القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : سَعْدي الشِّيرازيّ الكل
المجموع : 35
الحمدُ للّهِ ربّ العالمين على
الحمدُ للّهِ ربّ العالمين على / ما درّ مِن نعمَةٍ عزّ اسمُه وَعَلا
الكافلِ الرزقَ إحساناً وموهِبَةً / إن أحسنوهُ وإن لم يحسِنوا عمَلا
سبحانَهُ من عظيمٍ قادرٍ صمَدٍ / مُنشي الوَرى جيَلاً من بعدِهِم جيَلا
الجِنُّ والإنسُ والأكوانُ جمهَرَةً / تخِرُّ بينَ يدَيهِ سجَّداً ذُلُلا
طوبى لطالبِه تعساً لتاركِهِ / بُعداً لمُتَّخّذٍ من دونه بَدَلا
كَم في البريّةِ من آثارِ قدرتِه / وفي السماءِ لآيات لمَن عقَلا
مبَيِّناتٌ لمَن أضحى له بصَرٌ / بنورِ معرِفَةِ الرحمنِ مكتَحِلا
يُزجى السحائبَ والآكامُ هامِدَةٌ / يعيدها بعدَ يُبسٍ مربَعاً خضِلا
أنشا برحمَتِهِ من حبَّةٍ شجرَاً / سوّى بقُدرَتِهِ من نطفَةٍ رجُلا
مولىً تقاصَرَت الأوهامُ عاجِزَةً / لا يهتدونَ إلى إدراكِهِ سُبُلا
ما العالمونَ بمحصى حقّ نعمَتِهِ / ولا الملائكُ في تسبيحهِم زجَلا
سعديُّ حسبُك واقصَر عن مبالغةٍ / لا تنطِقَنّ بدَعوى تورِثُ الخجَلا
جلّ المهَيمِنُ أن تُدرى حقائِقُهُ / من لا لهُ المثلُ لا تَضرِب لهُ مثَلا
حبَستُ بجَفنَيَ المدامِعَ لا تجري
حبَستُ بجَفنَيَ المدامِعَ لا تجري / فَلَمّا طَغى الماءُ استطالَ على السكرِ
نسيمَ صبا بغدادَ بعد خرابِها / تمَنَّيتُ لو كانت تَمُرُّ على قبري
لأنّ هلاكَ النفسِ عندَ أولى النُهى / أحَبُّ لهم من عيشِ منقَبِضِ الصدرِ
زجَرتُ طبيباً جسّ نبضى مداوياً / إليك فما شكوايَ من مرَضٍ يَبرى
لزِمتُ اصطباراً حيثُ كنتُ مفارِقاً / وهذا فراقٌ لا يعالجُ بالصبر
تُسائِلُني عمّا جرى يوم حصرَهِم / وذلكَ مما ليسَ يدخُلُ في الحصرِ
أديرَت كؤوسُ الموت حتى كأنّه / رُؤوسُ الأسارى ترجَحِنّ من السكرِ
لَقَد ثكِلَت أمّ القُرى ولكَعبةٍ / مدامِعُ في الميزابِ تسكُبُ في الحِجرِ
بكَت جُدُرُ المستَنصريّةِ نُدبَةً / على العلماءِ الراسخينَ ذوي الحُجرِ
نوائبُ دهرٍ ليتَني متُّ قبلَها / ولم أرَ عدوان السفيهِ على الحبرِ
محابِرُ تبكى بعدَهم بسوادِها / وبعض قلوبِ الناس أحلكث من حبرِ
لحى اللَهِ من يُسدى إليهِ بنِعمَةٍ / وعندَ هجومِ الناس يألَفُ بالغَدرِ
مرَرتُ بصُمِّ الراسياتِ أجوبُها / كخَنساءَ من فرطِ البكاءِ على صخرِ
أيا ناصحي بالصبرِ دعني وزَفرَتي / أمَوضِعُ صبرٍ والكُبودُ على الجمرِ
تهَدّمَ شخصي من مداوَمَةِ البُكى / ويَنهَدِمُ الجوفُ الدوارِسُ بالمخرِ
وقفتُ بعبّادانَ أرقُبُ دجلَةً / كمِثلِ دمٍ قانٍ يسيلُ إلى البحرِ
وفائضُ دمعي في مصيبَةِ واسِطٍ / يزيدُ على مدّ البحيَرةِ والجزرِ
فجَرتُ مياهَ العينِ فازدَدتُ حرقَةً / كما احترَقَت جوفُ الدماميل بالفجر
ولا تسألنّي كيف قلبُك والنوى / جراحةُ صدري لا تبَيًَّنُ بالسبرِ
وهب أنّ دار الملك ترجعُ عامراً / ويُغسَلُ وجهُ العالمين من العفر
فأينَ بنو العباس مُفتَخَر الورى / ذوو الخلقِ المرضيّ والغُرَرِ الزهرِ
غدا سمَراً بينَ الأنامِ حديثُهُم / وذا سمرٌ يُدمى المسامِعَ كالسمرِ
وفي الخبرِ المرويِّ دينُ محمّدٍ / يعودُ غريباً مثلَ مبتَدإِ الأمرِ
أأغرَبَ من هذا يعودُ كما بدا / وسبيُ ديار السلمِ في بلَدِ الكُفرِ
فلا انحَدَرَت بعد الخلائفِ دجلَةٌ / وحافاتُها لا أغشَبَت ورقَ الخُضرِ
كَأنَّ دمَ الأخوَينِ أصبحَ نابِتاً / بمَذبحِ قتلى في جوانبِه الحمرِ
بكَت سمراتُ البيدِ والشيحُ والغضا / لكَثرَةِ ما ناحت أغارِبَة القفرِ
أيُذكَرُ في أعلى المنابرِ خطبَةٌ / ومستَعصِمٌ باللَه لم يك في الذكر
ضفادِعُ حول الماءِ تلعَبُ فرحَةً / أصبَرٌ على هذا ويونُسُ في القعرِ
تزاحَمَت الغربانُ حول رسومِها / فأصبحَت العنقاءُ لازمةَ الوكرِ
أيا أحمدُ المعصومُ لستَ بخاسِرٍ / وروحُك والفردَوس عسرٌ معَ اليُسر
وجنّاتُ عدنٍ خُفِّفَت بمكارِهٍ / فلابُدَّ من شوكٍ على فنَنِ البُسر
تهنأ بطيبِ العيشِ في مقعدِ الرضا / ودَع جيَفِ الدنيا لطائِفَةٍ النسر
ولا فرق ما بين القتيل ومَيِّتٍ / إذا قمتُ حياً بعد رَمسك والنخرِ
تحيّةُ مشتاقٍ والفُ ترَحُّمٍ / على الشهداءِ الطاهرين من الوزرِ
هنيئاً لهم كأسُ المنيّةِ مترَعاً / وما فيه عند اللَه من عظم الأجر
فلا تحسَبَنَّ اللَه مخلِفَ وعدِهِ / بأنّ لهُم دار الكرامةِ والبشرِ
علَيهم سلامُ اللَهِ في كلِّ ليلَةٍ / بمَقتَلَةِ الزورا إلى مطلَعِ الفجرِ
أأبلغُ من أمرِ الخلافةِ رتبَة / هلُمَّ انظروا ما كان عاقِبَةَ الأمر
فلَيتَ صماخي صَمَّ قبل استماعهِ / بهتك أساتير المحارمِ في الأسر
عدَونَ حفايا سبسَباً بعد سبسَبٍ / رخائمُ لا يسطعنَ مشياً على الحبر
لعَمرك لو عاينتَ ليلَةَ نفرِهم / كَأنَّ العذارى في الدجى شُهُبٌ تَسرى
وإنّ صباحَ الأسرِ يوم قيامَةٍ / على أمَمٍ شعثٍ تُساقُ إلى الحشر
ومستصرخٍ يا للمروءةِ فانصروا / ومن يصرِخُ العصور بين يدى صقر
يساقون سوق المعزِ في كبدِ الفلا / عزائزُ قومٍ لم يعوّدنَ بالزَجرِ
جلبِنَ سبايا سافراتٍ وجوهُها / كواعِبَ لم يبرزنَ من خلَلِ الخدرِ
وعترَةُ قنطوراء في كل منزلٍ / تصيحُ بأولادِ البرامك من يشرى
تقومُ وتجثو في الماجرِ واللوى / وهل يختفى مشيء النواعمِ في الوعرش
لقد كان فكري قبل ذلك مائزاص / فأحدثَ أمرٌ لا يحيطُ به فكر
وبين يدى صرف الزمان وحكمهِ / مغلّلةٌ أيدي الكياسةِ والخُبرِ
وقفتُ بعبّادان بعد صراتِها / رأيتُ خضيباً كالمنى بدَمِ النحرِ
محاجرَ ثكلى بالدموع كريمةً / وإن بخِلَت عينُ الغمائمِ بالقطرِ
نعوذُ بعفو اللَه من نارِ فتنَةٍ / تَأَجَّجُ من قطرِ البلاد إلى قُطرِ
كأنّ شياطينَ القيودِ تفلّتَت / فسالَ على بغداد عينٌ من القطر
بَدا وتعالى من خراسانَ قسطَلٌ / فعاد ركاما لا يزولُ عن البدرِ
إلامَ تصاريفُ الزمان وجورُه / تكلّفنا ما لا نطيقُ من الإصر
رعى اللَهُ إنساناً تيَقَّظَ بعدَهم / لأنّ مصابَ الزيد مزجرةُ العمرو
إذا كانَ للإِنسانِ عندَ خطوبِه / يزولُ الغنى طوبى لمَملكَةِ الفقرِ
ألا إنّما الأيّامُ ترجعُ بالعَطا / ولم تكسُ إلا بعد كسوتِها تُعرى
وراءَك يا مغرورُ خنجَرُ فاتكٍ / وأنتَ مُطأطس لا تفيقُ ولا تدري
كناقَةِ أهل البدو ظلّت حمولَةً / إذا لم تطِق حملاً تساقُ إلى العقرِ
وسائرُ ملكٍ يقتَفيه زوالُه / سوى ملكوتِ القائمِ الصمَدِ الوَترِ
إذا شمِتَ الواشي بمَوتى فَقُل لهث / رُوَيدك ما عاش امرؤٌ أبد الدهر
ومالكُ مفتاح الكنوزِ جميعِها / لدى الموتِ لم تخرُج يداهُ سوى صفرِ
إذا كان عندَ الموتِ لا فرقَ بينَنا / فلا تنظُرَنَّ الناسَ بالنَظَرِ الشزرِ
وجاريهُ الدنيا نعومةُ كلّها / محَبّبةٌ لكنّها كلِبُ الظفرِ
ولو كان ذو مالٍ من الموت فالِتاً / لكانَ جديراً بالتعاظُمِ والكبرِ
ربِحتَ الهدى إن كنتَ عاملَ صالحٍ / وإن لم تكُن والعصرِ إنّك في خُسرِ
كما قال بعضُ الطاعنينَ لقرنِه / بسُمرِ القنانيلَت معانِقَةُ السمرِ
أمُدّخِرَ الدنيا وتاركَها أسىً / لدار غدٍ إن كان لابُدّ من ذُخرِ
على المرءِ عارٌ كثرَةُ المالِ بعدَ / وإنّك يا مغرورُ تجمَعُ للفَخرِ
عَفا اللَه عنّا ما مضى من جريمَةٍ / ومَنّ علَينا بالجميلِ من الصبر
وصانَ بلادَ المُسلمينَ صيانَةً / بدولَةِ سلطانِ البلاد أبى بكرِ
مليكُ غدا في كلّ بلدَةٍ اسمُه / عزيزاً ومحبوباً كيوسُفَ في مصرِ
لقد سعدَ الدنيا به دام سعدهُ / وأيّدَهُ المولى بألويَةِ النصر
كذلك تنشا لينَةٌ هو عرقُها / وحسنُ نباتِ الأرضِ من كرَمِ البذرِ
ولو كان كِسرى في زمانِ حياتهِ / لقال إلهي اشدُد بدَولَتِه أزرى
بِشُكرِ الرعايا صين من كلّ فتنَةٍ / وذلك أن اللُبّ يحفظُ بالقِشر
يُبالِغث في الإنفاقِ والعدل والتقى / مبالغةَ السعديّ في نُكَتِ الشعر
وما الشعرُ أيمُ اللّهِ لستُ بمُدّعٍ / ولو كان عندي ما ببابِلَ من سحرِ
هنالكَ نقّادونَ علماً وخبرَةً / ومنتخبو القول الجميلِ من الهجرِ
جرَت عبَراتي فوق خدّي كآبضةً / فأنشأتُ هذا في قضيّةِ ما يجرى
ولو سبقتني سادةٌ جلّ قدرُهُم / وما حسُنَت منّي مجاوَزَةُ القدرِ
ففي السمطِ ياقوتٌ ولعلٌ وجاجَةٌ / وإن كان لي ذنبٌ يُكَفَّرُ بالعُذر
وحرقَةُ قلبي هيّجتني لنَشرِها / كما فعلَت نارُ المجامرِ بالعِطر
سطَرتُ ولولا غضُّ عيني على البُكا / لرَقرَقَ دمعي حسرةً فمَحا سطرى
أحدّثُ أخباراً يضيقُ بها صدري / وأحمِلُ آصاراً ينوءُ بها ظهري
ولا سيّما قلبي رقيقٌ زجاجُه / ومُمتَنِعٌ وصلُ الزجاجِ لدى الكَسرِ
ألا إنّ عصري فيه عيشى منكّدٌ / فَلَيتَ عشاءَ الموتِ بادرَ في عصري
خليليّ ما أحلى الحياةَ حقيقةً / واطيبَها لولا المماتُ على الإثرِ
ورَبُّ الحجى لا يطمئنُّ بعيشةٍ / فلا خيرَ في وصلٍ يُرَدّّفُ بالهجرِ
سواءٌ إذا ما متّ وانقطَع المُنى / أمخزَنُ تبنس بعد موتِكَ أم تبرِ
ما دامَ ينسَرِحُ الغزلانُ في الوادي
ما دامَ ينسَرِحُ الغزلانُ في الوادي / إحذَر يفوتُكَ صيدٌ يابنَ صيّاد
واعلم بأنّ أمامَ المرءِ باديَةً / وقاطعُ البرّ محتاجٌ إلى الزادِ
يا من تملّكَ مألوفَ الذين غدَوا / هل يطمئنُّ صحيحُ العقلِ بالغادي
وإنّما مثلُ الدنيا وزينتِها / ريحٌ تمرُّ بآكام وأطوادِ
إذ لا محالةَ ثوبُ العُمر منتزَعٌ / لا فرقَ بين سقُلّاطٍ وَلُبّادِ
ما لابنِ آدمَ عندَ اللّه منزِلَةٌ / إلّا ومنزلُهُ رحبٌ لقُصّادِ
طوبى لمَن جمعَ الدنيا وفَرَّقَها / في مصرفِ الخيرِ لا باغٍ ولا عادِ
كما تيَقَّنُ أنّ الوقتَ منصَرِفٌ / أيقِن بأنّك محشورٌ لميعاد
ورُبّما بلَغَت نفسٌ بجودَتِها / مالا يُبَلِّغُها تهليلُ عبّاد
ركبُ الحجازِ تجوبُ البرَ في طمَعٍ / والبِرُّ أحسَنُ طاعاتٍ وأوراد
جُد وابتسِم وتواضَع واعفُ عن زَلَل / وانفَع خليلَك وانقَع غُلَّةَ الصادي
ولا تضِرك عيونٌ منك طامِحَةٌ / إن الثعالِبَ ترجو فضلَ آسادِ
وهل تكادُ تُؤَدّى حَقَّ نعمتِهِ / والشكرُ يقصُرُ عن إنعامِهِ البادي
إن كُنتَ يا ولدي بالحقِّ منتَفِعاص / هذي نصيحةُ آباءٍ لأولادِ
ولم أخُصّك من بينِ الأنامِ بها / إلّا وأنتَ رشيدٌ قبلَ إرشادي
هذي طريقةُ مهديينَ من سلفس / هذي طويّةُ ساداتٍ وأمجادِ
لا تعتبنّ على ما فيه من عظَةٍ / إنّ النصيحةَ مألوفي ومعتادي
قَرَعتُ بابك والإقبالُ يهتِفُ بي / شرَعتُ في منهَلٍ عذبٍ لورّادِ
غنّيتُ باسمك والجدرانُ من طرَبٍ / تكادُ ترقُصُ كالبعرانِ للحادي
يا دولَةً جمعَت شملي برؤيتِه / بلّغتني أمَلاً رغماً لحُسّادي
يا أسعدَ الناس جداً ما سعى قدَمي / إليكَ إلّا ارادَ اللّه إسعادي
إني اصطفَيتُك دون الناس قاطبَةً / إذ لا يُشَبّهُ أعيانٌ بآحاد
دم يا سحابُ لجوِّ الفرسِ منبَسِطاً / وامطُر نداك على الحُضّارِ والبادي
خيرٌ أريدُ بشيرازٍ حلَلتَ بهِ / يا نعمَةَ اللَهِ دومي فيه وازدادي
لا زلتَ في سعَةِ الدنيا ونعمَتِها / ما اهتَزَّ روضٌ وغَنّى طيرُهُ الشادي
تمّ القصيدةُ أبقى اللَهُ شانِئَكُم / بقاءَ سمسِمَةٍ في كيرِ حدّادِ
الحمدُ للّهِ ربّ العالمين على
الحمدُ للّهِ ربّ العالمين على / ما أوجبَ الشكرَ من تجديدِ آلائه
واستنقَذَ الدين من كلابِ سالبِه / واستنبَط الدرّ من غاياتِ دأمائه
بقائدٍ نصَرَ الإسلامَ دولُته / نصراً وبالغَ في تمكينِ إعلائه
كهفُ الأماثلِ فخر الدين صاحبُنا / مولىً تقاصَرَتِ الأوهامُ عن رائه
ما انحَلَّ منعَقِدٌ إلا بهِمّتِه / وحلّ داهيَةٌ إلّا بأعدائه
يُثنى علَيهِ ذوو الأحلامِ جمهَرَةً / وما هنالِكَ مثنٍ حقّ إثنائه
لولا يمُنُّ بهِ رَبُّ العبادِ على / شيرازَ ما كان يرجو البرءَ من دائه
فالحمدُ لِلّهِ حمداً لا يُحاطُ بهِ / والعالمون حيارى دون احصائه
لا زال في نِعَمٍ والحقّ ناصِرُ / بحَقِّ ما جمَعَ القرآنُ من آئه
تَعَذَّرَ صمتُ الواجدينَ فصاحوا
تَعَذَّرَ صمتُ الواجدينَ فصاحوا / ومن صاحَ وجداً ما عليهِ جناحُ
أسَرّوا حديثَ العشقِ ما أمكنَ التُقى / وإن غلَبَ الشوقُ الشديدُ فباحوا
سَرى طيفُ من يجلو بطَلعَتهِ الدُجى / وسائرُ ليلِ المُقبلينَ صباحُ
يُطافُ عليهم والخليّونَ نُوّمٌ / ويُسقونَ من كأسِ المدامِعِ راحُ
سمَحتُ بدُنيائي وديني ومُهجَتي / ونفسي وعَقلي والسماحُ رباحُ
وأقبَحُ ما كان المكارِهُ والأذى / إذا كان من عندِ الملاحِ مِلاحُ
ولو لم يكُن سمع المعاني لبعضِنا / سمع الأغاني زخرفٌ ومُزاحُ
أصيحُ اشتياقاً كلّما ذكِرَ الحمى / وغايةُ جهدِ المستهامِ صياحُ
ولا بد من حيّ الحبيبِ زيارَة / وإن ركِزَت بينَ الخيامِ رماحُ
هنالكَ دائى فرحَتي ومنيّتي / حياتي وموتُ الطالبينَ نجاحُ
يقولون لثمُ الغانياتِ محرّمٌ / أسفكُ دماءِ العاشقين مباحُ
ألا إنّما السعديّ مشتاقُ أهلهِ / تشَوُّقَ طيرٍ لم يطعهُ جناحُ
رضينا من وصالك بالوعودِ
رضينا من وصالك بالوعودِ / على ما أنت ناسيةُ العهود
ترَكتِ مدامِعي طوفانَ نوحٍ / ونارَ جوانِحي ذاتَ الوقودِ
صرَمتِ حبالَ ميثاقي صدوداً / والزمُهُنَّ كالحَبلِ الوَريدِ
نفَرتِ تجانُباً فاصفَرَّ وردى / فعودي ربّما يخضَرُّ عودي
متى امتلأَت كؤوسُ الشوقِ يغنى / أنينُ الوجدِ من نغماتِ عودِ
وأصبحَ نومُ أجفاني شريداً / لعلّكِ أي مليحَةِ أن ترودي
أليس الصدرُ أنعمَ من حريرٍ / فكَيفَ القلبُ أصلَبُ من حديدِ
وكم تنحَلُّ عقدَةُ سلكِ دمعي / لرَبّاتِ الأساورِ والعقودِ
أكادُ أطيرُ في الجوّ اشتياقاً / إذا ما اهتَزَّ باناتُ القدودِ
لقَد فتّنتني بسوادِ شعرٍ / وحمرَةِ عارِضٍ وبياضِ جيدِ
وأسفَرَت البراقِعُ عن خدودٍ / أقولُ تحمّرت بدَمِ الكبودِ
وغربيبُ العقائص مرسلاتس / يَطُلنَ كليلَةِ الدَنفِ الوحيدِ
غدائرُ كالصوالجٍ لاوياتٌ / قد التفّت على أُكَرِ النهودِ
ليالي بعدِهِنَّ مساءث موتٍ / ويومُ وصالهِنَّ صباحُ عيدِ
ألا إنّي شغِفتُ بهِنَّ حقاً / وكيفَ الحق أسترُ بالجحودِ
ولو أنكرتُ ما بي ليسَ يخفى / تغَيُّرُ ظاهري أدنى شهودي
تشابَه بالقيامةِ سوءُ حالي / وإلّا لم تكُن شهِدَت جلودي
لقد حمَلَت صروفُ الدهر عزمي / على جوبِ القِفارِ وقطعِ بيدِ
نهَضتُ أسيرُ في الدُنيا نطلاقاً / فأوثَقَني المودَةُ بالقُيودِ
ولازَمَني لزامَ الصبرِ حتّى / سعدتُ بطَلعةِ الملك السعيدِ
من استحمى بجاه جليل قدرٍ / لقَد آوى إلى رُكنٍ شديدِ
أمَطلعُ شمسٍ بابُ دارِك أم بدرِ
أمَطلعُ شمسٍ بابُ دارِك أم بدرِ / أقَدُّك أم غُصنٌ من البانِ لا أدري
تميسُ ولم تحسِن إلَيَّ بنظَرةٍ / ملَكت غنىً لا تكبُرَنَّ على فَقري
أكادُ إذا تمشى لدَيَّ تبَختُراً / أموتُ وأحيى إن مرَرَتَ على قبري
توارَيتَ عنّي بالحجابِ مغاضِباً / وهل يتوارى نورُ وجهِك بالخِدر
ألم ترَني إحدى يدَيَّ مُبَسِّطاً / إليك والاخرى من يدي على صدري
أتأمُرني بالصبرِ عنك جلادةً / وعندي غرامٌ يستطيلُ على الصبر
أباحَ دمى ثغرٌ تبَسَّمَ ضاحِكاً / عسى يرحَمُ اللَهُ القتيلَ على الثغرِ
ورُبَّ صديقٍ لامني في ودادهِ / ألم يرَهُ يوماص فيوضِحَ لي عُذري
أسيرَ الهوى إن شئتَ فاصرُخ شكايَةً / وإن شِئتَ فاصبر لافكاك عنِ الأسرِ
ومَن شَرِبَ الخمرَ الذي أنا ذُقتُه / إلى غدِ حشرس لا يفيقُ من السكرِ
إن هجَرتُ الناسَ واختَرتُ النوى
إن هجَرتُ الناسَ واختَرتُ النوى / لا تلوموني فإنّ العذرَ بان
زمَنٌ عوّج ظهري بعدما / كنتُ أمشى وقوامي غصنُ بان
طالما صُلتُ على أسدِ الشَرى / وبقَيتُ اليومَ أخشى الثعلُبان
كيفَ لهوى بعد أيّام الصبى / وانقضى العمرُ ومَرَّ الطيبان
على قلبيَ العدوانُ من عينيَ الّتي
على قلبيَ العدوانُ من عينيَ الّتي / دعَتهُ إلى تيهِ الهوى فأضَلَّتِ
مسافِرُ وادي الحبِّ لم يرجُ مخلَصاً / سلامٌ على سُكّانِ أرضي وحِلّتي
متى طلَعَ البدرُ واشتَعَلتُ صبابَةً / بما في فؤادي من بدورِ أكلّةِ
أهذا هلالُ العيد أم تحتَ برقُعٍ / تلوحُ جباهُ العين شبهَ أهِلَّةِ
علَت زفَراتي فوقَ صوتِ حُدائِهم / غداةَ استقَلّوا والمطايا أقلَّتِ
كأَنّ جفوني عاهَدت بعد بعدِهِم / بأن لم تزَل تبكي أسى وتألّتِ
تَبِعتُ الهوى حتّى زلَلتُ عنِ الهُدى / وهذا الذي ألقى عقوبةُ زَلّتي
أخلّايَ مما حلّ بي شمِتَ العِدى / أتشمَتُ أعدائ وأنتم أخِلّتي
وإن كان بلوائي وذُلّي بأمرِكُم / فأشكرُ بلوائي وأرضى مذَلّتي
عشيّةَ ذكراكُم تسيلُ مدامعي / وبي ظمَأٌ لا ينقَعُ السيلُ غُلّتي
أيُمنَعُ مثلي من ملازَمَةِ الهَوى / وقد جُبِلَت في النفسِ قبلَ جبِلّتي
رُسومُ اصطباري لم يزَل مطَرُ الأسى / يهَدِّمُها حتّى عفَت واضمَحَلَّتِ
و ما كانَ قلبي غيرَ مجتَنِبِ الهوى / فدَلَّتهُ عيني بالغرورِ ودُلَّتِ
ألَم تَرَني في روضَةِ الحبِّ كلّما / ذوَت مطَرَت سحبُ العيونِ فبَلَّتِ
أما كان قتلُ المسلمينَ محرّماً / لحى اللَهُ سمرَ الحيّ كيفَ استحَلِّتِ
وها نفس السعديِّ أولى تحيّةٍ / تُبَلِّغُكُم ريحُ الصباح حيثُ حلّتِ
ملَك الهوى قلبي وجاشَ مغيرا
ملَك الهوى قلبي وجاشَ مغيرا / ونهى الموَدَّةَ أن أصيحَ نفيرا
أضحَت علَيَّ يدُ الغرامِ طويلَةً / وذراعُ صبري لا يزالُ قصيرا
يا ناقِلاً عنّي بأنّيَ صابرٌ / لقد افتَرَيتَ عليّ قولاً زورا
من منصفي ممّن يُقَدِّرُ جورَه / عدلاً ويجعَلُ طاعَتي تقصيرا
لم يرضَني عبداً وبينَ عشيرَتي / ما كنتُ أرضى أن أكونَ أميرا
يا سائلاً عن يوم جَدَّ رحيلُهم / ما كان إلّا ليلَةً ديجورا
لم تحتَبِس ركبٌ بوادٍ معطِشٍ / إلّا جمَعتُ من البكاءِ غديرا
كم اتّقى هيفَ القدودِ تجانُبا / فيَغُرُّني كحَلُ العيونِ غُرورا
هل يُطفِئَنَّ الصبرُ نارَ جوانحي / ومعالِمُ الأحبابِ تلمَعُ نورا
ولواعِبُ الخيلِ استوَين كواعِباً / وأهِلَّةُ الحيّ اكتمَلنَ بدورا
ودَّ الأسارى أن يُفَكّ وثاقُهم / وأوَدُّ أنّي لا أزالُ أسيرا
إن جازَ خلُّ تستَعِن بنظيرِه / إلّا خليلاً لم تجِدهُ نظيرا
رحِمِ الأعادي لوعَتي وتوَجّعي / ما للأحِبَّةِ يعرِضون نفورا
إن لم تُحِسُّ بزَفرَتي وتَشَوّقي / أنصِت فتَسمَعَ للبكاءِ صريرا
يا صاحبي يومَ الوصالِ منادِماً / كن لي لياليَ بعدِهِنَّ سميرا
هل بِتَّ يا نفس الربيع بِجَنَّةٍ / أم جئتَ من بلَدِ العراقِ بشيرا
عجَباً بأني لستُ شارِبَ مسكِرٍ / وأظَلُّ من سُكرِ الهوى مخمورا
صرفاً محا عقلي وردّ قراءَتي / شعراً وغَيَّرَ مسجدي ماخورا
ظَمَأ لقَلبي لا يكادُ يسيغُهُ / رشفُ الزلالِ ولَو شرِبتُ بحورا
ماذا الصبا والشيبُ غيَّرَ لمّتي / وكَفى بتغيير الزمان نذيرا
يا آلِفاً بخليلِه بك نعمَةٌ / إحذَر فديتُك أن تكونَ كفورا
قطعُ المهامِهِ واحتمالُ مشَقَّةٍ / لرضى الأحبَّةِ لا يُظَنُّ كثيرا
حسوُ المرارَةِ في كؤوسِ ملامَةٍ / حلوٌ إذا كان الحبيبُ مديرا
وجَلالَةُ المنظورِ لم تتَجَلَّ لي / لو لم تكُن نفسي لدَيَّ حقيرا
يا مَن به السعديُّ غابَ عنِ الورى / أرفُق بمَن أضحى اليك فقيرا
صلني ودَع ثمَّ النعيمَ لأهلهِ / لا أشتَهي إلا إليك مصيرا
فرضٌ على متَرَصِّدِ الأمَلِ البعي / دِ بأن يكوم معَ الزمانِ صبورا
ولعَلَّ ان تبيضَّ عيني بالبُكا / ارتَدَّ يوماً ألتَقيك بصيرا
حدائقُ روضاتِ النعيمِ وطيبُها
حدائقُ روضاتِ النعيمِ وطيبُها / تضيقُ على نفسٍ يجورُ حبيبُها
فيالَيتَ شعري أيّ أرضٍ ترَحّلوا / وبيني وبينَ الحيِّ بيدٌ أجوبُها
ذكَرتُ ليال الوصلِ واشتاقَ باطِني / فيا حبّذا تلك الليالي وطيبُها
ومجلِسُنا يحكى منازِلَ جنَّةٍ / وفي يدِ حوراءِ المحلَّةِ كوبُها
بقَلبيَ هوىً كالنَملِ يا صاحِ لم يزَل / تُقَرِّضُ أحشائي ويخفى دبيبُها
فلا تحسبنّ البُعدَ يورِثُ سلوَةً / فنارُ غرامي ليسَ يطفى لهيبُها
وجلبابُ عهدي لا يرِثُّ جديدُهُ / وروضَةُ حبّي لا يجِفُّ رطيبُها
سقى سحبُ الوسميّ غيطانَ أرضِكُم / وإن لم يكُن طوفانُ عيني ينوبُها
منازِلُ سلمى شوّقتني كآبَةٍ / وما ضرَّ سلمى أن يحِنَّ كئيبُها
بكت مقلةُ السعديّ ما ذكِرَ الحمى / وأطيبُ ما يبكى الديارَ غريبُها
فاحَ نشرُ الحمى وهَبَّ النسيمُ
فاحَ نشرُ الحمى وهَبَّ النسيمُ / وتراني من فرطِ وجدي أهيمُ
إنّ ليلَ الوصالِ صبحٌ مضىءٌ / ونهارُ الفراقِ ليلٌ بهيمُ
وَوداعُ النزيل خطبٌ جزيلٌ / وفراقُ الأنيسِ داءٌ أليمُ
فتَنَ العابدينَ صدرٌ رخيمٌ / آه لو كان فيه قلبٌ رحيمُ
يا وحيدَ الجمالِ نفسى وحيدٌ / يا عديمَ المثالِ قلبي عديمُ
سلوتي عنكُم احتمالُ بعيد / وافتضاحي بكم ضلالٌ قديمُ
معشرَ اللائمين من يضلل الل / هُ بعيدٌ بأنّهُ يستقيمُ
أجهِلتُهم بأنّ نارَ جحيمٍ / مع ذكرِ الحبيبِ روضٌ نعيم
كل من يدّعى المحبّةَ فيكُم / ثمّ خشى الملام فهو مليمُ
على ظاهري صبرٌ كنَسجِ العناكِبِ
على ظاهري صبرٌ كنَسجِ العناكِبِ / وفي باطنى همٌّ كلَدغِ العقاربِ
ومغتَمِضُ الأجفانِ لم يدرِ ما الذي / يكابِدُ سهرانُ الليالي الغياهبِ
وإن غمَدوا سيفَ اللواحظِ في الكرَى / أليسَ لهُم في القلبِ ضربةُ لازبِ
أقِرُّ بأنّ الصبرَ ألزَمُ مؤنسٍ / بلى في مضيق الحبّ أغدرُ صاحبِ
وعيّبَني في حبّهِم من بهِ عمىً / وبى صمَمٌ عما يحَدِّثُ عائبي
ومن هوسى بعد المسافةِ بيننَا / يخايِلُني ما بينَ جفنى وحاجبي
خليلَيَّ ما في العشقِ مأمَنُ داخلٍ / ومطَعُ محتالٍ ومخلَصُ هارِبِ
وليسَ لمغصوبِ الفؤادِ شكايَةٌ / وإن هلَك المغصوبُ في يدِ غاصبِ
طريتُ وبعدُ القولَ في فمِ منشدٍ / سكِرتُ وبعدُ الخمرُ في يدِ ساكبِ
أيتلِفُني نبلٌ ولَم أدرِ من رمى / أيقتُلُني سيفٌ ولم أر ضاربي
ترى الناس سكرى في مجالِ شربهِم / وها أنا سكرانُ ولستُ بشاربِ
أخلّاي لا ترثوا لمَوتي صبابَةً / فموتُ الفتى في الحبّ أعلى المناصبِ
لعَمرُك إن خوطِبتُ ميتاً تراضياً / سيبعَثُني حيّاً حديثُ مخاطبي
لقد مقَتَ السعديُّ خلّاً يلومُهُ / على حبِّكُم مقتَ العدُوِّ المُحاربِ
وإن عتَبوا ذرهُم يخوضووا ويعلَبوا / فلى بكَ شغُلٌ عن ملامَةِ عاتبِ
إن لم أمُت يومَ الوداعِ تأسُّفا
إن لم أمُت يومَ الوداعِ تأسُّفا / لا تحسبوني في الموَدَةِ منصِفا
من مات لا تبكوا عليهِ ترحُّماً / وابكوا لحَيٍّ فارَقَ المُتَأَلّفا
يا طيفُ إن غَدَرَ الحبيبُ تجانُباً / بيني وبينكَ موعِدٌ لن يخلَفا
لمّا حدا الحادي وجدَّ رحيلُهم / ظَفِرَ العدُوُّ بما يؤَمِّلُ واشتفى
ساروا بأقسى من جبالِ تهامَةٍ / قلبا فلا تذرِ الدموعَ فتَتلَفا
يا سائلي عمّن بُليتُ بحُبِّهِ / أبَت المحاسِنُ أن تعَدَّ وتوصَفا
ماذا يقالُ ولا شبيهَ لحُسنِهِ / لو كان ذا مثلٍ إذا لتألّفا
فَكَشَفنَ عمّا في البراقِعِ مختَفٍ / وترَكنَ ما تخفى الصدورُ مكَشّفا
هل يقنَعَنَّ من الحبيبِ بنظرَةٍ / ظمآنُ لو شرِبَ البُحيرَةَ ما اكتفى
أوقَفتُ راحلَتي بأرضِ مودَّعٍ / وبكيتُ حتّى أن بلَلتُ الموقِفا
منهُم إليهِم شكوَتي وتوجّعي / ما أنصفونِ ولم أجد مستنصَفا
سعديُّ صبراً فالتصبُّرُ لم يكُن / في العشقِ إلّا أن يكونَ تكلُّفا
عيبٌ عليّ وعدوانٌ على الناس
عيبٌ عليّ وعدوانٌ على الناس / إذا وعظتُ وقلبي جلمَدٌ قاس
رَبِّ اعفُ عنّي وهب لي ما بكَيتُ أسىً / إني على فرطِ أيّامٍ مضَت آس
مرّ الصبا عبثاً وابيَضَّ ناصيَتي / شيباً فحتّى متى يسوَدُّ كرّاسي
يا لهفَ عصرِ شبابٍ مرّ لاهيَةً / لا لهو بعدَ اشتعالِ الشيبِ في راسي
يا خجلَتا من وجوهِ الفائزينَ إذا / تباشَرَت وبوجهي صفرَةُ الياس
سرائري يا جميلَ السترا قد قَبُحَت / عندي وإن حسُنَت في أعيُنِ الناس
يا حسرَتا عند جمع الصالحينَ غداً / إن كنتُ حاملَ أوزاري وأدناسي
وهل يقرُّ على حرّ الحميم فتىً / لم يستطع جلداً في حرّ ديماس
يا واعدَ العفوِ عمّا أخطأوا ونسوا / سألتُك العفوَ إنّي مخطىء ناس
إذا رحِمتَ عبيداً أحسنوا عمَلاً / في الحشرِ يا ربِّ فارحمني لإفلاسي
واصفح بجودك يا مولايَ عن زللي / رغماً لإبليسَ لا يشمت بإبلاسي
واحشُرنِ أعمى إن استوجبتُ لائمةً / لا أفتَضِح بينَ جيراني وجلّاسي
إن يغفرِ اللَهُ لي من جرأةٍ سلَفَت / فما على الخلقِ يا بُشرايَ من باسِ
أصبَحتُ مفتوناً بأعيُنِ أهيفا
أصبَحتُ مفتوناً بأعيُنِ أهيفا / لا أستطيعُ الصبرَ عنهُ تعَفُّفا
والستر في دينِ المحبَّةِ بدعَةٌ / أهوى وإن غضِبَ الرقيبُ وعنّفا
وطريق مسلوب الفؤاد تحمّل / من قال أوه من الجفاء فقد جفا
دع ترمني بسهام لحظٍ فاتكٍ / من رام قوسَ الحاجبينِ تهَدّفا
صيّادُ قلبٍ فوقَ حبّةِ خالهِ / شركٌ يصيدُ الزاهِدَ المُتَقَشّفا
لا غروا إن دَنِفَ الحكيمُ بمِثلهِ / لو كان جالينوسُ أصبحَ مدنفا
كيفَ السبيلُ إلى الخيالِ برَقدةٍ / والطرفُ مذ رحلَ الأحِبّةُ ماغَفا
وأميزُ في جسمي وطاقةِ شعرهِ / فَأصيبهُ منها أدَقُّ وأضعَفا
رَفّت جلاميدُ الصخورِ لشِدّتي / ما لانَ قلبُك أن يميلَ ويعطِفا
هذا وما السعديُّ أوّلَ عاشِقٍ / أنت اللطيفُ ومن رآك استلطفا
متى جمعُ شملي بالحبيبِ المغاضِبِ
متى جمعُ شملي بالحبيبِ المغاضِبِ / وكيفَ خلاصُ القلبِ من يدِ سالبِ
أظُنُّ الذي لم يرحَمِ الصبّ إذ بَكى / يقايِسُ مسلوبَ الفُؤادِ بِلاعبِ
فقَدت زمانَ الوصلِ والمرءُ جاهِلُ / بقَدرِ لذيذ العيش قبلَ المصائبِ
تجانبَ خلّى والودادُ ملازِمي / وفارقَ إلفى والخيالُ مواظبي
ولم أر بعد اليوم خلّاً يلومُني / على حبّكُم إلا نأيتُ بجانبي
إليك بتعنيفِ اللوائمِ عن فتىً / سَبَتهُ لحاظٌ الغانياتِ الكواعبِ
لقد هلَكَت نفسي بتدليةِ الهوى / وكم قلتُ فيما قبلُ يا نفسُ راقبي
أشبّهُ ما ألقى بيوم قيامه / وسبلَ دموعي بانتثار الكواكبِ
وإن سجعَ القمريّ صبحاً أهمّني / لفقدِ أحبّائي كصرخةِ ناعبِ
أرى سحُباً في الجوّ تمطِرُ لؤلُؤاً / على الروضِ لكنّا علَيَّ كحاصبِ
إلامَ رجائي فيه والبعدُ مانِعي / وكيفَ اصطباري عنهُ والشوقُ جاذِبي
ومن ذا الذي يشتاقُ دونكَ جنّةً / دعِ النارَ مثوايَ وأنتَ معاقبي
عزيزٌ على السعدي فرقةُ صاحبِ / وطوبى لمن يختارُ عزلةً راهِبِ
وهذا كتابٌ لا رسالةَ بعدَهُ / لقد ضجَّ من شرحِ الموَدَّةِ كاتِبي
قوما اسقِياني على الريحانِ والآسِ
قوما اسقِياني على الريحانِ والآسِ / إنى على فرطِ أيّامٍ مضت آس
صهباءُ تحيى عظام الميتِ إن نقطَت / على الثرى نقطةٌ من مرشَفِ الحاسي
در بالصحافِ على الندمانِ مصطبحاً / إلا عليّ بملءِ الطاسِ والكاسِ
هات العقارَ وخذ عقلي مقايضَةً / لعَلَّ تنقِذُني من قيدِ وسواسِ
واجلُ الظلامَ بشَمسٍ في يَدي قمَرٍ / يحكى بوجنتِهِ محرابَ شمّاسِ
روحي فدا بدَنٍ شبهِ اللجَينِ ولَو / سطا علَيَّ بقَلبٍ كالصفا القاسي
أبيتُ والناسُ هجعى في منازلهم / يقظانَ أذكُرُ عهد النائم الناسي
جسَّ المثاني تطَيّر نوم جيراني / وغَنِّ شعري تطَيِّب وقتَ جلّاسي
إني امرؤٌ لا يبالي كلّما عذَلوا / إن شئتَ يا عاذلي قم نادِ في الناسِ
يا نديمي قُم تنَبّه
يا نديمي قُم تنَبّه / واسقني واسقِ الندامى
خلّني أسهَرُ نيلى / ودعِ الناس نياما
إسقياني وهدير الرع / دِ قد أبكى الغماما
وشفاهُ الزهرِ تفتَر / رُ من الضحك ابتساما
في زمانٍ سجع الطي / رُ على الغصنِ رخاما
وأوانٍ كشفَ الور / دُ من الوجه اللثاما
أيّها العاقلُ أفٍ / لبَصيرٍ يتَعامى
فُز بها من قبلِ أن يج / علك الدهرُ حطاما
قل لمَن عَيَّرَ أهلَ ال / حُبِّ بالجهلِ وَلاما
لا عرَفتَ الحبّ هيها / تَ ولا ذقتَ الغراما
من تعَدذى زمنَ الفُر / صةِ بُخلاً واهتِماما
ضَيَّعَ العمرَ أيوماً / عاشَ أو خمسينَ عاما
لا تلُمني في غلامٍ / أودعَ القلبَ السقاما
فبِداءِ الحبّ كم من / سيّدِ أضحى غُلاما
منتَهى منيَةِ قلبي / شادِنٌ يسقى المُداما
وعلى الخضرةِ منثو / رُ ورندٌ وخزامى
ذو دلالٍ سلبَ القل / بَ إذا قال كلاما
وجمالٍ غلَبَ الغُص / نَ إذا ما قواما
يا عذولي فنيَ الصب / رُ إلى كم وإلى ما
أنا لا أعبَأُ بالزج / ر ولا أخشى الملاما
تركَ الحبُّ على مق / لتي النومَ حراما
وحواليّ حبالُ الش / قوق خلفاً وأماما
ما على العاقلِ من لغ / وى إذا مرّ كراما
لكن الجاهلُ إن خا / طبني قلت سلاما
يا ملوك الجمالِ رفقاً بأسرى
يا ملوك الجمالِ رفقاً بأسرى / يا صحاة ارحموا تقَلُّب سكرى
قد غلبتُم روائحَ المسك طيباً / وقهَرتُم محاسنَ الوردِ نشرا
كنَسيمِ النعيم حيثُ حلَلتم / حلّ بالواردين روح وبُشرى
مقلٌ علّمَت ببابِلَ هارو / ت على أن يُعَلِّمَ الناس سحرا
عاذلي كُفَّ عن ملاميَ فيه / نّ لقد جئتَ بالنصيحَةِ نكرا
ذر حديثي وما عَلَيَّ من الشو / ق إذا لم تحط بذلك خبرا
بتّ أستجهلُ الصباة على الحبّ / وأصبحتُ بالصبابةِ مغرى
تركتني محاجر العين أغدو / هائماً في محاجرِ البيد قفرا
أنثُرُ الدمع حين أنظمُ شعري / فأتِمُّ الحديثَ نظماً ونثرا
جمراتُ الخدود أحرقنَ قلبي / وتبقّينَ في الجوانحِ جمرا
أنا لولا جناية الطرف ما كا / ن فؤادي الضعيفُ يحملُ وزرا
إنما قصّتي كوازِرَةٍ كلّ / فها جورُ ظالمٍ وزر أخرى
عيل صبري على حديثِ غرام / لو حكيتُ الجبال أبكيتُ صخرا
وافتتاني بنحر كلّ غزالٍ / نحر الناظرينِ بالوجدِ نحرا
برزوا والربى تظَلُّ تنادى / ما لهذا النسيم حمّلَ عطرا
أبداً لا أفيقُ من سكرِ عيشى / إن سقتني من المراشفِ خمرا
أيها الظاعنونَ من حيّ ليلى / عجَباً كيف تستطيعونَ صبرا
لك يا قاتلي من الحسن شطرا / ن وخلّيتَ لابن يعقوبَ شطرا
دمت يا كعبةَ الجمالِ عزيزا / وبك الهائمونَ شعثاًوغبرا
لائمي إن تركتُ لهو حديثي / فبِأَيِّ الحديث أشرحُ صدرا
طلّ عمري تصابياً ولعمري / يحديثُ اللَه بعد ذلك أمرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025