القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 265
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا / وسرت قصدك لا خبّاً و لا مَذَقا
وما وجدت إلى لقياك منعطفا / إلا إليك ولا ألفيت مفتَرَقاً
كنت الطريق إلى هاوٍ تنازعه / نفس تسدّ عليه دونَها الطُّرُقا
و كان قلبي إلى رؤياك باصرتي / حتى اتهمت عليك العينَ والحدقا
شممت تربك أستاف الصبا مرحا / والشمل مؤتلفاً والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا / لكن كمن يتشهّى وجه من عَشِقا
قالوا دمشق وبغداد فقلت هما / فجر على الغد من أمسيهما انبثقا
ما تعجبون أمِن مهدين قد جمعا / أم توأمين على عهديهما اتفقا
أم صامدين يرُبّان المصير معا / حبّاً ويقتسمان الأمن والفَرَقا
يهدهدان لساناً واحداً ودماً / صنواً ومعتقداً حراً ومنطلقا
أقسمت بالأمة استوصى بها قدر / خيراً ولاءم منها الخَلْقَ والخُلُقا
من قال أن ليس من معنى للفظتها / بلا دمشق وبغداد فقد صدقا
فلا رَعى الله يوماً دسّ بينهما / وقيعةً ورعى يوميهما ووقى
يا جِلَّقَ الشام والأعوامُ تجمع لي / سبعاً وسبعين ما التاما ولا افترقا
ما كان لي منهما يومان عشتهما / إلا وبالسؤر من كأسيهما شَرَقا
يعاودان نفاراً كلما اصطحبا / وينسيان هوى كانا قد اغتبقا
ورحت أطفو على موجيهما قلقاً / أكاد أحسد مرءاً فيهما غرقا
يا للشباب يغار الحلم من شِرَةٍ / به وتحسد فيه الحِنكَةُ النَّزَقا
وللبساطة ما أغلى كنائزَها / قارونُ يُرخِصُ فيها التبرَ والورِقا
تلم كأسي ومن أهوى وخاطرتي / وما تجيش وبيتَ الشعر والوَرَقا
أيام نعكف بالحسنى على سمر / نساقط اللغو فيه كيفما اتفقا
إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا / بما تفتق من أنسامها عَبَقا
إذ تسقط الهامةُ الإصباح يرقصنا / وقاسِيونُ علينا ينشر الشفقا
نرعى الأصيل لداجي الليل يسلمنا / ومن كوى خَفِراتٍ نرقُبُ الغسقا
ومن كوى خفرات تستجد رؤى / نشوانة عن رؤى مملولة نسقا
آهٍ على الحُلْوِ في مرٍّ نغَصُّ به / تفطَّرا عَسلًا في السم واصطفقا
يا جلق الشام إنا خلقة عجب / لم يدر ما سرها إلا الذي خلقا
معذبون وجنات النعيم بنا / وعاطشون ونَمْري الجَوْنةَ الغَدَقا
وزاحفون بأجسام نوابضها / تستام ذَروةَ عِلِّيينَ مرتَفَقا
إنا لنخنق في الأعناق غربتنا / حتى تمورَ على أحداقِنا حُرُقا
نغني الحياة ونستغني كأن لنا / رأد الضحى غلة والصبح والفلقا
يا جلق الشام كم من مطمح خلس / للمرء في غفلة من دهره سرقا
وآخر سلّ من أنياب ذي لبد / وآخرٍ تحت أقدام له سحقا
دامٍ صراع أخي شجوٍ وما خلقا / من الهموم تعنّيه وما اختلقا
يسعى إلى مطمح حانت ولادته / في حين يحمل شلواً مطمحاً شنقا
حران حيران أقوى في مصامدة / على السكوت وخير منه إن نطقا
كذاك كل الذين استودعوا مثُلاً / كذاك كل الذين استرهنوا غلقا
كذاك كان وما ينفك ذو كلف / بمن تعبد في الدنيا أو انعتقا
دمشق عشتك ريعاناً وخافقة / ولمّة والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي / ثلج ووجهي عظم كاد أو عرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة / دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
تموّجين ظلال الذكريات هوى / وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
فخراً دمشق تقاسمنا مراهقة / واليوم نقتسم الآلام والرهقا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت / سبائك الذهب الغالي فما احترقا
على المدى والعروق الطهر يرفدنا / نسغ الحياة بديلاً عن دم هرقا
وعند أعوادك الخضراءِ بهجتُها / كالسِّنديانة مهما اسَّاقطتْ ورقا
يا حافظ العهد يا طلاع ألوية / تناهبت حلبات العز مستبقا
تزلزلت تحته أرض فما صعقا / وازخرفت حوله دنيا فما انزلقا
ألقى بزقومها الموبي لمرتخصٍ / وعاف للمتهاوي وردها الطَّرَقا
ياحاضن الفكر خلاقاً كأن به / من نسج زهر الربا موشيَّةً أَنَقا
لك القوافي وما وشَّت مطارِفُها / تُهدى وما استن مهديها وما اعتلقا
يا سيّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُولا
يا سيّدي أَسْعِفْ فَمِي لِيَقُولا / في عيدِ مولدِكَ الجميلِ جميلا
أَسْعِفْ فَمِي يُطْلِعْكَ حُرّاً ناطِفَاً / عَسَلاً وليسَ مُدَاهِنَاً مَعْسُولا
يا أيّها المَلِكُ الأَجَلُّ مكانةً / بين الملوكِ ويا أَعَزُّ قَبِيلا
يا ابنَ الهواشِمِ من قُرَيشٍ أَسْلَفُوا / جِيلاً بِمَدْرَجَةِ الفَخَارِ فَجِيلا
نَسَلُوكَ فَحْلاً عَنْ فُحُولٍ قَدَّموا / أَبَدَاً شَهِيدَ كَرَامَةٍ وقَتِيلا
للهِ دَرُّكَ من مَهِيبٍ وَادِعٍ / نَسْرٍ يُطَارِحُهُ الحَمَامُ هَدِيلا
يُدْنِي البعيدَ إلى القريبِ سَمَاحَةً / ويُؤلِّفُ الميئوسَ والمأمُولا
يا مُلْهَمَاً جَابَ الحياةَ مُسَائِلاً / عَنْها وعَمَّا أَلْهَمَتْ مَسْؤُولا
يُهْدِيهِ ضَوْءُ العبقريِّ كأنَّهُ / يَسْتَلُّ منها سِرَّهَا المجهولا
يَرْقَى الجبالَ مَصَاعِبَاً تَرْقَى بهِ / ويَعَافُ للمُتَحَدِّرينَ سُهولا
ويُقَلِّبُ الدُّنيا الغَرُورَ فلا يَرَى / فيها الذي يُجْدِي الغُرُورَ فَتِيلا
يا مُبْرِئَ العِلَلَ الجِسَامَ بطِبّهِ / تَأْبَى المروءةُ أنْ تَكُونَ عَلِيلا
أنا في صَمِيمِ الضَّارِعينَ لربِّهِمْ / ألاّ يُرِيكَ كَرِيهةً وجَفِيلا
والضَّارِعَاتُ مَعِي مَصَائِرُ أُمَّةٍ / ألاّ يَعُودَ بها العَزِيزُ ذَلِيلا
فلقد أَنَرْتَ طريقَهَا وضَرَبْتَهُ / مَثَلاً شَرُودَاً يُرْشِدُ الضلِّيلا
وأَشَعْتَ فيها الرأيَ لا مُتَهَيِّبَاً / حَرَجَاً ولا مُتَرَجِّيَاً تَهْلِيلا
يا سَيِّدي ومِنَ الضَّمِيرِ رِسَالَةٌ / يَمْشِي إليكَ بها الضَّمِيرُ عَجُولا
حُجَجٌ مَضَتْ وأُعِيدُهُ في هَاشِمٍ / قَوْلاً نَبِيلاً يَسْتَمِيحُ نَبِيلا
يا ابنَ الذينَ تَنَزَّلَتْ بِبُيُوتِهِمْ / سُوَرُ الكِتَابِ ورُتّلَتْ تَرْتِيلا
الحَامِلِينَ مِنَ الأَمَانَةِ ثِقْلَهَا / لا مُصْعِرِينَ ولا أَصَاغِرَ مِيلا
والطَّامِسِينَ من الجهالَةِ غَيْهَبَاً / والمُطْلِعِينَ مِنَ النُّهَى قِنْدِيلا
والجَاعِلينَ بُيوتَهُمْ وقُبورَهُمْ / للسَّائِلينَ عَنِ الكِرَامِ دِلِيلا
شَدَّتْ عُرُوقَكَ من كَرَائِمِ هاشِمٍ / بِيضٌ نَمَيْنَ خَديجةً وبَتُولا
وحَنَتْ عَلَيْكَ من الجُدُودِ ذُؤابَةٌ / رَعَتِ الحُسَيْنَ وجَعْفَراً وعَقِيلا
هذي قُبُورُ بَنِي أَبِيكَ ودُورُهُمْ / يَمْلأنَ عُرْضَاً في الحِجَازِ وطُولا
مَا كَانَ حَجُّ الشَّافِعِينَ إليهِمُ / في المَشْرِقَيْنِ طَفَالَةً وفُضُولا
حُبُّ الأُلَى سَكَنُوا الدِّيَارَ يَشُفُّهُمْ / فَيُعَاوِدُونَ طُلُولَها تَقْبِيلا
يا ابنَ النَبِيّ وللمُلُوكِ رِسَالَةٌ / مَنْ حَقَّهَا بالعَدْلِ كَانَ رَسُولا
قَسَمَاً بِمَنْ أَوْلاكَ أوْفَى نِعْمَةٍ / مِنْ شَعْبِكَ التَّمْجِيدَ والتأهِيلا
أَني شَفَيْتُ بِقُرْبِ مَجْدِكَ سَاعَةً / من لَهْفَةِ القَلْبِ المَشُوقِ غَلِيلا
وأَبَيْتَ شَأْنَ ذَوِيكَ إلاّ مِنَّةً / لَيْسَتْ تُبَارِحُ رَبْعَكَ المَأْهُولا
فوَسَمْتَني شَرَفَاً وكَيْدَ حَوَاسِدٍ / بِهِمَا أَعَزَّ الفَاضِلُ المَفْضُولا
ولسوفَ تَعْرِفُ بعدَها يا سيّدي / أَنِّي أُجَازِي بالجَمِيلِ جَمِيلا
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ / لَيفوحُ من أردانِكُمْ ويطيبُ
ومنَ الربيعِ نضارةٌ بوجوهكم / تَنْدىَ ومن شهدِ الحياةِ ضَريبُ
ومنَ الفُتوّةِ سَلْسَلٌ متحدرٌ / مما يفيضُ يكادُ يُترَعُ كوبُ
وَلأنتُمُ إن غاب نجمٌ يُقتدى / أو حُمَّ خَطبٌ حالِكٌ غِرْبيب
وتأزمت كُرَبٌ وضاقت خطّةٌ / واستوحشتْ طرقٌ لنا ودُروب
سُرُجٌ تنير الخابطين وأنْجُمٌ / نغدو على أضوائها وَنَؤُوب
تتجهّمُ الدُّنيا ويعبسُ باسمٌ / منها ويعتوِرُ الحياةَ قُطُوب
حتى إذا ابتسمَ الشبابُ تذَوَّبَتْ / كالغيمِ في الصّحوِ الجميلِ يذوب
يا عاكفينَ على الدُّروس كأنَّهُم / غُلْبُ الصُّقورِ من الظَماء تلوب
والعازفين عن اللذائذِ همُّهمْ / جَرَسٌ يُدقُّ ومِنبرٌ وخطيب
تركوا مواعيدَ الحِسانِ وعندَهُم / بين المقاعدِ مَوْعدٌ مَضروب
أشهى من الوجهِ الجميلِ إليهمُ / وجهُ الكتابِ وَوُدُّهُ المخطوب
إن العراقَ بلا نصيرٍ منكم / وبلا مُجيرٍ مُقفِرٌ وجديب
عاشت سواعدُكُم فهن ضوامنٌ / أن يُسْتَرَدَّ من الحقوقِ سليب
وَزَكتْ عواطِفُكُمْ فأَيةُ ثروةٍ / منها نكافيءُ مُخلِصاً ونُثيب
وَلأْنتُمُ أنْتُمْ وليس سواكمُ / أملُ البلادِ وذُخْرُها المطلوب
وَلأْنتُمُ إذ لا ضمائرَ تُرْتَجَى / للرافدَيْن ضمائرٌ وقلوب
ولأنتُمُ إن شوّشتْ صفحاتِنا / مما أُجِدَّ نقائصٌ وذُنوب
الطّاهرونَ كأنهمْ ماءُ السّما / لم يَلْتَصِقْ دَرَنٌّ بِهِمْ وعيوب
إنّا وقد جُزْنا المَدَى وتقاربتْ / آجالُنا وأمضّنا التجريب
وتحالفتْ أطوارُنا وتمازَجَتْ / ونبا بنا التَقريعُ والتأنيب
وتخاذَلَتْ خُطواتُنا من فَرْط ما / جَدَّ السُّرى والشدُّ والتقريب
لنَراكُمُ المثلَ العليَّ لأمّةٍ / ترمي إلى أهدافها وتُصيب
هي أُمّةٌ لم تحتضن آمالها / وغداً إلى أحضانِكُمْ ستؤوب
وغداً يُكفَّرُ والدٌ عما جنى / ظلماً على يدِ إبنه ويتوب
فتماسكوا فغدٌ قريبٌ فَجْرُهُ / منكم وكلُّ مُؤمَّلٍ لَقَريب
وِتَطلّعوا يُنِرِ الطريقَ أمامَكم / قَبَسٌ يشعُّ منارهُ مَشبوب
وتحالفوا أنْ لا يُفّرِقَ بينكم / غاوٍ .ولا يَنْدسَّ فيكُمْ ذيب
وتذكّروا المستعمرينَ فانَّهُمْ / سَوْطٌ على هذي البلادِ وحُوب
فتفهمّوا إنَّ العراق بخيره / وثرائه لطَغامِهِمْ منهوب
وتميزوا فهناك وجهٌ سافرٌ / منهمْ وآخرُ بالخنا محجوب
وسويّة في خِزيّةٍ مستعمرٌ / أو مَنْ يُقيمُ مقامَه ويُنيب
إياكُمُ أنْ تُخدعوا بنجاحكم / فيما هو المقروءُ والمكتوب
أو تَحْسَبوُا أن الطريقَ كعهدِكم / بين الصفوفِ " معبّدٌ " ورحيب
ان الحياة سيبلوَنَّ جهادَكم / منها نجاحٌ مرهِقٌ ورسوب
ومُسَهَّدينَ جزاهُمُ عن ليلِهِمْ / اللهُ والتعليمُ والتدريب
أضناهُمُ تعبٌ وخيرُ مجاهدٍ / مُضنى يُعَبِّئُ أمّةً " متعوب "
أأُخيَّ " عبودٌ " ولستَ بمُعوِزٍ / مدحاً ولكنَّ الجُحودَ مَعيب
إن كان مسَّك و الحسينَ كلالةٌ / أو كان نالكما عناً ولُغُوب
فلأنتما والشاعرون سويةٌ / كالشمع يَهدي غيرَه ويذوب
أُلاء غرسُكما فهل مِنْ غارسٍ / يزكو كهذا غرسُه ويَطيب
وهلِ الخلودُ ألَذُّ مما أنتما / فيه وأمرُ الخالدينَ عجيب
لا يحسبون وجودَهم ووجودُهم / قبلَ الوجودِ وفوقه محسوب
لا درّ درّك من ربوع ديار
لا درّ درّك من ربوع ديار / قُرْبُ المزار بها كُبعْد مزار
يهفو الدّوار برأس من يشتاقها / ويصابُ وهو يخافها بدوار
لكأن طَيفكِ إذ يطوف بجنةٍ / غّناء يمسخها بسوح قفار
لا درّ درّكِ عرية غطى بها / من لعنة التاريخ شرُّ دثار
واستامها فلك النحوس وشوّهت / مما يدوّرُ دورة ُ الأقمار
عشرون قرناً وهي تسحب فوقها / بدم ٍ ذيول مواكب الأحرار
لم يْرو ِ فيها (الراقدين) على النهي / وعلى النبوغ غليل حقد وار
هوت الحضارة فوقها عربية ً / وتفردت (آشورُ) بالآثار
ومشت لوادي(عبقر ٍ) فتكفَّلت / بعذاب كل مدوّخ ٍ قهار
بابن المقفع ِ وابن قدوس / وبا لحلاّج والموحى له بشَّار
وبمالئ الدنيا وشاغل أهلها / وبأيما فلك لها دوّار
بأبي(مُحَسَّدَ ) وهي تقطع صلبه / لم يدري عارٌ مثل هذا العار
ديست رؤوس الخيريين وعُطّرت / أقدام فجّار ِ بها أشرار
وتُنوهبت مِزقاً لكل مُخنثٍ / أوصال فحل ٍ خالق هدّار
لا كنت من حجر ٍ(تبغدد) حوله / عّبادُ أصنام ٍ به أحجار
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ / أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِدُ
قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها / رأْيٌ بتعليلِ مَجْراها ومُعْتَقَدُ
أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ / ماذا يُخَبِّي لهم في دَفَّتَيْهِ غَدُ
طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ / ولا تَزالُ على ما كانتِ العُقَدُ
ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَة ٌ / فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَتْ / ولا العجوزُ على الكَفَّيْنِ تَعْتَمِدُ
وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ نَصَفَاً / أعمارُهُنَّ ولم يُخْصَصْ بها أحدُ
حُيِّيتِ (أمَّ فُرَاتٍ) إنَّ والدةًً / بمثلِ ما انجبتْ تُكْنى بما تَلِدُ
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِهَا / بُدَّاً وإنْ قامَ سَدّاً بيننا اللَّحدُ
بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَةٌ / بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسدُ
عَزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً / رَجعتُ منهُ لحرَّ الدمعِ أَبْتَرِدُ
خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُني / وبانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِدُ
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني / ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَرِدُ
كما تَفجَّر عيناً ثرةًً حَجَرُ / قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِدُ
إنَّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بهِ / ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا
مُدي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يَدُ / لا بُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نَتَّحِدُ
كُنَّا كشِقَّيْنِ وافى واحِدا ً قَدَرٌ / وأمرُ ثانيهما مِن أمرهِ صَدَدُ
ناجيتُ قَبْرَكِ أستوحي غياهِبَهُ / عنْ حالِ ضَيْفٍ عليه مُعْجَلاً يَفِدُ
وردَّدَتْ قَفْرَة ٌ في القلب ِ قاحِلة ٌ / صَدى الذي يَبتغي وِرْدَاً فلا يَجِدُ
ولفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبهَهُ / بِجَعْدِ شَعْرِكِ حولَ الوجهِ يَنْعَقِدُ
ألقيتُ رأسيَ في طَّياتِهِ فَزِعَاً / نَظِير صُنْعيَ إذ آسى وأُفْتَأدُ
أيّامَ إنْ ضاقَ صدري أستريحُ إلى / صَدْرٍ هو الدهرُ ما وفّى وما يَعِدُ
لا يُوحِشُ اللهُ رَبْعَاً تَنْزِلينَ بهِ / أظُنُّ قبرَكِ رَوْضَاً نورُهُ يَقِدُ
وأنَّ رَوْحَكِ رُوحٌ تأنَسِينَ بها / إذا تململَ مَيْتٌ رُوحُهُ نَكَدُ
كُنَّا كنَبْتَةِ رَيْحَانٍ تَخَطَّمَها / صِرٌّ فأوراقُها مَنْزُوعَة ٌ بَدَدُ
غَطَّى جناحاكِ أطفالي فكُنْتِ لَهُمْ / ثَغْرَاً إذا استيقظوا عَيْنَاً إذا رَقَدوا
شَتَّى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها / فهل يكونُ وفاءً أنّني كَمِدُ
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ / لهُ مَحلاً ولا خُبْثٌ ولا حَسَدُ
ولم تَكُنْ ضرَّةً غَيْرَى لجارتِها / تُلوى لخيرٍ يُواتيها وتُضْطَهَدُ
ولا تَذِلُّ لِخَطْبٍ حُمَّ نازِلُهُ / ولا يُصَعِّرُ منها المالُ والوَلَدُ
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ / واللهِ لو كانَ خيرٌ أبْطَأَتْ بُرُدُ
ضاقتْ مرابِعُ لُبنان بما رَحُبَتْ / عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُدُ
تلكَ التي رَقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها / أيامَ كُنّا وكانتْ عِيشَةٌ رَغَدُ
سوداءُ تَنْفُخُ عن ذكرى تُحَرِّقُني / حتَّى كأنّي على رَيْعَانِهَا حَرِدُ
واللهِ لم يَحْلُ لي مَغْدَىً ومُنْتَقَلٌ / لما نُعِيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَدُ
أين المَفَرُّ وما فيها يُطَارِدُني / والذكرياتُ طَرِيَّاً عُودُها جُدُدُ
أألظلالُ التي كانَتْ تُفَيِّئُنَا / أمِ الهِضَابُ أمِ الماءُ الذي نَرِدُ
أمْ أنتِ ماثِلَة ٌ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ / لنا ومِنْ ثَمَّ مُرْتَاحٌ ومُتَّسَدُ
سُرْعَانَ ما حالَتِ الرؤيا وما اختلفتْ / رُؤَىً ولا طالَ- إلا ساعة ً- أَمَدُ
مَرَرْتُ بالحَوْر ِ والأعراسُ تملأهُ / وعُدْتُ وهو كمَثْوَى الجانِّ ِ يَرْتَعِدُ
مُنَىً - وأتْعِسْ بها- أن لا يكونَ على / توديعِهَا وهي في تابوتِها رَصَدُ
لعلنِي قَارِئٌ في حُرِّ صَفْحَتِهَا / أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِدُ
وسَامِعٌ لَفْظَةً منها تُقَرِّظُني / أمْ أنَّهَا - ومعاذَ اللهِ - تَنْتَقِدُ
ولاقِطٌ نَظْرَةً عَجْلَى يكونُ بها / لي في الحَيَاةِ وما أَلْقَى بِهَا سَنَدُ
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي / حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ
نامي فإنْ لم تشبَعِي / مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ
نامي على زَبَدِ الوعود / يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ / في جُنْحِ الظلامِ
تَتَنَوَّري قُرْصَ الرغيفِ / كَدَوْرةِ البدرِ التمامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِساحَ / مُبَلَّطَاتٍ بالرُّخَامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَوْمُ / المرءِ في الكُرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَنَا / نامي على حَدِّ الحُسَام
نامي إلى يَوْمِ النشورِ / ويومَ يُؤْذَنُ بالقِيَامِ
نامي على المستنقعاتِ / تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
زَخَّارة ً بشذا الأقَاحِ / يَمدُّهُ نَفْحُ الخُزَامِ
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ / كأنَّهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي على هذي الطبيعةِ / لم تُحَلَّ به ميامي
نامي فقد أضفى العَرَاءُ / عليكِ أثوابَ الغرامِ
نامي على حُلُمِ الحواصدِ / عارياتٍ للحِزَامِ
متراقِصَاتٍ والسِّيَاط ُ / تَجِدُّ عَزْفَاً رْتِزَامِ
وتغازلي والنَّاعِمَات / الزاحفاتِ من الهوامِ
نامي على مَهْدِ الأذى / وتوسَّدِي خَدَّ الرَّغَامِ
وا;ستفرِشِي صُمَّ الحَصَى / وَتَلَحَّفي ظُلَلَ الغَمَامِ
نامي فقد أنهى مُجِيعُ / الشَّعْبِ أيَّامَ الصِّيَامِ
نامي فقد غنَّى إلهُ / الحَرْبِ ألْحَانَ السَّلامِ
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي / الفَجْرُ آذَنَ بانْصِرامِ
والشمسُ لنْ تُؤذيكِ بَعْدُ / بما تَوَهَّج من ضِرَامِ
والنورُ لَنْ يُعْمِي! جُفوناً / قد جُبِلْنَ على الظلامِ
نامي كعهدِكِ بالكَرَى / وبلُطْفِهِ من عَهْدِ حَامِ
نامي.. غَدٌ يسقيكِ من / عَسَلٍ وخَمْرٍ ألْفَ جَامِ
أجرَ الذليلِ وبردَ أفئدةٍ / إلى العليا ظَوَامِي
نامي وسيري في منامِكِ / ما استطعتِ إلى الأمامِ
نامي على تلك العِظَاتِ / الغُرِّ من ذاك الإمامِ
يُوصِيكِ أن لا تطعمي / من مالِ رَبِّكِ في حُطَامِ
يُوصِيكِ أنْ تَدَعي المبا / هِجَ واللذائذَ لِلئامِ
وتُعَوِّضِي عن كلِّ ذلكَ / بالسجودِ وبالقيامِ
نامي على الخُطَبِ الطِّوَالِ / من الغطارفةِ العِظَامِ
نامي يُسَاقَطْ رِزْقُكِ المو / عودُ فوقك بانتظامِ
نامي على تلكَ المباهجِ / لم تَدَعْ سَهْمَاً لِرَامِي
لم تُبْقِ من نُقلٍ يسرُّكِ / لم تَجِئْهُ .. ومن إدَامِ
بَنَتِ البيوتَ وَفَجَّرَتْ / جُرْدَ الصحارى والموامي
نامي تَطُفْ حُورُ الجِنَانِ / عليكِ منها بالمُدَامِ
نامي على البَرَصِ المُبَيَّضِ / من سوادِكِ والجُذَامِ
نامي فكَفُّ اللهِ تغسلُ / عنكِ أدرانَ السَّقَامِ
نامي فحِرْزُ المؤمنينَ / يَذُبُّ عنكِ على الدَّوَامِ
نامي فما الدُّنيا سوى جسرٍ! / على نَكَدٍ مُقَامِ
نامي ولا تتجادلي / القولُ ما قالتْ حَذَامِ
نامي على المجدِ القديمِ / وفوقَ كومٍ من عِظَامِ
تيهي بأشباهِ العصامِيّينَ! / منكِ على عِصَامِ
الرافعينَ الهَامَ من جُثَثٍ / فَرَشْتِ لَهُمْ وهَامِ
والواحمينَ ومن دمائِكِ / يرتوي شَرَهُ الوِحَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ ما / حَمَلَ المُؤَرِّخُ من وِسَامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / بُرِّئْتِ من عَيْبٍ وذَامِ
نامي فإنَّ الوحدةَ العصماءَ / تطلُبُ أنْ تنامي
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي / النومُ مِن نِعَمِ السلام
تتوحَّدُ الأحزابُ فيه / ويُتَّقَى خَطَرُ الصِدامِ
تَهْدَا الجموعُ بهِ وتَستغني / الصُّفوفُ عَنِ انقسامِ
إنَّ الحماقةَ أنْ تَشُقِّي / بالنُهوضِ عصا الوئامِ
والطَّيْشُ أن لا تَلْجَئِي / مِن حاكِمِيكِ إلى احتكامِ
النفسُ كالفَرَسِ الجَمُوحِ / وعَقْلُها مثلُ اللجامِ
نامي فإنَّ صلاحَ أمرٍ / فاسدٍ في أن تنامي
والعُرْوَةُ الوثقى إذا استيقَظْ / تِ تُؤذِنُ بانفصام
نامي وإلا فالصُّفوفُ / تَؤُول منكِ إلى انقِسامِ
نامي فنومُكِ فِتْنَة ٌ / إيقاظُها شرُّ الأثامِ
هل غيرُ أنْ تَتَيَقَّظِي / فتُعَاوِدِي كَرَّ الخِصامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / لا تقطعي رِزْقَ الأنامِ
لا تقطعي رزقَ المُتَاجِرِ / والمُهَنْدِسِ والمُحَامِي
نامي تُرِيحِي الحاكمينَ / من اشتباكٍ والتحَامِ
نامي تُوَقَّ بكِ الصَّحَافَةُ / من شُكُوكٍ واتِّهَامِ
يَحْمَدْ لكِ القانونُ صُنْ / عَ مُطَاوِعٍ سَلِسِ الخُطَامِ
خَلِّ الهُمَامَ! بنومِكِ / يَتَّقِي شَرَّ الهُمَامِ
وتَجَنَّبِي الشُّبُهَاتِ في / وَعْيٍ سَيُوصَمُ اجْتِرَامِ
نامي فجِلْدُكِ لا يُطِيقُ / إذا صَحَا وَقْعَ السِّهَامِ
نامي وخَلِّي الناهضينَ / لوحدِهِمْ هَدَفَ الرَّوَامِي
نامي وخَلِّي اللائمينَ / فما يُضِيرُكِ أن تُلامِي!
نامي فجدرانُ السُّجُونِ / تَعِجُّ بالموتِ الزُّؤَامِ
ولأنتِ أحوجُ بعدَ أتعابِ / الرُّضُوخِ إلى جِمَامِ
نامي يُرَحْ بمنامِكِ الزُّ / عَمَاءُ! من داءِ عُقَام
نامي فحقُّكِ لن يَضِيعَ / ولستِ غُفْلاً كالسَّوَامِ
إن الرُّعَاةَ! الساهرينَ / سيمنعونَكِ أنْ تُضَامِي
نامي على جَوْرٍ كما / حُمِلَ الرَّضِيعُ على الفِطَامِ
وَقَعي على البلوى كما / وَقَعَ الحُسامُ! على الحُسامِ
نامي على جَيْشٍ مِنَ / الآلامِ محتشدٍ لُهَامِ
أعطي القيادةَ للقضاءِ / وحَكِّمِيهِ في الزِّمَامِ
واستسلمي للحادثاتِ / المشفقاتِ على النِّيَامِ
إنَّ التيقظَ - لو علمتِ- / طليعةُ الموتِ الزؤامِ
والوَعْيُ سَيْفٌ يُبْتَلَى / يومَ التَّقَارُعِ انْثِلامِ
نامي شَذَاةَ الطُّهْرِ نامي / يا دُرَّةً بينَ الرُّكَامِ
يا نبتةَ البلوى ويا / ورداً ترعرعَ في اهتضامِ
يا حُرَّةً لم تَدْرِ ما / معنى اضطغانٍ وانتقامِ!
يا شُعْلَةَ النُّورِ التي / تُعْشِي العُيُونَ بلا اضطرامِ!
سُبحانَ رَبِّكِ صُورةً / تزهو على الصُّوَرِ الوِسَامِ
إذْ تَخْتَفِينَ بلا اهتمامٍ / أو تُسْفِرينَ بلا لِثَامِ
إذْ تَحْمِلِينَ الشرَّ صا / برةً مِنَ الهُوجِ الطَّغامِ
بُوركْتِ من شَفْعٍ فإنْ / نزلَ البلاءُ فمن تُؤَامِ
كم تصمُدِينَ على العِتَابِ / وتَسْخَرينَ من الملامِ!
سُبحانَ ربِّكِ صورةً / هي والخطوبُ على انسجامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / النومُ أَرْعَى للذِّمَامِ
والنومُ أَدْعَى للنُزُولِ / على السَّكِينَةِ والنِّظَامِ
نامي فإنَّكِ في الشَّدائدِ / تَخْلُصِينَ من الزِّحَامِ
نامي جياعَ الشَّعْبِ لا / تُعْنَيْ بِسَقْطٍ من كلامي
نامي فما كانَ القَصِيدُ / سوى خُرَيْزٍ في نظامِ
نامي فقد حُبَّ العَمَاءُ / عَنِ المساوىء والتَّعَامِي
نامي فبئسَ مَطَامِعُ الوا / عِينَ! من سَيْفٍ كَهَامِ
نامي: إليكِ تحيّتِي / وعليكِ نائمةً سلامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي / حَرَسَتْكِ آلهةُ الطعامِ
فِدَاءً لمثواكَ من مَضْجَعِ
فِدَاءً لمثواكَ من مَضْجَعِ / تَنَوَّرَ بالأبلَجِ الأروَعِ
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنانِ / رُوْحَاً ومن مِسْكِها أَضْوَعِ
وَرَعْيَاً ليومِكَ يومِ الطُّفوف / وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْرَعِ
وحُزْناً عليكَ بِحَبْسِ النفوس / على نَهْجِكَ النَّيِّرِ المَهْيَعِ
وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال / بما أنتَ تأباهُ مِنْ مُبْدَعِ
فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ / فَذَّاً إلى الآنَ لم يُشْفَعِ
ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ / للاهينَ عن غَدِهِمْ قُنَّعِ
تعاليتَ من مُفْزِعٍ للحُتوفِ / وبُورِكَ قبرُكَ من مَفْزَعِ
تلوذُ الدُّهورُ فَمِنْ سُجَّدٍ / على جانبيه ومن رُكَّعِ
شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ / نَسِيمُ الكَرَامَةِ مِنْ بَلْقَعِ
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ / خَدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْرَعِ
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ / جالتْ عليهِ ولم يَخْشَعِ
وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ / بِروحي إلى عَالَمٍ أرْفَعِ
وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ / بصومعةِ المُلْهَمِ المُبْدِعِ
كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ / حمراءَ مَبْتُورَةَ الإصْبَعِ
تَمُدُّ إلى عَالَمٍ بالخُنُوعِ / وَالضَّيْمِ ذي شَرَقٍ مُتْرَعِ
تَخَبَّطَ في غابةٍ أطْبَقَتْ / على مُذْئِبٍ منه أو مُسْبِعِ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيبَ الضَّمِيرِ / بآخَرَ مُعْشَوْشِبٍ مُمْرِعِ
وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ / خوفاً إلى حَرَمٍ أَمْنَعِ
تعاليتَ من صاعِقٍ يلتظي / فَإنْ تَدْجُ داجِيَةٌ يَلْمَعِ
تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ / لم تُنْءِ ضَيْراً ولم تَنْفَعِ
ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ / وقد حَرَّقَتْهُ ولم تَزْرَعِ
ولم تُخْلِ أبراجَها في السماء / ولم تأتِ أرضاً ولم تُدْقِعِ
ولم تَقْطَعِ الشَّرَّ من جِذْمِهِ / وغِلَّ الضمائرِ لم تَنْزعِ
ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُمُ / عليهِ مِنَ الخُلُقِ الأوْضَعِ
تعاليتَ من فَلَكٍ قُطْرُهُ / يَدُورُ على المِحْوَرِ الأوْسَعِ
فيابنَ البتولِ وحَسْبِي بِهَا / ضَمَاناً على كُلِّ ما أَدَّعِي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها / كمِثْلِكِ حَمْلاً ولم تُرْضِعِ
ويابنَ البَطِينِ بلا بِطْنَةٍ / ويابنَ الفتى الحاسرِ الأنْزَعِ
ويا غُصْنَ هاشِمَ لم يَنْفَتِحْ / بأزْهَرَ منكَ ولم يُفْرِعِ
ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود / خِتَامَ القصيدةِ بالمَطْلَعِ
يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ / مِنْ مُسْتَقِيمٍ ومن أظْلَعِ
وأنتَ تُسَيِّرُ رَكْبَ الخلودِ / ما تَسْتَجِدُّ لهُ يَتْبَعِ
تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطرِي / ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِي
وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِبْ / بِنَقْلِ الرُّوَاةِ ولم أُخْدَعِ
وقُلْتُ: لعلَّ دَوِيَّ السنين / بأصداءِ حادثِكَ المُفْجِعِ
وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ / من مُرْسِلِينَ ومنْ سُجَّعِ
ومِنْ ناثراتٍ عليكَ المساءَ / والصُّبْحَ بالشَّعْرِ والأدْمُعِ
لعلَّ السياسةَ فيما جَنَتْ / على لاصِقٍ بِكَ أو مُدَّعِي
وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي / بِحَبْلٍ لأهْلِيكَ أو مَقْطَعِ
لعلَّ لِذاكَ وكَوْنِ الشَّجِيّ / وَلُوعَاً بكُلِّ شَجٍ مُوْلعِ
يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن / بلونٍ أُرِيدَ لَهُ مُمْتِعِ
وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَرْزَةً / يدُ الواثِقِ المُلْجَأ الألمعي
صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً / وكيفَ ومهما تُرِدْ تَصْنَعِ
ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ / وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْدَعِ
أريدُ الحقيقةَ في ذاتِهَا / بغيرِ الطبيعةِ لم تُطْبَعِ
وجَدْتُكَ في صورةٍ لم أُرَعْ / بِأَعْظَمَ منها ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون / لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَعِ
وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئِي- / ضميرَكَ بالأُسَّلِ الشُّرَّعِ
وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ / مِنَ الأَكْهَلِينَ إلى الرُّضَّعِ
وخيرَ بني الأمِّ مِن هاشِمٍ / وخيرَ بني الأب مِنْ تُبَّعِ
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ / كَانُوا وِقَاءَكُ والأذْرَعِ
وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِلْ / ثِيَابَ التُّقَاةِ ولم أَدَّعِ
تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ / يِضِجُّ بِجُدْرَانِهِ الأَرْبَعِ
وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب / عَلَيَّ مِنَ القَلَقِ المُفْزِعِ
وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَاتِ / و الطَّيِّبِينَ ولم يُقْشَعِ
إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ / تَأَبَّى وعادَ إلى مَوْضِعِ
وجَازَ بِيَ الشَّكُّ فيما مَعَ / الجدودِ إلى الشَّكِّ فيما معي
إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيلَ / مِنْ مبدأٍ بِدَمٍ مُشْبَعِ
فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَادَ / وَأَعْطَاكَ إذْعَانَةَ المُهْطِعِ
فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي / وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِي
وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَرَى / سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ
بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ / وفَيْضَ النُّبُوَّةِ مِنْ مَنْبَعِ
تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ / تَنَزَّهَ عن ( عَرَضِ ) المَطْمَعِ
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني / يا دجلةَ الخيرِ يا أُمَّ البساتينِ
حييتُ سفحَك ظمآناً ألوذُ به / لوذَ الحمائمِ بين الماءِ والطين
يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ / على الكراهةِ بين الحِينِ والحين
إنِّي وردتُ عُيونَ الماءِ صافيةَ / نَبْعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني
وأنتَ يا قارَباً تَلْوي الرياحُ بهِ / لَيَّ النسائمِ أطرافَ الأفانين
ودِدتُ ذاك الشِراعَ الرخص لو كفني / يُحاكُ منه غَداةَ البَين يَطويني
يا دجلةَ الخيرِ: قد هانت مطامحُنا / حتى لأدنى طِماحِ غيرُ مضمون
أتَضمنينَ مَقيلاً لي سَواسِيةً / بين الحشائشِ أو بين الرياحين؟
خِلْواً مِن الهمِّ إلاّ همَّ خافقةٍ / بينَ الجوانحِ أعنيها وتَعنيني
تَهُزُّني فأُجاريها فتدفعُني / كالريح تُعجِل في دفع الطواحين
يا دجلةَ الخيرِ: يا أطيافَ ساحرةٍ / يا خمرَ خابيةٍ في ظلِّ عُرْجون
يا سكتةَ الموتِ يا إعصارَ زوبعةٍ / يا خنجرَ الغدرِ يا أغصانَ زيتون
يا أُم بغدادَ من ظَرفٍ ومن غَنَجٍ / مشى التبغددُ حتى في الدهاقين
يا أمَّ تلك التي من «ألفِ ليلتِها» / للآنَ يعبِق عِطرٌ في التلاحين
يا مُستَجمَ «النُّوُاسيِّ» الذي لبِستْ / به الحضارةُ ثوباً وشيَ «هارون»
الغاسلِ الهمَّ في ثغرٍ وفي حَبَبٍ / والمُلبسِ العقلَ أزياءَ المجانين
والساحبِ يأباه الزِّقَّ ويُكرِهُه / والمُنْفِقِ اليومَ يُفدى بالثلاثين
والراهنِ السابِريَّ الخزَّفي قدحٍ / والملهِمِ الفنَّ من لهوٍ أفانين
والمُسْمعِ الدهرَ والدنيا وساكنَها / قرْعَ النواقيسِ في عيدِ الشعانين
يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنَقٍ / يُغلي فؤادي وما يُشجيكِ يشجيني
ما إن تزالَ سِياطُ البغي ناقعةً / في مائِك الطُهْرِ بين الحِين والحين
ووالغاتٌ خيولُ البغي مُصْبِحةَ / على القُرى آمناتٍ والدهاقين
يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت / به مجاريك من فوقٍ إلى دوُن
أدري على أيِّ قيثارٍ قد انفجرت / أنغامُكِ السُمر عن أنَّات محزون
أدري بأنكِ من ألفٍ مضتْ هَدَراً / للآن تَهْزَين من حكم السلاطين
تَهزين أنْ لم تزلْ في الشرق شاردةً / من النواويس أرواحُ الفراعين
تهزينَ من خِصْبِ جنَّات منشَّرةٍ / على الضفاف ومن بؤس الملايين
تهزين من عُتقاءٍ يوم مَلحمةٍ / أضفوا دروعَ مَطاعيمٍ مَطاعين
الضارعين لأقْدارٍ تحِلُّ بهم / كما تلوَّى ببطن الحُوتِ ذُو النون
يرون سُودَ الرزايا في حقيقتها / ويفزعون إلى حَدْسٍ وتخمين
والخائفينَ اجتداعَ الفقرِ ما لَهُم / والمُفضلِينَ عليه جَدْعَ عِرنين
واللائِذينَ بدعوى الصبر مَجْبَنةً / مُستَعصِمينَ بحبلٍ منه مَوهون
والصبرُ ما انفكَّ مَرداةً لمُحترِبٍ / ومستميتٍ ومنجاةً لمِسكين
يا دجلةَ الخير: والدنيا مُفارَقةٌ / وأيُّ شرٍّ بخيرٍ غيرُ مقرون
وأيُ خيرٍ بلا شرٍّ يُلَقِّحه / طهرُ الملائك منْ رجس الشياطين
يا دجلة الخير: كم مِنْ كنز موهِبةٍ / لديك في «القُمقُم» المسحورِ مخزون
لعلَّ تلك العفاريتَ التي احْتُجِزتْ / مُحَمَّلاتٌ على أكتاف «دُلفين»
لعلَّ يوماً عصوفاً جارفاً عَرِماً / آتٍ فتُرضيك عقباه وترضيني
يا دجلة الخيرِ: إن الشِعْرَ هدْهدةٌ / للسمع ما بين ترخيمٍ وتنوين
عفواً يُردّد في رَفْهٍ وفي عَلَلٍ.. / لحن الحياة رخيِّاً غيرَ مَلحون
يا دجلةَ الخير: كان الشعرُ مُذْ رَسمتْ / كفُ الطبيعةِ لوحاً «سِفْرَ تكوين»
«مزمارُ داودَ» أقوى من نبوّتهِ / فحوًى وأبلغُ منها في التضامين
يا دجلةَ الخير: لم نَصحب لمسكنةٍ / لكن لنلمِسُ أوجاعَ المساكين
هذي الخلائقُ أسفارٌ مجسَدةٌ / المُلهمون عليها كالعناوين
إذا دجا الخطبُ شعَّت في ضمائرهم / أضواء حرفٍ بليل البؤس مرهون
دَينٌ لِزامٌ ومحسودٌ بنعمته / من راح منهم خَليصاً غيرَ مديون
يا دجلة الخير: ما أبقيتُ جازِيةً / لم أقضِ عنديَ منها دَيْنَ مديون
ما كنتُ في مَشْهدٍ يَعنيك مُتَّهماً / خَبَاً وما كنتُ في غيبٍ بظِنِّين
وكان جُرحُكِ إلهامي مُشاركَةً / وكان يأخذُ من جُرحي ويُعطيني
وكان ساحُكِ من ساحي إذا نزلت / به الشدائد أقريه ويَقريني
حتى الضفادعُ في سفحيكِ سَارِيةَ / عاطيتُها فاتناتٍ حُبَّ مفتون
غازلتُهنَّ خليعاتٍ وإن لبست / من الطحالب مزهوَّ الفساتين
يا دجلة الخير: هلاَّ بعضُ عارفَةٍ / تُسدَى إليَّ على بُعدٍ فتَجزينني
يا دجلة الخير: مَنِّيني بعاطفة / وألْهِمينيَ سُلواناً يُسَلِّيني
يا دجلة الخير: من كل الأُلى خَبَروا / بلوايَ لم ألفِ حتى من يواسيني
يا دجلةَ الخيرِ: خلِّي الموجَ مُرتفقاً / طيفاً يمرُّ وإن بعضَ الأحايين
وحمِّليه بحيثُ الثلجُ يغمرني / دفءَ «الكوانين» أو عطر «التشارين»
يا دجلةَ الخير: يا من ظلَّ طائفُها / عن كل ما جَلَتِ الأحلام يُلهيني
لو تعلمين بأطيافي ووحشتِها / ودِدتِ مثلي لَوَ أنَّ النومَ يجفوني
أجسُ يقظانَ أطرافي أعالجها / مما تحرَّقت في نومي بأتُون
وأستريح إلى كوبٍ يُطّمئنُني / أن ليس ما فيه مِن ماءٍ بغِسلين
وألمِسُ الجُدُرَ الدَكناءَ تخبرني / أنْ لستُ في مَهْمَهٍ بالغِيل مسكون
يا دجلةَ الخير: خلِّيني وما قَسَمَتْ / لي المقاديرُ من لدغ الثعابين
الطالحاتُ فما يبعثْنَ صالحةً / ولا يُبعثرْنَ إلاّ كلَّ مأفون
والراهناتُ بجسمي يَنْتَبِشن به / نبشَ الهوامِ ضريحاً كلَّ مدفون
واهاً لنفسيَ من جمعِ النقيضِ بها / نقيضَه جمْعَ تحريكٍ وتسكين
جنباً إلى جنب آلامٍ أقُطِّفُها / قَطْفَ الجياع جَنى اللّذّات يزهوني
وأركبُ الهوْلَ في ريعانِ مامَنةٍ / حبُّ الحياة بِحبِّ الموتِ يُغريني
ما إن أُبالي أصاباً درَّ أم عسلاً / مريٌ أراه على العلاّتِ يرضيني
غُولاً تسنَّمتُ لم أسألْ أكارعَه / إلى الهُوَى أمْ على الواحات ترميني
وما البُطولاتُ إعجازٌ وإنْ قنِعت / نفسُ الْجبانِ عن العلياء بالهُون
وإنَّما هي صفوٌ منْ مُمارَسَةٍ / للطارئات وإمعَانٍ وتمرين
لا يُولَدُ المَرءُ لاهِرَّاً ولا سَبُعاً / لكن عصارةَ تجريبٍ وتلقين
يا دجلة الخير: كم معنًى مزجتُ له / دمي بلحمي في أحلى المواعين
ألفيته فَرْطَ ما ألوى اللواةُ به / يشكو الأمرَّينِ من عَسْفٍ ومن هُون
أجرَّه الشوكَ ألفاظٌ مُرَصَّفةٌ / أجرَّها الشوكَ سجعٌ شِبهٌ موزون
سَهِرتُ ليلَ «أخي ذبيان» أحضُنه / حَضْنَ الرواضعِ بين العتِّ واللين
أعِيدُ من خَلقه نحتاً وخَضْخضةً / والنجمُ يَعْجَب من تلك التمارين
حتَّى إذا آضَ ريَّان الصِبا غَضِراً / مهوى قلوبِ الحسانِ الخرَّدِ العِين
أتاح لي سُمَّ حيَاتٍ مُرقَّطةٍ / تَدبُّ في حمَأ بالحقد مَسْنون
فهل بحسبِ الليالي من صدى ألمي / أني مَضِيغَةُ أنيابِ السراحين
الآكلين بلحمي سُمَّ أغرِبَةٍ / وغُصَّةً في حلاقين الشواهين
والساترينَ بشتمي عُرْيَ سوأتِهم / كخَصْفِ حوّاءَ دوحَ التُوتِ والتين
والعائشينَ على الأهواء مُنزلةً / على بيانٍ بلا هَديٍ وتبيين
والميِّتينَ وقد هيضت ضمائرهُم / بواخزٍ معهم في القبر مدفون
صنّاجةَ الأدبِ الغالي وكم حِقَبٍ / بها المواهبُ سيمَت سَوْمَ مغبون
ومُنْزِلَ السِوَرِ البتراءِ لاعِنَةً / مَنْ لم يكن قبلها يوماً بملعون
جوزيتَ عنها بما أنت الصليُّ به / هذا لَعمري عطاءٌ غيرُ ممنون!!
ماذا سوى مثلِ ما لاقيتَ تأمُلُهُ / شمُ العرانين من جُدْع العرانين
حامي الظعائن لا حمدٌ ولا مِقةٌ / وقد يكون عزاءً حمدُ مظعون
لمن؟ وفيمَ؟ وعمَّن أنت محتملٌ / ثِقْلَ الدَّيات من الأبكار والعُون؟
ويا زعيماً بأن لم يأته خبرٌ / عمّا يُنشَّرُ من تلك الدواوين
لك العمى ومتى احتجَّتْ بأن قَعَدتْ / عن الموازينِ أربابُ الموازين
بل قد مَشَتْ لكَ كالأصباحِ عابقةً / وأنت تحذرها حذرَ الطواعين
كفرتُ بالعلم صِفْرَ القلب تحمله / للبيع في السوق أشباه البراذين
كانت عباقرةُ الدنيا وقادتُها / تأتي المورِّقَ في أقصى الدكاكين
تلمُ ما قد عسى أن فات شارِدُهُ / عنها ولو كان في غُيَّابة الصين
لهفي على أمَّةٍ غاض الضميرُ بها / من مدّعي العلمِ والآداب والدين
موتى الضمائرِ تُعطي المَيْتَ دمعتَها / وتستعينُ على حيٍّ بسكِّين
لا بُدَّ معجِلةٌ كفُّ الخَراب به / بيتٌ يقوم على هذي الأساطين
جُبْ أُربُعَ النقد واسألْ عن ملاحمها / فهل ترى من نبيغٍ غيرِ مطعون
وقِفْ بحيثُ ذوو النَّزْعِ الأخير بها / وزُرْ قُبورَ الضحايا والقرابين
ترَ الفطاحلَ في قتلٍ على عَمَدٍ / همُ الفطاحلُ في صوغ التآبين
مِن ناكرٍ عَلَماً تُهدى الغواة به / حتى كأن لم يكن في الكاف والنون
أو قارنٍ بأسمه خُبثاً وملأمةً / مَن ليس يوماً بضْبِعَيْهِ بمقرون
تشفّياً: إنَّ لمحَ الفكر منطلقاً / قذًى بعين دعيِّ الفكر مأفون
عادى المعاجمَ وغْدٌ يستهين بها / يُحصي بها «أبجدياتٍ» ويعدوني
شلَّت يداك وخاست ريشةٌ غفلت / عن البلابل في رسم السعادين
يا دجلةَ الخير: ردّتني صنيعتَها / خوالجٌ هُنَّ من صنعي وتكويني
إن المصائب طوعاً أو كراهيةً / أعَدْنَ نَحْتِي كما أبدَعْنَ تلويني
أرَينني أنّ عندي من شوافِعِها / إذا تباهى زكيٌ ما يزكّيني
وجَبَّ شتَى مقاييسٍ أخذتُ بها / مقياسُ صبرٍ على ضُرٍّ وتوطين
وراح فضلُ الذي يبغي مباهلتي / نعمى تعنِّيه من بؤسي تعنيني
يا دجلةَ الخير: شكوى أمْرُها عجبٌ / إنّ الذي جئت أشكو منه يشكوني
ماذا صنعتُ بنفسي قد أحَقْتُ بها / ما لم يُحقْهُ ب«روما» عسفُ «نيرون»
ألزمتها الجِدَّ حيثُ الناسُ هازلةٌ / والهزلَ في موقفٍ بالجدِّ مقرون
وسُمْتُها الخسفَ أعدى ما تكون له / وأمنعُ الخسفَ حتى من يعاديني
ورحتُ أظمي وأسَقي من دمي زُمراً / راحت تُسقي أخا لؤمٍ وتُظميني
وقلتُ بالزهدِ أدري أنَّه عَنَتٌ / لا الزهدُ دأبي ولا الإمساك من ديني
خَرطَ القتاد أمنّيها وقد خِلِقتْ / كيما تنامَ على وردٍ ونِسرين
حراجةٌ لو يُرى حمدٌ يرافقها / هانتْ وقد يُدَّرى خطبٌ بتهوين
لكنْ رأيتُ سِماتِ الخيرِ ضائعةً / في الشرِّ كاللثغِ بين السينِ والشين
ما أضيعَ الماسَ مصنوعاً ومتطَبِعاً / حتى لدى أهلِ تمييزٍ وتثمين
يا دجلةَ الخير: هل أبصرتِ بارقةً / ألقت بلمحٍ على شطَّيكِ مظنون؟
تلكمْ هي العمرُ ومضٌ من سنى عَدمٍ / ينصَّبُ في عَدَمٍ في الغيبِ مكنون
يا دجلة الخير: هل في الشكِّ منجلياً / حقيقةٌ دون تلميحٍ وتخمين؟
أم خولطت فيه أوهامٌ وأخيلةٌ / كما تخالطت الألوانُ في الجُون
أكاد أخرج من جلدي إذا اضطربت / هواجسٌ بين إيقانٍ وتظنين
أقول لو كنزُ قارونٍ وقد عَلِمَتْ / كفَّايَ أن ليس يُجدي كنزُ قارون
أقول: ما كنزُ قارون فيدمَغُني / أنَّ الخَصاصةَ من بعض السراطين
أقول: ليت كفافاً والكفافُ به / رُحبُ الحياةِ وأقواتُ المساجين
أقولُهنَّ وعندي علمُ ذي ثِقةٍ / أنْ ليس يُؤخَذَ علمٌ بالأظانين
وإنَّما هي نفسٌ همُّ صاحبها / أنْ لا تُصدِّقَ مدحوضَ البراهين
لم يوهب الفكرُ قانوناً يُحصِّنه / من الظنونِ ومن سُخف القوانين
يا نازحَ الدارِ ناغِ العُودَ ثانيةً / وجُسَّ أوتارُه بالرِفْقِ واللين
لعلَ نجوى تُداوي حرَّ أفئدة / فيها الحزازاتُ تَغلي كالبراكين
وعلَّ عقبى مناغاةٍ مُخفِّقةً / حمّى عناتر «صفينِ» و«حطين»
ويا صدى ذكرياتٍ يستثرن دمي / بهِزّةٍ جمَةِ الألوان تعروني
أشكو المرارةَ من إعناتِ جامحةٍ / منها إلى سمحةٍ برٍّ فتُشكيني
مثلَ الضرائرِ هذي لا تطاوعني / فأستريحُ إلى هذي فتُؤويني
ويا مَقيلاً على غربيِّها أبداً / ذكراهُ تَعطِفُ من عودي وتَلويني
عُشُّ الأهازيجِ من سَجعي يُردِّدها / سجعُ الحَمامِ وترجيعُ الطواحين
وسِدْرةٌ نبعُها خضْدٌ وساقيةٌ / وباسقُ النخلِ معقوفُ العراجين
ومُسْتَدقُّ صخورٍ من مآبرها / رؤًى تَظَلُّ على الحالينِ تُشجيني
من أنمل الغِيد في حسنٍ تُتمِّمه / فإنْ تعرَّتْ قمن أنياب تنِّين
يا مجمعَ الشملِ من صحبٍ فُجعتُ به / وآخرٍ رُحْتُ أبلوه ويبلوني
ويا نسائمَ إصباحٍ تصفِّقُ لي / ندى الغصون بليلاتٍ وتَسقيني
ويا رؤى أُصُلٍ نشوى تراوحني / ويا سنا شفقٍ حلوٍ يُغاديني
ويا مَداحةَ رملٍ في مَخاضتها / راحت أُصيبيةٌ تلهو فتُلهيني
وضجَّةٌ من عصافيرٍ بها فَزعُ / على أكِنَّتِها بين الأفانين
ومنطقٌ ليس بالفصحى فتفهمُه / يوماً وما هو من حسٍ بملحون
وأنت يا دجلة الخيرات سِعْليةٌ / قرعاء نافجةُ الحضنينِ تعلوني
لا ضيرَ كلُّ أخي عُشٍّ مفارقُه / وأيُّ عُشٍّ من البازي بمأمون!
ويا ضجِيعَي كرًى أعمى يلفُّهما / لفَّ الحبيبين في مطمورةٍ دُون
حسبي وحسبُكما من فرقةٍ وجوًى / بلاعجٍ ضَرِمٍ كالْجمرِ يَكويني
لم أعْدُ أبوابَ ستينٍ وأحسبني / هِمَّاً وقفتُ على أبواب تسعين
يا صاحبيَّ إذا أبصرت طيفَكما / يمشي إليِّ على مَهلٍ يحييني
أطبقتُ جَفناً على جَفنٍ لأبصُرَه / حتى كأنَّ بريقَ الموتِ يُعشيني
إنِّي شَمِمُتُ ثرًى عفناً يضمُّكما / وفي لُهاثيَ منه عِطرُ «دارين»
بنوةً وإخاءً حلفَ ذي ولَعٍ / بتربةٍ في الغد الداني تغطيني
لقد وَدِدْتُ وأسرابُ المنى خُدعُّ / لو تَسلمان وأنِّ الموت يطويني
قد مِتُّ سبعينَ موتاً بعد يومِكما / يا ذلَّ من يشتري موتاً بسبعين
لم أقوَ صبراً على شجوٍ يرمِّضُني / حرَّانَ في قفصِ الأضلاعِ مسجون
تصعدتْ آهِ من تلقاء فطرتها / وأردفت آهةٌ أُخرى بآمين
ودبَّ في القلبِ من تأمورِه ضرمٌ / ما انفكَّ يُثلج صدري حين يُصليني
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا / يُدنين أهواءَنا القُصوى ويُقصينا
في كلِّ يومٍ بلا وعيٍ ولا سببٍ / يُنزلنَ ناساً على حُكمٍ ويُعلينا
يَدِفْنَّ شَهْدَ ابتسامٍ في مراشفنا / عَذْباً بعلقم دمعٍ في مآقينا
ويقترِحْنَ علينا أنْ نُجرَّعَهُ / كالسمِّ يجرعُه سُقراطُ تَوْطينا
يا أُمَّ عوفٍ وما يُدريكِ ما خَبَأتْ / لنا المقاديرُ من عُقبى ويُدرينا
أنَّى وكيف سيُرخي من أعنَّتنا / تَطوافُنا ومتى تُلقى مَراسينا
أزرى بأبيات أشعارٍ تقاذَفُنا / بيتٌ من الشَعَرِ المفتول يَؤوينا
عِشنا لها حِقَباً جُلَّى ندلِّلُها / فتجتوينا ونُعليها فتُدنينا
تقتاتُ من لحمنا غضًّا وتُسغِبنا / وتستقي دَمنا محضاً وتُظمينا
يا أُمَّ عوفٍ حُرمنا كلَّ جارحةٍ / فينا لِنُسرِجَ هاتيكَ الدواوينا
لم يدرِ أنَّا دُفِنَّا تحتَ جاحِمها / مطالعٌ يتملاها بَراكينا
يا أُمَّ عوفٍ بِلَوْح الغيب موعدُنا / هنا وعندك أضيافاً تَلاقِينا
لم يبرحِ العامُ تِلوَ العامِ يَقذِفُنا / في كلِّ يومٍ بمَوماةِ ويرمينا
زواحفاً نرتمي آناً وآونةً / مصعِّدين بأجواءٍ شواهينا
مُزعزَعينَ كأنَّ الجنَّ تُسلمنا / للرّيحِ تَنشُرنا حيناً وتَطوينا
حتى نزلنا بساحٍ منكِ مُحتضِنٍ / رأد الضُحى والنَّدى والرملَ والطّينا
مفييءٍ بالجواء الطلقِ مُنصلِتٍ / للشمس تجدعُ منه الريحُ عِرنينا
خِلْتُ السماءَ بها تهوي لتلثَمَهُ / والنجمَ يسمحُ من أعطافه لِينا
فيه عطفنا لميدانِ الصِّبا رسَناً / كادَ التصرُّمُ يَلويه ويَلوينا
يا أُمَّ عوفٍ وما آهٌ بنافعةٍ / آهٍ على عابثٍ رَخْصٍ لماضينا
على خضيلٍ أعارته طلاقَتها / شمسُ الربيع وأهدته الرياحينا
سالتْ لِطافاً به أصباحُنا ومشتْ / بالمنِّ تنطِفُ والسلوى ليالنا
سمحٍ نجرُّ به أذيالَنا مرَحاً / حِيناً ونعثُر في أذياله حينا
آهٍ على حائرٍ ساهٍ ويَرشُدنا / وجائرِ القصد ضِلِّيلٍ ويَهدينا
آهٍ على ملعبٍ أن نستبدَّ به / ويستبدَّ بنا أقصى أمانينا
مثلَ الطيورِ وما رِيشَتْ قوادمُنا / نطيرَ رهواً بما استطاعت خَوافينا
من ضحكة السَّحَرِ المشبوب ضحكتُنا / ومن رفيفِ الصِّبا فيه أغانينا
يا أُمَّ عوفٍ وكاد الحِلمُ يَسلُبنا / خيرَ الطِباع وكاد العقل يُردينا
خمسونَ زُنَتْ مليئاتٍ حقائبُها / من التجاريب بِعناها بعشرينا
إذ نحنُ مِن هذه الدنيا ضراوتُها / وإذ مغاني الصِّبا فيها مغانينا
يا أُمَّ عوفٍ بريئاتٌ جرائرُنا / كانت وآمِنةُ العقبى مَهاوبنا
نستلهِمُ الأمرَ عفواً لا نخرِّجُهُ / من الفحاوي ولا نَدري المضامينا
ولا نُعاني طوِّياتٍ معقَّدةً / كما يَحُلُّ تلاميذٌ تمارينا
نأتي المآتيَ من تلقاءِ أنفُسِنا / فيما تصرِّفنا منها وتُثنينا
إنْ نندفعْ فبعفوٍ من نوازعنا / أو نرتدعْ فبمحضٍ من نواهينا
ما إنْ يَرينُ علينا خوفُ منقلَبٍ / ولا نراقب ما تَجزي جوازينا
لا الأرض كانت مُغوَّاةً تَلقَّفُنا / غدراً ولا خاتلٌ فيها يُداجينا
إذا ارتكسنا إغاثتنا مَغاوينا / أوِ ارتكضنا أقلَّتنا مَذاكينا
أوِ انصببنا على غايٍ نُحاولها / عُدنا غُزاةً وإن طاشت مرامينا
كانت محاسنُنا شتَّى وأعظمُها / أنَّا نخافُ عليها مِن مَساوينا
واليومَ لم تألُ تَستشري مطامِحُنا / وتقتفيها على قدْرٍ مَعاصينا
فما نعالجُ خرقاً من مهازلنا / إلا بأوسعَ منه في مآسينا
يا أُمَّ عوفٍ أدالَ الدهرُ دولتَنا / وعاد غَمْزاً بنا ما كان يزهونا
خبا من العمر نوءٌ كان يَرزُمنا / وغابَ نجمُ شبابٍ كان يَهدينا
وغاضَ نبعُ صفا كنَّا نلوذ به / في الهاجرات فيّروينا ويُصفينا
يا أُمَّ عوفٍ وقد طال العناءُ بنا / آهٍ على حِقبةٍ كانت تعانينا
آهٍ على أيمنٍ من ربعِ صبوتنا / كنَّا نجولُ به غرًّا ميامينا
كانت تُجِدُّ لنا الأحلامُ حاشيةً / مذهوبةً كلَّما قُصَّت حواشينا
كنَّا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ: / لا بُدَّ مِن سَحَرٍ ثانٍ يُواتينا
لا بُدَّ مِن مطلعٍ للشمس يُفرِحنا / ومن أصيلٍ على مهلٍ يُحيّينا
واليومَ نَرقُبُ في أسحارنا أجَلا / تقومُ من بَعدهِ عَجلى نواعينا
يا أُمَّ عوفٍ كوادٍ أنت نازلةٌ / دَمْثاً فَسيحاً ندّياً كان وادينا
في مثلِ رملتكِ الحمراءِ زاهيةً / كانت تخُبُّ عفاريتاً مَهارينا
ومثل خيمتكِ الدكناءِ فارهةً / كانت ترِفُّ على رملٍ صَوارينا
يا أُم عوف وما كنَّا صيارفةً / فيما نُحبُّ ولا كنا مُرابينا
لم نَدْرِ سُوقَ تِجارٍ في عواطفهم / ومُشترينَ مودّاتِ وشارينا
لا نعرِف الوِّد إلا أنَّه دنَفٌ / من الصبابةِ يعتاد المُحبينا
فما نُصابح إلا مَن يُماسينا / ولا نُراوح إلا مَن يُغادينا
يا أُمَّ عوف ولا تغرُرْكِ بارقةٌ / منَّا ولا زائفٌ من قولِ مُطرينا
غُفلا أتيناكِ لم تعلَقْ بنا غُرَرٌ / ولا حُجولٌ وإنْ رفَّتْ هوادينا
إنا أتيناكِ من أرضٍ ملائكُها / بالعُهِر تُرجم أو تُرضي الشياطينا
إنْ لم يَلُحْ شبحٌ للخوف يُفرعنا / فيها يَلُحْ شبحٌ للذل يُصمينا
يا أُمَّ عوف أأوهامٌ مضلِّلةٌ / أمِ الأساطيرُ يُبدعنَ الأساطينا
مِنْ عهد آدمَ والأقوامُ مزجيةٌ / خوفَ الشرورِ الضّحايا والقرابينا
أكُلَّما ابتدعَ الإنسانُ آلهةً / للخيرِ صيَّرها شرٌّ ثعابينا!؟
يا أُمَّ عوف سِئمنا عيشَ حاضرةٍ / تَرُبُّ سِقْطَينِ شِرِّيراً ومِسكينا
وحشٌ وإنْ روَّضَ الإِنسيُّ جامحَها / قفرٌ وإنْ مُلئتْ ورداً ونِسرينا
ضحَّاكةُ الثَّغرِ بُهتاناً وحاملةٌ / في الصدرِ للشرِّ أو للبؤس تنِّينا
وخانقاً من قراميدِ يحوّطنا / حوطَ السجون مناكيداً مساجينا
رانَ الخمولُ عليه واستبدَّ به / جذبُ الجواذب من هَنّا ومن هِينا
ولُقمةٍ ردَّها ما نسترقُّ به / وما نكافحُ زَقّوماً وغِسلينا
يا أُمَّ عوف وقد شِبْنا بمعتركٍ / نرعى المقاييسَ منه والموازينا
عُمياً نَدور على مرمى حوافره / معقودةٌ بتواليه نَواصينا
ما انفكَّ فُحْشُ تَظنِّيهِ يُلاحقنا / حتى عُدينا بفُحشٍ في تظنِّينا
فما نصدِّقُ أفواهاً بألسنةٍ / ما لم يُقمْنَ عليهنَّ البراهينا
ولا بأفئدةٍ حتى تُعاهدَنا / بأنَّ أنياطها ليست ثعابينا
وقد يشِمْنا بِمُودٍ من مراتعنا / يُغثي النفوس ومُوبٍ من مَراعينا
لا يلمسُ الروحَ فينا مَن يُصاحبنا / ولا تحدُّ حدودٌ مَن يُعادينا
ولا ينمُّ بسٍّ مَن يُضاحِكنا / ولا يَرفُّ بجَفنٍ مَن يُباكينا
ولا تسيلُ على اللَبَّات أنفسُنا / إلا ذِماً ثمّ تغشاها غواشينا
وآنِسٌ أنْ بَئِسنا فهو مادِحُنا / أغَمَّهُ أن نَعَمنا فهو هاجينا
يُضوي لئامتَه شرٌّ يَحيقُ بنا / حِقداً ويُسمنها خيرٌ يواتينا
لم يَدْرِ أنَّا على الحالين يُرمضنا / مِن بؤس خَلْقٍ سوانا يعنِّينا
وأنَّنا حين يُروي الناسَ نبعُهمُ / نُروى بنبعِ هُمومٍ فُجّرتْ فينا
وأنَّنا نحسبُ الخالينَ من ألمٍ / غَرثى عفاةً وإن كانوا قوارينا
لم يَدْرِ أنَّ النفوسَ العامراتُ بُنًى / تبقى على نكَدِ الدُّنيا عناوينا
يا رملةَ اللَّهِ رُدِّي عن تحيَّتِنا / بخيرِ ما فيكِ من لُطفٍ وحيّينا
وسامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ / وطارِحينا فقد عَيَّت قوافينا
رُدِّي بما وَهِبَته الشاءُ من وتَرٍ / إذا ثَغا ردَّدته الروحُ تلحينا
ونبحةٍ من كُليبٍ خِلْتُ نبرتَها / من زُخرفِ القول تَحريكاً وتسكينا
وخُطبة تُسمع الرهطينِ مُلْفيةً / في الذئب والحمَلِ المرعوبِ مُصغينا
عَوَى هزيعاً فردَّتْ عنه ثاغيةٌ / كانت تقول له آمين آمينا
وحولَه الشاءُ والمِعزى مهوِّمةً / تُزجي الأكارع أو تُرخي العثانينا
تهَشَّ للمرج فَيناناً وتُرعدها / رؤيا تمثلُّ جزّاراً وسكينا
أغفى ونَصَّبَ خيشوماً يُحِسُّ به / خُطى اللصوص ويستاف السراحينا
ولفَّهُ وهجُ الأصواف يُوقِدها / عن صرِّ كانون تَنّوراً وكانونا
ويا بساطاً منَ الخضراءِ طرَّزهُ / صوبُ الغمام أفانيناً أفانينا
أوصِ المروجَ بنا خيراً لعَّل بها / من ضَنكةِ الروح فينا ما يُداوينا
جِئنا مغانيكِ نُسَّاكاً يُبرِّحهمْ / لُقيا حبيبٍ أقاموا حُبَّه دينا
ولاءَمتنا شِعابٌ منكِ طاهرةٌ / كما تضمُّ المحاريبُ المصلّينا
لم أُلفِ أحفلَ منها وهي مُوحشةٌ / بالمؤنسات ولا أزهى ميادينا
ولا أدقَّ بياناً مِن مجاهلها / ولا أرقَّ لما توحيه تبيينا
حتى كأنَّ الفِجاجَ الغُبرَ تَفهمُنا / والمبهماتِ من الوادي تُناغينا
تجاوبتْ بصدى الدُّنيا مفاوزُها / واستعرضت منَ بني الدنيا الملايينا
وانساب حشدُ الرمال السافياتِ بها / يُحصى الأناسيَّ منها والأحايينا
كم لَمَّتِ الشمسُ أوراساً وكم قطفتْ / من الأهلَّةِ عُرجوناً فعرجونا
وكم حوتْ من ربيع الدهر أخيلةً / فطِرْنَ رعباً وأفراساً فعُرِّينا
أحالها النور شيئاً غيرَ عالمها / حتى كأنَّا بوادٍ غيرِ وادينا
حتى كأنَّا وضوءُ البدر يَفرشها / نمشي على غيمةٍ منه تماشينا
يا علم قد سعدت بك الأوطان
يا علم قد سعدت بك الأوطان / فليسم منك على المدى سلطان
وليسق حبّيك العراق ليشتفي / منه الغليل ويرتوي الظمآن
هذِّب لنا أخلاق أهليه فقد / غشّى عليها الجهل والعدّوان
ياأيّها النشىء الجديد تسابقاً / بالعلم إن حياتكم ميدان
صونوا البلاد فانما عزماتكم / قضب ومن أقلامكم خرصان
يا شعب هل تخشى ضياعاً بعدما / حاطت عليك حياضك الشبان
شادوا المدارس بالعلوم تنافساً / فكأنَّما بين البلاد رهان
يا جهل رفقاً بالشعوب فأهلها / كادت تذيب قلوبها الأضغان
لا لن تفرقنا الحدود ولم تكن / تدري الحواجز اخوة جيران
ماذا يريد اللائمون فانّه / وطن يحبُّ وحبُّه إيمان
سنذود عنه بعزم حر صادق / منه ضمير يستوي ولسان
لا يرتضي إلا المنية منهلا / أو منزلاً من دونه كيوان
لي فيك آمال وصدق عزائم / لا بد تنشر طيَّها الأزمان
ولئن هتفت بما أجن فعاذر / فلقد اضر بصدري الكتمان
يا موطن النُّجد الغزاة هضيمة / كيف ارتقت عن شأنك الأوطان
ماذا التواني منك في شوط العلى / هلا نهضت وكلنا أعوان
إن تخش سطوة ظالم فلقد ترى / والغرب منه لحكمك الاذعان
غرُّوك اذ دارت كؤوس خداعهم / حتى سكرت فعقَّك النُّدمان
أمن المروءة أن تنال حقوقها / لقط وأنت نصيبك الحرمان
بئست علاقة واغلين وإنما / عيش الكريم مع اللئيم هوان
قد سرَّ اكناف الجزيرة ما رووا / يا مصر عنك ومادت الأركان
مديِّ برجك للعراق يبن له / نهج الرشاد أمدَّك الرحمن
يا أيها الوطن المفدى دونه / يوم الفداء الأرض والأوطان
فدّتك ناشئة البلاد وشمرت / لك عن سواعد عزمها الفتيان
زاحم بمنكبك النجوم ولا يطل / شرفا عليك ببرجه " كيوان "
وارع الشباب وصن كريم عهودهم / فهم لصفحة مجدك العنوان
أيها الطالب إنصا
أيها الطالب إنصا / فا لقد رمت محالا
أنت مثلي عاطش غر / ك إذ أبصرت آلا
كاذب ما نال شعب / بسوى القوة نالا
يا يراع الحر قد ضا / ق بك الحر مجالا
فصموتاً فلكم جرَّ / لك النطق وبالا
واعتزالاً أو يكون الـ / ـحق حراًفاعتزالا
يا أخا البلبل شدواً / وشعوراً واعتقالا
كلُّنا يدري الذي تلـ / ـقى كفيناك مقالا
لم تطل دولة هذا / الظلم الا لتدالا
عثرة يا شعب كانت / أحرام أن تقالا
أإلى الأحرار تشكو / وهم أسوأ حالا
تهت لما أخمدوها / فكرة كانت ذبالا
فتنة الناس وقينا الفتنا
فتنة الناس وقينا الفتنا / باطل الحمد ومكذوب الثنا
جلبت لي الهم والهمُّ عنا / آه ما أروحني لولا المنى
آه ما أخيبني من غارس / شجر الآمال لكن ما جنى
كلما حدِّثت عن نجم بدا / حدثتني النفس أن ذاك أنا
أمل أخشى عليه زمني / فلو استطعت أطلت الزمنا
لا تذكرني الهنا يشجو الحشا / ذكره إني ألفت الشَّجنا
إنما أشكو حياة كلُّها / تبعات كنت عنها في غنى
لا تخله في هناء ظاهر / كلُّ من في الأرض لا يدري الهنا
غرّد الطير فقالوا : مسعد / ربَّ نوح خاله الغرُّ غنا
وانثنى الغصن ولولا أنه / حامل ما لم يطقه ما أنثنى
أترى الانجم طرّاً تشتكي / ذا أم الآلام خصت نجمنا ؟
بات يرعى الشُّهب مضنى جالباً / سهراً راق له وهو ضنى
أترى اسجليت منها غامضاً / أنت يا من بالدراري افتتنا
آه ما أبهاك يا ليل على / ظلمة فيك وما أجلى سنا !
أترى مرتهناً بات بك البدر / أم بتَّ به مرتهنا
قمن أنت ذا لم تهوه / فبه سرُّك أضحى علنا
كم فؤاد فيك مطوي على / حرق من غير ما ذنب جنى
ومعنًّى أزعج الشُّهب له / حر أنفاس فرادى وثنى
فعلى الرفق فما أبقى الأسى / أملا يجدي على الرفق بنا
أنا حَّملتك يا طير الأسى / أنا حتى عدت منه ألكنا
تلك أثقال المنى شاطرتني / حملها أنت فأسديك الثَّنا
أنت مثلي شاعر معتزل / فتغنى كي تميل الغصنا
أنت لا تطلب ما لا ينبغي / فدع الألقاب عنّا والكنى
أنت يا آمال قد عاهدتني / بالوفا لا لا تخوني عهدنا
غنّني باسم عراقي تشجني / واترك الشَّام وخلِّ اليمنا
لا أرى لي بدلا عنه وقد / عذب الورد وطاب المجتنى
أترى يغنيك عنه وطن / أنت يا من خان هذا الوطنا
لم تبع شعبك لو أنصفته / فمن الشَّعب قبضت الثّمنا
خلَّف المجد لنا من سلفوا / افيخزي عارنا من بعدنا
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا / وآسَفُ أن أمضي ولم أُبقِ لي ذكرا
ويُؤلمني فرطُ افتكاري بأنَّني / سأذهبُ لا نفعاً جلبتُ ولا ضُرّا
مضتْ حِججٌ عَشْرٌ ونفسي كأنها / من الغيظ سيلٌ سُدَّ في وجهه المجرى
خيَرْتُ بها ما لو تخلَّدتُ بعدَه / لمَا ازدَدْتُ عِلماً بالحياةِ ولا خُبرا
وأبصرتُ ما أهوى على مثلهِ العمى / وأُسمعتُ ما أهوى على مثلهِ الوَقْرا
وقد أبقتِ البلوى على الوجهِ طابَعاً / وخلَّفَتِ الشحناءُ في كبِدي نَغرا
تأمَّلْ إلى عيني تجدْ خَزَراً بها / ووجهي تُشاهِدْه عن الناس مُزورّا
ألم تَرَني من فرطِ شكٍّ ورِيبةٍ / أُري الناسِ حتى صاحبي نظراً شزرا
لبستُ لباسَ الثعلبيِّينَ مُكرهاً / وغطَّيتُ نفساً إنَّما خُلقت نَسرا
ومسَّحتُ من ذيلِ الحَمامِ تملّقاً / وأنزلتُ من عَليا مكانتهِ صقرا
وعُدتُ مليء الصدَّرِ حِقداً وقُرحةً / وعادت يدي من كلِّ ما أمَّلَتْ صِفرا
أقولُ اضطراراً قد صبَرتُ على الأذى / على أنني لا أعرِفُ الحُرَّ مُضطرّا
وليس بحُرٍّ مَن إذا رامَ غايةً / تخوَّفَ أن ترمي به مَسلكاً وعْرا
وما أنتَ بالمُعطي التمرُّدِ حقَّه / إذا كنت تخشى أن تجوعَ وأن تَعرى
وهل غيرَ هذا ترتجي من مَواطنٍ / تُريد على أوضاعها ثورةً كبرى
مشى الدهرُ نحوي مستثيراً خطوبَه / كأني بعينِ الدهر قيصرُ أو كسرى
وقد كانَ يكفي واحدٌ من صروفهِ / لقد أسرفتْ إذ أقبلتْ زُمراً تترى
مشى لي كعاداتِ المخانيثِ دارعاً / يُنازِل قِرْناً مُثخَناً حاسِراً صدرا
خليّاً من الأعوانِ لا ذُخرَ عندَه / سوى الصبرِ أوحشْ بالذي صحبَ الصَّبرا
وما كانَ ذنبي عندَه غيرَ أنني / إذا مسَّني بالخيرِ لم أُطِلِ الشكرا
ولم أتكفَّفْ باليسيرِ ولم أكنْ / كمستأنِسٍ بالقُلِّ مستكثِرٍ نَزْرا
طموحٌ يريني كلَّ شيءٍ أنالُه / وإنْ جلَّ قَدرْاً دونَ ما أبتغي قدرا
حلَبتُ كِلا شطرَيْ زماني تمعّناً / فلم أحمَدِ الشطر الذي فَضَلَ الشطرا
شرِبتُ على الحالينِ بؤسٍ ونعمةٍ / وكابدتُ في الحالينِ ما نغَّصَ السكرا
حُبيتُ بنَدمانٍ وخمرٍ فغاظني / بأنيَ لا مُلكاً حُبيتُ ولا قصرا
ولو بهما مُتّعتُ ما زلتُ ساخطاً / على الدهر إذ لم يَحْبُني حاجةً أُخرى
فما انفكَّ حتَّى استرجعَ الدهرُ حُلوَه / وحتَّى أراني أنني لم أذُق مرّا
وجوزِيتُ شرّاً عن طُموحي فها أنا / برغميَ لا خِلاًّ تخِذتُ ولا خمرا
فانْ يُشمِتِ الأقوامَ أخذي فلم أكن / بأوَّلِ مأخوذٍ على غِرَّةٍ غدرا
وإنْ تفترِسْني الآكلاتُ فبعدَ ما / وثِقتُ بها فاستلَّتِ النابَ والظُفرا
وإن تُلهبِ الشكوى قوافيَّ حُرقةً / وغيظاً فاني قادحٌ كبِداً حرّى
وكنتُ متى أغضبْ على الدَّهر أرتجلْ / مُحرَّقةَ الأبياتِ قاذفةً جمرا
كشأنِ " زيادٍ " حين أُحرجَ صدرُهُ / وضُويقَ حتى قال خُطبتَه البترا
أو المتنبّي حينَ قالَ تذمُّراً / " أفيقا خُمارُ الهمِّ بغَّضني الخمرا"
وما زلتُ ذاك المرءَ يوسِعُ دهرَه / وأوضاعَه والناسَ كلَّهمُ كفرا
تحولتُ من طبعٍ لآخرَ ضدِّه / من الشيمةِ الحسناءِ للشيمةِ النَكرا
وكنتُ وَديعاً طيب النفسِ هادئاً / فاصبحتُ وحشاً والِغاً في دمٍ نَمرا
فلَو دَبَّر الباغونَ للكيدِ خطةً / رأوا أنَّني منهُمْ بَتدبيرِها أحرى
وَلو ملكَ قارونٍ ملكتُ دَفعتُه / على كرهِ بعض الناسِ بعضَهم أجرا
وِشجَّعتُ ما أقوى يراعةَ كاتبٍ / يُزيحُ بها عن كلِّ ذي عورةٍ سِترا
وَمجَّدتُ من بَثَّ الدعايةَ ضدَّهم / ومن قالَ في تَسخيفِ آرائهم شعرا
وِلو حُمَّ لي أنْ أحكمَ الناسَ ساعةً / وأن أتوَلى فيهُمُ النهىَ والأمرا
لمزَّقتُ وَجهاً بالخديعةِ باسِماً / ولا شيتُ ثَغراً بالضَغينةِ مُفترّا
وَقَطَّعتُ كفَّيْ من يمدُّ يمينَهُ / يَصافحني في حين تَطعنُني اليسرى
وَعاتَبتُ سراً من يضِلُّ لنفسةِ / ومن ضلَّلَ الجمهورَ أخزيتهُ جَهْرا
رأيتُ من الإِنسانِ يُطغيه عُجْبُه / من الخزي ما تأباهُ وحشيَّةٌ تَضرى
إذا أُغرِيتْ هذي بأكلِ فريسةٍ / فهذا بأنْ يلهو بتعذيبها مُغرى
أتعرفُ كم من أصيَدٍ مُمتلٍ قهرا / وكم حُرَّةٍ تشكو ومَن حولَها الفقرا
لينعُمَ مَن إنْ عاشَ لم يُدرَ نفعُه / وإنْ ماتَ لم يعرِف له أحدٌ قبرا
أتعرفُ ما يأتيه في السرِّ ناصبٌ / على العينِ منظاراً على الناسِ مغترّا
يُقلِّبهُ بينَ الجموعِ دلالةً / على أنه أذكى من الناس أو أثرى
وما ميَّزتْهُ عن سواه فوارقٌ / سوى أنه قد أتقنَ الرَّقصَ والزمرا
وهذا الذي إحدى يديهِ بجيبهِ / وأُخراهما تلهو بشاربه كِبرا
ولو فتَّشوا منه السَّبالينِ شاهدوا / خلالَهما العاهاتِ محشورةً حشرا
وهذا الذي رغمَ النعيم وشرخهِ / يُرى حاملاٍ وجهاً من الحقدِ مُصفرّا
وهذا الذي إنْ أعجبَ الناسَ قولهُ / مشى ليُريهمْ أنه فاتحٌ مِصرا
وهذا الذي قد فخَّمتْه شهادةٌ / خلاصتُها أنَّ الفتى قارئٌ سطرا
ويكفيكَ منه ساعةٌ لاختباره / لتعلمَ منها أنه لم يزل غِرّا
وهَبْ أنه قد أُلهِمَ العلمَ كلَّه / وحلَّلَ حتى الجوهرَ الفردَ والذرّا
وكانَ " شكسبيرٌ " خويدمَ شعره / وكانت لُغى الأكوان تخدمُه نثرا
فهل كانَ حتماً أنني أنحني له / وتصطكُ مني الركبتانِ إذا مرّا
ألمْ يدرِ هذا " الكوكب ! " الفذ أنه / كما كان حُرّاً كان كلُّ امرئٍ حرّا
ذممتُ مُقامي في العراقِ وعلَّني / متى أعتزمْ مسرايَ أن أحمَدَ المسرى
لَعلي أرى شِبْراً من الغَدر خالياً / كفاني اضطهاداً أنني طالبٌ شِبْرا
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي / أبداً في غليانِ
وأنا آكل من قلبي / ولا يدري لساني
كيف بعد الختمِ تقوى / أن تبوحَ الشفتانِ
الروح أشْقَتني وجُلَّ صَحابتي
الروح أشْقَتني وجُلَّ صَحابتي / ما أشقتِ الشعراءِ إّلا الروحُ
توسي الجروحُ وليس يوسي شاعرٌ / بصميم إحساساته مجروح
في القلب من أثرِ الهُموم ووَسْمِها / سِمةٌ على النَّفَسِ الحزينِ تلوح
فَنِيَتْ قوافٍ ما قرحن وإنما / خلدت بذكرى " ذى القروح " قروح
ولَكَمْ طَرِبتُ فما أجَدتُ وحسبكم / أني أُجيد الشعر حين أنوح
أما التباريحُ الحِرارُ فإنها / للنَفْس مما تشتكي ترويح
يا موطناً عَزّت به " خرطوشةٌ " / ذُلاًّ وهانَ دمٌ له مسفوح
لولا اتقاءُ رواصدٍ مبثوثةٍ / هتكتْ مُتونَ المجملات شروح
ولقد يَحسُ الشاعرون بأنهم / عبءٌ على أوطانِهِم مطروح
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ / حيي الرُصافة عني ثم حَيّيني
إن لم تمري على أرجاءِ شاطِئها / فلَيتَ لم تحملي نشراً لدارين
لا تَعبَقي أبداً إلاّ مُعطّرةً / ريانةً بشَذَى وردٍ ونِسرين
أهديت لي ذكرَ عَصرٍ قد حَييت به / من عَلَّم الريحَ أن الذكرَ يُحييني
حيثُ الزمانُ وَريقُ العودِ رَيّقه / والدهرُ دَهرُ صباباتٍ تواتيني
معي من الصحب يسعى كلُّ مُقتَبِلٍ / نَضْرِ الشباب طليقِ الوجهِ ميمون
خالٍ من الهَمّ لو لامَسْتَ غُرَّته / أعداكَ واضحُ تَهليلٍ وتَحسين
ولي الى الكرخِ من غربيِّها طَرَب / يكادُ ُمن هِزَّةٍ للكرخِ يرميني
حيث الضفافُ عليها النخلُ متِّسقٌ / تنظيمَ أبيات شعرٍ جدِّ موزون
وللنسيم استراقٌ في مرابعها / للخطو مَشْيٌ ثقيلُ القيد موهون
يا ربةَ الحسن لا يُحصَى لنَحصِره / وصفٌ فكلُ معانينا كتخمين
والله لو لا ربوعٌ قد ألِفتُ بها / عيشَ الأليفينِ أرجوها وترجوني
وان لي من هوى أبنائها نَسَباً / دونَ العشيرة للأصحاب يَنميني
لاخترتُها منزلاً لي أستظلُّ به / عن الجنان وما فيهن يُغنيني
لخبَّرت كيفَ شوقُ الهائمين بها / وكيفَ صَفْقُ عذولي كفَ معبون
اخوانُنا حيث راقَ الجَسرُ وانتظَمَتْ / الى مغانيكم أنفاسُ مَحزون
فالشمس كل بروج الافق تصحبها / سيراً وتسري الى برج بتعيين
سقاكُمُ ريِّقٌ من صَوب غاديةٍ / ينهلُّ عن عارض بالبشرِ مقرون
لا تحسبوا أن بُد الدارِ يُذهلني / عنكم ولا قِصرَ الأيامِ يُنسيني
ضِقتُمْ قلوباً لما ضمَّتْ جوانحُنا / لو كانَ يسمَحُ في نشر الدواوين
ذاوي النبات هشيماً لستُ آمنَ من / ريح الصَّبا أنها جاءت لتذروني
خلِّ الملامةَ في بغدادَ عاذلنتي / علامَ في شم رَوح الخُلد تَلحيني
هل غيرُ نَفسٍ هَفَت شوقاً لمالئها / شوقاً يصعِّد بين الحين والحين
أما النسيمُ فقد حَملتهُ خَبَراً / غيرُ النسيم عليه غيرُ مأمون
ما سرَّني وفنونُ العلم ذاويةٌ / أنَّ الأفانينَ لُفَّتْ بالأفانين
ولا الربوع وان رقَّ النسيم بها / إن كان من خَلفها أنفاسُ تِنّين
هيهاتَ بعد رشيدٍ ما رأت رَشداً / كلا ولا أمِنَت من بعد مَأمون
أما اللسانُ فقد أعيا الضِرابُ به / وكان جِدَّ رهيفِ الحدِّ مَسنون
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ / الهوى يستثيرُ فيَّ المَجانَهْ
وقوافيَّ مثلَ حُسنك لما / تَتَعرَّينَ حرّةٌ عُريانة
وإذا الحبُّ ثار فيَّ فلا تَمْنَعُ / أيُّ احتشامة ثوَرَانه
فلماذا تُحاولين بأنْ أعلنَ / ما يُنكِرُ الورى إعلانه
ولماذا تُهيِّجِين من الشاعِر / أغفى إحساسُهُ بركانه
لا تقولي تجهُّمٌ وانقباضٌ / بُغَّضا منه وجهَه ولسانه
فهما ثورةٌ على الدهر منّي / كجَواد لا يرتضي مَيدانه
أنا في مجلسٍ يضمُّكِ نشوانُ / سروراً كأنني في حانه
لوتُحسيِّنَ ما أحسُّ إذا رجَّفْتِ / في الرَّقص بطنَك الخمصانه
رجفة لا تمسُّ ما بين رفْغَيْكِ / وتُبقي الصدرَ الجميلَ مكانه
والذراعَينَ كلُّ ريانةٍ فعماءَ / تََلْقى في فَعمةٍ رَيّانه
والثُدِيَّيْنِ كلُّ رُمانة فرعاءَ / تَهزا بأُختِها الرُمّانه
عاريا ظهرُك الرشيقُ تحبُ العينُ / منه اتساقَهُ واتزانه
ما به من نحافةٍ يُستَشَفُّ العظمُ / منها ولا به من سَمانه
خُصَّ بالمحض من بُلهَنَيةِ العَيشِ / وأُعطي من الصبا عنفوانه
وتراه يجيء بين ظُهور الخُرَّدِ / الغيدِ سابقاً أقرانه
إذ تميلين يَمنة ويَساراً / مثلما لاعبت صَباً خيزُرانه
عندما تبسمين فينا فتفترُُّ / الشفاهُ اللطافُ عن أقحُوانه
إذ يحار الراؤون في حُسنك الفتّانِ / بل في ثيابك الفَتّانه
رُب جسمٍ تُطرى الملاحةُ فيه / ثم تَعدوه مُطرياً فُستانه
ما به من نقيصةٍ وكأنّ الثوب / أضحى متمماً نُقصانه
إن كفاً قاست عليك لباساً / مثلَ هذا مهّارةٌ شيطانه
عَرَفتْ كيف تَبروزين / إلى الجمهُور فيه لتخِلبي أذهانه
ضيَّقت مُلتقى نهودكِ / والكشْحَين منه وشمرَّت أردانه
وأشارت إلى اللعوبَيْن بالألباب / منا بوردةٍ مُزدانه
ليت شعري ما السرُّ في ان بدت / للعَين جَهراً أعضاؤُكِ الحُسّانه
واختفى عضْوُك الذي مازَه الله / على كل ما لديك وزانه
الذي نال حُظوةً حُرِم الانسانُ / منها خُصَّت الإنسانه
وتمنّى على الطبيعة شَكلا / هو من خير ما يكونُ فكانه
وَمَحلاً خِصبا فحلَّ بوادٍ / أنبتَ اللهُ حولَهُ ريحانه
لم يُرد من بَراه مُتعةَ نَفسٍ / ان يُغَطّى ولم يُردْ كِتمانه
ككتابٍ كشَّفت عن صفحتيهِ / ثم غطيَّت عَنوةً عُنوانه
أو غَديرٍ جمِّ المساربِ عذبٍ / حَرمَّوه وحلَّلوا شُطْئَانه
هيكلٌ من هياكِل اللهِ سُدَّ البابُ / منه وكفنَّوا صُلبانه
جسمُك الغضُ مَنطقٌ يدحَض / الحجّة لو لم تُسَتِّري بُرهانه
ملءَ عيني رأيت منكِ مع الأخرى / غرامَ البَناتِ يا فتّانه
رشفةٌ قد حُرمْتُها منك باتت / عند غيري رخيصةً مُستَهانه
أذ تلهَّتْ بمَحزِمٍ منك بُغيا النفس / من أن تستطيع منكِ احتضانه
وثنَتْ كفَّها إلى مهبِط الأشواقِ / منيّ فمَسحَّت أركانه
معها " بعتِ " خفةً ومُجونا / ومعي " بِعتِ " عفّةً ورزَانه
لو كإتيان هذه لك آتي / رجلاً لم تحبِّذي إتيانه
أتُريدين أن أقولَ لمن لم / يدر ما بينكُنَّ من إدمانه
فتيات الهوى استبحن من اللذات / ما لم يُبِحنَه فتيانه
أعروسان في مكان وعِرِّيسانِ / كلٌ منهم يُخَلَّى وشانه
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ / كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً / كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاء
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها / إلى عناء . ومن داءٍ إلى داء
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها / - وهي الشبابُ طريّاً – غيرَ غمَّاء
وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكةٍ / مخطوبةٍ من أحبَّاء وأعداء
قد تمنعُ النفسَ أكفاءً ذوي شغفٍ / ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها / معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ / طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاء
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ / انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني / أنا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها / كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء
أُريدُها لمسرّاتٍ فتعكِسُها / وللهناءِ فَتثنيهِ لايذاء
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ / عيني على غير مشغوفِ بدُنياء
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ / عن الذينَ رَوَوْها أو عن الللائي
يُشوِّهونَ بها إبداعَ غانيةٍ / فتَّانهٍ لم تكنْ يوماً بشوهاء
طوراً تُصوّرُ حِرباء وآونةً / كالأفعوان . وأُخرى كالرُّتَيْلاء
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ / لولا أضاليلُ غوغاءٍ ... ودهماء
ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ / ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء
وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ / تمشي على غير قصدٍ خبطَ عشواء
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها / لقابلوها بتبجيلٍ وإطراء
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها / حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها / قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاء
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني / لقلتُ : أهلاً على العينين ِ مولائي
شِيدتْ قصورٌ على الأجراف جاهزةٌ / بكلِّ ما تشتهيهِ أعينُ الرائي
فيهنَّ من شهواتِ النفس أفظعُها / فيها غرائبُ أخبارٍ وأنباء
فيها اللَّذاذاتُ والأفراحُ عاصفةٌ / بنفسِ ذاكَ المُرائي عَصفَ نكباء
حتى إذا قلتَ قولاً تستبينُ به / لُطفَ الحياةِ بتصريحٍ وإيماء
هاجوا عليكَ بإقذاعٍ ومفحشةٍ / وآذنوكَ بحربٍ جِدِّ شعواء
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً / في " الرَّافدين " بهمَّازٍ ومشَّاء
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً / إلا لِصالحِ هيئاتٍ وأسماء
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها / اذا ما تصابى ذو الهوى لربى نجدٍ
بلاد بها استعذبتُ ماء شبيبتي / هوىٍ ولبست العزَّ بُرداً على برد
وصلت بها عمرِ الشباب وشَرخَه / بذكر على قرب وشوق على بعد
بذلت لها حق الوداد رعايةً / وما حفظ الود المقيم سوى الود
سلام على أرض الرُّصافة إنها / مراح ذوي الشكوى وسلوى ذوي الوجد
لها الله ما ابهى ودجلةُ حولها / تلف كما التف السوارُ على الزند
يعطر أرجاها النسيم كأنما / تنفس فيها الروض عن عابق النَّد
هواؤكِ أم نشر من المسك نافح / وأرضك يا بغداد أم جنة الخلد
أحباي بالزوراء كيف تغيَّرت / رسوم هوىً لم يُراعَ جانبهُ بعدي
رَضِينا بحكم الدهر لا جو عيشنا / بصاف ولا حبل الوداد بممتد
كأن لم نحمِّلْ بيننا عاتق الصبَّا / رسائل أعيته من الأخذ والرد
جفوتم ولم انكر جفاكم فلستمُ / بأولِ صَحْب لم يدوموا على العهد
عَتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ
عَتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ / على زَمَنٍ حُوَّلٍ قُلَّبِ
أُنلصِقُ بالدهر ما نجتوي / ونختصُّ نحن بما نجتبي ؟!
كأنَّ الذي جاء بالمَخْبثاتِ / غيرُ الذي جاء بالطَّيب!
وما الدهرُ إلا أخو حَيدةٍ / مُطلٌ على شرَفٍ يرتبي
يُسجّلُ معركةَ الكائناتِ / مثلِ المُسجّل في مَكتب
فما للزمانِ وكفّي إذا / قَبضتُ على حُمةَ العقرب؟!
وما للَّيالي ومغرورةٍ / تُجَشِّمُني خَطرَ المركب؟
بِنابيَ مِن قبلِ نابِ الزمان / ومن قبل مِخلبه مِخلبي
تَفَرَّى أديميَ لم أحَترِس / عليه احتفاظاً ولم أحدَب!
بناءٌ أُقيمَ بجَهد الجُهود / وَسهرةِ أُمٍّ ورُعْيا أب
وأضْفَتْ عليه الدروسُ الثِقالُ / لوناً من الأدب المُعْجِب
عَدوتُ عليه فهدَّمتُه / كأن ليس لي فيه من مطلب!
يداي َ أعانت يدَ الحادثات / فَرُنِّقَ طوع يدي مشربي
أجِد وأعلمُ عِلمَ اليقين / بأني من الدهر في ملعب!
وأنّ الحياةَ حَصيدُ الممات / وان الشروقَ أخو المغرب!
وإني على قدْر ما كان / بالفُجاءاتِ مِن قَسوةٍ كان بي
بَعثْنَ البَواعثَ يَصْطَدنَني / وأبصرتُ مَنجى فلم أهرب!
وثارتْ مُخّيلتي تَدَّعي / بأنَّ التَنزُّلَ مَرعى وبي
وأن الخيانةَ ما لا يجوزُ / وأنَّ التقلّبَ للثعلب
وأنْ ليس في الشرِّ من مغنم / يُعادِلُ ما فيه مِن مَثْلَب
ولما أُخِذْتُ بها وانثنيتْ / نزولاً على حُكمها المُرهِب
ووَطَّنْتُ نفسي كما تشتهي / على مَطْعمٍ خَشِنٍ أجْشَب
مشى للِمثالبِ ذو فِطنةٍ / بقوَّةِ ذي لِبد أغلب
جَسورٍ رأي أنّ مَن يَقتحمْ / يُحكَّمْ ومن يَنكمشْ يُنْهَب
وأفرغَها من صُنوفِ الخِداعِ / والغشَّ في قالبٍ مُذْهَب
فرفَّتْ عليه رَفيفَ الأقاح / في مَنبِت نَضرٍ مُعشِب
تُسمَّى خَلائقَ محمودةً / ويُدعَ ى أبا الخُلُقِ الأطيب!
وراحَ سليماً من الموبقات / ورُحتُ كذي عاهةٍ أجرب!
ولم أدرهِها عِظَةً مُرَّةً / بأني متى أحَترِسْ أُغلَب
ولكنْ زَعمتُ بأن الزمانَ / دانٍ يُسفُّ مع الهيدَب
ويومٍ لَبستُ عليه الحياةَ / سوداء كاللَّيلة الَغْيهَب
أرى بَسمةَ الفجرِ مثلَ البُكاء / وَشدْوَ البَلابل كالمَنْعب!
وبِتُّ عكوفاً على غُمَّتي / حريصاً على المنظر المُكْرِب!
وَبعثرتُ هاجعةَ الذكريات / أُفَتّشُ عن شَبَحٍ مُرعِب!
حَملتُ همومي على مَنكِبٍ / وهمَّ سوايَ على مَنكِب
ولاشيتُ نفسيَ في الأبعدين / أُفكّرُ فيهمْ وفي الأقرب!
ولمَّا فَطَنتُ على حالة / تَليقُ بمنتحِرٍ مُحرِب..
نسيتُ بأني اقَترفْتُ الذنوبَ / وانصَعتُ أبحثُ عن مُذنِب!
أخذتُ بمخنَق هذا الزمان / لم يفتَكِرْ بي ولم يحسِب!
ويومٍ تَنَعَّمْتُ مِن لَذَّةٍ / متى لم أُنعَّمْ بها تذهب
ولمَّا انطوتْ مثلَ أشباهِها / وكلُّ مَسيلٍ الى مَنضَبِ
تَخيَّلتُ حِرصاً بأن الزمان / عدوُّ اللُبانةِ والمأرَب
وأنّ الطبيعةَ والكائناتِ / ما يَستبينُ وما يَختبي
تألبنَ يَسلُبْني فُرصةً / من العُمْرِ إنْ تنألا تَقْرُب!
وأن الزمانَ مشى مُسرعاً / يُزاحمُ مَوكُبهُ مَوكبي !
وأن الكواكبَ طُرّاً سعُدْنَ / ولم يَشْقَ منها سوى كوكبي
وأنيَ لو كنت في غَمرةٍ / مِن الفكر أو خاطرٍ مُتعِب
لقَلَّلَ من خَطوِهِ جاهداً / كمشْيَةِ مُثْقلةٍ مُقرب!
ورُحتُ أُشبِّهُ ما فاتني / من العيش بالبارق الخُلَّب
مُغاَلطَةً إنّ شرَّ العَزاءِ / تعليلُ نفسك بالمُكذَب!
وإني على أن هذا المزاج / رمانيَ بالمُرهِق المُنْصِب
وكنتُ على رُغم عُقْمِ الخليِّ / أهوى حياةَ خليٍّ غبي
لأحمِلُ للفُرَص السانحاتِ / وللأرْيحيَّة نفْسَ الصبي
طليقاً من التَبِعات الكثارِ / حُرَّ العقيدة والمذهب
طَموحاً وأعرفُ عُقْبى الطُموح / فلا بالدَّعِيِّ ولا المُعْجَب
تَمَتَّعْتُ في رَغدٍ مُخصِب / وهُذّبتُ في يَبَسٍ مُجدِب
و أفضَلُ من رَوَحاتِ النعيم / على النفس مَسغبَةُ المُترِب
فانْ جِئتُ بالمُوجعِ المشتكي / فقد جئتُ بالمُرقِص المُطرِب!
دَع الدهرِ يذهبْ على رِسْلهِ / وسرْ أنتَ وحدكَ في مَذهب
ولا تَحتفِل بكتاباتهِ / أرِدْ أنت ما تشتهي يُكتب !
فانْ وَجَدَتْ دَرَّةً حُلوةً / يداك فدُونَكَها فاحلِب
فانَّ الحماقةَ أنْ تَنثني / مع الواردينَ ولم تشرَب
تَسَلَّحْ بما اسطعتَ من حيلةٍ / إلى الذئبِ تُعزَى أو الأرنب
وإنْ تَرَ مَصلحةً فاصدقنَّ / وإنْ لم تَجِدْ طائلاً فاكذب!
ولا بأسَ بالشرِّ فاضرِبْ به / إذا كان لابُدَّ من مَضرَبَ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025