المجموع : 269
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد / فَرُدّي على المشتاق مهجَتَهُ رُدّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينة / ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهد
أقول وقد وسدته راحتي كما / توسّد طفل متعب راحة المهد
تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ / حبيب وركن في الهوى غير منهد
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي / تهاوت على نحر من العاج مُنقد
ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى / تميل على خدٍ وتصدف عن خد
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ / بياض الأماني من عناقيدها الرّبد
فيا لك عندي من ظلامٍ محبب / تألق فيه الفرق كالزمن الرغد
ألا كلّ حسن في البرية خادم / لسلطانة العينين والجيد والقد
وكل جمال في الوجود حياله / به ذلة الشاكي ومرحمة العبد
وما راع قلبي منك إلا فراشة / من الدمع حامت فوق عرش من الورد
مجنحة صيغت من النور والندى / ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى ورد
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي / من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحراب من صلواته / فليس به من شاعرٍ ساهر بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقف / نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوف الرعب والبين موشك / ومزدحم الآلام والوجد في حشد
ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم / ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب خُرس في جحيم مؤبد / بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها / ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصت إلا طيفَ حب محيّر / على درج خابي الجوانب مسودّ
تردّد واستأنى لوعد وموثق / وأدبر مخنوقاً وقد غص بالوعد
وأسلمني لليل كالقبر بارداً / يهب على وجهي به نفس اللحد
وأسلمني للكون كالوحش راقداً / تمزقني أنيابه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً / بآخر من خابى المقادير مربد
ركود وإبهام وصمت ووحشة / وقد لفها الغيب المحجب في بُرد
أهذا الربيع الفخم والجنة التي / أكاد بها أستاف رائحة الخلد
تصير إذا جن الظلام ولفها / بجنح من الأحلام والصمت ممتد
مباءة خمارٍ وحانوت بائعٍ / شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهد
وقد وقف المصباح وقفة حارس / رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجد
كأن تقياً غارقاً في عبادة / يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد
فيا حارس الأخلاق في الحيّ نائمٌ / قضى يومه في حومة البؤس يستجدي
وسادته الأحجار والمضجع الثرى / ويفترش الافريز في الحر والبرد
وسيارة تمضي لأمر محجب / محجبة الأستار خافية القصد
إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى / وتومض ومض البرق يملع عن بُعد
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك / مرنقة بالجوع والصبر والكد
ينقب كلب في الحطام وربما / رعى الليل هرّ ساهر وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ / ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفرد
أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي / تركت بديد الشمل منتثر العقد
فقدتك فقدان الربيع وطيبه / وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد
وليس الذي ضيعتُ فيك بهين / ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقد
بعينيك أستهدي فكيف تركتني / بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي
بوردِكِ أستسقي فكيف تركتني / لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد
بحبكِ استشفي فكيف تركتني / ولم يبق غير العظم والروح والجلد
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي / وهذي المنايا البيض تختال في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي / فهان الذي ألقاه في العيش من جهد
وكنت إذا انهار البناء رفعته / فلم تكن الأيام تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديت لبَّيت صرختي / فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدّ
سلامٌ على عينيك ماذا أجنتا / من اللطف والتحنان والعطف والود
إذا كان في لحظيك سيف ومصرع / فمنكِ الذي يحيى ومنك الذي يردي
إذا جردا لم يفتكا عن تعمد / وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد
هنيئاً لقلبي ما صنعت ومرحبا / وأهلا به إن كان فتكك عن عمد
فإني إذا جن الظلام وعادني / هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً / وعندي من الأشجان والشوق ما عندي
أقبل في قلبي مكاناً حللته / وجرحاً أناجيه على القرب والبعد
ويا دار من أهوى عليك تحية / على أكرم الذكرى على أشرف العهد
على الأمسيات الساحرات ومجلس / كريم الهوى عف المآرب والقصد
تنادمنا فيه تباريح معشر / على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا / فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا / فإن دموع البؤس من ثمن المجد
طابت بكِ الأيام وافرحتاه
طابت بكِ الأيام وافرحتاه / أنتِ الأماني والغنى والحياه
فليذهب الليل غفرنا له / ما دام هذا الصبح عقبى دجاه
يا من غَفَت والفجر من دارها / شعشع في الآفاق أبهى سناه
قد طرق الباب فتى متعب / طال به السير وكلَّت خطاه
نقَّل في الأيام أقدامه / يبغي خيالاً مائلاً في مُناه
عندك قد حطّ رحال المنى / وفي حمى حسنك ألقى عصاه
كم هدأ الليل وران الكرى / إلا أخا سهدٍ يغنِّي شجاه
ناداك من أقصى الربى فاسمعي / لمن على طول اللليالي نداه
نادى أليفاً نام عن شجوه / عذبٌ تجنيه عزيزٌ جناه
أحبّكِ الحب وغنى به / عفَّ الأماني والهوى والشفاه
وإنما الحب حديث العلى / أنشودة الخلد ونحن الرواه
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به / وبما قد أبدع الله ازدهر
وسرى فيه نسيم عَبِقٌ / فكأن الليل بُستَان عطر
قلت يا رب لمن جمَّلته / ولمن هذي الثريات الغرر
فعرا الأفقَ قتام وبَدَت / سحب تحبو إلى وجه القمر
كلما تقرب تمتد له / كأكفّ شرهاتٍ تنتظر
صحت بالبدر تنبه للنذر / أدركِ الهالة حفت بالخطر
لا تبح مائدة النور لهم / لا تبحها لسواد معتكر
قهقه الرعد ودوَّى ساخراً / فكأن الرعد عربيد سكر
قمت مذعوراً وهمت قبضَتي / ثم مدت ثم ردت من خَور
لهف القلب على الحسن إذا / قهقه الغربان والذِئب سخِر
تحتمي الوردة بالشوك فإن / كثر القطاف لم تغن الإبر
آهِ من غصن غنيّ بالجنى / ومِن الطامع في ذاك الثمر
آه من شك ومن حب ومن / هاجِسات وظنونٍ وحذر
كست الأفقَ سواداً لم يكن / غير غيم جاثم فوق الفكر
طالما قلت لقلبي كلما / أنّ في جنبي أنين المحتضر
إن تكن خانت وعقَّت حبنا / فأضِفها للجراحات الأخر
يا من طواها الليل في بَيدائه
يا من طواها الليل في بَيدائه / روحاً مفزعة على ظلمائه
تتلفتين إليَّ في أنحائه / لهف الفؤاد على الشريد التائه
إن تظمئي لي كم ظمئت إليك / جمع الوفاء شقيةً وشقيا
يا منيتي قست الحياة عليك / وجرت مقادرها الجسام عليا
أسفا عليك وأنت روح حائر / والكون أسرارٌ يضيق بها الحجى
تجتاز عابرة ويسرع عابر / وتمر أشباح يواريها الدجى
في وَجنتيك توهج وضرام / وبمقلتيك مدامع وذهول
وكذا تمر بمثلك الأيام / مجهولةً وعذابها مجهول
ولّيتِ قبل لقائنا يا جنتي / لم تظفري مني بقول مسعد
وكعادة الحظ الشقي وعادتي / أقبلت بعد ذهاب نجمي الأوحد
تتعاقب الأقدار وهي مسيئةٌ / كم عقنا ليل وخان نهار
وكأنما هذا الفضاء خطيئة / وكأن همس نسيمه استغفار
وكأنه أحزان قوم ساروا / هذي مآتمهم وثم ظلالها
عفتِ القصور وظلت الأسوار / كمناحة جمدت وذا تمثالها
ران السواد على وجود الدور / وسرى إليّ نحيبها والأدمع
وكأنني في شاطئ مهجور / قد فارقته سفينة لا ترجع
حملت لنا أملا فلما ودعت / لم يبق بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت / ووداع أحبابٍ ودمع مسافر
العمر أكثره سدى وأقله
العمر أكثره سدى وأقله / صفو يتاح كأنه عمرانِ
كم لحظة قصرت ومدت ظلها / بعد الذهاب كدوحة البستان
وتمر في الذكرى خيال شبابها / فكأن يقظتها شباب ثانِ
مَن ذلك الطيف الرقيقِ بجانبي / كفّاه في كفيّ هاجعتان
لكأننا والأرض تُطوى تحتنا / نجمان في الظلماء منفردان
لكأننا والريح دون مسارنا / خطان في الأقدار منطلقان
إني التفت إلى مكانك بعدما / خليته فبكيت سوء مكاني
هل كان ذاك القرب إلا لوعة / ونداء مسغبةٍ إلى حرمان
حمى مقدرة على الإنسان / تبقى بقاء الأرض في الدوران
وكأنما هذي الحياة بناسها / وضجيجها ضرب من الهذيان
قالت تعال فقلت لبيكِ
قالت تعال فقلت لبيكِ / هيهات أعصي أمر عينيك
أنا يا حبيبة طائر الأيك / لم لا أغني في ذراعيك
أفديك مقبلة على جزع / بسطت إليَّ يمين مرتجف
وبها ارتعاشة طائر فزع / من قلبها تسري إلى كتفي
شحبت كلون المغرب الباكي / وتألقت كالنجم عيناها
فتلفتت كحبيس أشراك / وحكى اضطراب الموج نهداها
وأخذت أدفئ بردها بفمي / لو تنفعنَّ حرارة القبل
قلتُ اهدئي لم ثورة الندم / كفَّاك ترتجفان يا أملي
وجذبتها بذراعها نمشي / نمشي وما ندري لنا غرضا
إلفان قد فرا من العش / يتبادلان سعادة ورضا
يا لحظة ما كان أسعدها / وهناءة ما كان أعظمها
مر الغريب فباعدت يدها / وخلا الطريق فقربت فمها
مرت بنا سيارة ومضت / فضاحة خطافة النور
كشفت لعينينا وقد ومضت / ظلين معتنقين في السور
ضحكت لظلينا وقد عجبت / مما يخال فؤاد مذعور
وكأن ضحكتها وقد طربت / قطرات ماء فوق بلور
عوذتها من شر أمسية / تعيا بها وتضل أبصار
وكواكب ليست بمجدية / ظلم مكدسة وأحجار
عثرت بها فرفعتها بيدي / جسماً يكاد يشف في الظلم
ويرف مثل الزهر وهو ندي / ويخف مثل عرائس الحلم
وكأنني مما يسوء خلي / وحياتيَ انجابت حوالكها
أرمي الطريق بناظري رجل / وأنا لها طفل أضاحكها
ملكتها الدنيا بما وسعت / وأنا أهامسها بأسراري
وأسرها بحكاية وقعت / ورواية من نسج أفكاري
وإذا الطريق يسير منعطفا / وإذا رياح تضرب السدفا
وكأن منها منذرا هتفا / بلغ المسير نهاية فقِفا
يا توأما من صدري انتزعا / يا من دعا قلبي له فسعى
لم أيها الداعي هواك دعا / والدهر يأبى أن نظل مَعا
انظر ذراعيَّ اللذين هما / قد طوقاك مخافة البين
أقسم بأنك عائد لهما / إني لممدود الذراعين
الليالي يا ما أمرّ الليالي
الليالي يا ما أمرّ الليالي / غيبت وجهك الجميل الحبيبا
أنت قاس معذب ليت أني / أستطيع الهجران والتعذيبا
إن حبي إليك بالصفح سبّا / ق وقلبي إليك مهما أصيبا
يا حَبيبي كان اللقاء غريبا / وافترقنا فبات كل غريبا
غير أني أستنجد الدمع لا أل / قى مكان الدموع إلا لهيبا
آه لو ترجع الدموع لعيني / جف دمعي فلست أبكي حبيبا
يا فؤادي رحم الله الهوى
يا فؤادي رحم الله الهوى / كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله / واروِ عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً / وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطا من ندامى حلم / هم تواروا أبداً وهو انطوى
يا رياحا ليس يهدا عصفها / نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا / وأفي العمر لناسٍ ما وفى
كم تقلبت على خنجره / لا الهوى مال ولا الجفن عفا
وإذا القلب على غفرانه / كلما غار به النصل عفا
يا غراما كان مني في دمي / قدراً كالموت أوفى طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه / وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه / واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي / أين يمضي هارب من دمه
لست أنساك وقد أغريتني / بفمٍ عذبِ المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ / من خلال الموج مُدّت لغريق
آه يا قِبلة أقدامي إذا / شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له / أين في عينيك ذياك البريق
لست أنساك وقد أغريتني / بالذرى الشم فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي وأنا / لك أعلو فكأني محض روح
يا لها من قمم كنّا بها / نتلاقى وبسرّينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها / ونرى الناس ظلالاً في السفوح
أنتِ حسن في ضحاه لم يَزَل / وأنا عنديَ أحزان الطفَل
وبقايا الظل من ركب رحل / وخيوط النور من نجم أفل
ألمح الدنيا بعيني سئمٍ / وأرى حولي أشباح الملل
راقصات فوق أشلاء الهوى / معولات فوق أجداث الأمل
ذهب العمر هباء فاذهبي / لم يكن وعدك إلا شبحا
صفحة قد ذهب الدهر بها / أثبت الحب عليها ومحا
انظري ضِحكي ورقصي فرحا / وأنا أحمل قلباً ذبحا
ويراني الناس روحاً طائراً / والجَوى يطحنني طحن الرحى
كنت تمثال خيالي فهوى / المقادير أرادت لا يدي
ويحها لم تدر ماذا حطمت / حطمت تاجي وهدت معبدي
يا حياة اليائس المنفرد / يا يباباً ما به من أحد
يا قفاراً لافحاتٍ ما بها / من نجي يا سكون الأبد
أين من عيني حبيب ساحر / فيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكاً / ظالم الحسن شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى / ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة في منطقه / لغة النور وتعبير السماء
أين مني مجلس أنت به / فتنَة تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب ودم / وفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بيننا / ونديم قدم الكأس لنا
وسقانا فانتفضنا لحظة / لغبارٍ آدمي مسنا
قد عرفنا صولة الجسم التي / تحكم الحي وتطغى في دماه
وسمعنا صرخة في رعدها / سوط جلاد وتعذيب إله
أمرتنا فعصينا أمرها / وأبينا الذل أن يغشى الجباه
حكم الطاغي فكنا في العصاه / وطردنا خلف أسوار الحياه
يا لمنفيين ضلا في الوعور / دميا بالشوك فيها والصخور
كلما تقسو الليالي عرفا / روعة الآلام في المنفى الطهور
طردا من ذلك الحلم الكبير / للحظوظ السود والليل الضرير
يقبسان النور من روحيهما / كلما قد ضنت الدنيا بنور
أنت قد صيرت أمري عجبا / كثرت حوليَ أطيار الربى
فإذا قلت لقلبي ساعة / قم نغرد لسوى ليلي أبى
حجبت تأبى لعيني مأربا / غير عينيك ولا مطلبا
أنتِ من أسدلها لا تدعي / أنني أسدلت هذي الحجبا
ولكم صاح بي اليأس انتزعها / فيرد القدر الساخر دعها
يا لها من خطة عمياء لو / أنني أبصر شيئاًَ لم أطعها
وليَ الويل إذا لبيتها / ولي الويل إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي ولو كل القوى / تشتري عزة نفسي لم أبعها
يا حبيبا زرت يوما أيكه / طائر الشوق أغني ألمي
لك ابطاء الدلال المنعم / وتجني القادر المحتكم
وحنيني لك يكوي أعظمي / والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعي / مرهف السمع لوقع القدم
قدم تخطو وقلبي مشبه / موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم بالله إلى كم / أسفح الدمع على موطئها
رحمة أنت فهل من رحمة / لغريب الروح أو ظامئها
يا شفاء الروح روحي تشتكي / ظلم آسيها إلى بارئها
أعطني حريتي أطلق يديّ / إنني أعطيت ما استبقيت شيّ
آه من قيدك أدمى معصمي / لمَ أبقيه وما أبقى عليّ
ما احتفاظي بعهود لم تصنها / وإلام الأسر والدنيا لديّ
ها أنا جفت دموعي فاعف عنها / إنها قبلك لم تبذل لحي
وهب الطائر عن عشك طارا / جفت الغدران والثلج أغارا
هذه الدنيا قلوب جَمَدت / خبت الشعلة والجمر توارى
وإذا ما قبس القلب غدا / من رماد لا تسله كيف صارا
لا تسل واذكر عذاب المصطلي / وهو يذكيه فلا يقبس نارا
لا رعى الله مساءً قاسياً / قد أراني كل أحلامي سدى
وأراني قلب من أعبده / ساخراً من مدمعي سخر العدا
ليت شعري أي أحداث جرت / أنزلت روحك سجناً موصدا
صدئت روحك في غيهبها / وكذا الأرواح يعلوها الصدا
قد رأيت الكون قبراً ضيقا / خيّم اليأس عليه والسكوت
ورأت عيني أكاذيب الهوى / واهيات كخيوط العنكبوت
كنت ترثي لي وتدري ألمي / لو رثى للدمع تمثال صموت
عند أقدامك دنيا تنتهي / وعلى بابك آمال تموت
كنت تدعونيَ طفلاً كلما / ثار حبي وتندت مقلي
ولك الحق لقد عاش الهوى / فيّ طفلاً ونما لم يعقل
ورأى الطعنة إذ صوبتها / فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفل فأدمت قلبه / وأصَابت كبرياء الرجل
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا / عجلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شبت ناره / تأكل الركع فيه والسجودا
يتمنّى لي وفائي عودة / والهوى المجروح يأبى أن نعودا
لي نحو اللهب الذاكي به / لفتة العود إذا صار وقودا
لست أنسى ابداً / ساعة في العمر
تحت ريح صفقت / لارتقاص المطر
نوّحت للذكر / وشكت للقمر
وإذا ما طربت / عربدت في الشجر
هاك ما قد صبت الريح بأذن الشاعر /
وهي تغري القلب إغراء النصيح الفاجر /
أيها الشاعر تغفو / تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التام جرح / جد بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى / وتعلم كيف تمحو
أو كل الحب في رأ / يك غفرانٌ وصفح
هاك فانظر عدد الرمل قلوبا ونساء /
فتخير ما تشاء ذهب العمر هباء /
ضل في الأرض الذي ينشد أبناء السماء /
أي روحانية تعصر من طين وماء /
أيها الريح أجل لكنما / هي حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيب لقلبي خلقت / أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
وعلى موعدها أطبقت عيني / وعلى تذكارها وسدت رأسي
جنت الريح ونادته شياطين الظلام /
أختاما كيف يحلو لك في البدء الختام /
يا جريحا أسلم الجرح حبيبا نكأه /
هو لا يبكي إذا الناعي بهذا نبأه /
أيها الجبار هل تصرع من أجل امرأة /
يا لها من صيحة ما بعثت / عنده غير أليم الذكر
أرقت في جنبه فاستيقظت / كبقايا خنجر منكسر
لمع النهر وناداه له / فمضى منحدراً للنهر
ناضب الزاد وما من سفر / دون زادٍ غير هذا السفر
يا حبيبي كل شيء بقضاء / ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا / ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله / وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته / لا تقل شيئاً وقل لي الحظ شاء
يا مغني الخلد ضيعت العمر / في أناشيد تغنّى للبشر
ليس في الأحياء من يسمعنا / ما لنا لسنا نغني للحجر
للجمارات التي ليست تعي / والرميمات البوالي في الحفر
غنّها سوف تراها انتفضت / ترحم الشادي وتبكي للوتر
يا نداء كلما أرسلته / رد مقهوراً وبالحظ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنى / عاد لي وهو نواحٌ وندم
رب تمثال جمالٍ وسنا / لاح لي والعيش شجو وظلم
ارتمى اللحن عليه جاثياً / ليس يدري أنه حسن أصم
هدأ الليل ولا قلب له / أيها الساهر يدري حيرتك
أيها الشاعر خذ قيثارتك / غن أشجانك واسكب دمعتك
رب لحن رقص النجم له / وغزا السحب وبالنجم فتك
غنّه حتى نرى ستر الدجى / طلع الفجر عليه فانهتك
وإذا ما زهرات ذعرت / ورأيت الرعب يغشى قلبها
فترفق واتئد واعزف لها / من رقيق اللحن وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسى / وبكت مستصرخات ربها
أيها الشاعر كم من زهرة / عوقبت لم تدر يوماً ذنبها
وانتحينا معا مكاناً قصياً
وانتحينا معا مكاناً قصياً / نتهادى الحديث أخذاً وردا
سألتني مللتنا أم تبدلتَ سوا / نا هوىً عنيفاً ووجدا
قلت هيهات كم لعينيك عندي / من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى
أنا ما عشت أدفع الدين شوقا / وحنيناً إلى حماك وسهدا
وقصيداً مجلجلاً كل بيت / خلفه ألف عاصف ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبكم لم يق / ضِ ديون الهوى ولم يرع عهدا
والوعود التي وعدتِ فؤادي / لا أراني أعيش حتى تؤدى
نزل الستار ففيم تنتظر
نزل الستار ففيم تنتظر / خلت الحياة وأقفر العمر
لم يبقَ إلا مقفر تعس / تعوي الذئاب به وتأتمر
هو مسرح وانفض ملعبه / لم يبق لا عينٌ ولا أثر
ورواية رويت وموجزها / صحبٌ مضوا وأحبةٌ هجروا
عبروا بها صوراً فمذ عبروا / ضحك الزمان وقهقه القدر
أصبحت من يأسي لو ان الردى
أصبحت من يأسي لو ان الردى / يهتف بي صحت به هيا
هيا فما في الأرض لي مطمح / ولا أرى لي بعدها شيا
ماذا بقائي ها هنا بعدما / نفضت منه اليوم كفيا
أهرب من يأسي لكأسي التي / أدفن فيها أملي الحيّا
يا أيها الهارب من جنتي / تعال أو هات جناحيا
نبكي شبابينا ونبكي المنى / وترتمي بين ذراعيا
إني على يأسي وكأسي كأبي / وعلى سرابي عاكف وشرابي
ولقد فرغتُ من التعلل بالمنى / إلا وميضاً في الرماد الخابي
رمقاً يعللني بأنك عائد / يوماً لقلبي قبل يوم ذهابي
حتى إذا الأقدار شئن وعدتَ لي / راجعتُ نفسي واتهمت صوابي
أأرى شروقك في أفول مغاربي / وأشم عطرك في ذبول شبابي
هات اسقني واشرب على سر الأسى / وعلى بقايا مهجة وشجاها
مهلاً نديمي كيف ينسى حبها / من ينشد السلوى على ذكراها
ما زلت تسقيني لتنسيني الهوى / حتى نسيت فما ذكرت سواها
كانت لنا كأس وكانت قصة / هذا الحباب أعادها ورواها
الآن غشاها الضباب وها أنا / خلف المآسي والدموع أراها
غال الزمان ضبابها وحبابها / وتبخرت أحلامها ورؤاها
لا تبكها ذهبت ومات هواها / في القلب متسع غدا لسواها
أحببتها وطويت صفحتها وكم / قرأ اللبيب صحيفة وطواها
تلك الوليدة لم تطل بشراها / لمّا تكد تطأ الثرى قدماها
زف الصباح إلى الرمال نداءها / وسرى النسيم عشية فنعاها
أين شط الرجاء
أين شط الرجاء / يا عُباب الهموم
ليلتي أنواء / ونهاري غيوم
أعولي يا جراح / اسمعي الدّيان
لا يهم الرياح / زورق غضبان
البلى والثقوب / في صميم الشراع
والضنى والشحوب / وخيال الوَداع
اسخري يا حياه / قهقهي يا رعود
الصبا لن أراه / والهوى لن يعود
الأماني غرور / في فم البركان
والدجى مخمور / والردى سكران
راحت الأيام / بابتسام الثغور
وتولى الظلام / في عناق الصخور
كان رؤيا منام / طيفك المسحور
يا ضفاف السلام / تحت عرش النور
اطحني يا سنين / مزقي يا حراب
كل برق يبين / ومضه كذاب
اسخري يا حياه / قهقهي يا غيوب
الصبا لن أراه / والهوى لن يؤوب
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء / أما تنفك تسقيني الشقاء
أنا ظمآن لم يلمع سراب / على الصحراء إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليل كلّ نور / تبعت وكلَّ برق قد أضاءَ
فؤادي قل لها لما افترقنا / على شجن وما نرجو اللقاء
حببتكِ ما شدوت لديك شعرا / ولكني اعتصرت لكِ الدماءِ
إذا أنا في هواك أضعت روحي / فلست أضيع فيك دمي هباء
غرامك كان محراب المصلى / كأني قد بلغتُ بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني / ولكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياء / ولا كالعبد ذلاً وانحناء
ولكني حببتك حب حرٌ / يموت متى أراد وكيف شاء
وحبيب كان دنيا أملي / حبه المحراب والكعبة بيته
من مشى يوماً على الورد له / فطريقي كان شوكا ومشيته
من سقى يوماً بماء ظامئاً / فأنا من قدح العمر سقيته
خفق القلب له مختلجاً / خفقة المصباح إذ ينضب زيته
قد سلاني فتنكرت له / وطوى صفحة حبي فطويته
أقبلتُ للنيل المبارك شاكياً / زمني وقد كثرت عليَّ همومي
ومسحت كفي والجبين بمائه / علّي أهدئ ثورة المحمومِ
وجلست أنثر جعبة معمورة / بالذكرياتِ جديدها وقديم
لهفي لحب مات غير مدنس / وشباب عمر مرَّ غير ذميم
خان الأحبة والرفاق ولم أخن / عهدي لهم وصفحتُ صفح كريم
أيخيفني العشب الضعيف أنا الذي / أسلمت للشوك الممض أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه / شممي وتخفق كبرياء همومي
إني لأحمل جعبتي متحديا / زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى / بالذل يوماً في رحاب عظيم
اذكري ذاك المساء
اذكري ذاك المساء / كيف كنا سعداء
لم يدع عندي هماً / ومحا عنك الشقاء
ملأ الدنيا صفاء / عندما شئت وشاء
كلما أقبلت السح / ب فظلَّلن السماء
قاتمات غائمات / يتهادينَ بطاء
لاح نجمٌ من بعيد / فتجلى وأضاء
وتصدَّى قمرٌ را / حَ على الأرض وجاء
ذوت الصبابة وانطوت
ذوت الصبابة وانطوت / وفرغت من آلامها
لكنني ألقى المنا / يا من بقايا جامها
عادت إليَّ الذكريا / تُ بحشدها وزحامها
في ليلة ليلاء أر / رَقني عصيب ظلامها
هدأت رسائل حبها / كالطفل في أحلامها
فحلفت لا رقدت ولا / ذاقت شهي منامها
أشعلت فيها النار تر / عى في عزيز حطامها
تغتال قصة حبنا / من بدئها لختامها
أحرقتها ورميت قل / بي في صميم ضرامها
وبكى الرماد الآدمي / يُ على رماد غرامها
يا قاسي البعد كيف تبتعد
يا قاسي البعد كيف تبتعد / إني غريب الديار منفرد
إن خانني اليوم فيك قلت غداً / وأين مني ومن لقاك غد
إنّ غداً هوة لناظرها / تكاد فيها الظنون ترتعد
أطل في عمقها أسائلها / أفيك أخفى خياله الأبد
يا لامس الجرح ما الذي صنعت / به شفاه رحيمة ويد
ملء ضلوعي لظى وأعجبه / إني بهذا اللهيب أبترد
يا تاركي حيث كان مجلسنا / وحيث غناك قلبي الغرِد
أرنو إلى الناس في جموعهم / أشقتهم الحادثات أم سعدوا
تفرقوا أم هم بها احتشدوا / وغوروا هابطين أم صعدوا
إني غريب تعال يا سكني / فليس لي في زحامهم أحَد
أجل أهواك أنتِ مُنى حياتي
أجل أهواك أنتِ مُنى حياتي / وأنت أحبُّ من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى / هوى قد كان إلهامي ونبعي
لبست من التصبر عنك درعا / فها أنا تنزع الأيام درعي
وها أنا لا أورّي عنك سرا / عرفت محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا فؤادي / كأن خفوقه خلجات نزع
أبشره فيرقص في ضلوعي / وأنظر سود أيامي فأنعي
وقد نضب الخيال وغاض طبعي / ومات على حياض اليأس زرعي
أجرجر وحدتي في كل حشد / وأحمل غربتي في كل جمع
مزّقته فصار والله لا يقدر / حتى أن يسأل الله رفقا
لجة بعد لجة كلما صارع / ردت له أمانيه غرقى
فيلق بعد فيلق حجب الشمس / ولم يبق للنواظر أفقا
وسنان الغروب تغزوه حمرا / وسنان العذاب تطعن زرقا
وجيوش الظلام تزحف زحفا / وثقال الأقدام تسحق سحقا
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني / رفاقي تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي / وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجت من الديار أجر همي / وعدت إلى الديار أجر ساقي
طلبت الكتابة يا جنتي
طلبت الكتابة يا جنتي / وماذا تريدين أن أكتبا
وما في الجوانح خاف عليك / وقلبك يعلم ما غيبا
سأكتب أنك أنت الربيع / وأنك أنضر ما في الربى
وأنك أنت الجمال الفريد / وفجر الشباب وحلم الصبا
أهلل باسمك عند الصباح / وأطوي على ذكرك المغربا
يا ويلتا من عمري الباقي / هذا سواد تحت أحداقي
هذا بياض الشيب واعجبي / من مغرب في زِي إشراق
ويلي على كأسٍ معربدة / وعلى دم في الكأس مهراق
وعلى سراب خادع وعلى / متألق اللمحات براق
طاف الزمان به على نفر / مالوا بهاماتٍ وأعناق
صرعوا وأنت تظنهم سكروا / مات الندامى أيها الساقي
يا دهر لم أشك الكلال ولا / ملكت خطوب الدهر إرهاقي
عذبت أيامي بعفتها / وقتلتها بصفاء أخلاقي
يا كم غرست وكم سقيت وكم / نضرت من زهر وأوراق
ما حيلتي والأرض مجدبة / سيان إقلالي وإغداقي
أين الذين رفعت فانحدروا / وبنيتهم بنيان خلاق
إن الوفاء بضاعة كسدَت / ومآل صاحبها لإملاق
إن كنت لم أغنم فقد ظفروا / مني بمغفرتي وإشفاقي
لكنني والجرح يُلهب لي / حسي ويكوي كَي إحراق
هيهات أنسى أنهم عبثوا / ووفيتُ لم أعبث بميثاقي
كل الورى يدعون حبك
كل الورى يدعون حبك / أنا الوحيد الذي أحبك
صدرك فيه اضطراب شوق / يقرع قرع العباب جنبك
فكيف تخلي به مكاني / وتسكن الغادرين قلبك
لما اعتنقنا على اشتياق / لمست بالساعدين خطبك
تعال لا تعتذر لذنب / بقدر حبي غفرت ذنبك
طال على المتعب الطريق / بلا حبيب ولا صديق
قد بعد الشاطئ المرجى / والموج لا يرحم الغريق
في واضح النور جنح ليل / وفي الرحاب الفساح ضيق
يا أرجوان الغروب مهلا / ولتئد أيها العقيق
صبغت عمري فصرت أمشي / على دمائي التي أريق
يا مسرحاً والفصول تترى / عليه ما لي بك اغترار
فلا بخير ولا بشر / ولا طوال ولا قصار
ما خنت عهدي لمن تولى / كلا ولا خانني اصطبار
أين الليالي التي تسر / بلا لقاء ولا مزار
كم قلت ذا مشهد يمر / ولم أقل إنه ستار
إن كان للمشجيات رسمٌ / إني تمثالها المقام
بلا دموع ولا شكاةٍ / قد جمد الدمع والكلام
يا طالب الحزن في المآقي / لا تنشد الدمع في الرخام
وخذه من أخرس مرير / من شفه دمعها سجام
فهل فمٌ قد بكى بكائي / من ذا رأى دمعةَ ابتسام