزعم أنّه / شريك لجبّار السّماء قسيم
و حاول غزو النّيرين فردّه / عن الذروة العصماء و هو رجيم
و كفّ عنان العقل قسرا فربّما / أثير بإلحاح السّفين حليم
جلت هذه الدّنيا لعيني كنوزها / لوامع يغري برقها فأشيم
أفانين من حسن وجاه و نعمة / معادن نور كلّهنّ كريم
و وشي به الألوان حيرى كأنّها / سماء فتصحو لمحة و تغيم
و لم أتردّد و انتقيت .. و حبّها / و أحلامها ما اخترت حين تسوم
قد اختصرت دنيا بقلبي و عالم / كما اختصر العلم الشتيت رقيم
و توجز في قارورة العطر روضة / و توجز في كأس الرّحيق كروم
و أعرض إعراض الخليّ من الهوى / و بي من هواها مقعد و مقيم
و ما حيلتي إن نمّ عن نفسه الهوى / هو العطر و العطر الزكي ّ نموم
تشابهت السّمراء و الدّهر شيمة / كلا القادرين القاهرين ظلوم
و أكرمها عن كلّ لوم وأنثني / أعاتب قلبي وحده و ألوم
و لو أنّ شعري دلّل الرّيم نافرا / تلفّت يجزيني الصبابة ريم
تبادهني عند البحيرة دمّر / و روض على أفيائها و شميم
و ورق على شطّ البحيرة حوّم / و ورق على قلب الغريب تحوم
خيال جلا لي الشام حتّى إذا انطوى / تنازع قلبي عبرة و وجوم
و قرّبها ما شئت حتّى احتضنتها / و غابت بحار بيننا و تخوم
و حيّت من الرّوح الشاميّ نفحة / ولوع بأشتات الطّيوب لموم
و لاح صغاري كالفراخ و أمّهم / حنون كورقاء الغصون رؤوم
فراخ و إن طاروا و للريح ضجّة / و للرعد زأر في الدّجى و هزيم
فطرنا على حبّ البنين سجيّة / تلاقى عليها عاذر و مليم
يشبّ الفتى منهم و يبقى لرحمتي / كما كان في عينيّ و هو فطيم
و هان بنعماء الطفولة ما درى / أهادن دهر أم ألحّ خصيم
غرير يبيّن القول بل لايبينه / طفور كأطلاء الظّباء بغوم
نزعت سهام القلب لمّا خلعته / عليه و نزع المصميات أليم
و جرت على قلبي فأخفيت أنّه / مدمّى بأنواع السّهام كليم
و لولاهم ماروّضتني شكيمة / و لا لان منّي في الصّعاب شكيم
و هيهات منّي في البحيرة دمّر / و سجع بوادي الرّبوتين رخيم
إذا لاح لي وجه البحيرة قاتما / ألحّ عليه عاصف و غيوم
فوجه أديم الشام طلق منوّر / و وجه بحيرات السماء قسيم
تعلّلت لا أشكو سقاما و لا أذى / بلى كلّ ناء عن هواه سقيم
و يحزنني دوح البحيرة عاريا / و أوراقه الخضراء و هي هشيم
و أبسط كفّي أقطف الماء عابثا / كأنّ المويجات الصّغار جميم
و تلك الظلال الحاليات عواطل / على كلّ أيك وحشة و سهوم
تعرّت من الغيد الملاح و طالما / تغطّى بأسراب الملاح أديم
رسوم هوى ما استوقفت خطو عابر / كما استوقفت ركب الفلاة رسوم
و لا لثم الحصباء فيها متيّم / يشمّ الهوى من عطرها فيهيم
يجلّلها اللّيل البهيم و مثله / ضحى كالدّجى غمر السواد بهيم
و شمس الضحى خود كعاب يضمّها / لغيران من صيد الملوك حريم
يردّ و يجلى عن كوى الغيم وجهها / كما ردّ عن باب البخيل يتيم
و يشكو الضحى من هجرها متوجّعا / و يوحشه هجرانها و يضيم
تأبّت على جهد الضحى فكأنّها / من الغيد مكسال الدلال نؤوم
و ضمّ الظلام السكب ظلاّ لجاره / كأنّ الظلال المغفيات جسوم
يطارحني دوح البحيرة شجوه / كلانا معنّى بالزّمان هضيم
و أشكو له البلوى و يشكو كأنّنا / حميم يساقيه العزاء حميم
أتشكو و لكن عندك الريح و الدجى / و للجنّ من شتّى الظلال نجوم
و عندك آلاف الطّيوف حوائم / روان لأسرار البحيرة هيم
تلملم أسرار البحيرة شرّدا / و يفتنها سكب الشذا فتريم
هنا كلّ أسرار البحيرة و الرؤى / طوافر في دنيا الخفاء تهيم
هنا عرس الأطياف يفترش الدّجى / و يقعد في أحضانه و يقوم
خفاء يضجّ الصمت فيه و بلبل / تحدّى ضجيج الصمت فهو نغوم
و لفّ الخفاء الحسن حتّى شكى الهوى / و غار حرير مترف و رقوم
فدع لومه إن لم يلح لك سحره / خيالك لا سحر الخفاء ملوم
هنا ألف الأطيار و الناس رحمة / فللطير أنس فيهم و لزوم
إذا انبسطت راح فللطير فوقها / حنين إلى سمح القرى و جثوم
فيا خجلة الصحراء لم ينج جؤذر / و لا قرّ عينا بالأمان ظليم
و لم تهن بالعشّ البعيد حمامة / فصيّادها صعب المراس عزوم
شكا الطّير من ظلم الأناسيّ و اشتكت / ظباء و عشب في الفلاة نجيم
فبا ربّ لا أقوى من الطّير عشّه / و لا راع أسراب الظباء غريم
و لا أوحشت رمل الفلاة جاذر / و ورد يندّي حرّها و فغوم
و كلّ غمام مرّ في الرّمل ديمة / و كلّ كناس للظباء مديم
رمال كبرد عاطل الوشي حاكه / صناع معنّى بالبرود سؤوم
فزوّقه بالوشي غاد ورائح / و عدو جياد ضمّر و رسيم
و يا ربّ في الإنسان و الطير احتمى / بغيرك مقصوص الجناح ظليم
و صن كلّ زرع أن ينازع خصبه / هجير و ريح – لا ترقّ – حطوم
سنابل وفّت للطيور زكاتها / فحنّت إليها جنّة و نعيم
و يا ربّ تدري الشام أنّي أحبّها / و أفنى و حبّي للشام يدوم
و لي في ثراها من لداتي أعزّة / حماة إذا استخذى الشجاع قروم
تهاووا تباعا واحدا بعد واحد / عليه انفراط العقد و هو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر و انطوى / شبابهم الريّان و هو تميم
و أسرف في الذكرى لأنزح نبعها / و لكنّ نبع الذكريات جموم
إذا قلت غاضت بعد لأيّ تدفّقت / و للموج فيها كرّة و هجوم
و تسدل أحيانا شفيف لثامها / كما لثم الفجر الضحوك سديم
و في كلّ أيك لي على الشام منسك / و في كلّ دوح زمزم وحطيم
و كلّ مقام فيك حتى على الأذى / حميد و كلّ النأي عنك ذميم
حوالي الصبا إن لم تدرك عواطل / و ريح الصّبا ما لم تزرك سموم
و يا ربّ إن سبّحت و الشام قبلتي / فأنت غفور للذنوب رحيم
تهلّل عفو الله للذنب عندما / أطلّ عليه الذنب و هو وسيم
بردك فوق الخصر جار الرؤى
بردك فوق الخصر جار الرؤى / فخلفه تطفر جنّيّتان
شيطانتان اصطفتا جنّة / قد تؤنس الجنّة شيطانتان
دارت على الظمأى حميّاهما / فاللهو في الجنّة طلق العنان
يدنيهما الشوق و لم تدنوا / فهل هما نهدان أم نجمتان
تموج ألحان الصبا فيهما / كأنّما نهداك أغرودتان
عشّان لا للطّير بل للهوى عشّان / بل للمسك قاروتان
عندي طيوب لك أعددتها / عطر لباناتي و عطر البيان
رشّا على حسنك ريّاهما / فهل درى عطراي ما يفعلان
حسنك عطر العطر في جنّتي / على غناها و لبان اللبان
فاغدي على الرمل و روحي يضع / ورد و يفرش طيبه أقحوان
عيناك بحر حين أغفى انحنت / فلملمت أحلامه الضفّتان
تغفو بعينيك طيوف المنى / عيناك للأشواق أرجوحتان
قلبي و قرطاك حليفا ضنى / ألم يئن أن يتعب الخافقان
و خصلتان ارتاحتا في يدي / من الدجى المخمور مسكوبتان
شذاهما باق و إن غابتا / كأنّما فرعاك ريحانتان
تغامزين البدر في موعد / فغرت لمّا التقت الغمزتان
ينمنم الأحلام فضّيّة / و تنسج الشمس لك الأرجوان
و ملكك البدر و شمس الضحى / و ما يصوغان و ما يغزلان
قد باح جفناك بسرّ الدجى / جفناك من سرّ الدجى مترعان
تضحك عيناك و إن جدّتا / لا سحر في عينين لا تضحكان
تنطق عيناك و لم تنطقي / و قد تطيلان و قد توجزان
و لم تضيقا بمعاني الهوى / ألا تلومان ألا تتعبان
رشيقة الأحزان و القدّ . هل / ينبت في جمر الغضا غصن بان
نزلت قلبي سدرة المنتهى / ما أرز لبنان و ما الغوطتان
و بيننا قربى الشذى للشذى / ألحسن و الشعر رضيعا لبان
ترشف من نهديك إغفاءتي / كأسين قد أترعتا بنت حان
طافت بك الكأس فرنّحتها / و جنّ لمّا شمّك الزعفران
نبع الصبا المسحور يشتفّه / قلبي و السمراء و الفرقدان
نشتفّه حتّى ثمّالاته / فنحن لا نفنى و يفنى الزمان
نشتفّه حتّى يعود الصبا / و اللّمّة السوداء و العنفوان
و بيننا في ربوة سمحة / حلو السفوح الخضر حلو الرعان
و غابة يغفو الضحى عندها / و شمسها تغرب قبل الأوان
قبورنا فيها بلا وحشة / يؤنسها في الوحدة السنديان
و قبّة تحرس كنز الدجى / كأنّها في الغابة الديدبان
و النبع و القبّة في هدأة / يسرع دهر و هما وانيان
ما هزّت الدنيا أناتيهما / فتغرب الدنيا و لا يدهشان
و لوّحت من بعض أفيائنا / كفّان بالحنّاء مخضوبتان
حضنت في السمراء دنيا المنى / حين التقينا كبّر العالمان
جزنا حدودو الكون لا مشرقان / في جلوة النّور و لا مغربان
جزنا حدود الكون حتّى التقى / كلّ مغيب عندنا بالعيان
و عاد للأنجم ما ضاع من / أضوائها و اعتنق الأزهران
و اختصر الدنيا شذا مسكر / أو لهفة عذراء أو قبلتان
بحت بأسراري فعبّوا الشذى / فضّت عن الراح العتيق الدنان
نا غاب عن أعراسنا أهلنا / ألشمس و الأنجم في المهرجان
و الناس لا تعرف أحزاننا / يرثى لنا الشوق و يبكي الحنان
يرفعني الموج . إلى شاهق / و حطّني .. لا تهدأ الكفّتان
زلزلت الأمواج زلزالها / و احتضنتها دجنة من دخان
قد رجّها العاصف حتى طغى / لؤلؤها – طوع يدي و الجمان
و محنة طالت و أكرمتها / بالصبر حتّى ملّ دهر فلان
لا يقنط الحرّ و لا يشتكي / لكلّ بحر هائج شاطئان
فتّشت عن خوفي فلم ألفه / كيف أرى الخوف و أنت الأمان
قرّبنا الله ففوق الزمان / نحن مع النور و فوق المكان
يضوّئ الظلمة إيماننا / و يسكر الفجر رحيق الأذان
نحن و قلبانا و أسرارنا / شوق إلى الله و أغنيّتان
أوجهها أم بيته قبلتي / أستغفر الله فلي قبلتان
نريد جمرا لبخور الهوى / في النار هذا الجمر لا في الجنان
صلاتنا النور فمن وهجها / شعّ الضحى و أتلق النيّران
من وردنا الأفلاك تسبيحة / و الصبح و النجمة تكبيرتان
تغمزني الشمس عناق الهوى / فلفّني من فرعها خصلتان
وجهي – و لم تخدع أساريره / - و القلب مرآتان مجلوّتان
كتبت ( بسم الله ) فالطرس من / عدن ( و بسم الله ) حوريّتان
لم يعنني عسر و لا شدّة / الله و السمراء لي المستعان
عرّيت فقري عند بابيهما / و تعذّب الشكوى و يحلو الهوان
أهنيهة قطع الضحى أم جيلا
أهنيهة قطع الضحى أم جيلا / يوم العفاة لقد خلقت طويلا
ما ضرّ فجرك لو تلألأ وانيا / فلعلّها تغفو العيون قليلا
عاجلت أحلام الدّجى فطويتها / و الرّوح ترشف ثغرها المعسولا
ما كان أهنأها يلوّن سحرها / صور المنى و يرفّها تدليلا
و يثير فيهنّ الحياة شهيّة / و الحبّ أرعن و الشباب منيلا
راض الشفاه الشامسات على الهوى / فضحكن يهمسن الحوار عليلا
و حنا على بؤس العفاة فما رأوا / من عثرة إلاّ رأوه مقيلا
خلع النضارة و الشباب عليهم / و الحبّ و المتع العذاب الأولى
نعم و إن كانت تحول على الضحى / أيّ المباهج لم تكن لتحولا
تحنو على القلب الجريح فينثني / ريّان من رحماتها مطلولا
و ترفّ إن حمى الهجير غمامة / و ندى و ظلاّ في الهجير ظليلا
و تحوّل البيد الظماء خمائلا / سكرى و ربعا ضاحكا مأهولا
فكأنّها فيما تزخرف من منى / آس تحاول كفّه التجميلا
إنّ الذي خلق الحقيقة علقما / خلق المنى للواردين شمولا
تتصارعان و لا ترى إحداهما / ظفرا لتبسط حكمها و تطولا
تدعو المنى زمر القلوب و أختها / تدعو بصائر في الوغى و عقولا
و الكون بين الضرّتين مقسّم / فاشهد قبيلا يستبيح قبيلا
و اعذر على البغي القلوب فطالما / قيدت و ذلّل صعبها تذليلا
أماّ الدّجى و الفجر من أعدائه / فاقد بصرت به يخرّ جديلا
قل للحقيقة إن قسوت فربّما / فكّ الزمان أسيرك المكبولا
إن تملكي الدنيا و سرّ كنوزها / لم تملكي الأحلام و التأميلا
أفق المنى أحنى و أرحب عالما / و أحنّ أفياء و أزين سولا
صوني الكنوز عن العفاة فلا ترى / عين إلى تلك الكنوز سبيلا
و تخيّريها للقوي سلافة / و غنى و طرفا ناعسا مكحولا
و إذا شكا العافي فسوطك و اسمعي / نغم الألوهة زفرة و عويلا
و تنكّري للنائمين على الطّوى / الله قد خلق المنى لتديلا
ما كان جودك للسعادة ضامنا / صدقا و بخلك بالشقاء كفيلا
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة / فتسمّعي لجبا بها و صهيلا
و زماجرا قامت على غمّائها / من حكمك العاتي القويّ دليلا
ملكت يداك هواءها و بحارها / و الكون أجمع عرضه و الطولا
ألعلم يحكم وحده متعسّفا / لا قلب في سلطانه و ميولا
و العلم إن ملك القلوب فسمّه / وحشيّة و ادع الحضارة غيلا
و العلم إن ملك القلوب فسمّها / صخرا تنوء بعبئه محمولا
لا نبض ما خفقت به لكنّه / صوت الحديد غدا يصلّ صليلا
أمّا الأكفّ فخيرها ذو جنّة / حطمّ الرّباب و عالج الإزميلا
ألعلم سخّرها و حسب العلم أن / تزن الأمور جميعها و تكيلا
عفى على حرم الخيال و قدسه / أو ما ترى حرم الخيال أزيلا
و لقد وقفت به أناشد غائبا / قفل الخليط و ما أطاق قفولا
و بكيت _ أجزيه _ و ربّ مدامع / خفّفن كربا أو شفين غليلا
عهدي به و الشعر في أدواحه / ندّى القلوب أغانينا و هديلا
خضل العطور ترفّ أنداء المنى / فيه السرائر بكرة و أصيلا
و جلا لك الدنيا على ما تشتهي / منها يملّق حسّك المختولا
و أعاد مطويّ العصور و آدما / يحنو بأدمعه على هابيلا
منح الخلود و لا ميول و لا هوى / فأبى و آثر غربة و رحيلا
غزل يفارق من أحبّ و سرّه / أن فارق التكبير و التهليلا
تتغيّر الألوان تغمر نفسه / بالحسن لا نزرا و لا مملولا
و تبدّل الألوان نعمة خالد / لم يدر في فردوسه التبديلا
و ترى بأفياء النخيل بثينة / تحنو لتحتضن النهود جميلا
فانعم برؤية عاشقين تلاقيا / سحرا و قد هوت النجوم أفولا
و اعذر جميلا حين جنّ جنونه / فسطا و لا غزلا و لا تأهيلا
نشوان يهصرها إليه و لا يرى / إثما و يلهب عريها تقبيلا
يترشّف الثغر الشهيّ سلافة / و يرفّه كالأقحوان بليلا
و دملا و ردن على الغدير و ما اتّقت / حسناؤهنّ الشاعر الضلّيلا
حتّى إذا أخفى البرود و سامها / أمرا رأته من الحياء جليلا
عطفت تناشده العفاف و أتلعت / جيدا كلألاء الصّباح أسيلا
فأبى و تسرع نحوه عريانة / خجلى لقد حبّ الجمال خجولا
و تطالع المجنون في أسماله / شلوا بأنياب السقام أكيلا
خذلته نعماء العيون و سخّرت / للعبقريّة ذلك المخذولا
فهوى صريعا بالرمال مكفّنا / بمدامع الصبح البليل غسيلا
و فتى قريش و هو يقتل طرفه / ليرى الثريّا والها مخبولا
عبثت لتشهد منه أيّة لوعة / تجزى و أيّ هوى ملحّ تولى
و سكينة و الشعر ضيف نديّها / و الحسن يبعث شجوه فيقولا
نشوى الدلال تعبّ من خمر الهوى / سكرا و يمنعها الحياء تميلا
ملء العيون مفاتنا لكنّها / ملء القلوب علا أعزّ أثيلا
وقف العفاف يذود عن ذاك اللّمى / إلاّ المنى شرس الذياد بخيلا
و تذيع حمّتها عبيرا ربّما / أخذ الشذى القدسيّ عن جبريلا
و أبا نواس في مجالس لهوه / قسم الليالي سكرة و ذهولا
حلو الدّعاب هفا و علّل ذنبه / للآثمين فأحسن التّعليلا
حسب الحياة سافة و مهفهفا / و الباقيات من الحياة فضولا
لم يهو عزّ الحسن في خفراته / و أحبّه عند القيان ذليلا
من كلّ نافرة فإن جمّشتها / ألفيت عقد نطاقها محلولا
تأبى فيصرفه الملال و لو حنت / تبغي لبانته لكان ملولا
و ترى ابن برد و هو في نزواته / ليثا تحاماه الورى معزولا
هتك الفضائح بعد صون و انتضى / للمالكين بيانه المصقولا
فرموه بالإشراك ثمّ تلمّسوا / من حاسديه شاهدا مقبولا
حتّى إذا عزّ الشهود تمحّلوا / فرأوا شهودا في القريض عدولا
زعمته أهواء السياسة كافرا / نالله ما بالكفر راح قتيلا
متجاورين ترى بكلّ خميلة / عند الغدير خليلة و خليلا
متنادمين على السلافة أنشدوا / غرر النسيب و رتّلوا التنزيلا
سقيا لنعماء لخيال و لا رأت / عيناي ربعا من هواه محيلا
أثمت بزينته الحضارة و اقتضت / شرّ التقاضي دينها الممطولا
شوهاء تحلم بالجمال و لا ترى / إلاّ الأسى و الثكل و الترميلا
و يعدّ منطقها الضجيج تناسقا / و الحبّ علما قد أعدّ فصولا
فإذا أردت الحبّ فابغ أموره / عند الكتاب و حاذر التأويلا
و تعلّم الحرقات من صفحاته / و الدمع كيف تروضه فيسيلا
و احذق معاتبة النجوم و لومها / متوجّعا و تعمّد التطويلا
فمن الكياسة في كتابك أن ترى / بين النجوم على هواك عذولا
حرم الخيال فدى رؤاك حضارة / قد مثّلتك لتخطئ التمثيلا
هيهات حسنك من جمال خادع / غشّ العيون و احكم التضليلا
إنّي لألمح في الغيوب رسالة / و أرى وراء الغيب منك رسولا
و كتاب حقّ لا يبالي بالهوى / إن خالف المعقول و النقولا
إنجيل عيسى في الحنان و إن يكن / في غير ذاك يخالف الإنجيلا
و بيان أحمد : قوّة و عذوبة / و نهى و رأيا في الحياة جميلا
عفّى على مدنيّة صخّابة / يذر الخليّ ضجيجها مشغولا
جبّارة لا عطف في أقدارها / عجلى و ما خلق الزمان عجولا
يمنى تعدّ لك المتاع و أختها / تلد الشقاء و تخلق التنكيلا
تبني و تهدم كالحياة وربّما / غزلت لتنكث خيطها المغزولا
لا عطف يخفق في الصّدور و لا هوى / كذبتك عينك بل رأيت طلولا
و العلم ويل العلم يوم حسابه / إن كان عن نزواتها مسؤولا
هذا كتاب الغيب فيه رحمة / تسع البريّة نترفا و معيلا
غسل الوجود من الضغائن و الهوى / لتحلّ روح الله فيه حلولا
و تألّف الانساب يغمر عطفه / منها فروعا سمحة و أصولا
ساوت بساطته الشعوب فما ترى / فيها هجينا أو تعدّ أصيلا
و حنت على النفس الأثيم فابصرت / إثم النفوس على النفوس دخيلا
ولدته أخيلة الشرائع فكرة / فنما بأحضان الحضارة غولا
خلقت له الأسماء و هو كناية / و تخيّلت ألوانه تخييلا
و رمت به الإنسان في نعمائه / فتصّيدته مكبّلا مغلولا
لم ترض تعذيب الحياة فسخّرت / بعد الردى لعقابه المجهولا
فكأنّما تلك الشرائع تقتضي / عند النفوس ضغائنا و ذحولا
أهذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ
أهذي مَغاني جِلّقٍ والمعالِمُ / لكَ الخيرُ أم هل أنتَ وسنانُ حالمُ؟
بلى هذه أمُّ العواصم جلّقٌ / وهذي ليوث الغوطتين الضراغم
هنا عرشُ أقمار العُلى من أميّةٍ / هنا ارتكزتْ سُمرُ العوالي اللهاذِم
هنا النفر البيض الميامينُ للعُلى / مَلامحُ في غُرّاتهم وعلائم
هنا العَرب الأحرارُ إن قام ظالمٌ / مشوا بالقنا أو يُرجعَ الحقّ ظالم
إذا انتسبوا في ندوة المجد حلَّقتْ / بهم للعلى قيسٌ وذُهل ودارِم
سلاماً عروسَ المشرقين ولا مشتْ / بظلّ مَغانيكِ الخطوب الغواشم
خُذي قلّدي ما شئتِ جيداً ومِعصماً / من اللؤلؤ الرَّطْب الذي أنا ناظم
سليني دمي يا أمُّ أسفِكْهُ راضياً / وما أنا هيّابٌ ولا أنا نادم
تبيّنتُ في أبنائك الصِّيدِ نهضةً / سيسعد فيها عبدُ شمس وهاشم
وبشّرني بالفوز يا أمُّ أنها / على العلم تُبنى في حِماكِ الدعائم
فما للذي يُبنى على الجهل رافعٌ / ولا للذي يبنى على العلم هادم
وللبُطْل صَولاتٌ على الحقِّ جمةٌ / وتُسفِر عن فوز المحقّ الخواتم
طلاسمُ ها الذلّ دقت وإنما / تُفَكُّ بسرّ العلم هي الطلاسم
يقولون: جَدُّ اليعربيين نائم ! / لقد وهموا فالسعيُ لا الجَدُّ نائم
وما الناس إلا اثنان مهما تخالفوا / ميولاً: فمهزومٌ ضعيف وهازم
وما الحقُّ إلا للقويّ ولا العلى / لغير الذي يغشى الوغى ويصادم
فقل لضعيفٍ راح يسأل رحمةً : / رُويدَك ما للضعف في الناس راحم
تمنّى الرّكب وجهك و الصباحا
تمنّى الرّكب وجهك و الصباحا / فجنّ اللّيل من فجرين لاحا
وحنّ إلى ظلالك عبد شمس / يريح شجونه ظمأى طلاحا
حمى الله الكواكب من معدّ / وصانك بينها قمرا لياحا
و طمأن للجواري كلّ بحر / و بلّغها السعادة و النجاحا
بطاح القدس دنّسها مغير / فهل صانت كتائبنا البطاحا
و هل جبهت بحدّ السيف دعوى / كعرض القوم فاجرة وقاحا
و لم نغضب لها أيّام كانت / حمى نهبا و شعبا مستباحا
و لا صدّت سرايانا عدوا / و لا هاجت حمّيتنا كفاحا
و لا اهتزّت صوارمنا انتخاء / و لا صهلت صوافننا مراحا
نجابه باليهود دما و نارا / فنغضي لا إباء و لا طماحا
جلونا الفاتحين فلا غدوّا / نرى للفاتحين و لا رواحا
إذا انفصفت أسنّتنا وصلنا / بأيدينا الأسنّة الصفاحا
إذا خرس الفصيح فقد لقينا / من النيران ألسنة فصاحا
زماجر دكّت الطّغيان دكّا / و أخرست الزلازل و الرّياحا
و تعرف هذه الحصباء منّا / دما سكبا و هامات وراحا
و أشلاء مبعثرة تمنّت / على البيد الشقائق و الأقاحا
تتيه بها الرّمال و تصطفيها / من الفردوس ريحانا و راحا
يرفّ على خمائل غوطتيها / هوى بطل على الغمرات طاحا
فألمح في السّراب منى شهيد / تخيّل في الوغى الماء القراحا
فلا حرم الشهيد بروض عدن / على بردى غبوقا و اصطباحا
حمى دنيا أميّة أريحيّ / متين الأسر قد فرع الرّماحا
أبو حسّان إن طغت الرزايا / تحدّى الدّهر و القدر المتاحا
أشمّ الأنف أبلج سمهريّ / كأنّ على محيّاه صباحا
تمرّس بالخطوب فما شكاها / و لولا كبره لشكا وباحا
تذكّرت الشام أخاك سعدا / و من ذكر الحبيب فلا جناحا
أرقّ النّاس عاطفة و طبعا / و أعنفهم على الطّاغي جماحا
ينافح لا تروّعه المنايا / فإن شتم اللئيم فلا نفاحا
إذا بكت الشام أخاك سعدا / فقد بكت المروءة و السّماحا
زحمنا النجم منه على جناح / و فيّأنا مروءته و هوى صراحا
جراح في سريرتك اطمأنّت / لقد أكرمت بالصبر الجراحا
كأنّ الهمّ ضيفك فهو يلقى / على القسمات بشرا و ارتياحا
و قبلك ما رأت عيني هموما / مدلّلة و أحزانا ملاحا
و قد ترد الهموم على كريم / فترجع من صباحته صباحا
و يا دنيا أميّة لا تراعي / شبابك يغمر الرحب الفساحا
طلعت على العصور هدى و خيرا / غداة طلعت غزوا و اقتتاحا
و ما نبل الصّلاح على ضعيف / فبعض الذلّ تحسبه صلاحا
و علّمت الحضارة فهي فجر / على الأكوان ينساح انسياحا
و ربّ حضارة طهّرت و طابت / و ربّ حضارة ولدت سفاحا
و علّمت المروءة فهي عطر / من الفردوس يسكرنا نفاحا
و علّمت العروبة فهي عرض / لربك لن يهان و لن يباحا
أساح المجد حسبك لن تكوني / لغير شبابك المأمول ساحا
خذي ما شئت و اقترحي علينا / كرائم هذه الدنيا اقتراحا
أبا حسّان رفّ كريم ودّي / على نعماك فخرا و امتداحا
بلائي ما شهدت و ليس منّا / إذ عدّدتها غررا و ضاحا
إذا زحمتني الجلّى بروع / جمعت لها الإباء فلا براحا
و لو زحمت ثبيرا حين شدّت / عليّ لضجّ غاربه و زاحا
و أوجع من مصائبها خليل / أغار على المروءة و استباحا
يكتّم بغضه حقدا و جمرا / و يسمعني حنينا و التياحا
و يزعم كيده سرّا خفيّا / لقد جهر الزّمان به افتضاحا
تنكر و هو لو كشّفت عنه / أسفّ مجانة و هوى مزاحا
و ذلّ فلا نسمّيه عداء / و هان فلا نسمّيه نطاحا
و لو شئنا جزيناه و نرضي / شمائلنا فنوسعه سماحا
أتنكرني الشام و في فؤادي / تلقّيت الصوارم و الرماحا
إذا نسيت على الجلّى وفائي / فقد عذروا على الغدر الملاحا
و غنّيت الشام دما و ثأرا / فلا شكوى عرفت و لا نواحا
و أكرم عهدك الميمون شعري / فقلّده جواهري الصحاحا
أحببتها ساخرة كالرؤى
أحببتها ساخرة كالرؤى / مبهمة غامضة كالظنون
مجنونة و الحسن لم تكتمل / فتنته إلاّ ببعض الجنون
طروبة ضحّاكة كالصّبا / كئيبة قاتمة كالمنون
اليأس في أجفانها و المنى / و الضحك في ألحانها و الأنين
و خفّة الأيّام في ثغرها / لكن بعينيها وقار السنين
قد مزّق الفجر و لم تثنه / شفاعة الحبّ و نجوى الفتون
غلالة شفّافة عذبة / على لماها من رؤى الحالمين
تثير في قلبي شكوك الهوى / لاذعة ثمّ تريد اليقين
هيهات قلبي قد غدا كافرا / و كان فيها أوّل المؤمنين
يا صورة أبدع تكوينها / في مطلع الفجر إله الفنون
و نغمة من بعض ألحانها / همس اللّيالي و ارتعاش الغصون
و نفحة لله عطريّة / ندّية حيّا بها البائسين
و زهرة أخشى على حسنها / من خطرة الفكر و نجوى العيون
لا تخدعيني إنّني عالم / بما تبينين و ما تكتمين
أرى على خدّيك فيما أرى / بألف لون قبل العاشقين
من قبلة خائنة مرّة / و قبلة وادعة في الجبين
و قبلة حمراء مثل اللّظى / و قبلة بيضاء مثل اليقين
تأبين إلاّ محو آياتها / و هنّ يا ليلاي لا يمّحين
لا تنكري حبّك لي إنّني / أستشهد الريحان و الياسمين
و النهر إذ تنظر أمواجه / لا أستحي منها و لا تخجلين
و الأيكة الخضراء إذ أبصرت / تبذّل الحسن الشهيّ المصون
و أنّه بحت بها للدجى / فعطّر اللّيل عبير الأنين
دامية موجعة وقّعت / ألحانها يمنى الرّجيم اللّعين
سأسكب الدمعة فيها الأسى / و الشعر و الحبّ الشجيّ الحزين
لعلّني يشفع بي عندها / هذا الهوى الباكي و هذا الحنين
ها صورة أبدع تكوينها / في مطلع الفجر إله الفنون
بنور على أم القرى و بطيب
بنور على أم القرى و بطيب / غسلت فؤادي من أسى و لهيب
لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي / بحسن كأسرار السماء مهيب
و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى) / بأعبائه من لهفة و وجيب
فيا مهجتي : وادي الأمين محمد / خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا / هنا النور. فافني في هواه و ذوبي
و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم / تركت دموعي شافعا لذنوبي
و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي / و عطّر أبواب السماء نحيبي
و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا / صدى نغم من لوعة و رتوب
تلاقوا عليها من غني و معدم / و من صبية زغب الجناح و شيب
نظائر فيها : بردهم برد محرم / يضوع شذا : و القلب قلب منيب
أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا / بأفيح – من عفو الإله – رحيب
و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد / ورقّ لخوف الله كلّ صليب
و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة / خففت إليها فوق ظهر نجيب
و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته / و وقفة سقيا عند كلّ قليب
هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها / (بشبّابة) سكرى الحنين خلوب
حسبت بها جنّيّة (معبدية) / و فرّجت عن غماّئها بثقوب
و ركب عليها وسم أخفاق عيسهم / وهام تهاوت للكرى و جنوب
و ألف سراب ما كفرت بحسنها / و إن فاجأت غدرانها بنضوب
و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت / و رقّت كأخفى همسة و دبيب
و أطياف جنّ في بحار رمالها / تصارع حالي طفوة و رسوب
و تعطفني آلآرام فيها نوافر / إلى رشأ في الغوطتين ربيب
يعلّلني – و الصدق فيه سجية / بوعد مطول باللقاء كذوب
و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما / بحسن عنيف في الرّمال كئيب
و من صحب الصحراء هام بعالم / من السحر جنّي الطيوف رهيب
و للفلك الأسمى فضول لسرها / ففي كلّ نجم منه عين رقيب
أرى بخيال السّحب – خطو محمد / على مخصب من بيدها و جديب
و سمر خيام مزّق الصمت عندها / حماحم خيل بشّرت بركوب
و نارا على نجد من الرمل أوقدت / لنجدة محروم و غوث حريب
و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا / نعيم فياف و اخضلال سهوب
أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة / من الرّمل دنيا من هوى و طيوب
على كلّ نجد منه نفح ملائك / و في كلّ واد منه سرّ غيوب
توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها / و مشهدها من مشهديّ و مغيبي
ومن هذه الصحراء أنوار مرسل / و رايات منصور . و بدع خطيب
و من هذه الصحراء شعر تبرّجت / به كلّ سكرى بالدلال عروب
تعطّر في أنغامه و رحيقه / وريّاه :عطري مبسم و سبيب
ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا / فأترع أحلامي و أهرق كوبي
و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نمنمت / لنا برد ظل كالنعيم رطيب
و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه / بداهية صلب القناة أريب
شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها / و لم تشك فيه من ونى و لغوب
و صبر من الصحراء أحكمت نسجه / سموت به عن محنتي و كروبي
و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي / فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب
يرنّح شعري باللوى كلّ بانة / و يندى بشعري فيه كلّ كثيب
و لولا الجراح الداميات بمهجتي / لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي
و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي / و لا بغضه عند الجفاء نصيبي
نقلت إلى قلبي حياء و عفّة / أسارير وجهي من أسى و قطوب
و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم / كأيك – تحاماه الرّبيع – سليب
و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى / و ربّ قريب الدّار غير قريب
و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها / و قد أمنت بعد المشيب خطوبي
و كيف و ثوبي للزّمان و أهله / و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي
أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة / لغربة أهل أو لفقد حبيب
و يارب : في قلبي ندوب جديدة / تريد القرى من سالفات ندوب
يريد حسابي ظالم بعد ظالم / و ما غير جبّار السماء حسيبي
و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا / شتات قلوب لا شتات دروب
و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة / إذ لم يصاحبه صفاء قلوب
تداووا من الجلىّ بجلىّ .. و خلّفوا / وراءهم الإسلام خير طبيب
و يا رب : في الإسلام نور و رحمة / و شوق نسيب نازح لنسيب
فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت / إلى أمم مقهورة و شعوب
وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا / إليه- و إن شطّ المزار – قريبي
سجايا من الإسلام : سمح حنانها / فلا شعب عن نعمائها بغريب
و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة / و لا خير عندي في وغى و حروب
و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة / فداء لكف بالعبير خضيب
و آمنت أنّ الحب و النور واحد / و يكفر بالآلاء كلّ مريب
و لو كان في وسعي حنانا و رحمة / لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي
و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى / و صنت شبابي عنهما و مشيبي
و إنّي – و إن جاوزت هذين سالما / لأكبر لولا جود عفوك حوبي
و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي / و منك نعم لكن إليك هروبي
و أجلو عيوبي نادمات حواسرا / و أستر إلاّ في حماك عيوبي
و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر / معنى بألوان الجمال طروب
و لو شهدت حور الجنان مدامعي / ترشّفن في هول الحساب غروبي
مدحت رسول الله أرجو ثوابه / و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي
وقفت بباب الله ثمّ ببابه / وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب
صفاء على اسم الله غير مكدّر / و حب لذات الله غير مشوب
و أزهى بتظليل الغمام لأحمد / و عذب برود من يديه سروب
فإن كان سرّ الله فوق غمامة / تظلّ و ماء سائغ لشروب
ففي معجز القرآن و الدولة التي / بناها عليه مقنع للبيب
و يا رب عند القبر قبر محمد / دعاء قريح المقلتين سليب
بجمر هوى عند الحجيج لمكّة / و دمع على طهر ( المقام ) سكوب
بشوق على نغماه ضمّ جوانح / و وجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة / لقد نشبت أو آذنت بنشوب
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى / فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند / من الحبّ فوّاح الظلال عشيب
تدفقت الأمواج و اللّيل كافر / و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب
رمى اليمّ انضاء السفين بمارد / من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب
يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا / و يضغمها من هوله بنيوب
يرقّصها حينا و حينا يرجّها / و يوجز حالي هدأة و وثوب
و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها / لعوب من الأمواج جدّ لعوب
و أيقن أنضاء السفينة بالردى / يطالعهم في جيئة و ذهوب
و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم / بألوانه من صفرة و شحوب
دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف / عليهم : لقد وفّقتم بمجيب
و أسلست الرّيح القياد كأنها / نسيم هفا من شمأل و جنوب
و باده لطف الله من يمن أحمد / ببرد على عري الرّجاء – قشيب
و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها / شوارد شعر لم ترع بضريب
و ترشدها أطياب قبرك في الدجى / فتعصمها من حيرة و نكوب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها / بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي / ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر / و تكمل أسباب العلى بأديب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها / بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي / ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر / و تكمل أسباب العلى بأديب
هواجسي فيك إيمان و غالية
هواجسي فيك إيمان و غالية / و أنجم و فراش تعبد اللّهبا
و سالفات رؤى حين اشتهيت لنا / في البيد خيمتها السمراء و الكثبا
هواجس أنت دنياها و معدنها / فكيف تبدع إلاّ النّور و الطربا
النازلات على قلبي و نعمته / حورا من الأفق القدسيّ لا ريبا
المترفات و أحلاها و أملحها / طيف مع الفجر من أهدابك انسربا
روى لنا عنك ما ندّى سرائرنا / من المنى السمر إن صدقا و إن كذبا
تصوّف القلب تدليلا لساكنه / فما شكى عنت البلوى و لا عتبا
و كيف يوحش قلبي من سلافته / و قد أدرت عليه الحبّ و الأدبا
يا عذبة الثغر .. لو طاف الخيال به / قرأت في وجهك الإشفاق و الغضبا
إذا تمنّاك قلب لا نجوم به / تململ الفلك الغيران و اضطربا
يردّ حسنك أهواء النفوس تقى / و يسكب الخير و الأطياب و الشهبا
كأنّه الكعبة الزهراء ما اجترحت / منى الحجيج بها إثما و لا لعبا
غيب لحبّك من نعمى اليقين به / كأنّني كاشف عن سرّه الحجبا
بيني و بينك أنساب موثّقة / هذا اللهيب بقلبي خيرها سببا
فلو بخلت بنعماء العذاب لما / نشدت عندك إلاّ جمره أربا
لم يشهد الله قلب لا لهيب به / و يشرق الله في القلب الذي التهبا
أعيذ مؤنس روحي بعد وحشتها / أن يستردّ من النعماء ما وهبا
يا ضيعة النغم الأسمى و لوعته / إذا محى الخالق الفنّان ما كتبا
شفّعت عندك حبّي في مواجعه / و ما تمزّق من قلبي و ما سلبا
أخفيت ظلمك عن نفسي لأرحمها / ثمّ ابتدعت له الأعذار و السببا
زهوة الفتح و الشباب النّجيد
زهوة الفتح و الشباب النّجيد / من سقى الفجر من دماء الشهيد !
خضبت غرّة الصّباح فقد / نمّ عليها بالعطر و التوريد
قدر أنزل الكميّ عن السرج / و ألوى بالفارس المعدود
مصرع الشمس في الضحى هل ينال / الشمس في أفقها عثار الجدود
دم غازي ياحمرة الفجر فاسقي / و أرشفي من ضيائه و استزيدي
عرس في الجنان فالحور يطفرن / على ميعة الضياء البديد
سدرة المنتهى نعيم و أفياء / و أغرودة على أملود
و حنت فاطم تضمّ فتاها / لهفة الأمّ فوجئت بالوحيد
من رأى روعة الحنان أطلّت / من عيون و لألأت في خدود
و هفا بالنعيم غازي لبغداد / و للجند و القنا و البنود
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات / و تبقى كالدهر دنيا الرّشيد
صور للعلى القديم وضّاء / زوّقتها رؤى الخيال الشرود
صور للقديم تعرضها الدّنيا / ضياء و روعة في الجديد
هذه دجلة و هذي البساتين / و شدو القمريّة الغرّيد
و الأماسيّ و النخيل و ملاّح / طروب الحداء حلو النّشيد
و الليالي القمراء في النّهر / و الأنغام أصداء زورة و صدود
و القيان الملاح يخطرن في / الشطّ سكارى مرنّحات القدود
آهة بعد آهة من عريب / تخلق الظلّ للضحى المكدود
كلّما هلهلت صبا أو حجازا / ضاع حلم المتوّج المحسود
و جوار يمرحن في الزورق الساجي / و يضحكن عن نديّ برود
رفّ مجدافه على الماء و انساب / بأحلى معاصم و زنود
فانتشى من طيوفهنّ و جنّت / قطرات علقن بين النّهود
و القصور البيضاء و الحلم / اللذّ جلاه دخان ندّ و عود
حملته هفهافة العطر نشوان / إلى جنّة الخيال البعيد
همدت ثورة الشهيد و قرّت / يا دويّا مجلجلا في الهمود
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات / و تبقين من لدات الخلود
قصر هارون ما عهدت من الألاء / و العزّ و ازدحام الوفود
حمل التّاج مفرق الملك الطفل / و ما ناء بالجليل الشديد
تاج بغداد و الشام و لبنان / و بحر للروم طاغ عنيد
أيّها البحر ! بعض تيهك و اذكر / نسبا بيننا قديم العهود
لست للروم أنت للملك الطفل / نضار في تاجه المعقود
أيّها البحر ! أنت مهما افترقنا / ملك آبائنا و ملك الجدود
و انحنى الكون يلثم الملك الطف / ل و يفديه بالطّريف التليد
صاحب التّاج ! دمعة من دموع / الشام ذوّبت عطرها في قصيدي
و أنا الشاعر المدلّ على الدنيا / بغيب في حبّكم و شهود
هاشمي الهوى أحبّ فما دارى / و عادى على هواكم و عودي
حليت في نعيم جدّك أشعاري / و نمنمت في ذراه عقودي
حاطني بالحنان صقر قريش / و سقى دوحتي و نضّر عودي
لكم نعمة عليّ و ما كنت / لنعماء بيتكم بالجحود
فيّئ الشام باللواء و نضّر / شاطئيها بظلّك الممدود
ليس بين العراق و الشام حدّ / هدم الله ما بنوا من حدود
بايعت جدّك الشام فسلها / تتحدّث عن يومه المشهود
بيعه في رقابنا لأبي غازي / و للإبن بعده و الحفيد
قل كما قال للغمامة هارون / و في الجوّ زمزمات الرّعود
قل لها : أيّها الغمامة جودي / شاطئ الرّافدين أو لا تجودي
حوّمي ما أردت شرقا و غربا / في تجوم الكون الفسيح المديد
سترفّين مخصبا من سفوحي / أو تروّين ظامئا من نجودي
أمطري حيث شئت فالكون ملكي / و بنوه قبائلي و جنودي
لا تسلني عن الشام فقد حزّ / بجيد الشام عضّ الحديد
لوّحوا بالقيود فابتدر الموت / أباة تنمّروا للقيود
روّعوا الأمّهات في حلّك الليل / و راعوا صغراها في المهود
فتنمّر و اغضب لقومك و ارجم / بالشّهاب اللّمّاح كلّ مريد
و اغز بالجيش قبّة الفلك الدائر / و اقحم به عرين الأسود
جيشك الجيش لو تنكّر للنوم / لضاقت به جفون الرّقود
فإذا هجته ترنّحت الأعلام / و ازّيّنت لفتح جديد
و إذا هجته تلفّتت الدنيا / و همّت أفلاكها بالسجود
شقيت باليهود أرض فلسطين / و ضاقت رحابها باليهود
بنفايا الدنيا على كلّ وجه / منهم سبّة اللعين الطريد
أدب القوم بالسّياط و نزّه / سيف هارون عن دماء العبيد
بنت مروان لا تراعي و خلّي / عنك تهويل عدّة و عديد
أنت في ذمّة الوصيّ على التاج / و في ذمة المليك الوليد
أنت في ذمّة العراق و في / ذمّة أنجاده الأباة الصيد
قيل من للشآم قالت : أعزّ / العرب جارا و أومأت (للسعيد)
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا / تبارك الشعر أطيابا و ألحانا
ترنّح البان و اخضّلت شمائله / فهل سقى الشعر من صهبائه البانا
هل كنت أملك لولا عطر نعمته / قلبا على الوهج القدسيّ نديانا
أيطمع الشعر بالإحسان يغمره / و الشعر يغمر الدّنيا الله إحسانا
لو شاء عطّر هذا اللّيل غالية / و نضّر الرمل أشواقا و ريحانا
لو شاء نمنم هذا النجم قافية / و نغّم الفجر أحلاما و أوزانا
لو شاء أنزل بدر التمّ فاحتقلت / به الندامى سرجا في زوايانا
و لو سقى الشمس من أحزانه نديت / على هجير الضّحى حبّا و تحنانا
تضيع في نفسي الجلّى و قد نزلت / من كبريائي آفاقا و أكوانا
و ما رضيت بغير الله معتصما / و لا رأيت لغير الله سلطانا
و لا عكفت بقرباني على صنم / أكرمت شعري لنور الله قربانا
تبرّجت للشذى الأعلى مجامرنا / و زيّنت للهوى الأغلى خفايانا
نبع من النّور عرّانا لموجته / فكحّل النّور أجفانا و وجدانا
تفجّر الحسن في دنيا سرائرنا / هل عند ربّك من دنيا كدنيانا
حضارة الدّهر طيب من خلاعتنا / و جنّة الله عطر من خطايانا
من الغواية سلسنا هدايتنا / فكان أرشدنا للنور أغوانا
يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا / على النديّ المصفّى من حميّانا
نشارك الله _ جلّ الله _ قدرته / و لا نضيق بها خلقا و اتقانا
و أين إنسانه المصنوع من حمأ / ممّن خلقناه أطيابا و ألحانا
و لولا جلا حسنه إنسان قدرتنا / لودّ جبريل لو صغناه إنسانا
و لو غمزنا نجوم الليل مغفية / أفاق أترفها حسنا و غنّانا
ناجى على الطّور موسى والنداء لنا / فكيف أغفل موسى حين ناجانا
إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت / عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا
نطلّ من أفق الدّنيا على غدها / فنجتلي الرّاسيات الشمّ كثبانا
و ما دهتنا من الجبّار عادية / إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا
أديم حصبائنا درّ وغالية / ما أفقر النّاس للنعمى و أغنانا
و أيّ نعمى نرجّيها لدى بشر / والله قرّبنا منه وأدنانا
تبكي السّماء و تبكي حورها جزعا / للحسن و الشعر في الدّنيا إذا هانا
يا خالق القلب : أبدعنا صبابته / يا خالق الحسن : أبدعناه ألوانا
القلب قصرك زيّنا عواريه / بالحسن حينا و بالإحسان أحيانا
العاطلات من الأبهاء قد كسيت / شتّى اللّبانات أصناما و أوثانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته / فراح يغمره نعمى و أشجانا
يا سيّد القصر لولانا لما عرفت / أفياؤه الخضر سمّارا و ندمانا
يمنى السراب على الصحراء حانية / تضاحك الرّكب واحات و غدرانا
قاع البحار أضاءته عرائسنا / و ندّت العدم القاسي عذارانا
ننضّر البؤس عند البائسين مُنىً / و العقل عاطفة و الثكل إيمانا
و كلّ ذنب سوى الطغيان ننزله / على جوانحنا حبّا و غفرانا
و همّ كلّ عفاة الأرض نحمله / كأنّنا أهله همّا وحرمانا
نشارك النّاس بلواهم و إن بعدوا / و لا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّت محبّتنا الأشتات و اتّسعت / تحنو على الكون أجناسا و أديانا
سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا / أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا / و لا نعيما و لا حورا وولدانا
يفنى الجميع و يبقى الله منفردا / فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له / و سوف يشكو الخلود المرّ أبقانا
تأنّق الشعر للأعياد حالية / وقطّف الورد من عدن وحيّانا
سمح فبالريقة العذراء نادمنا / نهلا و بالشفة اللمياء عاطانا
صاغ الهلال لتاج الملك لؤلؤة / و أنجم اللّيل ياقوتا و مرجانا
يا صاحب التّاج لا تاج العراق على / كريم أمجاده بل تاج عدنانا
جبريل حوّطه بالله فانسكبت / عطور جبريل أورادا وقرآنا
لك الكنوز فتوحات منضّرة / فاغمر من الفتح يمنانا و يسرانا
سُدْتَ الغطاريف فتيانا وسادهم / أبوك في جنّة الفردوس فتيانا
تبارك الله ما أسمى شمائلكم / لكم زعامة دنيانا و أخرانا
فتحت عيني على حبّ صفا و زكا / فصنته لضياء العين إنسانا
و في ظلال أبي غازي منضّرة / مرّ الشّباب مرور الطيف عجلانا
نعمى لصقر قريش طوّقت عنقي / فكيف أوسع نعمى الله نكرانا
و حين شرّدنا الطاغي و أرخصنا / حنَّ العراق فآوانا و أغلانا
و من تقيّأ نعماء العراق رأى / بالأهل أهلا و بالجيران جيرانا
إذا العواصف جنّت فيه هدهدها / عبد الإله و أرسى الملك أركانا
نعمى الوصيّ كنعمى جدّه حليت / على ضحى النّور أفياء و أفنانا
يا صاحب التّاج دنيا الله ما عرفت / إلاّ عمائمكم في الشرق تيجانا
لم يقبل الله إلاّ في محبّتكم / يا آل فاطم إسلاما و أيمانا
غنّيت جدّك أشعاري و نحت بها / في مصرع الشمس إعوالا و إرنانا
أصفيت آل رسول الله عاطفتي / و كنت شاعركم نعمى و أحزانا
و ما رضيت جزاء عن مودّتكم / لا يعدم الحرّ أقواتا و أكفانا
أيكرم العيد شكوانا وقد نزلت / عليك يا ابن رسول الله شكوانا
ندّى شمائلنا بالذكريات كما / ندّى الخيال بنعمى الماء ظمآنا
يروعني العيد ديّانا لأمّته / من أغضب العيد حتّى صار ديّانا
تغرّب العيد في قومي وأنكرهم / على الميادين أحرارا و عبدانا
مالي أرى الشمّ في لبنان مغضية / تطامنت للرزايا شمّ لبنانا
لا صيد غسّان و الهيجاء ضارية / على السروج و لا أقيال مروانا
و أكرم العيد عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
قد استردّ السبايا كلّ منهزم / لم تبق في رقّها إلاّ سبايانا
دم بتونس لم يثأر له و دم / بالقدس هان على الأيّام لا هانا
و ما لمحت سياط الظلم دامية / إلاّ عرفت عليها لحم أسرانا
و لا نموت على حدّ الظبى أنفا / حتّى لقد خجلت منّا منايانا
لو يعلم البدر في شعبان محنتنا / لما أطلّ حياء بدر شعبانا
لو كان يعلم قتلانا بكت مزق / على الصحاصح من أشلاء قتلانا
تهلهلت أمتّي حتّى غدت أمما / وزوّر الوطن المسلوب أوطانا
و قد عرفت الرزايا و هي منجبة / فكيف لم تلد الجلّى رزايانا
كفرت بالحسب السّامي إلى مضر / أستغفر المجد إنكارا و كفرانا
تطوى القبور على الموتى فتسترهم / وفي القصور وفي السلطان موتانا
دعوا الجراح لوهج النّار سافرة / فالجرح يقتل إنكارا وكتمانا
ذلّ الدّهاء أكاذيبا مزوّقة / فكان أكذبنا بالقول أدهانا
ثارات يعرب ظمأى في مصارعها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
يا وحشة الثأر لم ينهد له أحد / فاستنجد الثأر أجداثا و أكفانا
أفدي شمائل قومي ثورة ولظى / و عاصفا زحم الدّنيا و بركانا
من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا / أدهرنا حال أم حالت سجايانا
هي الكؤوس ولكن أين نشوتنا / و هي الحروف و لكن أين معنانا
ما للرمال الصوادي لا نبات بها / و تنبت المجد هنديّا و مرّانا
عبدت فيها إله الشمس منتقما / معذبا و إله اللّيل رحمانا
اللّيل يخلق فيها الحور مترفة / و تخلق الشمس جنّانا و غيلانا
على الرّمال طيوف من كتائبنا / نشوى الفتوح و نفح من سرايانا
لابن الوليد على كثبانها عبق / سقى الهجير من الذكرى فندّانا
و في النسيم على الصحراء نرشفه / طيب المثنّى على رايات شيبانا
يا فيصلا في يمين الله تحسده / بيض الظبى هاشميّ الفتح ريّانا
يا فيصلا في يمين الله منسكبا / كجدّه المرتضى يمنا و إيمانا
يا فيصلا و حنت في الخلد فاطمة / تودّ لو قبّلت خدّا و أجفانا
يا فيصلا و انتخت كبرا صوارمنا / و زغردت باسمك الحالي صبايانا
يا فيصلا و رنا نجم لصاحبه / يقول : فيصل أحلانا و أسمانا
كتائب الله من فهر و إخوته / فعطّر المجد ميدانا فميدانا
لواء عدنان أنت اليوم صاحبه / فاقحم به الشرق : هذا الشرق دنيانا
ما في االعراق و لا في الشام موعدنا / على الثنيّة من حطّين لقيانا
أدموعا تريدها أم رحيقا
أدموعا تريدها أم رحيقا / لا ونعماك ما عرفت العقوقا
تتجلّى عند المغيب لعيني / ضياء عذب الحنان رفيقا
و جلاك الشروق حتّى تبيّنت / محيّاك فاحتضنت الشروقا
و تزور البروق تخبرني عنك / و لولاك ما استزرت البروقا
كلّ حسن أرى محيّاك فيه / فأطيل الإمعان و التحديقا
طرق الطيف بعد أن غاب وهنا / أنت أحلى من النعيم طروقا
مرّ في وحشتي نعيما و أنسا / و محا أدمعي رحيما شفيقا
كلّما غبت عنه و غاب عنّي / لاح في خاطري وسيما أنيقا
إن رعى صحبتي و أوردها الصفو / فقد كان بالمعالي خليقا
نم بقلبي و لو قدرت منعت ال / قلب حتّى تقرّ فيه الخفوقا
نم بقلبي و حرمة لك لن / تسمع منّي تأوّها و شهيقا
نم بعيني فقد فرشت لك الأحلام / مخضلّة الورود طريقا
نم بعيني إذا اصطفيت رؤاها / همّ عيني أن تصطفى و تروقا
زيّن الجفن دمعه لك فانهل / سلافا عذبا و مسكا فتيقا
إنّ قلبي خميلة تنبت الأحزان / وردا و نرجسا و شقيقا
لو على الصّخر نهلة من جراحي / راح مخضوضل الظلال و ريقا
همّي الهمّ لو تكشّف للنّاس / لأغرى حسنا و راع بريقا
أترع الكأس للرّبيع فغنّى / و انتشى بانه فماس رشيقا
نجمتي و الطريق تيه و ليل / و رفيقي إذا فقدت الرفيقا
إنّ بعض الأحزان يخطب بالمجد / و بعض يشرى رقيقا
من جراح الضّحى سنى أريحيّ / نضّر الكائنات حين هريقا
أنا و الهمّ كلّما أقبل الهمّ / مشوق يلقى أخاه المشوقا
أيّها الناعمان في الغفوة النشوى / أفيقا على الصّباح أفيقا
سكر الشعر من سلافي و عبّت / من دناني فجنّت الموسيقا
وحدتي عالم من السّحر و الفتنة / حلو القطاف خمرا و ريقا
و أديم يغفو ثراه على العطر / و يغريه عنبرا مسحوقا
طف بقلبي تجد به ألف دنيا / لا يلاقي الشقيق فيها الشقيقا
سكنته الشموس من كلّ أفق / و تحدّى أشتاتها أن يضيقا
حفي الفكر في عوالمها الفيح / و لم يبلغ المكان السّحيقا
كلّ أفق تضيق فيه أسيرا / سعة الأفق أن تكون طليقا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين / سمّوا بحقّنا و وثوقا
فالأصيل العتيق يأنف شوطا / لم يشاهد فيه أصيلا عتيقا
ذلّ شوط يكون بين البراذين / فلا سابقا و لا مسبوقا
لم تحمحم تختال بالحسن و القوّة / بل حمحمت تريد العليقا
ما نزلنا عن السروج عياء / لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
و لنا السبق فامسحوا غرر / الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا
أيّها الزاعمون أنّا فرقنا / صائد الليث لا يكون فروقا
كيف يرمى بالخوف من زحم / الأسد و أعيا أنيابها و الحلوقا
أنكرونا يشهد حطيم قيود / و سمت منكم رقابا و سوقا
سدّة الحكم بعد آساد خفّان / تضمّ الأحلاف شاء و نوقا
أبطر الحاقدين حلم أبي حسّان / و الحلم أن تقيل الصديقا
جحدوا فضله و لا لوم عندي / إنّ فضل الرئيس ضلّ الطريقا
إنّ نعمى الكريم دين على / الحرّ و تجزى من اللئيم عقوقا
نامت الشام فاستغلّوا كراها / موعد الهول بيننا أن تفيقا
لا أغالي بلومها فهي حسناء / تحبّ الدّلال و التلميقا
إنّ عنف العتاب يؤذي أحبّا ي / و أحلاه ما يكون رقيقا
جمرة الحقد في السرائر لولا / ذلّ أصحابها لشبّت حريقا
قد أرقدنا دمائنا فسلوه / أيّ دمع من مقلتيه أريقا
حمّلوه ما لا يطيق و كانت / بدعة تخجل العلى أن تطيقا
دعك من زحمة العواصف و اترك / للعقاب السماء و التحليقا
خلق الله للعظائم و المجد / فريقا و للصّغار فريقا
يا زعيمي عند الدّعاء ولو شئت / لناديت في الزّعيم الصّديقا
كيف تغفو ألم تر الشام في / النزع و تشهد لواءها المخنوقا
مزّق القبر فالشآم تناديك / وتبكي مكانك المرموقا
مزّق القب فالجلاء يتيم / بدّدوا إرثه و غالوا الحقوقا
ألسّري العريق هان على / الدّهر كأنّ لم يكن سريّا عريقا
من راى في السّقام سعدا رأى / الفجر وديع السّنا وسيما طليقا
يتنزّى و لا يطيق وثوبا / حسرة الشّمس لا تطيق الشروقا
سألوا يوم سبقه كيف جلّى / من سجاياه أن يكون سبوقا
راودتك الدّنيا على الحسن / و الجاه فكنت المبرّأ الصدّيقا
سألتني عنك الخمائل في الغوطة / تشتاق عطرك المرموقا
و دروب خضر عليها خطى / الشاء تعيد التغريب و التشريقا
و ظلال سكرى و فوضى من الزّهر / تحدّى جمالها التنسيقا
ما تبرّجن للعيون فغالي / الحسن يأبى الإغراء و التشويقا
ودّت الورق لو خلعن من الحزن / عليك البياض و التطويقا
تيّمت قلبك الطبيعة / بالحسن بريئا معطّرا موثوقا
كرّم الله دنهّا و الندامى / و صبوحا على الهوى و غبوقا
للنّبي ّ الإشراق من حسنها / السمح و أرضى منه الخفيّ الدقيقا
حملت قوسها فهيّأت قلبي / و ترّقبت سهمها المرشوقا
مر أرنّح عطفيك بالشّعر / من عيني و قلبي منمنما منسوقا
حضريّ الخيال إن ذكر المنبت / سمّى نجدا و سمّى العقيقا
عندي الكنز لا يضير غناه / أن يكون المنهوب و المسروقا
و كؤوس من السماء تشهّت / حور رضوان عطرها و الرّحيقا
عاب كأسي و لم يذق عطر كأسي / لا تعبها بالله حتّى تذوقا
يا صحيح الإخاء قد كشف النّاس / إخاء مموّها ممذوقا
أتمنّى اللّحاق فيك و أشكو / للقضاء التأخير و التعويقا
لا تسلها فلن تجيب الطلول
لا تسلها فلن تجيب الطلول / ألمغاوير مثخن أو قتيل
موحشات يطوف في صمتها / الدّهر فللدّهر وحشة و ذهول
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي / فلثرى وحده الحبيب الخليل
و سقوني على الفراق دموعي / كيف يروي من الجحيم الغليل
خيّمت وحشو الفراغ على / الأحياء فالقبر وحده المأهول
في الثرى من أحبّتي ولداتي / ظفر أبلج و فتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللّبانات / و طاف الرجاء و التأميل
و تهبّ القبول تحمل أشواقي / فهل رشّت الطيوب القبول
الدي نال جبهة اللّيث في / غمر الضّحى ناله جبان ذليل
يا أخا الفتكة الصراح كأنّ / الشمس من فوق فرعها إكليل
لم تفاجئ بها عدوّا فقد / أنذر منها زماجر و صهيل
و زحوف على العدو كما تخبط / بالعاصف المرنّ السيول
ألف هيجاء خضتها لم تجدّلك / أحقا أنت الصريع الجديل
سيفك السيف لا يخاتل في / الروع وزكّاه أنّه المختول
و إذا النّصر كان عارا فأرضى / للمروءات أنّك المخذول
لقطاف الوغى شمائل كالنّاس / فنصر وغد و نصر نبيل
هتف الهاتفون : أين رياض / فانتخى في الثرى حسام صقيل
و بكت أمّة و أجهش تاريخ / و ناح القرآن و الإنجيل
يا لستّين في الكفاح طوال / حاليات و كلّ جلّى تطول
من راه يخرّ في فجأة الغدر / رأى الرّاسيات كيف تميل
إنّ موت العظيم محنة التاريخ / و دنيا تفنى و كون يزول
إنّ سيفا أرداك غدرا و حقدا / لهو بين الظبى دعيّ دخيل
لم يذد في الوغى عدوّا و لم / يهززه في الرّوع ساعد مفتول
مغمد في معارك الحقّ ناب / و على الحقّ مصلت مصقول
شاهت العرب تحت كلّ سماء / حين أغضت و شلوك المأكول
يا لذلّ العلى فهل هجع الثأر / و طاح الدم الزكيّ الطليل
عقر الله بعد فارسها الخيل / و لا عطّر الفتوح االصهيل
ينكر الشوط نفسه حين تجري / عاريات من الكمأة الخيول
ما لأمجادنا و ما لعبيد / الأساطير مجدهم و الطلول
بئس قوميّة يؤرّخها / الظنّ و يبني أحسابها التأويل
كيف تسمو بين الشعوب / ثمالات شعوب و عابرون فلول
أبغضونا على العروبة و الفت / ح و يلقى عند الهجين الأصيل
و سبايا الفتوح لا بدع إن / هرّ على الفتح حقدها و الذحول
نحن كون لا كائنان ضعيفان / ألحّ الهوى و تم ّالوصول
سالف الشرق ملك قحطان / و اليوم لقحطان و الغد المأمول
و له هذه الجبال المنيفات / و تلك الرّبى و هذي السهول
و السماوات و الكواكب في الشرق / لقحطان موطن و قبيل
و النبوّات و الفنون و ملك / في شباب الدّنيا عريض طويل
أريحيّ تكاد نورق بالنعمى / لأعدائه القنا و النصول
قد ورثنا البحار من عبد شمس / و عليها الغزاة و الأسطول
أرز لبنان أيكة في ذرانا / و الفراتان ماؤنا و النيل
و رياحيننا على تونس الخضراء / خضراء أين منها الذبول
ما شكت جرحها على البعد إلاّ / رفّ قلبي على الجراح يسيل
و لثمت الجراح فهي ثغور / يشتهى عطورها التقبيل
هادرات بخطبة المجد بتراء / و يؤذي البلاغة التطويل
حلف القيد أنّه من نضار / كلّ قيد على الرّقاب ثقيل
يا صديد الجراح بوركت طيبا / يتملّى ريّاه جيل فجيل
كلّ روض في الشرق من / دم آبائي مندّى معطّر مطلول
و لبناتهم على كلّ صحراء / غدير صاف و ظلّ ظليل
حيث يحنو الصفصاف نعمى / على الواني و يبكي على الشهيد النخيل
كلّ تكبيرة على الرّمل نفح / و عبير سكب و أيك بليل
ذكر الله فالهجير شفاه / قانيات و الليل طرف كحيل
لفّني و الدّجى على هذه الصح / راء سحر منمنم مجهول
لفّني و الدّجى فأفنت كلينا / سعة من جلاله و شمول
أيّ سرّ نريد في الكون / و الكون معنّى بسرّنا مشغول
تلك واحاتها الظليلة / و الظلّ غريب على الرّمال نزيل
زهرات السّماء حيّا بها / قومي من الحور في السماء رسول
فعلى كلّ نهلة من شذاها / شفّة عندم و خدّ أسيل
و حنين إلى السماء كما حنّ / إلى نعمة الشفاء العليل
ربّ روحي طليقة في سماواتك / و الجسم موثّق مغلول
بعد الفرق بين روحي و جسمي / جسدي آثم و روحي بتول
أنت يل ربّ غاية و إلى / الغاية أنت الهدى و أنت السبيل
لك حبّي و منك حبّي فهل / يعطي من السائل الكريم المنيل
لك حبّي فهل لفقري إذا / أهدى إلى كنزك الغنيّ قبول
عبراتي عبادة و ابتهال / و شهيقي التكبير و التهليل
و صلاتي تأمّل و مناجاتي / خشوع و زقزقتي ترتيل
و بلائي أنّ النعيم الذي / أرجو نعيم مسوّف ممطول
لم يضع في الظلام نورك عن / قلبي فقلبي إلى سناك الدليل
معدن الخير و الجمال المصفّى / وجهك الخيّر الكريم الجميل
و أنا السائل الملحّ و يجلو / وحشة الذلّ أنّك المسؤول
و بيمناي ألف كنز عطاياك / و ما في يديّ إلاّ القليل
ربّ ! نعماك أن تنضّر قلبي / بمحيّاك فهو صاد محيل
ربّ ! قلبي زيّنته لحميّاك / فمر تنسكب بقلبي الشمول
هيّئت في سريرتي لك ربّي / سدرة المنتهى و طاب النّزول
جوهر القلب و هو إبداع كفّيك / على ما به كريم أصيل
و بقلبي رضوان يهفو لمرآك / و ندّى سريرتي جبريل
يا لدات الشباب لو ينفع الدم / ع جزتكم مدامعي و العويل
و كهولا أبلت شبابهم الجلّى / فهم في الصبا الوسيم كهول
روّعت سربنا المنايا و أمّ / المجد في الغوطتين أمّ ثكول
راع قلبي الرّحيل حتّى تولّيتم / فأشهى المنى إليّ الرّحيل
لوعتي – و الثرى يهال عليكم / - كوفائي مقيمة لا تحول
لوعة الحرّ حين أفرده الدّهر / فمن يتّقيه حين يصول
و أناجي قبوركم أعذب النج / وى و أشكو معاتبا و أطيل
و كأنّ القبور تسمع شكواي / .. و تدري حصباؤها ما أقول
عيّروا بالفلول بيض ظبانا / من قراع الزمان هذي الفلول
و إذا السيف كلّ من هبره الهام / فقد شرّف السيوف الكليل
الدجى عذر منكرينا ز تخفى / غرر الخيل في الدّجى و الحجول
ذلّ مجد لم ينتسب لكفاح / فهو مجد رثّ المعالي هزيل
غوطة الشام هل شجاك بيان / من قريضي كأنّه التنزيل
و عتاب كالجمر صنتك عنه / جزعا أن ينال منك عذول
كلّ مجد يفنى و يبقى لشعري / شرف باذخ و مجد أثيل
غوطة الشام منك صدّ و حرم / ان و منّا العطاء و التنويل
ألذي شرّدته عنك المعالي / آب و هو المكفّن المحمول
غربة في العلى و ينأى عن / الغمد فيبلى المهنّد المسلول
مثخن بالجراح يهفو إلى / الأمّ فأين الترحيب و التأهيل
ربّ فنح ترويه للدّهر / أشلاء قناة و صارم مفلول
ضنّت الشام بالوفاء علينا / طلعة سمحة و ودّ بخيل
أيسر الجهد أن تضجّي و تشكي / قد يرجّ الطغيان قال و قيل
و اعذري الهامسين خوفا فما يهدر / عند الصّيال إلاّ الفحول
لامنا الأّئمون في حبّ حسناء / ملول و كلّ نعمى ملول
لا تحاسب أخا هوى في هواه / كلّ ثغر على الهوى معسول
أيّ بدع في ثورة من محبّ / قد يثور المقيّد المكبول
لك منّي الهوى كما رنّح الفجر / نسيم في غوطتيك عليل
يا رفاقي بكيت فيكم شبابي / كلّ عيش بعد الشباب فضول
من تملّى بقلبه الضاحك الهاني / فقلبي الممزّق المتبول
أين سعد و عادل و رياض / ما لركب الرّدى المجدّ قفول
و نجيب و أين منّي نجيب / غال قومي من المنيّة غول
كيف أغفى أبو رياض و حقّي / في الشام المضيّع المخذول
و تلاقيتم على البعد في قلبي / فلا روّع اللدات رحيل
حال بيني و بين دنياي أنّي / بكم في سريرتي مشغول
و أراكم حتّى لأسأل نفسي / أيقين رؤاي أم تخييل
بوركت نعمة الخيال و يرضيني / خداع الخيال و التعليل
أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع / فهل يسعد الطلاح الأصيل
أين أين الرّعيل من أهل بدر / طوي الفتح و استبيح الرعيل
كافور قد جنّ الزّمان
كافور قد جنّ الزّمان / و إليك آل الصولجان
خجل السّرير من الدّعيّ / و كاد يبكي الأرجوان
أين الأهلّة و الكواكب / و الشوامخ و الرّعان
الهاشميّون انطووا / و أميّة كانوا فبانوا
كافور جمّع حول عرشك / كلّ من حقدوا و هانوا
مجد البغيّ تعاف بهرجه / المخدّرة الرزان
حرّك دماك فإن أردت / قسوا و إن آثرت لانوا
الخاضعون لما تشاء / و ما دروه و ما استبانوا
النّاعمون على اليهود / على رعيّتك الخشان
للعفّ تخوين بدولتهم / و للصّ ائتمان
أشبعت بالخطب الجياع / فكل هادرة خوان
حفل السماط و من / فرائدك الموائد و الجفان
خطب الرئيس هي الكرامة / و العلى و هي الضمان
هي للجياع الطيبات / و للعراة الطيلسان
هي للعفاة النازحين / لبانة و هوى و حان
خطب مصبّغة و تعرف من / مباذلها القيان
من كلّ عاهرة و تحلف / أنّها الخود الحصان
إلحن و كرّر ما تشاء / فإنّها الخطب الحسان
و إذا رطنت فإنّها / عرباء خالصة هجان
كافور قد عنت الوجوه / فكيف لا يعنو البيان ؟
الفكر من صرعى هواك / و من ضحاياك الحنان
يغني الشام عن الكرامة / و النعيم المهرجان
حشدت لطلعتك الجموع / فهوّن الخبر العيان
هتفوا فبين شفاههم / و قلوبهم حرب عوان
غرثى و يتخم من لحوم / الأبرياء الخيزران
عضّت ظهورهم السياط / فكلّ سوط أفعوان
الرّاكعون السّاجدون عنوا / لك و المناهل و الجنان
القاطفون كرومهم / و لك السلافة و الدنان
الحاضنون شقاءهم / و لك المتارف و اللّيان
الظامئون و يومهم / شرس الهواجر إضحيان
المالكون قبورهم لمّا / عصفت بهم فحانوا
لك عذرة العرس الحزين / فما تعز و لا تصان
و لك الظلال فبعض / جودك أن يفيّئهم مكان
و دماؤهم لك و البنون / فما الأباطح و الرّعان
و لك العبادة لا لغيرك / و التشهّد و الأذان
كافور أنت خلقتهم كونوا / هتفت بهم فكانوا
كافور من بعض الإماء / زبيدة و الخيزران
مروان عبد من عبيد / لا يزان و لا .. يشان
للسّوط جبهته إذا / استعلى و للقيد البنان
يا مكرم الغرباء و العرب / محتقر ... مهان
تاريخ قومي في يديك / يدان حسبك ما يدان
زوّرته وسطا على / الأقداس أرعن ألعبان
ما عفّ في الموتى هواه / و لا الضمير و لا اللّسان
يا عبقري الظّلم فيه / لك ابتداع و افتنان
نحن العبيد فلا تحرّكنا / الضغينة و اللعان
لا الفقر يلهب في جوانحنا / الإباء و لا الهوان
فاسجن و عذّب و استبح / حرماتنا و لك الأمان
همدت حميّتنا على / الجلىّ و مات العنفوان
من رقّ فتحك حازنا / سيف و أحرزنا سنان
و الذلّ أطياب العبيد / فما البخور و ما اللّبان
و الظلم من طبع الجبان / و كلّ طاغية جبان
يا أيّها الصنم المدلّ فما / مناه و ما المدان
إن الّهوك فربّما فضح / الألوهة ثعلبان
بأبي السّهول جمالها كرم / و نعمتها اختزان
المذهبات كما تموّج / في الضّياء الزعفران
عهدي بها أخت الرّبيع / و للمهور بها إران
تلك المروج شذا / وأفياء وساجعة وبان
و سنابل للطّير ينقذها / فينفرط الجمان
و ثغاء ماشية و يصهل / في مراعيها حصان
لا خصبها غبّ و لا سقيا / غمامتها دهان
زهراء تجذب كلّ أرض / و هي مخصبة عوان
وشي الغمام فما الطنافس / و الحرير و أصفهان
سلمت جباتك قطننا عاف / و حنطتنا و الهيلمان
سلمت جباتك لا الخماص / من الشياه و لا السمان
أغلى من الفرسِ الجوادِ / و لا شمات به العنان
لا الزرع يضحك في المروج / و لا يضوع الأقحوان
خرس البلابل و الجداول / دلّه الشكوى حزان
الضارعات إلى السماء / و لا تجاب و لا تعان
كالأمهات الثّاكلات / فعزّ شم واحتضان
وأد الهجير بناتهنّ / فكل روض صحصحان
بين السماء و بينها / ثدي الأمومة واللبان
نسيت أمومتها السماء / فما يلمّ بها حنان
أممزّقّ الأرحام لا يبنى / على الحقد الكيان
غرّب و شرّق في هواك / و خن فمثلهم يخان
واغز الكواكب بالغرور / فأنت منصور معان
بالخطبة العصماء تقتحم / المعاقل والقنان
و الشتم من آلات نصرك / لا الضراب و لا الطّعان
و لك الفتوح المعلمات / و من بشائرها عمان
كافور طاغية و في / بعض المشاهد بهلوان
من أنت في الحلبات / تقحمها إذا احتدم الرّهان
فضح الهجين بشوطه / لؤم المنابت و الحران
من أنت ؟ لا المجد الأصيل / و لا شمائله اللّدان
لا العبقرية فيك مشرقة / و لا الخلق الحسان
لا الفكر مؤتنف العطور / و لا البيان و لا الجنان
لا السرّ عندك أريحي / المكرمات و لا العلان
من أنت ؟ إن ذكر العظام / ورنّح الدّنيا افتنان
من أنت ؟ .. لولا صوبة / الطّغيان أنت إذن فلان
كافور عرشك للفناء / و ربّما آن الأوان
الخالدان و لا أعد / الشمس شعري و الزّمان
يا وردتي أين الشذى و النّدى
يا وردتي أين الشذى و النّدى / يا كبدي أين الهوى و الحنين
يا روحي الثكلى ألم تأخذي / عن ربّة الألحان أين الأنين
يا أمّ أحلامي و أمّ المنى / في فجرها أين قبرت البنين
لمحت في كأسي و قد شعشعت / طيف الأماني و الهوى و السنين
و ذكرياتي و هي عريانة / تبدو و تخفى بين حين و حين
و تلك حسناء بلون الضحى / و تلك شوهاء بلون الدّجون
يقفزن في كأسي فلا أنثني / عن خمرة الكأس و لا ينثنين
هذا جنون النفس في سكرها / و العقل من خدّام هذا الجنون
جارتي الحسناء ثرثارة / سكرى الهوى نشوى الصبى و الفتون
رأيت من أحزانها ما اختفى / و دقّ حتّى ما تراه الظنون
كلّ الأسى الصاخب يا جارتي / فداء حزن صامت في العيون
هاتي من الأحزان ما شئته / لا يفهم الأحزان غير الحزين
يا جارتي الحسناء هل تعلمين / يا جارتي ليتك لا تعلمين

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025