القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : فَهد العَسْكَر الكل
المجموع : 54
يا بَني العُربِ إنّما الضعفُ عارٌ
يا بَني العُربِ إنّما الضعفُ عارٌ / إي ورَبّي سَلوا الشعوبَ القَويّه
كم ضَعيفٍ بكى ونادى فَراحَت / لِبُكاهُ تُقَهقِهُ المدفعيّه
لغةُ النارِ والحديدِ هيَ الفُص / حى وحظّ الضعيفِ مِنها المنيّه
ها هيَ الحربُ أشعلوها فرُحما / كَ إلهي بالأمّةِ العربيّه
يا بَني الفاتحينَ حتّامَ نَبقى / في رُكودٍ أينَ النفوسَ الأبيّه
غيرُنا حقّقَ الأماني وَبتنا / لَم نُحقّق لنا ولا أمنيّه
فمِنَ الغَبنِ أن نعيشَ عبيداً / أينَ ذاك الإباءُ أينَ الحَمِيّه
طلَع الفجرُ غَنِّ يا قمريّه / واطربي الروحَ بالأغاني الشَجيّه
واشدُ يا طيرُ بالغُصونِ وأيقِظ / بأناشيدِكَ الزهورَ النديّه
ملا الفجرُ أكؤسَ الوردِ راحاً / لك تُزري بالصرفَةِ البابليّه
فإذا ما اصطبَحتَ يا طيرُ عبّر / ما رأى الوردُ من رؤىً سِحريّه
وتقبّل وأنتَ نشوانُ شادٍ / قُبُلاتِ النسائم العطريّه
ها هو الصبحُ قد تبدّى تُحَلّي / ثَغرهُ الحلوَ بسمةٌ ورديّه
وانظُرِ الكونَ كَيفَ يَرفُل يا طي / رُ بتلكَ الغلائِلِ العَسجديّه
يا صَباحاً لِخَيرِ يومٍ تجلّى / جئتَ أهلاً وألف ألفِ تحيّه
بَزَغَت فوقَ فرقِكَ الشمسُ تاجاً / تَتلالا أنوارهُ الذهبيّه
غابَ بدرُ السماءِ لمّا تبَدّى / وتوارت منهُ النجومُ السنيه
كيف لا يُمنَحُ الجمالَ وفيهِ / أشرقَت طلعةُ النبي البهيّه
طلعةُ المنقذِ العظيمِ الذي / أنقذَهُم من مخالبِ الجاهليّه
طلعةُ المصلحِ الذي اسعد النا / سَ بظلّ الشريعةِ الأحمديّه
خصّهُ اللَهُ بالهدى فتجلّت / حِكمةُ اللَهِ خصّ نبيّه
قُرشِيٌّ صلّى عليهِ وأثنى / بالكتابِ المجيد ربُّ البريّه
يا بني العُربِ والكوارثُ تَترى / أوقِفوا سيرَها وصونوا البقيّه
يا بني الفاتحينَ إنّا بعَصرٍ / لا مُساواةَ فيه لا مدنيّه
لا إخاءٌ كما ادّعوا لا حقوقٌ / لضَعيفٍ عانٍ ولا حُريّه
بل بعصرٍ فيهِ الضعيفُ مُهانٌ / فالنجاةَ النجاةَ المشرفيّه
يا بني العربِ إنّما الضعفُ عارٌ / إي وربّي سلوا الشعوبَ القويّه
كم ضعيفٍ بكى ونادى فراح / ت لِبُكاهُ تُقَهقِهُ المدفعيّه
لُغَةُ النارِ والحديدِ هيَ الفُصح / ى وحظّ الضعيفِ منها المنيّه
ها هيَ الحربُ أشعَلوها فَرُ / حماكَ إلهي بالأمّةِ العربيّه
يا بني الفاتحين حتّامَ نبقى / في رُكودٍ أينَ النفوسَ الأبيّه
غَيرُنا حقّقَ الأماني وبتنا / لَم نُحقّق لنا ولا أمنيّه
فمِنَ الغَبنِ أن نعيشَ عبيداً / أينَ ذاك الإباءُ أينَ الحَمِيّه
قُم معي نَبكِ مجدَنا ونسحُّ / الدمعَ حُزناً ونندبُ القَوميّه
قُم معي نسألِ الطلولَ عساها / تَشفِ بالردّ غلّةً روحيّه
وعن ابنِ الخطّابِ من حكمهُ الع / دل وسعدٌ بوقعةِ القادسيّه
كَفكِف بربّك دمعكَ الهتّانا
كَفكِف بربّك دمعكَ الهتّانا / وافرَح وهنّىء قلبكَ الولهانا
واهتِف وصفّق واحسُ من راح الل / قا كأساً لكيما تطرد الأحزانا
واسكُب أناشيدَ اللقاء بمَسمَع ال / دهر المصيخ وردّدِ الألحانا
بُشراكَ ذا يومُ الولادةِ قد أتى / فعساهُ يوقظُ روحَك الوسنانا
أو ما رأيتَ صفاءهُ وبهاءَهُ / وجلالهُ وجمالَهُ الفَتّانا
قُم يا أخا الشوق الملح وحيّه / وانثُر عليه الوردَ والريحانا
الورقُ تشدو والبلابلُ سُجّع / والروضُ يرقُص ضاحكا نَشوانا
وعلى الأزاهرِ وهي تبسِمُ للضحى / نثَر الصباح زُمُرّدا وجمانا
هبّت نسائِمُه لتَنثُر طيبها / وتُداعِب الأوراد والأغصانا
والكونُ يبدو مشرقاً مُتَهلّلا / متَبسّما للقائِه مزدانا
وعرائس الإلهامِ قد طلَعَت فقُم / وابن القوافي وارسُم الأوزانا
انظُم لآلِئَها لهُ وعقيقَها / ثمّ انثُر الياقوت والمرجانا
يا أسعدَ الأيام يا عنوانَها / أنعِم وأكرِم إن تكُن عنوانا
لَم تَشفِ راحُ الذكرياتِ أوامَنا / فعَسى نبُلُّ من اللقاءِ صدانا
يا أبرَك الأعياد ألفُ تحيّةٍ / منّا تفيضُ عواطِفاً وحنانا
أرواحنا رَشَفَت بفجركَ حلمَها / وقلوبُنا قد صفَّقَت مُذ بانا
عَشِق الملائِكُ بالسماءِ جمالَهُ / وسبى سناهُ الحور والوِلدانا
يا فجرَ يومِ ولادةِ الهادي أطِ / لَّ على النفوسِ وبدّدِ الأشجانا
وابعَث بها ميتَ العواطفِ واطرد / اليأسَ المُضّ وأيقظِ الإيمانا
بك أشرقَ المختارُ في رادِ الضُحى / شمساً أنارَ سناؤُها الأكوانا
إنّي لألمحُ في جمالِكَ مسحةً / من حُسنهِ أغرَت بكَ الوجدانا
وعلى جبينِكَ من سناهُ غُرَّةٌ / لم تعدَمِ اللالاءَ واللمَعانا
يا مَن بهذا اليومِ أشرقَ نورهُ / وأضاءَ في قبسِ الهدى الأذهانا
وأنارَ بالإيمانِ أفئِدةَ الورى / وأزالَ عنها الغشّ والأدرانا
وبنى منارَ العدلِ بعدَ سقوطهِ / فمحا ضياهُ الظلمَ والطغيانا
قُم يا رسولَ اللَهِ كي نشكو إليك / فمن سواكَ نبثّهُ شَكوانا
قُم يا رسولَ اللَهِ وانظُر هل ترى / إلا شُعوباً تعبُدُ الأوثانا
قُم وانظر الدينَ الحنيفَ وأهلَهُ / أعزِز وأكبِر أن تراهُ مُهانا
قُم واهدِنا واعمر خرابَ قُلوبنا / إنّا نَبَذنا الدينَ والقرآنا
إنّا نسينا اللَهَ حتى سلّطَ / الباري علينا يا نبيُّ عِدانا
ويلاهُ أهمَلنا التعاليمِ التي / جاءَ الكتابُ بها فما أشقانا
ما أن ترَكنا البرَّ والتقوى معاً / حتّى ألِفنا الإثمَ والعُدوانا
نعصى أوامِرَ كلّ فردٍ مُصلحٍ / والدينُ عن عِصيانهِ ينهانا
والختلُ والتدجيلُ قد فتكا بنا / وتقودُنا أطماعُنا عميانا
كلّ بميدان اللذائذِ والهوى / يجري وما تلقى لديهِ عنانا
أما الفقيرُ فلا تسل عن حالهِ / حال تُثيرُ الهم والأحزانا
مسكينُ لا يشكو ويندبُ حظه / ونصم دون شكاتهِ الآذانا
أما الغنِيُّ فقلبهُ ويمينهُ / لا يعرفانِ العطفَ والإحسانا
يختالُ في حُلَلِ الهنا بينا ترى / ألفَ التعاسَة ذاك والحرمانا
المالُ سيدُنا ونحنُ عبيدهُ / أو لَم ترَ التسليمَ والإذعانا
أو ما ترانا بالمبادىء والضمائِرِ / كيف نفدي الأصفرَ الرنّانا
والكلّ منا بالموائدِ والملابس والأث / اثِ يُفاخِر الأقرانا
أطفالُنا اتّخَذوا الشوارع مسكناً / أفَينبَغي أن نُهمِلُ الصبيانا
آباؤُهُم لا يرحمونَهُمُ ولَم / يجدوا بصَدرِ الأمّهاتِ حنانا
فيشِبّ والفحشاءُ ضرعُ لبانهِ / والذِنبُ ذنبُ رجالنا ونِسانا
هذي جرائِمنا وهل أربابُها / يرجونَ بعدُ الصفحَ والغُفرانا
يا عيدُ إن نَشكو إليكَ فإنّما / نَشكو إلى من جاءَنا فهَدانا
ألعالمُ العربيُّ يرنو حائِراً / قَلِقاً إلى مَن أَوقَدوا النيرانا
وَيلاهُ قد جَهِلَ المصيرَ فواسِه / يا عيدُ وامسَح دمَعُ الهَتّانا
حدّثهُ قد طابَ الحديثُ عن الألى / فعسى تُثيرُ بنَفسهِ البُركانا
عن مجدِنا وملوكِ أهلِ الأرض / هلا نَكّسوا الأعلامَ والتيجانا
حدّث عن الفاروقِ عنوانِ العدا / لةِ كيفَ شاد الملكَ والسلطانا
وعن الغضنفَرِ سعدِ هلّا زَلزَلَت / بزَئيرِها أشباله الإيوانا
وعن الفتى المقدام أعني خالداً / أيّامَ مَزَّقَ جيشُه الرومانا
وعن الشام وعن معاويَةَ الذي / أعلى البناءَ وشَيّدَ الأركانا
وأدِر على أسماعِنا ذكرَ الذي / للصينِ قادَ الصيدَ والشجعانا
والضيغمِ ابن زياد طارقَ كيف / قادَ السُفن لمّا أن غزا الإسبانا
رجَع بربك قوله إن العدو / أمامنا أمّا الخِضَمُّ وَرانا
وعن الرشيد وكيفَ أشرقَ تاجُه / شمساً أنارَ سناؤُها البلدانا
في عصرِهِ الذهبي صفّقَ راقصاً / طرِباً على هامِ السماكِ لِوانا
والمجدُ مزدَهِرٌ مطلٌّ من عل / عشقَ الوجودُ شبابَهُ الرّيّانا
كانوا على وَجه البَسيطة سادة / أبداً وكنّا بعدَهُم عبدانا
عبثَ الفسادُ بنا فبَعثرَ ملكَنا / والجهل شَتَّتَ شملَنا فكَفانا
أبناءَ يَعربَ والكواربُ جمَّةٌ / هيّا انبذوا الأحقادَ والأضغانا
وتآلفوا وتكاتفوا وتساندوا / مُتَراصفينَ وحرّروا الأوطانا
إنّا بعصر لا يعيشُ به سوى / من كان يملِكُ صارماً وسِنانا
هُم أعلَنوا الحربَ العوانَ على سِ / واكَ وأعلنوا حربا عليكَ عوانا
الأرضُ ترجفُ والسما مغبَرّةٌ / وبكل ناحيةٍ ترى شَيطانا
والبحرُ يبدو عابساً مُتَجَهّماً / أينَ الأمانُ لِنَسألَ الرحمانا
غازٌ وألغام بها كمنَ الردى / والطائرات تُطاردُ الإنسانا
ومدافعٌ والموتُ من أفواهها / أجرى الدماءَ وفرّقَ الأبدانا
وقنابلٌ صرعَ القلوبَ صراخُها / ويلاهُ تمحو الدورَ والسكانا
لم يسلَمِ الطفل الرضيع وأمّه / منها وتُردي الشيبَ والشبانا
أنّى التفتّ فلا ترى إلا حديداً / أو شواظاً محرِقاً ودُخانا
نارٌ ولكنّ الضعيفَ وقودُها / واحَسرتا إن أعلنَ العصيانا
هذي ميادينُ القتالِ تعدّدت / وبكلّ ناحيةِ ترى ميدانا
فقد انبرى العُقبانُ ينفثُ سمّهُ / في كلّ جو فاحذروا العُقبانا
رحماكَ ربّي فالدما مستنقعاتٌ / خضّبَت وجه الثرى العُريانا
طفَتِ الجماجمُ فوقَها وتناثرَت / من حولها الأشلاءُ يا مولانا
يا عيدُ أينَ السلمُ طالَ غيابُه / فمَتى يعودُ وهل يخيبُ رجانا
أفرادَ يعرُبَ والعروبةُ تَشتكي / هلّا شفَيتُم قلبَها الحرانا
هيَ تستجيرُ بكم فقوموا وأقسِموا / يا قومُ ألّا تُغمِضوا الأجفانا
واستَمسِكوا بالعروَةِ الوُثقى وكونوا / صادقينَ عقيدةٌ ولِسانا
كلّ الشعوبِ تقدّمَت وتحَرّرت / أيروقكُم سجنُ الحياةِ مكانا
يا نشءُ أمّة يعرُبٍ عقدت عليك / رجاءَها قم قدّم القربانا
يا نشءُ يا أملَ البلاد وسؤلَها / أقسِم على أن لا تطيقَ هوانا
أقسم لها أن لا تنامَ وأن تظلّ / على الولاءِ لها وأن تتفانى
أقسم على أن لا يعيشَ بأرضِها / من باعَ مبداهُ وشَذّ وخانا
أقسِم إذا ما الخصمُ حاولَ أن / يهاجِمَها على أن لا تكون َجيانا
أقسِم لها يا نشءُ إن نادى المنادي / للوَغى أن تلبِسَ الأكفانا
وأعِد سعادَتها إليها أيّها الن / شءُ الجديدُ وأعِطها البُرهانا
فاللَهُ نِعَم العون جلّ جلالُه / إن تعدَمِ الأنصارَ والأعوانا
حيّ الأساتِذةَ الكرامَ تحيّةً
حيّ الأساتِذةَ الكرامَ تحيّةً / تُزري بعرفِ المسك والريحانِ
عذراءَ مصدَرُها سُوَيداءُ الحشا / أحلى وأشهى من عروسِ الحانِ
وأرقُّ من نَغَم البلابلِ عندما / تستَقبِلُ الأصباحَ بالألحانِ
وأخَف من نسَماتِ نيسانٍ وَقد / خَطَرت مُداعبَةً غُصونَ البانِ
وأحرّ من قلبِ المشوقِ إذا دعا / داعي الفراقِ ومُهجةِ الغيرانِ
فأزفّها لكمُ يشارِكُني بها / الشَعبُ الكريمُ وصفوةُ الشبّانِ
والقَلبُ من فَرط السرور مُصَفّقٌ / والروحُ ترقُصُ رقصةَ النشوانِ
والكلُّ مغتَبطٌ بيومِ إيابكُم / فَرِحٌ وهذي حالةُ الوَلهانِ
فلو أنّنا نَستقبلُ العيدَين في / أَفراحهِ لاستَبشَرَ العيدانِ
زَهَتِ المدارسُ وانثَنى طلّابُها / لقُدومِكُم يتَبادلونَ تهاني
لا غروَ فالطلابُ قد عَشِقوا بكُم / صِدقَ الوفا وطهارةَ الوجدانِ
والعطفَ والميلَ البريءَ ولا / غرابةَ فالمُعلّمُ والدٌ متفانِ
شكَتِ الأوامَ نُفوسُهُم فتذَوَّقَت / تلكَ النفوسُ حلاوةَ الإيمانِ
وأمامَ مصباحِ الثقافةِ قد تلاش / تِ ظلمَةُ الأفكارِ والأذهان
وغَرَستمو بحدائِقِ الأرواحِ كل / حميدةٍ والروحُ كالبُستان
فالمرءُ بالعَقل المنيرِ وإن دجا / ما الفرقُ بين المرءِ والحيوانِ
إنّ الشباب إذا زكَت أخلاقهُ / والنفسَ طهّرَها من الأدرانِ
هُوَ في البلادِ ولا إخالكَ جاهلاً / بمثابةِ الأرواحِ بالأبدانِ
هوَ قلبُها الخفّاقُ والركنُ القوي / مُ وَسورُها الحامي من العدوان
باللَهِ يا رُسلِ الثقافةِ خبّرو / نا كيف حالُ الأختِ يا إخواني
أعني فلسطيناً وكيف أمين / نُها وجنودُه وبقيّةُ السكّانِ
بعدَ الكفاحِ وبعدما بثّ اليهو / دُ شُرورَهم فيها بكُلّ مكان
إنّي سمِعتُ نداءَها وسمِعتُ تَل / بيةَ الضياغمِ من بني عدنان
وزئيرَ أشبالِ العروبةِ من بَني / غسّانَ لا نُكِبوا بنو غسّان
وتقولُ يا أشبالَ آسادِ الشرى / جاءَ اليهودُ ودنّسوا أحضاني
لا درّ درّ الغادرين فإنّهُم / وعدوا اليهودَ بقسمةِ البُلدانِ
وبنيَّ كالغرباءِ في أوطانِهِم / أو ليسَ هذا مُنتهى الطغيان
فهناكَ فاضَت بالدموع محا جرى / وَأَجبتُها بتوَجِّعٍ وحنانِ
يا مَهبطَ الوَحي القديم ومَرقدَ / الرُسلِ الكرامِ ومَنبعَ الأديان
لا تحزني ليسَت بصفقةِ رابحٍ / يا أُختُ بل هيَ صفقةُ الخسرانِ
ما وَعدُ بلفورٍ سوى أُمنيةٍ / ونداؤُهُ ضربٌ منَ الهذَيانِ
أبناءُ عدنانٍ وغسّانٍ وما / نادَيتُ غيرَ الصيدِ والشجعان
الصامدونَ إذا الصفوفُ تلاحَمَت / وتصادمَ الفُرسانُ بالفُرسان
والضاحكونَ إذا الأسنّةُ والظبا / هتَكَت ظلامَ النَقع باللمعان
والهاتِفونَ إذا الدماءُ تدفّقَت / أعني دما الأبطالِ بالميدانِ
وإذا الصوارمُ والقَنا يومَ الوغى / ذَرَفَت على الشهداءِ دمعاً قاني
آنَ الأوانُ وقيتُمو كيدَ العِدا / والخَصمُ بالمرصادِ كالثُعبانِ
ثوروا وَرُدوا كَيدَهُ في نَحرهِ / وذيولهِ لا عاشَ كلُّ جَبانِ
ما كانَ بالحسبانِ أن يهبوا / اليهودَ بلادَنا ما كانَ بالحسبانِ
لتُبَرهنوا أنّ النفوسَ أبيّةٌ / وليرجِعوا بالذلِّ والخذلانِ
يانشءُ هل من نهضةٍ نُحيي بها / المجدَ الأثيلَ كنَهضةِ الجابانِ
يا نشءُ هل من وثبةٍ نشفي بها / هذا الغليلَ كوثبةِ الطليان
يا نشءُ هل من صرخةٍ تدع العِدا / صرعى الذهولِ كصرخَةِ الألمان
يا نشءُ عَرقَلَتِ العمائمُ سيرنا / والدينُ أضحى سُلّماً للجاني
يا نشءُ وا أسفا على دينٍ غدا / أحبولةً للأصفر الرنانِ
فجرائمُ العلماءِ وهيَ كثيرةٌ / تنمو بظلّ الصفحِ والغُفران
كيفَ النهوضُ بأمَّةٍ بلهاءَ لا / تنفَك عاكِفَةً على الأوثان
هيهات نبني ما بناه جدودنا / وننال في هذي الحياة أماني
وشريعةُ الهادي غدت واحسرَتا / في عالمِ الإهمالِ والنسيانِ
نرجو السعادةَ في الحياة ولم نُنَفِّ / ذ في الحياة أوامر القرآن
بالدينِ قد نالَ الجودُ مناهمُ / وغدوا وربي بهجةَ الأزمان
فتحوا الفتوحَ ومهّدوا طُرق العلا / واستسلَمَ القاصي لهم والداني
طرَدوا هِرقل فراح يندبُ ملكهُ / وقَضوا على كسرى أنوشروانِ
وعَنَت إلى الخطابِ تخطبُ ودَّهُ / رُسلُ الملوكِ لهيبَةِ السلطانِ
والسعدُ رافقَ سعدَ في غرواتهِ / فقَضى صلاةَ الفتحِ بالإيوانِ
وتقَهقرت ذعراً لصولةِ خالدٍ / يومَ النزالِ كتائبُ الرومانِ
قادَ الجيوشَ بهمّةٍ وثّابَةٍ / وبهِ تحُفُّ ملائِكُ الرحمنِ
والمجدُ تَوَّجهُ بتاجٍ زاهِرٍ / ما مثلهُ تاجٌ من التيجانِ
وغزا صميمَ الشرقِ جيشُ قُتَيبَةٍ / وتوَغّلَ ابنُ زيادِ في الأسبانِ
وبنى معاويةٌ بجلَّقَ عرشَهُ / فأضا سماءَ الشرقِ تاجُ الباني
وحنَت لهَيبَتِهِ الملوكُ رؤوسَها / ولمن تلاهُ من بني مروانِ
وأقامَ هرونُ الرشيدُ وإبنُهُ / المأمونُ صرحَ العلم في بغدان
ومجالسُ العلماءِ والعظماءِ والأد / باءِ والشعراء والندمان
واليومَ أينَ حضارةُ العربِ التي / أنوارُها سطَعَت على الأكوانِ
وبنايةُ المجد التي قد ناطحَت / هامَ السماكِ ومشعلَ العِرفانِ
عصفَت بها ريحُ الفساد فهدّتِ / الأركانَ رغمَ مناعةِ الأركان
وطني وصيّرنا الزمان أذلّةً / لنعيشَ في الأوطان كالعبدانِ
نعصي أوامرَ كلّ فردٍ مُصلحٍ / والدينُ ينهانا عن العِصيان
والختلُ والتدجيلُ قد فتكا بنا / وتَقودُنا الأطماعُ كالعميانِ
كلٌّ بميدانِ للذائذِ والهوى / تَلقى عواطِفَه بغيرِ عنانِ
ذو المالِ نغفرُ ذنبَهُ ونُجِلّهُ / أبداً فتلقاهُ عظيمَ الشانِ
أمّا الفقيرُ فلا تسَل عن حالهِ / حالٌ تُثيرُ لواعجَ الأشجانِ
والحُرُّ نُشبعهُ أذىً ونُذيقهُ / سوءَ العذابِ ولا يزالُ يُعاني
ونُحيطُ بالتعظيمِ كلّ منافقٍ / باعَ الضميرَ بأبخسِ الأثمانِ
ما نحنُ في وطنٍ إذا صرخَ الغيورُ به / يرى نفراً من الأعوانِ
ما نحنُ في وطنٍ إذا نادى الأب / يُّ به يُجابُ نداهُ يا أقراني
وطنٌ بهِ يتجرَّعُ الأحرارُ وا / أسفاهُ صابَ البُؤسِ والحرمانِ
ويلاهُ أجنِحَةُ الصقورِ تكسَّرَت / والنسرُ لا يقوى على الطيران
وأرى الفضاء الرحبَ أصبحَ مسرَحاً / واحسرَتا للبوم والغربانِ
والليثُ أمسى بالعرينِ مُكَبَّلا / والكَلبُ يرتَعُ في لحومِ الضانِ
ما أن يُطَبِّلُ في البلادِ مُطبِّلٌ / حتى تُصَفّقُ عصبَةُ الشيطانِ
أو كلّما نعبَ الغُرابُ وغصَّ في / تنعابهِ نعبَ الغُرابُ الثاني
فلمَ التخاذلُ والعروبةُ أُمُّنا / ولمَ الشقاقُ ونحنُ من عدنانِ
ولم التفاخرُ بالموائدِ والملاب / سِ والأثاثِ وشاهقِ الجُدرانِ
ولمَ التعصّبُ بالمذاهبِ يا بَني الأ / وطانِ وهوَ أساسُ كلِّ هوانِ
فقلوبُنا للَهِ والأجسامُ / للغَبراِْ والأرواحُ للأوطانِ
فتعاضدوا وتكاتَفوا وتآلفوا / وتساندوا كتسَاندِ البُنيانِ
وتآمروا بالبرِّ والتقوى ولا / تتآمروا بالإثمِ والعدوانِ
تجري السفينةُ في مُحيطٍ هائلٍ / وعُيونُنا ترنو إلى الربانِ
كيفَ السبيلُ إلى النجاةِ ولم تَزل / عُرضَ الخضمّ سفائنُ القُرصانِ
ربّاهُ جارَ الأقويا فانظُر إلى / ما يفعَلُ الإنسانُ بالإنسانِ
كُفّي الملامَ وعَلّليني
كُفّي الملامَ وعَلّليني / فالشَكُّ أودى باليقينِ
وتناهَبَت كبدي الشجونُ فم / ن مجيري من شجوني
وأمضّني الداء العياء فم / ن مُغيثي من معيني
أينَ التي خُلِقَت لتَه / واني وباتَت تجتَويني
أُمّاهُ قد غَلَبَ الأسى / كُفّي الملامَ وعلّليني
اللَه يا أمّاهُ فيّ / ترَفّقي لا تعذُليني
أرهَقتِ روحي بالعتابِ / فأَمسِكيه أو ذَريني
أنا شاعرٌ أنا بائسٌ / أنا مستهامٌ فاعذُريني
أنا مِن حنيني في جحيمٍ / آهِ من حرّ الحنينِ
أنا تائه في غيهَبٍ / شبحُ الردى فيه قريني
ضاقَت بيَ الدنيا دَعيني / أندبُ الماضي دَعيني
وأنا السجينُ بعقرِ داري / فاسمَعي شكوى السجينِ
بهزالِ جسمي باصفراري / بالتجعّدِ بالغُصونِ
وطَني وما أقسى الحياةَ / بهِ على الحُرّ الأمين
وَأَلَذُّ بينَ رُبوعهِ / من عيشتي كاسُ المنونِ
قد كنتَ فردوسَ الدخيل / وجنّةَ النّذلِ الخئونِ
لَهَفي على الأحرارِ فيك / وهم بأعماقِ السجون
ودُموعُهُم مُهَج وأكبادٌ / تَرَقرَقُ في العيونِ
ما راعَ مثلُ الليثِ يُؤسَ / رُ وابنُ آوى في العرينِ
والبُلبُلُ الغريدُ يهوي / والغُرابُ على الغُصونِ
وطَني وأدتُ بكَ الشباب / وكلَّ ما ملَكَت يَميني
وقَبَرتُ فيكَ مواهبي / واستَنزَفَت غُللي شُؤوني
ودَفَنتُ شتّى الذكرياتِ / بِغورِ خافِقيَ الطعينِ
وكسَرتُ كأسيَ بَعدَما / ذابَت بأحشائي لحومي
وسكَبتها شعراً رثيتُ / بهِ الروح الحَزينِ
وطَوَيتُها صُحُفاً ضَنَتُ / بها وما أنا بالضنينِ
وَرجعتُ صفرَ الكفِّ مُنطَوِ / ياً على سرٍّ دَفينِ
فلأنتَ يا وَطني المدينُ / وما هزارُكَ بالمدينِ
وَطَني وما ساءَت بِغَير بن / يكَ يا وَطني ظُنوني
أنا لَم أجد فيهم خَديناً / آهِ مَن لي بالخدينِ
واضَيعةَ الأملِ الشريد / وخَيبةَ القلبِ الحَنونِ
رقَصوا على نوحي وإعوا / لي واطرَبَهُم أنيني
وتَحامَلوا ظُلماً وعذواناً / عليّ وأرهقوني
فعرفتهُم ونَبَذتُهُم / لكنّهم لم يعرفوني
وهناكَ منهُم معشرٌ / أُفٍّ لهُم كم ضايَقوني
هذا رماني بالشذوذِ / وذا رماني بالجنونِ
وهُناكَ مِنهُم من رماني / بالخلاعةِ والمجونِ
وتطاولَ المتعصّبون / وما كفَرتُ وكفّروني
وأنا الأبيُّ النفسِ / ذو الوجدانِ والشرفِ المصونِ
اللَهُ يشهدُ لي وما / أنا بالذليلِ المستكينِ
لا درّ درهمُ فلَو / حُزتُ النضارَ لأكرموني
أو بعتُ وجداني بأس / واقِ النفاقِ لأكرموني
أو رحتُ أحرقُ في الدواو / ينِ البخورَ لأنصفوني
فعرفتُ ذنبي أن كبش / ي ليسَ بالكبش السمين
يا قومُ كُفّوا دينُكُم / لكمُ ولي يا قَومُ ديني
ليلايَ يا حُلمَ الفؤادِ / الحلوَ يا دنيا الفُنونِ
يا ربَّةَ الشرفِ الرفيعِ / البكرِ والخُلُقِ الرصينِ
يا خمرةَ القلبِ الشجي / وحجّةَ العقلِ الرزينِ
صُنتُ العهودَ ولَم أحِد / عنها فيا ليلايَ صوني
عودي لقَيسِك بالهوى / العُذريِّ بالقلبِ الرهينِ
عودي إليه وشاطريهِ / الحبَّ بالدمعِ السخينِ
عودي إليه واسمعي / نجواهُ في ظلّ السكون
فهو الذي لهواكِ ضحّى / بالرخيصِ وبالثمينِ
ليلى تعالَي زوّديني / قبلَ المماتِ ووَدّعيني
ليلايَ لا تتمَنّعي / رُحماكِ بي لا تخذُليني
ليلى تعالَي واسمعي / وحيَ الضميرِ وحدّثيني
ودعي العتابَ إذا التقَينا / أو فَفي رفقٍ ولينِ
لم لا وَعُمرُ فتاكِ أطوَلُ / منهُ عُمرُ الياسَمينِ
لِلَهِ آلامي وأوصابي / إذا لم تُسعِفيني
هيمانَ كالمجنونِ أخبِطُ / في الظلامِ فأخرجيني
مُتَعَثِّراً نهبَ الوساوِسِ / والمخاوِفِ والظنونِ
حَفَّت بيَ الأشباحُ / صارخةً بربِّكِ أنقِذيني
واشفي غليلي وابعثي / ميتَ اليَقينِ ودَلّليني
ليلى إذا حُمَّ الرحيلُ / وغَصَّ قَيسُكِ بالأنينِ
ورَأيتِ أحلامَ الصَبا / والحُبّ صرعى في جُفوني
ولَفَظتُ روحي فاطبعي / قبلَ الوداعِ على جَبيني
وإذا مشَوا بجنازَتي / بِبَناتِ فكري شَيّعيني
وإذا دُفِنتُ فَبلّلي / بالدمعِ قَبري واذكُريني
قومي اسمعي يا بنتَ جاري
قومي اسمعي يا بنتَ جاري / شكوى الهزار إلى الهزارِ
شكوى الحبيسِ المستجير / منَ الطليقِ المستطارِ
شكوى صريعِ الكاسِ كأسِ الص / ابِ لا كأسِ العُقارِ
شكوى لها اضطرَبَت لفَ / رط الحُزنِ احشاءُ الدراري
والبدرُ كم ودَّ الهُوِيَّ / لمسحِ أدمعهِ الجَواري
صبَّت عليهِ طُيوفُ ماضي / هِ القريبِ سياطَ نارِ
للَهِ ما لاقى وكابَد / في جحيمِ الإدّكار
يا ابنَ النهارِ وكَم شكا اب / نُ الليلِ من طولِ النهارِ
أيّامَ كُنّا والكواشِحُ / هُجَّعٌ خَلفَ الستارِ
هل كان منّا حظّهُم / إذ ذاكَ غيرُ الإندِحارِ
في معقلٍ لم نَخشَ قطّ / بهِ الطوارقَ والطواري
والسعدُ خُدنٌ والصِبا / ريّانٌ في قربِ المزارِ
لا روضُهُ استسقى السم / ماءَ ولا خمائِلُه عواري
والطيرُ نشوى في مناب / رِهِ فمن مُصغٍ وقاري
وزمامُ مَن أهواهُ في / اليُمنى وكاسي في يَساري
لا أشتكي برحَ الصدودِ / ولم أذُق ألمَ الخمار
فبذاكَ تجنيحُ المُنى / وبتلكَ إطفاءُ الأوارِ
من جُلّنارِ خدودهِ / نُقلي ومن آسِ العذارِ
وأقاحِ ثَغرِ كم نظَم / تُ ببنتهِ إكليلَ غاري
قُبَلٌ بها رفَّت منى / نَفسي على قدَحي المدارِ
بأبي بياضاً في احمرارٍ / واحمِراراً في اخضِرارِ
وبِمُهجَتي خَفَراً ودَلّاً / دونَهُ دَلُّ العذاري
ذَوبُ اللجينِ غبوقُنا / وصَبوحُنا ذَوبُ النُضارِ
لم تخبُ من بنتِ النخيلِ / ولا ابنَةِ العُنقودِ ناري
كم بينَ تلكَ وهذهِ / مِن حجَّةٍ لي واعتمارِ
يصحو فيَهتفُ بي بدارِ / وكم هتَفتُ بهِ بدارِ
فَرَنا وهبَّ فجنَّحَت / قلبي حُمَيّا الإحوِرارِ
ولَثمتُهُ وبثَثتهُ / شَكوايَ همساً من حذارِ
وهَصَرتُ بانةَ قدّهِ / فحَسا الصبوحَ على اهتِصاري
وافتَرَّ مَبسمهُ فيا / لجمالِ ذاكَ الإفترارِ
فيَخالُنا الرائي قُبَيلَ / العودِ من رميِ الجمارِ
ملَكَين في دُنيا الغرامِ / منَ الملائكَةِ الخيارِ
هبَطا بأجنِحَةِ الهوى / والوجدِ والشوقِ المثارِ
أحضانهُ حرمي الشريفُ / وضوءُ مفرقهِ مناري
وجمالُه فردَوسُ روحي / كم جنَت أشهى الثمارِ
وعُيونهُ توحي على / همسِ النسيماتِ السواري
فأصوغُ من إلهامِها / غُرَراً ولم أعدِم قراري
بلباقةٍ ورشاقَةٍ / ووضوحِ معنىً باقتِدارِ
أشدو وكَم أسكَرتُ أرواحنا / بموسيقى ابتِكاري
وسَكَبتُ لحناً عسكريّاً / دونهُ وقَفَ المُباري
فَسَلِ البلابِلَ في الجنائنِ / عن لحوني والقماري
تُنبيكَ عن إعجابها / بجَمالِ ذوقي واختياري
ومُعَنِّفٍ وافى فأخرَسَهُ / انتِهاري وازوِراري
يا لائِمي هذا شعاري في / الهوى هذا شِعاري
ثَكِلَتكَ أمُّكَ أيّ إثمٍ / في التمازجِ أيُّ عارِ
ما للأحِبَّةِ في الوصال / وللتَزَمُّتِ والوقارِ
ما جنَّحَ الأرواحَ فانطَلَقَت / سوى خلعِ العذارِ
يا ابن النهارِ وكم شكا اب / نُ الليلِ من قِصَرِ النهار
لمَ لا وبَدري غَيَّبوه / بما أثاروا من غُبار
فهوَيتُ من أفقِ الرُؤى / وهَبَطتُ من أوجِ ازدِهاري
لهفان مشبوبَ الحشا / مُتمَلمِلاً في عُقر داري
أبني القوافي ذاهلاً / من وَحي أدمُعيَ الغِزارِ
لم أدرِ حينَ يُقيمُني / فَزَعي ويُقعِدُني افتِقاري
واليَأسُ يَدفَعُني ويجذِ / بُني ازدِرائي واحتِقاري
أأنا شَريدٌ في المهامَهِ / أم غريقٌ في البحارِ
فكَأَنّني الكُرَةُ الكبيرةُ / بين صِبيانٍ صِغارِ
أو أنَّني قلبُ المجازِفِ / حولَ مائدَةِ القمارِ
أو أَنَّني روحُ المف / ارِقِ في فِراشِ الإحتَضار
ومُهَفهفٍ لم يَرعَ لي / حقَّ المودّةِ والجوارِ
لم أجنِ من غرسي لهُ / غير التنكُّرِ والنفارِ
هيهات لا علمي افادَ به / ولا أغنى اختباري
كلّا ولا أجدى اصطباري / لا ولا طولُ انتِظاري
رشأٌ وهَبتُ لهُ الشب / بابَ فكان عنوانَ افتِخاري
فطغى ويا لِتَحَكُّمِ الغِزلانِ / بالأُسدِ الضواري
هل يطّبيهِ حين يكسِ / رُ جفنَهُ إلّا انكساري
أو يَنتَشي إلّا بدَمعي / حينَ يُذنِبُ واعتِذاري
أو يَرتجي إلّا قُنوطي / ليسَ إلّا وانتِحاري
أو يَبتَغي إلّا انقِباضي في / التداني وانِحصاري
أو حينَ يوقدُ نارَها / هل حازَ غيرَ الإنتِصارِ
أو سرَّهُ إلّا نُحولي / في هواهُ واصفِراري
يا للتَصلّبِ والتمرّدِ / والعِنادِ والاغتِرارِ
يا بنتَ جاري آهِ من / بجورِ القضا يا بنتَ جاري
في ذمَّةِ الأقدارِ ما / شيَّعتُ في ذاكَ الحوارِ
دُنيا من الأحلامِ أسلَمَها / القضاءُ إلى الدمارِ
وصُروحُ آمالٍ عَلَيها / قد قضى بالإنهيارِ
يا للشقاءِ وللِعناءِ / وللضياعِ وللخَسار
لهفي على تلكَ اللُييلاتِ / المنوِّرَةِ القِصار
شوقي لها مُذ غُيِّبَت / شوق الفقير إلى اليَسارِ
أو شوق من غاصَ البحارَ / إلى اللآلىءِ في المحارِ
أو شوق قيسٍ وهو يَطوي / في هوى ليلى البراري
أو شوق لَيثِ الغابِ في القفَصِ / الصغيرِ إلى القِفارِ
يا معشَرَ الشعَراءِ والأدبا / ءِ في شتّى الديارِ
هيضَ الجناحُ وضِقتُ / ذَرعاً بالجناحِ المستعارِ
ومضى الشبابُ وهذه / شكوى جريحٍ في الإسارِ
ما كُنتُ أشكو بل أُصيخُ / لمن شكا لولا اضطِراري
ماذا وراءَ الضغطِ إذ / يشتَدُّ غيرُ الإنفجارِ
واللَهِ لو يَشفي انتِقامي / غُلّتي لأخَذتُ ثاري
مِن معشَرٍ نَشاوا بأحض / ضانِ السفالةِ والشنارِ
لصَقوا المثالِبَ بي وكُلَّ / مثالبي عدمُ اتّجاري
ماذا أقولُ بهم وهُم / حُمُرٌ لربّاتِ الخمارِ
ما راعَ يا للغبنِ مثل / الليثِ يشكو من حمارِ
أسفاً على عمرٍ تقضّى / بين أطفالٍ كبارِ
بينَ المنافقِ والمخادعِ / والمداجي والمداري
غرسوا فَقُل لي هل جنَوا / غيرَ المذلّةِ والصغارِ
متذّئبونَ ولو ثغَت / شاةٌ للاذوا بالفِرارِ
يا ناسُ قد أدمى اغترابي / مهجتي والدار داري
أُصغي فلم أسمَع بها / غير النهيقِ أو الخوارِ
أنا لم أجد فيها غيوراً / قامَ من درَكِ العثارِ
فمظاهرٌ خلّابةٌ / والآلُ يخدعُ في الصحاري
أشجى الرفاقَ تأوّهي وتوَجّعي
أشجى الرفاقَ تأوّهي وتوَجّعي / وتمنّعي عن شُربها في المقوعِ
وأنا الذي بالأمسِ إن هيَ شُعشعَت / كم زُفّ لي قدَحي وغَير مُشَعشعِ
احنو عليهِ باسماً طرباً ولا / عجبٌ ولا حرجٌ حنوَّ المرضِعِ
وأضُمُّهُ شَوقاً قُبيلَ ترَشّفي / منهُ إلى كبدي وقلبي المولعِ
وأقولُ للاحي به ذَرنى ولا / تنهَق فما أنا من ذواتِ الأربعِ
يادنُّ لا تنضُب ويا نَدمانُ خُذ / وعليّ يا ساقي ويا قدَحُ أصرعِ
ولكمَ شدَوتُ يوحيهِ ولكم وكم / أطرَبتُ من خلّ أديبٍ لو ذعي
العَسكريّاتُ الرقاقُ شَواهدٌ / سلها تُجِبكَ عن الهزارِ المبدعِ
واليومَ قد آليتُ لا أحسو الطلا / رغمَ الصدى إلّا وأنتِ معي معي
ليلى أأشرَبُها وكاسُكِ فارغٌ / إني إذاً صبٌّ وحقِّكِ مُدّعي
أعلى زفيرِ جهنّمٍ وجهنّمٌ / بزفيرِها وشهيقَها في أضلُعي
أم وَحشتي يا للعناء وحيرتي / وأنا المشردُ في عراءٍ بَلقَعِ
أم حرقَتي وهواجسي ووساوسي / وتذمّري وتمَلملي في مضجعي
من لي بإنسانٍ يواسيني إذا / ما هاجتِ الذكرى ويَمسَحُ أدمعي
وطني وكيفَ يعيشُ مثلي بُلبُلٌ / ما بينَ ثُعبانٍ يفُجُّ وضِفدعِ
في أسرةٍ نَقَمَت عليَّ لرأفتي / بفقيرها وصَراحتي وترَفّعي
جار الزامانُ فيا أساوِدَها الدغي / وطغى القضاءُ فيا ضفادِعها اشبَعي
ما كان مورِديَ الحميمُ لو أنّني / مَيتُ المشاعرِ لا أحِسُّ ولا أعي
غبنٌ يشفُّ الروحَ أن تتفَتَّحَ / الأورادُ بين الوحلِ والمستنقَعِ
وطني ولي حقٌّ عليكَ أضعتَهُ / وحفِظتَ حقَّ الداعر المتسَكّعِ
فلو أنّ لي طبلاً ومِزماراً لما / أقصَيتَني أو أنّ لي في المخدعِ
هذي عقوبةُ مَوطني وجنايَتي / هيَ أنّني لتيوسِهِ لم أركَعِ
فَقَبَعتُ في داري كصَقرٍ شاكياً / ولو أنّنا في غيرهِ لم نَقبَعِ
فلسَوفَ أمكثُ فيه ما شاءَ القضا / ولسَوفَ أرحَلُ عنه غيرَ مودعِ
فاطوي شباكَكِ يا هلوكُ فما أنا / بالخائنِ المتلَوّنِ المتصَنّعِ
خُلِقَ الأثيمُ مُبَرقَعاً فثوى به / وأنا خُلِقتُ وعِشتُ غيرَ مُبَرقعِ
وَطني شكَوتُ لك الصدى فملأت لي / كاسي وغيرَ الصاب لم أتجَرَّعِ
وَوَأدتُ في فجرِ الشباب مآربي / وبكيتُها يا ليتَهُ لم يطلعِ
لهفي على قلبي الجريح ولَوعَتي / ماذا جنى يا لَيتَني لم أزرَعِ
ألقردُ أضحى لاعباً في ملعَبي / وغدا ابنُ آوى راتعاً في مَرتَعي
اللَهُ أكبرُ كيفَ يُحفَظُ حقُّ مَن / ركِبَ الخنا ويُداسُ حقّ الألمعي
بل كيفَ يُمسي ذلك الباغي وقد / ثَبَتَت إدانَتُهُ ويُصبحُ مُدّعي
أمنَ العدالة ربّ أن أشقى وأن / أشكو جراحي مُكرَهاً للمِبضَعِ
وطني وللدارِ الجديدةِ جارةٌ / لولا هواها عشتُ غيرَ مُضَيّعِ
لم تَبلُغِ العشرينَ ذات وسامَةٍ / ورشاقةٍ وتدَلّلٍ وتمَنّعِ
والحبّ قهّارٌ ولولا قيدهُ / لسَمِعتَ في الفَيحاءِ ما لم تَسمَعِ
من عَندليبٍ إذ رمَيتَ أصَبتَهُ / فهوى ومَن للعَندليبِ الموجَعِ
فلعلّ ليلاهُ تريشُ جناحَهُ / ما كان أشوَقهُ لتلكَ الأربُعِ
بكرومِها وظِبائِها وجنانها / بزُهورِها وعبيرَها المتَضَوّعِ
شوقي لها أوّاهُ من شوقي لها / شوقي لليلى والليالي الأربعِ
وطني وما يوم الرحيل بشاحطٍ / عن شاعرٍ مُتَوجّع مُتَقَطّعِ
قلقٍ آذابَ الهمُّ حبَّةَ قَلبهِ / فتَرَقرَقَت في مقلَةٍ لم تهجَعِ
ناجي رؤاهُ فيا بلابلُ ردّدي / وبكى مُناهُ فيا حمائِمُ رجّعي
يَستعرضُ الماضي بطرفٍ دامعٍ / وبخافقٍ في الذكرياتِ موزّع
ما خرّ قطّ لغيرِ ليلى ساجداً / ولغير سلطانِ الهوى لم يَخضَعِ
لم يَشدُ إلّا باسعِها وجمالِها / وبغير وحيِ ضميره لم يَصدَعِ
كم باتَ ينشدُ في الدياجي طيفَها / ويبثّهُ الأشواقَ حتّى المطلَعِ
مُتدلّهٍ يَبكي ويَلثُمُ رَسمَها / ويَضُمُّهُ لفؤادهِ المتقَطّع
وعلى شذا منديلها كم سَكرةٍ / لفؤادهِ المتلَهِّفِ المتطَلّعِ
فمتى يُحلّ إسارها ليحلَّ في / تلك الرياضِ مع الطيورِ السّجعِ
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني
صَهَرتُ في قدحِ الصهباءِ أحزاني / وصُغتُ من ذَوبها شِعري وألحاني
وبتُّ في غَلَسِ الظلماءِ أُرسِلُها / من غورِ روحي ومن أعماقِ وجداني
يا ليلُ ضاقت بشكوايَ الصدورُ وما / ضاقَت بغلٍّ وأحقادٍ وأضغان
فجئتُ أشكو إليكَ المرجفينَ وهم / لا درَّ درُّهُمُ أسبابُ خذلاني
يا ليلُ والروح عَطشى وهيَ هائِمةٌ / هَل في المجرّةِ من ريٍّ لعطشانِ
يا ليلُ والنفسُ غَرثى وهيَ حائرةٌ / فهَل بنَجمِكَ من زادٍ لغَرثانِ
يا ليلُ والعينُ سهرى وهيَ دامعةٌ / فهَل بجُنحِكَ من راثٍ لسَهرانِ
يا ليلُ حَسبي وصدري ملؤهُ ضرمٌ / تلكَ البقيَّةُ فافتَح صَدركَ الحاني
فكَم بهِ لمَسَت روحي العزاءَ وقد / أودَعَتهُ سرّ آلامي وأشجاني
يا ليلُ أينَ الكرى بل أينَ طيفهُم / فكَم بوادي الكرى يا ليلُ واساني
وكم هَفَت وَصَبَت نفسي إلى حُلُمٍ / مُجنّحٍ راقصٍ في النورِ نَشوانِ
حُلمٌ يرفُّ على لالاءِ مَبسِمها / ليلاً ويَصدرُ صُبحاً غيرَ صَديانِ
يا ساقيَ الخمرِ لا شُلَّت يداكَ أدِر / بنتَ النخيلِ فإنّ الصحوَ أضناني
وانضَح بها كبداً نَهبَ الجوى واثر / باللَه غافيَ إحساسي وإيماني
فكم على ضوئِها الفضيّ من صُوَرٍ / شتّى تجلّت لعيني ذات ألوان
وَرُحتُ استَعرضُ الماضي فاطرَبني / بها ومن ثمّ أشجاني وأبكاني
حتّى سَكَبت على ذِكراهُ أغنيةً / من وَحيِ بُؤسي ومن إلهامِ خِرماني
يا ساقيَ الخَمرِ زِدني فالرؤى هَتَفَت / بي وهيَ سكرى وما اغمَضتُ أجفاني
تراقصَ الحَبَبُ المِمراحُ في قدَحي / فأينَ أينَ الكرى من جفنِ سكرانِ
يا جيرةَ البانِ حيّا الغَيثُ رَوضَكمُ / وجادَ واديكمُ يا جيرةَ البان
واللَهِ ما هبَطَت ليلايَ دارَكمُ / إلّا وحلّت بها ما بينَ إخواني
فمَن بأحضانِ ذاكَ الروضِ شاهَدها / مُواسياً غيرُ أقراني وخلّاني
ومَن على وردهِ المعطارِ نادمَها / على الطّلا غيرُ سُمّاري ونُدماني
باللَهِ هل فُسِّرَت أحلامُ روضِكُم / وهنّا لانسامِ آذارٍ ونيسانِ
وهل شجا قلبَها نوحُ الحمامِ بهِ / فاستَعبَرَت وَرَثَت لي بعدَ فقداني
وَهَل أنينُ سواقيهِ وأدمُعُها / في الروضِ ذكّرَها بالوامقِ العاني
وهَل فراشاتهُ طافَت بوجنَتِها / وغازلَت وهيَ نشوى وردَها القاني
يا أهلَ ليلايَ مُذ شطّ المزارُ بكم / لا الحيُّ حيّي ولا الجيرانُ جيراني
كلّا ولا الروح روحي مُذ هفَت وصَبَت / لساكني الحيّ من غيدٍ ومُردان
نَزَحتُمُ وضبابُ الشكّ خيّمَ في / آفاقِ نَفسي وكم بالكُفرِ أغراني
لولا بقيَّةُ إيمانٍ ترُفُّ منى / قلبي على ضوئها في ليل أحزاني
يا ساكِني القَصرِ دام السعدُ مُبتَسِماً / لكُم ودُمتُم ودامَ النحسُ للشاني
إن يجحَدِ القومُ والأوطانُ فَضلَكُمُ / لا القومُ قومي ولا الأوطانُ أوطاني
لي بينَ غزلانِكم ظبيٌ كَلِفتُ به / ظبيٌ تَرَعرَعَ في جنّاتِ رضوانِ
واللَهُ أبدعَ في تصويرهِ وكفى / أُعيدهُ بكمُ من كلِّ شَيطانِ
ما أن وَقَفتُ عليها مُهجتي ودَمي / حتّى قَصَرتُ أناشيدي وأوزاني
فيا إله الهوى رفقاً بعابِدِها / فالقلب ما نال من معبوده الثاني
والفكرُ يا أهلَ ليلايَ استقَلَّ بها / والروحُ يا مذبحَ العُشّاقِ قُرباني
حُبٌّ برىءٌ نما في خافِقي وَسَما / وهَل يُعَمَّرُ حُبٌّ غيرُ روحاني
هاتِ يا ساقِ هاتِ بنتَ النخيلِ
هاتِ يا ساقِ هاتِ بنتَ النخيلِ / فعَساها تشفي عساها غليلي
هاتِ كأسي فيمَ التردّدُ واشرَب / فهيَ حسبي في محنَتي ووَكيلي
هاتِها علّني أذَوِّب أتراحي / فيها ودَع هُراءَ العذول
واتركِ العودَ واسقِنيها على نوح / فؤادي خِدنِ الضنى وعَويلي
جاءَ تَحريمُها وليسَ عَلَينا / بل على كلّ سافلٍ وجَهول
فبصدرِ المكروبِ نارٌ تلظّى / أوقَدتَها الأشجان عند الرحيل
يا خليلي كيفَ السبيلُ إلى الصبر / أجبني باللَهِ هل من سبيلِ
هل سلَوا أم قَضَوا غراما فإني / لم أجد بعدَهُم فتىً يرثي لي
يا حبيبي هيهاتَ يندَمِلُ الجُرح / ودائي استشرى فمن للعليل
وشُكوكي عاثَت بصدري فساداً / ويقيني ويلاهُ غيرُ كفيلي
آه يا مَنهلَ الفؤادِ لقد ضاقَ / نِطاقي وبتُّ كالمخبولِ
لا نَشيدُ الأمواجِ رفَّةَ عن نَفس / ي ولم تَشفِها كؤوسُ الشمولِ
ونسيمُ المساءِ أمسى شواظاً / من زفيري وباتَ غيرَ بليلِ
يا ضفافَ الخليجِ أخمَدتَ / إحساسي وماذا تجني وراءَ خمولي
غيرَ حرقِ البخورِ في كلّ آنٍ / وضروبِ التزميرِ والتطبيل
فاطغَ يا بحرُ آن أن تطغى واغمُر / كلّ ربعٍ منَ الربوعِ محيل
وانعَقي يا بومُ انعقي لا تخافي / وانعَبي يا غربانُ فوقَ الطلول
واصرَخي يا جنوبُ في كلّ وجه / كالح واعصِفي بجفنِ الدخيلِ
وقفي يا شمسَ الهجير وصُبّيهِ / لعاباً يَغلي ببطنِ الأكولِ
واخرجي يا أشباحُ في غَيهَبِ / الغي وطوفي بطغمةِ التدجيل
وارقُصي وانفُثيه سما زعافاً / يا أفاعي الخنا بكل رذيلِ
وانهشي يا عقاربَ الحقدِ من / خصمي بقايا فؤادهِ المأكولِ
والفُظِ الروحَ يا فقيرُ ولا ل / ومَ على مَذبحِ المرابي الكسولِ
وانثُرِ الشوكَ أيّها الأرقُ المرُّ / على مضجعِ الدعيّ الملولِ
واغسلِ النفسَ أيها الخائنُ النادمُ / بالدمعِ فهوَ خيرُ غسولِ
والطمي الصدرَ يا ابنةَ الطَ / هر وابكيهِ فللّهِ قلبُ كل ثكولِ
يا ضِفافَ الخليجِ حطّمتَ آما / لي واثقلتَ كاهلَ المسؤولِ
أنتَ يا مسرحَ الأسى والرزايا / وصُنوف العذابِ والتنكيلِ
ضِقتَ بي والجناحُ منّى مهيضٌ / يا لَحُزني وحيرَتي وذُهولي
لم يَطب لي لؤلا الحبيبُ مقام / بك يا سجنَ كل حرّ نبيلِ
فحياتي روايةٌ ذاتُ فصلٍ / واحدٍ فيكَ وهيَ ذاتُ فصولِ
أنا مثّلتُها على مسرحِ الحرمان / والبؤسِ وانتَهى تمثيلي
وبقَلبي داءٌ وفي النفسِ ما فيها / وعاثَ الضنى بجسمي النحيلِ
وبصَدري سرٌّ دَفينٌ فوا / خوفي عليهِ من قلبيَ المتبولِ
آهِ مَن لي ولَو ببعضِ التأسّي / أنا إن لم أمُت فبعدَ قليلِ
احفروا لي قبراً على شاطىء البحر / سميري في وحدَتي ومُقيلي
لم تَطِب لي دُنيا الشقاءِ فوا / لهفي وشَوقي للعالمِ المجهول
يا ضِفافَ الخليج شرّدتَ / أحلامي فدَع لي عواطفي ومُيولي
إن لي فيكَ والمحبّةُ قيدُ / أغيَداً ذا خلقٍ وخُلقٍ نبيلِ
وجبينٍ زاهٍ وقدّ رشيقٍ / وعيونٍ نشوى وخدٍّ أسيلِ
ومُحَيّاً كالبَدرِ شعَّ سناهُ / أو كشَمسِ الربيع عندَ الأفولِ
وطباعٍ أرقَّ من بسمَةِ الفجرِ / وروح أنقى من السلسبيلِ
ودلالٍ ألذَّ من حلمِ العذراء / في فجر حُبِّها المعسول
طرَق القلبَ حُبُّهُ وهو إذا ذاك / غريرٌ فنالَ حُسنَ القبولِ
فتَكَتَّمتُ يومَ ذاك ولم يحمِل / فؤادٌ كعبءِ حُبّي الثقيل
وكَتَمتُ الأحلام في الحبّ عنهُ / يومَ كنّا مخافةَ التأويل
ومضت يا لتعسِ حظّي سنون / وغنيٌّ حالي عن التفصيل
وانطوَت شُقَّةُ النوى والتقينا / بعدَ لأيٍّ وبعد قالٍ وقيل
فسَفَحتُ الدموعَ بين يديهِ / وهو في شبه حيرة المذهولِ
ينكثُ الرملَ مُطرقاً وأنا / أشكو إليه آلامَ دائي الوبيل
آه لو كان ريقهُ السلسَلُ / المعسولُ دمعي وشَعرُه منديلي
آه ما أعطشَ الفؤادَ إلى دمعَ / ةِ عطفٍ من جفنهِ المكحول
يا لمرآى الدموع وهيَ بناتُ الش / عر في مُقلةِ الحييِّ الخجول
فخرجنا من صمتِنا واعتنَقنا / وأخذنا بالضم والتقبيل
وشربنا بنتَ النخيل وما أعذب / ها في ظل الوصال الظليل
فسَكِرنا فرُحت أنشد شعراً / وهو يُصغي لشعريَ المعسول
ليلةٌ ذِكرياتُها ملءُ ذهني / وهيَ في ظلمةِ الأسى قنديلي
ليلةٌ لا كليلَةِ القدرِ بل خيرٌ / وخيرٌ واللّهِ من ألفِ جيلِ
أنا ديني الهوى ودمعي نبيّي / حينَ أصبو ووحيُهُ إنجيلي
رُبَّ صمتٍ يا صاح أوقعُ بل / أبلغُ في سحرهِ منَ التنزيلِ
ودموعُ العشّاقِ فيضٌ منَ الخل / دِ وشعرٌ يُزري بشعرِ الفُحولِ
وتناغي الأحبابِ في روضَةِ الوَص / لِ هديلٌ يغري ولا كالهَديلِ
وخفوقِ القلوبِ ضربٌ من / التسبيحِ عندَ اللقاءِ والتهليلِ
يا عروسَ الإلهامِ موعدُكِ الشاطىءُ / مأوى العشاقِ عندَ الأصيل
فإلى الملتقى هناكَ وهاتِ الشعرَ / من وحيِ دمعيَ المطلولِ
وزَفيري على المنى وشهيقي / وهيَ صرعى على يقيني القتيلِ
وصراخُ الأشجانِ في مُهجَةِ النف / سِ وصمتُ الأسى الممضّ الطويل
ونواحُ الآمالِ في غمرَةِ اليأ / سِ وجهشُ المعذّبِ المخذولِ
نفّسي عن مُعَذَّبِ الصدرِ حبّاً / ليعودَ الكرى لجَفني الكليل
فالمنى والرؤى وحلمُ الصبا وهمٌ / ولا عاشَ كلٌّ صبٍّ بخيلِ
بكِ بالشوقِ بالضنى يا جاره
بكِ بالشوقِ بالضنى يا جاره / اسعِفيني بالكأسِ والسيجارَه
يا ابنةَ الجارِ أرمَضَ الصحوُ قلبي / وشجا خاطري وشَقَّ المرارَه
اخرِجيني من الظلامِ إلى النور / وفرضٌ أن يُسعِفُ الجارُ جارَه
يا عروسَ الأحلامِ باللَهِ هاتي / وخُذي ولنَفُضُّ هذي البكارَه
أشعِلي تلكَ تارةً واترعي من / خمرةِ الرافدين هاتيكَ تارَه
ودعيني ما بينَ سيجارتي والكاس / أبكي الصبا وآخذُ ثارَه
خفّفي العتبَ أوصدي البابَ قومي / واطمئنّي فالشيخُ غادرَ دارَه
لستُ أخشى عليكِ من أمّكِ السوء / فكم رحّبَت بهذي الزيارَه
يا ابنةَ الشيخِ يا مُنى النفسِ يا / ريحانَةَ الحيّ أوقدَ الشوقُ نارَه
إنقَعي غُلّتي فبَينَ ضُلوعي / خافِقٌ شفَّهُ الصدى لا حِجارَه
واخرُجي بي من عالمِ الإفكِ والبُه / تانِ والبَغيِ والخَنا والدَعارَه
لسَماءِ الروى وشتّى الأماني / فبَناتُ القَريضِ رهنُ الإشارَه
حيثُ يحلو الهوى ويَسكُب فجرُ / الحبِّ في كلِّ خافقٍ أنوارَه
عانِقيني وأطفئي غُلَّةَ الروح / فجِسمي براهُ ما ف القَرارَه
وضعي ثغرَكِ الشنيبَ على / ثغري وهاتي صهباءَهُ بحرارَه
اسقنيها على وجيبِ فؤادَينا فقد / أسدَلَ الدجى أَستارَه
واصهَري كلّ ما يجيشُ بصَدري / من شعورٍ هضمُ الحقوق أثارَه
يا ابنةَ الجارِ يا مُنى النفسِ لا تَ / أسَي إذا ما الواشي أثارَ غُبارَه
ذابَ قلبي أو كادَ يا ربَّةَ الحُ / سنِ خُذيهِ واستَطلِعي أسرارَه
يا فتاتي باللَهِ عفواً إذا ما رحتُ / أشكو إليكِ فوضى الإدارَه
سائلي الحيَّ لا عدِمتُكِ عن عَبدا / نهِ حينَ ضايقوا احرارَه
سائليهِ عن الفقير لهُ اللَهُ / وكم باتَ يشتكي تُجّارَه
الأفاعي في أفقهِ تنفثُ السُمَّ / وقد أخرسَ الفحيحُ هزارَه
كم ملاكٍ أمسى فأصبح شيطاناً / رجيماً مُذ سمَّمَت أفكارَه
أينَ منهُ أقمارهُ لهفَ نفسي / غَيَّبَ الدهرُ ويحَهُ أقمارَه
أينَ منهُ الكؤوسُ واحرَّ قلبي / الحُمَيّا كم ضاحكَت أسحارَه
أينَ منهُ سمّارُهُ والندامى / والدراري كم راقَصَت أسمارَه
سائِليهِ وحدّثي الشاعر المن / كودَ عنهُ وَسَجّلي استِنكارَه
وارفَعي شكواهُ إلى اللَهِ وهناً / وأذيعي لا تكتُمي أخبارَه
يا فَتاتي رُحماكِ قد يَمَّمَ الدارَ / أسيرُ الأسى فحلّي إسارَه
كيفَ أشدو والوضعُ حطّمَ عودي / والأراجيفُ قطَّعَت أوتارَه
ورياحُ الحِرمانِ هبَّت على رَو / ضِ شبابي وصوّحَت أزهارَه
وخريفُ الحياةِ أخرَسَ لمّا / صرَخَت بي شجونُه أطيارَه
ما رَنينُ الأوتارِ إلّا صدى / إرنانِ قلبي وأنَّةِ القيثارَه
وقصيدي بقيّةٌ من فُؤادٍ / عَصَرَتهُ الآلامُ فهوَ عُصارَه
يا فتاتي رحماكِ قد يمَّمَ الدارَ / أسيرُ الأسى فحلّي إسارَه
كم هَفَت روحهُ إليكِ وقد / جاءَ بها لا بنفسهِ الأمّارَه
ليلُهُ حالِكُ السوادِ طويلٌ / والشجا المرُّ قد أحال نهارَه
فاترِكيهِ حتى الصبح صريعاً / وإذا ما أفاقَ داوي خمارَه
ما رَبحنا يا وضعُ قطُّ ولكن / حسبُنا لو أشفَقتُ تلكَ الخَساره
أوقِديها وذَريها في حشايا
أوقِديها وذَريها في حشايا / تحرقُ القلبُ وتجتاحُ الحَنايا
أوقِديها نارَ شوقٍ جامحٍ / نارَ حِرمانٍ تَلَظّى يا منايا
مرحَباً بالهمّ بالأوجاعِ في / ساعةٍ تَغمُرُها ذكرى هوايا
مرحَبا بالآهِ والالام في / صادقِ الحُبِّ وأهلاً بالرّزايا
أوقِديها لا تقولي حسبَهُ / جورُ دُنياهُ وإجحافُ بنيها
فَرَهينُ الوجدِ لا توهِنهُ / قسوةُ الدنيا وما يَلقاهُ فيها
وأذى الناسِ وأوصابُ الصدى / لا تُعيريها اهتِماماً وازدَريها
لا تقولي إنّني أخشى الردى / والتجَنّي لا تقولي أوقِديها
أوقِديها يا ابنةَ النورِ فقد / خبَتِ النيرانُ نيرانُ النوى
أسعِدي اللوامَ أشقيني فها / كان ما شاؤوا وزيديني جوى
وانكاي بي كلّ جُرحٍ ودَعي / جرحَ قلبي إن يكُن عنكِ ارعوى
أنا أهوى فيكِ موتى ناشداً / كلَّ آسٍ لي يَرى الموتَ الدوا
أوقِديها واصهري إحساسَ مَن / جمَدَ الإحساسُ في أغوارهِ
وهوَ يرجوكِ مُصِرّاً ولقَد / أشهدَ اللَهِ على إصرارهِ
لم يجد للحُبّ في فردَوسهِ / لذَةٌ إن عَبَّ من أنهارِه
لم يجد وهو الذي يشكو الصدى / نشوةً مثلَ التي في نارهِ
أو قديها إن أُفقي غائمٌ / وغُيومِ الأفقِ لا تقتُلُني
وسهامُ الموتِ طاشَت في الفَضا / وجناحي لم يعُد يحمِلُني
وابنُ جَنبي باتَ في محرابهِ / خافقاً نحوَ الردي يُعجِلُني
يطلبُ الحتفَ الذي يصبو لهُ / خاشعاً ملتَمساً يسألُني
أوقِديها علّني أهدي بها / قلبيَ الغارقَ في لجّ العُباب
علّني أرشِدُ إن أوقَدتُها / ذلكَ الضائِعَ منّي في الضباب
أو عسى تُدرِكُ فيها النفسُ ما / تَبتغيهِ من أمانٍ ورِغاب
أو عَساها تَبلغُ القصدَ الذي / عَمِيَت عنهُ وَقَد يَعمى الشَباب
أوقِديها رُبَّما تُلهِمُني / صادقَ الإلهامِ والوَحيِ الطليق
رُبَّما يَصهَرُ قيدي حرَّها / فأناجيكِ وقد يوحي الحريق
مودِعاً في كلّ لحنٍ دامعٍ / من نشيدي أنّةَ القلبِ الرفيق
أنّةً تُنسيكِ إن أرسَلتُها / زَفرةَ الصادي وغصّاتِ الغَريق
أوقِديها واترُكيني واجماً / رامياً بالنارِ أطيافَ صِبايا
واندُبي عهداً مضى كُنتُ به / حائراً أسألُ أشباحَ العَشايا
وإذا ما خَبَتِ النارُ غداً / ومن الآمالِ أدرَكتُ مُنايا
وإذا ما أسدَلَت أستارَها / وانتهى الدورُ اذكري أولى الضحايا
يا مَيُّ نابَ السمعُ عن بَصَري
يا مَيُّ نابَ السمعُ عن بَصَري / في الليلَةِ السوداءِ من صَفَرِ
ذَهَبَت فلا رجعَت مُخَلَّفةً / في غورِ روحي أسوا الأثَرِ
ماذا أقولُ وإن شكَوتُ فمِن / جورِ القضاءِ وقسوَةِ القدرِ
الصدرُ مُنقَبضٌ ولا عجَبٌ / والنفسُ نَهبُ الهمِّ والضَجَرِ
وأقامَ أحزاني وأقعدَها / في جانِحَيَّ تَرَنُّمُ الوَتَرِ
والكأسُ في يُمنايَ تَنظرني / شَزراً فأَشربُها على حَذَرِ
وأرَقتُها كرهاً على جزعٍ / فوقَ الرمالِ وبتُّ في سقرِ
والصحبُ راحوا حينَما شَرِبوا / يَتَبادلون طرائفَ السمَرِ
نعمَ الندامى لا عدِمتُهُمُ / يتألَّقونَ كأنجُمِ السحَرِ
يا ميُّ والأحلامُ شاردةٌ / رُحماكِ رُدّيها لمفتَقِرِ
يا ميّ والأيّامُ عابسةٌ / باللَهِ غنّي وارقُصي وذَري
يا ميُّ والأقدارُ ساخِرةٌ / منّا ولم نسخَر ولم نثُر
قومي لنَسخَرَ مثلَما سخِرَت / من كلِّ مُدَّخِرٍ ومُحتَكرِ
ما لي أحيّي الشمسَ مُغتَبطاً / عندَ الغروبِ بأروَعِ السورِ
ما لي أودّعُها إذا طلَعت / بمدامِعي وأعودُ بالكدَرِ
ما لي أرى الغربانَ طائرةً / والصقرَ دامي القلبِ لم يطِرِ
ما لي أرى جاري يكَفّرني / ويُقَدِّمُ القُربانَ للحجَرِ
ما لي أرى العُريانِ يسألُهُ / عن بيتِ ليلى كلُّ مؤتزرِ
ما لي أرى المسكين يلهَثُ في / هوج الرياح وهاطل المطر
ما لي أرى شمعونَ يظلمهُ / ويبيتُ مرتاحاً على السرر
ما لي أرى البير منتفِخاً / وقميصهُ قد قُدَّ من دُبُرِ
ما لي أرى ساسون يجرَحُني / ويقول لابنةِ عمِّهِ اعتذري
ما لي أرى حز قيل يقتُلُ مَن / يهواهُ من أنثى ومن ذكَرِ
قد طالَ هجرُكَ يا ربيعُ فيا / لتعاسَةِ الأطيارِ والزَهَرِ
دنيا المهازل والشذوذ غدَت / نار الليوثِ وجنّةَ الحُمُرِ
من لي بمشنَقَةٍ أحزُّ بها / بعضَ الرقابِ وصارمٍ ذكر
فلسَوف ينفُخُ يا لخيبتِهِم / بالصور إسرافيلُ فانتظري
فمُشَبّهو ليلى بوالدِها / شتّانَ بين الفحم والدُرَرِ
سرَقَ ابن آوى ديكَنا سحَراً / ودجاجُنا منه على خطَرِ
والفأرُ يشرَبُ بيضَها طَرباً / أبداً فيا لتبلبُلِ الفِكَر
إن جُعتَ يا صيّادُ ويحَكَ لا / تَتعَب وخلّ الطيرَ في الشجَرِ
وتعالَ حدّثنا وصلّ بنا / وأكُل كغيركَ أطيبَ الثمَرِ
لا تحسَبي يا ميُّ أن يدي / مغلولةٌ غُلَّت يَدُ الأشِرِ
فالحرّ من جورِ الزمانِ هنا / وهُناكَ بين النابِ والظُفُرِ
حسناءُ هاكِ وحطّمي قدحي / فالكأسُ قد دارَت على البَقَرِ
لا تعجبي مما صدعتُ بهِ / فالنارُ لا تخلو من الشَررِ
حسناءُ والأجفانُ قد ثَقُلَت / هاتي الدواء وكحّلي بصَري
بما أودَعتُه فيها
بما أودَعتُه فيها / إلى ليلايَ أهديها
إلى تلكَ التي في أضلُ / عي قلبي يُناجيها
وترشفُ روحي العطشى / رواها من مآقيها
وفي مهدِ الهوى العذري / ما فَتِئَت تُناغيها
وأحلامي إذا ما عَربَدَت / كأسي تُغَنّيها
فهذا الشعر ألهَمَنيهُ / حاضِرُها وماضيها
اذكُريني كلما هبّ الندامى
اذكُريني كلما هبّ الندامى / لِتَحسّيها غَبوقاً وصبوح
وإذا ما هزّتِ الذكرى الحماما / فغدا في الدوح يشدو وينوح
اذكريني كلّما زفَّ الشمول / ذاتُ دلٍّ ودَلالٍ أو غُلام
وإذا ما استَرجَع الشربُ العقول / فغَفوا تكلاهم عين السلام
اذكريني كلما آذارُ وافى / وارتمى سكرانَ ما بين يديك
وإذا نيسانُ عاطاكِ السلافا / وحنا شوقاً وتحناناً إليك
اذكريني كلما هام الفراش / لارتشاف الراح من ثغرِ الزهور
وإذا ما هاجَكِ الشوقُ وجاش / صارخاً في نفسكِ الولهى الشعور
اذكريني كلّما ناغى الهزار / ثملاً أفراخهُ عند الشروق
وإذا ما هزمَ الليلُ النهار / واستثارَ الوُرقَ تنحابُ المشوق
اذكريني كلما الشمالُ هبّت / وسرَت يا زينةَ الدنيا جنوب
وإذا ما صحَتِ الطيرُ وعبّت / خمرَةَ الفجرِ على نفحِ الطيوب
اذكريني كلما النايُ ترنَّم / وهفا قلبٌ على قرعِ الكؤوس
وإذا ما شاعرُ الحيِّ تألَّم / فبكى في الشجنِ واستبكى النفوس
اذكريني كلّما الصيفُ أتى / يحملُ البشرى لأرباب الغرام
فالتقَت كل فتاةٍ وفتى / فإذا الدنيا سلامٌ وابتسام
اذكريني كلما نام السكارى / بين أحضانِ الرمال الناعمَه
وإذا ما سامرَ الموجُ السهارى / حولَ هاتيكَ الصخورِ الجائمَه
اذكريني كلّما لاح أخوك / في السماءِ اللازوردية ليلا
وإذا ناجيتهِ لافُضَّ فوك / في سكون الليلِ يا ليلى لكَيلا
اذكريني كلما جاء الخريف / ناثراً ما نظَمَت كفُّ الربيع
ما حيّا كل أنيقٍ ولطيف / ماسخاً كل جميلٍ وبديع
اذكريني كلّما حلَّقتِ فجرا / وانتشَت روحك في دنيا الخيالِ
اذكريني يا فتاتى ربّ ذكرى / قرَّبَت من نزَحا رغمَ الليالي
آه يا حُبُّ ولم أشكُ ملالا / فاضت الكأسُ فرُحماكَ بحالي
قدرٌ سلّطهُ اللَهُ تعالى / قطعَ اليُمنى ولم يترُك شمالي
أيهذا الليلُ والصمتُ الرهيب / جدّدِ اللوعة في القلبِ الطعين
أينَ قيثاري وكوبي والحبيب / وشموعي ونديمي واحنيني
يا ملاهي الصحب في تلك الرمالِ / أنا مذ أقفرتِ في عيشٍ مرير
أنا موتورٌ ولكن ما احتيالي / آه وأشواقي إلى اليومِ الأخير
أنا إن متُّ أفيكُم يا شباب / شاعرٌ يرثي شبابَ العسكَرِ
بائساً مثليَ عضَّتهُ الذئاب / فغدا من همّهِ في سَقَرِ
يا رفاقي أكؤس الصبا المريره / أجَّجَت نار الأسى في أضلُعي
فإذا ما انطَلَقت روحي الأسيره / فادفنوا كوبي وقيثاري معي
فاشهقي يا روح وازفِر يا سعير / واضطَرِب يا عقلُ واشرُد يا أمَل
وأجر يا دمعُ وأقبل يا نذير / وأبكِ يا قلبُ وأسرِع يا أجَل
واصرخي يا ريحُ وانحَب وتَر / واعبسي يا كأسُ واغرُب يا قمَر
وتعالى ودّعي قبلَ السفَر / بُلبُلاً قصّ جناحَيهِ القدَر
قبّل فدَيتُكَ مبسمي دَع جيدي
قبّل فدَيتُكَ مبسمي دَع جيدي / وإلى اللقاءِ صباح يوم العيد
لم لا وأهلي ويحَ أهلي وبالغوا / باللومِ والتعنيفِ والتهديدِ
لا تقتَرِب من دارِنا هم اقسموا / أن يقطعوا إن جئتَ حبلَ وريدي
يا ليتَ شعري هل أثارَ شكوكَهُم / حولي قيامي بالدجى وقعودي
وتأفّفي وتلَهّفي وتبَرّمي / بهم وهذا ديدَنُ المفؤودِ
يا للحماقةِ والرعونَةِ فرّقوا / بيني وبين الوامقِ المعمودِ
يا للتّعاسةِ من يواسيني ويسل / يني بأيّام الفراقِ السود
أكثيرةَ الشكوى حنانيكِ أهدأي / وترفّقي بالشاعر المنكودِ
الصبحُ لم يُسفِر وأهلُكِ نوّمٌ / قومي معي نحسو المدام وعودي
فترَدَّدت وتمَلمَلَت وتنهَّدَت / وبكت وطوَّقَ ساعِداها جيدي
فنظَمتُ من وحيِ الدموعِ قصيدةً / وعرائسُ الإلهامِ دمعُ الغيدِ
وسجدتُ إجلالاً وتعظيماً لها / واستعبَرَت روحي وطال سجودي
فتأوّهَت واستسلمَت واغرَورَقَت / عينايَ رغمَ تجلّدي وصمودي
قالت هلُمَّ إلى الشُوَيطيءِ قلتُ لا / فهُناكَ كل مفَنِّدٍ وحسودِ
وهنا الأمانُ وها هنا ما شئتِ من / بنتِ النخيلِ أو ابنَةِ العنقودِ
فسقَيتُها وحسَوتُها من ثغرِها / يا مَن حساها من ثغورِ الخودِ
بيضاءَ من خمرِ العراقِ تُثيرُ / روحَ العزمِ والإقدامِ بالرَعديدِ
ما أن أقولُ لها خذي معبودَتي إلا / وقالت هات يا معبودي
هاتِ اسقنيها لا تُعَكّر صفوَها / دعها بلا مزجٍ ولا تبريدِ
دعها لتَخرُجَ بي إلى دنيا المنى / من عالمِ الأطماعِ والتنكيد
واصدَع بنَشوَتِها وفَرطِ سرورِ / ها شملَ الضنى والهمّ والتسهيد
فضّيةُ أحلامُها ذهبيّةٌ / كم رفّهت عن خاطري المكدود
ولكم أثارَت غافِيَ الإحساسِ بي / وكم اعتَرَفتُ أمامها بوجودي
دعنا نفضّ معا بكارَتها على / همسِ الصبا سحراً وشدوِ العودِ
أشجاكِ منذُ هُنَيهَةٍ نوحي / وأشجاني نواحُكِ فاسمَعي تغريدي
لم لا وقد دبّ الدبيبُ وحلّقَت / روحي بأفقٍ للخيالِ بعيدِ
بأبي وأمّي من مدَدتُ لها يدي
بأبي وأمّي من مدَدتُ لها يدي / بعدَ العِشاءِ مصافحاً في الأحمدي
غيداءُ عرَّجَ بي عليها أغيدٌ / في دارها أنعِم بذاكَ الأغيدِ
لبيتُ داعيها وصافحَ قلبَها / قبلَ اللقا قلبي وقبلَ تقيّدي
ذُقتُ الهوى وكأنّني ما ذُقتُه / حتى دخَلتُ ولامست يدها يدي
ألَّفتُ بينَ جمالهِ وجمالِها / في ليلَةٍ أدمَت قلوبَ الحُسّدِ
قد كان لي رأي فلما زرتُها / أيقنت أن الحسن حسن الخرّد
أكذا الهوى ومذاقه في فجره / ما كان أحلى الحب عند المولدِ
الآن طب يا قلبُ وارقص في السما / فلقد سقتك وجنّحَتكَ وعربد
والآن يا روحي الحبيسة رفرفي / واستلهميها في السماء وأوردي
والآن يا نفس اطمئني واشهدي / أن لا حبيب سوى فتوح وأشهدي
إني أعود بحسنها وبقلبها / وبروحها من كل واشٍ مفسدِ
وألوذ من كبد الحسود بجفنها / وبقدها من شر كل مفند
شرقيةٌ تسبيك لا غربية / بجمالها الموهوب فاعشق وافتد
ملكت علي مشاعري بحديثها / وبلطفها وذكائها المتوقد
فملاحةٌ وسماحة وصراحةٌ / ورجاحةٌ بالعقل فاشكر واحمد
دنيا من الأشذاء والأضواء في / فستانها الزاهي الرقيق الأسود
أين الغزالة في الضحى من دلها / وبهائها فاخشع وكبّر واسجد
أينَ الزهور إذا الزهور تفتحت / عن لؤلؤٍ في طيبها وزمرد
أين القطا والبان إن هيَ أقبَلَت / بتمايل أو أدبرت بتأود
بمهفهف وبأتلع وبناعس / وبأشقرٍ ومقرمزٍ ومورد
أينَ الأسنّةُ والظبي من جفنِها / ذرها تصولُ على القلوبِ وتعتدي
وتثيرُ في أغوارها ميتَ الهوى / لتعيشَ في نور الإله وتهتدي
ما قيمة الأرواح إن لم ترتشف / خمر الغرام وتحترق في المعبد
فهنا السمو هنا النعيم هنا المنى / وهنا السعادة والخلود السرمدي
حسناء إن أشكو الزمان فإنه / حربٌ على الحر الأبيّ الأمجد
قد أوصد الأبواب في وجهي فكم / من مأربٍ لي لم أنله ومقصد
والنحس منذ طفولتي خدني فيا / لشقاء موتور الفؤاد المبعد
حوراء يا دنيا العرائس والرؤى / أنا في الكويت أخو الشقاء فأسعدي
اللَه في ابن الأرض يا بنت السما / قد تاه في القفر المخيف فأرشدي
قضى ربيع العمر فيه معذبا / يشكو أذى الدنيا وجور الأعبد
يستعرض الأحلام وهيَ عوابس / طوراً ويهتف بالطيوف الشرّد
وبه كبا عند السباق جواده / يا للتعاسة والعذاب المقعد
ما راع مثل الشمس تكسفُ في الضحى / والورد يسقط وهو فواحٌ ندى
فصيلهِ يا دنيا الأماني واصدعي / في قلبه شمل الشجون وبدّدي
وبحقّ مريمَ كفكفي عبراتهِ / وبحقّ عيسى علّليه وزوّدي
قالت وقد مسحت دموعي لا تنُح / ومعي اغتبق يا عندليبُ وغرّد
قد قيل لي بالأمس إنك شاعر / فاشرب على نخبي فلم أتردّد
ما كان أرخم صوتها وأرقّه / حين انتشت وشددت وقالت أنشد
فشربتُ ثانيةً وثالثةً إلى / سبعٍ فقالَت خذ وزد وبي اقتد
أنشدتُها والكأسُ في كفّي ولي / قلب يحوم على مراشفها صدي
فترنّحت طرباً وكم من كاعبٍ / طارَت بألحاني وكم من أمرد
فإذا بثالثنا يفيقُ منبّها / ومحيّياً بصبوحه صُبحَ الغد
فتَنهّدت لتنهّدي وأثار في / أعماقها ما قد أثار تنهّدي
وهناك قمنا للوداع ويا لها / من ليلة فيها صفا لي موردي
مرت مرور الريح واشوقي لها / من مسعفي إن لم تعُد من منجدي
فلِحُسنِ حظي أنني لم أنصرف / حتى ظفرت بقبلةٍ وبموعد
يا صاحبي قد كان من شاء الهوى / فإلى الكنيسة سر بنا لا المسجد
إن قيلَ جنّ فإنّ عذري واضح / أو قيل تاه ففي يديها مقودي
أو قيل ضل فلست قبل زيارتي / وتدلهي بالزاهد المتعبد
يا معشر المتعصبين رويدكم / أمن الرغام قلوبكم والجلمد
بالله هل تطوى السماء إذا هفا / وصبا لمشركة فؤاد موحد
فاليوم قادت من تحبّ لدينها / وغداً يعود بها لدين محمد
حيّ الصباح إذا تبسم
حيّ الصباح إذا تبسم / وصغ العقود إذا تكلم
واعبد بمملكة الجمال / جلالة الملك المعظم
فالحسن حين يصان يعبد / فيه خالقهُ ويكرَم
وإذا سألت وجاد يوما / ما بوعد أو تكرّم
فاستقبل الدنيا بزينتها / ولا تشرك فتندم
واستوحه واستلهمنه / فكم وكم أوحى وألهم
وإذا حسا الكأس اركعنّ / له وبالأخرى تقدّم
وإذا استزادك زده واسجد / واقترب لا عاش من لم
وعليه صلّ إذا انتشى / فاللَه قد صلى وسلم
لا العود لا القيثار لا / المزمار إذ يشدو بأرخم
فاسمع لحون مخارق / والموصلي إذا ترنم
واشرب على تصفيق قلبك / يا أخا الأشواق واغنم
وإذا تلعثم صوتهُ / وكبا اللسان وعربد الدم
هلل وكبر باسمه / فاللَه فضله وعظم
واشك الغرام لعله / بك يا هزار الحي مغرم
أو علّه يرثي فقد / أمسى بحالك منك أعلم
ولعل بنت النخل تدنى / قلبه النائي فيرحم
ويجود إذ ذاك العظيم / بحسنه بالخد والفم
فتبيت تحتضن المنى / سكران بين اللثم والضم
تترشّف ابنة ثغره / متداويا والريق بلسم
ومدامة لا الهمّ يطرق / قلب راشفها ولا الغم
ظبيّ تحكّم بي ولا / تلُم الغزالَ إذا تحكّم
فكم استعاذ ولاذ منه / به إذا ما صال ضيغم
قسما بردفيه وكم / من مدنفٍ بالردف أقسم
لو عامر أو عمرو / شاهد بطش جفنيه لأحجم
أو أبصرت عينُ ابن أدهم / حسنهُ لغوى ابن أدهم
أو أنه نشر الشباك / لما رأيت بنا معمّم
أشكو القوام لخصره / متظلّما والخصر أظلم
أين القنا من فعل / ذاك فيا لمعوجٍّ مقوّم
وكم استجرت بطرفه / من ردفه والطرف أغشم
للَه ما أودى وما / أصلى وما اصمى وأسقم
أين الجآذر والدمى / ممن عليه اللَه أنعم
أين الأقاحُ إذا تبسّم / واللآلىء حين تنظَم
رمزُ الفضيلةِ والعفاف فأ / ينَ يوسف أين مريَم
أنا لا أقول هو الهلال / كما يقالُ إذا تلثّم
أو حين يسفرُ قد تبدّت / أختُ يوشع فهو أعظم
ركعت له فينوس حين / هوت وخرّت إذ تسنّم
مولايَ طوّح بي التدلّه / بعدَ أن أدمى وقلّم
وهوى بشيطاني القنوط / وأفق إلهامي تجهّم
وكبا جواد الحظ بي / وحسام بأسي قد تثلّم
اللَه فيّ فإنّ كاسي / ملؤها بهواك علقَم
اللَه في قلبي الكليمِ / فجرحه الدامي تسمّم
وكتمتُ حبّك مرغما / والحبّ يقتل حين يكتم
كيف السبيلُ إلى الشكاة / وكل من في الحيّ لوّم
اللَه أكبر كيف تصلي / شاعراً مثلي جهنّم
هيمان أعمى في هواك / أصمّ لا يصغي وأبكَم
يطوي الليالي ذاهلاً / متحسّراً والناس نوّم
متبرّم بنهارهِ / قلق إذا ما الليلُ خيّم
قد جنّ بين فؤادهِ / الملتاع والأمل المحطّم
فتعال بادله الوداع / وعش قرير العين واسلم
ولهان يفترش الرمال أصيلا
ولهان يفترش الرمال أصيلا / فيخاله الرائي هناك عليلا
طورا يئنّ وتارة يبكي / وآونةً تراه صامتاً مذهولا
كالطفل أشجاهُ الفطامُ فطرفُهُ / أبداً تراه بالدموع بليلا
أو كاليتيم وقد تملكهُ الأسى / فبكى وهل تشفي الدموع غليلا
وارحمتاه له فلم ير راحماً / في قومه ومواسياً ومقيلا
مسكين لا حرجٌ عليه إذا بكى / وإذا هنالك راح ينشد سولا
فالشاطىء الرملي مهبط حبه / ولكم هنالك رتل الإنجيلا
ويبث كل نسيمةٍ مرت به / شكوى تسيل لها النفوس مسيلا
لا غرو إن راح النسيم بسره / فإليه من يهوى اصطفته رسولا
أوّاه من ذكراي ليلة أقبلَت / سكرى تجرُّ على الرمال ذيولا
فالقلب صفّق هاتفا ومرتّلا / للقائها نغم الهوى ترتيلا
رددت تقديسا وتعظيما لها / بسجودي التكبير والتهليلا
وطفقت أقطف من شقائق خدّها / ولكم رشفت رضابها المعسولا
فتقول لي والكأس خصّب كفّها / إنّي لأهوى الضم والتقبيلا
فأجبت أخشى البدر يفشي سرنا / فأضفي علينا شعرك المسدولا
ما أن أداعبُ نهدها بأناملي / حتى أطوّق خصرها المهزولا
فتخالنا فوق الرمال ونحن في / سكر الغرام يثينةً وجميلا
قسماً سواها ما اتخذت خليلة / كلا ولا اختذت سواي خليلا
قدمت قربانا لمذبح حبها / روحي متى كان المحب بخيلا
حواء والهفي عليك فما سلا / قلبي ولا أرضى سواك بديلا
أهلوك قد جاروا عليك وعافني / أهلي وما أزمعت بعد رحيلا
تذكارك المحبوب معبودي متى / ينساك صبّ يعبد المنديلا
نوحي بعقر السجن نوحي
نوحي بعقر السجن نوحي / فصداهُ في أعماق روحي
نوحي فقد سالت جرو / حك مثلما سالت جروحي
نوحي فما أغنى غبو / قك لا ولا أجدى صبوحي
نوحي وبالسرّ المق / دس لا تبوحي أو فبوحي
نوحي فجسمك مثل جس / مي قد طواه اليأس طيّا
نوحي فروحك مثل رو / حي كم كواها الوجد كيّا
نوحي فنفسك مثل نف / سي لم تجد زاداً وريا
يا للشقاء ويا لبؤ / س شقيقة تهوى شقيا
نوحي فقلبك مثل قل / بي لم يبلّ أوامه
نوحي على طلل الصبا / واستعرضي أيّامه
نوحي على الحب البري / ء وكفّني أحلامه
نوحي على القلب الجري / ح وشيعي أوهامه
نوحي على جدث المنى / في غورِ خافقك الكئيب
نوحي فقد ولّى الربي / ع وأجدب الوادي الخصيب
نوحي فكم قمريّة / فيه تنوح وعندليب
وهناك كم من زهرة / ذبُلَت وكم غُصن رطيب
ليلايَ يا نجوايَ يا / دنيايَ يا أملي الوحيد
طوت الفروقُ بساطنا / وتنكّر العيشُ الرغيد
والذكريات مطلبة / من كسوّةِ الماضي البعيد
ترنو لحاضرنا الشق / ي وتندب الماضي السعيد
يا بنت من وأد الفضيل / لة بين أحضان الرذيلة
وطغى فراح يبلّ من / دم كل منكوب غليله
لهفي على تلك المشا / عر والأحاسيس النبيله
وعلى جمالك والشبا / ب الغضّ لهفي يا خميله
يا للشراسة والرعو / نة والحماقة والجهاله
يا للدناءة والسفا / هة والسفالة والنذاله
باعوك بالثمن الزهي / د فأين يا ليلى العداله
وسقوك كأساً ملؤُها / صابُ الأسى حتى الثماله
زجوكِ واأسفاهُ في / سجنِ التقاليد القديمه
للَه ما كابدت في / هِ من الأساليب العقيمه
لا درّ درّك من أبٍ / فظٍّ ووالدةٍ لئيمه
يا قاتل اللَهُ التعص / ب كم تمخّض عن جريمه
حجبوك عن عيني وعي / ن القلب تخترق الحجاب
فليوصدوا سحقا لهم / بيني وبينك ألف باب
حربٌ وكم يا رب أع / لنها الثعالبُ والذئاب
تذكي المطامع نارها / ووقودها مهج الشباب
قد أرغموك على الزوا / ج بذلك الشيخ الوضيع
أغراهم بالمال وه / و المال معبود الجميع
فقضوا على آمالنا / وجنوا على الحب الرفيع
ما راع مثل الورد يذ / بل وهو في فصل الربيع
قد زينوا الأحداث وي / لهمو وسمّوها مخادع
كم ذوّبت فيها كبو / دٌ واكتوت فيها أضالع
وتحطّمت مهجٌ وسا / لت أنفسٌ وجرت مدامع
هذا وما من زاجرٍ / كلا ولا في الحيّ رادع
زقّت وهل زفّت فتا / ة الحي للزوج الحبيب
هل أخفقت أم حققت / بزفافها الحلم الذهيب
وارحمتاهُ لها فقد / زفت إلى السجن الرهيب
وغدت به نهب الجوى / والشجو والهمّ المذيب
هل كان في استقبالها / فيه سوى شبح الردى
قد أُدخلت ليلا علي / ه فكان ليلا سرمدا
شُلّت يداه فكم بها / عاثت ألا شلّت يدا
وحسا على صرخاتها / دمها الزكيّ وعربدا
أو كان أهلك يا فتات / ي والأقارب والصحاب
إلّا الأراقم والعقا / رب والثعالب والكلاب
قد شيعوك فخبري / ني بعدما طويَ الكتاب
ماذا لقيت بذلك ال / قبر المخيف من العذاب
ليلى وما لادنيا سوى / نار الكريمة والكريم
أوّاهُ من داء قد اس / تشرى وجرح في الصميم
رباه رفقا بالجدي / د فكم شكا جور القديم
وطغت أبالسةُ الجحي / م على ملائكة النعيم
يا للمهازل والجرائ / ئم والمآسي والمساخر
غدت العذارى كالعقا / ئد والمباديء والضمائر
سلعا تباع وتشترى / علنا بأسواق الحواضر
والرابحون بها لهم / منا التهاني والبشائر
حبّ تغلغل في الصميم
حبّ تغلغل في الصميم / فقضى على الحب القديم
لمهفهف الحسن رص / ع وجنتيه بالنجوم
جعلت رجوما للقلو / ب ولا كهاتيك الرجوم
يا لائميّ وقد غدا / هدفاً لها قلب الملوم
الظلم من شيم النفو / س وقاهُ ربّي من ظلوم
لم يبلغِ العشرينَ غ / ضّ الجسم ذو صوت رخيم
وعيونه عسليّةٌ / سكرى وذو شعر فحيم
والجيد أتلعُ والمرا / شف كم شكت قبل النسيم
ظبيٌ تغار الغيد من / هُ ولا كغزلان الصريم
والمرد تحسده على / ردفيه والكشحِ الهضيم
ما كان أغناه ببن / تِ الثغرِ عن بنتِ الكروم
شوقي له شوق القطا / ةِ إلى الفراخِ أو الظليمِ
يا ليلةً كالريح م / رّتِ أو كأحلام النؤوم
يتعثّر الواشي بها / كالغيظ في صدر الحليم
في جنحها عانقته / وحنوت كالأمِّ الرءوم
وصدَعتُ بابنةِ ثغره / شملَ الوساوس والهموم
فكأننا قيس وليل / ى إذ غرقنا في الحلوم
اللَهُ ثالثنا ورا / بِعنا ابنة الطلعِ الهضيم
فجرٌ أفقتُ على سنا / هُ من ذهولي والوجوم
لما أطلّ على سما / ءِ الروح من فرق الغريم
يا مرحبا بك يا بش / ر الوصل والفضل العميم
أهلاً وسهلاً بالغرا / م البكر والأملِ الوسيم
أنقذتَ روحي من برا / ئنِ ذلك الحبّ الأثيم
ورفتها من بعدما / كانت تمرّغُ في الأديم
وأرحتها من عربدا / تِ الشكّ والألم الأليم
وهدَيتني بعد الضلا / لِ إلى الصراطِ المستقيم
والحب إحساس يجي / شُ بخافق الحرِّ الكريم
والحبّ إلهام الجما / لِ المحضِ للذوقِ السليم
هو روعة الخلق الجمي / ل ازدانَ بالخلقِ القويم
هو الصغير شباك صي / دٍ وهو دينٌ للعظيم
هذا وهل كان الهوى / إلّا لذي قلب رحيم
قم يا حبيب اليوم واس / كبها وخلّ ابن الغيوم
وانضح بها كبدي فدي / تكَ فهيَ داميَةُ الكلوم
من سخريات الوضع والأ / قدارِ والدهر الغشوم
إني أعوذ بكأسها / من كل شيطان رجيم
وأعيذها ما شعشعت / من كل مأفون لئيم
ومن الجهول وكل ذي / ذوقٍ وإحساسٍ سقيم
فضيّةٌ ذهبيّة الأ / حلامِ كاشفةُ الغموم
من خمر عاصمة الرشي / د وكم صرعتُ بها نديمي
ولكم بها جنّحتُ أحلا / مي فطارت في النعيم
ولكم على بسماتها / سامرتُ من خلٍّ حميم
صعبت فلو فرعون عا / قرها لردّ عصا الكليم
أو ذاقها موسى لكا / نَ من الفصحاة في الصميم
يا من به حزتُ النعي / مَ وبات غيري في جحيم
لا تصغِ قطّ إلى أرا / جيفِ الكواشح والخصوم
ونميمة النذل الوضي / عِ وفريةِ الوغد الزنيم
فأنا وأنت بموطن / فيه الموارد من حميم
وطنٌ به كم أعلِنَت / حربٌ ومن بعد الهجوم
إلّا على ذي المال والما / ءِ المقطّرِ واللحوم
والحرُّ موؤودٌ به / كالسرِّ في قلب الكتوم
متوحّدٌ متململ / لهفي على الحر المضيم
هوت الصقور فلا أرى / في الأفق يسبح غير بوم
وأرى الأفاضل في جحي / مٍ والأراذل في نعيم
قد حار ذو الرأي الحصي / فِ وتاه ذو العقل الحكيم
فمتى تهبّ الريح عا / تيةً وتعصف بالهشيم
أمورّد الخدين حس / بك يا حبيبي من نظيمي
هذي القصائد وهي وح / يُ عرائس الحبّ المقيم
سلوى الحزين وراحة ال / عاني وتعزية اليتيم
تشدو بها الأطيار عن / دَ تراجع الليل البهيم
تستقبل الأصباح في / أبياتهنّ لدى القدوم
لك صغتها ورفتها / لمقامك السامي الكريم
وأنا العليم بما تك / نّ وأنت أعلمُ بالعلم
طرَقتني فجر يوم المولد
طرَقتني فجر يوم المولد / وأبوها عاكفٌ في المسجد
فالتقى الثغران رغم الحسد / وكلانا متعبُ القلب صدي
غادةٌ لم تخش إنذار أبيها / لا ولم تحفل بتهديد أخيها
حين قالت أمّها قومي أغنميها / ساعة هيا معي لا تقعدي
فارتدت ثوبَ أخيها وهو نائم / وأتت تحرسُها والجوّ غائم
بأبي هائمة زفّت لهائم / موجع القلب جريح الكبد
فشجا نفسيَ ما مرّ ببالي / حين أبكاها شحوبي وهزالي
قلتُ صونيها فإنّ الدمع غالي / أدمعاً للروح لا للجسد
ونشرنا وطوينا صفحات / وسخرنا من أراجيف الوشاة
وتصفّحنا سجل الذكريات / برهةٌ واندمل الجرح الندي
ثم قالت ورذاذ المطر / حبس الطير ولما يطر
هات بنت النخل يا ابن العسكر / لا يطاق الصحو في ذا البلد
هاتها بيضاء من خمر العراق / كم بها حلّق بالندمان ساقي
ولنعاقرها معا قبل الفراق / ثم قامت ونضَت ما ترتدي
وفضضنا ختمها والسعد باسم / وسكبناها على همس النسائم
وأدرناها وأنف الشيخ راغم / وشربناها ولم نقتصد
خمرةً تسمو بذي الخلق الكريم / بتّ منها في فراديس النعيم
قبلتي كأسي ومعبودي نديمي / ما ألذّ الخمر من تلك اليد
يد حسناءٍ تعطي الراح شاعر / ذات حسٍّ يخلبُ الألبابَ ساحر
فجبين زاهر والجفن فاتر / وفم يغري وشعر عسجدي
يا لمرآى شاعر يسقي غريره / ويناغيها بألحانٍ مثره
ولمرآى غادة نشوى صغيره / وهي تسقيه وكم قالت زد
وشفينا إذ سكرنا الغللا / وتغنّت بهوانا كيف لا
فانتشى الكون وقد أصغى إلى / صوتها العذب الحنون الغرد
واعتنقنا يا لها من لحظات / هي سر العيش بل معنى الحياة
من رآنا خالنا صرعى السبات / آه لو كان سباتا أبدي
وترشفنا حميا القبل / وتركنا النوم للغر الخلي
وتحدثنا عن المستقبل / وأزحنا الستر عن دنيا الغد
وأفقنا فإذا بالشيخ قادم / وكلانا مطمئن النفس ناعم
وافترقنا ولتقُم شتى المزاعم / فلظى مأوى الأثيم المعتدي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025